انطونيات .......

صوت صارخ

New member
إنضم
3 أغسطس 2007
المشاركات
30,370
مستوى التفاعل
3,280
النقاط
0
الإقامة
تحت قدمى المصلوب
اليوم يوافق ذكرى نياحة كوكب البرية الانبا انطونيوس ابو الرهبان ومؤسس نظام الرهبنة فى العالم
بركاته تكون معنا ..... آمين

بدء رهبنته
قيل عن القديس أنطونيوس إنه كان من أهل صعيد مصر من جنس الأقباط، وسيرته عجيبة طويلة، فلنذكر اليسير من فضائله:
إنه لما توفي والده دخل عليه وتأمله، وتفكَّر كثيرا وقال: تبارك اسم الله، أليست هذه الجثة كاملة ولم يتغير منها شيء البتة إلا توقُّف هذا النَفس الضعيف؟ فأين هي همَّتك وعزيمتك وأمرك وسطوتك العظيمة وجمعك للمال؟ أرى أن الجميع قد بطل وتركته، فيا لهذه الحسرة العظيمة والخسارة الجسيمة. ثم نظر إلى والده وقال: إن كنت أنت قد خرجت من العالم بغير اختيارك فلا أعجبن من ذلك، بل أعجب أنا من نفسي إن عملت كعملك .....ثم إنه بهذه الفكرة الواحدة الصغيرة ترك والده بغير دفنٍ وترك كل ما خّلفه من مال ونعيم وخدم وحشم وخرج تائها هائما على وجهه قائلا: أخرج أنا من الدنيا طائعا ولا يخرجونني مثل أبي كارها.....
وظلَّ سائرا حتى وصل إلى شاطئ النهر فوجد هناك جميزة كبيرة وعندها بربا فسكن هناك ولازم النسك العظيم والصوم الطويل وكان بالقرب من ذلك الموضع عربان فاتفق في يوم من الأيام أن امرأًة جميلة الصورة من العرب نزلت مع جواريها إلى النهر لتغسل رجليها، ورفعت ثيابها وكذلك جواريها، فلما رآهن أنطونيوس حول نظره عنهن وقتا ما ظنا منه أنهن يمضين، لكنهن بدأن في الاستحمام، فقال لها القديس: يا امرأة أما تستحين مني وأنا رجل راهب؟ أما هي فقالت له: اصمت يا إنسان، من أين أنت راهب؟ لو كنت راهبا لسكنت في البرية الداخلية، لأنه ليس ههنا مسكن رهبان, فلما سمع أنطونيوس هذه الكلمة لم يرد عليها جوابا، وكثر تعجبه لأنه لم يكن في ذلك الوقت قد شوهد راهب ولا عرف اسمه، فقال لنفسه: هذه الكلمة ليست من هذه المرأة، بل هذا هو صوت ملاك الرب يوبخني. ولوقته ترك ذلك الموضع وهرب إلى البرية الداخلية وأقام بها متوحدا، لأنه لم يكن في ذلك الموضع أحد غيره في ذلك الوقت، وكانت سكناه في قريةٍ عتيقةٍ مندثرةٍ في جبل العربة، صلاته تكون معنا آمين

من كتاب فردوس الآباء
 
التعديل الأخير:

صوت صارخ

New member
إنضم
3 أغسطس 2007
المشاركات
30,370
مستوى التفاعل
3,280
النقاط
0
الإقامة
تحت قدمى المصلوب
ذكر القديس أثناسيوس في كتابه "حياة القديس أنطونيوس" قصة ترك أنطونيوس للعالم هكذا:
بعد وفاة أبيه وأمه ترك وحيدا مع أختٍ واحدة صغيرة، وكان عمره ١٨ أو ٢٠ عاما، فُألقيت عليه مسئولية العناية بالبيت والأخت، ولم يمضِ على وفاة والديه ستة أشهر حتى ذهب ذات يومٍ كعادته إلى بيت الرب، وفي ذلك اليوم ناجى نفسه وتأمل وهو سائر كيف أن الرسل تركوا كل شيء وتبعوا المخلِّص وكيف ذُكر عنهم في أعمال الرسل أنهم باعوا ممتلكام وأتوا بأثمانها ووضعوها عند أرجل الرسل لتوزيعها على المحتاجين وكيف وُضع لهم رجاءٌ عظيم في السماء.
وإذ كان يتأمل في هذه الأمور دخل الكنيسة، وأثناء قراءة الإنجيل سمع الرب يقول للغني إن أردت أن تكون كاملا فاذهب وبِع أملاكك وأعطِ الفقراء وتعال اتبعني فيكون لك كنز في السماء وكأن الله قد ذكَّر أنطونيوس بالقديسين، وكأن تلك الفقرة قُرِئت له خصيصا، وللحال بعد خروجه من الكنيسة أعطى القرويين ممتلكات آبائه، وكانت ثلاثمائة فدان من أجود الأراضي، لكي لا تكون عثرًة في سبيله هو وأخته، وباقي المنقولات باعها، وإذ توفرت لديه أموال كثيرة أعطاها للفقراء محتفظا بالقليل لأخته.
دخل الكنيسة ثانيًة وسمع الرب يقول في الإنجيل: لا تهتموا للغد. فلم يستطع البقاء أكثر من ذلك، بل أعطى ذلك القليل أيضا للفقراء، وإذ أودع أخته لبعض العذارى المعروفات الأمينات لتنشأ في بيت العذارى، تفرغ للنسك خارج بيته محترسا لنفسه ومدربا ذاته بالصبر، إذ لم تكن هنالك حتى ذلك الوقت أديرة في مصر، ولم يعرف أي راهب على الإطلاق أي شيء عن البراري البعيدة، بل كان على كل من أراد أن يحترس لنفسه أن يتدرب على النسك في عزلةٍ بجوار قريته.
في ذلك الوقت كان في القرية المجاورة شيخ عاش عيشة النسك منذ شبابه، وبعد أن رأى أنطونيوس ذلك الرجل اقتدى به في التقوى, وفي أول الأمر ابتدأ يقيم في أماكن خارج القرية، وبعد ذلك كان كلما سمع عن رجل صالح في أي مكان خرج يطلبه مسرعا كالنحلة النشيطة، ولا يرجع إلى مكانه إلا بعد أن يراه، فيعود بعد أن يتزود من صلاح الرجل بالزاد الكافي لارتحاله في طريق الفضيلة.
وإذ أقام هناك في بداية الأمر صمم على عدم العودة إلى أماكن إقامة آبائه، أو العودة إلى ذكر أقربائه، بل عقد النية على إكمال النسك, وعلى أي حال فقد كان يعمل بيديه إذ كان قد سمع أن الكسول لا يأكل, وكان ينفق جزءًا لأجل القوت ويعطي الجزء الآخر للفقراء، وكان مثابرا على الصلاة، عاًلما أن المرء ينبغي أن يصلِّي في السر بلا انقطاع لأنه كان يتمسك بما يقرأ بحيث لم يسقط منه إلى الأرض شيء مما كُتب، بل تذكَّر الكل، وبعد ذلك أغنته ذاكرته عن الكتب.
وإذ سلك أنطونيوس هكذا أصبح محبوبا من الجميع، وكان يخضع بإخلاص لكل من زارهم من الصالحين، وعرف تماما أين كان يفوقه كل منهم في الغيرة والنسك. لاحظ لطف هذا وصلاة ذاك بلا انقطاع، وعرف تحرر هذا من الغضب ورقَّة ذاك, لاحظ هذا وهو يسهر وذاك وهو يدرس, أعجِب من هذا من أجل قوة احتماله، وبذاك من أجل
صومه ونومه على الأرض, راقب باهتمامٍ وداعة هذا وطول أناة ذاك، كما لاحظ تقوى الجميع نحو المسيح ومحبتهم المتبادلة … وهكذا إذ امتلأ كان يعود إلى مكان نسكه ويجاهد لاكتساب صفات الجميع، وتاق إلى إبراز فضائل الجميع في حياته, ولم يحاول منافسة نظرائه في السن سوى في أمرٍ واحدٍ، هو أن لا يكون أقل منهم في الأمور الأسمى, وهذا فعله بحيث لا يجرح شعور أي واحدٍ، بل جعلهم يفرحون به.
وهكذا عندما رآه بهذه الحال كل أهل تلك القرية والأشخاص الصالحون الذين تودد إليهم، صاروا يدعونه حبيب الله، ورحب به البعض كابن وغيرهم كأخ
 

