كُن التجلى.

سرجيوُس

لستم المتكلمين.
عضو مبارك
إنضم
8 أبريل 2011
المشاركات
3,442
مستوى التفاعل
425
النقاط
83
الإقامة
قلب يسوع المسيح


www-St-Takla-org-Transfiguration-of-Christ-01.jpg


-لِم أندهش كثيراً عندما سِمعت قداسة البابا "ثيؤفيلوس الثالث بطريرك أورشليم"يقدم فى إحدى عظاته نصيحة جميلة إذا يقول"كُن التجلى"[1],فلِم أندهش لإن تلك النصيحة هيا بالحقيقة[دِعوة إلهية],بِل وهيا دعوة الإنسان العُليا,بِل وغِاية الإيمان المسيحى هو[التجلى].فهو قلب وجوهر الديانة المسيحية.


-إن كُنا نرجو أن نُصبح فى حالة من السمو الروحى ,ولا نتقيد بزمان ولا مكان ,لحالة من التقيد باللاشئ,فهذا دافع داخلى ورغبة دفينه تُحِرك الإنسان الداخلى إلى أن يتجلى, فالتجلى رحلة خارج الزمان والمكان,هو رؤية الإنسان الجديد فى يسوع فى الفردوس الجديد ملكوت النور...فإنسان العهد القديم نال نعمة التجلى من خارجه,إنما إنسان العهد الجديد نال نعمة التجلى من داخله[2].


-فالتجلى [μετεμορφώθη ][ميتا مورفوز][3]فى اللغة الأصلية اليونانى يُعنى:ـ[تِغيير الشكل,التحويل,تغير المظهر,التجلى,التحول][4],وتأتى بمعنى تغيير الشكل] تماشياً مع الواقع الداخلى[5],ويأتى ايضًا بمعنى[تبديل الهيئة][6],كما إن بعض الترجمات الإنجلزية ترجمت تلك الكلمة إلى[, change the way you think ], [renewing ],أى تغيير طريق التفكيرأو التجديد[7].وهكذا نُطلِق على عيد التجلى****morphosis اى الانتقال من صورة إلى صورة اخرى[8].


-وردت كلمة[μετεμορφώθη ][ميتا مورفوز]أربعة مرات فى العهد الجديد اثنتان منها للاشارة الى تجلى السيد المسيح(مت2:17)و(مر2:9 )ومرتان للإشارة إلى التغير الذى يحدث للإنسان المسيحى بسبب شركته مع المسيح(رو2:12)و(2كو18:3)[9].


-بقدر امانة الإنسان فى حياته الروحية وتقدمه بقدر ما يتجلى من صورة إلى صورة ومن أفضل إلى الأفضل, فتجلى الإنسان خبرة روحية صوفية فريدة من نوعاها,يختبرها الإنسان بإتحاده بفاديه الرب يسوع ,الذى سبق أن تجلى على جبل تابور مظهراً نور لاهوته غير المخلوق امام عيون الرسل[10],


-إن عمليه التجلى[التغيير]هيا عمليه قائمة على دور الروح القدوس فينا,لكى ما نكون على صورة الله,بل هى[عملية] تجلى للصورة التى فينا بالفعل[11].فالتجلى هو بمثابة إنجلاء للشكل الظاهر فى الجسد ليظهر المسيح الإله المولود من الآب قبل كل الدهور[12].


-فإن كان هذا هو المعنى,فعندما أقول [كُن التجلى]فانا اُعنى ان تِتِحول,وتتغير تِلك الطبيعة الإنسانية إلى تِلك الصورة عينها ,التى كُنا فيها قبل السقوط,فإن كان السقوط تِسبب فى فقدان [صورة الله ,والنعمة الإلهية,وشركة الروح القدوس][13],فإن التجلى هو العودة إلى صوره الإنسان الإلهية والعودة إلى الشركة مع|فى الروح القدوس[14].


-ويقول القمص تادرس يعقوب ملطى:ـ[التجديد حالة تجلٍ مُستمر..فى حادثة التجلى كما وردت فى إنجيل مرقس,ذُكرت كلمة"ميتافورسز"أو تجلٍ,بمعنى إنتقال من الشكل البشرى المنظور إلى الشكل النورانى..فالتجلى هو إنفتاحاً لأعين التلاميذ فيرو قبساً من النور الإلهى قدر ما يستطيعون..وخلال هذا التجلى تنموا الكنيسة الجامعة .والمؤمن فيها[الكنيسة]فى تحرك نحو الحياة الإنقضائية أى نحو الحياة الأبدية ولا معنى للزمن خارج الإنقضاء أو الآبدية[15].


