فقهاء: لا لفتوى مفتي مصر عن المرتدين

اثناسيوس الرسول

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
2 فبراير 2007
المشاركات
2,424
مستوى التفاعل
18
النقاط
0
فقهاء: لا لفتوى مفتي مصر عن المرتدين
03/06/2007
حسام قليعي - آية فاروق
على خلفية الدعوى القضائية التي أقامها نحو 400 مسيحي مصري في محكمة القضاء الإداري ضد قرار وزير الداخلية المصري عدم إثبات هوياتهم الدينية المسيحية في البطاقات الشخصية، وحكمت المحكمة بعدم جواز استخراج البطاقات، واعتبرتهم مرتدين عن الإسلام.. أصدر الدكتور علي جمعة مفتي مصر فتوى جاء فيها:
"هؤلاء المسيحيون وإن كانوا مرتدين عن الإسلام من الناحية الفقهية فإن الحقوق المدنية المترتبة على ارتدادهم عن دين الإسلام تجاه الدولة والهيئة الاجتماعية... أمر يرجع إلى جهة الإدارة بحساب المنافع والمضار، ومدى موافقة هذا التصرف للدستور والقوانين المعمول بها، ومدى تأثيره على الأمن الاجتماعي والسلامة القومية، وكل ذلك يتعلق بالحياة المدنية التي تعد الإدارة مسئولة عنها بغض النظر عن الحكم الديني في المسألة".
هذه الفتوى بهذا التكييف الفقهي أثارت حفيظة الفقهاء؛ حيث أكدوا أنها دعوة لتكريس العلمانية، وفصل الدين عن الدولة، معتبرين إياها خدمة لهؤلاء الذين يتلاعبون بالأديان.
فالدكتور محمد كمال إمام أستاذ الشريعة بحقوق الإسكندرية يرى بداية أن الفقه الإسلامي يعد أحد عناصر وآليات التشريع المعاصر.. فالآراء الفقهية متعددة في الإسلام لتعطي الفرصة كاملة أمام المشرع لاختيار ما يتناسب مع الزمان والمكان.
ويتابع: "لكن غير المقبول أن يتم الفصل بين الفقه والقانون"، مشيرًا إلى أن أي حكم قضائي يصدر ينبغي -ليس فقط- أن يكون موافقا للشريعة -بل- ويستقي حكمه من أحد الآراء الفقهية المعروفة.
وقال إن حكم القضاء الإداري الصادر بحق المرتدين ورفض إثبات هوياتهم الدينية في البطاقة الشخصية يتوافق مع الشريعة والفقه.. الذي ينص في أحد آرائه على عدم وجود عقوبة للردة.
تنصل من المسئولية
من جانبه يعارض الدكتور حامد أبو طالب العميد السابق لكلية الشريعة بجامعة الأزهر رأي الدكتور علي جمعة؛ مطالبًا بضرورة الوقوف في وجه هذه الحالات، واصفًا الأمر بالواجب الشرعي الذي يجب ألا يتنصل عالم منه.
ولهذا يقول د.أبو طالب: "أرى أن رأي المفتي ليس رأيا شرعيا؛ وإنما رأي تحكمه ضروريات السياسة.. ولكن للأسف الشديد فإن هناك من تلقف هذا الرأي السياسي ليلبسه عباءة الدين، ويوضح أن مفتي مصر أصدر فتوى فقهية شرعية تبيح الارتداد وتلزم الجهة الإدارية ممثلة في الحكومة المصرية بضرورة قبول ارتداد هؤلاء والتعامل معهم رسميا على الأوراق".
ويلفت إلى أنه يجب ألا يتستر البعض وراء الآية القرآنية التي يقول الله تعالى فيها {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي} (البقرة: 256) فتفسير الآية الكريمة يعني: لا تكرهوا أحدًا على الدخول في الإسلام؛ فهو واضح جلي، لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه.
ويتابع: "ولكن الخروج من الدين الإسلامي يخضع لقواعد شرعية وفقهية لا يستطيع أحد الالتفاف حولها.. والقانون المصري من المفترض أنه يقوم على مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية، ولهذا كان المنتظر من المفتي أن يصدر حكمه الشرعي فقط، لا أن يلقي بالكرة في ملعب الدولة؛ الأمر الذي يعني تخلي عالم الدين عن رأيه الشرعي؛ فمن الممكن وبكل سهولة أن تتخذ الدولة من رأي علي جمعة وسيلة لمنح المرتدين أوراقهم المطلوبة؛ وهو ما يشجع آخرين على التمادي في هذا التلاعب الذي لا يسيء للإسلام فقط بل ويسيء للمسيحية أيضا".
نفس الفكرة يوضحها الدكتور منيع عبد الحليم محمود الأستاذ بجامعة الأزهر العميد الأسبق لكلية أصول الدين، حيث يقرر أن "ما فعله المفتي يعني تخليه عن وظيفته؛ فهو المنوط بإعطاء الرأي الفقهي، وعندما يدلي برأيه بمثل هذه الصورة فإنه يكون قد تخلى عن دوره".
ويتابع: "من غير المنطقي أن يمنحه القاضي المدني حق إبداء الرأي ثم يقوم هو بجعل الأمر قاصرًا على الدولة؛ بل المنطقي أن تكون مسألة الردة هي شغلنا الشاغل كمسلمين، والإسلام مليء بالأحكام والرؤى الشرعية والفقهية الكفيلة بعلاج مثل هذه الظواهر.. من زواج المسلم بكتابية، أو اعتناق الكتابي للإسلام ثم زواجه من مسلمة ثم ارتداده، وهكذا إلى آخر هذه الأحكام".
