ابو حمادة - رواية اجتماعية مسلسلة

emad_hanna

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
27 ديسمبر 2005
المشاركات
284
مستوى التفاعل
4
النقاط
0
ابو حمادة - رواية اجتماعية مسلسلة

أبو حمادة
بقلم: عماد حنا
القسم الأول


رداء يخلع وآخر يلبس
{1}

كان يسير في ظلام حاملاً معه خيبة الأيام وفشل كفاح دام أعوام... لقد خرج من بيته في جنح الظلام لعل أحداً لا يراه ممن يريدون أن ينالوا منه ...قاصداً القطار المتجه إلى القاهرة ، كان يشعر أنه يحمل أثقال ينوء عن حملها أعتى الرجال وهو الذي لم يتجاوز الخامسة والعشرين بعد... لذلك هو يرى في فشله أكبر فشل يمكن أن يتحمله إنسان
لم يكن من السهل على والده أن يتركه ليرحل لذلك خرج معه إلى محطة القطار... كان الولد يسير في شوارع مدينته الصغيرة كما لو كان يجري بداخله غضب ونيران تشتعل داخل صدره ... بينما يبذل الوالد العجوز كل الجهد في مجاراة خطوته السريعة... حتى وصلا إلى المحطة ... ووقف الشاب دون أن ينبس ببنت شفة ولا يحاول أن ينظر حتى لوالده المسكين... وعندما رأي القطار مقبلا تكلم أخيراً الأب محاولاً أن يثنيه عن قراره ...
- أبق يا ولدي وجرب من جديد ... أنت تعرف كم أحتاجك
لم يستطع الابن أن يمنع نفسه من تلك العواطف الجياشه تجاه والده وهو يتركه ولا يعرف ما إذا كان سيعود من جديد اليه أم لا فتقدم ناحية والده ليعانقه ... ثم قال له
- لا أستطيع أن أبق الآن يا أبتي في هذه البلد ...... وأنا الآن بعد أن سقطت تجارتي مثل البقرة التي وقعت لتستعد سكاكين المذبح في تمذيقها
- لماذا كل هذا يا ولدي ... صحيح أنه ليس بيدي مساعدتك ... ولكن بقليل من الصبر تستطيع أن تنال فرصة جديدة
تنهد الابن المصدوم وقال:
- بلدتنا صغيرة وفرصها ضئيلة ... سأجرب يا أبي من جديد في القاهرة ...
قال هذه الكلمات وأسرع الى القطار تودعه دعوات أبيه أن يعوضه الله عن سنين التعب والشقاء ... وينجح طريقه في عمل يدر عليه بدخل محترم فيستطيع أن يساهم في مصاريف البيت التي لم يعد والده قادر على تحملها.
***

{2}

جلس صديقنا في القطار وأغمض عينيه ليسترح من عناء الأيام القليلة الماضية ... لم يكن والده أو والدته يعرفان حجم المصيبة التي هو فيها ... لقد كانت عليه آلاف مؤلفة على الرغم من أن تجارته صغيرة لا تحتاج الى كل مثل هذه الأموال ... ولكنه لجأ إلى المرابين ليحاول أن يسدد ديون صغيرة فتحولت القروش التي عليه الى جنيهات من الديون ثم تحولت الجنيهات من جديد الى الآف من الجنيهات حتى صارت كثعبان ضخم يلتف حول رقبته يريد أن يضغط عليه ليكسر عنقه بينما هو لا حول له ولا قوة

وفي غفلة من الزمن قرر أن يتوه في العاصمة الكبيرة لذلك استقل قطار الفجر حتى لا يكتشفه أي شخص ممن يحملون معهم شيكاته الخالية من الرصيد فيجرِ الى نقطة الشرطة لتكون النتيجة سنوات وسنوات من السجن.
هرب وفي يديه بضعة عناوين هي كل آماله وطموحاته ... عناوين لأصحاب شركات بعضها معروف بالنسبة له والبعض الآخر مجرد أسم سوف يطرقه... أغمض عينيه يريد تناسي تلك الحقبة من حياته ليسير القطار نحو حياته الجديدة ساعات وساعات . أناس تغادر القطار وأناس تأتي لتحتل المقاعد التي بجاوره وهو ثابت مكانه هدفه نهاية الخط ، ولم يعرف من جلس ومن غادر فالأمر لا يعنيه هو فقط ينظر الى طريقه وهدفه ينتظر بشوف محطة الوصول.

فتح عينيه بعد ساعات لم يدر عددها ليجد فتاة جميلة محجبة تجلس أمامه، وكانت تتأمله.
***

يتبع غدا
 

emad_hanna

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
27 ديسمبر 2005
المشاركات
284
مستوى التفاعل
4
النقاط
0
{3}

أخذ الشاب يتأمل الفتاة فمن الواضح أن جمالها أخاز يحاول أن يختبيء خلف الحجاب ... نظر الى عينيها ليكتشف أنها تدمع ... ترى لماذا يبكي هذا الملاك الجميل الذي لم يتجاوز الواحد والعشرين عاماً؟ ... سؤال لم يستطع أن يكتمه وخاصة أن عينيها مثبته عليه ... مما شجعه على السؤال
- خيراً ... لماذا هذا البكاء ؟
نظرت اليه بتوجس كمن لم يتعود أن يكلم أغراب ... وللحظة بدت وكأنها تحاول أن تجد سبباً لبكاءها حتى وجدت ضالتها فقالت على استحياء
- لي أبن يعاني من آلام حادة وهو سبب ضيقي وألمي
فوجيء الشاب إذ يرى فتاه في سن البراءة متزوجة فهتف
- لك ابن؟!! لم أتوقع مطلقاً أن تكوني متزوجة
- لماذا؟ هل أنا بشعة لدرجة أنه لا تتوقع أن يرتبط بي أحد؟
من جديد انتفض الشاب يحاول أن يدافع عن نفسه من الاتهام الموجه اليه
- حاشا لله ... وجهك الملائكي يجذب الكثير من خيرة الشباب ... لكنك صغيرة جدا لذلك لم أتوقع أن تكوني ارتبطت بعد.
ابتسمت الفتاة ابتسامة خفيفة ومدت يدها لتمسح دموعها ، فأشرق وجه الشاب عندما رأى ابتسامتها ونسي كل ما به من مشاكل وقال لها
- هكذا أفضل... ليت ابتسامتك الجميلة هذه لا تفارقك ... أريد أن أرى تلك الابتسامة دائما ... أنها تنسيني الهموم كلها.
اتسعت ابتسامة الفتاه وقالت
- وهل لديك هموم، وأنت بهذه الوسامة والرجولة؟! لا أخالك تعاني من أي مشاكل
رفع الشاب وجهه وضحك بصوت عال ثم قال لها
- سيدتي ... إن كل مشاكل الأرض تركزت في شخصي المتواضع
ابتسمت الفتاة من جديد ثم قالت بخجل واضح
- لم أتعرف على اسمك
- جرجس ... وأنت؟
- أمينة ... تستطيع أن تناديني أم أحمد ... أو أم حمادة إذا أردت
وسكت الكلام فترة طويلة ولكن جرجس لم يستطع أن يبعد نظرات الاعجاب لها ... الطريق لم يزل طويلاً حتى نهاية الخط فاسترخى جرجس قليلا دون أن يرفع عينه عن ذلك الملاك الذي امامه.
***

{4}

القطار يسير في اتجاه القاهرة وأم حمادة تنظر من النافذة ثم ترجع لتنظر إلى رفيق رحلتها ثم كسرت حاجز الصمت من جديد وقالت
- وأنت ... هل أنت متزوج ؟
- سيدتي ... الزواج رفاهية لا قبل لي بها ... أني أذهب الى القاهرة أبحث عن عمل أستطيع من خلاله العيش
- ستجد ضالتك بمشيئة الله ... هل فكرت في السفر للخارج
- كلا ... لا أعرف أحد يمكنه أن يساعدني ويعطيني عقد عمل في الخارج .
قالت في رنة استياء واضح
- زوجي تركني منذ ثلاث سنوات كاملة وذهب إلى الامارات
ثم ابتسمت ساخرة واسترسلت
- يقول أنه يريد أن يصنع مستقبلاً لحمادة فتركني أنا وحمادة ومن يومها لا نرى الا أمواله .
- هل يرسل لك أموالاً بانتظام
- كثيراً .. لقد فتح لي حساب في البنك وكل شهر أجد الرصيد قد زاد ولا أعلم ماذا ينوى أن يفعل بكل هذه الأموال
- زوجك شاطر
- في جمع الأموال فقط ... لم أجد معه أي متعة في رفقته ... ولم يدرك أن الزوجة تحتاج إلى أكثر من المال ... ألست معي؟
لم يقتنع جرجس بالفكرة، فطوال السنوات الماضية كان المال هو شغله الشاغل ... فقال
- المال عزيزتي يسدد كل الاحتياجات
- أنت مخطيء يا عزيزي ... المال لا يشبع المشاعر والأحاسيس ... ولا يعطي الأمان والطمأنينة ... أنني كنت أتمنى أن أكون في رعاية رجل يحميني ويهتم بي ... يدخل على كل يوم ويرعاني ويرعى ابني ... حتى ولو بإيراد قليل
لوى جرجس شفتيه ولم يرد أن يخالفها الرأي فقال
- ربما معك حق
قالها وسكت من جديد ولكنها أرادت أن تستمر فقالت
- عزيزي ... إذا تزوجت لا تترك زوجتك تحت أي ظرف ... رافقها فهي بالتأكيد ستحتاج إليك وإلى وجودك بجانبها
- الزواج بعيد عني كثيراًُ هذه الأيام
- من يدري ؟
نظر جرجس من نافذة القطار، لقد وصل الى محطة البدرشين عندها انتفضت أم حمادة وقالت
- ها قد وصلت
- ستنزلين هنا؟ ... لماذا لا تستمرين الى القاهرة
- هذه محطتي ... لماذا لا تجعلها محطتك أنت أيضا؟

وبنظرة خاصة وجد جرجس نفسه يحمل ثيابه ويحمل حقيبة أم حمادة نازلاً من القطار خلفها في أول تغيير للخطة التي رسمها لنفسه ... لم يصل جرجس إلى القاهرة ولكنه أكتشف أن محطة وصوله قبل ذلك ... وتلك كانت البداية.
***
 

Coptic Man

ابن المـــــ†ـــــلك
مشرف سابق
إنضم
5 أكتوبر 2005
المشاركات
12,801
مستوى التفاعل
302
النقاط
83
الإقامة
Earth
الاخ الحبيب عماد

اهلا بيك معانا في المنتدي وشكرا علي قصصك الجميلة ونتمني نشوف جميع ابداعاتك

الرب يباركك
 

emad_hanna

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
27 ديسمبر 2005
المشاركات
284
مستوى التفاعل
4
النقاط
0
ويباركك عزيزي مينا


{5}

لم يمر اليوم إلا وكان جرجس قد دعم علاقته بأم حمادة تدعيماً كبيراً لقد حل ببساطة مكان الزوج الغائب واكتشفت الزوجة أن حاجتها الشديدة لرجل يمكن أن يسددها جرجس ، وجرجس بدوره أكتشف أيضا أنه يحتاج الى أم حمادة وأيضا الى نقودها التي تنفقها بسخاء غير مبالية لأموال لم تتعب في الحصول عليها ... ولذلك نشأت شركة صغيرة بين الشاب والشابة

وفي آخر النهار خرجت أم حمادة بعد أن أوصت جرجس ألا يطل من اي شباك حتى لا يراه الجيران فتحدث فضيحة في هذا المكان الصغير المكشوف ... خرجت تاركة جرجس مستلقياً على السرير يفكر في مستقبل جديد بدأ يخطط له ويعيد بناء خطوطه من جديد.

