اللسانُ في الخَدّ بقلم فاطمة ناعوت

jajageorge

اشتهى الملكوت
عضو مبارك
إنضم
24 مارس 2012
المشاركات
2,980
مستوى التفاعل
261
النقاط
0
الإقامة
lمصر
article1356334625bef60eb065b5b7a02ed989411522af00%D8%B4.jpg
فى القرون الوسطى، كان المدّاحون يجوبون الطرقات يُنشدون أناشيدهم تملّقًا للملوك وأمراء المقاطعات والنبلاء. المُنشدون: minstrels، كانوا فى أصلهم خُدّامًا فى البلاط. وظيفتهم تسليةُ الملك والحاشية بالتغنّى بحكايا الأبطال الأسطوريين، كأنما ينسبون تلك البطولات الخرافية لملوكهم الأشاوس. الكلمة الإنجليزية السابقة مشتقةٌ عن الفرنسية القديمةménestrel، التى بدورها مشتقةٌ عن الإيطاليةministrello، المشتقةُ بدورها عن اللاتينية الوسطىministralis التى تعنى: «الخادم» أو «التابع»، ويعود جذرُها الأول إلى نعتٍ فى اللاتينية القديمة: minus التى تعنى: «الأقل»، أى الأقلّ مقامًا وقيمةً وقامة. بدأت تلك المهنةُ المبتذلة فى الانحسار مع تطوّر البشرية ونبذ مديح الحكّام بخروج العالم من القرون الظلامية نحو التحضر والتنوير. لكن آثارها ظلّت تناوئ الفناء، لأن التطبيل للحاكم، كما نعلم، هو مهنةُ من لا مهنةَ له، فى كلّ عصر. فى القرن الثامن عشر، ظلّ المنشدون الإسبان يؤدون دورهم المنذور لهم فى مداهنة الدوقات، الذين إن لم ترق لهم تلك العروض السخيفة، عاقبوا المنشدين بعقاب صار مثلاً تاريخيًّا للسخرية. كانوا يأمرون المنشدين بأن يلصقوا ألسنهم بقوة فى الوجنة من داخل الفمّ. وحين يؤسر اللسانُ فى تجويف الخدّ، يعجزُ المنشدُ عن المديح، فيستريح الناس. وصارت مثلاً. Tongue in Cheek. اللسانُ فى الوجنة. فى الثقافة الإنجليزية، تحمل هذه العبارةُ محمولاً تهكّميًّا مزدوجًا. تُطلق على أى كلام يقفُ بين الجدّ والمزاح، مثل «التورية»، فى البلاغة العربية. تثبُ تلك العبارة إلى ذهنى كلَّ يوم منذ تولى مرسى الحكم، فالمنشدون ملأوا الفضائيات الدينية وتجاوزوها إلى منابر المساجد. ولا تكاد تميز إن كانوا جادين فى مديحهم، أم يمزحون يسخرون. ماذا أنت فاعلٌ حين تسمع واحدهم يقول إن مرسى «حفيد العُمريْن: الفاروق، وبن عبدالعزيز»، سوى أن تقول: Tongue in Cheek!. أو حين يهتفُ آخرُ: دخل الإسلامُ مصرَ بتولّى مرسى! أو فتح المرسى مصرَ، كما فتحَ الرسولُ مكةَ! وطاعتُه كطاعة الله! أو خطيبُ الجمعة الماضية إذ يقول إن مَن لا يقولون: «فخامة الرئيس»، ليسوا من الدين فى شىء! أو حين أجاز السيد ياسر برهامى «الكذبَ»، بعدما حرّمه اللهُ، من أجل دستور مرسى! وبالرغم من اختفاء ظاهرة مُطبّلى الملوك من العالم مع «عصر النهضة الأوروبى»، إلا أنه عاد وظهر مع «مشروع النهضة» الإخوانى! لكن مرسى لا يشبه اللوردات الإسبان. فلم نره يغضب من التطبيل اليومىّ، ولا أخجَلَ تواضعَه الزعيقُ المُداهن يُبثُّ فوق منابر «بيوتٍ أذِنَ اللهُ أن تُرفع ويُذكرُ فيها اسمُه». ولم نسمعه يقولُ لأحدهم: لسانُك فى خدِّك!


المصرى اليوم
 
أعلى