داود عبدالسيد: لا فرق بين «الإخوان المسلمين» والسلفيين.. والقادم أسوأ

jajageorge

اشتهى الملكوت
عضو مبارك
إنضم
24 مارس 2012
المشاركات
2,980
مستوى التفاعل
261
النقاط
0
الإقامة
lمصر

أزمتنا مع التيارات الدينية سببها رغبتهم فى فرض الوصاية.. وأرفض التطاول على نور الشريف وإلهام شاهين كتب : محمد عبد الجليل تصوير : ياسر عبد الله

31168_660_1165026_opt.jpg
داود عبد السيد
عندما تزداد ضبابية المشهد، وتصعب الرؤية، نلجأ دائماً لمن يملك أن ينير الطريق، لتتضح المعالم، ويسهل التمييز بين الأشياء، وعندما يحاط الفن بالخطر، وتصبح المواجهة حتمية، يتوجب علينا الاستماع لفيلسوف السينما داود عبدالسيد، ليرسم لنا من خلال كلماته «خارطة طريق» لمستقبل الفن، وموقعه فى خضم الصراعات السياسية.
داود عبدالسيد، الذى شكلت أفلامه علامات استثنائية فى تاريخ السينما المصرية بسبب انحيازها للحرية قبل أى شئ آخر، يرى أن الفترة المقبلة من عمر السينما والإبداع ستشهد صدامات ومعارك، ولا بد أن تكون هناك ضمانات دستورية وقانونية لحرية الإبداع.
يرى داود عبدالسيد أن الخطر الحقيقى الذى يواجه الإبداع هو محاولة فرض الوصاية من قبَل بعض التيارات المتأسلمة، ويعتقد أن السينما المصرية ضحية لصناعها الذين وصفهم بقصر النظر.
فى حواره لـ«الوطن» يتحدث داود عبدالسيد عن الإبداع، والتيارات الإسلامية، ولجنة الدستور، وغيرها الكثير.
* كيف تقيّم وضع السينما المصرية حالياً.. وما التحديات التى تواجهها؟
- السينما تواجه تحديات عديدة منذ فترة طويلة، ولا أعتقد أن أزمتها لها علاقة بسيطرة التيارات الإسلامية، ولكن تلك الأزمة جعلتها ضعيفة فى مواجهة أية هجمات عليها من أية تيارات تملك تصورات تحاول فيها تحجيم دور الفن، فالقائمون على صناعة السينما فى مصر كان لديهم قصر نظر شديد فى تصوراتهم، ولم يستطيعوا معها تطوير السوق والصناعة لكى يرتقوا بها ويخدموا مصالحهم، فمثلاً تم بيع أكثر من ثلاثة آلاف فيلم من تراث السينما لقنواتart و«روتانا»، وتم إنشاء قنوات للأفلام، كنا نملك نحن -أصحاب الثروة الحقيقية- إنشاءها، وكانت النتيجة هى اعتماد المنتجين على التمويل من هذه القنوات، وكان بإمكاننا الاعتماد على تراثنا بشكل مباشر، وبدعم رأس مال الصناعة، وفى نفس الوقت تخلت الدولة عن دورها تجاه السينما إلا فى حدود ضيقة جداً، بعكس دول كثيرة، مثل: فرنسا والمغرب وتونس وإسرائيل، تجد السينما فيها دعم الدولة ومساندتها، وزاد الأمر بفرضها العديد من القيود أيضاً على الصناعة بأشكال مختلفة، وبالتالى أصبحت السينما، كجبهة، ضعيفة فى مواجهة أى هجوم.
* وما مشكلة التيارات الدينية مع الفن من وجهة نظرك؟
- المشكلة مع التيارات الدينية تتجسد فى محاولة فرض وصاية على البشر، منذ السعى للإجبار على الحجاب والنقاب، مروراً بفرض نوعية معينة من الفن، وحتى التجاوز والتطاول والإهانة فى حق فنانين، أمثال: إلهام شاهين، وخالد يوسف، ونور الشريف، وأنا لا أتقبل هذا ولا أستوعبه، وأذكر أنه أثناء تصويرى لأحد مشاهد فيلم «رسائل البحر» بإحدى القرى بجوار الإسكندرية يوم الجمعة، فوجئنا بهجوم إمام المسجد فى الخطبة، واتهامه لنا بمنع الناس من الصلاة، ورأيت فى ذلك الموقف نموذجاً لمحاولة فرض الوصاية على الناس.
