*** موضوع متكامل عن اباء الكنيسة الاولى ***

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,034
مستوى التفاعل
837
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
*** موضوع متكامل عن آباء الكنيسة الأولى ***




القديس بنتينوس

القديس اكليمنضس الإسكندري

ديونيسيوس البابا 14

البابا بطرس الأول - البابا 17

البابا الكسندروس الأول - البابا 19

القديس ديديموس الضرير

البابا كيرلس الأول - البابا 24

القديس اكليمنضس الإسكندري

العلامة ترتليان

تاتيان

القديس هيبوليتس الروماني

ايرينيؤس أسقف ليون

كبريانوس أسقف قرطاجنة

سيرابيون أسقف تيمي

ثيؤفيليس أسقف انطاكية

يوسابيوس أسقف قيصرية

القديس باسيليوس الكبير

القديس غريغوريوس النزينزي

القديس غريغوريوس أسقف نيصص

امفيلوخيوس أسقف أيقونية


وسيتم شرح كل اب من اباء الكنيسة الاولى بالتفصيل ...

http://www.ava-kyrillos.com/forums/showthread.php?t=77431#ixzz0wh0mss1g
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,034
مستوى التفاعل
837
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
القديس هيبوليتس الروماني



يوجد خلاف كبير بين الدارسين بخصوص شخصية هيبوليتس والكتابات المنسوبة إليه.


توجد روايتان عن سيرة هذا الشهيد،


الأولى الواردة في التاريخ الروماني


أنه كان ضابطًا ومسئولاً عن القديس لورنس Laurence أثناء حبسه. تأثر هيبّوليتَس بالقديس فآمن وتعمد وبعد استشهاده ساعد في تكفينه ودفنه. وبسبب ذلك أُحضِر أمام الإمبراطور الذي وبّخه على إهانة الزيّ الرسمي وأمر بجلده، وكان معه تسعة عشر مسيحيًا ضُرِبوا حتى الموت.

ثم حُكِم على القديس بتمزيقه بواسطة الخيل، فأحضروا حصانين من أشرس الخيل وأعنفها وربطوهما بحبل طويل ربطوه في رجليّ القديس.

انطلق الحصانان يجُرَّان القديس فوق الأرض والحجارة، حتى تغطّت الطرق والأشجار والصخور بدمائه، وكان المؤمنون يسيرون وراءه يمسحون هذه الدماء بمناديلهم ويجمعون أشلاءه ولحمه المتناثر، حتى أسلم الروح كان ذلك سنة 235م.


القصة الثانية وهي الأقرب إلى الحقيقة


تقول عنه أنه كان كاهنًا رومانيًا عاش في أوائل القرن الثالث (حوالي 170-237م)، وكان رجل علم ومن أهم كُتاب اللاهوت في الكنيسة الرومانية الأولى، ومن المحتمل أن يكون تلميذًا للقديس إيرينيؤس، إذ كان مدينًا له في اللاهوتيات كما يظهر بوضوح في تعليمه عن الخلاص.


صدامه مع الأسقفين زفرينوس وكالستوس


وجد نفسه في خلاف مع الأسقفين زفرينوس وكالستوس (يوسابيوس 20:6).

عارض هيبّوليتَس زفيرينوس Zephyrinus أسقف روما لأنه، من وجهة نظره، كان بطيئًا في كشف الهرطقات ودحضها. اتهمه هيبوليتس بالهرطقة ومخالفة التقليد الكنسي لتهاونه مع الهراطقة.

واصطدم القديس هيبوليتس مع كالستوس


بخصوص شخص المسيح، وطبيعة الكنيسة والغفران.

فمن جهة شخص المسيح يميز بين ثلاثة مراحل في الكلمة الإلهي:


هو العقل الذاتي في ذهن اللَّه،
والكلمة المنطوق به لإتمام الخلقة،
والكلمة المتجسد يسوع المسيح.

قال بأن الكلمة (المسيح) متميز عن الآب بطريقة بها اتهمه كالستوس بأنه يعتقد بوجود إلهيين.


أراد هيبوليتس كنيسة طاهرة فكان ثائرًا ضد المغفرة لمن يخطئ خطأ خطيرًا بعد نوال المعمودية.


استقل هيبوليتس وأنشأ كنيسة مستقلة تولي رعايتها، انضم إليها كثيرون منهم شرفاء، فصار هيبوليتس أول أسقف روماني منشق.

تمثال رخامي لهيبوليتس في عام 1551م

وجد في حفريات Via Tiburtine في مقبرة هيبوليتس تمثال رخامي استقر في متحف اللاتران.

وهو لشخصٍ يرتدي ثوب الفلاسفة، يجلس على كرسي متكئ على مائدة، ومنقوش عليه حساب فصحي من أول سنوات الإمبراطور الكسندروس (222م)،

ومن الجانب الآخر لائحة بمصنفاته تتفق إلي حد ما مع ما ورد في يوسابيوس (22:6) و" مشاهير الرجال 61" للقديس جيروم.


يرى البعض أن هذا التمثال يرجع إلى القرن الثاني لسيدة قام أتباع هيبوليتس بوضع رأس جديدة له، وقاموا بعمل نقوش في أثناء حياة هيبوليتس ليصير تمثالاً له.


يرى البعض أن هذا التجديد للتمثال تمّ في عصر متأخر.


ثقافته وكتاباته:


لعلّه كان يوناني الأصل، إذ كان متفوقًا في اللغة اليونانية، ويحمل فكرًا يونانيًا، وهو آخر روماني كاتب ماهر يستخدم اللغة اليونانية، صار لاهوتيًا قائدًا في كنيسة روما.

يرى البعض أن القديس هيبوليتس يقابل القديس إيريناؤس في اللاهوت، والعلامة أوريجينوس كدارسٍ، وترتليان في نظراته، لكنه أقلّهم جميعًا من جهة الأصالة وتقديم ما هو جديد.


عرفه العلامة أوريجينوس وأصغى إليه في سنة 212م بروما حيث كان يعظ في "مديح السيد المخلص".


صاغ الكثير من مصنفاته في أصلها اليوناني،

أولاً لأن روما تجاهلت اليونانية تدريجيًا، فلم يبقَ فيها من يعتني بالنصوص اليونانية.

هذا بجانب ما حوته مصنفاته من آراء غير أرثوذكسية في اللاهوت ليهتم أحد بحفظها ودراستها.

وأيضًا لأنه كان أحد طرفي الانشقاق في روما، لذا تعرّضت كتاباته الأصلية للضياع، وغالبًا لم تُحفظ إلا من خلال الترجمات.


1.أهم عمل يُنسب للقديس هيبوليتس هو

" تفنيد كل الهرطقات Refutation of All Heresies هذه التي وُجدت أصولها في المدارس الفلسفية اليونانية. على أي الأحوال لم يقبل بعض الدارسين نسبة هذا العمل له. وقد جاء في قسمين رئيسين وعشرة فصول.


2.أيضًا من أهم كتاباته "التقليد الكنسي Apostolic Tradition".

ضاع الأصل اليوناني ولم يبقَ سوي بعض مقتطفات في مؤلفات يونانية متأخرة ولا سيما في الكتاب الثامن من وصايا الرسل. وهو صادر عن نظامٍ كنسيٍ في وقت متأخر خاص بالليتورجيات، وهو يقدم لنا معلومات هامة عن السيامات والخدام في الكنيسة ونظام الموعوظين والعماد والإفخارستيا ووجبة الأغابي والممارسات الكنسية الأخرى.


3. الرد علي المنظوم Syntagma، فيه يفند 32 بدعة.

4. تفاسير رمزية لكثير من أسفار الكتاب المقدس، مثل تفسير دانيال الذي حُفظ بالكامل بالسلافيه Slavonic، وهو أول تفسير أرثوذكسي له محفوظ.

5. القانون الموراتوري Muratorian Conon،

يعتبر أقدم لائحة بأسفار العهد الجديد. وجده لويس أنطونيوس موراتوري مدير مكتبة دوق مودينه سنة 1740م في مخطوط بمكتبة القديس أمبروسيوس في ميلان، يعود في الأرجح إلي القرن الثامن. يعتبر البعض الترجمة لاتينية ركيكة ربما من مخلفات هيبوليتس الروماني.

6.جدول خاص بمواعيد عيد الفصح وعظات ورسائل عن الفصح، وفي مديح السيد المخلص، وفي هرطقة نويتوس Npetis. من بين كتاباته الأخرى مقال "عن المسيح وضد المسيح"، "بركات اسحق ويعقوب"، و"بركات موسى".


استشهاده


في عام 253م إذ حل الاضطهاد علي الكنيسة في روما في عصر الإمبراطور مكسيمينيوس ثراكس Maximinus Thrax نُفِي كل من الأسقفين بونطانوس Pontianus وهيبوليتس إلى جزيرة سردينيا Sardinia. وقد مات مستشهدًا في "جزيرة الموت “Islula nociva نتيجة معاناته في الجزيرة.

قبل نياحتهما تصالحًا،

وأعاد الأسقف فابيان Fabian جسديهما إلى روما ليُدفنا في يومٍ واحدٍ في 13 أغسطس. دُفن هيبوليتس في المدافن بـ Via Tiburtina، ودُفن بونتنيانوس في مدافن القديس كالستوس. وقام فيما بعد داماسوس الأول بتكريم هيبوليتس وصنع نقشًا عرَّفه فيه انه "شهيد". يعيّد له الغرب في 13 أغسطس، والكنيسة البيزنطية في 30 يناير.

E. Ferguson: Encyclopedia of Early Church, 2nd edition. Butler, August 13
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,034
مستوى التفاعل
837
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
ايرينيؤس أسقف ليون



إن كنا لا نعرف كثيرًا عن حياته لكن كتاباته تكشف لا عن شخصيته فحسب، وإنما عن الفكر الإنجيلي الرسول الكنسي،

إذ يُحسب أحد رجال الكنيسة العظماء في القرن الثاني،


وضع أساس علم اللاهوت المسيحي، وتفسير الكتاب المقدس، كما أبرز بوضوح ودقة مفهوم الكنيسة اللاهوتي،

لذا دُعي

"أب اللاهوت المسيحي"، "أب التقليد الكنسي".



نشأته
كلمة "إيرينيؤس" تعني "المسالم"،

وجاء اسمه مطابقًا لشخصيته كمحب للسلام الكنسي على مستوى جامعي.


قيل إنه
ولد
حوالي عام 250م، وإن كان البعض يري إنه وُلد حوالي عام 240م، على مقربة من شاطئ آسيا الصغرى القديمة، وكما قال بنفسه إنه كان صبيًا اعتاد أن يحضر مع صديقه فلورنس عظات القديس بوليكاربس الشهيد أحد تلاميذ الرسل أنفسهم، لذا يُرجع إنه ولد بسميرنا (أزمير).


للأسف انحرف صديقه فلورنس للغنوسية التي تحل "المعرفة" gnosis العقلية البحتة محل الإيمان للخلاص وتحقّر من العهد القديم... الخ.


بعد رسامته قسًا، وقد حاول صديقه إيرينيؤس رده للإيمان المستقيم، وقد جرد فيكتور أسقف روما فلورانس عام 188م، ولا ندري مدى تأثير القديس إيرينيؤس على صديقه بعد ذلك.


سيامته قسًا


تتلمذ قديسنا على يدي القديس بوليكربس وأحبه جدًا، إذ كان معه في لحظات استشهاده بروما، يقول إنه يذكر القديس بوليكربس وكلماته وتعاليمه بدقة أكثر من أي حدث مرّ به في حياته.

كان إيرينيؤس محبًا للتعلم،


وصفه العلامة ترتليان بأنه شغوف نحو كل أنواع المعرفة، لذا أحبه معلمه بوليكربس، الذي قيل إنه أخذه معه إلى روما، ومن هناك بعثه إلى ليون (بفرنسا) ليقوم بعمل إنجيلي كرازي، إذ كانت العلاقات وثيقة جدًا بين مواني آسيا الصغرى ومنطقة الغال (فرنسا)، ليس فقط من الجوانب التجارية، وإنما أيضًا كان كثير من الكهنة والكارزين يقدُمون إلى الغال من آسيا الصغرى.


على أي الأحوال وجد القديس فوتينوس أوباثينوس Pathinus أسقف ليون الشرقي الأصل، الذي كان يبلغ التسعين من عمره في هذا الشاب غيرة متقدة للكرازة، خاصة بين الوثنين فسامه قسًا.


في روما


كان الكاهن إيرينيؤس محبًا للسلام بصورة عجيبة، لذا كلفه رؤساء كنيسة ليون بالتوجه إلى الأسقف إلوتاريوس Eleutherius بروما، من أجل مشكلة الموناتيين الذين يدعون النبوة،


إذ كان يشتاق الكاهن إلى مصالحتهم مع الكنيسة في كل موضع خلال الحب، لكن ليس على حساب العقيدة أو الحق.

في ذلك الحين اشتدت موجة الاضطهاد بليون عام 177م، وقبض على عدد كبير من رجال الكتاب هناك، حيث تنيح الأسقف القديس فوتينوس في السجن واستشهد أكثر من 40 شخصًا، فأسرع إيرينيؤس بالعودة إلى ليون ليشدد الأيادي ويسند الكل وسط الضيق، فسيم أسقفًا على ليون وفينا وبعض الإيبارشيات الصغيرة في جنوب بلاد الغال.


جهاده الأسقفي


في أبوّة صادقة إذ كان القديس إيرينيؤس قد درس اليونانية والشعر اليوناني والفلسفة، لكنه كان يتحدث مع شعبه باللسان السلتي Celtic، حتى يشعروا أنه واحد منهم، وليس غريبًا عنهم.

في اتساع قلبه كرز بمحبة خارج نطاق إيبارشيته، وأرسل قديسين كثيرين للكرازة بين الوثنين، مثل فيلكس وفرتوناتوس وأخيلاوس إلىValence ، وفريتيوس وفيرولس إلى Beasancon.


كان محبًا للكنيسة الجامعة بكل قلبه،


فعندما سمع أن الأب فيكتور أسقف روما قطع العلاقة بين روما وآسيا الصغرى بسبب خلاف حول عيد القيامة، بعث رسالة إلى أسقف روما بأسلوب لائق لكن شديد، يطالبه ألا يأخذ هذا الموقف العنيف وأن يُعيِّد العلاقات من جديد.


من جهة إيمان الكتاب


فقد أظهر غيرة صادقة على الحفاظ على الإيمان المستقيم، مقاومًا الهرطقات خاصة الغنوسية والمونتانية، لكنه في المقاومة لا يبغي الجدل في ذاته، بل كان يركز على إبراز أركان التعليم الرسولي في شتّى القضايا التي أثارها الهراطقة، فكان جدله إيجابيًا بنّاًء.


كان مجاهدًا لا في مقاومة الهرطقات فحسب، وإنما بالأحرى في ردّ الهراطقة إلى حضن الكنيسة.

لذا كان يتحدث بحكمة بناءّة، في أسلوب هادئ وتسلسل مقنع بروح المحبة غير المتعصبة ولا الجارحة.

نياحته


شهد خراب ليون عام 197م، إذ رقد حوالي عام 202م، ويري القديس جيروم أنه استشهد، وإن كان كثير من الباحثين لم يرجحوا ذلك.

تُعيّد له الكنيسة اليونانية في 23 أغسطس واللاتينية في 28 يونيو، وقد نقل عيده منذ سنة 1960م إلى 3 يوليو.


كتاباته


للأسف فُقدت أغلب كتاباته،

لكن عثر على الترجمة اللاتينية لخمسة كتب له باسم "ضد الهرطقات"،

كما عثر أخيرا على ترجمة أرمنية لكتابه "برهان الكرازة الرسولية".


هذان العملان نجد فيهما وحدهما عناصر النظام اللاهوتي المسيحي الكامل.


من كلماته المأثوره


صار ابن الله إنسانًا لكي يصير الإنسان ابن الله (ضد الهرطقات)

مجد الله أن يحيا الإنسان، وحياة الإنسان أن يري الله (ضد الهرطقات)

اِتّباع المخلص هو اشتراك في الخلاص، واِتّباع النور هو اشتراك في النور (ضد الهرطقات)

J. Lebreton: The History of the Primitive Church, London 1946, Vol 2. p. 539 - 564
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,034
مستوى التفاعل
837
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
كبريانوس أسقف قرطاجنة



يعتبر اللاهوتي الغربي الثاني بعد العلامة ترتليان.


يقول عنه
القديس جيروم
في كتابه مشاهير الآباء:


" كان معتادًا ألا يدع يومًا يعبر دون القراءة في كتابات ترتليان. وقد اعتاد أن يقول لتلميذه اعطني العلم، قاصدًا بذلك معلمة ترتليان".

سجّل لنا شماسه بونتيوس Pontius سيرته، هذا الذي شاركه ورافقه إلي يوم استشهاده، كتبها بعد استشهاده مباشرة.


نشأته


في قرطاجنة عاصمة شمال أفريقيا


وُلد ثاسكيوس كايكليانوس (ساسيليوس) كبريانوس Cyprianus (Caecilius) Caecilianus Thascius
علي الأرجح ما بين سنة 200 و 210م. من أسرة شريفة وثنية.


كانت قرطاجنة في حدود دولة تونس في شمال أفريقيا علي خليج تونس، وكان والده من أشرف قضاة المدينة.


تثقف ثقافة عالية حسب مقتضيات عصره ووضعه الاجتماعي.


نال قسطًا وافر من العلوم، لاسيما المنطق والفلسفة والفصاحة، وكان قد تزوّّج وأنجب أولادًا.


إذ بلغ سن الشباب صار خطيبًا فصيحًا ومعلمًا للخطابة والفصاحة، وذاع صيته.


ويبدو أنه عاش منغمسًا في الرذيلة شأن معظم شباب عصره.


اهتدى إلى المسيحية وآمن على يد كاهن شيخ يُدعى كايكليانوس (ساسيليوس) بقرطاجنة، وكان ذلك حوالي سنة 246م وانضم إلى صفوف الموعوظين.


إذ لمست النعمة الإلهية قلبه هاله الفساد الذي حل بالبشرية علي مستوي الأفراد والجماعات والحكومات، فاعتنق الإيمان المسيحي.


نال سرّ العماد علي يدي الكاهن ولمحبته فيه دُعي "ساسيليوس كبريانوس" بإضافة اسم الكاهن إلي اسمه.


وقد حدث تغيّر جذري في حياته إذ يقول:

"بعد أن تعمَّدت اغتسلت من ماضي خطاياي بفعل ماء معمودية المجدد، وتدفّق نور من السماء في قلبي التائب الذي يبدد الشكوك ويفتح النوافذ وتنجلي الظلمة. وما كنت أراه من قبل صعبًا صرت أراه سهلاً. وما كنت أظنه مستحيلاً صار أمرًا واقعًا. وظهرت لي الحياة الماضية أرضية مولودة من الجسد، والآن ولدت من الماء والروح. هذا عمل الله".

بعد قبول المعمودية أخذ كبريانوس أربع خطوات هامة في حياته:



أولاً:


باع أغلب أملاكه ووزعها علي الفقراء والمساكين، مستبقيا القليل منها لسد احتياجاته.


ثانيًا:


وهو في سن السادسة والأربعين تقريبًا نذر حياة البتولية برضا زوجته وسلمها مع أولادها للكاهن الشيخ سيسيليانوس وقدم لهم بعضًا من أمواله.

أحب البتولية كعلامة لاشتياقه إلى الإلهيات ورغبته في قرب زوال العالم وتمتعه بالحياة الأخرى مع السمائيين.

وفيه أيضًا احتجاج عملي علي الفساد الخلقي النجس الذي كان متفشيًا في عصره.


ثالثًا:


جحده الدراسات العالمية وتركيزه علي دراسة الكتاب المقدس يوميا، واهتمامه بكتابات العلامة ترتليان.


قال القديس عن نفسه


أنه بعد عماده ازدري بالفصاحة البشرية واحتقر تنمّق الكلام والعناية بزخرفة الألفاظ، ومع هذا فكتاباته تشهد عن فصاحته.


رابعًا:


كرس مواهبه لخدمة ملكوت الله، فاستكمل منهجه في علم الاختزال، واستطاع به أن يسجل بكل دقة آراء سبعة وثمانين أسقفًا حضروا المجمع الذي دعا إليه عام 326م بخصوص إعادة معمودية الهراطقة.


أسقفيته :


صار كبريانوس مثلاً عجيبًا دُهش له المسيحيون كما الوثنيون.

إذ تنيّح الأسقف انتخبه الإكليريكيّون والشعب خليفة له.

لم يعبأ الشعب بمعارضة بعض الكهنة مثل نوفاتيوس Navatus لسيامة كبريانوس أسقفًا بحجة حداثة إيمانه.

هرب القديس واختفي في بيته،

فهرعت الجماهير تبحث عنه، وحرست الجماهير مخارج المدينة وحاصروه، فخضع لآرائهم وسلم نفسه إليهم وسيم حوالي عام 249م.

اضطهاد ديسيوس :


لم تمضِ سنة واحدة علي أسقفيته حتى هبت عاصفة شديدة من الاضطهاد أثارها الإمبراطور ديسيوس الذي أصدر مرسومًا إمبراطوريًا سنة 250م بالقضاء علي المسيحية.

وهو أول اضطهاد شامل عمَّ أنحاء الإمبراطورية الرومانية كلها.

فنال كثيرون إكليل الشهادة،

وضعف بعض المرتدّين، والبعض هربوا، وآخرون حُسبوا معترفين.

أنكر البعض الإيمان وبخّروا للأوثان، ولجأ البعض إلي الحصول علي شهادات مزوّرة تفيد بأنهم قد بخّروا للأوثان ليهربوا من التعذيب والقتل.

