العدالة الاجتماعية

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,327
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus


العدالة الاجتماعية

مقالات البابا شنودة الثالث المنشورة في جريدة الأهرام يوم الأحد 27 فبراير 2011

العدالة الاجتماعية هي من أسمي القيم التي يحرص عليها العالم المتحضر، بل كانت موجودة منذ بداية الخليقة, وقد نادي بها الأنبياء والرسل والمصلحون والمفكرون الأحرار في تفكيرهم، وينادي بها رجال الدين علي اختلاف مذاهبهم.

والعدالة الاجتماعية تنادي بالمساواة وعدم التمايز.. علي أننا سنناقش هذه النقطة أيضًا، فأول من ينادي بالتمايز والتفريق هم اليهود الذين قالوا بفكرة شعب الله المختار أما باقي الشعوب الأخرى فكانوا يدعونهم الأمم Gentiles أي الأجناس الأخرى علي ان عبارة شعب الله أصبحت الآن تعني كل من يؤمن بالله في أرجاء المسكونة كلها.

علي ان هناك تفريقًا آخرًا في علم Anthropology (أي علم الإنسان) الذي يضع الجنس الأبيض Nordics فوق باقي الأجناس وفي قمته الجنس الآري، وهكذا يفرق بين شعوب الشمال والجنوب بصفة عامة في أصلها.

ومن جهة العدالة الاجتماعية، فنحن نشكر الله علي انه قد انقضي زمن الرِق؛ حيث كان الإنسان يستعبد أخاه الإنسان أو يشتريه ويتخذه له عبدًا ويتصرف فيه كما يشاء، وان شاء أن يبيعه لغيره أو حتى أن يقتله فمن حقه ذلك! وهكذا كانت معروفة عبارة العبد والسيد.. ولا ننسي في هذا المجال ان يوسف الصديق بِيع كعبد!

ومع ان الرق قد زال إلا اننا للأسف الشديد نري بعض الكبار يعاملون الذين تحت أيديهم كعبيد بينما الكل ينادون: قد خلقنا الله أحرارا فلا يستعبدنا أحد!


من جهة العدالة الاجتماعية نتكلم أيضا في موضوع الاقتصاد والمال: ان الله حينما خلق الأرض أوجد فيها من الخير ما يكفي لسكانها جميعا ومازالت خيرات الله قائمة لا تنضب ولكن المشكلة القائمة باستمرار هي في سوء التوزيع وهذا الأمر له جوانبه العديدة منها ما يختص بالأفراد ومنها ما يختص بالمجتمع كله.

ومن المعروف ان الحياة الاشتراكية تهدف إلى إزالة الفوارق الاجتماعية أو التقريب بين الناس فلا تزيد الهوة في المستويات بين أفراد الشعب الواحد.

علي اننا يجب ان نميز بين الشخص الذكي صاحب المواهب الذي يستطيع ان ينمي رزقه وان دخل في مشروع ينجح فيه وبين شخص غيره لا ذكاء له ولا نشاط وهو الذي يتسبب في فقره وليس من العدالة الاجتماعية المساواة بين ذكي وغبي أو بين نشيط وخامل وبين صاحب مواهب ومن لا مواهب له! إنما كل واحد ينال من الأجر حسب قدرته علي العمل والإنتاج.

إذن لابد ان توجد في المجتمع طبقات ولكننا لا نريد ان تكون الهوة واسعة بين اعلي الطبقات وأدناها بحيث تختفي الطبقة الوسطي ويتكون المجتمع من كبار الأغنياء وأدني الفقراء!

وفي كل ذلك لا يعقل إطلاقا ان يكون الجميع في مستوي واحد وإلا فلماذا إذن ان يتعب من يتعب ويجاهد من يجاهد وإلا أيضا ستزول الحوافز الداخلية ويشعر المرء انه تعب أو لم يتعب فالأمر سيان!

علي اننا في وجوب العدالة الاجتماعية نتحدث عن الفقير رغم انفه الذي يريد ان يعمل ولا تتاح له فرصة للعمل أو الذي يكافح حتى ينتهي من دراسته الجامعية ثم يصطدم بمشكلة البطالة حقا لا نقول ان هذا ذنبه إنما هي خطيئة المجتمع الذي لا يوجد له عملا ولا رزقا.