* هل هناك فرق بين «الإخوان المسلمين» والسلفيين فى الخطر الذى يشكلونه على الفن؟
- لا فرق عندى بينهما بهذا المعنى، فأنا رافض أن يفرض أى أحد الوصاية على الناس، سواء كان «إخوان» أو سلفيين أو ليبراليين أو اشتراكيين أو شيوعيين، أياً كانت الاتجاهات، فالوصاية مرفوضة بكل أشكالها، نحن نريد مجتمعاً متمدناً به حرية وحفظ لكرامة الجميع، فالإنسان حر وينبغى تنشئته على ألا يستخدم حريته فى تجاوز القانون، لذلك أرى التحدى فى كيفية وضع قيم راقية وإنسانية تليق بالناس المتدينة وحريتهم ورشدهم.
داود عبد السيد يتحدث لـ "الوطن"
* وما أقصى ما تتوقعه من هجوم على الفن فى الفترة المقبلة؟
- لا أريد أن أكون سيّئ النية، ولكن علينا أن نتوقع الأسوأ، والواضح حتى هذه اللحظة أن هناك رغبة شديدة فى تقييد الحريات، ولكن نجاحها فى السيطرة وفرض قيودها على المجتمع تتوقف على شكل القوى المضادة وقدرتها على رفض ومقاومة هذه الوصاية، وربما لا تكون المواجهة مباشرة فقد يقومون بإلغاء الرقابة على المصنّفات مثلاً، ثم تتخذ المواجهة شكلاً آخر عن طريق دعاوى قضائية متعددة يتم رفعها على أى مبدع فى عدد من الدوائر المختلفة، إلى أن يمثل أمام قاضٍ ليحكم عليه بالسجن والغرامة، مثلما حدث قبل شهور مع عادل إمام، إذن فالمسألة من وجهة نظرى تتوقف على وجود الإرادة لدى تلك التيارات فى احترام حرية الإنسان أو عدم وجودها، كل هذا وارد ولكن علينا توقع الأسوأ لكى يمكننا مواجهته عن طريق القوى الوطنية العصرية المتحررة والمؤمنة بالحرية.
* وماذا عن الرقابة؟
- منذ فترة طويلة ونحن نطالب بإلغاء الرقابة وتحويلها لجهاز لتصنيف الأفلام، مثلما هو حادث فى كثير من دول العالم، فى الوقت الذى كان منتجو السينما يرفضون ذلك ولا يرحبون به، لرغبتهم فى أن تكون هناك جهة تعتمد لهم الأفلام وتحميهم من المساءلة، فالمنتج لا يهتم بالحرية بقدر اهتمامه بأن يضمن ألا تتم مصادرة الفيلم أو منعه، على الرغم من أننا طوال الوقت لم تكن لدينا قواعد قانونية تضمن عدم المصادرة والمنع، فالقانون دائماً ضد المبدع وإن كانت هناك نماذج لحرية الرأى فيما مضى، فقد كانت بإرادة شخصية من السلطة التى تملك استخدام القانون ضد المبدع.
فتوى الأزهر بمنع تجسيد الصحابة لا تلائم العصر.. والقانون ضد المبدع دائماً
* وكيف ترى الحل إذن؟
- الحل فى السينما هو الأفلام المستقلة التى يتم صنعها بتكلفة إنتاجية منخفضة نسبياً بعيداً عن أية رقابة، ولحسن الحظ أن التطور التكنولوجى أتاح إمكانية عرض الأفلام بشكل أكثر حرية على قنوات الإنترنت، ولكن يبقى أن يتم تقنين الأمر، بحيث تتيح تلك المشاهدة تحقيق دخل لصنّاع تلك الأفلام من خلالها، وإذا حدث ذلك سيتحقق نوع من الاستقلال يتيح هامشاً كبيراً من الحرية، لا يجعل هناك مجالاً لأية سلطة أن تمنعه أو تحد منه، ولكن يبقى هناك تحد أمام صناع تلك السينما من الأجيال الجديدة، وهو محاولة التواصل مع الناس، وتحقيق المتعة لهم بشكل أكبر مما هو حادث الآن، فهى طبقاً لتقديرى لم تصل للناس أو تتلامس معهم خلال الفترة الماضية، كما أعتقد أنه حتى فى ظل ازدهار السينما التجارية ينبغى أن يزداد الاهتمام بصناعة السينما المستقلة، التى تكفل حرية تعبير وأفكاراً قد لا تتوافر فى غيرها.