خرجت أم حمادة لترجع بعد قليل ومعها الكثير من الطعام وأيضا معها حمادة أبنها... صغير مشاغب عمره ثلاث سنوات فقط من الواضح أنه لم ير والده مطلقا لأنه عندما سأل والدته
- من هذا الرجل يا أماه
نظرت بعيون لامعة وقالت بإصرار
- هذا أبيك يا حمادة ... لقد رجع من السفر
وتلاقت عيون جرجس وأمينة ... ونظر جرجس الى الولد ... كان جميلا كأمه أسمر البشرة ربما كوالده ... وبسرعة أدرك جرجس ما عليه أن يفعل فرفع الولد من على الأرض واحتضنه وابتسم وقال
- أجل أنا والدك يا حمادة ... وحشتني كثيراُ
واتسعت ابتسامة امينة وقالت في سعادة بالغة
- نورت البيت يا أبو حمادة.
***

{6}

أسبوع مر وابو حمادة الجديد لا يخرج من البيت مطلقاً يرعى حمادة بينما تخرج السيدة الشابة تتسوق وتأتي بأغراض واحتياجات المنزل، ويأتي اليوم الذي فيه يثور جرجس على هذا الوضع ... أنه لم يتعود على أن يحبس في بلدة صغيرة ... هو يريد أن يخرج وينطلق ويعيش حياته. ولكن كثير من أهل البلدة يعرفون أبو حمادة الحقيقي, ويعرفون أنه مسافر الى الخليج ليؤسس بيته من عمله في الخليج... ويعرفون أيضا من هي أمينة وعائلتها ... لذلك لن تستطيع أن تخدعهم

وعندما أدرك جرجس هذا الأمر قال لأمينه
- انا راحل يا أمينة ... سأذهب الى القاهرة ويكفي الوقت الذي قضيته هنا كأني محبوس
فوجئت أمينة بهذا القرار... فوجدت نفسها تصرخ فيه
- هل ستتركني ؟... بعد أن تعلقت بك؟!!
- أنا لا أستطيع أن أكون محبوسا ... لم أتعود على هذه القيود أبداً
- وحمادة ...إبننا
لم يتمالك نفسه من الابتسام وقال بلكنة تشوبها سخرية واضحة
- ابننا ؟!! ... هل صدقت نفسك ؟
تجاهلت هذه الرنة الساخرة من كلامه وقال
- هل ستتركه؟ ... لقد أحبك وتعلق بك
- أنا أيضا تعلقت به ... لكن حريتي أثمن شيء في الوجود... كما أني أريد أن أعمل ... ألا تدرين أن علي شيكات والتزامات أريد أن أسددها
- لن تسددها مهما عملت ... هل تستطيع إزالة جبل بملعقة صغيرة ؟!! لن تسدد ما عليك إلا وأنت معي ... هل تفهم؟
وفهم جرجس ما تريد أن تقوله، وبدأ يبرز أمل جديد... أمل في أن يشطب الماضي الأليم كله ، لذلك قرر أن يضغط من جديد
- لن أستطيع البقاء هنا ولا لحظة واحدة .
- أطمئن ... سنجد الحل
***

{7}

وفي الليل من جديد خرج جرجس من بيت أم حمادة ... خرج وحده على أطراف أصابعه يتلفت حوله كلص وبيديه حقيبته ... خرج قاصداً محطة القطار ليصل الى المحطة ويركب القطار المتجه الى القاهرة، وعندما يصل إلى القاهرة يجلس على الأرض تحت الساعة الكبيرة ينتظر أم حمادة التي تأتي بعد أكثر من ست ساعات كاملة كان قد فقد خلالها كل رجاء أن تأتي على الرغم أنها وعدته لذلك استقبلها جرجس بصراخ
- لماذا تأخرت؟ ... ستة ساعات كاملة وأنا أنتظرك؟
أخذت أمينة تلتقط أنفاسها ثم قالت
- ودعت أهل زوجي وشرحت لهم أنه على أن أذهب الى القاهرة أنا وحمادة لكي أكون قريبة من عملي .
- هل عرفوا اين ستسكنين؟
- وهل أنا مجنونة ... لقد أعطيتهم عنوان لبيت مغتربات كنت أسكن فيه عند زيارتي للقاهرة... على أي حال سأزورهم مرة في الأسبوع فلا يضطروا إلى المجيء الى هنا .
هدأ جرجس قليلاً ثم قال
- حسنا ماذا سنفعل الآن
- سنؤجر شقة ايجار جديد ... أعرف مكاناً جيدا ... تعال معي
وحمل جرجس حقيبته وايضا حمل حمادة وسار خلف المرأة واتجها الى مترو الأنفاق وكانت وجهتهما عزبة النخل. وهناك اتجهت السيدة الى بيت ضخم حيث اتجهت الى البواب وكلمته قائلة :
- مرحبا يا عم عبده
- مرحبا يا ست ام حمادة
- هل الشقة التي كنت أريد أن اؤجرها لا تزال موجودة؟
نظر البواب في استطلاع لجرجس ثم قال لأمينة
- بالتأكيد ... من هذاالرجل ؟!
ابتسمت أم حمادة ونظرت الى جرجس وقالت
- أنه أبو حمادة لقد رجع من السفر ... وسنستقر هنا في القاهرة ... هل يمكن أن نكتب العقد؟
- بالتأكيد سيدتي ...
- سنكتبه بأسمي ... أمينة محمد عثمان ... أكتبه وأحضر شهود من طرفك وسأدفع لك عاماً كاملاً مقدما
ضحك البواب وقال
- ولا تنسي الحلاوة
ضحكت السيدة في دلال وقد لمعت عيناها بعد أن شعرت أنها نالت ما أرادت فقالت له
- لا تخف يا عم عبده ... حلاوتك محفوظة ... جهز كل شيء ... وسنذهب لنشتري بعض الأثاث وسنأتي اليك بعد الظهر ... هل نترك حقائبنا هنا
قتال البواب في استنكار
- لا يا سيدتي ... بل في شقتكم ... وها هو المفتاح ... وأنا سأجعل المحامي يكتب العقد بثلاث سنوات كاملة ... سنفعل كل شيء حتى لا يكون عليك الا أن تضعي امضاءك على العقد فقط لاغير
- شكر يا عم عبده ... لنذهب يا أبو حمادة؟!!
يبدوا أن جرجس لم يعرف أسمه الجديد سريعاً فزغدته المرأه لتنبهه وقالت بصوت علي
- أبو حمادة
تنبه الشاب وبسرعة قال لها
- هيا بنا
***
نلتقي غدا
 

emad_hanna

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
27 ديسمبر 2005
المشاركات
284
مستوى التفاعل
4
النقاط
0
{8}

قدم صاحب الشقة العقد الى أم حمادة وقال لها
- وقعي يا سيدتي
- حسنا
- ومدت يدها لتمضي ثم التفت صاحب الشقة الى أبو حمادة وقال له ...
- أنت أيضا وقع بجانب اسم زوجتك لتكون شاهد من طرفكم على العقد ...
ومد ابو حمادة يده وبسرعة تلمح السيدة ام حمادة يده لتجد صليباُ صغيرا بارزا أعلى الكف كان جرجس قد دقه في طفولته في دير السيدة العذراء بدرنكة... كان بالتأكيد سيظهر أمام صاحب الشقة وهو يوقع العقد... فانتفضت على يد أبو حمادة وقالت
- لحظات يا أبو حمادة ... أعتقد أنه لا داعي لكل هذه الشكليات يكفي من وقع طرفكم
نظر اليها أبو حمادة باندهاش ... وكذلك نظر اليها صاحب الشقة بنفس التعجب وقال
- لماذا يا سيدتي ؟!! ... أنه وضع طبيعي أن يشهد زوجك على العقد
قامت الزوجة غاضبة وتصنعت ثورة وقالت
- لقد وعدتني يا أبو حمادة أن تكون الشقة لي ... اليس كذلك ؟!!
نظر اليها أبو حمادة دون أن يفهم أي شيء ... أما الرجل صاحب الشقة قال لها
- انها مجرد شقة ايجار جديد ... عندما يأتي لك زوجك بالتمليك تستطيعين أن تملي شروطك ... ثم أنه مجرد شاهد على العقد
نظر اليها ابو حمادة بخجل وقال
- حسناً لا داعي لكل هذه الثورة يا ام حمادة ...على أي حال سيأتي اليوم الذي أشتري لك فيه شقة تمليك.
قالت الزوجة ثائرة
- لن توقع على هذا العقد يا أبو حمادة ... أنها شقتي أنا
أخذ أبو حمادة يتصبب عرقا في خجل واضح وعندما شاهد صاحب البيت التوتر الأسري قال
- على أي حال ... هذا يكفيني .... سنكتفي بهذا العقد على هذا الشكل
ثم مد يده ليناول ابو حمادة العقد, وقبل أن يمد يده أبو حمادة أسرعت السيدة وقالت هذا العقد لي أليس كذلك؟ ... ثم مدت يدها لتتناوله بسرعة بينما ينظر صاحب الشقة اليها في اندهاش ممزوج بالغيظ لذلك الرجل الذي تهينه ... ولكنه لم يجد الا أن يقول
- على أي حال مبروك الشقة ... العقد بثلاث سنوات وانشاء الله نجدد العقد في موعده ... أي خدمات أخرى
قالت ام حمادة بسرعة
- شكرا يا عم محمود
ثم مدت يدها وسلمت عليه وأسرعت نحو الباب لتفتحه ... ويخرج في الوقت الذي فيه أبو حمادة واقفاً بالداخل لا ينبس ببنت شفة ... والغضب يكاد يفترسه من هذه الأفعال التي لا مبرر لها.
***

{9}

لم يشعر جرجس بالمرارة مثلما شعر وهو يرى الرجال يخرجون من المنزل بعد أن أهين تلك الإهانة البالغة، وعندما أغلق الباب كاد أن يصرخ في وجهها ولكنها بادرت هي بالصراخ قائلة
- هذا الصليب يجب أن يختفي من يدك يا أبو حمادة ... أنا لا اعترض على دينك ... أعبد من شئت وما شئت ... أنا لا أبالي بهذا الأمر ... ولكنك ستكشفنا بهذا الصليب ... هذا الصليب لابد أن يختفي من يدك

نظر أبو حمادة إلى الصليب... كان قد نسيه تماماً ... لقد أصبح جزءاً من يده فلم يعد يراه... فردد كلماتها كالحالم
- يختفي؟!!
- أجل يختفي
- إذن ثورتك هذه كلها ...
- كنت أخشى أن يرى الرجل الصليب في يدك فندخل في دوامة من الشك نحن في غنى عنها ... والآن كيف ستنزع هذا الصليب عن يدك

نظر جرجس للصليب كالحالم، فقد تذكر أنه مسيحي ... ونظر إلى أم حمادة، ولأول مرة كان عليه أن يقرر شيئاً. هل يمحو ذلك الصليب الذي كان جزءا من جلده... أم يتخلى عن آماله وطموحاته... دارت الدنيا برأسه... وتذكر الظروف التي وضع الصليب في يده وأحلام طفولته البريئة أن يلبس الثوب الأبيض ذا الصلبان الذهبية ويدور في الدير خلف الكاهن بتلك الثياب الجميلة، يومها قرر أن يضع الصليب في يده... وكان الوقت عيد... ومن جديد تساءل بصوت عال
- هل حقاً على أن أنزع هذا الصليب؟ ... هل هذا مؤلم؟
واقتحمت ام حمادة تساؤلاته لتقول له صارخة
- المؤلم أن يعرف الناس أنك مسيحي... انها طامة كبرى يا أبو حمادة

أبو حمادة... أم جرجس؟! في الواقع جرجس لم يجر عليه سوى المشاكل ولم يحصد إلا المشاكل من وراءه... لقد قرر أن يبدل حياته بالكامل فلماذا لا يغير أسمه أيضا... ونمط حياته، لقد كانت علاقته بالمسيحية لا تتجاوز أسمه... بالذات بعد أن كبر ودخل الحياة العملية... لذلك اتخذ قراراً لم يكن صعباً عليه ... لذلك سأل امرأته
- كيف أنزع ذلك الصليب عن يدي
- لا أعرف ... ولكن أبو حمادة لا يمكن أن يكون في يده هذا الصليب ... وإلا كنت من أصل مسيحي وهذا سيجرنا الى مواضيع لا قبل لنا بها ... وسيجمع من حولك أناس نحن في غنى عن التواجد معهم
- كل هذا أنا معك فيه... ولكن كيف ... أنه مدقوق دق, ولا يخرج إلا بماء النار ...
- إذا استخدم ماء النار ... كل ما أريده أن يختفي هذا الصليب من يدك .
وشعر أبوحمادة بوخز في قلبه بالإضافة لتلك الآلام التي نتجت عن احتراق يده وهو يربط يده بعد أن نزع عنه صليبه. ولكن ها قد حل مشكلة الصليب, وعلى ما يبدو فقد نزع عن نفسه أسم جرجس ... الى الأبد.
***

{10}

لم يكن أبو حمادة الأصلي يشك ولو للحظة في سلوك زوجته... لقد غادر مصر وسافر إلى الإمارات رغبة منه في معيشة أفضل له ولأسرته، كانت أم حمادة لها تطلعات كبيرة، ولكنها لم تكن تشتكي أو تتبرم من الأحداث الحالية، ولكنها كانت تحلم أمام أبو حمادة وتسرد له أحلامها. واستطاعت بأسلوبها الآخاذ أن تنقل أحلامها إليه، لتصير أحلامه أيضاً... لقد كان أبو حمادة عامل محارة بسيط، وأكبر طموحته كانت لا تزيد عن أجر سخير يستطيع بعده أن يصرف على البيت بصورة جيدة, ولكن في خلال عام من زواجه بدأ يحلم بالسيارة والبيت اذي يملكه، بدأ يحلم بأن يكون مقاولاً كبيراً.

وسرعان ما تحول ذلك الحلم الى رؤيا وهدف يبحث عن وسيلة لتنفيذه، وباتصالات أم حمادة استطاعت أن تأتي له بعقد عمل في الأمارات بمرتب مجز مع مقاول للبناء. وعندما ذهب كانت أمامه ورقة مكتوب عليها قائمة بالأشياء التي ينوي أن يأتي بها من عمله في الأمارات، وكان الاتفاق أنه بعد أن يشتري أحد بنود هذه الورقة يشطبه ويبدأ في السعي لتنفيذ البند الذي يليه، وعند الانتهاء من الورقة كان سيرجع إلى مصر. ويبدأ في التمتع.
ونفذ المسكين الفكرة بحذافيرها ... كان يعيش على صلصلة الطماطم حتى يوفر الدرهم... وكان يظن أن هذا التوفير سوف يوفر من سني غربته، وكل شهر كان المسكين يرسل أكثر مرتبه إلى زوجته. معتمداً عليها في تدبير الاحتياجات.

وكان المسكين يظن أن امرأته تفعل مثله حتى تدبر كل الأمور. ويرجع من جديد إلى بيته وأسرته. ولكن لم يكن يدر أن السيدة زوجته نسيت تلك الخطة برمتها، بل نسيت أن لها زوجاً من الأساس ولم تتذكر إلا ذلك الرصيد الذي يزيد شهراً بعد شهر... وتفكر في استغلاله.

ثلاث سنوات على هذا الوضع، وكل عام في وقت الأجازة يرسل لها معبراً عن شوقه وحنينه، ولكنها كانت ترسل له تحثه على الاستمرار في العمل وكسب المزيد من الأموال لتحقيق الأهداف التي وضعوها... تلك الأهداف التي نسيتها هي.