كتب القديس كبريانوس


أن الله سمح بهذا الاضطهاد الشديد لأجل تراخي المؤمنين في العبادة، لأنهم لما استراحوا في زمن فيلبس قيصر وابنه اللذين تركا المسيحيين في سلام طفق الشعب ينهمك في المكاسب الزمنية، وتراخى رجال الدين والرهبان في دعوتهم المقدسة، وأحبت النساء الثياب الفاخرة ورغد العيش، لذلك رفع الله عليهم عصا أعدائهم لكي ينهبوهم فيتوبون.

كان القديس في صراع بين التقدم إلي ميدان الجهاد للتمتع بإكليل الشهادة، وهذا ما كانت تميل إليه نفسه، وبين الاختفاء قليلاً لأجل منفعة الشعب، وهذا ما تستلزمه ظروف الاضطهاد المرّة حتى يسند شعبه.

أخيرًا رأي كبريانوس أن يتواري عن الأبصار ليس خوفا من الموت وإنما "لكي لا تثير جرأته المتناهية غضب الحكام" إذ كان يخشى من انهيار ضعفاء الإيمان. ويبدو أنه فعل ذلك بإعلان إلهي.

كان يرعى شعبه من مخبأه، فكراعٍ صالح يبعث برسالة للشعب لكي يسندهم، كان يحثّهم علي محبة مضطهديهم. كتب رسائل كثيرة أرسلها من مخبأه تشديدًا للمعترفين في السجون والمناجم وإظهارًا لمجد الاستشهاد، وتوصية للخدام والإكليروس بالعناية بالمعترفين والشهداء ماديًا ونفسيًا وروحيًا. كما كان يرسل ليلاً أشخاصًا يهتمون بأجساد الشهداء ويقومون بدفنها، ويهتم باحتياجات عائلاتهم الروحية والنفسية والمادية.

حاول بعض المنشقّين مهاجمة القديس بسبب هروبه، لكن كما يقول تلميذه كان يسير بخطى سريعة نحو الإكليل المُعد له، وأن معلّمه قد حُفظ وقتئذ "بأمر من الرب". استمر الاضطهاد لمدة خمسة عشر شهرًا، فترة حكم ديسيوس وبعد موته استراحت الكنيسة وعاد القديس إلي كرسيه.

مشكلة الجاحدين


إذ ارتد البعض عن الإيمان بسبب الضيق الشديد عادوا إلى الكنيسة

فظهر اتجاهان

الأول

هو التساهل معهم واتخذ غيرهم موقفًا متشددًا.

أوصى الشماس فيلكسيسموس Felicissimus قبول الساقطين فورًا. وقبل بعض الكهنة الجاحدين للإيمان أثناء الاضطهاد بدون استشارة الأسقف كبريانوس ودون استخدام قوانين التوبة، وسمحوا لهم بالتناول من الأسرار المقدسة دون أي تأديب.


استغل معارضو سيامة القديس الفرصة وأثاروا هذه المشكلة بكونها تهاونًا في حق قدسية الكنيسة، ونادوا بالانفصال عن رئاسة القديس كبريانوس.


بعد فصح سنة 251م إذ عاد السلام إلي الكنيسة ورجع الأسقف إلي كرسيه بدأ يكرّم الشهداء، وجمع حوله المعترفين الذين تألّموا من أجل الإيمان،

وجاءت رسائله تحمل مزيجًا من الفرح الشديد بالشهداء والمعترفين وأيضًا الذين هربوا حتى لا يجحدوا الإيمان مع الحزن المرّ علي الجاحدين.


طالب الجاحدين أن يقدموا توبة بتواضع، معترفين بخطاياهم إذ داسوا إكليل الشهادة بأقدامهم، وقد ترك باب التوبة مفتوحًا أمام الجميع لكن بغير تهاون.


لقد حرص علي تأكيد أمومة الكنيسة التي تلد المؤمنين وتربيهم وتؤدبهم وتقدم لهم الحضن الأبوي.

مجمع قرطاجنة في عام 251م


عقد أساقفة إفريقيا مجمعًا بخصوص هذا الشأن عرف بمجمع قرطاجنة

لدراسة موقف الجاحدين الراجعين.

عالج هذا المجمع المشكلة من كل جوانبها.

فقد ارتد البعض عن الإيمان علانية، وقدم آخرون رشوة للقضاء الوثنيين وأخذوا منهم شهادة بأنهم قدموا ذبيحة للآلهة.


وقد أكد القديس لهم أن مثل هذه الشهادة هو نوع من النفاق فندم كثيرون علي ما فعلوه.


كانت صرامة قوانين التوبة


تصد البعض عن الرجوع إلي الكنيسة، فلجأ البعض إلي المعترفين الذين سُجنوا من أجل الإيمان وطلبوا شفاعة الكنيسة لكي تصفح عنهم وتقبلهم في الشركة وتخفف عليهم القوانين، وقد نشأ عن هذا نوع من التراخي.


شدد المجمع علي رجال الدين الذين جحدوا الإيمان إذ قبلوهم بين الشعب مع عدم العودة إلي عملهم الكهنوتي.


أما أصحاب الشهادات الوثنية فقبلهم المجمع بعد وضع قوانين يلتزمون بها.


قطع المجمع فيليكسيموس وجماعته، وأوجبوا دخول الساقطين في التوبة، ولم تقبل عودة أحد منهم في الكنيسة إلا إذا كان مشرفًا علي الموت.


أُسر بعض المسيحيين دخل البرابرة إقليم نوميديا وأسروا الكثيرين من المسيحيين.

بدأ القديس يحرك قلوب المؤمنين علي افتداء اخوتهم الأسري بصدقتهم. وبالفعل جمع مالاً وفيرًا وأنقذ المؤمنين من الأسر.

مشكلة الوباء القديس كبريانوس ومرض الطاعون


تفشّى مرض الطاعون في أثيوبيا ومصر حوالي عام 250م ثم انتقل إلى قرطاجنة عام 252م،

وظلّ يهدّد أنحاء الإمبراطورية قرابة عشرين عامًا أخري.

وكما يقول تلميذه الخاص بونتيوس أنه كان طوبيا زمانه، يهتم بالمرضي والراقدين دون تمييز بين مؤمن وغير مؤمن.

فقد أكد علي شعبه ضرورة خدمة الكل بلا تمييز، وتقديم الصدقات للجميع، وحثهم علي البذل والسخاء من أجل العبور إلي السماء خلال الكنيسة بيت الإيمان.

مع خطورة هذا المرض في ذلك الحين أدرك المسيحيون رسالتهم كشهودٍ علي أنهم أولاد الله أن يهتموا بالمنكوبين بلا خوف من انتقال العدوى وتعرضهم للموت.

جاء في حياة كبريانوس بقلم شمّاسه



[يليق بنا أن نعطي جوابًا عن ميلادنا الجديد، ولا يليق بالمولودين من الله أن يتخاذلوا، بل بالأحرى يبرهنون علي ولادتهم من الآب الصالح بإظهار صلاحه(9).]


معمودية الهراطقة


لم تعترف كنيسة أفريقيا بمعمودية الهراطقة، شاركتها في ذلك كنيسة نوميدية في ثلاثة مجامع عقدت في قرطاجنة في السنتين 255 و256م.


كتب الأب اسطفانوس أسقف روما خطابًا شديد اللهجة مهددًًا إياه بالقطع بسبب ذلك، فلم يعبأ القديس كبريانوس بالخطاب.

وقد استشهد الاثنان في عام 258م. اضطهاد فاليريان في أثناء حكم فالريان، وفي أغسطس سنة 257م أثير الاضطهاد مرة ثانية، وأُستدعي كبريانوس، ووقف أمام الوالي الروماني على أفريقيا تنفيذًا لقرار الإمبراطور.


لما سأله عما إذا كان يصر على عدم إتباع ديانة روما، أجاب أنه مسيحي وأسقف ولا يعبد إلا الله الواحد خالق السماء والأرض. لم يجسر أسباسيانوس حاكم قرطاجنة يومئذ أن يقتل القديس كبريانوس نظرًا لجزيل اعتباره من الناس. فأصدر أمره بنفيه والخروج من المدينة.


قضي القديس مدة سنة في المنفي


علي بعد نحو 50 ميلاً من قرطاجنة، حيث كتب الكثير عن الاستشهاد.

ولما عزل أسباسيانوس عن منصبه وخلفه غاليريوس ماكسميانوس رجع القديس إلي قرطاجنة وهو مشتاق إلي إكليل الشهادة في بلده وسط شعبه وقد حقق الله له أمنيته.

سكن في بستان مع بعض رجال الإكليروس وأصدقائه، وكانت الجماهير تتوافد عليه. أشار عليه قوم من أصدقائه وكان كثير منهم من الوثنيين ذوي المكانة يحثّونه على تفادي الأخطار، وعرضوا عليه أماكن يختفي فيها حتى لا يقبض عليه الحاكم، فلم يقبل.


أرسل الحاكم الجنود والقوا القبض عليه،

وكان الجنود يريدون نقله إلي أوتيكا عند الوالي، إلا أن الأسقف أراد أن يعلن عن إيمانه وسط شعبه فتجمهر الشعب حوله.

وفي الصباح مضي به الجنود إلي الوالي.

وكما يقول فونتيوس

أنه كان يجري في سيره نحو المسيح كما يجري المصارعون المجاهدون. وأنه كان يتوق إلي التمتع بمعمودية الدم، كما كان يردد الكلمات التالية:


"هناك، فوق فقط يوجد السلام الحقيقي، والراحة الأكيدة الدائمة الثابتة، والأمان الأبدي… هناك بيتنا فمن لا يسرع إليه؟"

أركبوه مركبة وجلسوا المسئولين عن يمينه وعن يساره ليصير حتى في يوم استشهاده في صورة رسمية.

أسرعت الجماهير بإعدادٍ لا حصر لها وقد اختلطت مشاعرهم بين الفرح بالأسقف المحب للشهادة والحزن.

وكان الكل يودعونه أما هو فوقف في هدوء ورزانة متحليًا بروح الرجاء والإيمان.

سمع الأسقف الحكم عليه بالإعدام بالسيف في دار الولاية وهو يردد:

"الشكر للَّه، وأشكر الله وأباركه".

تبعته الجموع إلي مكان الاستشهاد خارج المدينة.

وهناك خلع ثوب الكهنوت وسلمه لشماسه

وألقي كلمة صغيرة يعزّي بها شعبه ثم جثا علي ركبته مصليّا،

وإذ رأي السياف مرتعدًا قدّم له خمس قطع ذهبية تشجيعًا له.

وتقدم بعض أبنائه من رعيته وفرشوا تحته ثيابهم لتلتقط دماءه، ثم عصب عينيه بيديه ليُسلم نفسه في يديّ مخلصه، وكان ذلك في 14 سبتمبر سنة 258م، فنال إكليل الشهادة..


حمل المؤمنون جسده ليلاً بالشموع مع الصلوات في موكب النصرة إلي مقرّه الأخير.

اهتزّت قلوب شعبه وهو يقدم بكل حب حياته من أجل مخلصه.

وقد عبر تلميذه بنتيوس عن مشاعره الشخصية فقال:

"يتمزق ذهني في اتجاهات متباينة.

أفرح إذ أرى آلامه، وأحزن من أجل بقائي هنا.

مشاعر مختلطة تمثل ثقلاً علي قلب مرتبك هكذا.

هل أحزن لأنني لا أرافقه؟

ومع هذا فإن نصرته التي نحتفل بها مبهجة، فهل احتفل بها؟

إني حزين لأني لا أرافقه، ومع هذا يلزمني أن اعترف لكم في بساطة عن أمر أنتم تعرفونه.

إنني متهلّل جدًا بمجده، ولكنني حزين أكثر إذ تًركت ورائه هنا ".

شخصيته


قدم لنا تلميذه الذي عاش معه في منفاه حتى لحظة استشهاده صورة حيّة عن شخصيته فقال:

"كانت القداسة والنعمة تشعان من وجهه بقوة،

فكان يربك أذهان من يتطلعون إليه.

ملامحه جادة ومفرحة، ليست عنيفة بعبوسة ولا عذابه برخاوة...

يدهش الشخص هل كان يستحق أن يُهاب أم يحب؟

فإنه كان مستحقًا أن يهاب ويحب ".


كتاباته


كان كبريانوس رجل رعاية أكثر منه رجل لاهوت، فلم يكتب لأجل البحث في اللاهوت وإنما ليعالج مشاكل رعوية وكنسية عملية وتسد احتياجاتهم حسب الظروف التي عاشت فيها الكنيسة في قرطاجنة.


من بين كتاباته:



1. مقال لصديقه دوناتوس Ad Donatum بمناسبة عيد عماده وذلك في فصح 246م .
يسجل فيه ليس فقط سرّ قبوله الإيمان المسيحي وإنما يحث الآخرين ليتبعوا نفس مسلكه، مبرزًا نعمة الله الفائقة التي ظهرت وسط الليل الحالك من فساد البشرية.

2. مقال في لباس العذارى De habitu virginum فيه يوجهن إلي خدمة الفقراء عوض الاهتمام بالزينة. يوصي العذارى ببساطة الملبس وعدم التبرج ولبس الحلي، مع عدم اشتراكهن في حفلات العرائس الصاخبة وعدم الدخول في الحمامات المختلطة، واستخدام أموالهن في مساعدة الفقراء.

3. مقال في الساقطين أو المرتدين De lapsis كتبه عقب عودته من مخبئه
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,034
مستوى التفاعل
837
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
سيرابيون أسقف تيمي
أو طمويس القديس



هو أسقف طمويس Thmuis ويلقب بالعلامة Scholastic،

وذلك لأنه جمع ما بين المعرفة الروحية والعلوم العالمية.


وقد تتلمذ بعض الوقت في مدرسة الإسكندرية اللاهوتية ثم اعتزل في الصحراء حيث صار راهبًا، كما تصادق مع الأنبا أنطونيوس.


أُجبِر سرابيون على ترك عزلته ليجلس على كرسي أسقفية طمويس في جنوب مصر بالقرب من ديوسبوليس Diospolis.


دفاعه عن الإيمان:


شارك في مجمع سارديكا سنة 347م، وكان من المقرّبين للقديس أثناسيوس في دفاعه عن الإيمان المستقيم،

ويقول القديس جيروم أنه نُفي بأمر الإمبراطور قسطنطين.

قد اشترك أيضًا في مقاومة بدعة مقدونيوس Macedonian،

بالإضافة إلى مقاومته للأريوسيين،

كما ألَّف كتابًا عظيمًا ضد المانيين Manicheans..


كتاباته:


ألَّف عدة كتب فُقد معظمها، ولكن أهم أعماله هو Euchologion الذي اكتُشِف وتم نشره في نهاية القرن الماضي.

يقول سقراط أن القديس سرابيون كان يردد هذه المقولة التي تلخص سموّ المسيحية:

"العقل يتنقى بالمعرفة الروحية (أو بالتأمل المقدس والصلوات).

مع القديس أنبا أنطونيوس:


يقول عنه القديس جيروم أنه كان الصديق الشخصي للقديس الراهب أنبا أنطونيوس. وقد ورد ذكره مرتين في كتاب "حياة أنطونيوس" للبابا أثناسيوس الرسولي.


في المرة الأولي


إذ كان يتحدث عن رؤى القديس أنبا أنطونيوس، كان الاخوة يرونه صامتًا وهو جالس أو ماشٍ وبعد فترة يستأنف حديثه معهم، فكان رفقاؤه يدركون أنه شاهد رؤيا.


لأنه عندما كان يجلس علي الجبل كثيرًا ما كان يشاهد ما يحدث في مصر، وكان يرويه لسيرابيون الأسقف الذي كان معه في مغارته.


أما المرة الثانية


فعند نياحته طلب توزيع ثيابه بتقديم أحد جلود الغنم للبابا أثناسيوس والرداء الذي استلمه من الأسقف سيرابيون جديدًا يردوه إليه باليًا لكي يحتفظ بمسوحه.


رئاسته لجماعة رهبانية:


روي لنا المؤرخ سوزومين أنه كان قبل سيامته أسقفًا رئيسًا لجماعة رهبانية في صعيد مصر، ويشهد له أنه كان متميزًا بقداسة عجيبة وقوة البيان. كما يشهد البابا أثناسيوس صديقه الحميم أنه كان رئيسًا علي عددٍ كبيرٍ من الرهبان، كما جاء في رسالته إلى دراكونتيوس ليحثه علي قبول الأسقفية وهو رئيس محبوب للدير.


مساندته للبابا أثناسيوس:


كان يسنده في جهاده ضد الأريوسية، بمثابة يده اليمنى له، إذ كان يتخذه نائبًا عنه في غيابه. في عام 340م كلفه البابا أن يعلن عن موعد الفصح، ويُعتقد انه أنابه في كتابة الرسالة الفصحية في عامي 341 و342م.


نفيه:


في 18 مايو عام 353م عندما أرسل البابا أثناسيوس بعثة للإمبراطور قسطنطينوس بعد انتصاراته وتوليه الإمبراطورية علي الشرق والغرب وقد سمع عن الوشايات التي بدأ الأريوسيون يخططون لها عنده.


كانت هذه البعثة تحت رئاسة الأسقف سيرابيون، تضم خمسة أساقفة وثلاثة كهنة، ومعهم وثيقة موقعة من 80 أسقفًا من مصر يؤيدون فيها البابا أثناسيوس.


فما كان من الإمبراطور إلا أنه نفي القديس من أجل استقامة إيمانه، لهذا دُعي بالمعترف.

قام اختياره على قدرته على الدفاع عن الإيمان والإقناع والصمود في المواجهة أمام الإمبراطور وأمام الضغط الأريوسي. وقد تنيح في المنفي.


رسائل القديس أثناسيوس له بعث إليه القديس أثناسيوس بخمس رسائل عقيدية:
.


1- رسالة عن موت آريوس، فيها ينفي القديس أثناسيوس أن آريوس رجع عن رأيه وأنه تصالح مع الكنيسة قبل موته. كتبها البابا عام 358 م وهو في المنفي.

2. أربع رسائل عن الروح القدس، وهي في غابة الأهمية. فقد سبق فأرسل القديس سيرابيون إلي البابا يشكو له من سرعة انتشار التعليم ضد الروح القدس الذي يحسبه مخلوقًا لكن أعلي من الملائكة.

تُعتبر هذه الرسائل أول بحث منهجي لاهوتي عن الروح القدس.


أول رسالة تاريخها عام 339.


كتاباته:



1. ضد المانيين:



يكشف هذا العمل عن براعة القديس سيرابيون البلاغية واللاهوتية والفلسفية. فيه اكتفي بنقد النقاط الرئيسية في فكر أتباع ماني، خاصة نظرتهم الثنائية (إله النور وإله الظلمة)، واعتراضاتهم علي العهد القديم وبعض أجزاء من العهد الجديد. كما اثبت تناقض أفكار أتباع ماني وعدم منطقيتها.


2. رسائله:


منها رسالة تعزية موجزة مرسلة إلي الأسقف افجوكيوس الذي كان مريضًا.

ورسالة إلى رهبان الإسكندرية فيها يستخدم تعبير:

"الثالوث المساوي في الجوهر" (هوموسيوس ترياس).

ورسالة إلي بعض تلاميذ القديس أنطونيوس عند نياحته سنة 356 م.


3. أعمال أخري


يعتقد بعض الدارسين أنها من وضعه مثل "عظة عن البتولية"، و"رسالة إلي المعترفين"، وشذرات من تفسير سفر التكوين، كما ذكر القديس جيروم عمله.


4. خولاجي القديس سيرابيون،


وهو يمثل الليتورجيا الكنسية في مصر في القرن الرابع، وربما ترجع إلي فترة قبل ذلك.

تحمل انعكاس فكر مدرسة الإسكندرية في القرن الثالث الخاص بلاهوت الكلمة "اللوغوس" بعدما أضيفت إليها ما يتناسب مع القرن الرابع ردًا على البدعة الأريوسية.

كثير من الصلوات الواردة بها هي بعينها الواردة بليتورجيا القديس مرقس وتلك الخاصة بانافورا "النظام الكنسي" للكنيسة الأثيوبية.

كل الصلوات تخاطب الله بكونه أب الابن الوحيد، وتشكره من اجل تحننه المملوء ترفقًا، المعلن خلال أعمال ربنا يسوع المسيح الخلاصية.


يقال أنه
تنيح أثناء نفيه حوالي سنة 370م،
وإن كان تاريخ نياحته غير مؤكد.

من خولاجي القديس سيرابيون


أطلب إليك أن ترسل روحك القدوس إلي عقلنا. وامنحنا أن نفهم كتبك المقدسة الموُحي بها، لكي ما تفسرها باستقامة واستحقاق، حتى يستفيد منها جميع المؤمنين الحاضرين ههنا...

أعطنا روح النور، حتى نعرفك أنك أنت هو الحق، ويسوع المسيح الذي أرسلته (يو 17:3)

امنحنا الروح القدس، حتى نقدر أن نعلن بسعة عن أسرارك التي لا توصف، ونخبر بها.

ليتكلم فينا الرب يسوع والروح القدس وليمجدانك بواسطتنا

. Butler, March 21
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,034
مستوى التفاعل
837
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
ثيؤفيليس أسقف انطاكية



بحسب ما ورد في يوسابيوس فإن هذا الأب هو الأسقف السادس لإنطاكية بسوريا،
وهو من رجال القرن الثاني (أواخر القرن).


وُلد


بالقرب من نهر الفرات من والدين وثنيين، وتهذب بالثقافة الهيلينية (اليونانية). وإذ درس الكتاب المقدس أدرك أن الروح القدس وهب الأنبياء النبوات عن الأمور المستقبلة فآمن وأطاع الله.

كتاباته


هو أحد المدافعين المسيحيين، لم يبقَ من كتاباته سوى دفاعه في ثلاثة كتب وجهها إلى صديقه الوثني Autolycus، هدف بها إلى تقديم الفكر المسيحي عن الله وعن الخلقة أمام العالم الوثني بأساطيره الخاطئة. بين كتاباته المفقودة مقالات ضد مرقيون وهرموجينيس.

من كلماته


الله لا يمكن أن يراه إلا القادرون على رؤيته، حينما تكون أعين نفسهم مفتوحة.

