تفسير سفر إرميا - الأصحاح 23 | تفسير انطونيوس فكري


العدد 1- 8:
الأيات 1-8 :- ويل للرعاة الذين يهلكون و يبددون غنم رعيتي يقول الرب. لذلك هكذا قال الرب اله اسرائيل عن الرعاة الذين يرعون شعبي انتم بددتم غنمي و طردتموها و لم تتعهدوها هانذا اعاقبكم على شر اعمالكم يقول الرب. و انا اجمع بقية غنمي من جميع الاراضي التي طردتها اليها و اردها الى مرابضها فتثمر و تكثر. و اقيم عليها رعاة يرعونها فلا تخاف بعد و لا ترتعد و لا تفقد يقول الرب. ها ايام تاتي يقول الرب و اقيم لداود غصن بر فيملك ملك و ينجح و يجري حقا و عدلا في الارض. في ايامه يخلص يهوذا و يسكن اسرائيل امنا و هذا هو اسمه الذي يدعونه به الرب برنا. لذلك ها ايام تاتي يقول الرب و لا يقولون بعد حي هو الرب الذي اصعد بني اسرائيل من ارض مصر. بل حي هو الرب الذي اصعد و اتى بنسل بيت اسرائيل من ارض الشمال و من جميع الاراضي التي طردتهم اليها فيسكنون في ارضهم.