أما أبو حمادة الجديد فقد حصل من خلال السيدة زوجته على ثورة لم يكن يحلم بها، وعندما استقر أسرع يتصل بوالده ليطمئن عليه... وعندما أتاه صوت والده عبر الأسلاك تذكر أنه لا يزال بالنسبة لوالده جرجس ... وأسمعه والده كلمات لم تكن في الحسبان ... دارت الدنيا من حوله فما سمعه لم يسره مطلقاً
***

نلتقي غدا
 

emad_hanna

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
27 ديسمبر 2005
المشاركات
284
مستوى التفاعل
4
النقاط
0
{11)

عندما بدأ أبو حمادة الاتصال كانت دقات قلبه تدق مع جرس التليفون... إذ كان قد مضى أكثر من ثلاث أشهر لم يكن قد تكلم في بيته... وعندما جاءه صوت والده عبر الأسلاك كان السؤال التقليدي
- من المتكلم؟
ومن جديد تساءل أبو حمادة... من هو؟ كاد يقول (أبو حمادة) ولكنه أدرك من الذي يكلمه ... فتدارك الأمر ... ولكنه أيضا تجاهل السؤال وقال
- كيف حالك يا أبي ؟
كان يقولها ودقات قلبه تتسارع ... وما أن عرف الأب المسكين هوية المتكلم حتى صار يبكي ويصرخ
- جرجس؟!
- نعم يا ابي ... أنا هو ... كيف حالك وحال أمي وأخوتي
- بخير يا ولدي ... كيفك أنت ؟
كان ابو جرجس يبكي وينوح كالأطفال ... ذلك الرجل الذي بلغ من العمر أكثر من سبعين عاماً ولا تزال بساطة الريفيين على محياه ولباسه... لذلك ما أن تمالك نفسه حتى قال
- يا ولدي ... ماذا فعلت بك حتى تكذب علي كل هذا الكذب ؟!!
- كذبت؟
- كيف يا والدي ... لم أكذب عليك مطلقا
- لقد عرفت حجم الديون التي عليك... كيف وصل الحال بك إلى هذه الدرجة يا ولدي ... حجم مشروعك لا يمكن ان يعطي مثل هذا الدين
- هذه قصة كبيرة يا أبي ... لا تخبر أحد عن مكاني
وما أن سمع الوالد هذه الكلمة حتى أنفجر في ولده بسيل من الكلمات ... أو قل من الأخبار
- وهل أنا أعرفه يا بني ... ولكن أصحاب الدين بهدلوني يا ولدي ... لدرجة أني أسير في الشارع وأسمع من يسبني ... أصدق أصدقاءك تعرض لي في الشارع وحاول ضربي ... تصرف ياولدي لأنهم هددوني بأن يجرجروني إلى القسم... أحد رجال الأمن جاء وبحث عنك وهددني أن يأخذني إلى النقطة حتى أقر وأعترف لهم بمكانك الذي لا أعرفه... هل ترضى يا ولدي بكل هذه الإهانة في شيخوختي؟... هل هذا جزاء تربيتي لك؟ ... لم أفعل لك سوءا يا بني حتى تجازيني مثل هذه المجازاة
تصاعدت دماء الغضب في وجه جرجس ... وصرخ
- معقولة يا أبي؟ ... من الذي هددك؟
- صديقك ماجد
دارت الدنيا في وجه جرجس... ذلك الصديق الذي كان معه في حلوه ومره... ذلك الصديق الذي كان الجميع يظنون أنه أخاه التوأم... ذلك الصديق الذي استفاد من مشروعه أكثر من أي شخص آخر... فلم يتمالك نفسه فراح يبكي بدوره وهو يقول لوالده
- سامحني يا أبي ... لم أقصد أن يحدث لك هذا ... لم اقصد أبداً
- ماذا ستفعل يا بني
- سآتي اليك بأقصى سرعة ... أعدك يا أبي ... سآتي وأسدد كل ديوني ... لن أتركك أبداً فريسة لهم ... انتظرني خلال أيام

ووضع جرجس السماعة وفي داخله بركان يسب ويلعن اليوم الذي جاء فيه جرجس الى الحياة, وحمد الله أن لديه قناع آخر بإسم آخر يمكن أن يلوذ به ويطمئن اليه ... لذلك لبس جرجس قناع أبو حمادة واتجه الى البيت ليتفق مع امرأته أم حمادة عما ينبغي فعله.
***

{12}

طعم المرار هو ذلك الشعور الذي كان يشعر به بعد أن رجع أبو حمادة إلى بيته، كان يشعر بخيانة أصدق أصدقاءه... من أقتسم أكله وشربه, من تعاهد معه على الحلوة والمرة... ها هو يبيعه بمثل هذه السهولة... نظر أبو حمادة إلى يده المربوطة بعد أن ازال الصليب منها... لم يدر لماذا شعر بالألم منها في هذه اللحظة... شعر بها وكأنها تحترق فأمسك بها بيده الأخرى وضغط بشدة مع دقات قلبه المتسارعة... دخل الشقة ليجد أم حمادة في استقباله لترى وجهه المكفهر... لتسأله عن سبب هذا الأمر فما كان منه إلا أن صرخ في وجهها
- لقد تسببت في إهانة أبي وأمي...
- عمن تتكلم ... هل أنا الذي فعلت هذا الأمر؟!!
أجاب باكيا:
- بل أنا ... لقد تركت أبي دون أن يعرف حجم محنتي... وتكاثر عليه المدينين ... ليهددوه
نظرت ام حمادة إليه في تفكير, ثم قالت
- كم تريد لتحل المشكلة من جذورها؟
- حوالي مائة الف جنية
فوجئت أم حمادة بالرقم...
- هذا مبلغ ضخم بالنسبة لمشروع صغير في بلدة صغيرة مثل بلدتك
- انه الربا اللعين
حسناً ... ربما أجد معي هذا المبلغ... ولكن علي أن أبعث لأبو حمادة حتى يرسل مزيداً من المال يعوض هذا المبلغ المنصرف , حتى نستطيع أن نصرف من جديد على أنفسنا ... ومن جديد شعر أبو حمادة ببعض الألم في يده المربوطة ليمسك بها ولكنه يصرخ في سعادة
- هكذا تكون الزوجات ... وتقدم تجاهها ... لكنها أوقفته بحركة من يدها وقال
- ولكن ... ما سوف أعطيه لك ستكتب به إيصال أمانة... فلا يأتي وقت وتتركني فيه بعد أن تأخذ مني أموالي ... هذه حقوق حمادة, وزوجي يعمل ويتعب ليوفرها ... وأنا لا أريد أن أفقدها وفي نفس الوقت أفقدك
نظر اليها أبو حمادة بعتاب وقال
- هل تظنيني هذا السوء ... جرجس لا يمكن أن يخون أبداً
ابتسمت ساخرة وقالت
- هل نسيت ... لست جرجس ولكنك أبو حمادة
وشعر جرجس بلهيب نار ينبعث من يده المحترقة... ولكنه بسرعة أمسك الورقة والقلم وقال
- هاتي ايصال الأمانة لأمضي عليه... علي أن أذهب لأنهي هذه المسألة في بيتنا وأرجع لك بسرعة.
***

{13)

"كم أشتاق الى ذلك اليوم الذي يجمعنا معا من جديد يا زوجي العزيز... ولكني أعرف أنك تحلم بمستقيل أفضل لي ولك ولولدنا الحبيب حمادة ... هل تعرف لقد اصبح عمره ثلاث سنوات, ودائما أقول له أن له أب عظيم سافر لكي يصنع مستقبله...ولن استطيع أنا أن أثنيه عن العدول عن هذه الطموحات... فأنا أعرفك كثيرا يا أبو حمادة طالما قررت عمل لا تسكت إلا عندما تكمله تماماً ... لذلك لن أطلب منك أن تأتي الينا هذا الصيف ... فأنا أعرفك أنك لن تفعل ... على أي حال استغلال شهر في العمل ربما يقرب لقاءنا سنوات وسنوات ...
حبيبي الغاتب ... لقد وجدت قطعة أرض نستطيع أن نبنبي عليها حلمنا ... وهي رخيصة جدا ... ثمنها مائة الف جنية مصري ... سأسحب من البنك واشتريها وأعرف أنك ستعوضها سريعا ... دمت لنا حبيبي يا أغلى من أحببت
...حبيبتك المخلصة أمينة "

كان أبو حمادة الأصلي يقرأ هذا الخطاب للمرة العاشرة وهو يتذكر زوجته الجميلة ذلك الملاك الصغير... كم اشتاق اليها ولكنه تذكر أنها وصفته بالعند والاصرار على تحقيق الأحلام ... لذلك ذهب من جديد الى رئيسه ليقول له
- لقدر قررت الغاء الاجازة سيدي ... سأبقى لأستمر في عملي
- لماذا يا أبو احمد... انت لم تأخذ أجازتك منذ أن أتيت... أذهب الى بيتك لتأكل وتشرب بعد أن صمت طوال هذه السنوات
- لا بأس سيدي ... سنة أخرى وأخذ أجازتي ... لقد جدت ظروف
- ما هذه الظروف التي تحرمك من وليدك ومن زوجتك , العمر يمضي يا ولدي وينسرق منك ... ارجع وتمتع بما لك قبل أن يفوت الاوان
- لم يأن الاوان بعد يا سيدي ... التزامات جاءتني وأريد اتمامها ... سيدي ... أنا أريد أن اعمل ورديتين في وقت أجازة العمال ... انت بالتأكيد تحتاج الى عمال اضافيين
- افعل ما بدا لك يا بني

رجع ابوحمادة الأصلي وهو ينظر الى خطاب زوجته الحبيبة في شوق بينما ينظر صاحب العمل اليه في حسرة ... لقد أحب صاحب العمل الرجل لقد كان امينا ومخلصا ومثابرا ... يصعب تعويضه ... ولكن كان يشعر ان نهاية هذا الجهاد خيبة لم يدر لماذا , ولكنه كان يشعر بهذا

وفي شهر الأجازة الذي كان من المفروض أن ينزل ابو حمادة فيه الى مصر زاد الرصيد في البنك بأكثر من عشرة آلاف جنية بعد ان سحبت أم حمادة المائة الف واعطتهم لرجلها الجديد.


(14)

خلع صديقنا رداء أبو حمادة ولبس رداء جرجس وفي يده مائة الف جنيه... وذهب الى بلدته ليسدد ديونه الكثيرة، كانت في داخله مشاعر كثيرة ... كان يشعر بالفرحة لإمكانية سداد الدين ولكن كان يشعر بالألم لذلك الثمن الذي كان عليه أن يسدده مقابل هذه الأموال ... لم يكن يشعر بالألم تجاه علاقته بأم حمادة... فقد كانت سيدة جميلة وهو يكون سعيدا في رفقتها، وابنها حمادة نسي تماماً أنه ليس أبنه ... فقد أحبه كثيراً... لقد كان ولداً وديعاً ودودا ... ولكن كان يشعر بألم في يده، ذلك الألم الذي شعر به وهو يحرق يده حتى ينزع الصليب من يده , ولم يدر ما الذي يتعبه أكثر ألم نزع الصليب من حياته أم حرق يده.

وصل الى بلدته في الفجر وكان اليوم أحد ...وفي الطريق الى بيته رأي كنيسة مار جرجس التي في أول الشارع تدق الأجراس معلنة بدء صلاة القداس ... دخل الى حوش الكنيسة ليجد المعلم فانوس ذلك الرجل الضرير جالسا بجوار سبت القربان وكان قد شعر بالجوع فامتدت يده في جيبه ليخرج عملة معدنية صغيرة ويتجه الى عم فانوس ليشتري قربانه يسد بها جوعه.
- صباح الخير يا عم فانوس
- صباح الخير يا ولدي
- أريد قربانه
- من يكلمني ... صوتك ليس غربباً عني
- أنا جرجس يا عم فانوس
صرخ فانوس
- جرجس بن عم بولس ؟ بركة يا ولدي انك رجعت بالسلامة ... لماذا تركتنا هكذا..
- هل يمكن أت تعطيني قربانه يا عم فانوس ...؟ أنا جائع
- جائع للطعام يا ولدي أم جائع للقربان ... على أي حال خذ قربانة يا ولدي
- شكرا يا عم فانوس ... كيف حال ابنك داود
- ينتظر رجوعك بفارغ الصبر يا ولدي
ابتسم جرجس ساخرا فقد كان داود ابن فانوس أحدالتجار الكبار على الرغم من بساطة والده... وكان مدينا له بمبلغ كبير إذ أنه هو أول من ابتكر فكرة الربا المقنع ... كان يعطي فلوس للتجار حتى يشترون بضاعتهم نظيرهامش ربح كبير كنوع من المشاركة في الربح ... ولكنه في الواقع كان جباراً ينتهز فرصة احتياج الناس ويطالب بهامش ربح من المستحيل أن يتحقق ولكن الجميع كان يدفع صاغراً نظرا للاحتياج. وكان جرجس من هؤلاء الذين وقعوا في هذا الشرك فتضخمت ديونه بسبب هذه المشاركة الغير أمينة. مد جرجس يده بالعملة المعدنية الى عم فانوس وقال له
- خذ يا عم فانوس
- ما هذا يا ولدي
- ثمن القربان
- ومنذ متى القربان له ثمن يا ولدي
- آسف أقصد تقدمة القربان
- هذه المرة لن آخذ يا ولدي ... بركة رجوعك بالسلامة ... هل ستحضر القداس
نظر جرجس الى باب الكنيسة وشعر بالانقباض في صدره وقال ليس الآن يا عم فانوس ... لقد جئت لأسدد ديوني ... ووالدي ينتظرني
- ابونا يوحنا حبيبك بالداخل ... وهو لا يحضر القداس كثيرا ... لقد كبر في السن جداً ولا يحضر الكنيسة الا نادراً ... أدخل يا ولدي لكي تفرحه بحضورك ... لقد كان يسأل عليك كثيرا ...
- سأذهب اليه يا عم فانوس ... بالتأكيد سأذهب اليه لأعترف ... فهو أب اعترافي ... ولن أغادر البلدة حتى اجلس جلسة أعتراف يا عم فانوس
- سيفرح ابونا كثيرا يا ولدي ...
على أن أذهب الأن ... أخبر ولدك أن يأتي الى بعد صلاة القداس ومعه الشيكات لكي يحصل على أمواله بالكامل .
- حاضر ياولدي
ويغادر جرجس المكان ويتجه الى بيته ... ولحظات بسيطة ونسمع زغرودة كبيرة من بيت أبو جرجس ... أنها فرحة بسلامة الوصول.
***

