سلسلة مقالات في سيكولوجية الاعتراف 3/6 - الأبعاد السيكولوجية للحِل والمغفرة - نيقولاس ڤ. جامڤ‍اس

ROWIS

رويس
عضو مبارك
إنضم
3 يوليو 2007
المشاركات
2,619
مستوى التفاعل
388
النقاط
83
سلسلة مقالات في سيكولوجية الاعتراف 3/6 - الأبعاد السيكولوجية للحِل والمغفرة - نيقولاس ڤ. جامڤ‍اس

سلسلة مقالات في سيكولوجية الاعتراف 3/6 - نيقولاس ڤ. جامڤ‍اس

الأبعاد السيكولوجية للحِل والمغفرة
Psychological Aspects of Absolution and Forgiveness
3348582694.jpg


بالاعتراف ينال المرء المغفرة والحِل وهكذا الشفاء، ويخدم الكاهن كوكيل لروح الله، وعندما يقرأ صلاة التحليل للمعترف، يقوم بدور وسيط أو وكيل الله وتُغفر الخطايا ويتم الشفاء.
ورغم أن علم النفس لا يتناول بصورة مباشرة مفاهيم الغفران والحِل، إلا أن المفهومات السيكولوجية يمكن أن تستخدم للوصول إلى فهم أفضل للغفران والحِل ولإدراك تأثيراتهما على النفس، إذ أنهما الوسيلة التي بها يتصالح الإنسان المسيحية مع الله ومع جماعة المؤمنين، وهكذا يمثلان وسيلة يستطيع بها الإنسان أن يتخلص من تسمره وثباته عند خبرات معينة مؤلمة أو من مشاعر الذنب التي تمنع الشخصية من أن تتكامل بصورة شاملة وأن تكون كلاً واحداً متناسقاً، وبينما لا يستطيع الطبيب أن يهب الغفران للمريض، يمكنه أن يساعده ليدرك مسئوليته الشخصية عن أعماله، وهكذا يحرر نفسه ويستطيع أن يضع حداً لإختلافاته مع الأخرين واخيراً مع الله.
وبالمغفرة والحِل يتحرر الذهن من التوترات المؤثرة التي أوجدتها القوى المتصارعة داخل النفس، وهذا يحد من قوة وسيطرة تحكم الذات، مما يسمح لعناصر من اللاشعور أن تظهر وتلعب دوراً أكثر فاعلية وتعطي الشخص وصولاً إلى الطاقات الخلاقة الكائنة داخله، وعندئذ ينال الشخص القدرة إلى إعادة تجميع العناصر المتباعدة داخل نفسه وصياغتها في شكل جديد أكثر فاعلية.
وفي التقليد الأرثوذكسي، لابد أن يعترف المؤمنون قبل أن يتقدموا للتناول من الأسرار المقدسة، وتشجع الكنيسة أبناؤها على الاعتراف بتكرار وإنتظام حتى يتنقلوا من الخطية ويكون لهم شركة كاملة مع الكنيسة، فالاعتراف المنتظم هو الجهاد القانوني الذي به يحيا الإنسان الإنتماء التام إلى الكنيسة جسد المسيح.
والحاجة إلى الاعتراف ونوال المغفرة تدل على إدراك واعي وتقوى شخصية، ولذلك جعلته الكنيسة شرطاً أساسياً لابد أن يمارسه كل أرثوذكسي يريد أن يتقدم للشركة في النعمة الإلهية ونوال المغفرة، ولكن يجب ألا يصير الاعتراف مجرد حفاظاً على طقس أو مجرد عادة نحرص على ادائها، دون أن نعي جوهرها وقيمتها وفاعليتها، ولذلك كتب الأباء كثيراً محذرين من هذه الاتجاهات (الممارسة الشكلية).
وبغض النظر عن أنماط الشخصيات، فإن هناك دوماً اشتياق لنوال الحِل والمغفرة، هناك ذاك الاحتياج الإنساني داخل المسيحي الأرثوذكسي إلى العودة إلى محبة الله ثانية، إلى تنقية الضمير، إلى الشعور بالشفاء مرة ثانية، هناك اشتياق إلى التعاطف والمساعدة والارشاد للوصول إلى ملء المحبة في الحياة بحسب البر في المسيح يسوع، وهناك ايضاً احتياجاً الداخلي أن نحكي لشخص أخر عما يزعجنا ويؤلمنا... هذه الحاجات والاشتياقات كلها تمثل القوة الدافعة التي تحثنا على الاعتراف.

