متطلبات المحبة - أوليفييه كليمانت

ROWIS

رويس
عضو مبارك
إنضم
3 يوليو 2007
المشاركات
2,619
مستوى التفاعل
388
النقاط
83
متطلبات المحبة - أوليفييه كليمانت
1947408621.jpg


+التأمل الحار في الصليب، أي في محبة الله غير المحدودة نحونا، كفيل بأن يذيب فينا أي حقد أو كراهية أو أي إحساس بالإهانة من جهة الآخرين. فإزاء رحابة صفح الله اللامتناهي لنا، كيف لا نصفح نحن عن الآخرين أياً كانت إساءاتهم لنا؟ كما يقول الإنجيل، وكيف ننال غفران الله لآثامنا الكثيرة إذا كنا لا نغفر للناس زلاتهم القليلة نحونا؟ ففي الصلاة الربانية نحن نقول : "اغفر لنا ذنوبنا، كما (اي بالمعيار الذي به) نغفر نحن للمذنبين إلينا).

قول للقديس يوحنا السُّلَّمي:
[التأمل في آلام يسوع يشفي من الحقد، لأن مثال محبته لأعدائه يجعلها تستحي أمام طول أناته](1).
**

+ثم هذه الأنشودة التي يكتبها القديس إسحق السرياني متأملاً في سمات المحبة التي يوردها بولس الرسول في رسالته الأولى لأهل كورنثوس: "المحبة تتأنى وترفف. المحبة لا تحسد... لا تطلب ما لنفسها ولا تحتد ولا تظن السوء... تحتمل كل شيء، تصدق كل شيء (من الله)، وترجو كل شيء، وتصبر على كل شيء" (1كو 4:13-7)، تحمل عمقاً روحياً مسيحياً ملحوظاً، لا يمكن أن يقوم إلا على أساس علاقة محبة وطيدة بالرب وحياة داخلية وثيقة معه.

قول للقديس مار إسحق السرياني:
[اقْبَلْ أن تكون مُضْطَّهَداً لا مُضطهِداً.
اقْبَلْ أن تكون مصلوباً لا صالباً.
اقْبَلْ أن تكون مُهاناً لا مهيناً.
اقْبَلْ أن تكون مُفْتَرَى عليك لا مُفْتَرِياً...
افرح مع الفرحين، وابكِ مع الباكين –هذه هي علامة نقاوة القلب.
تألم مع المرضى. احزن مع الخطاة. ابتهج مع التائبين. كن حبيباً للكل، لكن ابقَ في روحك متوحداً (مع الله)...
ابسط رداءك على من وقع في عثرة واستر عليه تماماً. وإن كنت لا تقدر أن تضع ذنبه على نفسك وتتقبل العقاب والعار والفضيحة بدلاً عنه، فلا أقل من أن لا تُعنِّفه](2)
**
المحبة بالمفهوم "الأغابي Agapy"، ليست هي حباً عاطفياً مفاجئاً؛ أو جاذبية جسدية حسِّية الواحد نحو الآخر، تزول سريعاً كسحابة صيف ولا تلتزم بشيء، بل هي الإحساس القلبي العميق بحب الله نحو الآخر. الله وحده هو الذي يعطينا أن نفهم القريب بحاسة وبصيرة مستنيرتين بالروح القدس. حينئذ يمكننا أن نكتشف فيه كياناً شخصياً متميزاً لا يتبدل فيما وراء الملامح المنظورة والأخطاء والخفوات المرتكبة، بل ويتجاوز حتى ما مُنينا به سابقاً وقتاً ما من خيبة أمل. حقيقة الآخر الجوهرية هي أنه على صورة الله، وليس على صورتنا نحن.

قول للأب ديادوخوس:
[عندما نبدأ في الإحساس بملء محبة الله، مبدأ أيضاً في أن نحب القريب (أي كل إنسان) من خلال الروح القدس الذي نستشعر عمله فينا، هذه هي المحبة التي توصينا به الكتب المقدسة (وبالأكثر في العهد الجديد). لأن المودة بحسب الجسد تتفكك سريعاً لأقل عذر وأدنى سبب، لأنها ليست مربوطة بوثاق الروح القدس. فالإنسان المضطرم بنار الحب الإلهي، يُقبل بغاية الفرح على ممارسة محبة القريب، بل ويكون على أتم الاستعداد أن يتحمل في سبيله أية خسارة أو إهانة. لأن حرارة حلاوة محبة الله كفيلة في الواقع أن تلاشي تماماً مرارة العداوة](3).
**

+وها ناسِكان تأصلت فيهما المحبة التي وُهبت لهما من الروح القدس، لم يقدرا أن يتخاصما بالرغم من رغبتهما في أن يعرفا ما هو سبب النزاع بين الناس ويجرباه عملياً، لأن (لي) و(لك) ليس لهما معنى لديهما. فالمودة التي كانت بينهما جاوزت كل إحساس بالتملك.

