قبر الشهيد

عبود عبده عبود

مفصول لمخالفة قوانين المنتدى
إنضم
14 يوليو 2010
المشاركات
16,645
مستوى التفاعل
4,598
النقاط
0
قد تمضى بك الحياة قبل أن تدرك أنك فيها شهيداً ....




قبر الشهيد



كل ماسبق المعركة الحربية تلاشى من ذاكرته ...
بل سيناريو الحرب نفسه بات من المستحيل أستعادة مشاهده ...
إلا هذا المشهد الذى يعبر به فوق الجثث المحترقة والاشلاء المتناثرة هنا وهناك ..
ومدفع مكسور تعتليه جثة متفحمة وعلى البعد دبابة نصف محترقة يسجد بارجها على تراب الأرض ..
مشهد يحمل فى سطوره أثاراً لمعركة ...
وسكون مخيف ... وصمت يفرض نفسه فرضية الموت ...
وهكذا عاد " عادل عبد الرافع " إلى "جدته " حيث تقيم فى غرفة متفردة بحوش فى قرافة المجاورين ..
لقد نشأ هناك منذ أن تركه والده وهو فى السابعة من عمره بعد أن ماتت أمه وتزوج بأخرى وأنجب منها أبناءاً كانوا السبب لحلول دوره فى التجنيد
وأستقبلته " الجدة" فى ترحاب لم يلحظ فتوره ..
فقد كانت تعلم بموعد عودته ...
هكذا قالت له ..ولم يفهم ...!!
هل هرب من الجيش وترك أرض المعركة ؟!!...
هل تبحث عنه سريته الآن ؟!!...
أم أن آثار الحرب لم تدع وقتاً لأحد يبحث عن أحد ؟!
... المهم أنه عاد ... هكذا قالت له جدته ...
وفى المساء أستبدل ملابسه وأنطلق إلى شلة الأمس ... الشئ الوحيد الذى يتذكره ...
"على " ..و "سليمان" .. و "جاد الله" ...إلى حيث يجمعهم المصباح الأصفر الباهت على ناصية حوش الباشا على ماتش الكورة الشراب الذى يمتد إلى قبيل الفجر بقليل
وفكر فى زيارة والده ..
ولكن " جدته" تنهاه عن هذا ..حتى بعد أن أنقطع المصروف الشهرى الذى داوم على إرساله أول كل شهر فى انتظام ولسنوات منذ الانفصال دون أن ينقطع ...
ولكنه أنقطع الآن ... هكذا قال لها ...
فقالت : وما حاجتنا إليه الآن ؟!! ...
وتسير الحياة بـ " عادل " فى رتابة منتظمة مملة .. فى الصباح يتسكع فى الأحواش ..وفى المساء ماتش الكورة الشراب مع الشلة وعتاب " جدته " له الذى لاينقطع ..
ولكن الشئ الوحيد الذى يؤرقه هذا النسيان الذى عارضه فجأة ومسح من ذاكرته كل شئ ..
أبوه ..أخوته ..مدرسته ..معهد الصنايع ..ليالى المراهقة الجميلة ..جلسات غرز الحشيش ...وحفلات سينما فاتن حمامة ..
يجاهد للتذكر عبثاً ...
لاشئ بقى إلا شلة الكورة الشراب ...
ولكن هذا الصباح يسمع بأن " السادات" على وشك إنهاء الحرب بعد حادثة الثغرة ... وان جهوداً دبلوماسية تبذل من أجل قبول وقف إطلاق النار ...
إذن الحرب لم تنته بعد ..!!! ..
وهو الآن فى حكم الهارب من الخدمة العسكرية ..
ولكنه لا يتذكر كيف عاد لجدته ..!!
ولا أى طريق سلك أو مواصلات أستقلها إلى حوش المجاورين ..
والهروب من الخدمة العسكرية جريمة عقوبتها الإعدام ...فكيف السبيل ؟!!
... وبسرعة عاد "لجدته " عله يجد عندها الإجابة .. ولكنها لم تكن هناك ...
فهى لم تعد من زيارتها المعتادة للاحواش المجاورة ... وأنتظرها طويلا حتى جن عليه الليل فاستعد للخروج كعادته للقاء شلة الكورة الشراب ..
..وعند باب الحوش وقف مبهوتاً ...
لقد عادت ذاكرته فجأة ..
..كيف يحدث هذا ؟!! ...
تداهمه الذكريات سريعاً كشريط سينما ..يراه بوضوح ...
طابور النعوش يمر من أمام ناظريه منذ أكثر من عشرين عاماً أثر وباء الكوليرا الذى عصف بحى مصر القديمة وبالقاهرة كلها ....
بعدها مباشرة ظهرت الشلة .. " على " ..و " سليمان" ..و " جاد الله " ..
ولم يكن يعرفهم من قبل .. ولم يسبق أن سمع عن أهلهم شيئاً ..
ولم يرهم يذهبون لمدرسة ولا يعرف لهم عنواناً ..
كل ما يعرفه أنه لم يكن يلتق بهم إلا ليلاً ...
... شلة الكورة ؟!! ..
لقد كانت تلك فى فترة دراسته الابتدائية فكيف ظلوا هم فى مرحلتها لم يتخطوها ؟!!
كيف لم يلحظ أنه تخطاهم سناً بينما ركدوا هم فى سنوات طفولتهم الجميلة ؟!!..
كيف لم يرفضوه ؟؟!! أو حتى يعترضوا على لعبه معهم ؟..
وتعود ذاكرته للذبول مرة أخرى ..
وتسقط أوراقها من دفتر أحوال حياته ..
وكأن كلمة النهاية سطرت نفسها على شريط السينما الذى كان يعرض آنفا ...
يحاول جاهداً أن يتذكر كيف عاد ..!!!
كيف استقبلته الحارة عند عودته ؟!! .. بعد طول غياب؟! ..
بعد مشاركة فى حرب كرامة وعزة .. كيف أن أحداً لم يسأله ؟!!...
وبدلاً من أن يعبر باب الحوش إلى الخارج يجد نفسه يرتد عائداً إلى الداخل ..
ليلحظ شواهد القبور على ضوء القمر فى ركن قصي من الحوش ..
ومسح بيده التراب الذى علا الشواهد ليقرأ بوضوح أسم "جدته" وتاريخ وفاه يعود لبضعة شهور مضت ...
هذا يفسر الآن أنقطاع سيل رسائلها عنه قبل نشوب الحرب ..
وعلى الشاهد التالى قرأ تاريخ 19 أكتوبر 1973
قبر الشهيد " عادل عبد الرافع " ...!!!
وجلس ينتظر عودة " جدته " ......