تابعني
 

emad_hanna

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
27 ديسمبر 2005
المشاركات
284
مستوى التفاعل
4
النقاط
0
(15)

انتهزت أم حمادة فرصة ذهب رجلها الجديد الى بلدته وذهبت هي أيضا لتزور حماتها التي كانت تسكن في البدرشين... في الواقع كان الجميع يحب ام حمادة بسبب حلاوة لسانها وجمالها البسيط... وعدم تمردها أو تبرمها على المعيشة ... لذلك زيارتها كانت بالنسبة لهم يوم عيد ... إذ أنها تذكرهم بولدهم الغائب ويفرحون بالحفيد الذي هو صورة صغيرة من ولدهم...
- تأخرت هذه المرة يا أمينة يا بنتي ... القاهرة أبعدتك عنا كثيرا
- ماذا أفعل يا والدتي, أنا أعمل كل يوم لساعة متأخرة
- ولماذا العمل يا بنيتي ... ولدي يرسل لك مبالغ كبيرة حتى لا تعملين
- يا والدتي عندما أعمل أنا ويعمل هو يرجع بسرعة ... أما إذا صرفت ما يرسله فسيتغرب أكثر ... وأنا أريده أن يأتي سريعا حتى نستقر.
- معك كل الحق يا بنيتي ... والآن خبريني عن أحوال القاهرة ... طبعا تذهبين كثيرا الى السيدة نفسية والى سيدنا الحسين رضي الله عنهم ...
- بالطبع يا والدتي ... وايضا أصلي في السيدة نفسية باستمرار
- سأحملك اماني يا بنيتي أن تدعي لي لدى عند السيدة نفيسة رضي الله عنها ... وألا تغيبي عني ... فأنا عندما أراك أرى فيك ولدي
- بالتأكيد يا أماه أنا لا أستطيع أن أستغنى عنك أبداً
- هل ولدي يرسل لك خطابات ...
نظرت أمينة اليها ...لقد ذكرتها السيدة بشيء هام... أنها لم تخبر زوجها بعنوانها الجديد وإذا أرسل لها خطاب فسيكون قد أرسل لها على عنوانها القديم، من سيستلم خطاباته ... كيف تاهت عنها هذه الفكرة؟ ... نظرت الى حماتها وقالت ... بالتأكيد يرسل يا أمي ... وهو يسلم عليك كثيرا... وتغيرت ملامحها بعض الشيء ولكنها سيطرت على اعصابها .


ومن الامارات رجع خطاب الى أبو حمادة الأصلي مكتوب على المظروف " المذكور غير عنوانه... لم يستدل عليه .... فنظر أبو حمادة الى المكتوب على الخطاب بمنتهى الدهشة.

***

(16)

كان الخواجة بولس والد جرجس حريصا جدا أثناء تسديد الديون التي لولده ... لذلك أراد اتخاذ بعض الاجراءات التي من شأنها تقليل حجم الديون قليلا والانتهاء من المشاكل تماماً لذلك قال لولده
- لا تدفع ديونك بدون شهادة يا ولدي ... اليس كل المداينين من بلدتنا
- اجل يا والدي ... بل وأغلبهم من قلب الكنيسة ...
- إذا فسيكون السداد في حضور أبونا سمعان وشيخ البلد السيد حمدان ليكونان شاهدان على عملية السداد واجمع المداينين كلهم ليأكلوا معنا ويكون هناك عيش وملح لمنع أي عداوة في المستقبل
نظر جرجس اليه، كان يريد أن يلف هو علىالمداينين وينهي المسألة مع كل واحد على حدة وينتهي الأمر بسرعة بدون تعقيدات وبدون كلام كثير ... ولكن الأمر خرج من يده ... وأراد أن يرضي والده فقال
- كما تريد يا أبي ولكني كنت أحب أن يكون ابونا يوحنا معنا
- لن يستطيع يا ولدي ... هو كبير في السن جداً وصحته ليست على ما يرام ... انهم يحملونه الى الكنيسة في جلسات الاعتراف لإصرار كثير من المعترفين أن يعترفوا عنده، ولكنه لا يستطيع أن يفعل شيء آخر.

لم يرد جرجس ... ولكنه استسلم باستياء لهذا الأمر ... ثم قال:
- متى سيحدث هذا الأمر ... أنني أريده أن ينتهي بسرعة حتى أرحل
- ترحل اين يا ولدي ... لايوجد سبب لرحيلك ألم تسدد ما عليك؟
لم يحاول جرجس أن ينظر الى والده حتى لا يعرف مكنونات قلبه... لقد كان يشعر أن والده يريد أن يخترق ملابسه بل وجلده حتى يفهم ولده جيداً ... كان بداخله تساءلات كثيرة لم يرد أن يسألها ولكنه لم يكن يتنازل عن أن يعرفها , وهو قادر أن يعرفها بعينيه فقط لذلك رد عليه دون أن ينظر اليه
- لقد أصبحت مرتبطا بعمل يا والدي ... من هذا العمل استندت هذه النقود وعلي أن أسدها
نظرات الشك التي كان والد جرجس ينظر بها اليه كانت تلهبه، وتوتر اعصابه ولكنه أكتفي بأن قال
- يبدو ان صاحب العمل يحبك كثيراً ... لأنه أعطاك مبلغاً كبيرا وهو لا يعرفك الا في وقت قصير
حاول جرجس من جديد أن يبعد عيونه عن والده ... وقال
- ربنا يديم المحبة يا والدي
- أجل يا ولدي ... ربنا يديم المحبة، لقد ظهرت اشساعات في البلدة أنك تملك نقودا كثيرة وهربت بها... ولم يصدق أحد أنك مفلس
- دعهم يقولون ما يقولون يا والدي ... هذا أفضل من أن نقول أنني اقترضت المال
- بل القرض أفضل من أن تكون حرامي يا ولدي أو مختلس لأموال الناس ... هل تظن أني سأرضى أن تدفع أموال الربا؟ ... لقد أحضرت ابونا سمعان والسيد حمدان لأنهما لن يقبلان بهذا الأمر وبالتالي ستسدد الذي أخذته فقط. ولن تدفع أي ديون ربا
لمعت عينا جرجس وقد استحسن الفكرة التي ستوفر له الكثير من النقود ورفع يده نحو والده مستسحنا مقولته وقال :
- سأترك لك الأمر يا والدي ... أفعل ما يحسن في عينيك
نظر الخواجا بولس الى يد جرجس المحترقة وقال
- ما هذ الحرق يا ولدي ... اين صليبك المدقوق ... هل نزعته عن جسمك
وشعر جرجس برصاصة تخترق يده وبدا له أن يده احترقت لتوها... ليمسك يده بسرعه يحاول أن يخبئها من عيون والده وهو يقول
- الصليب؟

***

(17)

لم يكن السيد احمد - والد حمادة الأصلي – يعرف أن زوجته تركت عش الزوجية، لم تخبره بذلك، لذلك فوجيء بالخطاب في يده، مكتوب لم يستدل بالعنوان... وعندما أتصل ببيت أبيه يسأل عن أمينة فوجيء أكثر أن أمينة تعمل, هي لم تقل له من قبل أنها تعمل... وشعر لأول مرة بالغضب منها ... شعر أن هناك شيئا غامضا في علاقتها معه... فهي تتصرف دون الرجوع اليه وهو زوجها ووالد ابنها وعائلها... طلب العنوان من عائلته فأعطوه عنوان بيت الطلبة التي أعطته لهم قديما... ومن جديد يحاول الاتصال ببيت الطلبة وليس من مجيب. مما زاد من علامات الاستفهام لديه. و بقيت علامات الاستفهام أياماً طويلة حتى وصله خطاب منها. ولكن ... بعد أن قرأ خطابها لم يشعر بالراحة....

فالزوجة كانت بدورها تحاول جاهدة تغطية السهو الذي حدث قبل أن يكتشف زوجها الأمر، ولكن كان لديها مشكلة أنها لم تكن تريد أن يعرف زوجها مكانها الجديد... كانت تخاف انه لأي سبب من الأسباب يرسل الى أمه بعنوانها فتجدها أمامها في أي لحظة...

لذلك عندما رجعت من بيت حماتها أسرعت تكتب لزوجها رسالة تخبره فيها أنها غادرت البيت لأن من في البيت ضايقوها وأنها سكنت في بيت طالبات بالقاهرة , والاتصال بها صعب جدا في القاهرة لذلك اقترحت عليه أن تكون المراسلات في بيت حماتها. وهي تذهب لتتسلم مراسلاتها. ولكنها لم تعط زوجها أي عنوان لسكنها الأمر الذي جعل زوجها يشعر بشيء غامض لأول مرة في علاقته معها... ولم يشعر بالراحة عندما وصله خطاب زوجته .

لم تستطع أمينة لأول مرة أن تستخدم الخداع في الحصول على أهدافها... ولكنها لم تعرف ببذور الشك التي زرعتها في أعماق زوجها...

وفي سرية تامة قرر الزوج أن يجعل بقاءه في الامارات وقت الاجازة مجرد تأجيل لأجازته واتفق مع صاحب العمل أن يحصل على اجازته السنوية في يناير بدلا من يوليو ... ووافق المدير على هذا الأمر ولكن السيد احمد لم يخبر احدا بهذا.
***

تابعني
 

emad_hanna

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
27 ديسمبر 2005
المشاركات
284
مستوى التفاعل
4
النقاط
0
(18)

- يا أبي أنا لا أكذب... ويجب عليك أن تصدقني
كانت صرخات الوالد أكثر من صرخات الابن ولأول مرة يتخذ الوالد موقفا متشددا تجاه ابنه... وهو يرى يده المحروقة والصليب منزوع ...
- أقنعني بقصة حقيقية ... لا يمكن أن يصيب الحرق هذا الجزء فقط... انت بكل بساطة أردت أن تنكر دينك ... هل هذا هو الثمن الذي دفعته لتحصل على هذه النقود؟
وعلا صراخ جرجس بدوره
- لا ... أن من أخذت منهم النقود لا يهمهم من قريب أو بعيد ديني ... ولم يسألوني يوما عن ديانتي ... وأنت تعلم يا أبي أني لا أضع الدين في الحسبان أثناء تجارتي
- إذا ما الذي حدث
- كما قلت له ... انسكبت ماء النار على يدي فاحترقت ...
- لا يمكن أن يكون الحريق موجه في مثل هذه المنطقة فقط... كان الاجدر به أن يأخذ اليد كلها
لوح جرجس بيده غاضباً وقال
- هذا ما حدث
على الرغم من عدم اقتناع الخواجا بولس إلا أنه هدأ قليلا وقال
- حسناً ... سوف ندق لك صليب آخر على اليد الأخرى السليمة
- من الخطأ يا والدي .. الصليب لا يوضع الا في هذا المكان... قالوا أن الصليب على اليد الأخرى هطأ
- إذن سنضعها في نفس المكان
- أجل يا والدي سنضعه ... في المرة القادمة حتى تكون يدي قد طابت

خرج الوالد غاضبا ورجع ومعه قطعة شاش كبيرة وبعصبية بالغة تناول يد جرجس وأخذ يربط يده وقال ...
- طالما الصليب غير موجود يبقى الشاش على يدك... لست مستعدا لتساؤلات أهل البلدة ... هل تفهم؟
- أجل يا والدي ... أفهم ... ولكن هل الصليب وحده هو من يجعلني مسيحياً؟
نظر اليه الوالد ساخراً وقال
- وهل هناك دليل آخر على أنك مسيحي؟!... أعتقد أنك لم تذهب الى الكنيسة منذ أن غادرتنا اليس كذلك؟
تردد جرجس قليلاً بين أن يكذب وبين أن يقول الصدق، وعرف أن والده لن يقتنع بكذبه إذ هو يعرفه جيداً فقال
- كنت مشغولا ... ولكن المسيح في قلبي يا والدي
- لو كان المسيح في قلبك لكنا رأيناه ... متى سوف تذهب لأبونا يوحنا لتعترف
- بعد أن ننتهي من سداد الديون قبل أن أغادر
- الله يصلح الأحوال يا ولدي

واتجه الوالد الى الباب لكي يغادر المكان ثم التفت الى ابنه سريعاً وقال:
- نسيت أن أسألك
- ماذا تريد يا أبي ... اسأل ما بدا لك
- إذا كان الصليب بعيد عن موضوع النقود... ما هو الثمن الذي دفعته لتحصل على كل هذا المال
- شغل يا أبي ... سأرد هذا المبلغ شغل
وبنفس اللمحة الساخرة قال الوالد
- هل أعطاك صاحب العمل كل هذا المال دفعة واحدة ؟! ... ما هو الشغل الذي يمكن أن يسدد هذه الأموال ؟!
- لا تشغل بالك يا أبي بهذه التفاصيل الصغيرة ... أن ما فعلته قانوني تماماً ... فأنت تعلم أني أخاف الله
- أنت؟ ... ربنا يعدل الأحوال يا ولدي
قالها وفي داخله حزن شديد ... وايضا عدم اقتناع ... ولكنه لم يجد ألا السكوت
***

(19)

رجعت أم حمادة الى دارها الجديد تنتظر زوجها الجديد... بعد أن انتهت من زيارة حماتها ... وفي الطريق كان حمادة يفتقد والده كثيراً ... و لذلك كرر السؤال كثيرا عن والده ... فكانت أم حمادة تجيب أنه عند أهله... فكان يظهر امتعاضاً كثيراً لتأخره ... في الواقع كان حمادة يحب من كان يظن أنه والده كثيرا...ومتعلق به كثيرا... وكان هذا يشعر أم حمادة أنها أحسنت اختيار رفيقها... ولكنها كانت تفكر كثيرا ماذا ستفعل عندما ينزل زوجها أجازة، أين ستستقبله وأين ستذهب بزوجها الموجود معها ... كلها أسئلة لم تجد إجابة عليها ... وشعرت بالخطر، وفكرت في تلك التهمة التي تنتظرها وهي تعدد الأزواج...