الثقة والشركة - Confidentiality and Sharing
تعتبر ثقة المعترف في أب اعترافه مكوناً أساسياً في عملية الاعتراف الجاد، ولابد أن يتمتع الكاهن بسلطان داخلي، ولكن ليس لجميع الأباء الكهنة القدرة على تحقيق نتائج إيجابية مع أبناءهم المعترفين.
وفي علاقة أب الاعتراف بالمعترف، لابد أن يستبعد الأب الكاهن أي أمر من شأنه أن يزعج أو يتعب المعترف التائب، وبحسب تعليم الكنيسة، ليس الكاهن مجرد مسيطر أو حاكم على التائب بل هو أبوه الروحي المُحب، والإرادة الطيبة تجاه الشخص الذي يحتاج للتقويم تأتي دوماً بثمار أفضل من السلطان، التشجيع أفضل من التهديدات، المحبة أفضل من القوة، ويجب أن تصير الصفات الشخصية النموذجية لأب الاعتراف، سلوكاً يسلكه الكاهن في تصرفاته أثناء سر الاعتراف المقدس.
وكلما ازدادت بشاعة الخطية، كلما كان من الواجب أن يكون أب الاعتراف مريحاً ومعزياً أكثر، مشجعاً التائب أن يعترف، ويجب أن يضبط الكاهن نفسه ولا يبدي أي علامات نفاذ صبر أو دهشة أو رفض إذ يجب ألا يشعر المعترف بالخوف أو بالخجل.
والسمات الشخصية لأب الاعتراف هامة للغاية في ممارسة دوره كطبيب للنفس، ويجب أن يبحث عن أسباب الخطية، ويقدم الإرشاد والتداريب اللازمة لمعالجة الخطية، وايضاً النصيحة الوقائية التي تمنع تكرار سقوط التائب فيها.
ولكي يكون الكاهن ناجحاً كأب اعتراف، لابد أن يتصف بالقدرة على التمييز (موهبة الإفراز) ويكتسب المهارات السيكولوجية الناضجة، إذ لابد أن يكون قادراً على تقييم وتمييز الحالة العقلية للتائب مع إنفاق الوقت الكافي لبنائه والاهتمام به من أجل نموه في القامة والنعمة.
والكاهن الذي نال الكرامة والمسؤلية بأن يكون أب اعتراف لابد أن يفهم ويعي كيف يسأل التائب عن خطاياه، وبالمثل لابد أن يكون الكاهن صديقاً للمعترف وموضوع ثقته.
ويجب أن تنشأ بين أب الاعتراف وابنه المعترف علاقة صداقة، وعلى المعترف أن يضع كل ثقته في أب اعترافه مع توقيره واحترامه، مع الحرص على ألا يتسبب التوقير والاحترام في تقليل الثقة، وألا تتسبب الثقة في تقليل التوقير والاحترام.
وفضائل أب الاعتراف هي خير دليل على الاعتراف الناجح وعلى الاهتمام بالمعترف، ولابد أن يكون هناك تقارب وثقة وعلاقة تبادلية بينهما، حتى يعين الكاهن الشخص المعترف كي يكشف عن نفسه بكاملها ويجاهد لأجل الكمال الروحي في المسيح، وقد كان سر نجاح أباء الكنيسة وقديسيها كأباء اعتراف هو بذلهم لذواتهم وجهادهم حتى استطاعوا بشخصياتهم المبنية في المسيح يسوع أن يقتنوا الإرادة والقدرة على تقديم ذواتهم لكل من يأتيهم طالباً المعونة الروحية أو كلمة منفعة أو التحرر من خطاياه بالاعتراف.
وفي سر الاعتراف يتدخل العديد من العوامل الشخصية، فالمكونات الفعلية للصداقة والتلاقي بين الكاهن والمعترف تفترض مسبقاً وجود صفات ومقومات الثقة والإستئمان، وايضاً في سر الاعتراف يزداد سلطان الكاهن تأكيداً، وهذا السلطان يعطي الكاهن السمة الضرورية كمعلم ومدبر وخديم للسر وكوكيل لسرائر الله.