 

حبو اعدائكم

حبو...
عضو مبارك
إنضم
9 أكتوبر 2011
المشاركات
14,191
مستوى التفاعل
4,782
النقاط
113
الإقامة
مصر
راوعا يا عبود.... بجد ملهاش حل... مش قدرت اسيبها غير لما خلصتها و كل سطر بقراه مخى بيحاول يتوقع النهايه...
مبدع يا عبود
 

عبود عبده عبود

مفصول لمخالفة قوانين المنتدى
إنضم
14 يوليو 2010
المشاركات
16,645
مستوى التفاعل
4,598
النقاط
0
دايما رافعة معنوياتى يا حبوا ربنا يباركك
كثيراً منا يحيا هذه الحياة وهو يظن أنه على قيدها
ثم يعارضه عارض فيكتشف أنه لم يحيا ولم يكن ....
فين القنفد بتاعك ؟؟
 

حبو اعدائكم

حبو...
عضو مبارك
إنضم
9 أكتوبر 2011
المشاركات
14,191
مستوى التفاعل
4,782
النقاط
113
الإقامة
مصر
دايما رافعة معنوياتى يا حبوا ربنا يباركك
كثيراً منا يحيا هذه الحياة وهو يظن أنه على قيدها
ثم يعارضه عارض فيكتشف أنه لم يحيا ولم يكن ....
فين القنفد بتاعك ؟؟

شكشوكه؟؟
قولت اشيلو شويه ---- بس هبقا احطه تانى :)
كويس إنه كان عجبك... ..:)
 

sha2awet 2alam

شقاوة قلم
عضو مبارك
إنضم
23 يناير 2012
المشاركات
5,276
مستوى التفاعل
1,807
النقاط
0
ايه دة ؟ اول مرة اقرالك قصة قصيرة .. مبدع بجد
حلوة اوى يا عبود ..... نهايتها تصدم و احداثها عجيبة و فكرتها روعة ..
وصفك فى كلمة واحدة ( عبقرى )
 

PoNA ELLY

Web Developer
عضو مبارك
إنضم
6 ديسمبر 2008
المشاركات
2,023
مستوى التفاعل
384
النقاط
0
الإقامة
IN her HEART
جميله جداا يا عبود
تسلم إيدك

سلام الرب يكون معاك :)
 
أعلى