تفسير سفر إرميا - الأصحاح 20 | تفسير انطونيوس فكري


العدد 1- 6:
الأيات 1-6 :- و سمع فشحور بن امير الكاهن و هو ناظر اول في بيت الرب ارميا يتنبا بهذه الكلمات. فضرب فشحور ارميا النبي و جعله في المقطرة التي في باب بنيامين الاعلى الذي عند بيت الرب. و كان في الغد ان فشحور اخرج ارميا من المقطرة فقال له ارميا لم يدع الرب اسمك فشحور بل مجور مسابيب. لانه هكذا قال الرب هانذا اجعلك خوفا لنفسك و لكل محبيك فيسقطون بسيف اعدائهم و عيناك تنظران و ادفع كل يهوذا ليد ملك بابل فيسبيهم الى بابل و يضربهم بالسيف. و ادفع كل ثروة هذه المدينة و كل تعبها و كل مثمناتها و كل خزائن ملوك يهوذا ادفعها ليد اعدائهم فيغنمونها و ياخذونها و يحضرونها الى بابل. و انت يا فشحور و كل سكان بيتك تذهبون في السبي و تاتي الى بابل و هناك تموت و هناك تدفن انت و كل محبيك الذين تنبات لهم بالكذب.

بعد العظة الواضحة التى ألقاها النبى بدأ إضطهاده بواسطة فشحور الكاهن. وكان المنتظر أن يحمى فشحور إرمياء وبالأخص لأنه نبى وكاهن مثله. ولكنه ضربه كما ضُرِب بولس الرسول (أع2:23) ووضعهُ فى المقطرة وهى أله تعذيب يوضع فيها السجين منحنياً وتربط يديه ورجليه ورقبته فيتألم ألماً مبرحاً. بل ليزيد من ألامه كان هذا أمام الناس ليسخر منه المارة ويحتقروه (فلا يلتفتوا لكلامه، فكلامه ضد كلامهم بأن مصر ستنقذهم). وكان ذلك عند باب بنيامين بين المدينة والهيكل. والغرض أن يمتنع عن نبواته بالتهديد. ولكن لم تتحقق أغراض فشحور فقد هاجمه النبى بشدة. فلو قُيَدَ النبى فكلمة الله لا تُقيد، والله يصدر حكمه على هذا الكاهن الشرير. ناظر أول فشحور كان لهُ مركزاً سامياً فى الهيكل به يستطيع أن يسجن أرمياء بتهمة الإخلال بالأمن العام. ومعنى إسم فشحور = فرح. ولكن أرمياء سماه مجور مسابيب = وهذه معناها خوف من كل جانب. فالله يحوَل أفراح الخطاة لمخاوف (حينما تأتى بابل) وسيمتلىء هو رُعباً وحزناً. بل سيكون منفراً لأصدقائه وهو فى حالته هذه. والله لم يقتله فوراً بل تركهُ يتألم مثل قايين.وإنها لشجاعة للنبى أن ينطق بكل هذه النبوات ضد من سجنه وضد الملك وكل الشعب. ولم يرد فشحور لأن خوف الله سقط عليه مباشرة بكلمة النبى (إذ قال له مجور مسابيب أى خوف من كل جانب فحدث هذا فوراً)، فطرد أرمياء وإكتفى بهذا.
العدد 7- 13:
الأيات 7-13:- قد اقنعتني يا رب فاقتنعت و الححت علي فغلبت صرت للضحك كل النهار كل واحد استهزا بي. لاني كلما تكلمت صرخت ناديت ظلم و اغتصاب لان كلمة الرب صارت لي للعار و للسخرة كل النهار. فقلت لا اذكره و لا انطق بعد باسمه فكان في قلبي كنار محرقة محصورة في عظامي فمللت من الامساك و لم استطع. لاني سمعت مذمة من كثيرين خوف من كل جانب يقولون اشتكوا فنشتكي عليه كل اصحابي يراقبون ظلعي قائلين لعله يطغى فنقدر عليه و ننتقم منه. و لكن الرب معي كجبار قدير من اجل ذلك يعثر مضطهدي و لا يقدرون خزوا جدا لانهم لم ينجحوا خزيا ابديا لا ينسى. فيا رب الجنود مختبر الصديق ناظر الكلى و القلب دعني ارى نقمتك منهم لاني لك كشفت دعواي. رنموا للرب سبحوا الرب لانه قد انقذ نفس المسكين من يد الاشرار.

