الصفحة الرئيسية

آخر المشاركات

المواضيع الجديدة للصفحة الرئيسية

شذرات من : تجسد الكلمة – القديس أثناسيوس الكبير

شذرات من : تجسد الكلمة – القديس أثناسيوس الكبير

وهذا هو الخبز الذي سمعناه منه ونخبركم به ما هو هذا الخبر الذي سمعه هؤلاء ولمسوه بأيديهم؟ كلمة الحياة الذي (كان من البدء) الذي صار لوقت من الزمان منظوراً وملموساً الذي هو ابن الله الوحيد..
لماذا جاء ابن الله! وأي جديد جاء يخبرنا به؟ وهل إرادتنا هي مجرد تعليمنا؟ لماذا أراد أن يصير الكلمة جسداً ويقاس الكائن على الكل إلهاً من حماقات البشر محتملاً اللطم على خديه من الأيدي التي جبلها؟!
لنصغي إذن لئلا بدون حكمة يصير سماعنا لقصة ميلاد المسيح وتكون آلامه مجرد موضوع يشغل عقولنا ولا تتحصن به أذهاننا…
يقول الرسول (الله نور وليس فيه ظلمة البتة) … هذا ما ينبغي علينا أن نعلنه فمن يجرؤ ويقول أن الله فيه ظلمة؟

ما هو النور؟ وما هي الظلمة؟ فربما يقصد الرسول بهما مفهوماهما العام.
إذاً النور (الله نور) يقول البعض أن الشمس نور والقمر نور والشمعة نور إذاً لابد وأن يكون ذلك النور أعظم بكثير من تلك بل وأكثر منه سمواً وتعالياً فما أبعد الله عن الإنسان!! والخالق عن الخليقة!!
والحكمة عن مخلوقاتها!! ما أبعد هذا النور عن كل شيء!!
يمكننا أن نقترب من هذا النور إن عرفناه وسلمنا له أنفسنا لتستنير به فنحن بأنفسنا ظلمة ولا نصير نوراً إلا إذا استنرنا به وحده وإذ نحن متعثرون بأنفسنا فلا ينبغي أن نتعثر به.
من ذا الذي تعثر بذاته إلا ذاك الذي يعرف أنه خاطئ؟! ومن ذا الذي لا يتعثر بذاته إلا ذاك الذي يعرف أنه خاطئ ومن ذا الذي لا يتعثر بهذا النور إلا الذي استنار به؟!
وماذا تعني الاستنارة به سوى أن يعرف الإنسان أن نفسه قد أظلمت بالخطية ويرغب في الاستنارة بالنور فيقترب منه كما يقول المزمور :
(اقتربوا إلى الرب واستنيروا ووجوهكم لن تخجل) فأنت لن تخجل من هذا النور عندما يكشف لك ذاتك ويعرفك أنك شرير فتحزن على شرك وعندئذ تدرك جمال هذا النور… هذا هو ما ينبغي أن يخبرنا به الله.

الله خالق وصالح، خلق الله الإنسان من العَدَم، على صورته ومثاله، وكان قصده أن يبقى الإنسان فى سعادة وفي غير فساد، مانحا إياه – بنعمة الكلمة – الحياة الأبدية إن هو أبقي الله في معرفته ولم يخالف الوصية، كما يقول سفر الحكمة “الله خلق الإنسان لعدم الفساد وجعله على صورة أزليته“ (٢٣:٢).
+ السقوط وحكم الموت..
ولكن البشر حَوَّلوا وجوههم عن الأمور الأبدية، وأحتقروا التفكير في الله ورفضوه، وبمشورة الشيطان تعدوا الوصية وتحولوا إلى أعمال الفساد الطبيعي وصاروا هم أنفسهم السبب فيما حدث لهم من فساد بالموت.
نتيجة السقوط هي موت الإنسان لأنه إنفصل عن الله مصدر الحياة وفقد كل معرفة عن الله وبالتالي بدأ الفساد يَسود علي البشر، ونزعت عنهم نعمة مماثلة صورة الله. هذه النعمة التي كانت تمكنهم من أن يبقوا في شركة الحياة وعدم الفساد…
تمادي البشر في الشر فلم يقفوا عند حد معين في خطاياهم بل صاروا يخترعون الشر.. وكل شر كان يقودهم إلي شر جديد.. وصاروا يسلكون في الفساد والظلم أفرادا وجماعات.. فنشبت الحروب وقامت الأمم ضد بعضها وتمزقت المسكونة كلها..