* ما تصورك للضمانات القانونية التى ينبغى وجودها فى الفترة المقبلة بحيث تسمح بحرية الإبداع؟
- لا بد من نص دستورى على حرية الرأى والفكر والإبداع والبحث العلمى، وأن يكون واضحاً ومحدداً ولا لبس فيه، ولا بد أن يُمنع أى قانون يتعارض مع هذا النص، نحن لا نزال فى مرحلة انتقالية لم تتضح معظم ملامحها بعد، فالدستور لم تتم صياغته، وكذلك هناك انتخابات لمجلس الشعب لا ندرى إذا كان «الإخوان» سيحصلون على أغلبيته للمرة الثانية أم لا، ولكن إذا اكتملت سيطرة «الإخوان» على كل شىء، فليس لنا أن نأمل فى أية حرية على الإطلاق، بدءاً من حرية الإبداع، مروراً بحرية البحث العلمى، أو حرية الرأى، والدلائل الأولية تؤكد ذلك، فرؤساء تحرير المؤسسات القومية الذين جاء بهم «الإخوان» قاموا بمنع العديد من المقالات، وأعتقد أن هذا مؤشر خطير لا ينبغى تجاهله فى الحكم على الأمور.
* وهل تشكيل لجنة الدستور الحالى يسمح بوجود مواد صريحة تحمى الإبداع؟
- فى الحقيقة لا يمكننى التنبؤ بما سيحدث، ولكنى أتمنى الأفضل دائماً، وإن كان من الواضح أن تيار الإسلام السياسى قد ناضل من أجل أن تكون له أغلبية فى تلك اللجنة، وهذا ما يثير الريبة والشك، وإشارة لا تطمئن على الإطلاق، كما أننى لا أستوعب فكرة الاستفتاء على الدستور، وأراها تعطى شرعية شكلية له، لأن هناك نسبة أمية 40% من الشعب، بالإضافة إلى أن معظم خريجى الجامعات لم يقرأ أى منهم «دستوراً» من قبل، حتى يتمكن من الحكم الصحيح.
إذا لم تكن «الدولة» تنوى دعم الفنون فلتخبرنا ما الذى ستفعله للفقراء.. وأزمة السينما لا علاقة لها بصعود الإسلاميين
* كيف ترى دخول «الإخوان المسلمين» مجال الإنتاج السينمائى؟
- أرحب جداً بدخولهم مجال الإنتاج السينمائى، وأرى أن هذا هو التنافس المقبول والمشروع، وأوافق عليه مائة فى المائة، فليس هناك أفضل من أن يكون الحكم النهائى للجمهور على أى منتج فنى.
* هل من الممكن أن تتعاون معهم؟
- لا مانع لدىّ على الإطلاق، ولكن من خلال أفكارى وموضوعاتى، ولن أقبل أن يفرضوا علىّ موضوعات بعينها.
* هل تتوقع النجاح لنوعية السينما التى يسعى «الإخوان» لتقديمها؟
- الأصل فى السينما دائماً أن تقدم أفكاراً تجعل المتلقى يكتسب خبرة جديدة، أو تضيف له جديداً فى قناعاته، لذلك فنوعية الأفلام الدينية والتعليمية التى يسعون لتقديمها لن تقدم جديداً للناس، ولن تغير قناعاتهم، بل ستسعى لتأكيدها، وهذان أمران متناقضان، أما السينما الحرة فتجعل الإنسان يفكر ويحرك خياله.