فكرت في طلب الطلاق لتستقر مع زوجها الحالي، ولكن كيف تستغنى عن المورد المالي الذي تأخذه من زوجها بدون تعب... هي لا تعمل وايضا جرجس لا يعمل. ابتسمت في قرارة نفسها فسيكون طلب الطلاق مفاجأة كبيرة لزوجها الذي مقتنع بمحبتها له، ولخطة آماهما التي يرسمها حتى يحسن من الدخل ... ولكن كانت تعرف أن زوجه القديم السيد أحمد مجرد مرحلة في حياتها لابد أن تجتازها ... وسيأتي الوقت الذي لن ينفعها السيد احمد، وعليها ان تواصل حياتها مع شخص أكثر طموحا وأكثر ذكاء

وعندما رتبت أفكارها وجدت أنها عليها في الشهور القادمة أن تغير أشياء كثيرة حتى تصبح الأمور سليمة تماماً من الوجهة القانونية ... فكرت في أن تجد لنفسها ولزوجها الجديد عمل... فهذا سوف يجعلها تستغني عن زوجها, فتطلب الطلاق بسهولة ... وهذا ايضا يوقف تساؤلات الجيران حول عمل زوجها... الجيران كانوا كثيرا ما يتساءلون عن عمل زوجها, وكانت ترد بإجابات مبهمة غامضة ... أيضا كانت تريد العمل لزوجها حتى لا يحاول أن يتركها مثلما حاول من قبل.

هي تمسك زوجها بإيصالات الأمانة وتعرف أنه سيطيعها في كل شيء حتى يكون في أمان، وعندما تنهي مسالة زواجها السابق سوف تبدا في معركة أن تتزوج بجرجس...

وعندما تصل أمينة بأفكارها الى هذه النقطة تواجه حقيقة هامة... ديانة جرجس ... تلك الحقيقة التي تمنعه من الاقتران بها ... لن يرضى أبدا أن يتزوجها

كل هذه الأمور كانت مجرد مشاعر بداخلها تفكر في إيجاد حلول لها, ولكنها شعرت بالمشكلة الحقيقية عندما شعرت بشيء يتحرك داخلها ... مشكلة كبيرة في بطنها لم تكن تخطر على بالها... وعندما ذهبت الى الطبيب أكدها ... لقد كانت حامل. من جرجس
***

(20)
وانتهت الأمور عند جرجس، لم يعد مديناً لأحد... واستراح والده من ذلك الدين الذي كان يطارده بديلاً عن والده، وكذلك استراح الابن وشعر أنه سيبدأ حياته من جديد ... أخذ في محفظته أوراق المخالصات التي تثبت أنه غير مدين لحد، وعندما أراد أن يضع كل شيء في محفظته وجد صورته أرجعته لعالم الواقع ... صورة من أيصال الأمانة الذي وقعه قبل أن يأتي الى بلدته ... وتسارعت دقات قلبه ... إذ تذكر أن الدين لم ينته بل انتقل من مدين الى آخر ولا يعرف مواصفات ذلك المدين الجديد.

ومن جديد ودع الابن والده واتجه ناحية المحطة ليرجع لبيته، في هذه المرة اصر ألا يرافقه والده إلى المحطة, ولم يلح الوالد بل تركه يفعل ما بدا له

ولكن والده أوصاه أن يذهب للكنيسة ليقدم شكر للمسيح على ما فعله معه. إذ كان يظن أن ما فعله مبارك من قبل المسيح ... حاول جرجس أن يهرب من هذا الموقف إلا أن والده أصر... وفي الصباح الباكر اتجه جرجس الى الكنيسة حاملاً حقيبته إذ كان ينوي أن يرحل بعد هذا مباشرة... دخل جرجس الكنيسة مستعجلا... ومن جديد وجد عم فانوس جالساً ... وأمامه القربان ... أتجه اليه وقال له

- ها قد تقابلنا من جديد يا عم فانوس ...كيف أحاولك
في تثاقل من هزمته السنين قال عم فانوس
- بخير يا ولدي ... جرجس الذي أكلمه ؟!!
نظر اليه ساخراً وسأله
- هو بعينه يا عم فانوس ... هل اطمأنت نفس ولدك داود بعد أن حصل على نقوده... ؟!!
لم يلحظ فانوس نغمة السحرية المغلفة بالتحدي التي تكلم بها جرجس ولكنه أجاب ببساطة
- بالتأكيد يا ولدي ... بارك الله فيك ويعوضك بالحلال يا ولدي ...
صمت
- بالطبع تريد أن تقابل أبونا يوحنا
قال جرجس
- كنت أريد يا عم فانوس، ولكن أعتقد انه لم يأتي بعد وأنا ملتزم بقطار ولا أسطيع الانتظار ...
قال فانوس
- من قال أنه لم يحضر ... لقد حضر منذ أكثر من ساعة ولديه شباب يعترفون
تعجب جرجس كثيرا... أهناك الى الآن شباب يستيقظون مبكرا لمجرد الاعتراف ؟ ... ما هذا الاعتراف الذي يجعل الشخص يأتي الى الكنيسة في هذا الوقت ... ولم ينجح في إخفاء تعجبه فقال
- في هذا الوقت؟
ابتسم فانوس وقال
- هناك خطايا تجعل الناس لا ينامون لياليهم ... يصرخون طالبين التوبة طوال الليلل وما أن يأتي النهار حتى يسرعون الى الكنيسة يقدمون اعتراف بها وأنهم تائبون عنها ولن يرجعوا اليها من جديد.
أبتسم جرجس وقال ...
- لابد أنها أخطاء قاتلة
- صدقني يا ولدي هناك أناس ضميرهم حساس لدرجة أن كلمة قاسية في حق صديق تكون كافية لإيلامه ... المهم القلب يا ولدي
- أجل يا عم فانوس ...
قالها وبدا يتراجع كي يغادر المكان ... لقد شعر أنه في المكان الخطأ ... فهو لن يستطيع أن يغير حياته ... وامامه مشوار لابد أن يستمر فيه ... ولكن عم فانون بادره قائلا
- يقول الكتاب المقدس الذين يبكرون الي يجدونني يا ولدي ... وأنت ستجد أبونا يوحنا في حجرة المناولة ... أذهب اليه قبل أن يزدحم بالشباب
قال جرجس بتردد
- في وقت آخر يا عم فانوس ... يبدوا أنه منشغل
- أذهب يا ولدي الوقت الذي يضيع لا يعوض ... أذهب ... الله أعلم هل ستراه بعد ذلك أم لا
وأسقط في يد جرجس فاتجه الى غرفة المناولة يبحث عن أبونا ... ليقدم اعترافاً عن خطاياه!!!

***
 

emad_hanna

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
27 ديسمبر 2005
المشاركات
284
مستوى التفاعل
4
النقاط
0
(21)

لم تعرف أمينة ماذا تفعل بالنسبة لتلك المشكلة الجديدة... كانت بين نارين أن تجهض الطفل دون أن يشعر جرجس بذلك أو بين أن تقول له. لقد كانت تخشى كثيرا أن يظن بها السوء وأنها أرادت أن تحبل حتى تورطه معها... لقد كان لحساسية العلاقة بينهما حيث أنه مسيحي وهي امرأة مسلمة تجعلها تفكر ألف مرة في كل خطوة تفعلها حتى لا يظن أنها تفعل ما تفعله لهدف ديني...

ولكنها أيضا أحبت أن يكون لها طفل جديد, وأحست أنه حرام قتل هذا الطفل... لذلك أرادت أن تأخذ صبغة شرعية للحصول على هذا الطفل ، لذلك ذهبت الى أحد مشايخ السيدة نفيسة ... كان يجلس متعبداً ويقرأ القرآن الكريم وهو يهز رأسه وكتفيه بصورة متناسقة ... وعلى ما يبدو كان الشيخ أعمى وعندما تقدمت منه قالت له
- السلام عليكم يا مولانا
- وعليكي السلام ورحمة الله وبركاته ... تفضلي يا بنيتي
جلست أمينة على الارض وهي تلملم ثيابها وتعدل من حجابها ... وصمتت لفترة بدا أنها لم تعرف من أين تبدأ ... وعندما أطالت الصمت بدأ الشيخ يقرأ في القرآن بصوت خفيض ورجع يهز رأسه وكتفيه مرة أخرى فسارعت أمينه تتحدث حتى تخرجه من هذا الوضع الذي من الممكن أن يستمر لساعات
- جئتك يا مولانا بعد أن احترت واحتار دليلي
وبدا للشيخ أنه معتاد على مثل هذه المقدمات فسارع يستحثها
- قولي ما عندك يا بنيتي
- زوجي مسافر منذ ثلاث أعوام
وبسرعة يرد الشيخ الورع
- بمشيئة الله يعود بألف سلامة يا بنيتي ... في حفظه تعالى
- ولكنه كثيرا ما يطوف علي في المنام
- يحدث هذا كثيراً
- ليس مجرد صورة ولكنه يأتي الي بصورة متكاملة وبالذات عندما اشتاق اليه
لم تعجب الكلمات الشيخ القديم الأيام والمحنك في محاورات عديدة فسكنت حركته تماماً وقال
- وبعد؟
وبتردد قالة أمينة
- وأنا حامل منه
وأهتز جسد شيخنا كمن مسه ماس كهربائي واسرع يهز جسمه كله ويقول
- أستغفر الله العظيم ... أستغفر الله العظيم
- لماذا تستغفر وهو زوجي
استمر الشيخ يتكلم دون أن يبالي بما تقوله
- آه من الغربة وما تفعله الغربة ... الرجل يذهب يبحث عن الرزق ويترك زوجته غير محصنة... أسمعي يا بنيتي ... يمكنك أن تقولي أحد أمرين ... الأول أن تكون قصتك مثلما قلتي وهو جائز شرعاً وله حالات ... وايضا يمكن أن تقولي أن الحمل استمر ثلاث سنوات ... وهذا أيضا جائز ... سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هناك شك كبير أن تكون أمه حملته عامين وربما أربع أعوام ... ولكن كل هذا اجتهاد لا قبل لنا به و فيمكنك أن تقولي هذا أيضا ... ولكن ...
- الأمر الثاني لا ينفع يا مولانا
- كنت سأقول ذلك انا أيضا ... ولكن لماذا لا ينفع يا بنيتي
- لأنه تركني وأنا حامل في طفله الأول ... الطفل الذي لم يره بعد وعلاقته به علاقة صور كل فترة أرسل له صورة ليتعرف عليه ... فكيف يكون حملي الثاني منه وعندما غادرني كنت حامل بالأول
- هناك أمر آخر يا بنيتي
- ما هو يا مولانا؟
- هل يقبل زوجك هذا الفكر؟
- ولماذا يرفضه وهو ديني
- العلم ...هناك من يرفض رفضا تاماً أي فكرة تتعارض مع العلم والعلم يقول ~أن الطفل لا يبق في بطن أمه الا تسعة أشهر فقط وان زاد لا يزيد عن السنة ليخرج حياً
- هذا يثير نساؤلات يا مولانا ....
قاطعها الشيخ وقال
- لا تجادلي و لاتسألي ... ولكن اسألي نفسك هل زوجك من النوع الذي ينحي العلم جانبا في مقابل الأحاديث الدينية
فكرت المرأة قليلا... هي لا تعرف زوجها ومدى ارتباطه بالدين... على الرغم أنه أخذها واختارها لأنه متدينة ومحجبة حجاب شرعي إلا أنها لم تكن تراه في الوقت القليل الذي بقي معها يجلس كثيرا في مجالس المتدينين ولم ترى المتدينين يزورون بيتهم ... فقط زملاء العمل ... لذلك لا تعرف رد فعل زوجها ... فقالت
- لا أعرف
- إذا تخلصي من الجنين يا بنيتي قبل ان يأتي والله غفور رحيم
- أليس حرام يا مولانا؟
- الحرام بدأ قبل ذلك، وحرام أن يأتي طفل الى دنيانا مشكوك في نسبه ويدخل معركة الحياة بهذه الفضيحة ... وزوجك غائب الآن تستطيعين أن تنهي المسألة دون ان يكتشف الأمر أحد ... هل أهل زوجك معك
- لا يا مولانا ولكني اريد الاحتفاظ به وزوجي لن يأتي الآن
- فأردت أن تجعلي الدين ستار ... أسمعي يا بنيتي ... حافظي على زوجك ... لقد تغرب من أجل لقمة العيش ... والله كما قلت لك غفور رحيم وعفا الله عما سلف
-
قامت أمينة من مجلسها دون تعليق ... وفي رأسها مخاوف كثيرة ... وقرار لا تستطيع أن تتخذه ... وانتظرت رجلها الجديد الغائب