هنا كلمات مرعبة ويل للرعاة المهملين سواء ملوك أو كهنة الذين كان يجب أن يرعوا رعية الله (غنم رعيتى) ولكنهم بظلمهم بددوها. وهؤلاء الرعاة سيعاقبهم الله (2،1) وكلمة راعى أطلقت على كورش كملك حرر اليهود من السبى (أش28:44) وها هى تطلق هنا على الكهنة. ولكن الراعى الحقيقى كملك حررنا وككاهن قدم ذبيحة نفسه ليفتش على الخروف الضال هو السيد المسيح (يو11:10). لذلك فى (3) يتولى الله رعاية غنمه، أنا أجمع بقية غنمى. من جميع الأراضى فهو سيجمع الجميع يهوداً وأمم. فالله طرد الإنسان من الجنة بسبب الخطية وها هو بالفداء سوف يعيده للسماويات. وسيقيم الله على شعبه رعاة كوكلاء عنهُ. والمسيح كراعٍ صالح يقول " الذين أعطيتنى لم يهلك منهم أحد إلا إبن الهلاك ". وحدث هذا فى العودة من السبى الذى كان رمزاً لعمل المسيح، أن أقام الله رعاة أمناء، مثل زربابل ونحميا وعزرا. ثم ينتقل الكلام بوضوح أكثر عن المسيا المنتظر، المسيح الذى يبررنا ويحررنا ويرعانا ويملك علينا وسيأتى فى أواخر الأيام (أيام الدولة اليهودية) ليبارك كنيسته ويكون مجداً لشعبه (6،5) فبعد أن تنبأ النبى بأنه لن يجلس إبن ليكنيا على كرسى داود. ولكن الله سبق وَوَعد داود بأن له إبن يجلس على العرش إلى الأبد. وهكذا يتحقق الوعد فى المسيح وفى المسيح قام عرش داود أكثر لمعاناً. وهذه النبوة واضحة جداً عن المسيح. ويسمى هنا الغصن (زك8:3) وهذا يعنى أن بداية المسيحية كانت صغيرة وبعد ذلك نمت وإخضرت الشجرة وإمتلأت ثماراً فالمسيح هو أصل وذرية داود (رؤ16:22). وهو غصن بر وإسمه الرب برنا = وهنا تلاعب بالألفاظ فمعنى كلمة صدقيا (ياه = الرب – صدق) الذى معناه الرب برنا فبنهاية يكنيا إنتهى كرسى داود وأصبح عقيماً. وصدقيا هذا سيأتى بعد ذلك أخباره الرديئة فليس هو الإنسان البار المخلص الذى يجب أن ينتظره الشعب فهذا برزائف بل هناك فى المستقبل المسيح برنا وهو أتٍ. وسيقيمه الرب كغصن جديد (فرخ أو نبت) بعد أن ينتهى كرسى داود الزمنى. والمسيح هو القدوس البار وحده ويبرر من يؤمن به. وفى أيامه يخلَص بهوذا ويسكن إسرائيل أمناً = هى الكنيسة التى قال لها "سلامى أترك لكم" فالكنيسة هى إسرائيل الروحى. وهناك ملحوظة أن الهيكل بُنى فى السنة 480 للخروج من أرض مصر والتحرر من العبودية (1مل1:6). وبعد السبى البابلى ب 490 سنة بنى هيكل المسيح إذاً هنا مقارنة فى (8،7) بين خلاص الشعب فى المرتين. والمقارنة تعطى أهمية للخلاص من سبى بابل لأن هذا الخلاص أتى بعده وكان رمزاً واضحاً لخلاص المسيح. لذلك فمعنى هذه الأيات صراحة أنه حين نعرف خلاص المسيح وعمله فى تحريرنا من الخطية لن نعود نذكر خلاص اليهود من مصر ولا من بابل لأن كل هذه إنما كانت رموزاً فقط. وهناك ملحوظة أخرى أن وقت بناء الهيكل الأول كانت الأمة اليهودية فى أوج عظمتها أيام سليمان الملك والمسيحية بالمسيح الذى أسسها ككنيسة هى جسده بل هيكل جسده كانت ولا زالت فى أوج مجدها طالما مسميها فيها نورها ومجدها. فالمجد الروحى أبدى.
العدد 9- 32:
الأيات 9-32 :- 9- في الانبياء انسحق قلبي في وسطي ارتخت كل عظامي صرت كانسان سكران و مثل رجل غلبته الخمر من اجل الرب و من اجل كلام قدسه. 10- لان الارض امتلات من الفاسقين لانه من اجل اللعن ناحت الارض جفت مراعي البرية و صار سعيهم للشر و جبروتهم للباطل. 11- لان الانبياء و الكهنة تنجسوا جميعا بل في بيتي وجدت شرهم يقول الرب. 12- لذلك يكون طريقهم لهم كمزالق في ظلام دامس فيطردون و يسقطون فيها لاني اجلب عليهم شرا سنة عقابهم يقول الرب. 13- و قد رايت في انبياء السامرة حماقة تنباوا بالبعل و اضلوا شعبي اسرائيل. 14- و في انبياء اورشليم رايت ما يقشعر منه يفسقون و يسلكون بالكذب و يشددون ايادي فاعلي الشر حتى لا يرجعوا الواحد عن شره صاروا لي كلهم كسدوم و سكانها كعمورة. 15- لذلك هكذا قال رب الجنود عن الانبياء هانذا اطعمهم افسنتينا و اسقيهم ماء العلقم لانه من عند انبياء اورشليم خرج نفاق في كل الارض. 16- هكذا قال رب الجنود لا تسمعوا لكلام الانبياء الذين يتنباون لكم فانهم يجعلونكم باطلا يتكلمون برؤيا قلبهم لا عن فم الرب. 17- قائلين قولا لمحتقري قال الرب يكون لكم سلام و يقولون لكل من يسير في عناد قلبه لا ياتي عليكم شر. 18- لانه من وقف في مجلس الرب و راى و سمع كلمته من اصغى لكلمته و سمع. 19- ها زوبعة الرب غيظ يخرج و نوء هائج على رؤوس الاشرار يثور. 20- لا يرتد غضب الرب حتى يجري و يقيم مقاصد قلبه في اخر الايام تفهمون فهما. 21- لم ارسل الانبياء بل هم جروا لم اتكلم معهم بل هم تنباوا. 22- و لو وقفوا في مجلسي لاخبروا شعبي بكلامي و ردوهم عن طريقهم الرديء و عن شر اعمالهم. 23- العلي اله من قريب يقول الرب و لست الها من بعيد. 24- اذا اختبا انسان في اماكن مستترة افما اراه انا يقول الرب اما املا انا السماوات و الارض يقول الرب. 25- قد سمعت ما قالته الانبياء الذين تنباوا باسمي بالكذب قائلين حلمت حلمت. 26- حتى متى يوجد في قلب الانبياء المتنبئين بالكذب بل هم انبياء خداع قلبهم. 27- الذين يفكرون ان ينسوا شعبي اسمي باحلامهم التي يقصونها الرجل على صاحبه كما نسي اباؤهم اسمي لاجل البعل. 28- النبي الذي معه حلم فليقص حلما و الذي معه كلمتي فليتكلم بكلمتي بالحق ما للتبن مع الحنطة يقول الرب. 29- اليست هكذا كلمتي كنار يقول الرب و كمطرقة تحطم الصخر. 30- لذلك هانذا على الانبياء يقول الرب الذين يسرقون كلمتي بعضهم من بعض. 31- هانذا على الانبياء يقول الرب الذين ياخذون لسانهم و يقولون قال. 32- هانذا على الذين يتنباون باحلام كاذبة يقول الرب الذين يقصونها و يضلون شعبي باكاذيبهم و مفاخراتهم و انا لم ارسلهم و لا امرتهم فلم يفيدوا هذا الشعب فائدة يقول الرب.