حينما توجد قذارة على المرآة لا يقدر الإنسان أن يرى وجهه فيها، هكذا من كان فيه خطية لا يقدر أن يعاين الله.


حقًا إنني أكرم الإمبراطور لا بالتعبد له بل بالصلاة من أجله .
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,034
مستوى التفاعل
837
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
يوسابيوس أسقف قيصرية بالكبادوك



أسقف قيصرية بالكبادوك وهو الذي قام برسامة باسيليوس الكبير كاهنًا.



كان يوسابيوس غير مُعَمَّد عند اختياره أسقفًا سنة 362م، وعند وفاة ديانيوس Dianius انقسمت كنيسة قيصرية إلى قسمين، مثلما حدث مع القديس أمبروسيوس أسقف ميلان كان اختيار رجل علماني معروف من الجميع ومشهود له بالشخصية المستقيمة والرأي السديد الحل الأمثل للخروج من هذا الخلاف.

رسامة يوسابيوس بالقوة:


لم يكن يوسابيوس يوافق بأي حال على هذه الكرامة التي اختير لها، فاستُخدِمت القوة العسكرية للتغلب على رفضه وإجبار الأساقفة على رسامته.


بعد رسامته


أُطلِق سراح هؤلاء الأساقفة الذين أعلنوا رفضهم لهذه الرسامة التي تمت بالقوة واعتبروا رسامة يوسابيوس لاغية.


إلا أن مجمعًا عقده إغريغوريوس النزينزي

وبخهم على موقفهم هذا، معتبرًا أنه كان من الأكرم لهم المخاطرة بحياتهم برفضهم الرسامة يوسابيوس عن أن يخضعوا لإملاء الجمهور بسبب خوفهم على حياتهم.


تثبتت رسامة يوسابيوس من قِبَل الإمبراطور يوليانوس Julian الذي أظهر خسارته لفقده أحد خدام الدولة الممتازين، وهكذا جلس يوسابيوس على كرسي الأسقفية ثمان سنوات حتى سنة 370م.



افتقاده إلى المعرفة اللاهوتية:


فَرَض يوسابيوس احترامه على الجميع، مُثبِتًا جدارته في شغر كرسي الأسقفية، وكان مُفيدًا للكنيسة في تلك الظروف. إلا أنه سرعان ما وجد نفسه في وسط تجربة شديدة، ذلك أنه مع كونه أسقفًا مستقيم الرأي والإيمان إلا أنه كان يفتقد المعرفة اللاهوتية وقوة الشخصية اللازمة لمواجهة الهرطقة التي ظهرت في الكنيسة.



علاقته بالقديس باسيليوس:


من أوائل أعمال يوسابيوس الأسقفية رسامته باسيليوس كاهنًا، وسرعان ما توترت العلاقة بين الاثنين في الغالب بسبب الغيرة من قوة معرفة باسيليوس وتأثيره على الشعب، وكان أسلوب يوسابيوس المُهين في التعامل مع باسيليوس سببًا في اعتكاف الأخير لمدة ثلاث سنوات في بنتس Pontus.


إلا أنه لاحتياج يوسابيوس له لمقاومة هجوم الأريوسيين بقيادة فالنس Valens على كنيسة قيصرية، بالإضافة إلى نجاح وساطة غريغوريوس النزينزي مع صديقه القديم،


عاد باسيليوس إلى قيصرية سنة 366م بعد أن تعلَّم كلاهما الحكمة من الماضي.


فمن ناحيته

التزم باسيليوس بتعليم الشعب دون التعرض لرئاسته الدينية، بينما قَنَع يوسابيوس برئاسته الرسمية وكرامته،


فكان هو الذي يحكم بينما كان باسيليوس في الواقع هو الحاكم.


وهكذا استمر الاثنان في انسجام وتوافق حتى نياحة يوسابيوس سنة 370م.

A Dictionary of Christian Biography, Vol. II, page 355


 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,034
مستوى التفاعل
837
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
القديس باسيليوس الكبير



نشأته


ولد في قيصرية الكبادوك عام 329 من أسرة تضم عددًا من الشهداء سواء من جانب والده أو والدته.


فوالد باسيليوس كان يدعى أيضًا باسيليوس احتملت والدته القديسة ماكرينا أتعابًا كثيرة في أيام مكسيميانوس الثاني بسبب تمسكها بالإيمان،

وقد بقيت حياتها نموذجًا حيًا للحياة الإيمانية الفاضلة والشهادة للسيد المسيح،


أما والدته إميليا فقد مات والدها شهيدًا.


كان لباسيليوس أحد عشرة أخا زاخت واحدة ماكرينا،


خمسة بنين وخمس بنات، كان هو أكبر البنين،


وقد مات أخ له في طفولته المبكرة وآخر في شبابه (نقراطيوس)،

بينما سيم الثلاثة الآخرين أساقفة:


باسيليوس أسقف قيصرية الكبادوك،

غريغوريوس أسقف نيصص،

وبطرس أسقف سبسطية،


أما أكبر الكل فهي ماكرينا

على اسم جدتها التي كان لها دورها الحيّ بحياتها التعبدية وأثرها الطيب على إخوتها.


تربى


القديس باسيليوس على يديّ جدته ماكرينا في قرية بالقرب من قيصرية الجديدة في منطقة أنيسي Annesi على نهر الأيرس Eris (حاليًا أرماك أو جيكيل).


في هذه المنطقة شّيدت أمه أماليا هيكلاً على اسم الأربعين شهيدًا الذين استشهدوا في سبسطية؛ كما تأثر القديس بوالده وأيضًا بأخته الكبرى.


أُرسل في سن مبكرة إلى مدرسة قيصرية كبادوكية، وهناك تعّرف على أشخاصٍ من بينهم القديس غريغوريوس النزينزي، وقد لفتت شخصيته أنظار الكثيرين وهو بعد صبي لنبوغه وسلوكه.


انتقل إلى القسطنطينية


حيث درس البيان والفلسفة، ثم ارتحل بعد خمس سنوات (سنة 351م) إلى أثينا ليكمل دراسته،

إذ أمضى قرابة خمسة أعوام هناك، حيث كان قد سبقه إليها صديقه غريغوريوس النزينزي.


وقد سجل لنا الأخير الكثير عن القديس باسيليوس، مظهرًا كيف سبقته شهرته إلى أثينا، وكان الشباب ينتظرونه ويودون صداقته.


عاش القديسان

في مدينة أثينا كروحٍ واحدة في جسدين، يقدمان لنا فصلاً رائعًا في تاريخ الآباء.


هناك التقيا بيوليانوس الذي صار فيما بعد إمبراطورًا يجحد الإيمان ويضطهده.


أحب باسيليوس كل العلوم دون أن تفتر حرارته الروحية، فحُسب كمن هو متخصص في الفصاحة والبيان والفلسفة والفلك والهندسة والطب، لكن سموّه العقلي يتضاءل جدًا أمام التهاب قلبه بالروح ونقاوة سيرته.


عودته إلى وطنه:


عاد عام 356 إلى وطنه بعد محاولات فاشلة من أصدقائه وتلاميذه بأثينا لاستبقائه، وفي قيصرية الكبادوك اشتغل بتدريس البيان لمدة عامين تقريبًا بنجاحٍ عظيمٍ.


أرسلت قيصرية الجديدة وفدًا لتستميله بإغراءات سخية أن يقوم بالتدريس فيها لكنه رفض.


ومع هذا فيبدو أن شهرته وكلمات المديح المستمرة أثرت عليه ففترت نيته في الحياة النسكية لولا تدخل أخته التقية ماكرينا لتكشف له عن بطلان مجد هذا العالم.


في سنة 357


نال المعمودية، وبعد قليل أُقيم أغنسطسًا (قارئاً) على يدّي ديانيوس أسقف قيصرية، فحزن القديس غريغوريوس النزينزي على هذه السيامة المتسرعة.


حياته النسكية:


أفاق باسيليوس على صوت أخته ماكرينا فاشتاق إلى حياة الوحدة، خاصة وأن والدته وأخته حولتا بيتهما إلى منسكٍ اجتذب عذارى من كبرى العائلات في كبادوكية.


نحو سنه 358م



إذ كان دون الثلاثين، انطلق يبحث عن النساك في الإسكندرية وصعيد مصر وفلسطين وسوريا وما بين النهرين، فأُعجب جدًا بحياتهم، خاصة رهبان مصر وفلسطين، فعاد ليبيع كل ما يخصه ويوزعه على الفقراء، ويبحث عن مكانٍ للوحدة.


اختار موقعًا
في بنطس تسمى "إيبورا"
على نهر الأيرس يقترب من منسك والدته وأخته، عُرف بجمال الطبيعة مع السكون.



كتب عن الحياة الجديدة هكذا:


"ماذا أكثر غبطة من مشابهة الملائكة على الأرض؟


في بدء النهار ينهض الإنسان للصلاة وتسبيح الخالق بالتراتيل والأغاني الروحية، ومع شروق الشمس يبدأ العمل مصحوبًا بالصلاة أينما ذهب، مملحاً كل عملٍ بالتسبيح.


إن سكون الوحدة هو بدء تنقية النفس، وبالفعل إن لم يضطرب عقل الإنسان لأي شيء، ولم يتشتت عن طريق الحواس في أمور العالم، يرتدّ إلى ذاته، ويرتفع إلى التفكير في الله".


كان صارماً في نسكه،
حتى أضنى جسده، يمزج النسك بدراسة الكتاب المقدس والعبادة، فاجتمع حوله نساك من بنطس وكبادوكية.


ويعتبر هو
أول من أسس جماعات نسكية من الجنسين في جميع أنحاء بنطس،
وإن كان ليس أول من أدخل الرهبنة هناك.


في ميدان الخدمة العامة :


إذ سمع باسيليوس أن ديانيوس أسقف قيصرية قبل قانون إيمان أريوسي يدعى أريميني Ariminum،

ترك خلوته ومضى إلى الأسقف يكشف له عن زلته،


فقبل الأسقف قانون الإيمان النيقوي الذى يؤُكد وحدانية الإبن مع الآب، وكان على فراش الموت، وبانتقاله خلفه أوسابيوس.


تحت تأثير غريغوريوس النزينزي ذهب باسيليوس إلى أوسابيوس الذي سامه قسًا سنة 364م بعد تمنعٍ شديدٍ، وهناك
كتب كتبه ضد أونوميوس الذي حمل فكرًا أريوسيًا،
إذ أنكر أن الإبن واحد مع الآب في الجوهر، وإنما يحمل قوة من الآب لكي يخلق، وأن الإبن خلق الروح القدس كأداة في يده لتقديس النفوس.



اشتهر القديس باسيليوس
جدًا وتعلقت القلوب به، الأمر الذي أثار الغيرة في قلب أسقفه فأدت إلى القطيعة ثم إلى عودته إلى خلوته مع القديس غريغوريوس ليتفرغا للكتابة ضد الإمبراطور يوليانوس الجاحد الذي أصيب بنكسة هيلينية.


إذ ارتقى
فالنس العرش
حاول بكل سلطته أن ينشر الفكر الأريوسي،

فطالب الشعب بعودة باسيليوس، أما أوسابيوس فاكتفى بدعوة غريغوريوس الذي رفض الحضور بدون باسيليوس.


إذ كتب للأسقف:

"أتكرمني بينما تهينه؟

إن هذا يعني أنك تربت عليّ بيدٍ وتلطمني بالأخرى.

صدقني، إذ عاملته بلطف كما يستحق فسيكون لك فخر".


وبالفعل عاد الاثنان، فصار باسيليوس سندًا للأسقف وصديقًا وفيًا له خاصة في شيخوخته.


في هذه الفترة أيضًا اهتم


برعاية المحتاجين والمرضى، وقد شيّد مؤسسة دُعيت بعد ذلك باسيلياد Basiliad ، أُقيمت في ضواحي قيصرية لعلاج المرضى واستقبال الغرباء والمحتاجين، على منوالها ظهرت مؤسسات في مناطق قروية أخرى في الأقاليم كل منها تحت إشراف خوري أبسكوبس.


سنه 368م



ظهرت مجاعة اجتاحت الإقليم، فباع ما ورثه عن والدته ووزعه، كما قدم الأغنياء له بسخاء فكان يخدم الفقراء بنفسه.


سيامته رئيس أساقفة في حوالي
منتصف سنة 370م
توفي أوسابيوس، فأرسل باسيليوس الذي كان هو المدبر الفعلي للإيبارشية إلى القديس غريغوريوس النزينزي بحجة اعتلال صحته، وكان قصده أن يرشحه للأسقفية،


وإذ بدأ رحلته نحو باسيليوس أدرك حقيقة الموقف فقطع رحلته وعاد إلى نزنيزا، وأخبر والده غريغوريوس (والد غريغوريوس النزينزي) بالأمر، فقام الوالد بدورٍ رئيسي لتيار باسيليوس، إذ بعث برسائلٍ إلى الأساقفة الذين لهم حق الانتخاب كما إلى الكهنة والرهبان والشعب، وجاء بنفسه محمولاً بسبب شيخوخته وشدة مرضه ليدلي بصوته ويشترك في سيامته عام 370م.

كان لسيامته آثار
مختلفة فقد تهلل البابا أثناسيوس وأرسل يهنيء كبادوكية بسيامته، كما فرح كل الأرثوذكس، أما الإمبراطور فالنس الأريوسي فحسب ذلك صدمة خطيرة له وللأريوسية.



الصعاب التي واجهته:



1.رفض فريق من الأساقفة الاشتراك في سيامته، لكنهم بعد سيامته تحولوا عن عدائهم الظاهر إلى المقاومة الخفية، غير أنه تغلب عليهم في سنوات قليلة بالحزم الممتزج بالعطف.


2. صممت حكومة الإمبراطور على تقسيم كبادوكية إلى إقليمين

لإضعاف مدينة قيصرية، وبالتالي الحدّ من سلطة القديس باسيليوس،

وقد أُختيرت مدينة تيانا عاصمة للإقليم الثاني، وطالب أسقفها أنتيموس بتقسيم كنسي يتبع التقسيم الإداري.


وإذ كانت تتمتع تيانا بذات امتيازات قيصرية، الأمر الذي سبب نزاعًا بينه وبين باسيليوس،


اضطر الأخير إلى سيامة مجموعة من الأساقفة لمساندته، منهم أخوه غريغوريوس أسقف نيصص، وقد سبق لنا الحديث عن مقاومة الأريوسيون له، وغريغوريوس صديقه على سازيما، الذي اضطر إلى الاعتزال منها لاستيلاء أسقف تيانا عليها، وأيضًا سام أسقفًا في دورا طُرد منها.



3. لم يمضِ على سيامته سنة حتى دخل في صدامٍ علنيٍ مع الإمبراطور فالنس الأريوسي


الذي كان يجتاز آسيا الصغرى مصممًا على ملاشاة الإيمان الأرثوذكسي وإحلال الأريوسية محله، وقد انهار بعض الأساقفة أمامه،


أما باسيليوس فلم يتأثر بحاشية الإمبراطور التي هددته بالقتل.


أرسل الإمبراطور فالنس مودستس حاكم برايتوريوم ليخيره بين العزل أو الاشتراك مع الأريوسية فلم يذعن له، بل وحينما دخل الإمبراطور الكنيسة في يوم عيد الظهور الإلهي لسنة 372م وشاهد الكنيسة تسبح بصوتٍ ملائكيٍ سماوي حاول أن يُقدم تقدمة فلم يتقدم أحد لاستلامها لأنه هرطوقي،


وكاد يسقط لولا معاونة أحد الكهنة له، أخيرًا تراءف عليه القديس وقبلها من يده المرتعشة، وقد حاول أن يظهر كصديق للقديس باسيليوس.



محاولة نفيه:


بالرغم من الوفاق الظاهري بين الإمبراطور والقديس فإن رفض الأخير قبول الأريوسيين في شركة الكنيسة أدى إلى اقتناع الإمبراطور أن نفي القديس ضروري لسلام الشرق.


إذ أُعدت المركبة لرحيله ليلاً بعيدًا عن الأنظار مرض غلاطس بن فالنس فجأة، فأصرت أمه دومينيكا أن يبقى القديس وطلب الإمبراطور من الأسقف أن يصلي لوحيده ليشفى،


فاشترط أن يكون عماده بيدٍ أرثوذكسية، وبالفعل شُفيّ لكنه حنث بوعده إذ عمده أسقف أريوسي فمات في نفس اليوم.


مرة أخرى استسلم الإمبراطور لضغط الأريوسيين، وإذ كان يكتب أمر النفي قُصف القلم أكثر من مرة في يده المرتعشة فخاف.


بجانب هذا تعرض لإهانات كثيرة من الحكام الإقليميين، منهم مودستس عدوه القديم، لكنه إذ أصيب بمرض خطير صلى له القديس فشُفيّ وصار من أقرب أصدقائه، وهكذا كانت يدَّ الله تسنده لتحول أعداءه إلى أحباء.



السنوات الأخيرة :


لازم المرض القديس منذ طفولته، وكان يشتد عليه خاصة في السنوات الأخيرة.


كما عانى من نياحة كثير من أصدقائه المساندين له

مثل القديس أثناسيوس الرسولي (عام 373م) والقديس غريغوريوس (والد غريغوريوس النزينزي) عام 374م، كما نفيّ أوسابيوس الساموساطي.


وقد وجد الأريوسيون فرصتهم للتنكيل بالقديس غريغوريوس أسقف نيصص بعقد مجمع في أنقرا لإدانته وكان الهدف منه جرح مشاعر أخيه.


في 9 أغسطس 378
جُرح فالنس في معركة أدريانوبل ليموت ويحتل غراتيان الكرسي لتنتهي الأريوسية، وكان باسيليوس على فراش الموت فنال تعزية وسلامًا من جهة الكنيسة في لحظاته الأخيرة.



نياحته:


في سن الخامسة والأربعين دعي نفسه "عجوزًا"،

وفي السنة التالية خلع كل أسنانه،

وبعد سنتين

في أول يناير سنة 379م سُمع يخاطب الله، قائلاً:

"بين يديك أستودع روحي"


وفي الحال أسلم الروح، وقد اشترك الكل مسيحيون ووثنيون في جنازته الرهيبة.



كتاباته:



1. العقيدة:

خمسة كتب ضد أنوميوس، كتاب عن الروح القدس في 30 فصلاً.


2. التفسيرية:

الأكسيمارس Hexameron، أي ستة أيام الخليقة في 9 مقالات، 17 مقالاً عن المزامير، تفسير الـ 16 أصحاحًا الأولى لسفر إشعياء.


3. مقالات:

24 مقالاً في مواضيع عقيدية وأدبية ومديح. 4.


الرسائل:

حوالي 400 رسالة في مواضيع متنوعة تاريخية وعقيدية وأدبية تعليمية وتفسيرية وقوانين، ورسائل تعزية.



5. توجد 3 قداسات باسمه، إحداهم تستخدمه الكنيسة القبطية.


6. النسكية:

القوانين الطويلة والقصيرة (الشائعة والمختصرة)؛

مقالتان عن دينونة الله، والإيمان؛ والأخلاقيات

Moralia . Butler, S Lives of Saints, June 14.


مطبوعات دير السيدة العذراء (السريان):

القديس باسيليوس الكبير حياته، نسكياته، قوانين الكنيسة، 1960
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,034
مستوى التفاعل
837
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
القديس غريغوريوس النزينزي



شارك القديس يوحنا الحبيب في لقبه "اللاهوتي" أو "الثيؤلوغوس"، بسبب براعته في الحديث عن الثالوث القدوس بإلهام إلهي، ولالتحام حياته التقوية بعمل الثالوث القدوس


ويعتبر أحد الثلاثة آباء الكبادوك العظام:


باسيليوس الكبير
وغريغوريوس أسقف نيصص
وغريغوريوس الثيؤلوغوس


عاشوا في عصر واحد في الكبادوك بآسيا الصغرى، لهم دورهم الفعّال بعد القديس أثناسيوس الرسولي في مقاومة الأريوسية.


نشأته:


ولد حوالي عام 329 م بقرية أريانزوسArianzus جنوب غربي الكبادوك، والدته القديسة نوناNonna التي كسبت زوجها الثري والقاضي إلى الإيمان المسيحي عام 325م، بل وصار أسقفًا على نزينزا لمدة 45 عامًا.


عاش تحت رعاية أمه


التي بعثت فيه حب الكتب المقدسة والحياة الفاضلة في الرب مع الصلاة بتقوى وورع.


روى لنا عن نفسه أنه إذ كان فتى رأى في حلم فتاتين جميلتين محتشمتين ترتديان ثيابًا بيضاء، قالت له إحداهما: أنا العفة، والأخرى: أنا الحكمة.


وكانتا واقفتين أمام عرش السيد المسيح. وإذ استيقظ من نومه شعر بحنين شديد نحو العفة يتزايد على الدوام طوال عمره،


هذا وقد اتسم بالحكمة الإلهية في دراسته للقضايا اللاهوتية وسلوكه.


التحق مع أخيه الأكبر قيصر بأعلى المعاهد في قيصرية كبادوكية حيث تعرفا على القديس باسيليوس.


إذ كان غريغوريوس يميل لدراسة القانون ذهب إلى قيصرية فلسطين ليلتحق بمدرستها الشهيرة في الخطابة.


ثم سافر مع أخيه إلى الإسكندرية حيث كان القديس ديديموس الضرير مديرًا للمدرسة اللاهوتية.


قضى غريغوريوس فترة قصيرة
بمصر
ثم أبحر إلى
أثينا
للاستزادة في العلم (الفلسفة).


وهناك التقى بصديقه
باسيليوس
ليعيشا معًا في حياة روحية مشتركة حتى قيل عنهما أنهما عقل واحد في جسدين.


هناك أيضًا التقى
بيوليانوس
الذي كان يتظاهر بالمسيحية، وكان يود صداقة غريغوريوس، لكن سرعان ما اكتشف القديس خطورته الخفية، حتى قال عنه:

"ما أشرس هذا الوحش الذي تربيه المملكة (الرومانية) في حضنها"، فصار يتجنب معاشرته.


