"حيادية" وحيد حامد في مسلسل "الجماعة": الإخوان خسروا، والنظام لم يربح!
القاهرة – الرأي نيوز: فارق زمني كبير بين المشاهد والأحداث التي يعرضها مسلسل (الجماعة) عن الفترة التي سبقت خروج المرشد العام محمد مهدي عاكف (الدور الذي يلعبه الفنان سامي مغاوري) من مكتب الإرشاد في يناير 2010، وبين رحلة حسن البنا (الفنان إياد نصار) في مدينة الإسماعيلية وتأسيسه لجماعة الإخوان المسلمين هناك عام 1928، الأمر الذي قد يعطي إنطباعا للمشاهد الذي لم يتابع العمل من البداية أنه أمام مسلسلين، أو أن هذا المسلسل لا علاقة له بالآخر!.
وربما هنا تكمن أيضا رسالة الكاتب الكبير وحيد حامد، الذي قرر من البداية أن يقدم عملا دراميا غير منحاز، فهو ليس مع أو ضد الجماعة منذ اللحظات الاولى لكتابة المسلسل، هذا نظريا، ولكن الكثير من الصعاب التي وقفت أمام الكتابة والإنتاج، كانت تحتم الإجابة عن العديد من الأسئلة، كيف يمكن التعامل مع مثل هذا المسلسل بحيادية طالما أن جماعة الإخوان المسلمين محظورة رسميا في مصر؟، وما هو موقف الرقابة والأجهزة الأمنية التي تمر عليها مثل هذه الأعمال في حال كانت (حيادية وحيد حامد) في صالح جماعة محظورة؟، ولكن ومع عرض قرابة 15 حلقة من المسلسل حتى الآن لم يعد هناك مجالا للشك في أن حامد وجد حلا للمعادلة، التي ضمنت له موافقة الرقابة وفي الوقت نفسه الحيادية، فالمسلسل يعرض الآن بالفعل، بما في ذلك في تلفزيون الدولة وفي فترة الذروة.
مسلسل (الجماعة) الذي يضم نخبة كبيرة من الفنانين المصريين، أضف إلى ذلك الشخصية المحورية الأهم، الفنان الأردني إياد نصار، الذي يلعب ببراعة دور مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا، يدخل للمرة الأولى عالم مغلق لم يكن متاحا بطبيعة الأمور، ولكنه بصفة عامة لم يكن سريا بالمعنى المتعارف عليه، حيث من الممكن العثور على معلومات (صحيحة) متفرقة هنا أو هناك عن جماعة الإخوان، ولكن هذا بالنسبة للمتخصص، أما المواطن العادي فهو قادر على الإطلاع على الكثير من المعلومات عن طبيعة ونظام عمل الجماعة من خلال أحداث المسلسل، خاصة فيما يتعلق بالأجزاء التي تعالج الفترة الزمنية الحالية، قبيل خروج المرشد محمد مهدي عاكف من مكتب الإرشاد مطلع هذا العام وتولي محمد بديع المنصب، حيث أراد المسلسل توصيل صورة أخرى لأداء عاكف نفسه والذي تسبب في الكثير من الجدل والملاحقات الأمنية في حق عناصر وقيادات الجماعة على خلفية تصريحاته الحربية، الأمر الذي جعله محل إنتقاد لبعض قيادات الإخوان المسلمين بما في ذلك من إنفصلوا عنها.
المسلسل وإن كان حياديا طبقا لوجهة نظر مؤلفه، لا يسير في إتجاة موازنة الأمور ما بين إيجابيات أو سلبيات جماعة الإخوان، ولا يترك الأمر حتى لوجة نظر المتلقي، ولكنه يقدم شاب مصري لم يكن على علم بطبيعة هذه الجماعة وهو الفنان الصاعد (حسن الرداد) والذي يعمل في المسلسل كمحقق في نيابة أمن الدولة وكان من المفترض أن يتولى التحقيقات مع مجموعة من شباب الجماعة ولكنه فضل التنحي لعدم إلمامه بطبيعة جماعة الإخوان، لذا فقد فضل دراستها والبحث عن جميع المراجع التي تتعلق بها وبتاريخ تأسيسها.
ومع ذلك وعلى الرغم من أن شخصية (الباحث) عن حقيقة الجماعة من أهم المحاور التي يقوم عليها المسلسل أيضا، حيث من المفترض أن يقوم الفنان حسن الرداد بهذا البحث خلال حلقات المسلسل، ولكنه في حاجة لتوصيل الرسائل التي توصل إليها قبل نهاية حلقاته، وإلا فإن الأمر يعني أن خيوط الشخصية ضاعت ربما خلال كتابة السيناريو أو فقدت من المخرج، ولكن ينبغي الإنتظار حتى النهاية.
