من لا يحب البابا شنودة ؟!
March 19th, 2012 9:42 am
خالد البرى
بعض المسلمين المتدينين يعتقدون أن ربهم أمرهم بكره البابا شنودة. هذا نوع من الكره لا يجدى معه حوار.
بعض العلمانيين لا يحبونه لأسباب سياسية، إما لأنهم يرونه جزءًا من النظام السابق وإما لأنهم يعتقدون أن البابا شنودة كان فى حد ذاته عاملا من عوامل التوتر الطائفى فى مصر. مسيحيون علمانيون يرون أنه احتكر السلطة الكنسية وأبعد أى صوت مختلف،
وراهن كثيرا على علاقاته بالنظام السابق بدل المراهنة على «الاندماج الوطنى» الحقيقى. مسيحيون آخرون يعارضونه لأنهم يرون أنه تخاذل فى حق المسيحيين، ولم يجرب خيار «المواجهة والنضال»، للحصول على حقوقهم المشروعة.
فى صدفة لو كتبها روائى لاتهمه الناس بالرمزية الخطابية المباشرة، ولد البابا شنودة عام كتابة دستور ١٩٢٣، وتولى البابوية عام دستور ١٩٧١، وتوفى عام دستور ٢٠١٢. تخيلى فقط أن شخصا نام على أمل سنة ١٩٢٣، سنة مولد البابا شنودة،
واستيقظ سنة وفاته، حاولى أن تتمشى مع هذا الشخص المتخيل فى شوارع المحروسة، وراقبى ردود أفعاله. إن فعلتِ هذا فلا تضيعى وقتك فى هذا المقال، ولا تضيعى وقتك مع تعليقات من تحدثوا عن حياة البابا فرأوها من زاوية واحدة فقط، بضيق أفق لا يحسدون عليه.
ولد البابا شنودة مع دستور ينص على المساواة والمواطنة بصراحة ودون مواربة. واعتلى البابوية فى بداية عصر إحياء الإسلام السياسى الجهادى. فى أول برلمان بعد ولادة البابا كان عدد النواب المسيحيين ١٦ نائبا (من أصل ٢١٤، أى حوالى ٧٪)، منتخبا انتخابا مباشرا. أما البرلمان الذى تواكب مع صعوده إلى كرسى البابوية فكان عدد المسيحيين «المنتخبين» فيه ٣ من أصل ٣٦٠، أى أقل من ١٪.
فهل كان البابا شنودة سببا فى ذلك التغيير؟! أبدا. لم يكن أحد صاحب القرار من الأساس.
أثناء بابويته أجريت عشرة انتخابات برلمانية بنظام الفردى لم ينجح فيها مجتمعة سوى عشرة مسيحيين، ثمانية منهم من حزب السلطة. وفى آخر برلمان شهده قبل وفاته، كان عدد النواب المنتخبين ٨ من أصل ٤٩٨ عضوا، أى أقل من ٢٪. ثم توفى ونحن ننتظر دستور ٢٠١٢ الذى ستكتبه أغلبية من الإسلامجيين، تجادل فى الأصل الأصيل، الأساس المؤسس،
لأى دولة وطنية حديثة (المساواة بين أبناء الوطن الواحد). هنا صار السؤال مشروعا: هل يعنى هذا أن البابا خرج بأقل الخسائر فى ظل الظروف، أم يعنى أنه لم يستطع تحسين وضع المصريين المسيحيين؟
وُلدت فى سوهاج، ثم عشت فى أسيوط. ومن لم يعش الثمانينيات الأسيوطية لا يدرك ما حدث بمسيحيى مصر. ومن لم يدرك أن عددا ضخما من أبناء جيلى اعتقدوا يوما أن قتل صاغة مسيحيين وسرقة محالهم لتمويل العمليات المسلحة أمر «عادى»، أو أن تفجير الكنائس للرد على مظالم تجاه «الغرب» أمر عادى، لا يدرك ماذا حل بمسلمى مصر.
البابا ليس مجرد شخصية عامة. وهو يا مسلمون لا يشبه شيخ الأزهر فى شىء. فهذا الأخير معين من قِبل النظام، ودينه يشبه دين الأغلبية، وليس من مهامه الحفاظ على بقاء -نعم بقاء- أبناء دينه فى وطنه. فما تراه كمسلم لا يرقى إلى مستوى الاضطهاد الدينى،
يراه الشاب المسيحى ضغطا متواصلا، وسقفا للطموح، وتحرشا لا داعى له. يكفى أن قوى الأغلبية -بعد الثورة للأسف- تبنى دعايتها الانتخابية على التعصب، ليس فقط ضد المسيحيين، بل ضد المسلمين الذين يحظون بتأييد مسيحيين.
إن أضفتِ إلى كل ما سبق البعد الإقليمى، وتراجع نسبة مسيحيى الشرق الأوسط، وتحويلهم إلى ورقة ضغط على «الغرب»، وتفجير كنائسهم من باب «السياسة الدولية»، لفهمتِ قلق إخوانكِ المسيحيين الذين بكوا البابا حتى تورمت أعينهم. قد تعتبرين هذا سذاجة منهم،
أو انقيادا، بينما يعتبره آخرون إدراكا عفويا للأخطار، وشعورا عفويا بقلق حقيقى ومستحق. انتقدت البابا شنودة على أمور كثيرة آخرها الموقف «المتهاون» للكنيسة المصرية من أحداث ماسبيرو، لكننى -أيضا- لا أستطيع أن أتجاهل أن ما أراه أنا أو أنتِ تهاونا، قد يراه آخرون «تضحية».
ومن ثم لا أستطيع أبدا أن أقلل من حجم المخاطر التى قاد سفينة مسيحيى مصر من خلالها، حتى لو لم يصل إلى النقطة التى نحلم بها ونحن فى هدأة غرفنا. كل ما أطلبه منكِ أن تنظرى إلى الصورة من كل زواياها.
التحرير