(22)


بخطوات مترددة اتجه جرجس الى غرفة المناولة ووقف عند المدخل ... كانت الغرفة مغلقة وفي الخارج شابين ينتظران دورهما في الاعتراف ... ثم اتخذ جرجس قراره وبسرعة اتجه الى الغرفة يريد أن يفتح الباب ... ولكن بسرعة قال أحد الشابين
- لا أيها الأخ ... يوجد شخص بالداخل مع ابونا يمارس سر الاعتراف ولا يليق أن تدخل
نظر اليه جرجس بتوتر ظاهر ... ثم قال
- لكني مستعجل كثيرا... هل له وقت أريد أن أدخل بعده
بمنتهى الهدوء قال الشاب
- نحن أيضا منتظران ... عليك أن تنتظر حتى أنتهي أنا وزميلي وبعدها تدخل
- انني مستعجل كثيرا
ابتسم الشاب وقال
- وهل تتخيل اننا أتينا في هذا الوقت من الصباح الباكر لأننا غير مستعجلين؟ .. كل واحد فينا مستعجل ولديه عمل يقوم به لذلك نهض في الصباح الباكر لكي يقدم اعترافه
- لن أنتظر ... أريد الدخول والا الرحيل
قالها كمن يقدم خدمة لله والكنيسة... لا صاحب حاجة ... مما جعل الشاب يأخذ موقفاً منه... ولكن بدلاً من الجدال ابتسم ساخراً وقال
- ادخل ... إذا كنت تظن أن هذا الاعتراف بالذات سيفتح لك أبواب السماء فأدخل ... ولكنك نسيت أمر هام
نظر اليه جرجس بتساؤل وقال
- ما هو؟
- هذا الاعتراف لن يدخلك السماء مهما حاولت ... بل سيزيد نار الوقود في نار جهنم ...
انتفض جرجس في خوف وقال
- لماذا؟
- هل تظني أني لا أعرف ما فعلت؟
من جديد انتفض جرجس وقال
- ماذا فعلت؟ ... أنها تلك الخطايا العادية التي نفعلها جميعا ... ماذا تظن أني فعلت؟
ضحك الشاب وقال
- خطاياك يعرفها الله وحده ... ولكني أثق أنك أتيت تقدم اعترافك فقط
- لم أفهم ؟
ربت الشاب على كتفه وقال ...
- أسمع يا هذا... أنت تمارس الاعتراف ولكن السر الحقيقي اسمه سر التوبة والاعتراف وليس الاعتراف فقط؟
- والمقصود؟
- على ما يبدو انك قد اتيت لكي تتمم مهمة وتنتهي منها... أي ان ما لديك هو اعترف ولكن بدون توبة وذلك لا يعني الا شيء واحد
- ما هو
- دينونة وليس غفران ... اذهب أولا قدم لله توبة وتعال بعد هذا قدم الاعتراف
كرر جرجس الكلمات كمن يريد أن يحفظها
- دينونة وليس غفران ؟!!
- أجل يا عزيزي تذكر هذا وأنت تدخل لأبونا
قالها بينما خرج من كان بالداخل وفتح الباب ... وبسرعة قال الشاب
- تفضل بالدخول سوف أتنازل لك عن دوري
وبدلا من الخطوات المستعجلة بدأ ببطء يتقدم ناحية الباب ... وعندما نظر بالداخل وجد أبونا يوحنا ذلك الرجل الورع الذي كان دائما مصدر راحة له وكان يرى فيه وجه المسيح المحب ... وجده منحنيا يصلي ... ولكن عندما رفع عينيه اليه تغير المنظر ورأه في شكل أول مرة يراه فيها ... تخيله وكأنه رجل جبار وفي يده سوط يريد ان ينال منه ... فخاف وتراجع ... لاحظ ابونا يوحنا خوفه ونظر اليه بعجب ... ثم مده يده وهو يقول
- مرحبا يا جرجس يا ولدي ... تعال
تراجع جرجس عند الباب وقال
- لا ... لا أريد ...
ابتسم أبونا يوحنا في طيبة قلب وتحامل على نفسه وحاول الوقوف وقهو يقول
- لماذا يا ولدي ... أنا لم أرك منذ مدة ... تعال الي
ومد يده يريد أن يسلم عليه بنفس النظرات الحانية التي تعودها منه دائما , ولكن جرجس لم ير تلك النظرات بل انبعثت من داخله نظرة اخرى أخافته كثيراً ومن جديد تخيل أنه شاهد سوطا في يد أبونا بدلا من ذلك الصليب الجميل الذي كان يمسكه ... وفي نفس الوقت شعر بألم كبير ينبعث من يده التي سبق وحرقها لينزع عنها صليبه الذي كان مدقوقا في يده مما جعل تشابك كل هذه الامور يصرخ في خوف وهلع ... ويرجع الى الوراء ويصطدم بالشاب المنتظر دوره فيتأوه
- أوه
وبمنتهى الهدوء قال الشاب
- هل انتهيت هكذا سريعا؟ ... لم تأخذ وقتا
- لا أريد الآن ... لست مستعداً
- تذكر ... توبة أولا ثم اعتراف ... هذا هو أصول السر ... تعال تائبا تنال غفرانا
وبسرعة أطلق جرجس ساقيه للريح مغادرا المكان. بينما أبونا يوحنا ينادي من الداخل وهو يتحرك محاولاً الوصول للباب ...
- يا جرجس يا جرجس
- لقد رجل يا أبونا ... أنه ليس مستعد بعد
نظر اليه ابونا وقال
- هل أنت الذي قلت له هذا ؟
- أجل يا ابونا ... قلته له أن عليه أن يتوب ثم يأتي معترفا بخطاياه
- لماذا يا ولدي ... أنا أيضا لي دور ...
نظر اليه الشاب في تساؤل فأكمل أبونا
- دوري أن أتلقى الاعترافات ... نعم, ولكني لي دور آخر أن أرشد وأوضح وابين كلمة الله، ومن ليس على قلبه التوبة أرشده الى طريق التوبة ... ومن أفشل معه أعرف مشكلته واصلي لأجله
أحمر وجه الشاب في خجل ... وقال أبونا له
- الله أعلم أن كانت هذه آخر فرصة أم توجد له فرص أخري ... لا تمنع انسان أتي به المسيح الى هذه المكان حتى ولو كان قد أتى رغم أنفه ... هل تفهمني يا ولدي
قال الشاب بخجل
- أفهمك يا أبونا ... لقد استفزني لأنه أراد أن يأخذ مكاني ... اخطأت ... سامحني
- يسامحك القدير يا ولدي ... كلنا نخطيء بقصد وبدون قصد... المسيح علمنا أن نكون مقدمين بعضنا بعضا... أليس كذلك؟ لو كان في داخلك محبة المسيح لقدمته دون غضب ...
أخفض الشاب وجهه في خجل فابتسم أبونا وقال له
- تعال معي يا ولدي نرفعه في صلاة أنا متأكد أنه يحتاج اليها
وأمسك أبونا بيد الشاب بشدة مستنداً عليه ورجع الى غرفة المناولة من جديد. بينما وقف الشاب الآخر ينتظر دوره
 

emad_hanna

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
27 ديسمبر 2005
المشاركات
284
مستوى التفاعل
4
النقاط
0
القسم الثاني
الأوضاع تتغير


{23}
- يا سيد ... المدير يطلبك
كان السيد وجهه نحو الحائط وبيديه أدواته الطبيعية ... أدوات عامل المحاره، يمسح الحائط الذي أمامه ويساويه بالاسمنت ... فنظر الى الساعي ومسح جبينه المملوء بالعرق دليل على بقاءه على هذا الحال ساعات طوال... وبالطبع هذاالمسح اضاف الىوجهه طبقة من الاسمنت لم يأبه بها ... ثمقال للساعي
- ماذا يريد؟
- لا أدري ... ولكن وجه مريح وغير غاضب
ترك السيد ما بيده ومسح وجهه من جديد ثم قال
- أين هو ... هل هو بالخارج
- لا ... لقد كان بالخارج ولكنه ركب سيارته واتجه الى الشركة وأمر أن تذهب الى هناك
- الآن ؟
- أجل
قال السيد (ابوحمادة) في اعتراض
- هذا سيعطل العمل كثيرا... فأنا سأركب المواصلات وهذا يعني أن يومي هكذا انتهى
ولكن الساعي نظر اليه في إصرار وأكد الطلب:
- بالتأكيد هو قال هذا الكلام ...
نظر اليه السيد في تساؤل
- ماذا قال
ابتسم الرجل في خبث وقال
- قال دع السيد احمد يترك العمل ويغتسل جيدا ويغير من ملابسه ويأتي الي فورا الى الشركة
- هذا فأل سيء
- لماذا ... ؟
- يندر أن الحاج عمر يسمح لأحد أن يترك عمله داخل الدوام ... هل قرر طردي ؟
- لا أعتقد ... فقط أذهب له فتعرف كل شيء
- تنحنح السيد احمد في تذمر واتجه ليغسل

***

(24)

مشاعر شتى كانت تجتاح جرجس بعد أن لبس من جديد ثوب ابوحمادة ليرجع ويستقبل زوجته... وما أن التقيا حتى اطمأنت أنه سدد كل ما عليه من ديون ... وبدأت أم حمادة تلمح الى ايصال الامانة حتى يتذكر ما عليه من نقود... ولكن ابوحمادة كان قد تغير ... لقد اكسبه سداد الديون قوة كبيرة ... فرجع الى سلوكياته السابقة... سلوكيات التاجر المحنك... و لم يكن من النوع الذي يستسلم للتهديد المبطن, فهو ابن سوق منذ نعومة اظافره, و على الرغم من أنه وقع في يوم من الايام ولكن هذا الوقوع زاده صلابة وشدة ... فقال لها
- أسمعي يا أمينة ... هذا الايصال مجرد اثبات حق ... ولكن لا تذكريه أمامي وإلا سوف تندمين...
نظرت اليه امينة ورأت تغير في اللهجة بعد صار غير خائف من أي شيء بعد أن سدد ما عليه فقالت
- كيف يمكن ان أندم يا جرجس؟
نظر اليها جرجس شظرا ... ولوح بأصابعه لها مما ينذر أن شهور العسل التي قضوها معاً في الأيام السابقة قد انتهت ... وقال لها
- أقصد أنه ليس جيداً أن نعيش ونحن نبيت نية سيئة لبعضنا البعض ... أنا لن أخضع لتهديد ...ولا يجب أن أذكرك بشيء هام
- ما هو؟
- أنت بيتك من زجاجي مثل بيتي بالضبط..
- كيف ؟
- أنا مدين لك بإيصال أمانة كبير ... وربما لن أستطيع أن أسده لك في الوقت الحالي ... وأنت لك زوجان بمعنى أنه ممكن القبض عليك بتهمة تعدد الازواج ...
ثم ابتسم ساخراً وأكمل
- ويا سلام لو عرف أن أحد هؤلاء الازواج مسيجي ... هل تفهمين معنى ماأقول ؟
نظرت اليه امينة وهي لا تصدق ما تسمع وقالت أخيرأ في خضوع
- أفهم
- إذن ... سنعيش سويا بالأمانة ... دون تهديد فأنا لا أحبه
قالت امينة
- ولكن كما اتفقنا عليك أن تجد عمل ... حتى تسدد نقود الايصال
نظر جرجس اليها ولوح لها يده مهددا
- مرة أخرى تتكلمين عن الايصال؟
قالت امينة محاولة أن تشرح له وجهة نظرها
- أسمعني يا جرجس ... أنا لا أهدد الآن ولكني أناقش ... السيد أحمد زوجي لن ياتي هذا العام ولكنه قد يأتي العام القادم ولابد أن يرى الأرض,
- وما في ذلك أطلبي منه نقود أخرى
- وما الحجة
ابتسم جرجس وقال
- قولي له أني سابني الأرض... واطلبي مرة نقود لشراء الحديد ومرة لشراتء الاسمنته ... و مصاريف الترخيص , وأجور المقاولين ... ستجدين الف حجة لتحصلين على المال ... وبعدها اشتري قطعة أرض وابداي في بناءها وتغطية النقود التي سحبناها في الاول ... أنا مستعد أن أفعل هذا وأشرف لك علىالبناء
سكتت ام حمادة ... ودخل جرجس الى الغرفة ليستريح ... لتدخل وراءه وتقول
- هناك خبر آخر
نظر جرجس اليها مستفسرا وقال
- خيراً
نظرت اليه بتردد ثم قالت
- أنا حامل
نظر اليها جرجس برهة يستوعب ما تقول ... ثم سأل
- ماذا تقولين؟
- أنت سمعت
- حامل؟
- أجل
- مني؟
- ماذا تقول يا رجل ... هل تهينني؟ ...لقد كنت أمينة معك طوال فترة عشرتنا...
ابتسم جرجس في سخرية ...وراح يردد
- أجل أمينة ... فأنت اسم على مسمى ... اسمعي ... هذا الولد لابد أن ينزل ... لا مكان له معنا
- كيف ... لقد كنت أتوقع أن تطلب مني أن أطلب الطلاق من زوجي لأعيش معك
- اسمعي... هذا الجنين لا بد ان ينزل ... أنا لست مستعد أن أتعرض لمشكلة قانونية أو طائفية . .. ولا مشكلة مع أهل زوجك ... هذا الجنين لابد أن ينزل ... ثم كيف ستطلبين من زوجك نقود بعد الطلاق ... لابد أنك جننت ...
- أيهمك النقود ولا يهمك الابن الذي سيأتي يحمل اسمك؟
وارتفعت حدة الصوت لكلا الطرفين
- أي اسم سيحمله ايتها الساقطة
- لا تهينني
- هذا الجنين لابد أن يموت ... هل تفهمين ؟
- كيف ؟
- هكذا
ونهض جرجس بسرعة دون أن تعرف ما الذي ينوي فعله ويبدأ في ضربها ضربا مبرحا على بطنها ... وهي كانت ضئيلة الجسم ... ولم يتركها الا وهي في غيبة عن الوعي ...
وسرعان ما سمع في الشارع دوي سيارة الاسعاف
***
 

emad_hanna

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
27 ديسمبر 2005
المشاركات
284
مستوى التفاعل
4
النقاط
0
(25)