صوت صارخ

New member
إنضم
3 أغسطس 2007
المشاركات
30,370
مستوى التفاعل
3,280
النقاط
0
الإقامة
تحت قدمى المصلوب
استلامه للحياة الرهبانية بيد ملاك

قيل عن القديس أنطونيوس إنه ذات يوم وهو جالس في قلايته أتى عليه بغتًة صغر نفس وملل وحيرة عظيمة وضاق صدره، فبدأ يشكو إلى الله ويقول: يا رب، إنني أحب أن أخلص والأفكار لا تتركني، فماذا أفعل؟ وقام من موضعه إلى موضعٍ آخر وجلس، وإذ برجلٍ جالسٍ مقابله وعليه اسطوانة (أي هالة) ومتوشح بزنار صليب مثال الإسكيم، وعلى رأسه كوكلسة شبه الخوذة، وكان جالسا يضفر الخوص، ثم قام ذلك الرجل عن عمله ووقف يصلِّي، ثم جلس يعمل أيضا، ثم قام أيضا وصلَّى، وأيضا جلس يعمل، وكان ذلك الرجل هو ملاك الله أُرسِل لعزاء القديس وتقويته, فقال له: يا أنطونيوس، افعل هكذا وأنت تستريح. فلما سمع كلام الملاك امتلأ فرحا وتعزيًة، ومن ذلك الوقت اتخذ أنطونيوس ذلك الزي الذي هو شكل الرهبنة، وصار يصلِّي ويعمل أيضا الضفيرة، ولم يعد الملل يضايقه بشدة، واستراح بقوة الرب يسوع المسيح له المجد
وقيل إن أنبا أنطونيوس هو الذي سلَّم الزي الرهباني للرهبنة بعد أن رأى الملاك مرتديا إياه
 

+ماريا+

نحوك اعيننا
عضو مبارك
إنضم
22 أكتوبر 2012
المشاركات
5,471
مستوى التفاعل
2,038
النقاط
113
مجهود رائع ابى الغالى
بركة صلوات الانبا انطونيوس تكون معنا امين
وتبارك خدمتك
متابعه
 

DODY2010

عضو نشيط
عضو نشيط
إنضم
27 نوفمبر 2006
المشاركات
1,176
مستوى التفاعل
41
النقاط
48
ركة صلوات الانبا انطونيوس تكون معنا امين
 

حبيب يسوع

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
15 مايو 2007
المشاركات
15,458
مستوى التفاعل
1,956
النقاط
0
سيرة الاب العظيم انطونيس سيرة مملؤة بالايمان الصادق
موضوع رائع ومفيد
الرب يباركك
 

صوت صارخ

New member
إنضم
3 أغسطس 2007
المشاركات
30,370
مستوى التفاعل
3,280
النقاط
0
الإقامة
تحت قدمى المصلوب
مخافة الله فى فكر الأنبا أنطونيوس

قال القديس أنطونيوس: رأس الحكمة مخافة الله, كما أن الضوء إذا دخل في بيتٍ مظلمٍ طرد ظلمته وأناره، هكذا خوف الله إذا دخل قلب الإنسان طرد عنه الجهل وعلَّمه كل الفضائل والحِكم.
سأل أخ أنبا أنطونيوس قائلا: ماذا أعمل لكي أجد رحمة الله؟ فقال له الشيخ: أحفظ هذا الذي أوصيك به: أينما ذهبت اجعل الله أمام عينيك دائما، وكل ما تفعله فلتكن لك عنه شهادة من الكتب المقدسة، وأي مكان تسكن فيه لا تنتقل منه سريعا, احفظ هذه الأمور الثلاثة وأنت تخلص

قال القديس أنطونيوس: ليكن خوف الله بين أعينكم دائما، واذكروا من يُميت ويحيي، وابغضوا العالم وكل ما فيه من نياح (أي راحة) الجسد، وموتوا عن هذه الحياة الفانية لتحيوا بالله, اذكروا ما وعدتم به الله فإنه يطلبه منكم في يوم الدينونة, جوعوا، اعطشوا، اسهروا، تعروا، نوحوا، ابكوا، تنهدوا، إِنوا في قلوبكم, اختبروا أنفسكم هل أنتم مستحقون لله؟ تهاونوا بالجسد لتحيا نفوسكم.