وعندما جلس يوليانوس على العرش


حاول اجتذاب غريغوريوس ولم يفلح، وإنما نجح في اكتساب أخيه قيصريوس الذي عينه كطبيب إمبراطوري، فكتب إليه غريغوريوس ليترك هذا الذئب الخاطف، وبالفعل تركه.


مكث في أثينا عشر سنوات، وإذ رحل عنها صديقه الحميم باسيليوس، تركها هو أيضًا ليعود حوالي عام 357م.


في نزينزا


أراد أن يعيش في بلده حياة الوحدة يكرس كل وقته وطاقاته لدراسة الكتاب المقدس مع العبادة، إلا أن صديقه باسيليوس دعاه ليعيش معه في الدير الذي أسسه في بنطس، فذهب إليه حيث قضى ثلاثة أعوام في حياة نسكية رائعة مع تجميع لكتابات العلامة أوريجينوس في تفسيره للكتاب المقدس.


دعاه والده


في ذلك الحين لمساعدته إذ كان قد بلغ أكثر من ثمانين عامًا، وكان قد رسم أسقفًا في نزينزا، وهناك أصر الشعب على سيامته كاهنًا بالرغم من تحاشيه لنوال أية درجة كهنوتية ورغبته في الهروب، وتم ذلك على يدي والده عام 361م.


كان والده مع شيخوخته بسيطًا فسقط في التوقيع على مرسوم مجمع ريميني الذي يحمل اتجاهًا شبه أريوسي مما أثار الشعب ضده،


فقام غريغوريوس يُظهر ما في المرسوم من خبث خفي وكشف لأبيه خداع هؤلاء النصف أريوسيين فاعتذر الأب عن توقيعه المرسوم، وعاد الشعب إلى الأسقف من جديد.


سيامته أسقفًا:


إذ سيم القديس باسيليوس رئيس أساقفة قيصرية أراد أن يحيط نفسه بجماعة من الأساقفة المستقيمي الرأي،

لتحطيم البدع المنتشرة في ذلك الحين


فألح على صديقه غريغوريوس أن يقبل سيامته أسقفًا على سازيما، فرفض لكنه ألح عليه هو ووالد غريغوريوس


فاضطر أن يقبل نعمة الأسقفية
عام 372 م،
لكنه لم يدخل الإيبارشية إذ كانت موضع نزاع بين القديس باسيليوس والأسقف أنتيموس.


عاد القديس غريغوريوس إلى خلوته لكن والده الأسقف طلب معونته، فجاء إليه مشترطًا ألا يرتبط بالإيبارشية.

وبالفعل إذ تنيح والده عام 374م ووالدته في نفس السنة وزع ممتلكاته التي ورثها وانفرد في دير يمارس الحياة النسكية مع التأمل والدراسة خمس سنوات.



في القسطنطينية:


إذ سمع أن مدينة القسطنطينية امتلأت بالهراطقة حتى استولوا على جميع الكنائس اضطر أن يقبل دعوة المؤمنين هناك تحت إحساسه بالالتزام بالمسئولية.


وفي فترة قصيرة استطاع أن يرد كثير من الشعب من الهرطقات إلى الإيمان المستقيم.


وفي سنة 381م


إذ انعقد المجمع المسكوني الثاني بالقسطنطينية كان الاتجاه سائدًا أن يُثبت القديس إغريغوريوس على القسطنطينية،


وإذ اعترض الفريق المصري على هذا من جهة أنه سبق فسيم أسقفًا على إيبارشية أخرى أعلن أنه كمحب للوحدة والسلام يرفض قبول تثبيته، خاصة وأنه لا يشتهي المراكز،


وقد ترك المدينة بعد أن ودّع الأساقفة والشعب بخطاب مؤثر للغاية، ثم ذهب إلي نزينزا يقاوم بدعة أتباع أبوليناريوس.


وفي سنة
381م اعتكف
بجوار المدينة ليستعد
لرحيله من هذا العالم عام 390م.



تعيِّد له الكنيسة اليونانية في 10 مايو، أما كنيستنا ففي 24 توت.


كتاباته:


ترك لنا القداس الإلهي (الإغريغوري) وكنزًا من الكتابات اللاهوتية العميقة مع عظات ورسائل وقصائد.

1. العظات:


أجمل ما تركه لنا هو 45 عظة قدمها في أهم فترة في حياته من 379 – 381م، حينما كان أسقفًا على القسطنطينية، جاذبًا أنظار العالم إليه.

2. القصائد الشعرية:


كتبها في أواخر حياته، في خلوته باريانزيم Arianzum لم يبق سوى 400 قصيدة،

في أحدها سجل لنا علة اتجاهه للشعر في أواخر حياته،

ألا وهو إظهار أن الثقافة المسيحية الجديدة ليست أقل من الثقافة الوثنية بأية حال،

ولأن بعض الهرطقات كالأبولينارية تستخدم القصائد في نشر أفكارها، لهذا استخدم ذات السلاح للرد عليها.

جاءت بعض قصائده لاهوتية، والبعض سلوكية.



3. رسائله:


أول مؤلف باليونانية ينشر رسائله، وذلك بناء على طلب نيكوبولسNicobulus حفيد أخته جورجونيا.

بغير قصد وضع نظرية "كتابة الرسائل"، إذ طلب أن تكون الرسالة قصيرة، وواضحة، ولطيفة (رقيقة)، وبسيطة (رسالة 51، 54).


مدحه القديس باسيليوس، إذ كتب إليه يقول:


" وصلتني رسالتك أول أمس، هي بالحقيقة منك، ليس من جهة الخط وإنما من جهة نوع الرسالة، فإن كانت عباراتها قليلة لكنها تقدم الكثير".


من كلماته


من لا يؤمن بأن القديسة مريم والدة الإله "ثيؤتوكس"، يعنفه اللاهوت (رسالة 101).


لسان الكاهن يتوسط لدى الرب فيقيم المرضى؛

لتصنع ما هو أعظم بتقديس الليتورجيا فتمحى خطاياي الكثيرة عندما تقيم ذبيحة القيامة.

 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,034
مستوى التفاعل
837
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
القديس غريغوريوس أسقف نيصص



أحد الآباء العظام، دعاه القديس غريغوريوس النزيانزي: "عمود الكنيسة كلها" ولقّبه الأب مكسيموس المعترف "معلم المسكونة".


عاش في بداية حياته محبًا للعلم والأدب، وانطلق إلى حياة الخدمة والجهاد وكرس أواخر حياته للنسك والتأمل الإلهي في أعماق سماوية.


نشأته:


وُلد حوالي عام 330 م من أبوين مسيحيين تقيين في مدينة قيصرية الكبادوك يُدعيان باسيليوس وإميليا ابنة شهيد، له تسعة إخوة من بينهم أسقفإن (باسيليوس الكبير وبطرس أسقف سبسطية)،

والقديسة ماكرينة التي صارت رئيسة دير، وكان لها دورها الفعّال في حياة اخوتها بما تمتعت به من مواهب فكرية وتقوية ونسكية. لم يكن يميل إلى الحياة الدينية، طلبت منه والدته أن يشترك مع الأسرة في احتفالها بعيد شهداء سبسطية الأربعين، إذ كانت والدته قد بنت كنيسة على رفاتهم لكنه لم يرد الحضور وتحت الإلحاح حضر على مضض.

وإذ نام في الاحتفال رأى بستانًا جميلاً أراد دخوله فمنعه الأربعون شهيدًا، عندئذ استيقظ من نومه نادمًا على ما فرط منه،

وقرر أن يقبل الإيمان المسيحي طالبًا صلوات هؤلاء الشهداء. قيل أن والديه رقدا في الرب وهو صغير فاهتم به القديس باسيليوس والقديسة ماكرينا، فكان ينظر إليهما بكل وقار وتكريم.


بين الزواج والبتولية:


كان غريغوريوس ميالاً للبلاغة والأدب، وقيل أنه قطع شوطًا كبيرًا في ذلك طامحًا في مراكز هذا العالم وشهرته، لكن صديقه القديس غريغوريوس النزينزي كان يحثه على تكريس حياته للخدمة الإلهية والعبادة كأخيه باسيليوس وأخته ماكرينا.

تأثر غريغوريوس بكلمات صديقه، بعد أن كان قد تزوج بفتاة تدعى ثيوسيبيا Theosebia، التي مدحها فيما بعد عندما كتب عن البتولية، ودعاها القديس غريغوريوس النزينزي صديقته القديسة وأخته الطوباوية، بل وعند نياحتها رثاها، قائلاً: "فخر الكنيسة وبركة جيلنا".


هكذا كان ينظر إليها القديس بإجلال وتقدير.


على أي الأحوال، نال بعد ذلك القديس غريغوريوس الكهنوت ويرى البعض أنها بقيت معه في الخدمة يسلكان كأخين، وإن كان البعض يرى أنها انضمت إلى القديسة ماكرينا في ديرها.

انطلق القديس غريغوريوس المتزوج



ولكن بقلب التهب بالبتولية إلى فلسطين ومصر لزيارة الآباء الرهبان والنساك المتوحدين، وعاش فترة من الوقت سنة 358م في جبل أناسيس بمنطقة بونتيوس، وهناك التصق بصديقه النزينزي، وقد حاول القديس باسيليوس أن يجعله يستقر ويبقى في جبل أناسيس فلم ينجح في ذلك.



سيامته أسقفًا:


في عام 370م رُسم القديس باسيليوس الكبير أسقفًا على قيصرية الكبادوك، ولما كان الإمبراطور فالنس قد بدأ يشن حملة اضطهاد ضد السالكين بإيمان مجمع نيقية، أراد القديس باسيليوس أن يحيط نفسه بمجموعة من الأساقفة المستقيمي الرأي، فسام القديس غريغوريوس النزينزي أسقفًا على زاسيما، وأخاه غريغوريوس على مدينة نيصص عام 373م وكانت زوجته مازالت تعيش كبتول أو قد تنيحت.


في عام 374م


أراد الإمبراطور فالنس بميوله الأريوسية التخلص من الأساقفة المستقيمي الإيمان، فاتهم غريغوريوس أسقف نيصص بتبديده أموال الكنيسة وأن سيامته باطلة، فنفاه لمدة أربع سنوات.


كانت هذه الفترة فرصة للقديس يعيش فيها حياة التأمل، فصار يفكر بجدية في أفكار القديس باسيليوس النسكية، وبدأ يساعده في تأسيس الحركة الرهبانية بالكبادوك فكتب أول عمل له:

"مقال في البتولية،

كتبها كإنسان متزوج ارتبط بزوجته بعلاقة مقدسة ومحبة روحية، لكنه شعر بسمو الحياة البتولية التي خلالها يتفرغ القلب والفكر وكل طاقات الإنسان للعبادة والخدمة خارج العوائق الزوجية أو الالتزامات الزوجية.



تجديد نشاطه الرعوي :


في نهاية
عام 377 م
عاد إلى مقر كرسيه بموافقة الإمبراطور جراتيان Gratian حيث اُستقبل بحفاوة شديدة وسط الأمطار الغزيرة.


وفي
عام 379م
إذ تنيح أخوه القديس باسيليوس تأثر جدًا، وشعر بالالتزام أن يضاعف جهده، ليكمل رسالة أخيه من جهة نشاطه الرعوي وعمله اللاهوتي وتنظيم الحركة الرهبانية.


في خريف
عام 379م
اشترك في مجمع إنطاكية، وفي رجوعه من أنطاكية وقف في أناسيس ليحضر نياحة أخته القديسة ماكرينا،

ولما رجع إلى إيبارشيتة وجد أتباع أنوميوس قد احتلوها، فصار يجاهد لدحض بدعتهم التي حملت فكرًا أريوسيًا،

إذ رفضوا أن الابن واحد مع الآب في الجوهر، إنما يحمل قوة من الآب لكي يخلق، وأن الابن خلق الروح القدس أولاً كأداة في يده لتقديس النفوس.


وفي
عام 380م
دُعي إلي إيبورا بالقرب من أناسيس لمناسبة اختيار أسقف جديد لها.


وفي عيد القيامة
لعام 380م
رجع إلي نيصص حيث ألقى ثلاث عظات عن "الصعود وحلول الروح القدس"، كما كتب رسالة إلي أخيه بطرس أسقف سبسطية.


وفي عام
381م
حضر مجمع القسطنطينية حيث كان له دور فعّال فيه، وخلاله اتجهت إليه الأنكأحد قادة الكنيسة العظماء في الشرق.
حمَّله المجمع مسئولية رعاية بعض البلاد، والقيام بمصالحة أسقفين بالعربية.


وفي عودته من العربية زار
أورشليم
وإذ رأي بعض الزوار يسيئون التصرف هناك كتب رسالة شديدة اللهجة في هذا الأمر.

هناك
أُتهم بهرطقة أبوليناريوس
التي تتجاهل كمال ناسوت المسيح إذ تحسبه يحمل جسدًا بلا نفس بشرية، وإنما حل اللاهوت عوض النفس البشرية، فكتب القديس رسالة يدافع فيها عن نفسه.


وفي نهاية
عام 381م
رجع إلي نيصص، وفي الشتاء الثاني كتب ضد هرطقة أبوليناريوس وأيضًا ضد أنوميوس.


وفي
عام 385م
أُختير ليقول كلمة رثاء في وفاة الإمبراطورة فلاسيلا وابنتها بولكاريا.


واجه القديس متاعب كثيرة من الأسقف هيلاديوس أسقف قيصرية مما دفعه إلي تكريس حياته للحياة التأملية حتى تنيح عام 395م.


كتاباته:


يرى الدارسون أن كتاباته تعتبر أروع ما سجله الآباء الكبادوك العظام، فقد فاق في كتاباته القديس باسيليوس الكبير والقديس غريغوريوس النزينزي.

كتاباته حملت فكرًا عميقًا ومتسعًا، تكشف عن نفس ملتهبة غيرة ومتقدة بالحيوية.


أهم كتاباته هي:

1. مقالاته العقيدية:


إذ كتب أربعة مقالات ضد أنوميوس، حملت أيضًا تفنيدًا للأريوسية، ومقال يوضح الأبولينارية كطلب بابا الإسكندرية ثاوفيلس (23)، ومقال يرد على كتاب أبوليناريوس موضحًا أن جسد المسيح لم ينزل من السماء، وأن اللاهوت لم يحل محل النفس البشرية، عظة عن الروح القدس ضد مقدونيوس، وعدة مقالات توضح الثالوث القدوس، موجهة إلى رجل كنسي يدعى أبلابيوس Ablabius

2. أعماله التفسيرية:


أهمها عمله الذي أراد أن يكمل به تكملة كتاب القديس باسيليوس عن "أيام الخليقة الستة Hexameron"، حياة موسى، عن عناوين المزامير، 15 عظة عن نشيد الأناشيد، عن الصلاة الربانية، (1مل 28) (العرافة وروح صموئيل النبي)، عن التطويبات، عظتان عن 1 كورنثوس.

3. أعماله النسكية:


فقد دعي "أب الحياة الباطنية"، كتب عن البتولية، وعن اسم المسيحي وعمله، عن الكمال، حياة ماكرينا الخ...


4. عظاته:


منها عظات ليتورجية مثل عيد الأنوار (عماد السيد المسيح)، في الفصح المقدس والقيامة، عن صعود المسيح، عن الروح القدس في عيد البنطقستي، عن ميلاد المسيح. كما قدم عظات أو ميامر في أعياد الشهداء والقديسين مثل عظاته عن القديس اسطفانوس، وعيد القديس غريغوريوس النزينزي، وفي مدح الشهيد ثيؤدور، والأربعين شهيدًا بسبسطية. وأيضًا مراثي في صلوات الجنازات، وعظات سلوكية.
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,034
مستوى التفاعل
837
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
امفيلوخيوس أسقف أيقونية


القديس أمفيلوشيوس Amphilochius من رجال
القرن الرابع،



كان صديقًا حميمًا للقديسين باسيليوس الكبير وغريغوريوس الناطق بالإلهيات وغريغوريوس أسقف نيصص.


ولد في

قيصرية الكبادوك ما بين سنة 340 – 350م،


وقد نشأ محبًا للعلم والثقافة كما اتسم بالعدل والحكمة مع شرف نسبه،

لذلك نجح في عمله
كمحام
حين بدأه بالقسطنطينية عام 364، وتدرج حتى صار
قاضيًا
. وقد عُرف بنزاهته ونظافة يده.


وكان القديس غريغوريوس يحثه على تكريس وقت أكبر لدراسة الكتاب المقدس والعبادة والخدمة، لكنه كان يشعر أنه يخدم الله خلال تقواه في عمله كقاضٍ.


مرّت به
تجربة قاسية
على نفسه، إذ اتُّهم ظلمًا بأنه قد برّأ رجلاً مذنبًا بنواله رشوة، وبلغ ذلك القصر الإمبراطوري بالقسطنطينية، فأسرع القديس غريغوريوس الثيؤلوغوس يكتب إلى القصر ليعلن براءة صديقه، وبالفعل خرج من التجربة أكثر كرامة.


أما ما انتفع به فهو إدراك أهمية نصيحة صديقه القديم الذي طالما كان يحثه على التفرغ للخدمة،
فقرر ترك عمله عام 367
والانفراد في بيته يثابر على دراسة الكتاب المقدس والحياة التأملية مع عبادات روحية ونسك، كما كان يعين والده في شيخوخته المتأخرة وأمراضه الكثيرة.

اتخذ أمفيلوشيوس القديس باسيليوس الكبير صديقًا له وأبًا روحيًا ومدبرًا لحياته، وقد وجدت بينهما رسائل متبادلة كثيرة، وإن كان قد اتبع (أمفيلوشيوس) أسلوب الحذر لئلا يُرشح لعمل كهنوتي.

غير أن الله دعاه للعمل الأسقفي
عام 374 لمدينة أيقونية بليكاؤنية
والتي كانت تُدعى بيسيدية الثانية، ويبدو أنه قبل الأسقفية خلال ضغط القديس باسيليوس،

كما يظهر من رسالة الأخير له، إذ جاء فيها:


"الطوباوي في الله الذي يختار في كل جيل من يسره، مظهرًا آنية اختياره، مستخدمًا إياهم في خدمة القديسين، هذا الذي يصطادك في شباك نعمته التي لا يمكنك الانفلات منها، بالرغم من محاولتك للهروب لا منا وإنما من الدعوة التي وجهها الله خلالنا، فجاء بك إلى منتصف بيسيدية، حتى تأسروا للرب الذين سبق فأسرهم الشيطان، وتخرجوهم من الأعماق إلى النور حسب مشيئته" رسالة 161.

التقى أمفيلوشيوس بعد سيامته بالقديس باسيليوس في قيصرية الكبادوك يسأله الإرشاد في بدء عمله الأسقفي شفاهة، ثم رجع إلى كرسيه، ولم يخجل من استشارته بعد ذلك بالرسائل، بل سجل القديس باسيليوس لنا كتابه عن الروح القدس بناء على طلب هذا الأب.

يصعب الحديث عن هذا الأب فقد مدحه كثيرون من الآباء المعاصرين له.


دعاه القديس غريغوريوس الثيؤلوغس
ملاكًا سمائيًا وعمود الحق والاستقامة والحبر البريء من العيب.


هذا وقد اتسم

الأب بغيرته المتقدة على الإيمان المستقيم، مناضلاً ضد الهراطقة بعظاته وكتاباته ضد الأريوسيين منكري لاهوت السيد المسيح، والميساليون Messalians (كلمة سريانية تعني رجال الصلاة) الذين نادوا بأن الشيطان أتحد بنفس كل إنسان نتيجة خطية آدم، لا يخرج في المعمودية وإنما بالصلاة الدائمة غير المشتتة، مركزين على الحياة النسكية بطريقة مبالغ فيها من جهة فاعليتها في خلاص الإنسان.

اشترك في
مجمع القسطنطينية المسكوني عام 381
كأحد الأعضاء البارزين، ومُدح على أرثوذكسيته في قانون الإمبراطور ثيؤدوسيوس في 30 يوليو 381.


رأس مجمع Side على
خليج أداليا عاك 390
الذي أدان الميساليين (باليونانية ايوخيت Euchites) كهراطقة.

وفي
سنة 394
حضر مجمعًا بالقسطنطينية الذي أقر الخلافة الأسقفية لإبيارشية Bostra.


كتاباته:


أغلب كتاباته مفقودة،

منها كتابه "عن الروح القدس"

الذي أشار إليه القديس جيروم، كما لدينا بعض مقتطفات من كتابات أخرى له مفقودة.


أما الكتابات التي وصلت إلينا كاملة فهي


رسالته المجمعية

التي كتبها كطلب مجمع أيقونية المنعقد عام 376، فيها يدافع عن لاهوت الروح القدس ضد Pneumatomachoi،


ومقال بالقبطية ضد The Apotacties, Gemellites،

ثمان عظات على نصوص من الكتاب المقدس.
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,034
مستوى التفاعل
837
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
القديس بنتينوس


مولده :



يرى المؤرخون الأقباط أن بنتينوس وُلد بالإسكندرية، من أصل مصري .


ويرى المؤرخ فيلبس الصيدوي أنه كان أثينيًا،

ولكن هذه مجرد حدس، بسبب اهتمام القديس بالفلسفة اليونانية.


ويرى بعض الدارسين أنه من صقلية

لأن تلميذه اكليمنضس لقبه "النحلة الصقلية"،

لكن هذا الرأي لا يمكن الأخذ به لأن النحل الصقلي كان له شهرته العالمية في ذلك الوقت، فكانت هذه التسمية مجرد إشارة إلى عذوبة تعليمه وما يحمله من قوت.


أما زمن ولادته،


فعلى ما يبدو، أنه ولد في أوائل القرن الثاني الميلادي، وإن كان يصعب تحديد سنة الميلاد بدقة.