ثم هناك أيضا مشكلة الذين يريدون ان يتعلموا والفرصة لا تتاح لهم كثيرا لأن عبارة مجانية التعليم التي نادت به الدولة قديما أصبحت لا توجد في الواقع العملي وضاعت عبارة الدكتور طه حسين عميد الأدب العربي حينما قال وهو وزير للتعليم إن العلم لازم كالماء والهواء.

حقا ماذا يفعل الإنسان العادي امام مشكلة المصروفات المدرسية التي ترهقه في تعليم أبنائه ومشكلة الدروس الخصوصية أو المجموعات وبوجه خاص في مدارس اللغات؟!

بالاضافة إلى ذلك كله ان مشكلة أطفال الشوارع هي عار في جبين العدالة الاجتماعية ومعها النسبة الكبري ممن صنفوا بأنهم تحت مستوي الفقر ويدخل معهم كثيرون من سكان النجوع الذين لا يجدون ضروريات الحياة من جميع نواحيها.

ان الدولة مسئولة امام الله والناس علي رعاية كل الشعب من جهة المأكل والمشرب والملبس وان تكفل لهم حياة لا يشعرون فيها بالعوز ومذلة الاحتياج وهنا نتعرض لمشكلة غلاء الأسعار وعدم كفاية مستوي الأجور لتغطيتها ومعروف ثمن الطعام هو نفس ثمنه بالنسبة للفقير والغني من يأتي الفقير بطعامه وطعام أولاده؟!

كذلك فإن مبدأ تكافؤ الفرص هو من اهم مبادئ العدالة الاجتماعية وهو بلا شك يتنافي مع ما يحدث في المجتمع من المحاباة والمحسوبية والتمييز وعدم المساواة في التوظيف وفي الترقية ولكنها تدخل تحت موضوع الظلم الاجتماعي الذي لا تقره العدالة الاجتماعية.

وهنا ندخل في موضوع الاشتراكية وما معناها هل تعني اشتراكنا معا في كل الحقوق السياسية وفي كل الحقوق الاجتماعية واشتراكنا في خير هذا الوطن وفي مصيره؟ أم ان عبارة الاشتراكية اصبحت بلا مفهوم واضح وأيضًا العلاج علي نفقة الدولة فكثير من أفراد الشعب حاليا ليست لهم قدرة علي مواجهة بعض الأمراض سواء من جهة تكاليف العلاج أو ثمن الادوية وكل هذا ضد العدالة الاجتماعية.

إننا نشجع ما تفعله الجمعيات الخيرية والهيئات التعاونية وما تقوم به الملاجئ ودور الإيواء وجمعيات الإسعاف وأيضًا ما تقوم به الأيدي السخية في العطاء كل أولئك لمساعدة الدولة فيما تعمله من جهة ورفع الأجور وما تنوي ان تعمله كلما أتيحت لها إمكانات أكثر ونصلي من اجل ان تسود العدالة الاجتماعية في كل موضع حتى تصبح عدالة كاملة شاملة بقدر المستطاع.
 

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,327
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus

مصر.. محبتها وعظمتها


قداسه البابا


في الوقت الحاضر الذي نري فيه أهمية اهتمام العالم كله بمصر, وحديثه عنها وتتبع أخبارها, يليق بنا الآن أن نركز علي مصر وأهميتها وعظمتها, ومحبة أبنائها لها.‏

† مصر في موقعها الجغرافي الممتاز, إذ تتوسط ثلاث قارات هي إفريقيا وآسيا وأوروبا.

.. وبهذا تكون لها علاقات بهذه القارات قديمًا وحديثًا, وهي بهذا أيضا تكون في قلب الشرق الأوسط, بل هي أهم دولة في الشرق الأوسط وأقوي دولة فيه, وهي ميزان قوته.

ومن جهة العدد هي الأكثر عددا, إذ أن شعبها أكثر من ثمانين مليونًا.