قال أنبا أنطونيوس: أنطوني لا يخاف الله, فقال له تلميذه: ما هذه الكلمة الصعبة يا أبتاه؟ قال: نعم يا ابني لأني أحبه، والحب يطرد الخوف من الله

اعتاد أنبا أنطونيوس أن يقول: يأتي وقت على بني البشر يصيرون فيه مجانين، وسيتركون عنهم مخافة الله، وعندما يرون إنسانا ليس مجنونا مثلهم يهاجمونه قائلين: أنت مجنون أبله، لأنه ليس مثلهم.
 

صوت صارخ

New member
إنضم
3 أغسطس 2007
المشاركات
30,370
مستوى التفاعل
3,280
النقاط
0
الإقامة
تحت قدمى المصلوب
قوانين ووصايا من أقوال القديس أنبا أنطونيوس لأولاده الرهبان بدير النقلون لما سألوه عن ذلك

قال: أنا أقول قوانين بما يقوله الرب على فمي للذين يحبون أن يلقوا بذواتهم تحت هذا الحمل الثقيل الذي هو الرهبنة, يجب أن يسمعوا هذه الوصايا، والذي يحل واحدًة منها يدعى حق يرا في ملكوت السموات:

أول كل شيء صلّىِ بلا ملل، واشكر الله في كل ما يأتي عليك، ومتى قمت باكرا في كل يوم فاسأل عن المرضى الذين عندك، وصم إلى التاسعة في كل يوم ما خلا السبت والأحد، ومتى جاءت الساعة التاسعة فلا تمضِ إلى مسكن أحدٍ من الإخوة، ومتى جلست لتأكل فصلِّ أولا قبل الأكل وكذلك بعده، واجعل صلاتك وقراءتك دائمة.

لا تتحدث مع صبي ولا طفل ولا تعاشره بالجملة ولا تجعله راهبا، ولا تقبل إليك شابا صغيرا قبل لباس الإسكيم لئلا يصالح العدو الشيطان، ولا ترقد على حصيرةٍ واحدة مع الأصغر منك، واحفظ ساعات الصلوات ولا تبطل واحدًة من ها لئلا تعطي الجواب عنها، ولا تشد على المريض في مأكولٍ ولا تؤخره عنه فتعكِّر نفسه المذلولة, إذا جاء إليك أخ بعد زمان فافرح به لكي يشكر الله ويشكرك.

لا تخالط علمانيا بالجملة ولا تظهر نفسك مثل الفريسي الذي صنع أموره بالرياء, لا تقرب إليك امرأة ولا تدعها تدخل مسكنك فالغضب يسير خلفها، ولا تعد تنظر أهلك الجسدانيين ولا تعطي لهم وجهك ليبصروه، ولا تذهب عندهم، ولا تبقي لك أكثر من حاجتك، ولا تدفع أكثر من قوتك، بل ادفع الصدقة لضعفاء الدير, صلِّ صلاتك في الليل قبل أن تذهب إلى الكنيسة، ولا تأكل مع أحدٍ يجسر عليك, وإذا حدث شك من أجل شاب لم يلبس الإسكيم بعد فلا تلبسه وأخرِجه من الدير
 

صوت صارخ

New member
إنضم
3 أغسطس 2007
المشاركات
30,370
مستوى التفاعل
3,280
النقاط
0
الإقامة
تحت قدمى المصلوب
حروب الشياطين للأنبا أنطونيوس

قيل عن القديس أنطونيوس: إنه لما دخل البرية الداخلية نظرت إليه الشياطين وانزعجوا واجتمعوا عليه وقالوا له: يا صبي العمر والعقل، كيف جسرت ودخلت إلى بلادنا، لأننا ما رأينا ههنا آدميا سواك؟ وابتدأوا يحاربونه كلهم، فقال لهم: يا أقوياء، ماذا تريدون مني أنا الضعيف المسكين؟ وما هو قدري حتى تجتمعوا كلكم علي وأنا تراب ووسخ ولا شيء، وضعيف عن قتال أحد أصاغركم؟ وكان يلقي بذاته على الأرض ويصرخ ويقول: يا ربي أعني وقو ضعفي، ارحمني يا رب فإني التجأت إليك، يا رب لا تتخلَّ عني، ولا يقو علي هؤلاء الذين يحسبون أني شيء، يا رب أنت تعلم أنني ضعيف عن مقاومة أحد أصاغر هؤلاء. وكانت الشياطين متى سمعوا هذه الصلاة المملوءة حياًة واتضاعا يهربون منه ولا يقدرون على الدنو إليه.

ومرًة جمع الأركون ( أي رئيس الشياطين) كل آلات اللهو والطرب واللذَّات والتنعم والنساء وسائر أنواع الزنى ولذاته، أما هو فكان يغمض عينيه ويقول: عجبا منكم! كيف تجعلون لي مقدارا وتحتالون على سقوطي وأنا أضعف من مقاومة أحد أصاغركم؟ ابعدوا عن ضعفي أنا المسكين التراب والرماد. وكانت الأفكار تسقط عنه بمعونة الرب، والشياطين تحترق من كثرة اتضاعه.

وفي عدة مرات كانوا يحضرون له جميع أنواع التخويف والانزعاج والتهويل والعذاب، فكان يصرخ إلى الله باتضاع ويقول: أنقذني يا رب بمعونتك ولا تبعد عن ضعفي. ففي الحال كانت الشياطين تهرب منه.