رمزية الكاهن كأب اعتراف – The Symbolism of The Priest as Father Confessor
يحتاج التائب لأن يعترف لشخص ذي سلطان في الكنيسة، وهذا الشخص كما أسلفنا هو الكاهن، الذي يعترف له التائب وهو بسلطانه الممنوح له من الله يهبه الغفران والحِل من ربنا يسوع المسيح، رغم أن الناس يريدون أن يعترفوا لله، إلا أنهم يحتاجون لأب اعتراف ليكون وكيلاً لله.
ووجود الأب الكاهن صاحب السلطان هو احتياج يضمن أن يؤتي الاعتراف بثمار طيبة، وحاجة المعترف للكاهن تتضح بصورة رمزية في واقعية اعتراف الشخص عن أعمق أسراره الباطنية، ولذلك عن طريق رمزية الكاهن كوسيط ووكيل لسرائر الله، تُشبع حاجة التائب العميقة لأن يرتاح ويتحرر من الشعور بالذنب، وتتضح بالأكثر حاجة التائب للجلوس مع أب الاعتراف –كرمز للمغفرة- في طلبه الغفران والحِل والتحرر من خطاياه.
وتتباين الحاجة إلى الاعتراف وإلى التقدم للأسرار وإلى الكاهن كرمز لسلطان الكنيسة، من شخص لأخر، فالحاجة إلى السلطان يكون لها السيادة الكلية في الحياة العاطفية لبعض الناس غير المتدينين وهم يخضعون لها تماماً، وهذه ظاهرة معروفة ومنتشرة جداً بين هؤلاء الذين يعجزون عن مواجهة مشاكل الحياة وحدهم psychastheniques، وهذا الاحتياج للوقوع تحت قيادة تدبير شخص أخر –والموجود في الطفولة- كما يخبرنا علماء النفس، يمثل جزءً من حياتنا الشعورية العادية، وغريزة الخضوع instinct of submission هذه تعني رغبة الإنسان وميله لأن يضع نفسه تحت سيادة سلطان ما.
ومن الواضح –وهي حقيقة ايضاً- ان المعترف يشعر برغبة عميقة وباحتياج لأن يتقابل مع هذا السلطان ويجده في شخص أب الاعتراف، ويتمثل سلطان أب الاعتراف في قدرته على إراحة التائب من خطيته وتحريره منها بالغفران والحِل، كما أن له ايضاً القدرة على تقديم التعليم الكنسي المشجع الإيجابي للتائب، ذاك هو التعليم بأن نعمة الله تسند وتقوم وتصلح وتقيم التائب من سقطته وخطيته، بل إن السبب الأول وراء نوال أب الاعتراف ثقة المعترف هو انه يقدم له ضماناً وتأكيداً لقيامته وتحرره من خطيته.
وهكذا، في سر الاعتراف يؤدي أب الاعتراف دورين:
الأول: ينبع من سلطانه المُعطى له بنعمة الكهنوت.
والثاني: هو قدرته الشخصية على الإرشاد الروحي وتقديم المحبة والصداقة الأبوية للمعترف.
وبحسب علم النفس وتعليم الكنيسة المقدسة، فإن لثقة التائب في سر الاعتراف كتأسيس وترتيب إلهي أثراً علاجياً فعالاً، ويلازم الحاجة إلى أب الاعتراف دوماً رغبة في الوثوق في شخص أخر وجعله موضع ثقة المعترف.
إن المعترفين يحتاجون إلى فهم وتعاطف وإهتمام ورعاية وغفران، فثقتهم الكاملة التي يضعونها في الكاهن إنما هي تسليم صادق لشخص المسيح رئيس كهنة الخيرات العتيدة.

من كتاب [ سيكولوجية الاعتراف ] – نيقولاس ف. جامفاس

________
*الصورة: عودة الابن الضال للفنان الاسباني "
بارتولومي استيبان موريللو"
________
*لقراءة المقالة الأولى [سلسلة مقالات في سيكولوجية الاعتراف 1/6 - مفاهيم سيكولوجية عن الخطية والذنب - نيقولاس ﭫ. جامفاس]
http://www.arabchurch.com/forums/showthread.php?t=245131

*لقراءة المقالة الثانية [سلسلة مقالات في سيكولوجية الاعتراف 2/6 -
فعل الاعتراف - نيقولاس ﭫ. جامفاس]
http://www.arabchurch.com/forums/showthread.php?t=246285
________
وسأكتب باقي المقالات تباعاً في الأيام القادمة...
تابعوا
 
أعلى