تولّى بنتينوس Pantaenus القديس والفيلسوف
رئاسة مدرسة الإسكندرية
حوالي عام 181م، ونال شُهرة فائقة حتى اعتبره المؤرخ يوسابيوس أول رئيس للمدرسة.


قال عنه:


" في ذلك الوقت كانت مدرسة الإسكندرية للمؤمنين يرأسها رجل ذو شهرة عالية جدًا كدارسٍ، يسمى بنتينوس.

فقد وُجدت عادة راسخة أن توجد بينهم أكاديمية في العلوم القدسية.

ولا تزال هذه الأكاديمية قائمة إلى يومنا هذا.

وبحسب فهمي الذين يديرونها أُناس على مستوى عالٍ، لاهوتيون ذو قدرات خاصة، لكننا نعرف أن بنتينوس هو أحد هؤلاء المعلمين واكثر معلمي عصره قدرة وسُموًا ".


إذ استرجع القديس اكليمنضس ذاكرته في كتابه " المتفرقات Stromata" تذكر الأشخاص الطوباويين الذين يستحقون أن يكونوا موضع ذكرى، وكان من حسن حظه أن يلتقي بهم ويستمع إليهم، وإذ جاء إلى معلمه بنتينوس تحدث عنه كأعظم وأكمل معلم، وجد في وحدته تعزيته.


وقد وصف لقائه معه هكذا:

" التقيت بالأخير مصادفة، لكنه كان الأول من حيث الاستحقاق. وجدته أخيرًا في مصر مختبئًا. إنه بحق النحلة الصقلية، يقتطف من كل الزهور من مروج الأنبياء والرسل، ويودع في نفوس سامعيه ذخيرة معرفة غير فاسدة".


بنتينوس والفلسفة :


كان بنتينوس
رواقيًا مشهورًا.

والرواقيون أخلاقيون من الدرجة الأولى يحسبون الخير الأعظم في الفضيلة، يؤمنون بناموس الطبيعة أو ناموس الضمير أو الواجب.

يرون في الله الطاقة المتغلغلة في كل شيء، بها خلق العالم الطبيعي وبقيّ محفوظًا.


اعتنق بنتينوس المسيحية
على يدي أثيناغوراس،

وفي
عام 181م
خلفه كرئيس للمدرسة اللاهوتية التعليمية، وإليه يُنسب إدخال الفلسفة والعلوم إلى المدرسة لكسب الهراطقة والوثنيين المثقفين.


كان بنتينوس دائم القراءة في الفلسفة، ومع هذا لم يحتج عليه أهل عصره، ولا اتهموه بالانحراف عن الإيمان بل شهد له أوريجينوس قائلاً إنه في دراسته للفلسفة إنما يتمثل ببنتينوس الذي ربح الكثير من المثقفين خلال معرفته للفلسفة. هذا الاتجاه أدخله بنتينوس وتطور على يديْ تلميذه اكليمنضس وأعيد تنظيمه بواسطة أوريجينوس.


بنتينوس كمبشر:


لم تكن مدرسة الإسكندرية مجرد معهد عالمي ديني، لكنها كانت جزءًا من الكنيسة لها عملها الكرازي بجانب عملها التعبُّدي والعلمي.

كان رجالها كنسيين روحيين على مستوى عالٍ، كرسوا حياتهم للدراسة ونشر الفكر الإنجيلي الكنسي، مقدمين حياتهم مثلاً حيًا في النسك كما في الدفاع عن العقيدة والتبشير، على المستويين المحلي والمسكوني.


فمن ناحية

كان بنتينوس في نظر شعب الإسكندرية ليس دارسًا أو معلمًا فحسب وإنما " المعين لكثيرين" يهتم بخلاص كل أحد، حتى لقَّبه شعب المدينة " بنتينوسنا ".


ومن الجانب الآخر

حين دعاه
البابا ديمتريوس للكرازة في الهند
لبى الدعوة تاركًا المدرسة إلى حين في يد اكليمنضس.


روى المؤرخين قصة ذهابه للهند هكذا:

ان تجارًا من الهند استمعوا إليه فأُعجبوا به واعتنقوا المسيحية بغيرة شديدة، فالتقوا بالبابا السكندري وطلبوا منه أن يسمح لهم بإرسال بنتينوس إلى الهند للكرازة بين أهلهم.


كما قيل أن الهند بعثت برسالة إلى البابا مع وفد من أجل هذا الغرض فقبل البابا طلبهم. وعند رجوعه من الهند قيل انه
كرز في أثيوبيا وبلاد العرب واليمن
.

ويروي القديس جيروم ويوسابيوس أن بنتينوس
أحضر معه نسخة من إنجيل متى بخط يد الإنجيلي،
كان قد أحضرها القديس برثلماوس معه إلى الهند.

ومما يجدر ذكره أن القديس أناستاسيوس السينائي من رجال القرن السابع يتحدث عن بنتينوس ككاهن الإسكندرية.

ربما سيم قبل ذهابه إلى الهند، حتى يقوم بتعميد الموعوظين ومسحهم بالميرون وتقديم ذبيحة الأفخارستيا، فالكرازة تحتاج إلى العمل الكهنوتي.


بنتينوس والأبجدية القبطية :


أدخل بنتينوس الأبجدية القبطية، مستخدمًا الحروف اليونانية، مضيفًا إليها سبعة حروف من اللهجة الديموطيقية القديمة،

وبهذا
أمكن ترجمة الكتاب المقدس إلى القبطية
تحت إشرافه، يعاونه في هذا العمل العظيم تلميذاه اكليمنضس وأوريجينوس.


ويعطي الباحثون اهتماما عظيمًا لهذه الترجمة على قدم المساواة مع الأصل اليوناني نفسه.


كما
ترجم
القديس بنتينوس الكثير
من الأدب المسيحي
إلى هذه اللغة بكونها آخر شكل من تطور اللغة المصرية القديمة، وبدأ الكتَّاب يستخدمونها عِوض اليونانية.



كتاباته :


شرح بنتينوس كل أسفار الكتاب المقدس من التكوين حتى الرؤيا، شفويًا وكتابة، حتى دعاه معاصروه "شارح كلمة الله"، وللأسف لم يصلنا من كتاباته إلا بعض فقرات وردت خلال كتابات تلميذه القديس اكليمنضس.


المراجع :
القمص تادرس يعقوب ملطي : آباء مدرسة الإسكندرية الأولون، 1980، ص 47 - 51
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,034
مستوى التفاعل
837
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
القديس اكليمنضس الأسكندري



حياته


يعتبر القديس إكليمنضس أب الفلسفة المسيحية الإسكندرانية،

وصفه المؤرخ يوسابيوس أنه "كان متمرنًا في الكتب المقدسة"

ودعاه القديس كيرلس أنه "كان شغوفًا في التعلم"، "خبيرًا في التاريخ اليوناني".

قال عنه القديس جيروم:

"مجلداته المعروفة مملوءة علمًا وفصاحة،

يستخدم الكتب المقدسة والأدب الدنيوي، في رأيي أنه أكثر الجميع علمًا".


كما وصفه المؤرخ سقراط:

"كان مملوءًا من كل حكمة".

ومع هذا فقد أهملت شخصية هذا القديس

وذلك لسببين:


1. الخلط بينه وبين القديس إكليمنضس الروماني.

2. ارتباط شخصيته ب أوريجينوس الذي نُظر إليه كهرطوقي وأبيدت أكثر كتاباته خاصة النسخ التي كتبت باللغة الأصلية اليونانية .هذا مع غموض نظام القديس إكليمنضس.


مسيحيته



ولد تيطس فلافيوس إكليمنضس Titus Flavius Clemens حوالي عام 150م من أبوين وثنيين.


اسمه الروماني حمل بعض المؤرخين إلى القول بأن له صلة بالعائلة الإمبراطورية، وأنه من سلالة عبد أعتقه فاسيانوس أو ابنه.

أما عن مولده،


فوجد تقليدان في أيام أبيفانوس (القرن الرابع)، أحدهما يرجع مولده للإسكندرية والآخر لأثينا.


اعتمد التقليد الأول على طول بقائه في الإسكندرية، بينما يتفق التقليد الثاني بالأكثر على ما ورد في كتابه: "المتفرقاتStromata 1: 11".


لا نعرف شيئًا عن تاريخ تحوله إلى المسيحية، ولا الظروف المحيطة أو الدوافع التي أدت إلى ذلك، لكن المعروف عنه أنه قد اتسم بفكر متدين، فكان دائم البحث عن الله الذي يشبعه روحيًا وفكريًا وأخلاقيًا، وقد وجد في المسيحية تحقيقًا لهدفه.


حتى بعد اعتناقه المسيحية قام برحلات باهظة يبحث عن المعلم الحقيقي الذي يتتلمذ عليه، فذهب إلى جنوب إيطاليا وسوريا وفلسطين، وأخيرًا استقر في الإسكندرية حيث جذبته محاضرات القديس بنتينوس (الفيلسوف الذي قبِل المسيحية)، عاش فيها أكثر من عشرين عامًا (ربما من عام 175 إلى 202م) فصارت وطنه الثاني.


رئيس المدرسة :


تتلمذ على يدي القديس بنتينوس رئيس مدرسة الإسكندرية، وصار مساعدًا له.

سيم كاهنًا في الإسكندرية، وقام بعمله الوعظي بكل نجاح، وإذ سافر أستاذه بنتينوس إلى الهند حوالي عام 190م تسلم رئاسة المدرسة إلى حين عودته.


إذ تنيح بنتينوس تسلم القديس إكليمنضس الرئاسة من جديد، وقد تتلمذ على يديه العلامة أوريجينوس والقديس الكسندروس أسقف أورشليم.


هروبه من الإسكندرية


في أيام الاضطهاد القاسي الذي أثاره سبتيموس سويرس حوالي عام 202م، اضطر القديس إلى مغادرة الإسكندرية والالتجاء ربما إلى فلسطين وسوريا.


على أي الأحوال كان هروب القديس إكليمنضس من الإسكندرية نافعًا للكنيسة، كما يظهر من الرسالة التي بعث بها القديس ألكسندروس أسقف أورشليم إلى كنيسة إنطاكية حوالي عام 211م، إذ جاء فيها:

"هذه الرسالة أبعث بها إليكم يا أخوتي الأعزاء، على يد إكليمنضس الكاهن الطوباوي، الرجل الفاضل المبارك، الذي سمعتم عنه وستعرفونه أيضًا، والذي بحضوره إلى هنا بفضل عناية الله وتدبيره قد ثبت كنيسة الرب وأنماها".


تنيح حوالي عام 215م.


نظرة الغرب إليه


كان الغربيون يعتبرون إكليمنضس الإسكندري من قديسي الكنيسة، يحتفلون بعيده في الرابع من شهر ديسمبر.


وفي القرن السادس عشر حذف اسمه من تراجم الشهداء Martyrology بواسطة إكليمنضس الثامن (1592–1600م)، حسب تصحيحات بارونيوس Baronius.


وفي عام 1748م كتب البابا بندكت الرابع عشر رسالة إلى يوحنا الخامس ملك البرتغال، يبرر فيها سر هذا الحذف بحماس، مستندًا إلى وجود بعض التعاليم الفاسدة في كتاباته.


لكن لم يشر أحد المؤرخين الأول أمثال يوسابيوس وجيروم إلى هذه الأخطاء.


لهذا فالأرجح أن هذه الأخطاء دخيلة على كتبه، فمن دأب الهراطقة أن يفسدوا كتابات الآباء المشهورين لتأييد مذهبهم ونشره.


كتاباته


لعل أهم كتاباته ثلاثة كتب


دعيت "ثالوث إكليمنضس" تمثل منهج مدرسة إسكندرية، وهي:


1. نصائح لليونانيين Protrepticus،

دعوة لترك الوثنية وقبول الإيمان المسيحي بواسطة المسيح.



2. المعلم Paedagogas،

دعوة لتحويل الإيمان إلى عمل لنكون مشابهين لابن الله، وتحت قيادته إذ هو المعلم.



3. المتفرقاتStromata ،

غايته التمتع بالمعرفة الروحية الفائقة، وهو غاية المسيحي؛ وذلك خلال اتحاده بالمسيح كعريس للنفس.


له كتب أخرى مثل:


من هو الغني الذي يخلص؟

والمجمل،

ورسالة عيد الفصح.


أهم ما اتسم به هذا القديس هو


نظرته للفلسفة والمعرفة.


فالفلسفة في ذهنه ليست شرًا لكنها هبة إلهية، يفسدها البشر بخلط الحق بالباطل، لهذا فالفلاسفة أطفال صغار ينضجون خلال الإيمان.


بهذا قدم تزاوجًا بين الفلسفة والإيمان عوض العداوة. أما المعرفة أو الغنوسية فهي ليست هرطقة بل تمتع بإعلانات الله خلال السيد المسيح المعلم، بروحه القدوس، ينعم بها المسيحي خلال الحياة المقدسة في الرب.


بهذا فكلمة غنوسي لم تعد تعني هرطوقيًا، بل مسيحيًا مؤمنًا يسلك بروح الرب ينعم بمعرفة الله.


القمص تادرس يعقوب ملطي : آباء مدرسة إسكندرية الأولى، ص 53 – 125.
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,034
مستوى التفاعل
837
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
ديونيسيوس البابا الرابع عشر


لقبه القديس أثناسيوس "معلم الكنيسة الجامعة" كما دُعي " ديونيسيوس الكبير" بسبب ما عاناه من ضيقات محتملاً ذلك في شجاعة وثبات، ولغيرته على الكنيسة، لا على المستوى المحلي فحسب بل على مستوى الإبيارشيات الأخرى.


بحق يعتبر "أحد أعظم شخصيات التاريخ الكنسي الهامة والجميلة".



تحوله للمسيحية :


وُلد


بالإسكندرية مع نهاية القرن الثاني حوالي عام 190م، من أبوين وثنيين غنيين ذي جاه.

كان من مذهب الصائبة يعبد الكواكب، محبًا للقراءة، يعمل كطبيبٍ ناجحٍ.


قادته قراءته المستمرة إلى قبول الإيمان المسيحي،


فقد قيل أن أرملة عجوز مرّت به معها بعض كتابات الرسول بولس تريد بيعها. فاشتراها منها وأخذ يدرسها ويفحصها. فأُعجب بها جدًا وحسبها أفضل ما قرأه من كتب الفلاسفة.


وإذ طلب من السيدة أن تأتيه ببقية الأوراق ويدفع لها ما تريد أحضرت له ثلاث رسائل أخرى.


وإذ شعرت الأرملة أن نعمة الله قد عملت في قلبه قالت له:

"إن شئت أيها الفيلسوف أن تطّلع على كثير من مثل هذه الأقوال عليك بالذهاب إلى الكنيسة لتجد من يعطيها لك مجانًا.


فمضى إلى الكنيسة حيث التقى بشماس يدعى أوغسطين الذي دفع له رسائل معلمنا بولس الرسول كاملة، فقرأها وقبل الإيمان المسيحي.


مضى ديونيسيوس إلى البابا ديمتريوس ونال منه سرّ العماد، ثم التحق بالمدرسة اللاهوتية، حيث تتلمذ على يدي العلامة أوريجينوس. وصار أحد كواكبها اللامعين.


سيم ديونيسيوس شماسًا بواسطة البابا ديمتريوس، كما سيم قسًا بواسطة البابا ياروكلاس (هيراقليس).


خلف ديونيسيوس هيراقليس في رئاسة المدرسة لحوالي 16 أو 17 عامًا، كما خلفه أيضًا في البابوية.


أخبرنا عن نفسه


أنه اعتاد أن يقرأ حتى كتب الهراطقة، وأنه قد تشجّع على ذلك بواسطة رؤيا إلهية،

ففي رسالته الثالثة

عن المعمودية التي كتبها إلى القس الروماني فليمون قرر أن الله أعلن ذاته له، قائلاً له:

"اقرأ كل ما يمكن أن تصل إليه يدك، فإنك قادر أن تصحح كل شيء وتمتحنه، فإن هذه العطية هي سبب إيمانك منذ البداية".


وقد أهلته قراءاته المكثفة في كتب الهراطقة على مهاجمتهم من خلال أعمالهم.



بابا الإسكندرية :


1. في عام 247م اُختير القديس ديونيسيوس بابا للإسكندرية، حيث كانت رسالته صعبة ألا وهى الحفاظ على الكنيسة وسط موجات مستمرة من الاضطهادات، نذكر منها (دون التزام بالترتيب الزمني):


في عام 250م بدأ اضطهاد ديسيوس Decius للكنيسة.

وقد قدم البابا لمسات سريعة لشهداء الإسكندرية في ذلك الوقت في رسالته إلى دومثيوس وديديموس ورسالته إلى فابيوس أسقف إنطاكية، ذكر شهداء من رجال ونساء، صغار وكبار، عذارى وأمهات، جُلدوا وماتوا بالنار والسيف.


لم يستشهد البابا نفسه،

وقد حسب نفسه ضمن الذين رغم معرفتهم للرب زمانًا طويلاً لم يعد بعد أهلاً لذلك، وإن كان في اعتقاده أن السيد المسيح قد حفظه لزمن أخر مناسب.


بقيَ البابا في داره أربعة أيام ينتظر، بينما كان رجال الوالي يبحثون عنه في كل موضع غير متوقعين أن يجدوه في داره.


أخيرًا هرب، فعرّض نفسه مثل القديس كبريانوس للاتهام بالجبن. وقد اقتطف المؤرخ يوسابيوس رسالة القديس ديونيسيوس إلى أحد أساقفة الأقاليم يدعى جرمانيوس يدافع فيها عن نفسه:

قائلاً:


"أتحدث كمن هو في حضرة الله، إنه يعلم أني لا أكذب. إنني لم أهرب بدافع من نفسي، أو بدون إرشاد إلهي.


وحتى قبل هذا وفى نفس الساعة التي بدأ فيها اضطهاد ديسيوس، أرسل سابينوس جنديًا يبحث عني.


وكنت في الدار أربعة أيام أنتظر قدومه، لكنه تجوّل يبحث في كل موضع، في الطرق والأنهار والحقول، إذ ظن أني مختبئ فيها أو أتي في الطريق إليها.


فقد انطمست بصيرته ولم يجد البيت، ولا تصور أني أبقى في البيت في الوقت الذي فيه يجري البحث عني.


فقط بعد أربعة أيام أمرني الله أن أغادر الدار مع كثير من الاخوة. أما كون هذا قد تم بعناية إلهية فواضح مما حدث بعد ذلك إذ ربما كنت نافعًا لبعض الأشخاص".


أخيرًا قبض الجند عليه


مع من كانوا معه وأرسلوه إلى السجن في Taposrls، لكن استطاع شماس يدعى تيموثاوس أن يفلت من أيدي الجند، هذا التقى بشخصٍ مسيحيٍ في الطريق كان ذاهبًا إلى وليمة عرس.

أخبره بما حلّ بالبابا، وإذ سمع الحاضرون انطلق الكل إلى السجن، فهرب الجند تاركين الأبواب مفتوحة.


وإذ دخلوا السجن وجدوا البابا نائمًا. طلبوا منه مغادرة السجن فرفض حتى اضطر الشعب أن يحمله من يديه ورجليه ويدفعونه دفعًا، فذهب معهم إلى داره.



2. في عام 257م حدث أيضًا اضطهاد أثاره الإمبراطور فاليريان


فاستدعاه الوالي إميلينوس Aemilianus ومع الكاهن مكسيموس والشمامسة فوستوس ويوسابيوس وشيريمون.


وإذ طلب الوالي من البابا أن يترك عمله أجاب:


"ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس"،


فنفاه إلى قرية صحراوية تسمى خفرو Cephrs، هناك استطاع أن يبشر بين الوثنيين بالرغم مما عاناه من اضطهادات.


فاضطر الوالي أن ينفيه إلى صحراء ليبيا في Collutho. لم يقف عمله هناك على عقد اجتماعات، والكرازة بالمسيحية بين الوثنيين، بل أجهد نفسه في خدمة كنيسته بالإسكندرية (بالرسائل) ليحفظ الخدمة.


3. حدثت أيضًا اضطرابات جديدة،

إذ هوجمت مدينة الإسكندرية من الجنوب بواسطة قبائل بربرية.

كذلك أعلن والي مصر إميلينوس في الإسكندرية نفسه إمبراطورًا.

فنشبت حرب مدنية انتهت بأسره بواسطة القائد الروماني ثيؤدوتيوس الذي أرسل المتمرد مقيدًا إلى روما.

خلال هذه الحرب دُمرت المدينة، وحلّت مجاعة، وانتشرت الأوبئة.


تحدث البابا عن هذه الاضطرابات في رسالته الفصحية الدورية عام 263م جاء فيها:



"قد يبدو أن الوقت غير مناسب للعيد... فنحن لا نرى إلا الدموع، الكل ينوح ، والعويل يسمع كل يوم في المدينة بسبب كثرة الموتى...

بعد هذا حلّت الحرب وحدثت المجاعة.

تحملنا هذين الأمرين سويّا مع الوثنيين...

لكننا فرحنا بسلام المسيح الذي وُهب لنا نحن وحدنا. كان أكثر الأخوة أسخياء جدًا في محبتهم الزائدة وعطفهم، فازدادت رابطتهم مع بعضهم البعض، فكانوا يفتقدون المرضى بغير تخوّف، ويخدمونهم بصفة مستمرة.

يخدمونهم في المسيح.

أما الوثنيون فكانوا ينفرون من المرضى ويطرحونهم في الشوارع بين أموات وأحياء!" 4.


في نهاية كل اضطهاد كان البابا ديونيسيوس يواجه مشكلة المرتدّين. كان يضمهم، بل غالبًا ما كان يمنع إعادة معمودية حتى الهراطقة أو المنشقين الراجعين (مع أن الكنيسة فيما بعد لم تستقر على ذلك).


مركز ديونيسيوس العظيم


مع قدرته وعلمه واعتداله الممتاز جعله موضع التماس أن يتدخل غالبًا في كل الصراعات الهامة التي ثارت في الكنيسة في أيامه.