وفي مرات كثيرة كانوا يهجمون عليه ويضربونه ضربا مؤلمًا, وأقام هكذا ثلاثين سنة حتى نظر الرب يسوع المسيح إلى كثرة صبره واحتماله وكسر عنه شدة الأعداء, صلاته تكون معنا آمين
ويصف القديس أثناسيوس حروب الشيطان على أنبا أنطونيوس هكذا: لم يطِق الشيطان أن يرى مثل هذا الثبات في شاب، ففي البداية حاول أن يبعده عن النسك، هامسا في أذنيه بذكريات ثروته والعناية بأخته، ومطالب الأقارب ومحبة المال والمجد، وملذات الطعام وسائر تنعمات الحياة، وأخيرا صعوبة الفضيلة وما تتطّلبه من عناء، ثم صور أمامه أيضا ضعف الجسد وطول الوقت، وبالاختصار أثار ذهنه كثيرا محاولا أن يثنيه عن عزمه الثابت.

ولكن العدو عندما رأى نفسه ضعيفًا أمام عزم أنطونيوس، وُغلِب على أمره بسبب إيمانه العظيم وتجندل بسبب صلواته المستمرة، اعتمد أخيرا على أسلحته التي في "عضل بطنه" والتي يفتخر بها لأنها هي شراكه الأولى للشبان, وهاجم الشاب وأزعجه ليلا وضايقه نهارا، فعندما يعرض عليه الأفكار الشريرة كان يصدها بالصلوات، وعندما يصوب إليه سهام الشهوة يحمر خجلا ويحصن جسده بالإيمان والصلاة والصوم.

وفي إحدى الليالي اتخذ الشيطان شكل امرأةٍ وقلَّد كل حركاتها لإغواء أنطونيوس، أما هو فإذ امتلأ عقله بالمسيح، وإذ فكَّر في روحانية النفس أطفأ جمر خداع العدو, وحاول العدو أن يجذبه بنشوة الملذات، أما هو فإذ امتلأ غضبا وحزنا حول تفكيره إلى تهديد الله (للإنسان) بالنار والدود الذي لا يموت، فجاز التجربة دون أن يمس بأذى.

كل هذا أخزى عدوه، لأنه إذ كان يعتبر نفسه كإله هزأ به شاب، وذاك الذي افتخر على اللحم والدم اضطر أن يهرب أمام إنسان في الجسد، لأن الرب كان يعمل مع أنطونيوس، الرب الذي من أجلنا أخذ جسدا ووهب الجسد نصرًة على إبليس حتى يستطيع كل من يحارب بإخلاصٍ أن يقول: لست أنا بل نعمة الله التي معي (اكو 10:15).

وأخيرا لما عجز التنين عن غلبة أنطونيوس، ووجد نفسه أنه قد طُرد تماما من قلبه، صر على أسنانه، كما هو مكتوب، وخرج عن شكله وظهر لأنطونيوس كولدٍ أسود متخذا شكلا منظورا يتفق مع لون عقله. وإذ تظاهر بالتذلُّل أمامه لم يشأ أن يلح عليه بأفكار فيما بعد، لأنه لما تنكَّر هزِم أمامه.
وأخيرا تكلم بصوتٍ بشري وقال: لقد خدعت كثيرين، وطرحت كثيرين، ولكنني برهنت على ضعفي إذ هاجمتك وهاجمت كل جهودك وأتعابك كما هاجمت كثيرين غيرك. فسأله أنطونيوس: من أنت يا من تتكلم هكذا معي؟ أجاب بصوتٍ أسيفٍ: أنا صديق الزنى، وقد التحفت بالإغراءات التي تدفع الشبان إلى الزنى، وأنا أدعى روح الشهوة, كم خدعت كثيرين ممن أرادوا أن يعيشوا بالاحتشام, وما أكثر العفيفين الذين أقنعتهم بإغراءتي!؟ أنا الذي من أجلي يوبخ النبي أولئك الذين سقطوا قائلا: روح الزنى قد أضلكم, لأنهم بي قد أُعثِروا, أنا الذي ضايقتك كثيرا وغُلِبت منك كثيرا.
أما أنطونيوس فإذ قدم الشكر للرب قال له بكل شجاعةٍ: إًذا فأنت حقير جدا، لأنك أسود القلب، وضعيف كطفلٍ، ومن الآن لن أجزع منك لأن الرب معيني وأنا سأرى بأعدائي. وإذ سمع هذا ذاك الأسود هرب في الحال مرتجفًا من الكلام، ولم يجسر حتى على الاقتراب إلى الرجل
عندما تقدم أنبا أنطونيوس في السن كان وحده في الجبل الداخلي يصرف وقته في الصلاة والنسك, وحينئذٍ احتمل مصارعًة عنيفًة ليس مع لحم ودم كما هو مكتوب، بل مع الشياطين المقاومين كما علمنا ممن زاروه، لأنهم سمعوا هناك شغبا وأصواتا كثيرة وقرقعة كأنها قرقعة أسلحة، وفي الليل رأوا الجبل مليًئا بوحوش البرية، كما رأوا أنطونيوس أيضا مجاهدا كأنه يجاهد ضد كائناتٍ منظورةٍ، ومصلِّيا ضدها جاثيا ومجاهدا في الصلاة، وكل الذين زاروه شجعهم.

إنه لأمر عجيب أن شخصا وحيدا في بريةٍ كهذه لم يخش الشياطين التي هاجمته، ولا وحشية الوحوش والزحافات، لأنها كانت كثيرة جدا، ولكنه حًقا كما هو مكتوب: توكل على الرب مثل جبل صهيون, بإيمانٍ لا يتزعزع ولا يضطرب حتى إن الشياطين هربت منه، ووحوش البرية سالمته كما هو مكتوب.
كان إبليس كما يقول داود النبي في المزامير يراقب أنطونيوس ويحرق عليه أسنانه, أما أنطونيوس فكان متعزيا بالمخلِّص، وبقي سالمًا من حيله ومكائده المختلفة, كان يسهر بالليل فيرسل عليه إبليس وحوشا برية، وكأن كل ضباع تلك البرية تقريبا قد خرجت من جحورها وأحاطت به، وكان وهو في وسطها يهدده كلُّ واحدٍ بالعض, وإذ رأى حيلة العدو قال لها كلها: إن كان لكم سلطان علي فأنا مستعد أن تلتهموني، أما إن كنتم قد أُرسِلتم علي من قِبل الشياطين فلا تمكثوا بل انصرفوا لأنني عبد للمسيح. فهربت كلها أمام تلك الكلمة وكأنها قد ضربت بالسياط.