مهما حدث لفشحور من رعب فما لا يمكن إنكاره أن النبى إنسان عادى له مشاعرهُ. وهذه المشاعر جُرِحَتْ فيما قام بهِ فشحور خصوصاً من تعريضه لسخرية الناس ونلاحظ فى هذه الأيات صراع داخلى يعتمل فى نفس النبى بين عمل نعمة الله المعزية وأحزان النبى الإنسانية. وهذه المشاعر نجدها هنا متداخلة. ففى أية (7) قد أقنعتنى فإقتنعت = هنا عمل النعمة يغلب. ولكن بماذا أقنعه؟ العله رأى صورة الصليب والعار الذى كان للمسيح عليه وسخرية المارة حوله وشماتتهم فيه وهو ربُ المجد. وهو ما حدث لأرمياء فالشعب كان يسخر منهُ ومن كلامهُ ويوَدون لو توقف وها هو فى المقطرة وهذا هو يومهم للسخرية العلنية منهُ. ولكن إذا كان الله إحتمل فعليك يا أرمياء أن تحتمل أم هل أقنعه الله كما أقنع صموئيل من قبل "هم لم يهزأوا بك بل هزأوا بى" وأن ألامك يا أرمياء هى ألامى. أم أراه الله عقوبة هؤلاء أم أقنعه بأن الألم ضريبة المجد أم كل هذا معاً. الله يعلم.

ولننظر عمل نعمة الله، أنها تُلَح على الإنسان = الححت على فغلبت. بالرغم من أننى صرت للضحك وفى (8) هو يهان لأجل أمانته وغيرته فى خدمته. فكانوا يهزأون به لأنه يصرخ من غيرته. ولنعرف أن الخدام الأمناء هم سخرية غير المؤمنين أو غير التائبين. وهم سخروا منه لأنه قال ظلم وإغتصاب = فهم لا يحتملون من يذكرهم بخطاياهم. وفى (9) فقلت لا أذكره هذه غواية من الشيطان ولها منطق عقلانى. فطالما أن هؤلاء الناس لا يستحقون عملك فأترك خدمتك وأسترحْ فى بيتك وأعكف على الصلاة. فتعاليمك صارت للهزء من السامعين. ولكن وجد كلام الله فى قلبه كنار وعمل نعمة الله فيه قوياً منفجراً يبحث عن مخرج لها. بل أشعره الله بقوته معهُ وضعف أعدائه فلم يستطع السكوت. وفى (10) لماذا أراد أولاً السكوت "لأنى سمعت مذمة من كثيرين" = أى كلام إفتراء ووشاية وخوف من كل جانب = فى سخرية حوََلَ الناس عبارة أرمياء ضده (كأنهم يقولون من الذى يحيطه الخوف من كل الجانب أهو فشحور، أم أنت يا أرمياء، بل أحاطوه فعلاً بالخوف) = يقولون إشتكوا فنشتكى عليه اى فليخترع أى إنسان كذبة ضده ونحن سنروجها لهُ ونشهد ضده بل سنزيد عليها. كل أصحابى يراقبون ظلعى = ظَلْعى أى عرجى أو أى خطأ منى. وهذا ما عملوه مع المسيح فكانوا يرسلون للمسيح ولأرمياء من يتصِيدهم بكلمة ليشتكوا بأى خطأ عليه. وللأسف فهم يرسلون الأصحاب فأية خيانة مؤلمة هذه. قائلين لعله يُطغى = أى لعله يمكن إغواؤه فنرغمه على أن يكف عن نبواته وتوبيخاته لنا. ولكن كما صار لفشحور خوفاً من كل جانب هكذا فليعثر مضطهدىَ (11) هؤلاء الذين يسيئون لشرفه من وراء ظهره فلا يستطيع أن يدافع عن نفسه مثل أنه يثير فتنة ضد الحكومة وينادى بثورة ضد الملك ويتحالف مع بابل.
ملحوظة:-

سمعت مذمة من كثيرين هى صلاة داود فى المزامير (13:31) فلنتعلَم الصلاة بالمزامير. فكل من يتألم مثل داود وأرمياء فالروح القدس الذى أوحى بهذه الكلمات يعطى تعزية حين نصلى بها. وفى (13) نجد أن الصراع بين نعمة الله ومخاوفه كإنسان ينتهى لصالح النعمة ويرى خلاصه فيسبح الرب لأنه أنقذه من يد الأشرار.
العدد 14- 18:
الأيات 14-18 :- ملعون اليوم الذي ولدت فيه اليوم الذي ولدتني فيه امي لا يكن مباركا. ملعون الانسان الذي بشر ابي قائلا قد ولد لك ابن مفرحا اياه فرحا. و ليكن ذلك الانسان كالمدن التي قلبها الرب و لم يندم فيسمع صياحا في الصباح و جلبة في وقت الظهيرة. لانه لم يقتلني من الرحم فكانت لي امي قبري و رحمها حبلى الى الابد. لماذا خرجت من الرحم لارى تعبا و حزنا فتفنى بالخزي ايامي.

هذه حرب جديدة باليأس والألم إستغل فيها عدو الخير إحساس النبى البشرى العادى من الجرح نتيجة إهانات فشحور لهُ. والحياة تتخللها فترات تنتصر فيها النعمة وفترات تتغلب فيها الألام الإنسانية. ولكن طالما هناك حياة فليكن لنا رجاء (مز22:31 + 7:77 + أى1:3).
أسفار الكتاب المقدس
أعلى