هنا الكلام موَجه للأنبياء الكذبة وللشعب الذى إنخدع بأقوالهم. وفى (9) هذا النبى المحب كان قلبه ينسحق عند سماعه كلام الربَ ضد شعبه = من أجل كلام قدسه. وكان ينسحق بالأكثر من أجل الرب = الذى كان هؤلاء الكذبة يستخدمون إسمه باطلاً وبالكذب. وفى (10) الفاسقين = أى الزناة روحياً وجسدياً بلا خوف من الله. لأنه من أجل اللعن = نتيجة خطاياهم وإهاناتهم لله لعنهم الله فجفت أرضهم. لأنه لا توبة وهم لهم قوة جبارة لكن للأسف فهى مستخدمة للشر ولذلك فكل تعبهم باطل لأنه بدون بركة الله. وفى (11) فالأنبياء والكهنة يتظاهرون بخدمة الرب حتى فى بيته ولكن هم لهم أغراضهم الأخرى وهم تنجسوا جميعاً*(* النجاسة إشارة للزنا الجسدى والزنا الروحى).

بل فى بيتى. ويشرح حزقيال هذا فى (حز 8) كيف أدخل هؤلاء العبادة الوثنية داخل الهيكل وفى (12) لأنهم ضللوا الشعب فهم سيكونون فى ظلام. وبينما هم يحاولون أن يقودوا آخرين لن يجدوا هم أمان أو سلام فى طريقهم. هم يخدعون الناس ليجدوا راحة مزيفة بينما هم ليس لديهم راحة. بل ستأتى سنة عقابهم = أى الوقت الذى حدده الله ليعاقبهم. وفى (13) يقارن بينهم وبين أنبياء السامرة الذين كانوا يتنبأون بإسم "بعل" الههم فجعلوا الناس يتركون عبادة الله ويعبدون البعل. ولكن الحال فى أورشليم أسوأ فهم يستخدمون إسم الله مما يخدع الناس بالأكثر. فشعب الله إذا سمع من يتكلم بإسم البعل سيرفضون السماع ولكن إذا وجدوا من يتكلم بإسم الله قد ينخدعوا ويسمعوا فيسقطوا.

وفى (15) إفسنتينا = مر وسام هكذا ماء العلقم. وفى (16) لا تسمعوا لهم فيجعلونكم باطلاً = من يتبع الباطل يصير باطلاً مثله. وهم باطل فهم لا يسمعون من الرب بل برؤيا قلبهم. وفى (17) لمحتقرىَ = أى من يحتقر الرب عوضاً عن أن يوبخوه يقولون لهُ سلام. وفى (18) يتهمهم الله أنهم لم يتشاوروا معهُ ولم يسألوه ماذا يقولون ولا حتى قرأوا كتابه المقدس فيعرفون إرادته. وفى (19) غضب الرب كعاصفة لا شىء يقف أمامها وفى (20) الله لن يغير مقاصده حتى ينفذ ما يريد. والشعب لن يفهموا الأن بل حين يأتى الخراب فى نهاية الأيام سيرون بعيونهم ويفهمون وهم لن يفهموا الأن ليس لأن كلام الله فيه غموض فها هو أرمياء يصيح فى كل مكان بوضوح تام ولكن هم لا يريدون أن يفهموا وفى (21) لم يرسل الله هؤلاء بل هم جروا = بكل جرأة لا شىء يعوقهم. فالمعوقات تقف فى سبيل الأنبياء الحقيقيين مثل أرمياء. ولكن لماذا سمح الله بهم؟ لماذا لم يمنعهم؟. لأن الشعب لم يكن يستحق هذا. وهم لم يطلبوا الله ليعرفوا الحق من الباطل. بل هو سألوا شهوات قلوبهم. وفى (23) العلى إله من قريب و لست من بعيد = الله يعرف كل شىء فمن يتصوَر أنه بعيداً فى السماء على عرشه فهو لا يعرف ما يحدث هنا على الأرض يخطىء. والمعنى الله يعرف كل شىء ولا داعى أن يكون قريب ليرى كل شىء ونخشاه فهو وهو من بعيد يعرف ويرى كل شىء. "كيف أصنع هذا الشر أمام الرب" هذا بعين الإيمان الذى يرى الله دائماً قريب. وهو يعرف الأحلام*(لعل الأحلام تشير لأوهامهم)