روى كثير من الرهبان, باتحاد الرأي, أن أمورا كثيرة تمّت على يدي أنبا أنطونيوس, فقد كان مرًة مزمعا أن يأكل، وقام ليصلِّي نحو الساعة التاسعة فأدرك أنه اختطف بالروح، والعجيب أنه وقف ورأى نفسه كأنه خارج جسده، وأنه اقتيد في الهواء بواسطة أشخاص معينين, وبعد ذلك وَقَفت في الهواء كائنات أخرى مرعبة وأرادت أن تعرقل مسيره، ولكن لما قاومها مرشدوه سأَلت عما إذا كان هو ليس مدينا لها، وعندما أرادت أن تلخص ديونه منذ ولادته أوقفهم مرشدو أنطونيوس قائلين: لقد مسح الرب خطاياه منذ ولادته، ولكن يمكنكم أن تحاسبوه منذ أن صار راهبا وكرس نفسه لله. ولما لم تستطع أن تثبِت عليه أية تهمةٍ أصبح طريقه خاليا وأزيلت عنه كل العراقيل، وللحال رأى نفسه كأنه قد أتى إلى جسده، وأصبح أنطونيوس كما كان من قبل.
وإذ نسي الأكل صار يئن ويصلِّي بقية النهار وطول الليل، لأنه دهِش إذ رأى كيف أن مصارعتنا هي مع خصومٍ أشداء، وكيف أننا يجب أن نجتاز الهواء بجهودٍ شاقة، ثم تذكر أن هذا هو ما قاله الرسول: حسب رئيس سلطان الهواء. لأن العدو له فيه سلطان ليحارب ويحاول تعطيل الذين يجوزون فيه, ولذلك قدم النصيحة بكل قوةٍ: احملوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تقاوموا في اليوم الشرير. وذلك لكي يخزى المضاد إذ ليس له شيء رديء يقوله عنا.
لقد اختطِف بولس الرسول إلى السماء الثالثة، وإذ سمع أمورا لا ينطق بها نزل؛ أما أنبا أنطونيوس فقد رأى أنه صار في الهواء، وصار يجاهد حتى تحرر.

وقال أيضا: أيها الأبناء، لا نمل من الطلب إلى صلاح الله لكي تدركنا معونته وتعلِّمنا أن نصنع ما ينبغي, وبحقٍ أقول لكم إن هذا الإناء الذي نحن حالُّون فيه، أعني الجسد، لهو لنا هلاك وموت ومملوءٌ من كل الحروب.
وحًقا أقول لكم، يا أولادي، إن كل إنسانٍ يتلذّذ بالشهوة ويتنازل معها فإن أفكاره تفرغه وتحطه إلى أسفل, إذا كان يقبل ما يلَقى في قلبه ويفرح ويتلذذ به ويقبله إليه كأنه سر عظيم، ولا سيما إذا كان ممتدحا بأعماله؛ فالذين هم هكذا تصير نفوسهم آلة للأرواح الشريرة ومجمعا للشرور، وأجسادهم خزائن لأسرار الظلمة مخزونًة فيها خفيًة، لأن الأرواح الشريرة تتسلّط على الذين هم هكذا“
لا تعلمون أنه ليس للشياطين فخ واحد لكي ندركه ونهرب منه؟ لأنهم ليسوا متجسدين حتى نراهم عيانا، بل افهموا أننا نهلك الأجساد إذا قبلناهم، ونفوسنا أيضا عندما تميل إلى أن تقبل شرورهم.
فالآن، أيها الأولاد الأحباء، لا نجعل لهم فينا موضعا وإلا فنحن نثير على أنفسنا غضب الله وهم لا يذهبون عنا بل يسخرون بنا, وبحقٍ إنهم يمكرون بنا في كل وقت بمشورتهم الرديئة واضطهادهم الخفي لنا، وبرذائلهم الدنسة مع قلة الأمانة التي يلقونها في قلوبنا كل يوم، وقساوة القلب والأوجاع التي يجلبونها علينا في كل حين، والقلق حتى نقلق كل يوم بما يجلبونه علينا، وربما يجعلوننا نضحك في وقت يجب فيه البكاء ثم نبكي في وقت الفرح.
لذلك لا نمل من الطلب إلى صلاح الله لتدركنا رحمته ومعونته لنتعّلم أن نصنع ما ينبغي لكي ننال العون والنجاة.

وقال أيضا للإخوة: بينما كنت سائرا يوما ما في الجبل، وجدت نعامًة مع صغارها، فلما رأتني لاذت بالفرار، وكأني سمعت الأم تقول لصغارها: انزلوا تحت الحجارة حتى لا يصطادوكم. وهكذا نحن أيضا، إذا قذَفتنا الشياطين بالأفكار الرديئة فلنرمهم بالحجارة المأخوذة من الحجر الذي أُخِذ من الرحم غير الدنس الذي للقديسة العذراء مريم, حجر الزاوية الذي يقاتل عنا بمهارةٍ وينقذنا من فخاخهم الرديئة.