وعموما العودة التاريخية التي تصل إلى حلقات كاملة دون الرجوع إلى الفترة الزمنية الحالية لم تأتي من خلال بحث أو قراءات وكيل النيابة الشاب، والذي إشترى على ما يبدو عشرات الكتب عن الجماعة، ولكن (الفلاش باك) الذي يظهر رحلة حسن البنا يبدو وأنه ليس من مصدر محدد يمكن أن يوضحه الكاتب وحيد حامد للمشاهد طالما أظهر البنا برؤية أخرى غير تلك الرؤية التي يبحث فيها وكيل النيابة الشاب في كتب من المفترض أنها معروفة، ويتوقع المشاهد أن يصل إلى نتيجة.
حيادية وحيد حامد ربما تحتاج إلى مراجعة من وجهة نظر البعض، فبما أنه إختار أن يظهر العالم السري لجماعة الإخوان المسلمين، ويظهر أن هناك الكثير مما لا يعرفه الناس عن تلك الجماعة من أعمال شريرة وفساد وعنف تقود في مجملها إلى رسالة واضحة من وجهة نظره، بأننا أمام جماعة (منافقة) تتاجر بالدين لتحقق أهداف سياسية، على أساس أنه بذلك محايد تماما، وأن الحيادية تدين الجماعة من تلقاء نفسها، كان في حاجة إلى إظهار هذا الفساد وسط منظومة كاملة من الفساد، لأنه بهذه الطريقة وحين ركز على عهد محمد مهدي عاكف، أراد أن يقول أن أيادي الإخوان المسلمين تعبث بعقول الشباب وأنهم تجسديا للفساد والعمل السري غير القانوني وآفة المجتمع الذين يخربون عقول الشباب المصري خاصة في الجامعات، فيما كان عليه أن يظهر ما لديه عن الجماعة ولكن وسط منظومة الفساد الكاملة، والتي لا يستثنى منها الأحزاب الأخرى والحكومة وحزب السلطة، ومفاسد هؤلاء كثيرة أيضا ولم تعد بالشئ السري، هذا بخلاف أنه سيجد آراء مغايره وموثقه حول نزاهة أداء الإخوان على الاقل في البرلمان أو النواحي الخدمية – أي أن الأمر نسبي.
على جانب آخر عرض وحيد حامد في مسلسل (الجماعة) بعض النقاط التي لم يكن يعرفها العامة بالفعل، وربما النخبة أيضا التي لم تتعمق في طريقة أداء هذه الجماعة، فقد عرض جانب من التنظيم الإداري مثلا حين تحدث للمرة الأولى عن مصطلح (وزير مالية الجماعة)، وهو الدور الذي يؤديه الفنان (عبد العزيز مخيون)، وهي من العلومات التي لم تكن معروفة بالنسبة للكثيرين، حيث لم يتوقع المواطن العادي أن لجماعة الإخوان وزراء ومحافظين ورئيس وزراء وقادة عسكريين.
المسلسل عرض أيضا جانب يتعلق بتصنيف أعضاء الجماعة، وهو أمر لم يكن أيضا معروف، وقد يجد أحد الأشخاص نفسه ضمن هذا التصنيف دون أن يعلم، فالإنتساب إلى الجماعة يتنوع ما بين العضو الحقيقي أو (المحب) للجماعة دون أن يكون عضوا رسميا فيها، وتحدث أيضا عن طريقة إختيار الأعضاء، وعن إنضمام البعض إليها كنوع من الإنتهازية، وكيف يقوم مكتب الإرشاد بإستغلال الصحف التي تطمع في دعم مالي وتمويل وإعلانات، فيقوم بدفع رشوة مقننة في شكل توجيه أوامر للجماعة بشراء آلاف النسخ من هذه الصحيفة مقابل وقف التحريض ضد الجماعة أو الدفاع عن مواقفها.
ويعود المسلسل إلى الوراء إلى طفولة حسن البنا وشبابه، وهي منطقة حساسه للغاية، ويركز في المجمل على حماسته الشديدة لنصرة الدين الإسلامي ونبوغه المبكر وموهبته الفذه في الخطابه والتأثير على عقول من حوله، كما يظهر قيادته العبقرية منذ نعومة أظفاره، ثم خطوات تأسيس الجماعة التي قامت من وجهة نظره على عدد من المواطنين البسطاء بعضهم يعمل حلاق أو نجار أو بقال، وكيف أنه أسس على الفور مبدأ (السمع والطاعة) كأساس لنجاح فكره، ثم عدم تردده في الحصول على تمويل أجنبي حتى من دول غير إسلامية، وكيف أنه أسس طليعة الجوالة، وهم مجموعة من الشباب الذين يتلقون تدريبا حربيا ليشكلون فيما بعد قوة الردع، وهي قوة موجودة حتى اليوم.
حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين عام 1928
وربما تكون نقطة هامة بالنسبة للمؤلف طالما يريد أن يتحدث عن تأصل العنف في جماعة الإخوان المسلمين، وبشكل طبيعي أراد أن يوصل المؤلف أن البنا كان قائدا دينيا – سياسيا – إستراتيجيا – عسكريا، هذا قبل أن يخوض في علاقاته بالمملكة العربية السعودية والدعم الذي تلقته الجماعة منها. وكل ذلك بصفة عامة لا يمس صورة البنا، ولكن على العكس ربما يجد حسن البنا الذي تم إغتياله عام 1949، المزيد من المتعاطفين لشخصه وليس للجماعة نفسها بعد 82 عاما من تأسيسها، على الرغم من محاولة إظهاره على أنه شخص متعصب على الأقل تجاة قضايا الدين بشكل مبدئي.
ردود فعل متباينة حول المسلسل:
كان من الطبيعي أن يتسبب المسلسل في الكثير من الجدال وردود الفعل لدى جماعة الإخوان المسلمين، وهي الجماعة المعنية بالأساس بهذا المسلسل، خاصة وأنه في النهاية إذا كان المسلسل سيثمر عن صدام فكري أو إعلامي فهو ينحصر في النهاية بين وحيد حامد وفريقه من النقاد والصحفيين وخلافه، وبين جماعة الإخوان المسلمين. ومن بين الإنتقادات التي وجهت نحو هذا العمل الدرامي كانت إنتقادات المفكر الإسلامي د. محمد عمارة، الذي أكد أن إنشغال الإعلام الفني بتشويه تاريخ رموز الحركات الإسلامية في الدراما التمثيلية وعرض دراما سخيفة تسهم في زيادة الابتذال والفحشاء والبعد عن الاخلاقيات وتشويه الأزهر الشريف وعلمائه في المجتمعات الإسلامية. وحذر خلال محاضرة له بملتقى الفكر الإسلامي الذي ينظمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية من استمرار انشغال الحكومات والأجهزة الأمنية في ملاحقة ومطاردة نشطاء الحركات الإسلامية والوطنية، مؤكدا أن حرية الرأي والتعبير حق من حقوق الإنسان التي لا يجب التفريط فيها.
نائب المرشد العام للإخوان المسلمين د. محمود عزت قال في رد فعله أن مسلسل (الجماعة) لن يكون له أي أثر وأن الناس يعرفون الإخوان بأخلاقهم وتعاملاتهم، وفي حواره مع قناة الجزيرة القطرية أضاف عزت "كنت أتصور أن المسلسل سيكون على درجة درامية عالية تؤثر في الناس أو تعطي صورة سلبيةً عن جماعة الإخوان، ولكن الآن لا أستشعر أن هناك أثرا لهذا المسلسل، المسلسل يظهر الإخوان عكس ذلك ويظهر أمن الدولة على أنه يعمل في صالح الناس، ولا ينتهك كرامتهم وحريتهم، والشعب المصري على درجة كبيرة من الوعي يستطيع من خلالها أن يقيم المسلسل وما يعرضه عن الجماعة".
المرشد العام الحالي د. محمد بديع كان له تعليق أيضا على المسلسل حيث أشار إلى أن الهجوم على الإخوان ومحاولات تشويه تاريخهم ليس جديدا، وطالب بالتعلم من سيرة النبي موسى، الذي لم تأخذه أقوال فرعون عن تبليغ دعوته، وقال "يجب علينا أن نلجأ إلى الله ليكشف عنا الغمة، ثم واجبنا نحو مجتمعنا بأن نقدم له القدوة والنموذج لما نحمل له من خير".
وعلى كل حال صنع هذا المسلسل خصومة واضحة بين مؤلف المسلسل الكاتب الكبير وحيد حامد وبين جماعة الإخوان المسلمين، والتي رأت أنه يشهوه التاريخ والحاضر الخاص بها، ويحاول إظهار مؤسسها حسن البنا على أنه رجل يسعى وراء السلطة، ورأت أن وحيد حامد ينافق أجهزة الأمن التي لا تحقق مع قيادات الجماعة بالصورة الوديعة التي يظهرها المسلسل.
فيما يرى حامد أنه إعتمد على معرفته الحديثه ببعض التفاصيل عن تاريخ وحاضر الجماعة، وحاول أن يقدم للمشاهد المصري ما توصل إليه مؤخرا وبعد أن بلغ الستين من عمره عن هذه الجماعة التي إكتشف أنه لا يعلم عنها الكثير. ويبدو أن حامد عاش نفس التجربة التي عرضها في المسلسل على صورة محقق في نيابة أمن الدولة يسعى إلى معرفة حقيقة الجماعة، ولكنه على ما يبدو نسى أن فساد الإخوان الذي يحاول إظهاره للمشاهدين يجب أن يظهر ضمن منظومة كاملة من الفساد تسيطر على مصر حاليا، خاصة وأنه أكد على الحيادية، ولكن أحدا من المشاهدين لن يقتنع الآن بأن الإخوان هم سبب الفساد، بالعكس، قد يحمل هذا المسلسل نتيجة عكسية لدرجة قد تجعل التلفزيون المصري الحكومي يراجع نفسه لأنه وافق على بثه.
http://www.alraynews.com/News.aspx?id=336723
24/08/10 GMT 6:12 AM