الرئيس الشاب...

الكرمه الصغيره

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
24 ديسمبر 2012
المشاركات
2,622
مستوى التفاعل
786
النقاط
113

(متى ١٩: ١٦ – ٢٢)
الرئيس الشاب
تصور لنا هذه القصة شاباً يواجه يسوع. وكان رئيساً. وهذا يعني أنه تخطى سنّ الثلاثين. ويقال أنه كان يتمشى مع يسوع في سني حياته، وهنا نواجه التناقض بينه وبين يسوع، فمن الناحية نرى رجلاً مستكمل الرجولة، وله أملاك كثيرة، ومن الناحية الأخرى نرى يسوع في السن عينها تقريباً، لا يملك شيئاً ولا مأوى له.
وإذ نتطلع إلى الرجل نتذكر أنه كان ذا أملاك كثيرة. كان رجلاً ثرياً. وفي الثراء فرصة عظيمة وأخطار أليمة. ولا مجال للنقاش في الفرصة التي يوجدها الثراء. ويكفي أن نشير إلى أحد أقوال يسوع بهذا الخصوص «اصنعوا لكم أصدقاء بمال الظلم حتى إذا فنيتم يقبلونكم في المظال الأبدية». وهذا يرينا أن الأجيال اللاحقة للحياة الأرضية قد تعتمد على استعمال الغنى الأرضي. وعلينا أن نستعمل أموالنا بطريقة تنفعا في الجانب الآخر من الحياة حتى بعد فناء هذه الأموال. وكذلك يخلق الغنى أخطاراً أليمة. والثروة دائماً تحمل معها متاعبها. ولذلك قال يسوع
«إن كان لأحد كثير فليست حياته من أمواله».
وواضح أن ذلك الرجل كان ذا مزاج رقيق جميل. وهذا ظاهر من حقيقة إدراكه. وقد كان الناس من طبقته معادون ليسوع. وأما هو فكان يراقب يسوع ويستمع إليه. وبذلك رأى صلاحه. وعندما خاطبه قال له: «أيها المعلم الصالح».
ويذكر كتّاب البشائر الثلاثة الأولى – متى ومرقس ولوقا – قصة هذا الشاب مباشرة بعد حادثة إحضار الأولاد إلى يسوع. ولعلَّ الشاب كان يراقب يسوع في ذلك الموقف، فرأى فيه شيئين: الغضب واللطف: الغضب ضد كل من يحاول أن يمنع الأولاد عن الوصول إليه، ثم اللطف الذي ظهر في احتضان يسوع للأولاد، وفي يده التي امتدت عليهم بالبركة، وأدرك الشاب صلاحاً في يسوع، فركض وجثا له وقال: «أيها المعلم الصالح». وبذلك برهن على أنه كان ذا إدراك وفهم.
كما أنه كان شجاعاً. وكما سبق القول، كان رؤساء اليهود أعداء ليسوع في ذلك الوقت. فكانت جرأة كبيرة منه أن يتقدم إلى يسوع ويتكلم معه بطريقة تعلن أنه يعرف صلاح يسوع، أو أنه المعلم الصالح.
وكان أيضاً متشحاً بالتواضع. فعندما وصل إلى حضرة يسوع، الذي شاهد صلاحه، جثا. وبذلك برهن على أنه رأى حقيقة نفسه، كما رأى عظمة يسوع وصلاحه.
ثم نأتي إلى ما كان أسمى شيء في حياة ذلك الرجل. كان ينقصه شيء، وهو عرف ذلك الشيء. كان ذا أملاك كثيرة، وكان ذا مركز عظيم بين شعبه، وكان ذا مزاج طبيعي رفيع. وكان ذا سجل نظيف. ولكن كان يعوزه شيء. ومن أجل هذا الشيء جاء إلى يسوع يسأل: «ماذا أفعل لأرث الحياة الأبدية؟». فهو قد أحس أنه لا يملك الحياة في ملئها. ومن المهم جداً أن نعرف فحوى هذه العبارة «الحياة الأبدية». ونحن نميل إلى الفكر أنها حياة لن تنتهي. ولكن الحياة الأبدية أكثر من ذلك. ويمكن أن نضع سؤال الشاب في صورة أدق «أيها المعلم الصالح ماذا أعمل لأرث حياة الدهور؟». نستطيع أن ندرك أنه لم يكن عائشاً الحياة في كمالها. قد تاق إلى الحياة الفضلى. وكانت صيحة قلبه هي صيحة طبيعته الروحية نحو الله. وكان يؤمن بالله يقيناً، وكان رئيساً، وآمن بشريعة الله، وأطاع ما فيها مما يختص بعلاقته بأخيه الإنسان، ومع ذلك فقد عرف في قرارة نفسه أنه كان يعوزه شيء.