ففي الانقسام الخاص بنوفاتيوس

الذي سيم على كرسي رومًا بطريقة غير شرعية، التجأت جميع الأطراف إليه، كما انشغل بهرطقة نيبوس أسقف أرسينو بالفيوم، وسابليوس أسقف بتولمايس (المدن الخمس الغربية) وبولس السموسطائي.

وساطته بين كبريانوس واسطفانوس

كان القديس ديونيسيوس رجلاً كنسيًا هامًا، له عمله حتى خارج نطاق إيبارشيته. كمثال توسط في النزاع الحاد الذي قام بين كبريانوس أسقف قرطاجنة وإسطفانوس أسقف روما، وذلك بخصوص معمودية الهراطقة.


فبالنسبة لكبريانوس

معمودية الهراطقة والمنشقين باطلة، لأنهم خارج الكنيسة، ولا خلاص خارج الكنيسة، فإنه لا يستطيع أحد أن يتخذ الله أبًا له إن لم تكن الكنيسة هي أمه.

فالتائب، في الحقيقة، لا تُعاد معموديته، إنما يُحسب أنه يتقبل المعمودية للمرة الأولى، أما معموديته السابقة فهي باطلة كأن لم تكن.


أما إسطفانوس أسقف رومية

فقد رأى أن كل معمودية تتم باسم الثالوث القدوس صحيحة حتى إن تمت بيد هراطقة، فلا تُعاد معمودية الراجعين إلى الكنيسة من الهراطقة إنما يُكتفي بوضع الأيدي والصلاة عليهم. وقد ساعد على اشتعال النار

ظهور بدعتين:



1. بدعة نوفاسيتوس الأسقف الروماني


الدخيل القائل بعدم قبول توبة جاحدي الإيمان ووجوب إعادة الذين تعمدوا بيد هراطقة بل وعماد الأرثوذكس الذين تساهلوا في قبول الهراطقة التائبين...

وكان لذلك رد فعل عكسي في روما، الأمر الذي سبب وجود فريقين في روما فكتب كهنة روما إلى كبريانوس يسألونه فأجابهم:

"إن المعمّدين بيد هراطقة هم وحدهم يجب إعادة معموديتهم، أما الذين قبلوا الإيمان من الكنيسة الأرثوذكسية فعمادهم صحيح. كما قال: "وأما مسألة جاحدي الإيمان التائبين فلا يخص كنيسة روما منفردة، إنما يلزم أن تحكم فيها الكنائس مجتمعه".


2. بدعة فيلكينوس


الذي علّم بالصفح عن الذين جحدوا الإيمان بمجرد شفاعة المعترفين عنهم،


الأمر الذي أدى إلى رخاوة زائدة. وفى عام 253م إذ سيم إسطفانوس أسقفًا على روما شدّد في منع إعادة معمودية الهراطقة وخاطب فرميليانوس أسقف قيصرية بذلك.


وإذ لم يستجب الأخير لطلبه عقد مجمعًا عام 254م قطع فيه فرميليانوس ومن وافقه من أساقفة كيليكية وغلاطية.


لما هدد كبريانوس بالقطع لأنه كان متشددًا في ضرورة إعادة معمودية الهراطقة والمنشقين عقد كبريانوس مجمعًا عام 255م حكم بضرورة عماد الهراطقة ومن تعمد على أيديهم...

وأرسل قرار المجمع لإسطفانوس، جاء فيه:

"كل رئيس روحي حرّ في سياسة كنيسته، لأنه يقدم حسابًا عن أعماله للرب".

أما إسطفانوس

فكتب إلى أعضاء المجمع يهددهم بالقطع إن لم يذعنوا لإرادته.


كتب كبريانوس

رسالة إلى بومبيوس أحد أساقفة أفريقيا ضد إسطفانوس، جاء فيها:

"لا تجد مثل هذا القرار في الإنجيل أو في الرسائل أو في أعمال الرسل..."

بعث أساقفة أفريقيا رسالة أخوية إلى الأسقف إسطفانوس يدعوه للاتحاد معهم، فلم يقابل حاملي الرسالة ولا سمح لهما بمأوى، وبعث إليهم رسالة يلقب فيها كبريانوس "الرسول الغاش والنبي الكذاب".


فرد كبريانوس

برسالة أخوية إلى أساقفة أفريقيا يقول فيها عن إسطفانوس

"صديق الهراطقة وعدو المسيحيين"، كما قال: "إن هذا الأسقف الضال إسطفانوس دل برسالته على جهله وغباوته".


وكاد الشقاق يتزايد ويستفحل


لولا تدخل البابا ديونيسيوس الذي كتب رسالة إلى الأسقف إسطفانوس يظهر كيف اتحدت الكنائس في الشرق وأن الكل بفرح متفقون في الرأي، طالبًا منه ألا يسبب شقاقًا.


وقد رأى البعض مثل Wand أن ديونيسيوس قد شارك إسطفانوس رأيه لكنه لم يشاركه عنفه وحدته، فحاول التوسط بين الطرفين.

إن كان قد قرر ألا يعيد معمودية الهراطقة والمنشقين لكنه لم يقطع علاقته بالكنائس التي تعيد المعمودية، حاسبًا أن الأمر يترك لكل كنيسة.

وفى كتاب "الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة" للأسقف إسيذورس



قصة تظهر تخوّف ديونيسيوس من إعادة المعمودية خاصة إن كان الشخص قد أعتاد على التناول من الأسرار الإلهية في الكنيسة الأرثوذكسية.

فإنه بعد نياحة الأسقف إسطفانوس واجه البابا ديونيسيوس مشكلة وهي أن مؤمنًا من الإسكندرية جاءه يبكي بمرارة متوسلاً إليه أن يعيد معموديته، لأنه كان قد تعمّد بيد هراطقة منذ زمن طويل واعتاد التناول من الأسرار المقدسة في الكنيسة بعد توبته.


لكنه كان قلقًا للغاية. أما القديس ديونيسيوس فلم يجسر أن يعمّده لأنه كان يشترك في التناول في الكنيسة. لكنه تحت ضغط القلق الشديد والبكاء المستمر كتب إلى أخيه سكستوس أسقف روما يطلب رأيه.

على أي الحالات يليق بنا أن ندرك بأن الكنيسة في الشرق والغرب استقرت على رأى القديس كبريانوس، أي اعتبار معمودية الهراطقة والمنشقين غير قائمة.


مع نيبوس أسقف أرسينو:


في رحلته الرعوية لمدن إيبارشيته التقي البابا بنيبوس أسقف أرسينو بالفيوم، الذي استخدم سفر رؤيا يوحنا في تأكيد آرائه في الملكوت الألفي المادي بطريقة يهودية،

فيه يأتي السيد المسيح على الأرض ليملك كأحد الملوك.

في كتاب له يرفض فيه التفسير الرمزي لأوريجينوس A Refutation of the Allegorists.



دعا البابا مجمعًا محليًا في أرسينو


وأوضح للأسقف وأتباعه كيف أن ملكوت الله روحي، وأن المؤمنين لا يترجون أي ملكوت زمني أو ملذات أرضية، وكان يتحدث معهم بروح الحب في وداعة فاقتنعوا بكلماته.

وإذ عاد إلى الإسكندرية كتب البابا كتابين عن "المواعيد" جاء فيهما:

"إنه ليسعدني أن أصف ما رأيته من إخلاص أبنائي أهالي أرسينو ومحبتهم وذكائهم.

فقد تبادلنا الآراء بصبرٍ وجلدٍ، ولم ندع صغيرة أو كبيرة إلا وبحثناها بحثًا مستفيضًا.

ومما يسرني أن أبنائي

حين وقفوا على ما هم فيه من خطأ أعلنوا ذلك جهارًا في غير حياء ولا تردد. وفى طليعة المعترفين بخطئهم كوراسيوس الكاهن الذي أقام المثل الحي الدال على إخلاصه للحق.

كما يسرني ما بدا من أبنائي أهل أرسينو إذ نسبوا نقضي للبدعة الألفية إلى إخلاصي الأبوي".


وبعد تفسيره الإصحاح العشرين من سفر الرؤيا


أشار إلى مواعيد الله لشعبه، ثم ذيل الرسالة بمدحه للأسقف نيبوس قائلاً:

"إنني أحب نيبوس وأمتدحه، لأنه يسعى بكل جهده للوقوف على الحقيقة. وأمتدحه أيضًا للترانيم الروحية التي وضعها ليترنم بها الشعب في حفلاته. غير أن محبتي للحق تفوق محبتي لنيبوس، لذلك بادرت إلى دحض بدعته لإرشاده وإنارته".


حقًا كم كان تاريخ الكنيسة قد تغير لو أن كل الصراعات عولجت هكذا بالروح الهادئ اللطيف؟!


مع الهرطوقي سابيفيوس:


جاء إلى مصر رجل من روما ينشر بدعة تسمى "مؤلمي الآب"،


يعتقد أصحابها بأن الله أقنوم واحد، وهو الذي كفّر عن خطايا البشر...

بهذا يكون الآب قد تألم...


قاوم البابا هذا الضلال، وأرسل منشورًا إلى الأسقفين أمونيوس وأفراندر، كما حرّم سابيليوس في مجمع عقده عام 261م بعد أن فنّد تعاليمه الفاسدة.


التجأ أتباعه إلى الأسقف الروماني ديونيسيوس الذي كان شابًا قليل الخبرة، فعقد مجمعًا حرّم فيه بابا الإسكندرية وأرسل إليه يخبره بالحكم ويسأله إن لديه ما يدافع به عن نفسه.

لكن بابا الإسكندرية بحكمته بعث برسالة أوضح فيها ما عسر عن فهم الأسقف الروماني، فاستراح الأخير إليها.

وقضت الرسالة على ما يسميه المؤرخين "نزاع الديونيسيين"، وشعر الروماني بتسرعه فاحترم الإسكندري، ووقف بجانبه في دحض بدعة بولس السومسطائي أسقف إنطاكية.



كتاباته:


كتب الكثير، لكن للأسف لم يبقَ إلا شذرات
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,034
مستوى التفاعل
837
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
البابا بطرس الأول - البابا السابع عشر


هو ثمرة صلوات أمه صوفيا زوجة الكاهن الإسكندري ثيؤدوسيوس،

إذ طلبت من الله في عيد الرسل أن يهبها ثمرًا، وفي الليل ظهر لها شخصان يلبسان ثيابًا بيضاء يعلنان قبول الله طلبتها، وبالفعل وُلد بطرس في عيد الرسل التالي.


بعد ثلاث سنوات قدماه الوالدان للبابا ثاؤنا لكي يباركه،

وفي الخامسة أُرسل ليتعلم الدين،

وقد أقيم في السابعة أغنسطسًا،

وفي الثانية عشرة شماسًا يخدم الله بروح تقويّ نسكي،

وكان ملازمًا الكنيسة ليلاً نهارًا، منكبًا على الدراسة، سالكًا في اتضاع، فأحبه الجميع،

وسيم قسًا في السادسة عشرة من عمره.


قيل أنه كثيرًا ما كان يرى السيد المسيح نفسه يناول المؤمنين بيد البابا ثاؤنا.

عرف القس بطرس كيف ينسحب من وقت إلى آخر للدراسة في الكتاب المقدس حتى تأهل أن يكون عميدًا لمدرسة الإسكندرية اللاهوتية ويُلقب "المعلم البارع في المسيحية".


وعندما جاء
سابليوس
القائل بأن الله أقنوم واحد يظهر تارة في شكل الآب وأخرى في شكل الإبن وأيضًا في شكل الروح القدس،

أرسل له البابا ثاؤنا القس بطرس فاستصغره لكن سرعان ما أفحمه بل وقيل إنه أُصيب بمرض خطير ومات في الحال وتشتت أتباعه.

هذا وقد وهب الله هذا الكاهن عطية إخراج الشياطين وشفاء المرضى.


على كرسي مارمرقس :


إذ كان البابا ثأونا في مرض الموت رأى السيد المسيح يطمئنه على الخدمة، قائلاً له:

"أيها البستاني للحديقة الروحية، لا تخف على البستان ولا تقلق، سلمه إلى بطرس الكاهن يرويه، وتعالْ أنت لتستريح مع آبائك".


فأخبر البابا تلميذه الذي بكي لشعوره بعظم المسئولية.


وفي أول أمشير سنة 18ش (25 يناير302م) سيم القس بطرس بابا الإسكندرية (17).


الانقسام الميلاتي :


بدأ البابا بطرس خدمته كبطريرك وسط عاصفة الاضطهاد العنيفة التي أثارها الإمبراطور دقلديانوس وشريكه مكسيميانوس.


لكن ما أرهق البابا بحق هو الانقسام الداخلي الذي خلقه مليتوس أسقف ليكوبوليس (أسيوط).


يبدو أن هذا الأسقف بخر للأوثان، ولما أراد البابا تأديبه رفض، فعقد البابا مجمعًا بالإسكندرية وجرده، أما مليتوس فأخذ موقف العنف إذ صنع انشقاقًا وضم إليه بعض الأساقفة،


بل وعند سجن البابا ذهب إلى الإسكندرية وصار يرسم كهنة بالإسكندرية.


هذا ما ذكره القديس أثناسيوس،


أما القديس أبيفانيوس

فيقول أن مليتوس أخذ موقف العنف من المرتدين بسبب الاضطهاد الراجعين، رافضًا توبتهم خاصة الكهنة،

أما البابا فأراد أن يبقى الباب مفتوحًا لكل نفسٍ راجعة، مكتفيًا بتقديم التأديب.


وقد سُجن البابا بطرس ومليتوس،

وبسبب الخلاف وضعا ستارة بينهما داخل السجن حتى لا ينظر بعضهما البعض، فقد فضل البابا أن يخسر الأسقف ومن معه عن أن يفقد الراجعين إلى الله بالتوبة رجاءهم.


عُرضت قضية هذا الانشقاق الميلاتي في المجمع المسكوني بنيقية
عام 325م،
إذ بلغ عدد التابعين لمليتوس 28 أسقفًا،

وقد تساهل المجمع معه، إذ قبله كأسقفٍ شرعيٍ في حدود إيبارشيته على ألا يسيم أساقفة أو كهنة فيما بعد،

أما الذين سبق فسامهم من الكهنة فيُعاد تثبيتهم من جديد ويعملوا تحت سلطان أسقف الإسكندرية.

وفي حالة احتياج أسقفية ما إلى أسقف تعاد سيامة أحد الأساقفة الذين سامهم مليتوس، كما أمر المجمع ألا يُسام أسقف في المستقبل دون حضور ثلاثة أساقفة على الأقل واشتراكهم في السيامة.


مع آريوس :


خطورة الانشقاق المليتي

أن آريوس منكر لاهوت السيد المسيح (سبق الحديث عنه في عرضنا لسيرة البابا أثناسيوس) قد وجد في هذا الانشقاق فرصته، إذ انضم إليه ليس من جهة الفكر اللاهوتي وإنما من جهة معاندته ضد الكنيسة.


عقد البابا بطرس مجمعًا في الإسكندرية وحرم أريوس، وقد استمر الأخير في نشر تعاليمه.

في داخل السجن :


أُلقيّ القبض عليه وأودع في السجن إما لظهور أول مؤلفاته ضد الوثنية، التي اعتبرها الإمبراطور تحديًا شخصيًا له، وإما بسبب شكوى قدمها سقراطيس، أحد أشراف إنطاكية إلى الإمبراطور.

سقراط هذا كان صديقًا للشهيد أبادير، أنكر الأول الإيمان إرضاءً لدقلديانوس، فسألته زوجته التقية أن يسافر معها إلى الإسكندرية لتعميد ابنيهما هناك فرفض خشية غضب الإمبراطور عليه.

سافرت الزوجة ومعها الابنان وغلامان، وفي الطريق إذ هبّت عاصفة شديدة خشيت أن يموت الولدان بلا عماد، فبسطت السيدة يديها وحوّلت وجهها نحو الشرق وصلت، ثم جرحت ثديها اليمني ورشمت جبهتيهما بدمها وغطستهما في الماء، وهى تقول:

"أعمدك باسم الآب والإبن والروح القدس".


وإذ هدأت الريح وبلغت الإسكندرية قدمت الابنين للبابا بطرس،

فكان كلما أراد أن يغطسهما تتجمد مياه المعمودية.

وإذ روت السيدة له ما حدث اكتفي البابا بالصلاة على الولدين ورشمهما بالميرون.


اشتكى سقراط امرأته أمام الإمبراطور فاستدعاها وأمر أن تُربط من خلفها ويوضع الولدان على بطنها ويُحرق الثلاثة بالنار.


بعد ذلك أمر الإمبراطور بالقبض على البابا الذي عمّد الولدان.


وقد سجن عام 311م.



مساعي آريوس :


أدرك آريوس أن البابا بطرس في طريقه للاستشهاد، لذا في مكرٍ أسرع لينال منه الحل طامعًا أن يعتلي الكرسي من بعده، فأرسل جماعة من الأراخنة يشفعون فيه،

أما البابا فأكد حرمان آريوس.


استدعى البابا تلميذيه الكاهنين أرشلاوس والكسندروس

وأخبرهما أن الأول سيعتلي الكرسي من بعده، يخلفه الثاني، محذرًا إياهما من قبول آريوس في شركة الكنيسة،

قائلاً لهما إنه رأى السيد المسيح بثوبٍ ممزق في المنتصف، ولما سأله عن سبب التمزيق، أجابه أن آريوس هو الذي مزقه.



حب مشترك :


إذ علم شعب الإسكندرية بسجن باباهم المحبوب تجمهر الكل حول السجن يريدون إنقاذه دون استخدام أية وسيلة عنيفة بشرية، مشتاقين أن يوقفوا قتله ولو تعرض الكل للموت.

اضطر القائد أن يؤجل تنفيذ الحكم يومًا خشية حدوث ثورة. وإذ حلّ الليل لم ينصرف الجمهور فارتبك القائد.


أدرك البابا أن احتكاكًا لا بد أن يحدث في الصباح بسببه، وإذ لم يرد أن يُصب أحد من شعبه بسوءٍ، استدعى أحد الأراخنة الموثوق فيهم ليبلغ الوالي أن يدبر إرسال البعض إلى السجن من جهة الجنوب عند أسفل الحائط وسوف يقرع البابا لهم من الداخل فينقبوا الحائط ويخرج إليهم لينفذوا فيه الأوامر الصادرة إليهم.

وبالفعل تم ذلك، وخرج البابا سرًا، وهو يقول:

"خير لي أن أسلم نفسي فدية عن شعبي ولا يُمس أحد بسوء".


سُمح له بزيارة مقبرة القديس مارمرقس الرسول لينال بركته، حيث صلى لله مستودعًا إياه الشعب، سائلاً أن يكون هو آخر شهيد في جيله. وكان بالقرب من القبر عذراء ساهرة تصلي سمعت صوتا ًيقول:

"بطرس آخر شهداء هذا الاضطهاد".


تقدم البابا للجند فكان وجهه كملاكٍ، ولم يجسر أحد من الخمسة جنود أن يقتله،

عندئذ قدم كل واحدٍ منهم قطعة ذهبية ليأخذ من يضرب رقبته الخمس قطع، فتجاسر أحدهم وضربه،

وكان ذلك في
29 هاتور سنة 28ش (سنة 311م)
.


في الصباح أدرك الشعب ما قد حدث، فوضع جسده على كرسي مارمرقس إذ لم يجلس عليه قط كل أيام بطريركيته، وكما قال لكهنته انه كلما أراد الجلوس شاهد قوة شبيهة بالنور حالة في العرش فكان يكتفي بالجلوس أسفله.

دُفن مع القديس مارمرقس،

لكنه إذ كان قد بني لنفسه مقبرة في موضع يقال له:

" لوكابتس"


نُقل إلى هناك ورافقته معجزات كثيرة. وكان السكندريون يحتفلون بعيده سنويًا، يقضون الليل في التسبيح لينتهي بقداس إلهي يقيمه بابا الإسكندرية، يعقبه وجبة أغابي "وليمة محبة" على شاطئ البحر.


كتاباته :


1. أهمها

"الرسالة الفصحية"،

تُسمى "الرسالة الخاصة بالقوانين"،

أصدرها بعد الاضطهاد الذي أثيرعام 302م،

تحوى 14 قانونًا خاصة بتأديب الإخوة الجاحدين، الراجعين بالتوبة،

وهي تحذر

من إثارة الوالي للاضطهاد بقصد نوال إكليل الاستشهاد.

وُضعت عام306م،

سبق لنا ترجمتها ونشرها.

له أيضًا "رسالة فصحية ثانية".


2. الرسالة إلى الإسكندرانيين، يحذرهم فيها من مليتوس.


3. مقالات:

"عن مجيء مخلصنا"،

"عن القيامة من الأموات"،

"عن اللاهوت"،

"عن النفس".

Fr. Tadrous Malaty: Pope Peter 1
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,034
مستوى التفاعل
837
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
البابا الكسندروس الأول - البابا التاسع عشر



سيامته:



وُلد بالإسكندرية، وسيم بها قسًا، ثم سيم بابا للإسكندرية

كما تنبأ البابا بطرس خاتم الشهداء (17)، وكان قد بلغ سن الشيخوخة، ومع هذا فكان يخدم الله بنشاط تقوي.


قال عنه المؤرخ الأنبا ساويرس بأن القديس أثناسيوس (البابا 20) روي بأن البابا الكسندروس ما كان يقرأ الكتاب المقدس جالسًا قط، وإنما كان يقف والضوء أمامه.


في تقواه دعاه الشعب بالقديس، وفي حبه للفقراء والمساكين كانوا يلقبونه "أب المساكين".


مقاومته للميلانية والأريوسية


حاول أتباعا ميليتس أسقف ليكوبوليس (أسيوط) بكل طاقتهم عرقلة سيامة الكسندروس مرشحين أريوس ليكون هو البابا البطريرك.