† ومصر محبوبة جدا من أبنائها, كلهم يتحدون حول مصر, وتجمعهم محبة مصر, ويتغنون بها, ويرفعون شأنها ويقولون مصر أم الدنيا, وأيضا مصر هي وطن يعيش فينا, بل يقول العوام في محبتهم لمصر وحلاوة مصر: اللي بنى مصر, كان في الأصل حلواني: كما يقول الشاعر: مصر التي في مهجتي (أو مصر التي في خاطري)..

وأتذكر أنني قلت في محبة مصر, منذ أكثر من سنتين:

جعلتك يا مصر في مهجتي وأهواك يا مصر عمق الهوى

إذا غبت عنك ولو فترة أذوب حنينا أقاسي النوى

إذا ما عطشت إلي الحب يوما بحبك يا مصر قلبي ارتوى

نوى الكل رفعك فوق الرؤوس وحقا لكل امرئ ما نوى

† نعم, مصر التي هي من أقدم بلاد الأرض في حضارتها التي ترجع إلي سبعة آلاف سنة من الزمان, قدمت فيها للعالم ألوانا من الفن والعلم والعمارة ما نفخر به جميعا, وما يشتهي العالم شيئا منه, ويجذب إليه آلاف السائحين كل عام.. وفي قمة ذلك: الأهرام الثلاثة التي تعتبر من عجائب الدنيا السبع, وأيضا أبو الهول, والمسلات والمعابد, ووادي الكباش في الأقصر، وستجد هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت قسم كامل عن مصر عبر العصور. بالإضافة إلي هرم سقارة ومجموعة من التماثيل والصور والقطع الفنية والمومياوات التي تزخر بها متاحف مصر العظيمة وسائر فروعه من المتاحف.

† مصر أيضا التي عرفت الكتابة قبل غيرها من البلاد.. وكانت تكتب علي ورق البردي المعروف باسم Papyrus ومن اسمه أخذت كلمة Paper بالإنجليزية وكلمة Papier بالفرنسية, وكلمة Papier بالألمانية.

† أيضا مصر التي نبغت في كثير من العلوم, ولعل في قمتها فن التحنيط بما فيها من عمق العلم والجراحة, ومعروف أن علم الكيمياء مأخوذ من مصر التي اسمها في الهيروغليفية (كمت) وفي القبطية Xhmi (كيمي), وكذلك الطب فكلمة طبيب بالمصرية Cini والمصدر منها مدسيني, وأخذت منه كلمة Medicine ومشتقاتها.

† نذكر أيضا علاقة مصر بالأنبياء ففيها ولد موسي النبي ومعني اسمه باللغة المصرية (المأخوذ من الماء) أي ماء مصر, ويوسف الصديق كان أعظم وزير تموين عرفته مصر, استطاع أن ينقذها والبلاد المجاورة من سنوات المجاعة, وأيضا مصر زارها أبو الأنبياء إبراهيم, كما زارتها العائلة المقدسة وقضت فيها ثلاث سنوات ونصف السنة.

ولا ننسي أن مصر أثناء العالم الوثني كانت تؤمن بالحياة بعد الموت, وبالثواب والعقاب, وعودة الروح إلى الجسد, ونادت بالتوحيد أيام إخناتون.

ومصر أيضا موطن الأزهر الشريف, وأصل الرهبنة للعالم كله, لذلك جميع شعبها متدينون, كما أنها بلد الشهداء.

† مصر التي في عصرها الحديث, حفرت قناة السويس, فصارت بركة مواصلات للعالم, تربط الشرق بالغرب. ومصر أيضًا أقامت السد العالي الذي يحفظها من فترات الجفاف ومصر هي التي دافعت عن فلسطين أكثر من الكل, وهي التي رفضت قواعد أجنبية علي أراضيها ومصر هي التي صارت مركزا لاجتماع قادة العرب.

† حفظ الله مصر وأبقاها, هذه التي قيل عنها في سفر أشعياء «مُبَارَكٌ شَعْبِي مِصْرُ" (سفر إشعياء 19: 25). وعلينا كلنا واجب من أجلها أن نحافظ علي مصر, وعلي أمنها وسلامتها.. وكلنا نصلي من أجل مصر.
 
أعلى