قال القديس أنطونيوس: السيرة المستقيمة والإيمان بالله هما سلاح عظيم مقاوم للشياطين الذين يخافون من الصيام والنسك وسهر الليل والصلاة والهدوء والوداعة وبغضة الفضة والافتخار، والتواضع ومحبة المسكنة والرحمة وعدم الغضب وفعل البر في المسيح، لأن الشياطين يجاهدون جدا أن لا يقهروا، فلنذكر نحن في قلوبنا أن الرب كائن معنا في كل حين فلا تقدر الشياطين أن تصنع بنا شيًئا، وإن رأوا أننا خفنا وضعفنا يجعلون الخوف يزداد بالأكثر في قلوبنا بأفكارهم, فإذا وجدونا فرحين بالرب في كل حين وأننا نفكِّر في قلوبنا في الخيرات العتيدة ونتكلم فيما للرب ونفكِّر قائلين: إن كل شيء هو بيد الرب؛ فإن الشياطين لا تقدر أن تصنع شيئًا ولا لهم سلطان في شيء من الأشياء البتة, فإذا وجدوا النفس محصنًة بهذه الأفكار هكذا يخزون للوقت ويرجعون إلى ورائهم، لأنه هكذا وجد العدو أيوب محصنا ثابتا فتباعد عنه عندما لم يقدر أن يميل فكره عن الله، ولأجل هذا افتضِح.
فكمال كل الفضائل أن يكون الإنسان ثابتا متقويا بكل قلبه وكل نفسه بالرب ولا يحيد عنه بالجملة بأي حال ولا في أي وقت، بل يكون متحدا بأفكاره مع الله لأن الله هو متحد معنا بإيماننا به

ذهب أخ اسمه سمعان إلى الأب أنطونيوس وقال له: أيها الأب، رأيت في حلمٍ من يقول لي: اسكن مع إنسان يكون له ضِعف جهادك. فقال له القديس: هذا الذي ظهر لك هو الشيطان لأنه مدحك ووصفك بأنك عمال. فقال له الأخ: لقد كان مكتسيا بالنور. فقال له أنبا أنطونيوس: إن الشيطان نفسه يغير شكله إلى شبه ملاك نور. فقال الأخ في نفسه: إن الأب أنطونيوس يجهل الأمور المخفية. ولكن الأب أنطونيوس علم بذلك وقال له: ياعديم الشعور، لقد علمت أنه لما جاء إليك الشرير لم يُقل لك "سلام"، وأنت لم تتعرف عليه على الأقل بكون السلام لم يكن في فمه.
 

صوت صارخ

New member
إنضم
3 أغسطس 2007
المشاركات
30,370
مستوى التفاعل
3,280
النقاط
0
الإقامة
تحت قدمى المصلوب
حروب الشياطين للأنبا أنطونيوس

قيل عن القديس أنطونيوس: إنه لما دخل البرية الداخلية نظرت إليه الشياطين وانزعجوا واجتمعوا عليه وقالوا له: يا صبي العمر والعقل، كيف جسرت ودخلت إلى بلادنا، لأننا ما رأينا ههنا آدميا سواك؟ وابتدأوا يحاربونه كلهم، فقال لهم: يا أقوياء، ماذا تريدون مني أنا الضعيف المسكين؟ وما هو قدري حتى تجتمعوا كلكم علي وأنا تراب ووسخ ولا شيء، وضعيف عن قتال أحد أصاغركم؟ وكان يلقي بذاته على الأرض ويصرخ ويقول: يا ربي أعني وقو ضعفي، ارحمني يا رب فإني التجأت إليك، يا رب لا تتخلَّ عني، ولا يقو علي هؤلاء الذين يحسبون أني شيء، يا رب أنت تعلم أنني ضعيف عن مقاومة أحد أصاغر هؤلاء. وكانت الشياطين متى سمعوا هذه الصلاة المملوءة حياًة واتضاعا يهربون منه ولا يقدرون على الدنو إليه.

ومرًة جمع الأركون ( أي رئيس الشياطين) كل آلات اللهو والطرب واللذَّات والتنعم والنساء وسائر أنواع الزنى ولذاته، أما هو فكان يغمض عينيه ويقول: عجبا منكم! كيف تجعلون لي مقدارا وتحتالون على سقوطي وأنا أضعف من مقاومة أحد أصاغركم؟ ابعدوا عن ضعفي أنا المسكين التراب والرماد. وكانت الأفكار تسقط عنه بمعونة الرب، والشياطين تحترق من كثرة اتضاعه.

وفي عدة مرات كانوا يحضرون له جميع أنواع التخويف والانزعاج والتهويل والعذاب، فكان يصرخ إلى الله باتضاع ويقول: أنقذني يا رب بمعونتك ولا تبعد عن ضعفي. ففي الحال كانت الشياطين تهرب منه.

وفي مرات كثيرة كانوا يهجمون عليه ويضربونه ضربا مؤلمًا, وأقام هكذا ثلاثين سنة حتى نظر الرب يسوع المسيح إلى كثرة صبره واحتماله وكسر عنه شدة الأعداء, صلاته تكون معنا آمين
ويصف القديس أثناسيوس حروب الشيطان على أنبا أنطونيوس هكذا: لم يطِق الشيطان أن يرى مثل هذا الثبات في شاب، ففي البداية حاول أن يبعده عن النسك، هامسا في أذنيه بذكريات ثروته والعناية بأخته، ومطالب الأقارب ومحبة المال والمجد، وملذات الطعام وسائر تنعمات الحياة، وأخيرا صعوبة الفضيلة وما تتطّلبه من عناء، ثم صور أمامه أيضا ضعف الجسد وطول الوقت، وبالاختصار أثار ذهنه كثيرا محاولا أن يثنيه عن عزمه الثابت.

ولكن العدو عندما رأى نفسه ضعيفًا أمام عزم أنطونيوس، وُغلِب على أمره بسبب إيمانه العظيم وتجندل بسبب صلواته المستمرة، اعتمد أخيرا على أسلحته التي في "عضل بطنه" والتي يفتخر بها لأنها هي شراكه الأولى للشبان, وهاجم الشاب وأزعجه ليلا وضايقه نهارا، فعندما يعرض عليه الأفكار الشريرة كان يصدها بالصلوات، وعندما يصوب إليه سهام الشهوة يحمر خجلا ويحصن جسده بالإيمان والصلاة والصوم.

وفي إحدى الليالي اتخذ الشيطان شكل امرأةٍ وقلَّد كل حركاتها لإغواء أنطونيوس، أما هو فإذ امتلأ عقله بالمسيح، وإذ فكَّر في روحانية النفس أطفأ جمر خداع العدو, وحاول العدو أن يجذبه بنشوة الملذات، أما هو فإذ امتلأ غضبا وحزنا حول تفكيره إلى تهديد الله (للإنسان) بالنار والدود الذي لا يموت، فجاز التجربة دون أن يمس بأذى.