الكلمة صار بشرا فسكن بيننا

فصل من بشارة القديس يوحنا الإنجيلي البشير (يوحنا ١، ١- ١٨)

في البَدءِ كانَ الكَلِمَة والكَلِمَةُ كانَ لَدى الله والكَلِمَةُ هوَ الله. كانَ في البَدءِ لَدى الله. بِه كانَ كُلُّ شَيء وبِدونِه ما كانَ شَيءٌ مِمَّا كان. فيهِ كانَتِ الحَياة والحَياةُ نورُ النَّاس والنُّورُ يَشرِقُ في الظُّلُمات ولَم تُدرِكْه الظُّلُمات. ظَهَرَ رَجُلٌ مُرسَل مِن لُدن الله، اسْمُه يوحَنَّا. جاءَ شاهِدًا لِيَشهَدَ لِلنَّور فَيُؤمِنَ عن شَهادتِه جَميعُ النَّاس. لم يَكُنْ هو النُّور بل جاءَ لِيَشهَدَ لِلنُّور. الكلمة هو النّور الحَقّ الآتي إِلى العالَم والمُنير كُلّ إنسان. كانَ في العالَم وبِه كانَ العالَم والعالَمُ لَم يَعرِفْهُ. جاءَ إِلى بَيتِه. فما قَبِلَه أَهْلُ بَيتِه.
أَمَّا الَّذينَ قَبِلوه وهُمُ الَّذينَ يُؤمِنونَ بِاسمِه فقَد مَكَّنَهم أَنْ يَصيروا أَبْناءَ الله: إِنَّهُم لم يُولَدوا مِن ذي دَمٍ، ولا مِن رَغبَةِ ذي لحم، ولا مِن رَغبَةِ رَجُل، بل مِنَ اللهِ. والكَلِمَةُ صارَ بَشَرًا فسَكَنَ بَينَنا فرأَينا مَجدَه مَجدًا مِن لَدُنِ الآبِ لابنٍ وَحيد مِلؤُه النِّعمَةُ والحَقّ. شَهِدَ له يوحَنَّا فهَتف: "هذا الَّذي قُلتُ فيه: إِنَّ الَّذي يَأتي بَعْدي قد تَقَدَّمَني لأَنَّه كانَ مِن قَبْلي". فمِن مِلْئِه نِلْنا بِأَجمَعِنا وقَد نِلْنا نِعمَةً على نِعمَة. لأَنَّ الشَّريعَةَ أُعطِيَت عن يَدِ موسى وأَمَّا النِّعمَةُ والحَقّ فقَد أَتَيا عن يَدِ يسوعَ المسيح. إِنَّ اللهَ ما رآهُ أَحدٌ قطّ الابنُ الوَحيدُ الَّذي في حِضْنِ الآب هو الَّذي أَخبَرَ عَنه.

✨"َالكَلِمَةُ صارَ بَشَرًا فَسَكَنَ بَينَنا" (يوحنا ١، ١٤)

في يوم عيد الميلاد، نقف بخشوع أمام آية تختصر سرّ الإيمان كلّه، وتفتح أمام القلب أفقًا لا يُستنفد: "والكَلِمَةُ صارَ بَشَرًا فَسَكَنَ بَينَنا".

ليس الأمر مجرّد حدثٍ تاريخي، ولا رواية جميلة تُستعاد كل عام، بل انقلاب هادئ في مسار العلاقة بين الله والإنسان. الكلمة، الذي به كان كل شيء، لم يكتفِ بأن يكلّمنا من العلاء، ولا بأن يرسل وصايا أو أنبياء فقط، بل دخل لغتنا، ولبس هشاشتنا، وحمل جسدنا، وسكن زمننا. لم يعد الله فكرة بعيدة، بل صار وجهًا يمكن النظر إليه، وصوتًا يمكن سماعه، وقلبًا ينبض في وسط العالم.

"سكن بيننا"… لم يأتِ ضيفًا عابرًا، ولا زائرًا مؤقتًا، بل اختار أن ينصب خيمته في قلب الواقع الإنساني بكل ما فيه من فقر وفرح، من دموع ورجاء. سكن بيننا في عائلة بسيطة، في بيت متواضع، في تاريخ مليء بالانتظار والجراح. وكأن الله يقول للإنسان: لن أخلّصك من بعيد، بل من الداخل.

في هذا المقطع من الإنجيل، نسمع أن النور أشرق في الظلمات، والظلمات لم تدركه. الميلاد هو هذا النور الذي لا يُلغِي الظلمة بقوة، بل يخترقها بوداعة. نور لا يفرض نفسه، بل يُعطى. نور طفل، لا سيف. وهنا تكمن المفارقة الإلهية: القدرة المطلقة تختار الضعف، والمجد يختبئ في مذود، والأزلي يدخل الزمن.

"أما الذين قبلوه فقد مكّنهم أن يصيروا أبناء الله". الميلاد ليس فقط إعلانًا عمّن هو الله، بل كشفًا عمّن نحن مدعوون أن نكون. في الطفل المولود نكتشف كرامتنا، وفي التجسّد نفهم أن الإنسان ليس مرفوضًا ولا منسيًا، بل مُختارًا ومسكونًا بحضور الله.

عيد الميلاد هو دعوة لأن نعيد النظر في حياتنا: هل نسمح للكلمة أن يسكن بيننا حقًا؟ لا في الكنائس فقط، بل في بيوتنا، في علاقاتنا، في جراحنا، وفي ضعفنا اليومي. الله لا يزال يريد أن يولد، لا في مغارة بيت لحم فحسب، بل في قلب كل إنسان يفتح له بابًا.

في هذا العيد، لنقف بصمت أمام المذود، وندرك أن أعظم عطيّة ليست ما نُقدّمه، بل ما نسمح له أن يفعله فينا. الكلمة صار بشرًا… لكي لا يبقى الإنسان وحده بعد الآن

أعلى