* إلى أين وصل مشروع فيلمك الجديد «رسائل حب» وهل تتوقع صداماً مع التيارات المتأسلمة بسببه؟
- انتهيت من كتابته الأولية، وتمت إجازته رقابياً، ولكن لم أستقر بعد على الجهة الإنتاجية، وسيظل المشروع من وجهة نظرى فى مرحلة الكتابة التى تستمر طوال تصوير العمل وحتى المونتاج، أما بالنسبة للصدام فمن الممكن أن يحدث، وإن كنت لا أتمنى ذلك، لأنى بطبعى مسالم ولا أحب المعارك، ولا تشغلنى، ولا أسعى إليها، لأنها تعتبر «فرقعة» من وجهة نظرى، وهذا لا يعنينى، ولكن كل ما أهتم به هو أن ينال الفيلم إعجاب المتلقى، وأن يساهم فى إضافة جديد لفكره وتصوره للحياة.
* ما تعليقك على سعى المخرج عصام السيد لتجسيد مسرحية «الحسين ثائراً» رغم اعتراض الأزهر؟
- من الضرورى أن يتم كسر التابوهات، مثلما فعل مسلسل «عمر»، الذى لا أجد له أهمية سوى فى كسره لذلك التابو، أما بالنسبة لموقف الأزهر وفتواه التى ظهرت عام 1926 بشأن منع ظهور الصحابة، فلا أعتقد أنها تناسب الوقت الحالى، فقد تكون ملائمة للفترة التى ظهرت فيها، ولكنها الآن أصبحت أضيق بكثير من العصر الحالى، وعلى الأزهر أن يقوم بتعديلها، فلا يوجد أى شىء يستمر ويصلح لكل العصور، وأتمنى أن أرى هذه المسرحية، فهى من الروائع الشعرية للمفكر الإسلامى عبدالرحمن الشرقاوى، وأتمنى ألا يتصدى لها أصحاب العقول الضيقة.
أغلبية «الإسلام السياسى» فى لجنة الدستور تثير الشك.. والاستفتاء يعطى شرعية شكلية
* البعض رأى أن تأسيس جبهة حرية الإبداع يستبق الصدام مع الإسلاميين.. فما تعليقك؟
- أرى أن الدفاع عن حرية الإبداع تأخر كثيراً، وكان من المفترض أن يوجد من قبل الثورة، رغم وجود بعض الاجتهادات الفردية غير المنظمة من بعض المثقفين ورجال الإعلام، ولا أتفق مع القائلين بأن تأسيس جبهة الإبداع استبق الصدام مع التيارات الإسلامية بشأن حرية الإبداع، فالواقع الحالى يؤكد أننا نواجه هجمات شرسة على حرية الإبداع، وهنا يبرز دور الجبهة.
* ما هو تصورك للفترة المقبلة من عمر السينما فى ظل سيطرة «الإخوان المسلمين»؟
- فى تصورى أنها ستكون فترة اشتباك ومعارك، ولن تتسم بالهدوء، والمؤسف أن السينما أصبحت مناعتها ضعيفة فى مواجهة أية هجمات، وللأسف أسباب ضعفها لا علاقة لها بـ«الإخوان»، وإنما يتحمل مسئولية ذلك المنتجون وأصحاب رأس المال الذين لا يملك معظمهم رؤية استراتيجية واضحة لتطويرها، وكذلك له علاقة بالدولة التى افتقدت الرؤية لدعم الصناعة وتطويرها.
* وماذا تتوقع من النظام السياسى الجديد فى الفترة المقبلة؟
- أنتظر من الدولة أن تدعم العدالة الاجتماعية فى الأساس قبل أى شىء، وإذا لم يكن فى نيتها أن تدعم الفن، فعلينا أن نعرف ما الذى ستقدمه للفقراء، هل ستعالج الفقر بالزكاة؟ إذا حدث هذا فلن نرى طريقاً للغد أبداً، ولن ننجح فى معالجة الفقر على الإطلاق، هناك تحديات كثيرة أمام من يحكم فى الفترة المقبلة تحتاج لخطة وبرنامج حقيقى بعيداً عن سياسة «الترقيع»، وهى إرضاء فئات معينة على حساب فئات أخرى.




الوطن
 
أعلى