هذا هو الرئيس الشاب الذي أسرع إلى عيادة يسوع الطبيب الأعظم. فدعونا نتأمل كيف عامله يسوع:
واجهه يسوع بالقول: «لماذا تدعوني صالحاً؟ ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله». فماذا يعني هذا السؤال. وذلك التصريح؟ لاشك أنه يعني أحد أمرين: فإما أن يسوع ليس صالحاً أو أنه الله. وهذه مشكلة في تفكير ذلك الشاب المفكر. ولم تخبرنا نهاية القصة إن كان قد فهمه أم تركه. ثم بعد ذلك حالاً نرى يسوع يلقي عليه أشعة نور الوصايا المدونة على اللوح الثاني من الشريعة. ذلك لأن الشاب كان مقصراً في هذه الوصايا بالذات. ولما ادَّعى أنه حفظ كل هذه الوصايا – تساءل «فماذا يعوزني بعد؟». وهنا أجابه يسوع: "يعوزك شيء واحد". فماذا كان يعوز ذلك الشاب الغني؟ أكان يعوزه الفقر! هل هذا الرأي يخالف كل تعاليم يسوع. لم يفرض يسوع أبداً الفقر كضرورة لازمة للحياة. ولكنه أخبر الناس أن يستعملوا أملاكهم وثرواتهم في الطريق الصحيح، وأن يستعلموا موازين الأبدية ليزنوا بها أملاكهم الزمنية.
«إذهب بع كل مالك، وأعط الفقراء، فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني».
أمره يسوع أن يبيع كل ماله ويعطي الفقراء، لأن أمواله وأملاكه، في هذه الحال، كانت تحول بينه وبين شيء أسمى. وهنالك أشياء أخرى غير الثروة تقف في سبيل الوصول إلى الأشياء الأسمى التي تتوق إليها نفوسنا.
«فمضى حزيناً لأنه كان ذا أموال كثيرة». وشعاعة الأمل في الكلمة «حزيناً». لأن الأموال الكثيرة لا تجعل الإنسان حزيناً، ولكن عندما يطلب من الإنسان أن يضع الأموال في كفة مقابل حياته، ينشأ الحزن
ولا نعلم النتيجة النهائية. فإما أن الشاب عاد إلى أمواله وأقنع نفسه أنه كان جاهلاً فيما فعل، أو أنه عندما رجع إلى بيته أخذ يفكر في لقائه مع يسوع، إلى أن جاءت لحظة في حياته حين قام وأطاع قول يسوع «اذهب»، طاعة كاملة وأزاح كل شيء في طريقه، واستجاب لقول يسوع «وتعال» حيث خضع بجملته لربه وسيده.


كثيراً ما نقابل مثل هذا الشاب في الجامعات أو في الأعمال المختلفة، وليس من الضروري أن يكونوا ذوي أموال كثيرة ولكنهم أصحاب مراكز ممتازة، ولهم سجل حياة نظيف، وكثيراً ما نسمعهم يقولون: إنهم لا يحتاجون إلى المسيح، لأنهم ظرفاء متأدبون يعرفون ما عليهم نحو الآخرين ومالهم من الآخرين. ولكن ليعلم هؤلاء أن يسوع يقول لكل واحد منهم «يعوزك شيء واحد». «اذهب». «وتعال». إذهب وارفع كل عائق في طريق مجيئك إليَّ. ثم «تعال» و «اتبعني».
أشكرك أحبك كثيراً
ربي يسوع المسيح
ياعشقي الذي لن ينتهي الى الأبد
آمين


الكرمه...
 
أعلى