من سِيَر الآباء:
[ناسكان كانا يعيشان في قلاية واحدة، ولم يحدث بينهما البتة نزاع واحد. فقال أحدهما يوماً ما للآخر: "دعنا نتعارك ولو مرة واحدة كما يفعل الآخرون"، فأجابه رفيقه: "لا أعرف كيف أبدأ"، فعاد الأول وقال: "سأضع هذا "القالب الطوب" بيننا، ثم سأقول "إنه لي" وأنت بدورك تقول: "لا، إنه ملكي" فهذا هو الذي يقود إلى المنازعات والمخاصمات".
فوضعا "قالب الطوب" فيما بينهما، ثم قال أحدهما: "إنه لي" وقال الآخر: "لا، أنا متأكد أنه يخصني". فعاد الأول: "إنه ليس لك، ولكنه لي"، عندئذ صرح الآخر بشدة، "حسناً، فإذا كان يخصك خُذْه". وهكذا لم يفلحا في أن يتخاصما](4).
**

محبة القريب أشد أهمية من الصلاة
قول للقديس يوحنا السُّلَّمي:
[قد يعرض لنا ونحن في وقت الصلاة، أن يأتي إلينا إخوة ضيوف من أماكن بعيدة يطرقون أبوابنا. وفي هذه الحالة نحن نُخيَّر ما بين أن نتوقف عن الصلاة، أو أن نُكدِّر الأخ الذي يطرق الباب برفضنا الاستجابة إلى طلبه. ولكن المحبة في الواقع هي أعظم من الصلاة: فالصلاة هي واحدة من بين الفضائل، بينما المحبة هي أمهم جميعاً](5).
**

الخدمة الفعلية للآخرين مع التجرد من الذات، والمثابرة والحب الحقيقي الذي تقتضيه، يفوق كل أنواع التقشف والنسك.
من سير الآباء:
[قال أخ (راهب) لأحد الآباء الروحيين: "يوجد أخان أحدهما لم يترك قط قلايته حيث يصلي ويصوم ستة أيام مرة واحدة ويُلزِم نفسه بكل أنواع النسك؛ أما الآخر فقد أخذ على عاتقه أن يعتني بالمرضى. فأيٌّ من الاثنين هو الذي يتدبر بالحياة الأكثر قبولاً لدى الله؟"
فأجاب الاب الروحي: "فحتى إذا تعلق الأخ الذي يصوم ستة أيام متواصلة من أنفه، فلن يتساوى مع من يُعْنى بالمرضى"](6).

+الحب الحقيقي يتوق ويُحقق، بقدر الإمكان، من أن يستبدل حياته بحياة آخر، عندما يكون هذا الآخر مصاباً بمرض خطير يفتك بالجسد ببطء ويجعل صاحبه منبوذاً بقسوة من المجتمع. ولا يخشى هذا المحب بأن يصاب بكل ما بُليَّ به صاحبه. ومعروف في التقليد الرهباني سير الآباء الذي قبلوا "المجذوم" وخدموه وشاركوه طعامه.

قول للآب أغاثون:
[قال أبا أغاثون: "لو أمكنني أن ألتقي بمجذوم فأعطيه جسدي وآخذ جسده، لكنت في غاية من السعادة"، هذا هو، في الواقع (معيار) الحب الحقيقي](7).


_____________
1- JEAN CLIMAQUE: L'Échelle Sainte 9e degré 12 (14) (p. 75).
2- ISAAC LE SYRIEN: Traités Ascétiques, 58e traité (p. 238, 239).
3- DIADOQYE DE PHOTICÉ: Chapitres Gnostiques, 15 (SC n° 5 bis, p. 92).
4- Apophtegmes, Serie des dits anonymes, 221 (SC n° 1, p. 398).
5- JEAN CLIMAQUE: L'Échelle Sainte 26e degré 43 (52) (p. 131).
6- Apophtegmes, Serie des dits anonymes, 224 (SC n° 1, p. 399).
7- Apophtegmes, Agathon, 26 (PG 65, 115)

__________
مقالات مترجمة عن كتاب:
SOURCES: Les Mystiques Chr
étiens des
Origines - Olivier Cl
ément
منابع الروحانية المسيحية في أصوولها الأولى - الفيلسوف الفرنسي العاصر والعلم الأبائي أوليفييه كليمانت
ترجمة وإعداد رهبان دير القديس أنبا مقار
 

aymonded

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
6 أكتوبر 2009
المشاركات
16,056
مستوى التفاعل
5,360
النقاط
0
موضوع فوق فوق الممتاز يا جميل واختيار موفق جداً ذو قيمة
لأن أوليفيه كليمانت من الناس اللي عندهم عمق حسي روحي لاهوتي عميق
على مستوى خبرة الشركة العميقة مع الله
أشكرك كتير على هذا الموضوع
اللي فوق الرائع حقيقي
 

ROWIS

رويس
عضو مبارك
إنضم
3 يوليو 2007
المشاركات
2,619
مستوى التفاعل
388
النقاط
83
الراجل ده كل كتاباته مُشبعة.. وللأسف مفير غير دار مجلة مرقس هما اللي مهتمين بيه، ونفسي الاقي كتب له مترجمة كاملة، وليس مجرد مقالات مترجمة.
 

حياة بالمسيح

خادمة الرب
عضو مبارك
إنضم
29 أبريل 2014
المشاركات
13,264
مستوى التفاعل
1,715
النقاط
76
المحبة هي عطاء مستمر ولامحدود للقريب وخاصة الذي لا يستطيع رد جميلك له حيث عندما تعطي اكثر مما تاخذ من القريب تكون مغبوطا لان الشخص الذي يعطي بسخاء يكون مغبوطا اكثر من الاخذ فاعطي واعطي ما استطعت من دون توقع استلام شئ مقابل ما تعطيه للقريب بل توقع كنزا روحيا وبنكا سماويا في ملكوت ربنا يسوع المسيح والمجد للهودائما وابدا امين
 

aymonded

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
6 أكتوبر 2009
المشاركات
16,056
مستوى التفاعل
5,360
النقاط
0
الراجل ده كل كتاباته مُشبعة.. وللأسف مفير غير دار مجلة مرقس هما اللي مهتمين بيه، ونفسي الاقي كتب له مترجمة كاملة، وليس مجرد مقالات مترجمة.

يا ريت بجد نلاقي حد يترجمها فعلاً، لأن للأسف هي كنوز مخفية عن المكتبة العربية....
 
أعلى