وقف السيد احمد أمام باب الحاج عمر مدير المؤسسة يصلح من هندامه, وبتردد شديد يطرق الباب فيعلو صوت الحاج عمر
- ادخل
يمسك السيد احمد المقبض بتردد ولكن دون ان يمهله الحاج عمر صرخ
- قلت لك ادخل يا سيد ... لماذا تتلكأ
وبسرعة يدخل السيد احمد مندفعا من الباب ويقول
- صباح الخير يا حاج
- صباح الخير يا ابو حمادة كيف حالك ... اجلس
جلس السيد احمد بارتباك واضح وبادره الحاج عمر بسؤال سريع
- سمعت انك تدرس كمبيوتر يا ابو حمادة
ارتجف السيد احمد وهو يقول
- عذرا يا سيدي ... هذا الأمر خارج الدوام وبعيداً عن أي عمل لي هنا في المؤسسة
- ما عملك هنا يا ابوحمادة
- عامل محارة \
- وما علاقة عامل المحارة بالكمبيوتر ... هل تنوي أن تتركنا يا ابوحمادة
أخذ ابوحمادة يتصبب عرقا وهو يتكلم كتلميذ اكتشفه الناظر وهو يقترف ذنباَ
- وهل استطيع ان استغنى عنكم يا سيدي ؟ ... أنا فقط احاول ان اتعلم الكمبيوتر حتى ادخل الانترنت واحصل على معلومات واستطيع ان اكلم زوجتي بدون اللجوء الى التليفون
ضحك المدير ساخرا وقال
- وهل زوجتك تعرف كمبيوتر؟
- كلا يا سيدي
لمعت عينا المدير في خبث وبدا انه مستمتع بمنظر الرجل المضطرب فقال له
- سيد أحمد ... أنت تكذب
- كلا يا سيدي ... وأيمانات المسلمين أنا لا اكذب ولا افكر مطلقاً أن أترك المكان
- لماذا لم تكلمني بهذا الشأن ... فربما دفعنا نحن تكاليف هذاالتدريب وحصلت انت على ترقية
- لم أكن أعلم ان هذا المجال موجود
نظر الحاج عمر الى يد السيد احمد الغليظة والخشنة بسبب تعامله الدائم مع الاسمنت ثم قال:
- أليس من الغريب أن تترك هذه الأيدي الخشنة الأسمنت والظلط وتمسك الكمبيوتر
- يا سيدي ... الكمبيوتر اصبح سمة العصر ولابد ان نتطور معه ... على أي حال انا اعتذر يا سيدي
- لا تعتذر ... لقد اخفيت علينا هذا الأمر وأخذت عقابك... لقد صرفت أنت على الكورسات ولم ندفع نحن شيئاً ... وها نحن سوف نستغل هذا التدريب لمصلحتنا دون أن ندفع شيئا
نظر اليه ابو حمادة في تساؤل وقال
- ماذا تقصد يا سيدي
ابتسم الحاج وقال
- لقد اسندت لك مهمة جديدة
- هل سأترك عملي بالمحارة
- ليس الآن على الأقل ... ولكن يوم واحد في الأسبوع ستأخذ أجازةمن عمل المحارة وتأتي الى هنا لأن لدي مهمة لك ... تناسب امكانياتك الجديدة
- ما هي ؟
- لقد دخلنا في مشروع كبير جدا في مصر ... سوف نبني مستشفي استثماري لمرضى السرطان
- هل سأنزل الى مصر يا سيدي ؟
- لا تستعجل ... ليس الآن ... لا تقاطعني حتى أكمل كلامي
- اعتذر يا سيدي تفضل
اكمل الحاج كلامه وقد نجح ان يشد انتباه السيد احمد
- هذا المستشفي متخصص في الاورام ويهتم أكثر بالأطفال ... وعلى الرغم انه مستشفى خاص ولكنه خيري ... لذلك نحن نجمع نقود من كل مكان كتبرع لهذا المشروع الضخم... بعض الناس تدفع بعملات مختلفة ونسلمها ايصالات بالمبلغ ... ونستلم نحن هذه الدفاتر بصورة من الايصال ... وهنايأتي دورك
- كيف؟
- مرة في الاسبوع ستأتي الى الادارة هنا وتستلم جهاز كمبيوتر تدخل كل الحسابات التي في الايصالات وبعد تحويها كلها لعملة واحدة هي الدولار... ترسل المبلغ للحساب الجاري للمشروع عن طريق الانترنت ... هل تفهمني
- اعتقد , وان كنت لا أعرف كيف ... ربما اذا اعطيتني نموذج استطيع أن أعمله
- ستتعرف على مدام عفاف وهي التي تجلس على الكمبيوتر بقية الاسبوع ... ستفهمك الخطوات الرئيسية ... وتفهمك كل الامور ... هذا في اول مرة ثم بعد ذلك تتابعك من بعيد وتتمم انت هذه المهمة
- تحت امرك يا سيدي
- سيكون لك شأن عظيم في هذه المؤسسة يا سيد ... أنت شخص طموح, وأنا أحب هذا ... وأشجع هذا
- شكرا لك يا سيدي ... ولكن هل لي ان أطلب شيئا ؟
نظر الحاج اليه بتساؤل
- ماذا؟ ... هل تريد زيادة في المرتب
- خيرك يكفيني يا حاج .... انا فقط أحب أن أنزل الى مصر عند بدء العمل فهي فرصة ان ارى زوجتي وابني وفي نفس الوقت أعمل ...
- وتوفر مصاريف الطائرة ... أليس كذلك؟ ... لن أعدك بهذا ... فأعمال المقاولات تأخذها شركات مصرية من الباطن وهذا يكون أقل تكلفة... فليس من مصلحتي أن أدفع لك بالدينار وهناك زميل لك يأخذ بالجنية المصر وأقل منك بكثير ... على أي حال اذا أعجبني عملك ستنزل مصر للاشراف شهر أو شهرين وعلى حسابنا ... ولكن ليس الان ... أمامنا وقت طويل حتى نصل الى مرحلة البناء
- شكرا لك يا سيدي
- الآن أرجع الى موقعك ... وكل خميس تأتي الى مدام عفاف لتبدأ عملك ...
- حاضر

وخرج ابو حمادة مبتسم الوجه ليجد امامه ساعي الشركة وهو يحمل بيده خطاب ويقول
- خطاب لك يا ابو حمادة ... وفرت على الذهاب الى الموقع
نظر ابو حمادة الى الخطاب وعرف انه من زوجته لتعلوا الابتسامة وجهه ... ويقول للساعة بكل فرحة
- شكرا لك يا عم جعفر ... سأعطيك الحلاوة اليوم

***

(26)


عندما دوي في الشارع صوت سيارة الاسعاف تطلعت العيون من الشرفات، وبالتأكيد وجد أبو حمادة بيته ممتلئا بمن يعرفه ومن لا يعرفه من الجيران ... وسرعان ما تغير المشهد لنجد عم حسين جار ابوحمادة واقف بجواره في المستشفى... بينما كانت امينة في غرفة العمليات ...
و عم حسين رجل في الخمسين من عمره وهو رجل مصلي يريد أن يرضي الله بأي طريقة كان يذهب الى الجامع ليصلي كل وقت بوقته بدءاً من الفجر وحتى العشا ... وكان دائما يحث ابوحمادة "جرجس" على أن يفعل مثله ولكن ابوحمادة كان يتهرب... ولكنه كان نعم الجار, يعرف حق الجيرة جيداً، لذلك لم يستطع أبو حماده أن يمنعه من أن يقف بجواره لأنه سارع لنجدته ووقف بجواره طوال الوقت، ليس هو فقط ولكن كانت ومعه زوجته وزوجة ابنه...
ولكن كانت المشكلة التي يعاني منها ابو حمادة أنه كان مضطرا ان يستمع الى لوم وتقريع الشديد طوال فترة وجود امينة في غرفة العمليات ... وكان ابو حمادة صامتا لا يتكلم كثيرا وينظر الى الرجل الشيخ في صمت بينما كان ذلك الجار يتكلم دون ان ينظر اليه قائلا:
- يا ابو حمادة ... أنت رجل مستنير وحصلت من العلم الكفاية لتعلم أنه حرام عليك أن تضرب زوجتك ... هل يمكن لأحد أن يفعل هذا الأمر ... أين الدين وأين القرآن الذي تقرأه، وأين السنة , الا تجعل من رسول الله هدى لك؟
نظر "جرجس" ابو حمادة اليه , ومع كثرة اللوم لم يستطع أن يصمت فقال:
- يا عم حسين هل اقترفت جرما أني اؤدب امرأتي الم يعلمنا الرسول ان نؤدب عند الخطأ؟
- وماذا فعلت لأجل كل هذا ...
ولكن ابو حمادة لم يرد ولكنه استند على حائط المستشفى وأبعد نظره عن جاره وتجاهل سؤاله ... فاستأنف عم حسين يقول
- ثم هل التأديب يكون بالضرب يا ابو حمادة ؟ ... وهي حامل, وضعيفة لا تحتمل هذا العنف !!
وبعصبية شديدة رد عليه ابو حمادة
- لي سؤال يا عم حسين ... هل أنا خرجت عن حدود الله وأنا أفعل هذا ؟
رد عم حسين بسرعة
- حاشا لله يا ولدي ... لا يا ولدي ... قال الله تعالى في سورة واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن، واهجروهن في المضاجع، واضربوهن. فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً" (النساء 4: 33)
رد ابوحمادة بلهجة المنتصر
- إذا فأنا لم أفعل الا ما أمر به الله ... وهي أخطأت في حقي وكان لابد من أن تضرب ... هكذا أمرنا الله عز وجل
سكت عم حسين قليلا ثم قال بلهجة أقل حدة
- ولكنك يا ولدي ربما تفقد ابنك بسب هذا العمل الأخرق,
- لن يحصل الانسان الا على نصيبه يا عم حسين ...

وخرج الطبيب ليعلن أن أمينة فقدت جنينها وعندها هدأت نفس ابو حمادة بعد أن سمع الخبر بينما أسرع عم حسين يتكلم عن القضاء والقدر ليعزيه على فقده مولوده الثاني ...

وفي داخل الغرفة كانت امينة تبكي... ومن حولها زوجة عم حسين وزوجة ابنها الشابة من حولها يحاولن أن يهدأن من روها ... ولكنها كانت تبكي بشدة ... لم تعرف لماذا؟ هل لفقدها ذلك المولود الحرام... أم لذلك الشرخ الذي بدأ يتفاقم في علاقتها مع ابو حمادة ... مع وجود خوف شديد من ذلك الرجل الذي كاد أن يقتلها في سبيل أن ينقذ نفسه.
 

emad_hanna

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
27 ديسمبر 2005
المشاركات
284
مستوى التفاعل
4
النقاط
0
(27)