ميليتس


هذا كان قد أنكر الإيمان في اضطهاد دقلديانوس بالرغم من النصيحة التي قدمها له أربعة أساقفة بالسجن، ولم يكتفِ بهذا وإنما استغل سجن البابا ليجلس علي كرسيه ويرسم كهنة بالإسكندرية ويسلم أساقفة إيبارشيات غير إيبارشياتهم، وبهذا كوّن لنفسه حزبًا يتكون من ثلاثين أسقفًا يعلنون استقلالهم عن البابا، ويدخلون بعض الأنظمة اليهودية في عبادتهم.


عقد البابا بطرس خاتم الشهداء مجمعًا حكم فيه بتجريد ميليتس من درجته فلم يعبأ بذلك.

وقد أصدر مجمع نيقية حكمه بشأن انشقاق ميليتس، فخضع لحكم المجمع وخضع للبابا الكسندروس حتى مات عام 330م.


أما أريوس


فكان في البداية منتميًا لأتباع ميليتس، يشجع ملاتيوس علي الانشقاق ضد البابا بطرس.

وعندما سيم البابا الكسندروس حاول أن يجتمع به فرفض، معلنًا لرسله أن البابا بطرس قد منعه في السجن من قبوله في شركة الكنيسة كأمر السيد المسيح نفسه الذي ظهر له بثوب ممزق قائلاً بأن أريوس هو والذي مزقه.


وقد طلب منهم أن يقدم توبة للسيد المسيح، فإن قبلها يعلن له الرب ذلك فيقبله.


ثار أريوس وصار يهاجم ألوهية المسيح علانية، مستخدمًا مواهبه من فصاحة وخداع مع وضع ترانيم لها نغمات عذبة تجذب البسطاء، كما تظاهر بروح النسك والعبادة، وقد اجتذب كثيرًا من الراهبات والعذارى والنساء، استخدمهن في نشر بدعته.


عقد البابا مجمعًا محليًا عام 319م يطالبه بترك بدعته، وإذ رفض عقد مجمعًا آخر بالإسكندرية يضم 100 أسقف من مصر وليبيا حرم أريوس وبدعته، مصدقًا علي قرار المجمع السابق.


كتب أريوس إلى أوسابيوس أسقف نيقوميديا يستعطفه في خبث كمن هو مُضطهد من أجل الحق وبقي في عناده يعظ ويبث سمومه، فطرده البابا.


حاول أريوس استمالة بعض الأساقفة في إيبارشيات خارج مصر، فكتب البابا الكسندروس إلي سمية الكسندروس بطريرك القسطنطينية، كما إلي بقية الكنائس يشرح لهم بدعة أريوس ومعتقداته الخاطئة.


عقد أتباع أريوس مجمعين الأول في بيثينية عام 322م،

والثاني في فلسطين عام 323م

قررا بأن الحكم الصادر ضد أريوس من بطريرك الإسكندرية باطل، وطالبا بعودة أريوس إلي الإسكندرية، وعاد أريوس إلي الإسكندرية ليقاوم الحق.

اضطر البابا أن يشهر حرمان أريوس ويطرده للمرة الثانية، وقام الشماس أثناسيوس بكتابة منشور ضد بدعة أريوس وقعه 36 كاهنًا و44 شماسًا.


استطاع أوسابيوس أسقف نيقوميديا بدالته أن يستميل قسطنطين الإمبراطور إلي أريوس، إذ كانت أخت الامبراطور أي كونسطاسيا تكرم الأسقف أوسابيوس.


أرسل الإمبراطور قسطنطين أوسيوس أسقف قرطبة من أسبانيا وهو من المعترفين الذين احتملوا العذابات في عهد مكسيميانوس، إلي الإسكندرية ليتوسط لدي البابا فيقبل أريوس، وبعث معه خطابًا رقيقًا متطلعًا إلي أريوس ككاهن تقي غيور.


وبوصول الأسقف إلي الإسكندرية لمس بنفسه ما يفعله أتباع أريوس، فانضم إلي البابا وطلب من الإمبراطور أن يأمر بعقد مجمع مسكوني لينظر في أمر الأريوسيين.


عُقد مجمع نيقية عام 325م، وكان للقديس أثناسيوس الرسولي دوره الكبير في كشف أباطيل الأريوسيين، فقطع أريوس وأتباعه، ونُفي إلي الليريكون.

تنيح البابا الكسندروس حوالي عام 328.



تعيد له الكنيسة الغربية في 26 فبراير، واليونانية في 29 مايو، والقبطية في 22 برمودة.


لاهويتاته وكتاباته :



كان يبذل كل الجهد لمقاومة فكر أريوس منكر لاهوت السيد المسيح، والذي كان ينظر إليه باعتباره صنيعة بولس السومسطائي ولوقيانوس الإنطاكي،

مقدمًا تعليمه الذي هو "التعليم الرسولي الذي من أجله نموت"، مؤكدًا أزلية الابن ووحدته مع الأب في الجوهر، موضحًا أن بنوته للآب طبيعية وفريدة وليست بالتبني،

لذا دعي القديسة مريم "والدة الإله".


من كلماته:


[ إن كان الابن هو كلمة الله وحكمته وعقله، فكيف وُجد زمن لم يوجد فيه؟!

هذا كمن يقول بأنه وُجد زمن كان فيه الله بلا عقل وحكمة ].


أهم كتاباته هي:


1. يعلن القديس أبيفانيوس في كتابه ضد الهراطقات (69 : 4) عن وجود سبعين رسالة له، فُقدت جميعها ما عدا رسالتين في غاية الأهمية بخصوص الصراع الأريوسي.

2. له عظات من بينها وجدت عظة بالقبطية والسريانية عن النفس والجسد وعلاقتهما ببعضهما البعض.
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,034
مستوى التفاعل
837
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
القديس ديديموس الضرير



مدير مدرسة الإسكندرية


وُلد القديس ديديموس حوالي عام 313م، وفقد بصره في الرابعة من عمره.

فلم يتعلم القراءة في مدرسة، وإنما بسبب ولَعِه بالتعلم اخترع الحروف البارزة بالنحت ليقرأها بإصبعه.


بهذا سبق برايل بخمسة عشر قرنًا في استخدام الحروف البارزة للعميان.


حفظ الكتاب المقدس والتعاليم الكنسية عن ظهر قلب،

كما نبغ في النحو والبيان والفلسفة والمنطق والرياضة والموسيقى.


شهد عنه القديس جيروم:

"تعلم الهندسة أيضًا التي تحتاج إلى النظر أكثر من غيرها فكان أعجوبة كل ناظر إليه، وذاع اسمه في كل مكان".


بعد نياحة مقاريوس مدير مدرسة الإسكندرية لم يتردد القديس أثناسيوس في تسليمه مسئولية التعليم بإقامته مديرا للمدرسة (346-398م).


تتلمذ على يديه أو على كتاباته كثيرون منهم القديسين غريغوريوس النزينزي وجيروم وروفينوس وبالاديوس.

أشار إليه القديس جيروم كمعلمٍ له، ومدح تعليمه وشهد لأثره على الفكر اللاهوتي في الغرب والشرق كما دعاه روفينوس "النبي" و"الرجل الرسولي".



مع القديس أنبا أنطونيوس:


كان صديقًا حميمًا للقديس أنبا أنطونيوس. إذ شرعا ذات يوم يتحدثان في الكتب المقدسة سأله أنبا أنطونيوس ثلاث مرات:

"ألعلّك لا تحزن لأنك كفيف البصر؟"


أخيرًا أجابه القديس

أنه يحزن على ذلك جدًا، فأجابه القديس:

"إني متعجب لحزنك على فقدانك ما تشترك فيه مع أحقر الحيوانات كواسطة للإحساس إذ ليس لديها ما تحس به غير البصر (المحسوس)،

ولا تفرح متعزيًا لأن الله وهبك بصيرة أخرى لا يهبها تقدس اسمه إلا لمحبيه. أعطاك عينين كأعين الملائكة تُبصر بهما الروحيات، بل وبهما تدرك الله نفسه، ويسطع نوره أمامك، فيزيل كل ظلام في قلبك…"

فتعزى القديس بهذا القول كل أيام حياته.


وقد نقل ذات الفكر القديس جيروم عندما بعث رسالة تعزية لراهبٍ ضريرٍ.


نسكه:


اجتذب القديس ديديموس معاصريه لا بعلمه فحسب وإنما بنسكه أيضًا، فغالبًا ما عاش كمتوحدٍ.


زاره القديس أنبا أنطونيوس عدة مرات، كما زاره القديس بالاديوس أربع مرات في فترة عشر سنين،

وقد روى عنه قصتين:


1. مرة إذ طلب مني أن أصلي في قلايته ولم أُلبِّ طلبه روى لي هذه القصة:

دخل أنطونيوس هذه القلاية للمرة الثالثة لزيارتي، وإذ سألته أن يصلي ركع في الحال ليصلي ولم يضطرني إلى تكرار الطلب، مقدمًا لي مثلاً في الطاعة.

والآن إن كنت تود أن تقتفى آثاره، كما يبدو عليك، إذ تعيش في خلوة بعيدًا عن الأهل طالبًا الفضيلة، فأبعد عنك روح المقاومة.


2. أخبرني أيضًا الآتي:

ذات يوم بينما كنت أفكر في حياة الشقي يوليانوس الإمبراطور، وفى كونه مُضطهِدًا، اضطربت للغاية حتى إني لم أذق خبزًا إلى ساعة متأخرة في المساء،

وإذا بي أرى خيولاً بيضاء تجري، وكان راكبوها يهتفون قائلين:

قولوا لديديموس أن يوليانوس قد مات اليوم الساعة السابعة.

قمْ وكلْ،

وأرسل إلى أثناسيوس الأسقف لكي يعرف هو أيضًا ما قد حدث.


واستطرد يقول: "وقد دونت الساعة واليوم والشهر، واتضح لي ما قيل أنه صحيح.


دفاعه عن أوريجينوس:


نشر دفاعًا عن كتاب "عن المبادئ De Principiis"، لأوريجينوس. فيه أظهر خطأ الذين يتهمونه بالضلال، معتبرًا إيّاها مجرد أوهام لا قيمة لها، إذ يقول:


"الذين يتهمون أوريجينوس بالهرطقة هم عديمو الفهم، ليس لهم قدرة على إدراك الأفكار العالية والحكمة الغامضة التي امتاز بها ذلك الرجل العظيم الذي يعد من النوابغ المشهورين".


ضد آريوس:


قال سقراط المؤرخ:

"كان ديديموس عند الناس حصنًا منيعًا وسندًا قويًا للديانة المسيحية حتى قبل أن يتولى رئاسة المدرسة اللاهوتية،

ويُحسب خصمًا عنيدًا كسر شوكة اتباع آريوس وأذلهم في مناظرته معهم".


كتاباته :


أعماله التفسيرية :


يقول بالاديوس أنه فسر العهدين القديم والجديد كلمة كلمة.

وذكر جيروم أنه وضع تعليقات على أسفار المزامير وأيوب وإشعياء وزكريا الخ.

وأشار كاسيدوروس Casiodorus أن له تعليقات على سفر الأمثال.


وفى بردي الطور بمصر التي اكتشفت عام 1941م وُجدت مقتطفات مطوّلة لتفاسيره على التكوين وأيوب وزكريا.


عن الثالوث:


يقع هذا العمل في ثلاثة كتب،

وضعها ما بين عام 381 و392،

لا تزال موجودة، لأنها لم تحمل اتجاهًا أوريجانيًا.


عن الروح القدس:


الأصل اليوناني مفقود، لكن الترجمة اللاتينية للقديس جيروم موجودة.


ضد اتباع ماني:


يتكون هذا العمل من 18 فصلاً صغيرًا، موجود باليونانية.


أعمال أخرى :


في عمله "عن الثالوث"

أشار القديس إلى عمل آخر من وضعه يُسمى "الكلمة الأول".

كما يشير إلى مقاله Sanctorum Voluman في عمله عن "الروح القدس 5:12.

وجاء في سقراط أن ديديموس خصص عملاً للدفاع عن كتاب أوريجينوس "عن المبادئ".


ويشير الأب يوحنا الدمشقي

إلي عملين آخرين للقديس هما "عن الفلسفة" و"التجسد".


كما حفظت له بعض الأعمال تحت أسماء آباء آخرين.


الثالوث من يتصل بالروح القدس يتقابل حالاً مع الآب والابن.

ومن يشترك في مجد الآب يكون له هذا المجد من الابن بالروح القدس.

فقد اتضح أنه في كل شيء توجد عملية واحدة بذاتها للآب والابن والروح القدس.
(عن الروح القدس 17)


لاهوتي الروح القدس:


لم يكتفِ بتخصيص الكتاب الثاني من "الثالوث" للحديث عن الروح القدس، وإنما وضع كتابًا خاصًا عن الروح القدس، وقد لُقب بلاهوتي الروح القدس.


أكد مرارًا وتكرارًا أنه الخالق وليس مخلوقًا. كما تحدث عن انبثاقه من الآب وحده.


ينبثق الروح القدس من الآب ويستقر إلهيًا في الابن. (عن الروح القدس 1: 3)


من المستحيل لأي واحد أن يطلب نعمة الله إن لم يكن لديه الروح القدس الذي فيه يتضح أن كل عطايا الله متضمنة فيه. (عن الروح القدس 9).


يجددنا الروح القدس في المعمودية بكونه الله، وبالاتحاد مع الآب والابن يردنا من حالة التشويه إلى حالة الجمال الطاهر.


وهكذا يملأنا بنعمته فلا نعود نستطيع أن نفتح مجالاً لأي شيء لا يتأهل مع محبتنا.

إنه يحررنا من الخطية والموت وأمور الأرض، ويجعلنا بشرًا روحيين شركاء في المجد الإلهي، أبناء الله الآب وورثة له.


يُشكّلنا علي صورة ابن الله، ويجعلنا شركاء معه في الميراث واخوته، نحن الذين نتمجد معه ونملك معه.


يهبنا السماء عوض الأرض، ويمنحنا الفردوس بيدٍ سخيةٍ، ويجعلنا أكثر كرامة من الملائكة، ويطفئ بمياه جرن المعمودية الإلهية نيران جهنم التي لا تًطفأ.
(عن الثالوث 12:2).


القمص تادرس يعقوب ملطي: آباء مدرسة الإسكندرية الأولون
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,034
مستوى التفاعل
837
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
البابا كيرلس الأول - البابا الرابع والعشرون


الملقب
كيرلس الكبير- كيرلس الأسكندري - كيرلس عامود الدين



ارتبط اسم القديس كيرلس أبديًّا بالصراع الثاني العظيم في اللاهوتيات الخاصة بالسيد المسيح،

قاد إلى عقد المجمع المسكوني الثاني في أفسس عام 431،

وإدانة نسطور بطريرك القسطنطينية.


ويعتبر أحد الأباء البارزين ولاهوتي الكنيسة،

ونُدين له أكثر من أي لاهوتي آخر، فقد أدرك التجسد بفكر آبائي.


نشأته


لا نعلم عن حياته الكثير وخصوصًا في سنواته المبكرة الأولى.

عاش جدّاه الغنيّان التقيّان في ممفيس في مدينة أركاديا (حاليًا ميت رهينة جنوب الجيزة).


ولما تنيّحا اهتمّت مربية أثيوبية وثنية، ولكنها كانت بقلبها محبة للمسيحية، بالطفلين: ثاؤفيلس وأخته الأصغر منه والدة القديس كيرلس.


رافقتهما إلى هيكل أرتيموس وأبوللون، وعند وصولهم سقطت الأوثان فارتعبت المربّية.


هربت إلى الإسكندرية حيث التقت بالقديس أثناسيوس الذي روى لها ما حدث معها في الهيكل فقبلت الإيمان واعتمدت مع الطفلين.


سيم ثاؤفيلس بابا الإسكندرية، وعاشت أخته في بيت للعذارى حتى تزوجت برجلٍ تقيٍ من محلة البرج (ديدوسقيا) شمال المحلة الكبرى.



وُلد كيرلس


ما بين سنتي 375 و380م،


ونال قسطًا وافرًا من العلوم الكلاسيكية واللاهوتية حيث كانت الإسكندرية مركزًا عظيمًا للتعليم.


هذا بجانب ما تمتع به من تعاليم على يديّ خاله، فشبّ على معرفة العلوم الدينية والشغف بقراءة الكتب المقدسة وأقوال الآباء وسيرهم،

كما كان يمتلك موهبة حفظ الألحان الكنسية وترديدها.


ألحقه خاله بالمدرسة اللاهوتية بالإسكندرية لدراسة العلوم الفلسفية التي تعينه على الدفاع عن المسيحية ضد الهراطقة والمبتدعين، فتمكن من دراسة جميع العلوم الدينية والفلسفية، وتهذب بكل العناية الفائقة منذ الصغر وحتى تخرجه.


في برية الإسقيط :



لم يكتفِ خاله بذلك بل أرسله إلى البرية في جبل النطرون إلى دير أبي مقار، حتى يتتلمذ على الأنبا سيرابيون تلميذ الأنبا مقاريوس

الذي أوصاه بأن يقوم بتهذيبه بكل العلوم الكنسية والنسكية.

ومكث بالفعل مع أستاذه مدة خمس سنوات في جبل نتريا، تمكن خلالها من التهام كتب الكنيسة وأجاد بإتقان كل علوم الكنيسة،

وأعطاه الرب نعمة وفهمًا عجيبًا حتى كان إذا قرأ كتابًا مرة واحدة حفظه عن ظهر قلب.


يقول:

[في وقتٍ مبكرٍ تعلمت الكتب المقدسة، وتدرّبت على أيدي آباء قديسين أرثوذكس.] هنا يقصد بالآباء "لرهبان".


سيامته شماسًا ثم قسًا "


بعد كل هذه الدراسات عاد إلى الإسكندرية حيث خاله الذي امتدح نبوغه العظيم المبكّر، وعلى الفور قام بسيامته شمّاسًا.

وقد كان القديس كيرلس إذا ما وقف ليرتل الإنجيل تمنى المؤمنون ألا ينتهي من القراءة لرخامة صوته.


سامه بعد ذلك قسًا،

وكلّفه بالقيام بالوعظ رغم صغر سنه، فحاز إعجاب السامعين ونال رضي جميع الكهنة والعلماء في جيله، حيث برع في فهم الأسفار المقدسة وشرحها بطريقة عجيبة.

كان يرافق البابا في الاجتماعات الهامة حتى في مجمع السنديان بالقرب من خلقيدونية حيث دين القديس يوحنا ذهبي الفم عام 403م.


سيامته بطريركًا :



ما كاد العرش المرقسي يخلو بنياحة البابا ثيؤفيلس في 18 بابة سنة 129ش الموافق 15 أكتوبر سنة 412م، حتى قال الشعب القبطي كلمته وأجمع الإكليروس على انتخاب القس كيرلس ليخلفه على العرش.


أجمع الكل على تتويجه بطريركًا بعد يومين فقط من نياحة خاله، فجلس على الكرسي في 21 بابة سنة 129ش الموافق 18 أكتوبر سنة 412م في عهد الإمبراطور ثيؤدوسيوس الصغير.


حسب الطقس القبطي زار البابا دير القديس مقاريوس الكبير حيث خدم أول قداس إلهي بعد سيامته.

قضية القديس يوحنا ذهبي الفم :


في بداية عهده كبطريرك كان البابا كيرلس متأثرًا بالقضية التي ثارت بين خاله البابا ثيؤفيلس وبين القديس يوحنا ذهبي الفم،


فعكف على دراسة هذه القضية وهو يعرف أن خاله كان قد ندم على إصداره حكم النفي على ذهبي الفم، وظهر ندمه هذا في آخر حديث له قبيل انتقاله من هذا العالم.


وأخيرًا بإرشاد الروح القدس

قام بإلغاء الحرْم الذي كان قد أصدره البطريرك ثيؤفيلس ضد القديس يوحنا الذهبي الفم،


كما قام بتكريم القديس يوحنا ذهبي الفم والاعتراف بفضله أمام الجميع،


وأشاد بمؤلفاته الكثيرة ذات القيمة العظيمة،


كما أنه أثناء قيام البابا كيرلس بتدوين قداس القديس مرقس الرسول دوَّن اسم القديس ذهبي الفم في قائمة أسماء القديسين الذين يُذكَرون فيه،


وهكذا وضع البابا كيرلس حدًا نهائيًا لهذه القضية.



الدفاع عن الإيمان المستقيم :



ارتبط اسم البابا كيرلس الإسكندري بالدفاع عن الإيمان المستقيم،

وقد واجه المشكلات الهامة التالية:



1. كتابات يوليانوس الجاحد:


الذي وضع ثلاثة كتب ضد المسيحية "ضد الجليليين" طعن فيها في ألوهية السيد المسيح وشكّك في أقواله وتعاليمه ومعجزاته.

فقام البابا كيرلس بالرد على هذه الأقوال وفنّدها كلها، وذلك في ثلاثين كتابًا حرّرها سنة 433م، ولا تزال عشرة كتب موجودة من الثلاثين.

ولم يكتفِ بذلك بل كتب للإمبراطور ثيؤدوسيوس الصغير يطلب منه جمع كل نسخ كتب يوليانوس وحرقها فكان له ما أراد.



2. أتباع نوفاتيوس الهرطوقي قس كنيسة روما


الذي كان يرفض توبة من جحد الإيمان أثناء الاضطهادات، فأوضح البابا كيرلس فساد هذا المعتقد، وأمام إصرارهم على رأيهم اضطر البابا أخيرًا أن يطردهم من الإسكندرية.


3. ثورة اليهود على المسيحيين



حين رأوا انتشار المسيحية السريع فقاموا بأعمال قتل وعنف ضدهم. فقد أشاع اليهود أن إحدى الكنائس قد استعلت بها النيران، وإذ اجتمع مسيحيون حولها لإطفائها قاموا بقتلهم. قابلها المسيحيون من جهتهم بمحاولات عنف مضاد حاول البابا منعها، ولما لم يستطع استأذن الإمبراطور وطرد اليهود من المدينة دون سفك أي دماء، وبهذا انتهت الجالية اليهودية بالإسكندرية.