وينهي د. منيع كلامه بقوله: "يجب على الجميع التصدي وبقوة لمحاولات التلاعب بالأديان حماية للإسلام والمسيحية على السواء؛ فالتلاعب بالأديان كتغيير الدين فجأة لهدف ما ثم العودة للدين القديم يجب أن يلقى نوعًا من التقنين لدرء هذه الفتنة، وما يترتب عليها من المشاكل.. وأنا أرى أننا في حاجة لمؤتمر شامل يحضره علماء الدين وأعضاء المؤسسات الدينية وجميع الأطراف ذات الصلة؛ لمواجهة هذا التلاعب حتى لا تستمر هذه الظاهرة بهذا الشكل الذي يهدد فعلا الأمن والسلم الاجتماعي".
فصل مخالف للدستور
الدكتور عبد الفتاح الشيخ رئيس جامعة الأزهر سابقا رئيس اللجنة الفقهية بمجمع البحوث الإسلامية يرى أن "رأي المفتي -إن صحَّ ما نقل عنه- فيه مخالفة صريحة لنص الدستور المصري، حيث تنص المادة الثانية منه على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع".
ويتابع: "المفتي بهذه الفتوى قد فصل الفقه عن الأحكام المدنية.. وهذا غير جائز مطلقا؛ فالأحكام الفقهية يترتب عليها أحكام القانون المدني"، مشيرًا إلى أن اللجوء إلى الفصل بين النوعين إن حدث فإنما يتم في الأمور التي لا تخالف أساسيات الشرع، لافتا إلى أن الأحوال الشخصية على سبيل المثال تستقي أحكامها من الفقه؛ فكيف يتم إذن الفصل؟!!.
وقال الشيخ: "إن جمهور العلماء يكاد يكون مجمعًا على حد الردة وتطبيق العقوبة، وإن اختلفوا على مدة الاستتابة.. هل هي ثلاثة أيام أم طيلة العمر"، مؤكدا أن هذه العقوبة تطال حالة المسيحيين الذين اعتنقوا الإسلام لهوى ومصالح خاصة والذين ولدوا مسلمين أيضا.. فمن يخرج عن الإسلام فهو مرتد.
أما الدكتور سيد السيلي عميد أكاديمية الشريعة بأمريكا فيصف هذا الفصل بين الفقه والحياة المدنية بأنه فصل شؤم.. ويقول: "إن الفصل بين الدين والمجتمع هو دعوة علمانية مسمومة.. بدأها الغرب منذ سنوات بعيدة كحل لأزماتهم هم. أما نحن فالدمج بينهما حل لأزماتنا.. فالدين يقود للخير.. وبه نسوس الدنيا حتى تسعد.. وهو حائط صد للانحلال الأخلاقي".
وفي السياق ذاته أكد السيلي أن الساحة الإسلامية تشهد تشكيكًا كبيرًا في ثوابتها وقيمها وأحكامها الفقهية؛ وهو ما يشي بأن هناك أمرًا ما مدبرًا بطريقة أو بأخرى لهدم المجتمع الإسلامي.
وأضاف: "رأي المفتي جاء ليصب في صالح هؤلاء المرتدين المتلاعبين بالأديان.. ويصب أيضا في صالح تكريس دعاوى العلمانية التي يشتد عودها الآن".
ويتفق الدكتور علي السالوس العضو بالمجامع الفقهية الإسلامية مع الرأي السابق، مشيرًا إلى أن فتوى المفتي بهذا الشكل تكرس للعلمانية، مؤكدًا أن التفرقة بين الحكم الفقهي والقانون الوضعي هي ردة للقانون نفسه؛ فالفقه لا يعترف بالقانون لأنه صناعة بشرية، مشيرًا إلى أن المقارنة بين الاثنين في غير محلها.. وقال: "إننا كمسلمين مطالبون بإنزال الأحكام الفقهية على أرض الواقع".
وفي نفس السياق تؤكد الدكتورة سعاد صالح عميدة كلية الدراسات الإسلامية والعربية سابقا بجامعة الأزهر أنها تختلف مع المفتي في تلك الفتوى، مشيرة إلى أن "الحكم الفقهي لا ينفصل عن الأحكام المدنية.. بدليل أننا في كثير من القوانين نحتكم إلى الشريعة الإسلامية كقضايا الخلع وغيرها.. فكيف نفصل بين الاثنين؟".
وأضافت أن مشكلة المرتدين تحتاج لعلاج أكثر حكمة حتى لا يتفشى هذا الوباء بين المسلمين لتحقيق مآرب خاصة ومصالح يلهثون وراءها.
توصيف للواقع
وعلى عكس الآراء السابقة يرى الدكتور محمد عمارة الكاتب الإسلامي المعروف أن فتوى الدكتور علي جمعة مجرد توصيف للواقع الموجود حاليا، وليس إقرارًا بحقيقة ثابتة.. وتساءل: هل نحن في مصر نطبق الشريعة الإسلامية حتى نقول إن المفتي طالب بإلغائها؟.
واستطرد عمارة: "في الحقيقة فإن الدولة هي التي أحدثت بالفعل هذا الفصل الغريب بين الفقه والقانون".
وقال عمارة: "إن الأزمة الحقيقية ليست في فتوى الدكتور علي ولكن فيمن يؤلبون الرأي العام دائمًا على الرموز الدينية"، موضحًا أن "قضية المرتدين لا تخص الإسلام في شيء، ولكن الأزمة في الكنيسة وتضييقها على الأقباط في مسألة الطلاق".

(نقلا عن إسلام أو لاين)


http://www.copts.com/arabic/index.php?option=com_content&task=view&id=670&Itemid=1
 
أعلى