(25) والتى يدعون كاذبين أنهم يرونها. ملحوظة:- هذه هى لعبة الشيطان الدائمة أن يعطينا شعور أن الله بعيد ولن يرانا. أو يعطى وهم خاطىء بأن الله يمكن أن يرى.... نعم ولكن لن يعاقب على هذه فهو يعرف ظروفك الخاصة. وفى (26) إلى متى يظل هذا فى قلوب الأنبياء الكذبة الذين هم أنبياء خداع قلبهم. ونفس هذا السؤال موجه لكل من إنخدع بخطاياه وفى (28) هنا الله يضع الإنسان أمام حقيقة هامة. فليستعمل الأنبياء الكذبة أحلامهم ليخدموا شعبى أما رجالى وأنبيائى الحقيقيين يستعملون كلمتى. ولكن فالأولى كالتبن وكلمتى كالحنطة. الأولى تحرقها النار والثانية تشبع وتغذى وتنمى. الأولى بلا قيمة تطير فى الهواء والثانية هى التى لها قيمة. وليسأل أحد المخدوعين وكيف لى أن أعرف فأنا برىء مخدوع والرد فى (29) لا بل كل كلمة من فم الله كنار تُصَلبْ الصلصال أى تقوى وتشدد الركب المرتخية وتذيب الشمع. القلوب المتحجرة كالشمع تذيبها وإذا لم تذوب بالنار تكون كلمة الله كمطرقة تحطم الصخر. إذا لم يذوب بنار الحب فيطبع الله فيه صورته، فكلمته تحطم القلب المتحجر لأنها تخيف الخاطىء. فنفس الكلمة التى تعزى وتفرح، تخيف وترعب على حسب حالة القلب. وهناك قلب شمعى كلمة الله تذيبه بالمحبة وهناك قلب صخرى يحطمه الله بالخوف. وإذا كان هناك خبث فكلمة الله تحرقه وتنقى الذهب منه والله يضع السامعين أمام سؤال هام. ما تأثير كلمة أى إنسان عليكم؟ اسألوا قلوبكم. ماذا فى داخلها توبة، عزاء، فرح، حب، عطف وشفقة إذاً هى كلمة الله. أو شهوة وغم وقلق وإضطراب إذاً هى خداعات الأنبياء الكذبة أو شهواتكم وفى (30) يسرقون كلمتى = هم يسرقون كلمة الله الحقيقية من قلوب سامعيها (مت 19:13) أو بخداعاتهم يفقدوا كلمة الله تأثيرها فى القلوب. وهم يسرقون كلمات أنبيائى وتعبيراتهم ويخلطونها بما عندهم وفى (31) يأخذون لسانهم ويقولون قال = أى يتكلمون بما يريدون وينسبونه لى.


العدد 33- 40:
الأيات 33-40 :- 33- و اذا سالك هذا الشعب او نبي او كاهن قائلا ما وحي الرب فقل لهم اي وحي اني ارفضكم هو قول الرب. 34- فالنبي او الكاهن او الشعب الذي يقول وحي الرب اعاقب ذلك الرجل و بيته. 35- هكذا تقولون الرجل لصاحبه و الرجل لاخيه بماذا اجاب الرب و ماذا تكلم به الرب. 36- اما وحي الرب فلا تذكروه بعد لان كلمة كل انسان تكون وحيه اذ قد حرفتم كلام الاله الحي رب الجنود الهنا. 37- هكذا تقول للنبي بماذا اجابك الرب و ماذا تكلم به الرب. 38- و اذا كنتم تقولون وحي الرب فلذلك هكذا قال الرب من اجل قولكم هذه الكلمة وحي الرب و قد ارسلت اليكم قائلا لا تقولوا وحي الرب. 39- لذلك هانذا انساكم نسيانا و ارفضكم من امام وجهي انتم و المدينة التي اعطيتكم و اباءكم اياها. 40- و اجعل عليكم عارا ابديا و خزيا ابديا لا ينسى.

التهمة الموجهة لهم هنا هى الإستهزاء بأنبياء الرب وكلمته. وجعلهما مادة للسخرية (34،33). فهم يسخرون قائلين ما هو وحى الرب. وكلمة وحى هى فى الأصل تستخدم بمعنى وحى أو حمل. والأنبياء إستخدموها بمعنى حمل ليعبروا عن أن كلمة الله داخلهم كحمل وهى تضغط عليهم حتى لا يكفوا عن ترديدها. وعمل الشيطان دائماً أن يعلَم الخطاة أن يسخروا من كلمة الله. (وحتى اليوم فالهازئين يهزأون من خدام الله الذين يحذرون من أن جهنم مصير الأشرار. بل هناك من يهزأ بالكتاب المقدس نفسه) وغالباً فإن هذا بدأ من الكهنة والأنبياء الكذبة وعلموه للشعب. اما نحن فعلينا أن نطلب بوقار أن نعرف مشيئة الله وفكره. أما كلمة الله لهم ووحيه فهى إنى أرفضكم (33) وفى (34) الله سيعاقبهم بسبب سخريتهم بكلمة الوحى. وفى (36) كلمة كل إنسان تكون وحيه = لها معنيان فكل إنسان سيضلله عقله والله لن يرشده للحق. ولكن إذا فهمنا كلمة وحى بحسب أصلها أن معناها حمل BURDEN فإن هذا الإنسان الشرير سيكون ذنب خطيته ثقيلاً عليه حتى يغرقه فى هوة الخراب. وقد تكون سخريتهم معناها "ما هو الثقل الجديد علينا".
أسفار الكتاب المقدس
أعلى