بسبب جهاده غير المنقطع ضد ما تبقّى من وثنية أُتهم بالمسئولية عن قتل الفيلسوفة هيباتيا التي كانت تتبع الأفلاطونية الحديثة، وكانت صديقة والي المدينة أورستيوس، فيقول سقراط أنها ماتت بطريقة بشعة على أيدي بعض المسيحيين في مارس سنة 415م.



4. أهم مشكلة واجهها البابا كيرلس كانت بدعة نسطور بطريرك القسطنطينية


الذي نادى بأن في السيد المسيح أقنومين وشخصين وطبيعتين، فهو حين يصنع المعجزات يكون ابن الله وحين يتألم ويجوع ويعطش ويصلب ويموت يكون ابن مريم.

اهتم البابا بالدفاع وتثبيت اللقب التقليدي للعذراء وهو ثيؤتوكوس أي والدة الإله، ليس باعتباره لقبًا لمجرد تكريمها إنما لأنه يحمل إعلانًا لعقيدة إيمانية جوهرية حول شخص السيد المسيح نفسه بشأن اتحاد لاهوته بناسوته، مؤكدًا أن هذا هو التعبير واللقب التقليدي والكتابي الذي اختاره أثناسيوس الرسولي.


نسطور يعلن عقيدته :


بدأت المعركة بوضوح عندما كرز كاهنه أنسطاسيوس القادم من إنطاكية أمام القديس كيرلس في ديسمبر 428م، قائلاً:

"لا يدعو أحد مريم ثيؤتوكوس، لأن مريم كانت امرأة، ويستحيل أن يُولد الله من امرأة".


أعلن نسطور موافقته على هذا التعليم علانية، وقدم بنفسه مجموعة عظات ميّز فيها بين الإنسان يسوع المولود من مريم وابن الله الساكن فيه.


فهو يرى أنه يوجد شخصان متمايزان في المسيح: ابن مريم وابن الله ،

اتحدا ليس أقنوميًّا بل على مستوى أخلاقي.

لهذا لا يُدعى المسيح "الله" بل "ثيؤفورن"، أي "حامل الله"، وذلك كما يمكن أن يُسمى القديسون من أجل النعمة الإلهية الموهوبة لهم. وبالتالي فإن مريم ليست والدة الإله بل والدة الإنسان يسوع الذي سكنه اللاهوت.


انتقد نسطور وأتباعه المجوس لسجودهم للطفل يسوع، كما كرزوا بأن اللاهوت انفصل عن الناسوت في لحظة الصليب.



الرسالة الفصحية لسنة 429م :


انتهز البابا كيرلس فرصة عيد الفصح عام 429م. وكتب في رسالته الفصحية

ما يفنّد هذه البدعة دون الإشارة إلى اسمه. وأرسلها إلى جميع الكنائس في كل مكان، كما أرسل رسائل كثيرة إلى نسطور ملأها بالحجج الدامغة والبراهين القوية التي تظهر فساد هرطقته لعله يقتنع ويرجع عن ضلاله.


وأمام إصرار نسطور على رأيه ومعتقده عقد البابا كيرلس مجمعًا مكانيًا في الإسكندرية من أساقفة الكرازة المرقسية أدان فيه نسطور وشجب كل تعاليمه وأرسل تقريرًا بما حدث في المجمع إلى سفرائه الموجودين في القسطنطينية وإلى كلستينوس أسقف روما، ثم إلى الإمبراطور ثيؤدوسيوس حين رآه يدافع عن نسطور حاسبًا إياه رجلاً فاضلاً عالمًا.


وأخيرًا قام البابا بعقد مجمع إقليمي


آخر في الإسكندرية عرض فيه كل المحاولات لمقاومة بدعة نسطور والرسائل التي كتبها في هذا الشأن، فكتب الآباء بدورهم ل نسطور يوضّحون له اعتقادهم في الإيمان بالسيد المسيح كما قدم البابا كيرلس اثني عشر بندًا شرح فيها العقيدة المسيحية السليمة وحرم فيها كل من يتعداها، وهي التي سُميت فيما بعد "الحرومات الإثني عشر".

إلا أن نسطور احتقر الرسالة والحرومات وقام بكتابة بنود ضدها،


وهكذا انقسمت الكنيسة إلى قسمين:



الأول

يضم كنائس روما وأورشليم وآسيا الصغرى وهذه الكنائس أيّدت البابا كيرلس في رأيه،


والثاني

يضم كنيستي إنطاكية والقسطنطينية التي هي كرسي نسطور.


وأمام هذا الانقسام


طلب البابا كيرلس من الإمبراطور ثيؤدوسيوس أن يجمع مجمعًا لدراسة الأمر، فاستجاب الإمبراطور لطلب البابا وأرسل لجميع الأساقفة بما فيهم نسطور لكي يجتمعوا في أفسس، وكان اجتماعهم يوم الأحد 13 بؤونة سنة 147ش الموافق 7 يونيو سنة 431م. وقد انتهى المجمع بحرم نسطور ووضع مقدمة قانون الإيمان.


بعد انتهاء المجمع


عاد البابا كيرلس إلى مدينته الإسكندرية، فخرج الشعب كله لاستقبال باباه الحبيب، وعاش بعدها البابا حوالي أربعة عشر عامًا

ثم تنيح بسلام في 3 أبيب سنة 160ش الموافق 10 يوليو سنة 444م.


تعيّد له الكنائس

التي تتبع الطقس البيزنطي في 27 يونيو، والكنيسة الرومانية اللاتينية (الكاثوليكية) في 28 يناير، والكنائس الغربية في 15 أكتوبر وهو يوافق يوم ارتقائه للسُدّة المرقسية الرسولية.


كتاباته :


تعتبر كتابات القديس كيرلس من أعظم ما ورد في الأدب المسيحي المبكر، فهي تكشف عن عمق في الفكر، وغنى في الآراء، وتحمل براهين ثمينة وواضحة تؤكد ما للكاتب من قدرة على البصيرة والجدل تجعل كتاباته من المصادر الأولى لتاريخ العقيدة والتعليم الكنسي.


كرّس كتاباته للتفسير والجدل ضد الأريوسيين حتى سنة 428م، بعد هذا تحوّلت بالكامل إلى تفنيد الهرطقة النسطورية.

من كتاباته


التمايز بين طبيعتي السيد المسيح بالفكر فقط :

نص القديس كيرلس صراحةً على أن رؤية الطبيعتين في السيد المسيح ممكنة فى الفكر فقط وليس فى الواقع، لأن المسيح غير منقسم إلى طبيعتين من بعد الاتحاد.

لذلك،
بفهمنا وبتأمل عيون النفس فقط فى الكيفية التى تأنس بها الابن الوحيد، نقول أنه توجد طبيعتان اتحدتا، لكن نقول أن المسيح الابن والرب هو واحد، هو كلمة الله الآب المتأنس والمتجسد". (فقرة 7 من الرسالة 45 إلى الأسقف سكسينسوس Succensus)

عندما تفحص طريقة التجسد بدقة يرى العقل البشري بلاشك الاثنتين (أى الطبيعتين) مجتمعتين معًا بطريقة تفوق الوصف وبلا اختلاط فى اتحاد. إلا إن العقل لا يقسمهما على الإطلاق بعد أن اتحدتا بل يؤمن ويعترف بقوة أن الواحد من الاثنتين هو إله وابن ومسيح ورب.
(فقرة 15 من رسالته 40 إلى أكاكيوس أسقف ميليتين)

ولذلك نقول أن الطبيعتين اتحدتا، ومنهما نتج ابن ورب واحد يسوع المسيح، كما نقبل فى أفكارنا، لكن بعد الاتحاد، إذ قد زال الآن التفريق إلى اثنتين، نؤمن أنه توجد طبيعة واحدة للابن كواحد، واحد تأنس وتجسد.
(فقرة 14 من رسالة 40)

دعهم إذًا لا يقسمون لنا الابن الواحد، جاعلين الكلمة والابن الواحد على حدة، ويفصلون عنه الإنسان الذي من امرأة - كما يقولون - بل فليعرفوا بالأحرى أن الله الكلمة لم يكن متصلاً بإنسان، بل أعلن أنه تأنس "معينًا نسل إبراهيم" بحسب الكتاب المقدس، وصار "يشبه اخوته" (عب 2 :17) "فى كل شئ فيما عدا الخطية"
(قارن عب 4 : 15؛ 2 كو5 : 21)

وهذا الشبه التام

كان من اللائق أن يأخذه – وفوق كل التشابهات الأخرى – "يأخذ شبهنا فى" ميلاده من امرأة، والذي (أي الميلاد) يُعد فينا (نحن البشر) لائقًا بالطبيعة البشرية ومثلنا، لكن فى الوحيد الجنس، يُفهم (الميلاد) أنه أعمق وأعظم من هذا، لأن الله صار جسدًا، وبالتالي العذراء القديسة تُدعى والدة الإله (ثيؤتوكوس Theotokos ). إذا كانوا يقولون أن الله والإنسان باجتماعهما معًا كونا المسيح الواحد الذي فيه أقنوم (hypostasis) كل منهما محفوظ بغير اختلاط ولا امتزاج ولكن يُميز بالعقل، فمن الممكن أن نرى أنهم لا يفكرون ولا يقولون أى شئ صحيح في هذا.

(فقرتان 4، 5 رسالة رقم 50 إلى فاليريان أسقف أيقونية).
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,034
مستوى التفاعل
837
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
القديس اكليمنضس الإسكندري



حياته:


يعتبر القديس إكليمنضس أب الفلسفة المسيحية الإسكندرانية،

وصفه المؤرخ يوسابيوس أنه "كان متمرنًا في الكتب المقدسة"

ودعاه القديس كيرلس أنه "كان شغوفًا في التعلم"، "خبيرًا في التاريخ اليوناني".

قال عنه القديس جيروم:

"مجلداته المعروفة مملوءة علمًا وفصاحة،

يستخدم الكتب المقدسة والأدب الدنيوي،

في رأيي أنه أكثر الجميع علمًا".

كما وصفه المؤرخ سقراط:

"كان مملوءًا من كل حكمة".


ومع هذا فقد أهملت شخصية هذا القديس وذلك لسببين:


1. الخلط بينه وبين القديس إكليمنضس الروماني.

2. ارتباط شخصيته بأوريجينوس الذي نُظر إليه كهرطوقي وأبيدت أكثر كتاباته خاصة النسخ التي كتبت باللغة الأصلية اليونانية .هذا مع غموض نظام القديس إكليمنضس.

مسيحيته


ولد تيطس فلافيوس إكليمنضس Titus Flavius Clemens حوالي عام 150م من أبوين وثنيين.


اسمه الروماني حمل بعض المؤرخين إلى القول بأن له صلة بالعائلة الإمبراطورية،

وأنه من سلالة عبد أعتقه فاسيانوس أو ابنه.


أما عن مولده،


فوجد تقليدان في أيام أبيفانوس (القرن الرابع)، أحدهما يرجع مولده للإسكندرية والآخر لأثينا.

اعتمد التقليد الأول على طول بقائه في الإسكندرية، بينما يتفق التقليد الثاني بالأكثر على ما ورد في كتابه: "المتفرقاتStromata 1: 11".


لا نعرف شيئًا عن تاريخ تحوله إلى المسيحية، ولا الظروف المحيطة أو الدوافع التي أدت إلى ذلك،

لكن المعروف عنه أنه قد اتسم بفكر متدين، فكان دائم البحث عن الله الذي يشبعه روحيًا وفكريًا وأخلاقيًا، وقد وجد في المسيحية تحقيقًا لهدفه.


حتى بعد اعتناقه المسيحية

قام برحلات باهظة يبحث عن المعلم الحقيقي الذي يتتلمذ عليه، فذهب إلى جنوب إيطاليا وسوريا وفلسطين، وأخيرًا استقر في الإسكندرية حيث جذبته محاضرات القديس بنتينوس (الفيلسوف الذي قبِل المسيحية)، عاش فيها أكثر من عشرين عامًا (ربما من عام 175 إلى 202م) فصارت وطنه الثاني.

رئيس المدرسة تتلمذ على يدي القديس بنتينوس رئيس مدرسة الإسكندرية، وصار مساعدًا له.

سيم كاهنًا في الإسكندرية، وقام بعمله الوعظي بكل نجاح، وإذ سافر أستاذه بنتينوس إلى الهند حوالي عام 190م تسلم رئاسة المدرسة إلى حين عودته. إذ تنيح بنتينوس تسلم القديس إكليمنضس الرئاسة من جديد، وقد تتلمذ على يديه العلامة أوريجينوس والقديس الكسندروس أسقف أورشليم.


هروبه من الإسكندرية

في أيام الاضطهاد القاسي الذي أثاره سبتيموس سويرس حوالي عام 202م، اضطر القديس إلى مغادرة الإسكندرية والالتجاء ربما إلى فلسطين وسوريا.


على أي الأحوال كان هروب القديس إكليمنضس من الإسكندرية نافعًا للكنيسة، كما يظهر من الرسالة التي بعث بها القديس ألكسندروس أسقف أورشليم إلى كنيسة إنطاكية حوالي عام 211م، إذ جاء فيها: "هذه الرسالة أبعث بها إليكم يا أخوتي الأعزاء، على يد إكليمنضس الكاهن الطوباوي، الرجل الفاضل المبارك، الذي سمعتم عنه وستعرفونه أيضًا، والذي بحضوره إلى هنا بفضل عناية الله وتدبيره قد ثبت كنيسة الرب وأنماها".

تنيح حوالي عام 215م.


نظرة الغرب إليه


كان الغربيون يعتبرون إكليمنضس الإسكندري من قديسي الكنيسة، يحتفلون بعيده في الرابع من شهر ديسمبر. وفي القرن السادس عشر حذف اسمه من تراجم الشهداء Martyrology بواسطة إكليمنضس الثامن (1592–1600م)، حسب تصحيحات بارونيوس Baronius.


وفي عام 1748م كتب البابا بندكت الرابع عشر رسالة إلى يوحنا الخامس ملك البرتغال، يبرر فيها سر هذا الحذف بحماس، مستندًا إلى وجود بعض التعاليم الفاسدة في كتاباته. لكن لم يشر أحد المؤرخين الأول أمثال يوسابيوس وجيروم إلى هذه الأخطاء. لهذا فالأرجح أن هذه الأخطاء دخيلة على كتبه، فمن دأب الهراطقة أن يفسدوا كتابات الآباء المشهورين لتأييد مذهبهم ونشره.

كتاباته لعل أهم كتاباته ثلاثة كتب دعيت
"ثالوث إكليمنضس"

تمثل منهج مدرسة إسكندرية،

وهي:


1. نصائح لليونانيين Protrepticus، دعوة لترك الوثنية وقبول الإيمان المسيحي بواسطة المسيح.

2. المعلم Paedagogas، دعوة لتحويل الإيمان إلى عمل لنكون مشابهين لابن الله، وتحت قيادته إذ هو المعلم.

3. المتفرقاتStromata ، غايته التمتع بالمعرفة الروحية الفائقة، وهو غاية المسيحي؛ وذلك خلال اتحاده بالمسيح كعريس للنفس.


له كتب أخرى مثل:


من هو الغني الذي يخلص؟ والمجمل، ورسالة عيد الفصح.


أهم ما اتسم به هذا القديس


هو نظرته للفلسفة والمعرفة. فالفلسفة في ذهنه ليست شرًا لكنها هبة إلهية، يفسدها البشر بخلط الحق بالباطل، لهذا فالفلاسفة أطفال صغار ينضجون خلال الإيمان.

بهذا قدم تزاوجًا بين الفلسفة والإيمان عوض العداوة. أما المعرفة أو الغنوسية فهي ليست هرطقة بل تمتع بإعلانات الله خلال السيد المسيح المعلم، بروحه القدوس، ينعم بها المسيحي خلال الحياة المقدسة في الرب.


بهذا فكلمة غنوسي لم تعد تعني هرطوقيًا، بل مسيحيًا مؤمنًا يسلك بروح الرب ينعم بمعرفة الله.
القمص تادرس يعقوب ملطي : آباء مدرسة إسكندرية الأولى، ص 53 – 125.
 

Molka Molkan

لستم المتكلمين
مشرف
إنضم
31 أغسطس 2009
المشاركات
25,034
مستوى التفاعل
837
النقاط
113
الإقامة
ويل لي إن كنتُ لا اُبشر
العلامة ترتليان




يعتبر العلامة كوينتس سبتيموس فلورنس ترتليانوس
Quintus Septimius Floren Tertulianus

كاهن قرطاجنة أب علم اللاهوت في الكنيسة اللاتينية، من حيث فضله على تقدم المصطلحات اللاهوتية، وأحد المدافعين المسيحيين الأوائل.


ولد

في قرطاجنة بأفريقيا حوالي سنة 160م في جوٍ وثني مستهتر وفاسد.


كان والده يشغل منصب قائد فرقة رومانية في أفريقيا، وكان يلقب "Proconsula Centurion".

عاش في حياة فاسدة اعترف عنها حين صار مسيحيًا، إذ قال:

"حقا إنني أعرف أن ذات الجسد الذي مارست به الزنا أبذل كل الجهد ليحفظ الآن العفة"،

وقد مارس الرياضة العنيفة في المسارح (دفاعه 15: 5)، وأمور أخرى ارتكبها لا يريد أن يذكرها، إذ قال:

"أفضل بالأكثر ألا أتحدث عنها حتى لا أحيي ذكراها فيّ".

نال ثقافة لاتينية ويونانية على مستوى عالٍ، وتُظهر كتاباته معرفة كبيرة بالتاريخ والفلسفة والشعر والأدب القديم والمصطلحات القضائية وكل فنون المحاماة.


لقد مارس المحاماة

بعد تكريس حياته لدراسة القانون، ثم صار فيما بعد أستاذًا للبلاغة في بلده.


بينما كان منهمكًا في الملذات الجسدية وحياة الترف انسحب قلبه نحو حياة المسيحيين المقدسة وثبات شهدائهم واحتمالهم الآلام بصبر وفرح،

فاعتنق المسيحية وهو في الثلاثين من عمره.


تحولت كل طاقات معرفته وقدراته وفصاحته لخدمة الكنيسة، وصار مجادلاً كل مقاوميها من وثنيين ويهود وهراطقة بغيرة شديدة.


للأسف ما بين
سنتي 202، 205م


سقط في بدعة المونتانيين Montanism، إذ ادعى مونتانيوس أنه البارقليط الموعود به في الإنجيل؛ ولا نعرف إن كان قد رجع إلى الكنيسة الجامعة مرة أخرى قبل وفاته أم لا.

يرى القديس جيروم انه سيم كاهنًا قبل سقوطه في المونتانية، وإن كان بعض الدارسين يظنون انه بقيّ علمانيًا (من الشعب).


يرى البعض أنه
مات حوالي سنة 225م
وآخرون أنه بقيّ إلى حوالي سنة 240م.


كتاباته وسماتها:


قدم مخزنًا غنيًا من الكتابات الفلسفية والتاريخية والجدلية الدفاعية والعملية، وكان في كتاباته معاديًا للفلسفة على خلاف أغلب آباء مدرسة الإسكندرية في عصره، الذين رأوا في الفلسفة وسيلة لكسب الفلاسفة واليونانيين للإيمان (راجع اكليمنضس الإسكندري).


من كلماته:


"أية شركة بين الفيلسوف والمسيحي؟

بين تلميذ اليونان حليف الباطل وتلميذ السماء عدو الباطل وحليف الحق؟!" دفاعه 46.

مع محاربته للفلسفة


كمصدر فساد لكنه أحيانًا في مقاومته لها، استخدمها كوسيلة للدفاع ضد الفلاسفة، وإن كان قد مال في لاهوتياته بالأكثر إلى استخدام نصوص الكتاب المقدس.


كتاباته الدفاعية :


كتب "رسالة إلى الأممين الوثنيين"،

و"رسالة الدفاع أو الاحتجاج"، "والرد على اليهود".

وله في الدفاع عن الاستشهاد رسالة دعاها " ترياق العقرب".


وحض على الاستشهاد والصبر على الاضطهاد في رسالة دعاها "إلى الشهداء Ad Martyras"...


وعند وفاة الإمبراطور سبتيموس ساويرس وزع أبناؤه مالاً على الجنود، وتقدم الجنود في المعسكرات لتناول نصيبهم من المال واضعين الإكليل على رؤوسهم.


ولكن أحدهم تقدم ممسكًا بيده ممتنعًا عن وضعه على رأسه لأنه مسيحي.


فحُكم عليه بالإعدام ونال إكليل الشهادة،

فكتب ترتليانوس رسالة " في الإكليل".


وتفرّع عن رسالة الإكليل رسالة في الفرار من الاضطهاد أجاب ترتليانوس فيها على السؤال:

هل يجوز للمسيحي أن يفر ويختبئ في أثناء الاضطهاد؟


من كلماته


من أراد أن يعلّم ويكرز بالفضيلة عليه أن يبدأ بالممارسة العملية، ويطلب حق الكرازة خلال سلطان الاقتداء به، وإلا أصابه الخزي إن كانت أعماله تضاد كلماته.

حيث توجد الكنيسة يوجد روح الله. وحيث يوجد روح الله توجد الكنيسة وكل نعمة، والروح هو الحق. تختم الكنيسة على هذا الإيمان (قانون الإيمان الخاص بالمعمودية) بالماء، وتُلبسه بالروح القدس، وتغذيه بالأفخارستيا. إنها تحث على الاستشهاد، ولا تقبل من يضاد هذا التعليم.

(في رسالته إلى الشهداء)
لا تجعلوا انفصالكم عن العالم يخيفكم... لا يهم أين تكونون في العالم، أنتم لستم من هذا العالم. الله يعلم انه ليس حسن للرجل أن يكون وحده، هو يعلم انه جيد للرجل أن تكون له امرأة، ألا وهي مريم وبعد ذلك الكنيسة.
 
أعلى