إبراهيم عيسى يكتب: كنت أولهم!

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,327
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus




إبراهيم عيسى يكتب: كنت أولهم!

dostor.jpg
Thu, 10/20/2011 - 10



:59
11_14_0.jpg



أنا الشاهد الأول فى قضية قتل الثوار والمتظاهرين، نعم وجدت نفسى رقم واحد رغم أن شهادتى لم تكن الأهم ولا الأقوى ولم يتم كما هو واضح استدعائى للشهادة فى محاكمة مبارك والعادلى، لكننى كنت أول من جلس وشهد وتكلم عن قتل المتظاهرين فى مكتب النائب العام.
اتصل بى المستشار هشام الدرندلى وقد تابع ما قلت فى برنامج تليفزيونى عقب أيام من تخلِّى مبارك عن الحكم ودعانى إلى فنجان قهوة فى مكتبه، فى اليوم التالى وكان آخر أيام شهر فبراير كنت فى مكتبه أستمع إليه وهو يحكى عن أخطر قضية فى تاريخ مصر بلا شاهد واحد ولا دليل واحد!
نعم كانت مصر كلها تتحدث عن دماء الشهداء التى سالت من أجل الحرية بينما مكتب النائب العام يسعى لبناء قضية يذهب بها إلى المحكمة فى الوقت الذى ليست فيه شرطة ولا داخلية ولا تحريات ولا ملفات ولا أدلة ولا بلاغات حتى لشهداء وقتلى.
كان التحدى هائلا وصعبا، فهذه القضية تحتاج إلى جهود خارقة فى ظل أن أحدا من الداخلية لا يساعد ولا يشارك فى التحقيق والتحريات وجلب المتهمين أو الشهود، بل غياب كامل ومطلق ومتعمد من الشرطة ثم تواطؤ وصمت وسكوت لمنع النيابة من إقامة دعوى تكشف وتفضح الجريمة وتقدم المتهمين من ضباط ولواءات ومسؤولين للمحاكمة.
الأصل فى أى قضية أن البوليس يذهب بتحرياته ومتهميه والمجنى عليهم إلى النيابة، لكن فى هذه الحالة لا بوليس ولا تعاون من الشرطة، بل مشاركة فى تغييب القضية وتصفية الاتهام تماما من قوّته ومن أدلته.
وضع أمامى المستشار النبيل هشام الدرندلى الموقف وهاتفت من تليفونه الداخلى المستشار الكبير عبد المجيد محمود، وكانت كلماته كافية لإظهار حجم المسؤولية التى يحملها على عاتقه فى ظروف مستحيلة الحدوث والتكرار فى أى مكان أو دولة فى العالم تقريبا، يومها قرر المستشار الدرندلى بعد استئذان وموافقة النائب العام أن تكون البداية هى روايتى لتفاصيل مشاركتى ومشاهداتى فى المظاهرات منذ 25 يناير وحتى جمعة النصر، فقلت وحكيت، ثم طلب منى أن أقترح عليه شهودا آخرين من زملاء ورفقاء معى فى هذه المظاهرات، فقدمت عشرات الأسماء وأرقام تليفوناتهم من وائل غنيم وشادى الغزالى وخالد عبد الحميد حتى الدكتور طارق حلمى والدكتور محمد أبو الغار وغيرهم، وبدأ المستشار الدرندلى يكتب الأرقام والأسماء وأنا أتصل ببعضهم أشرح لهم المهمة وأدعوهم للقاء فى مكتب النائب العام. استغرقنا الأمر ساعات فاتفقنا أن أحدد موعدا لأقوالى بعد ثلاثة أيام وأن أواصل الاتصالات لجلب شهود الثورة للإدلاء بأقوالهم وشهاداتهم فى القضية التى لم تكن تحمل لا رقما ولا اسما ولا عنوانا ولا متهما حتى حينه. انصرفت من مكتب النائب العام وأنا مهموم بكيف يمكن أن تتحول قضية قتل شهداء مصر إلى ورق أبيض نتيجة تواطؤ الداخلية وصمت الشرطة أو على الأقل تفككها وغيابها. كان المشهد غريبا على كل الأصدقاء والرفقاء فى الثورة، فلم نكن ندرك أننا أصبحنا فجأة مسؤولين فعلا عن دم شهدائنا وأن كل مشهد عشناه وشفناه وشاركنا فيه يمكن أن يمثّل دليلا أو قرينة أو مؤشرا لمحاسبة ومحاكمة ومعاقبة قتلة الثوار. عن نفسى كانت المرة الأولى التى أدخل فيها مكتب النائب العام زائرا والمرة الأولى التى أدخله شاهدا، فعهدى مع كل تحقيقات النيابة معى فى هذا المقر وغيره من نيابات مصر كلها أننى كنت متهما سواء بإهانة رئيس الجمهورية أو إهانة ابنه أو السب والقذف فى حق رئيس الجمهورية أو ابنه أو بث أخبار كاذبة عن صحة رئيس الجمهورية، فإذا بمكالمة هاتفية وجلسة مع النائب العام المساعد تجعلنى أول اسم فى قضية وجهت اتهامها فى ما بعد إلى رئيس الجمهورية نفسه بقتل المتظاهرين. كانت مكالمات هاتفية تجمعنى خلال الثمانى والأربعين ساعة التالية مع المستشار هشام الدرندلى ليستفهم عن اسم أو يستوضح رقما أو يحكى عن مكالمة مع أحد النشطاء ويطلب منى تحفيزه للحضور أو تحميس فلان لأهمية إدلائه بأقواله، حين عدت إلى مكتب النائب العام يوم الأربعاء 2 مارس اكتشفت أنه استقبل عشرات من رفقائى فى المظاهرات الذين جاؤوا هم كذلك بمصابين للثورة ونشطاء وأهالى شهداء وفوارغ رصاص وقذائف وقنابل دخان وغاز مما احتفظوا به وقمصان وملابس ملونة بدم الشهداء، وكذلك حضر جرحى من الثوار وسجّلوا أقوالهم، كان مكتب النائب العام قد تحول إلى خلية ثورية فعلا، لكنها خلية ثورة العدالة التى تنتفض لنَيل حقوق هذا الشعب، وكلاء ومساعدو النائب العام لم يناموا منذ اليوم التالى لجلستى مع المستشار هشام الدرندلى، فقد حققوا مع عشرات واستمعوا إلى أقوالهم وسجلوا محاضر تحقيقاتهم، وحين جاء دورى كان ترتيبى قد تأخر كثيرا فى قائمة من أدلوا بالشهادة، وكانت أقوالى تحمل رقم الملف «30»، فى الجناية رقم «1227» لسنة 2011 قصر النيل، المقيدة برقم (7) لسنة 2011 حصر تحقيق نيابة استئناف القاهرة. وحين وصلت قضية قتل المتظاهرين إلى المحاكمة كان عدد الشهود قد وصل إلى ١٠٦٣ شاهدا، بدؤوا بفنجان قهوة شربته فى مكتب النائب العام.


http://www.dostor.org/editorial/11/october/20/58626


 
أعلى