كل هذا أخزى عدوه، لأنه إذ كان يعتبر نفسه كإله هزأ به شاب، وذاك الذي افتخر على اللحم والدم اضطر أن يهرب أمام إنسان في الجسد، لأن الرب كان يعمل مع أنطونيوس، الرب الذي من أجلنا أخذ جسدا ووهب الجسد نصرًة على إبليس حتى يستطيع كل من يحارب بإخلاصٍ أن يقول: لست أنا بل نعمة الله التي معي (اكو 10:15).

وأخيرا لما عجز التنين عن غلبة أنطونيوس، ووجد نفسه أنه قد طُرد تماما من قلبه، صر على أسنانه، كما هو مكتوب، وخرج عن شكله وظهر لأنطونيوس كولدٍ أسود متخذا شكلا منظورا يتفق مع لون عقله. وإذ تظاهر بالتذلُّل أمامه لم يشأ أن يلح عليه بأفكار فيما بعد، لأنه لما تنكَّر هزِم أمامه.
وأخيرا تكلم بصوتٍ بشري وقال: لقد خدعت كثيرين، وطرحت كثيرين، ولكنني برهنت على ضعفي إذ هاجمتك وهاجمت كل جهودك وأتعابك كما هاجمت كثيرين غيرك. فسأله أنطونيوس: من أنت يا من تتكلم هكذا معي؟ أجاب بصوتٍ أسيفٍ: أنا صديق الزنى، وقد التحفت بالإغراءات التي تدفع الشبان إلى الزنى، وأنا أدعى روح الشهوة, كم خدعت كثيرين ممن أرادوا أن يعيشوا بالاحتشام, وما أكثر العفيفين الذين أقنعتهم بإغراءتي!؟ أنا الذي من أجلي يوبخ النبي أولئك الذين سقطوا قائلا: روح الزنى قد أضلكم, لأنهم بي قد أُعثِروا, أنا الذي ضايقتك كثيرا وغُلِبت منك كثيرا.
أما أنطونيوس فإذ قدم الشكر للرب قال له بكل شجاعةٍ: إًذا فأنت حقير جدا، لأنك أسود القلب، وضعيف كطفلٍ، ومن الآن لن أجزع منك لأن الرب معيني وأنا سأرى بأعدائي. وإذ سمع هذا ذاك الأسود هرب في الحال مرتجفًا من الكلام، ولم يجسر حتى على الاقتراب إلى الرجل
عندما تقدم أنبا أنطونيوس في السن كان وحده في الجبل الداخلي يصرف وقته في الصلاة والنسك, وحينئذٍ احتمل مصارعًة عنيفًة ليس مع لحم ودم كما هو مكتوب، بل مع الشياطين المقاومين كما علمنا ممن زاروه، لأنهم سمعوا هناك شغبا وأصواتا كثيرة وقرقعة كأنها قرقعة أسلحة، وفي الليل رأوا الجبل مليًئا بوحوش البرية، كما رأوا أنطونيوس أيضا مجاهدا كأنه يجاهد ضد كائناتٍ منظورةٍ، ومصلِّيا ضدها جاثيا ومجاهدا في الصلاة، وكل الذين زاروه شجعهم.

إنه لأمر عجيب أن شخصا وحيدا في بريةٍ كهذه لم يخش الشياطين التي هاجمته، ولا وحشية الوحوش والزحافات، لأنها كانت كثيرة جدا، ولكنه حًقا كما هو مكتوب: توكل على الرب مثل جبل صهيون, بإيمانٍ لا يتزعزع ولا يضطرب حتى إن الشياطين هربت منه، ووحوش البرية سالمته كما هو مكتوب.
كان إبليس كما يقول داود النبي في المزامير يراقب أنطونيوس ويحرق عليه أسنانه, أما أنطونيوس فكان متعزيا بالمخلِّص، وبقي سالمًا من حيله ومكائده المختلفة, كان يسهر بالليل فيرسل عليه إبليس وحوشا برية، وكأن كل ضباع تلك البرية تقريبا قد خرجت من جحورها وأحاطت به، وكان وهو في وسطها يهدده كلُّ واحدٍ بالعض, وإذ رأى حيلة العدو قال لها كلها: إن كان لكم سلطان علي فأنا مستعد أن تلتهموني، أما إن كنتم قد أُرسِلتم علي من قِبل الشياطين فلا تمكثوا بل انصرفوا لأنني عبد للمسيح. فهربت كلها أمام تلك الكلمة وكأنها قد ضربت بالسياط.

روى كثير من الرهبان, باتحاد الرأي, أن أمورا كثيرة تمّت على يدي أنبا أنطونيوس, فقد كان مرًة مزمعا أن يأكل، وقام ليصلِّي نحو الساعة التاسعة فأدرك أنه اختطف بالروح، والعجيب أنه وقف ورأى نفسه كأنه خارج جسده، وأنه اقتيد في الهواء بواسطة أشخاص معينين, وبعد ذلك وَقَفت في الهواء كائنات أخرى مرعبة وأرادت أن تعرقل مسيره، ولكن لما قاومها مرشدوه سأَلت عما إذا كان هو ليس مدينا لها، وعندما أرادت أن تلخص ديونه منذ ولادته أوقفهم مرشدو أنطونيوس قائلين: لقد مسح الرب خطاياه منذ ولادته، ولكن يمكنكم أن تحاسبوه منذ أن صار راهبا وكرس نفسه لله. ولما لم تستطع أن تثبِت عليه أية تهمةٍ أصبح طريقه خاليا وأزيلت عنه كل العراقيل، وللحال رأى نفسه كأنه قد أتى إلى جسده، وأصبح أنطونيوس كما كان من قبل.
وإذ نسي الأكل صار يئن ويصلِّي بقية النهار وطول الليل، لأنه دهِش إذ رأى كيف أن مصارعتنا هي مع خصومٍ أشداء، وكيف أننا يجب أن نجتاز الهواء بجهودٍ شاقة، ثم تذكر أن هذا هو ما قاله الرسول: حسب رئيس سلطان الهواء. لأن العدو له فيه سلطان ليحارب ويحاول تعطيل الذين يجوزون فيه, ولذلك قدم النصيحة بكل قوةٍ: احملوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تقاوموا في اليوم الشرير. وذلك لكي يخزى المضاد إذ ليس له شيء رديء يقوله عنا.
لقد اختطِف بولس الرسول إلى السماء الثالثة، وإذ سمع أمورا لا ينطق بها نزل؛ أما أنبا أنطونيوس فقد رأى أنه صار في الهواء، وصار يجاهد حتى تحرر.

