قيمة الإستعلان في الإيمان المسيحي - الأب متى المسكين

ROWIS

رويس
عضو مبارك
إنضم
3 يوليو 2007
المشاركات
2,619
مستوى التفاعل
388
النقاط
83
قيمة الإستعلان في الإيمان المسيحي - الأب متى المسكين
1841855430.png


المقصود بالإستعلان هو كشف المستور أو الدخول إلى جوهر المعنى أو جوهر الكلمة، وهو حاسة فائقة على الفهم والعقل. فالله في العهد القديم لا يراه أحد ويعيش، فهو الحق الفائق على الرؤيا. ولكن موسى النبي رآه بالإستعلان وتحدث معه دون أن يموت، كذلك إشعياء كبير الأنبياء رأى السيد الرب في هيكله ولما رآه صرخ قائلاً: "ويلٌ لي إني هلكتُ... لأن عينيَّ قد رأتا الملك رب الجنود(1)". ولكن الساروفيم لمسه بجمرة نار من على المذبح وقال له: "هذه قد مسَّتْ شفتيكَ، فانتُزع إثمك، وكُفِّر عن خطيتك (فلن تموت)"(2). وهكذا، فإن رؤيا إشعياء النبي لم تكن بعينيِّ الجسد، ولكن بالإستعلان غير المنظور.

أنا هو الحق والحياة، فقد أُعطِيَ للإنسان المؤمن بالمسيح يَستعلن المسيح إن هو استعلن الحق المستور في الكلمة. وهذا يُكوِّن جوهر الإيمان: لا بالرؤية النظرية، ولا بالرؤية العقلية أي الفهم، ولكن بالإستعلان الفائق على الفهم والعقل، لأن الفهم والعقل يختصان بالمنظور والمسموع. والحق كالله، لا يُرى ولا يُسمع بالحواس، لذلك لا نتعجب من الرسول بولس الذي يقول عن رؤياه للمسيح إنه "لم تَرَ عين، ولم تسمع أُذن... ما أعدَّه الله للذين يُحبُّوبه"(3). فعطية الإيمان الحق هي أن يَستعلِن محبو الرب الحقَّ، لا بالرؤى العينية ولا بالسمع، وتزيد الكلمة في الإنجيل بالقول عن الحق الممنوح لمحبيه إنه: "لم يخطر على قلب بشر".

إذن، استعلان الحق لا يُحَسُّ به في القلب لأنه يختص بالروح، والحق باعتباره أنه هو جوهر الكلمة الإلهية فهو قريب من الإنسان الذي يعيش الإيمان، إذ يقول الكتاب إن: "الكلمة قريبة منك، في فمك وفي قلبك، أي كلمة الإيمان (بالحق)"(4). وهكذا فإن الإنسان الذي يعيش بالإيمان الصادق فإنه حتماً يُستعلَن له الحق ويعيشه.

وإستعلان الحق مستورٌ في كلمة الإنجيل، فبولس الرسول يقول صراحة إنه إذا قرأتم ما كتبتُه تعلمون "درايتي بسر المسيح"(5). والسؤال هنا من أين أتى بولس بدرايته الفائقة للمسيح والحق بينما كان هو مضطهِد الكنيسة وقتَّالاً للرجال والنساء عندما كان يُجبرهم على التجديف حتى يُرجموا، ونحن نعلم أن بولس الرسول لم يكن تلميذاً للرب ولا عاش مع التلاميذ، فمن أين جاء بدرايته بسرِّ المسيح الذي هو أعلى صورة للإيمان؟ يردُّ بولس الرسول عن نفسه ويقول: "لأني لم أَقبله من عند إنسان ولا عُلِّمتُه، بل بإعلان يسوع المسيح"(6).

وهكذا يتبين لنا أن الإستعلان أرفع من مستوى التعليم والقراءة والفهم.
وأنا أقول هنا بإخلاص إن آلاف المؤمنين الأتقياء لا يعرفون القراءة والكتابة ولم يتعلَّموا من أحد، ولكنهم أقوياء جداً في الإيمان، وثباتهم في الإيمان يفوق بمراحل الذين يقرأون والذين يتعلَّمون. ونسأل: من أين أتاهم هذا الإيمان القوي والفائق الحد؟ نقول إن هذا هو الإستعلان، فمِن شدَّة حبهم للمسيح استعلَن المسيح نفسه لهم، وتم فيهم قول المسيح: "الذي يُحبُّني يُحبُّه أبي، وأنا أُحبُّه، وأُظهِر له ذاتي"(7). هذا الظهور الذاتي هو هو الإستعلان في أعظم وأجلِّ معانيه، وهو في متناول الأُميين والذين لا يقرأون.

وعندنا في الكتاب أن صموئيل النبي وهو طفل تربَّى داخل الهيكل تحت وصاية عالي الكاهن، وقد ظهر الله لصموئيل وتكلَّم معه، ولم يتكلَّم مع عالي الكاهن. فقامة الطفولة مُعدَّة أعظم إعداد لتقبُّل صوت الله.

هكذا فالإستعلان لا يتوقف على علم أو معرفة ولا على قامة. لهذا فالإستعلان مفتوح على كل قامة كل مستوى، كل مَنْ يحب الحق أو يطلبه.

__________________________
(1)إش 5:6.
(2)إش 7:6.
(3)1 كو 9:2.
(4) رو 8:10.
(5) أف 4:3.
(6) غل 12:1.

الأب متى المسكين، 2005

من كتاب [ مع المسيح ] – الأب متى المسكين، الكتاب الأول.

 

aymonded

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
6 أكتوبر 2009
المشاركات
16,056
مستوى التفاعل
5,360
النقاط
0
يعجبني تفردك في اختيار المواضيع المُميزة والصالحة للبنيان
 

ROWIS

رويس
عضو مبارك
إنضم
3 يوليو 2007
المشاركات
2,619
مستوى التفاعل
388
النقاط
83
تشكرات :flowers:
 
أعلى