دخل جرجس غرفة نومه وهو هانيء البال وتمدد على سريره براحة بعد أن شعر ان مشكلة الجنين قد انتهت... وأن ذلك الطفل الذي كان يريد أن يقتحم حياته فجأة قد ذهب الى غير رجعة ... كان متعباً فدخل في سبات عميق ... لم يعرف كم من الوقت بقي نائماً ... ولكنه فجأة شعر بيد تحاول أن توقظه مع صوت ضعيف واهن يقول له
- استيقظ يا جرجس
رفع جرجس نظره الى أعلى يحاول أن يرى ذلك الشخص الذي يحاول أن يفيقه من نومه وهو يقول
- من؟
كان شخص بلباس أسود ولحية بيضاء كثيفة ...
- أنا ذلك الشخص الذي كنت دائما تدعي أنك تحبه
أغلق جرجس عينيه وفتحها محاولا أن يرى ذلك الشيخ جيداً ... كان رجل كبير في السن ... في البداية ظن أنه والده, ولكنه لم يكن كذاك ... ومع ذلك لم تكن هيئته غريبة عليه فسأله
- من أنت يا سيدي ؟ ...
- هل نسيتني يا جرجس ... ؟ أنا من تعهدت أن أول ابن لك ستسميه بأسمي
- أبونا يوحنا؟
نهض جرجس بسرعة يحاول أن يعدل من نفسه ولكن بسرعة وجد صليب القمص يوحنا يمتد نحو رأسه ويرجعه الى السرير بينما القمص الورع يقول له
- نسيتني يا جرجس ... لم تزرني منذ فترة طويلة
- بالعكس يا أبتي ... لقد جئت اليك عندما كنت في البلدة
قال القمص يوحنا بعتاب
- صحيح أنك جئت الي ... ولكنك هربت من جديد
نكس جرجس رأسه في خجل وقال
- أعتذر يا أبونا ... لقد خفت منك
- ومنذ متى وأنت تخاف مني؟ ... ألم أكن أنا ذلك الشخص الذي تفتح قلبك امامه وتحدثه بكل مخاوفك وكل خطاياك دون خوف؟!! ... ألم أكن أنا ذلك الشخص الذي تجد في سماعه لك الراحة والطمأنينة؟!! ما الذي حدث ؟
- لم أكن مستعدا للاعتراف في ذلك الوقت
- والآن ... ها أنا قد جئت اليك بنفسي ...
سكت جرجس ولم يرد ... ويبدوا أن القمص لم يكن يتوقع رد من جرجس فسأل
- أين ابنك يا جرجس ...
- هل عرفت يا أبتي ؟ ... كيف؟
- عرفت يا ولدي ... عرفت الكثير والكثير... عرفت لماذا لم ترضى أن تعترف لي
- ذنبي أكبر من يغفر يا أبتي
نظر اليه القمص في عتاب وقال :
- وكأنك تقول أن رحمة الله أقل من أن تحتمل وتحتوي أخطاءك وخطاياك ...
- حاشا يا أبي ... ولكن لقد كنت فيما مضى أفضل
- يا ولدي ... أنت كنت تأتي الي تحاول أن تعالج قشور , ولكن المرض لا يزال في الداخل ... في داخلك... وكنت أنا أصبر عليك حتى تكتشف الطريق بنفسك
- في الداخل ؟!!
- أجل ... داخلك أنت؟ ... لابد أن تعالج أصل المرض وبعدها يكون بقية العلاج سهلا
- كيف؟
- يقول معلمنا داود سلم للرب طريقك واتكل عليه
- طريقه أصبح شائك ... ما أبعدني عن طريق الله
- يا ولدي ... بدون ايمان لا يمكن ارضاؤه ... ابدأ بالخطوة الاولى وسلم للرب طريقك كما قال معلمنا داود النبي وبعدها كل شيء يمكن اصلاحه
- لا أستطيع الآن يا أبونا
نظر ابونا اليه في عتاب ... ثم عاد يسأل نفس السؤال الأول
- أين أبنك يا جرجس ...ولماذا لم تسميه باسمي مثلما وعدت
- يا أبتي ... أحداث كثيرة حدثت خارج ارادتي ... لم أستطع ... أنا لست في أفضل حياتي
- يا جرجس يا بني ... ومنذ متى كنت في أفضل حالاتك ... هل تتعامل مع الله الآن بميزان الحسنات والسيئات؟!!
- بالتأكيد سيئاتي أكثر
- هل لازلت تحفظ الوصايا العشر
أخفض جرجس عينيه في خجل وقال
- اجل
- كم وصية كسرت ؟
أخذ جرجس يبكي ... وأخذ يفكر ... انه لم يعد يحب الرب كما ينبغي ...بل هو ينكره ... لم يعد يعامل والديه كما ينبغي ... انه يذني ... أنه يشتهي ... أنه قتل , أنه أخذ ما لغيره .... صرخ جرجس
- كلهم يا ابتي ...
ومع ذلك حتى ول أخطأت في واحدة فقط فقد اخطأت في الكل ... لأن الله ليس لديه ميزان, ولكنه أما يراك مذنب أو يراك بريء
- أرجع يا جرجس ... أخضع الآن لله ... سلم للرب طريقك ... هو لازال يحبك ... لايزال يريدك ... لا تترك نفسك تضيع يا ولدي ...

***


طرقات باب تدوي على الغرفة يبتسم أبونا يوحنا ويقول لجرجس ...
- أرجع يا جرجس ... ربما أنك لن تستطيع أن تراني مرة أخرى ... ولكن قبل أن أرحل أردت أن اقول لك هذا الأمر ... تب الى الله وسلم طريقك له ... الله يريد أن يسترجعك . لا أعلم ان كانت هناك فرصة أخرى أم لا
الخبطات تزداد ويرفع جرجس رأسه ولم يجد أبونا ولكنه وجد نفسه في غرفته وفوق رأسه عم حسين ... ينهض بتكاسل وهو لا يعلم ان كان ما رآه حلم أم رؤيا ... ويقول لعم حسين
- ايوة يا عم حسين هل كنت تناديني ؟
- أجل يا بني ... أنا عارف أنك حزين على ابنك المفقود ولكن قدر الله وما شاء فعل
- ونعم بالله
قالها بتلقائية وهو يفكر في ذلك الضيف الغير متوقع الذي كان يزوره بينما قال عم حسين كلمات افاقته تماماً
- أنني أرى يا ولدي أنك بعيد عن الله جدا يا أبوحمادة ... لازم تروح الجامع وتصلي جماعة حتى يرضى عنك الله ويغفر لك ذنوبك
نظر اليه جرجس وقال باستنكار
- أذهب الى الجامع؟

***
(28)

كانت عفاف أمرأة مصرية منقبة شديدة التنقيم ... تلبس لباسا أسود فضفاضاً ... وتظهر على وجهها نظارة سوداء أيضا بإطار أسود ... وجلس ابوحمادة بجانبها على بعد كبير لكي يتعلم موضوع الكمبيوتر وكيفية إدخال البيانات المطلوبة ... كانت عفاف امرأة متدينة جداً ... ولكن ذلك لم يمنع أن تنبعث منها رائحة عرق سيئة تنفر الجالس من الاقتراب اليها ... لذلك كانت تتكلم وتشرح ولكنه كان بعيدا جداحتى يضمن أنها لن تغضب ... وأيضا حتى لا تنال منه تلك الرائحة ... ومع الوقت أصبح هو في وادي وهي في وادي آخر ... حتى فاجأته بهذه العبارة تنهي بها حديثها

- .... وهكذا يا سيد تكون قد أدخلت كل البيانات بالكامل... في المرة القادمة سوف أعلمك كيف تتصل بالبنك وتحول الرصيد المختلف العملات الىرصيد واحد بالدولا الأمريكي ... ثم أعلمك كيف تنقله الى رصيد المستشفي في مصر ... ولكن سأتوقف عند هذا الأمر حتى لا تدخل المعلومات في بعضها البعض

وأخيراً نظرت السيدةالى سيد وهي تظن أنها قد أتمت الدرس بالكامل... ولكنها وجدته ينظر اليها بغباء شديد دون أن يفهم شيئا ... وهنا صرخت عفاف فيه
- سيد أحمد
انتفض أحمد وقال بسرعة
- نعم
- هل فهمت ما أقول؟
- كلا
تنحنحت في غيظ وقالت
- لماذا تركتني أشرح كل هذا دون أن تقول لي أنك لم تفهم؟
بنفس نظرة الغباء قال السيد
- لم تسأليني ... ثم أنك أساسا لم تكوني تنظري الي ... بدا لي أنك توجيهين الكلام الى نفسك
- طبيعي أن أتكلم ونظري الى الكمبيوتر
- لم أعرف أن كنت تسمعيني ام لا
صرخت مدام عفاف فيه
- وهل أنا صماء... سنبدأ من البداية ... تابعني
بتردد كتلميز خائف أخذ يقترح
- هل من الممكن أن أطلب شيئا؟
وبدورها ترد كمعلمة فقدت صبرها
- اتفضل
- كل خطوة تعملينها أقوم بدوري أيضا بعملها حتى أفهم ...
- كما تشاء ... هل نبدأ؟
- إذا سمحت
ومن جديد بدأ الدرس الذي يعلن عن بدء مستقبل جديد للسيد أحمد ... مستقبل مشرق ... وعلى الرغم من مشاعر الاحباط في البداية من أسلوب مدام عفاف في تعليمه ألا أنه كان يستقبل الأمر بنفس راضية وهو يمسك بيده خطاب زوجته الحبيبة أمينة وهي تقول له أنها أشترت قطعة رائعة ... ولديها خطة كبيرة بشأن تلك القطعة ... خطة ما أن تحدث حتى يجتمعان معاً من جديد مع ابنيهما حمادة ... ذلك الأمر الذي أعطاه حافز رائع للتقدم للأمام ... حافز جعله لا يهتم بتلك الرائحة المنبعثة بجانبه ولا يفكر إلا بالتعليم حتى يأتي الوقت الذي ينتهي عمله كعامل محارة بالكامل ولا يتبقى الا لقبه الجديد كمتخصص في الكمبيوتر ...
***
 

emad_hanna

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
27 ديسمبر 2005
المشاركات
284
مستوى التفاعل
4
النقاط
0
(29)

وبدأ جرجس يتلقى دروس من جديد في الصلاة... كانت دروس من نوع آخر لم يسبق ممارسته... كان عليه أولا أن يتعلم كيفية الوضوء ليكون طاهر ومستحق أن يصلي... كان يبتسم داخله إذ أن معلمته هي أمينة التي تشاركه حياته النجسة .. ولكنها كانت تعلمه كيف يكون طاهرا ومستحقا أن يقف أما الله عز وجل... ثم بدأت تعلمه كيف يصلي!!!! ... علمته متي يركع ومتي يقف ومتى يسجد حتى الرأس... ومتي يكتفي بالإنحناءة... ثم بدأت تعلمه ماذا يتلو في الصلاة ... وأي شيء يقول من الدعاء... تجربة غريبة من شخص غريب ...
كان جرجس مشاعره غريبة وهو يتعلم هذه الأشياء ... كان كلما يبدأ في الدرس كان يتذكر أبونا يوحنا مرشده الروحي وأب اعترافه... وهو يعظ في كنيسته الصغيرة ... كثيرا ما كان يتكلم عن السجود بالروح... ونقاء القلب وطهارة اليدين... أسترجع ما قد نسيه من تعاليم وهو يتعلم من سيدة لم يعد يحترمها أو حتى يحترم نفسه... كان يخجل من نفسه ومن عم حسين جاره... إذ كان يراه صادق النية تجاه ربه يحاول أن يرضيه بحسب ما يعرف أما هو فلم يكن الأمر بالنسة له الا مجرد تمثيلية يؤديها حتى لا ينكشف ...

وأخيرا جاء الوقت ... أنه يوم الجمعة ... وبدأ جرجس يستعد لأول مرة سوف يصلي جماعة في الجامع... كان متوتر جدا وهو ينظر الى حمادة ... ذلك الطفل الصغير الذي يظن أنه والده... كان حمادة يلبس جلباباً ابيض ويضع على رأسه طاقية بيضاء مطرزة جميلة أشترتها له أمه من رجل مبروك يجلس بجوار ضريح السيدة زينب، أما جرجس فقد لبس رداء أبو حمادة ... اللباس الأبيض وشبشب كان يستخدمه أبو حمادة ي الصلاة ... وأمسك بسجادة الصلاة التي كان يستخدمها أبو حمادة نفسه ... وفي الخارج التقى ابو حمادة وحمادة مع عم حسين وهو يلبس نفس اللباس ولكنه كان منشغلا عنهما في تلاوة بعض الأدعية ويتمتم بكلمات غير مفهومة ... وفي هدوء اتجه الثلاثة الى الجامع ... يحضران خطبة الجمعة ثم بعد ذلك الصلاة ...

كان جرجس مقبوض القلب وهو يتجه الى مكان الوضوء خلف الجامع وهو يتمتم بتلك الأدعية طالباً الطهارة... لم يكن يعرف من أي اله يطلب؟ وهل من يعبده يسمع بالفعل؟ ... هل دخل معه الجامع؟ ... لقد كان فزعاً من هذه الفكرة... هل يراه الآن وهو يحاول أن يغسل يديه ورجليه طلبا للطهارة... أغمض عينيه فتذكر مشهد بيلاطس البنطي وهو يغسل يديه ويقول بريء من دم هذا البار... فتح عينيه بسرعة خائفا من أن يكمل المشهد... وبسرعة أكمل وضوءه ووقف ينتظر عم حسين وحمادة ... وجد كل المصلين يتلون أدعية في انتظار الخطبة أو في انتظار بعضهم البعض ... أراد أن يتلو شيئا مما علمته زوجته ... وجد نفسه يقول "أختبرني يا ألله وأعرف قلبي ... أمتحني واعرف أفكاري وأنظر ... أن كان في طريق باطل " وصمت ... ثم أعاد الكلمة "طريق باطل" ... لم يتمالك نفسه ودمعة تائهة صارت على خده لم يعرف من أين جاءت... أخرج نفسه مما يفكر لينظر الى عم حسين وحمادة وهما يغسلان بإتقان أيديهما ... وعندما انتهيا اتجها الى خارج الجامع يفترشان السجادة ... قال جرجس
- لماذا لا ندخل الجامع ... أنه غير ممتليء
ابتسم عم حسين وقال
- يا راجل ... هنا أفضل
- لماذا؟
- الهواء هنا أفضل ... بدلا من النفس المكتوم بالداخل
نظر جرجس ليجد مراوح جميلة وسقف عال داخل الجامع... وجو شديد الحرارة في الخارج وشمس قاتله فرجع وقال
- با عم حسين ... ساعة هنا كفيلة بأن تقتلنا
وابتسم عم حسين بوجهه البشوش وقال بهدوء لأبو حمادة
- يا ولدي ... لابد أن يرى الناس أن الجامع ممتليء بالمصلين لدرجة أن الناس افترشت في الخارج ... وهذا يكون رسالة للناس... ثم أننا سوف نسمع بالخارج أفضل من الداخل فهنا الميكروفونات موجهة بصورة أفضل ...
اسقط الأمر في يد جرجس ... وجلس بجوار عم حسين ... وبدأت الخطبة ... وبعد أن صلى الخطيب وأثني على سيده ورسوله وحبيبه محمد بدأ يعد نفسه لخطبة الجمعة فبدأها بتلك الآية القرآنية الشهيرة " كفر الذين قالوا أن الله ثالث ثلاثة ... وفي داخله قال جرجس
- ياللهول.
لقد عرف أن سيقضي أصعب ساعة في حياته.
***
أنتظر ... يوجد تكملة
 

amany tadros

New member
إنضم
10 أكتوبر 2006
المشاركات
5
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
رد: ابو حمادة - رواية اجتماعية مسلسلة

باقى القصة من فضلك
 
أعلى