وقال أيضا: أيها الأبناء، لا نمل من الطلب إلى صلاح الله لكي تدركنا معونته وتعلِّمنا أن نصنع ما ينبغي, وبحقٍ أقول لكم إن هذا الإناء الذي نحن حالُّون فيه، أعني الجسد، لهو لنا هلاك وموت ومملوءٌ من كل الحروب.
وحًقا أقول لكم، يا أولادي، إن كل إنسانٍ يتلذّذ بالشهوة ويتنازل معها فإن أفكاره تفرغه وتحطه إلى أسفل, إذا كان يقبل ما يلَقى في قلبه ويفرح ويتلذذ به ويقبله إليه كأنه سر عظيم، ولا سيما إذا كان ممتدحا بأعماله؛ فالذين هم هكذا تصير نفوسهم آلة للأرواح الشريرة ومجمعا للشرور، وأجسادهم خزائن لأسرار الظلمة مخزونًة فيها خفيًة، لأن الأرواح الشريرة تتسلّط على الذين هم هكذا“
لا تعلمون أنه ليس للشياطين فخ واحد لكي ندركه ونهرب منه؟ لأنهم ليسوا متجسدين حتى نراهم عيانا، بل افهموا أننا نهلك الأجساد إذا قبلناهم، ونفوسنا أيضا عندما تميل إلى أن تقبل شرورهم.
فالآن، أيها الأولاد الأحباء، لا نجعل لهم فينا موضعا وإلا فنحن نثير على أنفسنا غضب الله وهم لا يذهبون عنا بل يسخرون بنا, وبحقٍ إنهم يمكرون بنا في كل وقت بمشورتهم الرديئة واضطهادهم الخفي لنا، وبرذائلهم الدنسة مع قلة الأمانة التي يلقونها في قلوبنا كل يوم، وقساوة القلب والأوجاع التي يجلبونها علينا في كل حين، والقلق حتى نقلق كل يوم بما يجلبونه علينا، وربما يجعلوننا نضحك في وقت يجب فيه البكاء ثم نبكي في وقت الفرح.
لذلك لا نمل من الطلب إلى صلاح الله لتدركنا رحمته ومعونته لنتعّلم أن نصنع ما ينبغي لكي ننال العون والنجاة.

وقال أيضا للإخوة: بينما كنت سائرا يوما ما في الجبل، وجدت نعامًة مع صغارها، فلما رأتني لاذت بالفرار، وكأني سمعت الأم تقول لصغارها: انزلوا تحت الحجارة حتى لا يصطادوكم. وهكذا نحن أيضا، إذا قذَفتنا الشياطين بالأفكار الرديئة فلنرمهم بالحجارة المأخوذة من الحجر الذي أُخِذ من الرحم غير الدنس الذي للقديسة العذراء مريم, حجر الزاوية الذي يقاتل عنا بمهارةٍ وينقذنا من فخاخهم الرديئة.

قال القديس أنطونيوس: السيرة المستقيمة والإيمان بالله هما سلاح عظيم مقاوم للشياطين الذين يخافون من الصيام والنسك وسهر الليل والصلاة والهدوء والوداعة وبغضة الفضة والافتخار، والتواضع ومحبة المسكنة والرحمة وعدم الغضب وفعل البر في المسيح، لأن الشياطين يجاهدون جدا أن لا يقهروا، فلنذكر نحن في قلوبنا أن الرب كائن معنا في كل حين فلا تقدر الشياطين أن تصنع بنا شيًئا، وإن رأوا أننا خفنا وضعفنا يجعلون الخوف يزداد بالأكثر في قلوبنا بأفكارهم, فإذا وجدونا فرحين بالرب في كل حين وأننا نفكِّر في قلوبنا في الخيرات العتيدة ونتكلم فيما للرب ونفكِّر قائلين: إن كل شيء هو بيد الرب؛ فإن الشياطين لا تقدر أن تصنع شيئًا ولا لهم سلطان في شيء من الأشياء البتة, فإذا وجدوا النفس محصنًة بهذه الأفكار هكذا يخزون للوقت ويرجعون إلى ورائهم، لأنه هكذا وجد العدو أيوب محصنا ثابتا فتباعد عنه عندما لم يقدر أن يميل فكره عن الله، ولأجل هذا افتضِح.
فكمال كل الفضائل أن يكون الإنسان ثابتا متقويا بكل قلبه وكل نفسه بالرب ولا يحيد عنه بالجملة بأي حال ولا في أي وقت، بل يكون متحدا بأفكاره مع الله لأن الله هو متحد معنا بإيماننا به

ذهب أخ اسمه سمعان إلى الأب أنطونيوس وقال له: أيها الأب، رأيت في حلمٍ من يقول لي: اسكن مع إنسان يكون له ضِعف جهادك. فقال له القديس: هذا الذي ظهر لك هو الشيطان لأنه مدحك ووصفك بأنك عمال. فقال له الأخ: لقد كان مكتسيا بالنور. فقال له أنبا أنطونيوس: إن الشيطان نفسه يغير شكله إلى شبه ملاك نور. فقال الأخ في نفسه: إن الأب أنطونيوس يجهل الأمور المخفية. ولكن الأب أنطونيوس علم بذلك وقال له: ياعديم الشعور، لقد علمت أنه لما جاء إليك الشرير لم يُقل لك "سلام"، وأنت لم تتعرف عليه على الأقل بكون السلام لم يكن في فمه.
 
أعلى