-فالإنسان مخلوق كائناً على صورته(الله)سيداً على كل الخليقة,له مطلق الحرية والسيادة على إرادته واُغدِقَ عليه الحب والرحمة وملائه كرامة أمام كل هذه,أراد الله أن يُشاركه الإنسان حباً بحُب,وهذه الشركة هيا إحدى أسباب خِلقته[16].فإنا كان هذا هو الغِرض والهدف من الخلقة والحال هكذا قبل السقوط,فإن[دِعوة التِجلى]هيا دعوة صريحة للعودة لحالتنا قبل السقوط,دعوة للعودة إلى الحرية [التى كُنا عليها,بعد ما كُنا أسرى تحت الخطية],فإن كان[ الإنسان بسقوطه هذا أتت بالشر على الحيونات,إذ حينما تعدى الإنسان تعدت هى أيضاً][17]وهذا ما اراد ان يقوله القديس بولس الرسول (رو22:8)فيقول القديس يوحنا ذهبى الفم [ ما هى هذه الخليقة ؟إنها لا تُعنيك أنت وحدك وإنما معك أيضاً الخليقة الأدنى التى لا تشترك معك فى العقل أو الحس ,هذه تشاركك بركاتك][18].فحالتنا الأولى لا تقتصر علينا فقط بل على كُل الخليقة التى تئن وتتمخص.


-فإن كان تجلى الإنسان فى مضمونه ومعناه هكذاَ,فإنه هذا المفهوم ليس ببعيد عن معنى μετάνοια""اى "التوبة",فهيا فى اللغة اليونانية تعنى تغيير العقل والقلب ,وتحوليه من الأهواء إلى الله,وتغيير فى الإرادة بإتجاه هدف جديد مُغاير للهدف االأول ,وتغير فى النفس وفى العقل الأعلى,كما تعنى فى اللغة السريانية(اللغة التى تكلم بها المسيح)كما فى اللغة العبرية:الرجوع والعودة إلى الوضع الأساسى [19].


-وهذا التجلى او تجديد العقل والقلب لن يأتى مرة واحدة,بل إن التجلى والتجديد هو تجدداً يومياً وتوبة مُستمرة ,خلصوا[الاباء القديسون] مرة واحدة على الصليب فى الجلجثة ولكن كانوا ينالون الخلاص بشكل مُستمر من خلال تسلم إرادتهم للرب يسوع كانوا يخطئون يومياً وكانوا يتوبون يومياً,كانوا يسقطون كل يوم وكل يوم كانوا يقومون[20].


-هكذا كان الأباء يعيشون التوبة بإستمرار,وهكذا كانت حياتهم تجلى دئماً,فبعد ما كانت الخطية تبدلاً وتغيراً فى الوجود الإنسانى[21],فإن التجلى هو ايضاً تبدُل وتِغِيِر فى الوجود الإنسانى الذى أوجدته الخطية,فهو تغيير إلى "الحالة الأولى"تجلى صورتى التى هيا صورة الله .


-فتلك الصورة هيا صورة قابله لـ[التجديد,والنمو الروحى],فصورة الله فى الإنسان ليست صورة ساكنة قد خُلقنا على نِسقها وانتهى الأمر,ولكنها صورة تحمل طبيعة
حركيةdynamicتقودنا باطنياً نحو الله [22].ولهذا هُناك دعوة قائمة فينا بأن نتغير وننمو دائماً إلى تِلك الصورة عينها التى عليها المسيح.إنها دعوة للتجلى.


-وتِلك الصور الإلهية أو الايقونة الإلهية قد رسمها الله فينا بالروح القدوس,لذا لا يُمكن أن نستحضر تِلك الأيقونة التى فينا ونتمتع بجمالها إلا حينما نسلك بالروح ونحيا فى الروح[23].ونجد نفس المفهوم يؤكده القديس كيرلس السكندرى إذ يقول:ـ[لا يستطيع أحد إن يصل الى الإتحاد بالله إلا بشركة الروح القدوس الذى يُثِبِت فينا قداسته الخاصة ويعيد تشكيل طبيعتنا التى فسدت إلى شكل حياته الخاصة وهكذا يرجع إلى الله وإلى التشبه به...لذلك فإن الروح حينما يعيد تشكيل -بنوع ما- نفوس الناس إلى شكله الخاص فهو يِطبِع عليها الشكل الإلهى ويختمها بصورة الجوهر الفائق الكل [24].


-فالتجلى له دور هام فى تجديد صورة الإنسان التى خُلق عليها,فبما إن كُل واحد منا هو إله حى وصورة الله وأيقونته فبوسعنا العصور على الله إذا نظرنا إلى صميم قلبنا,وهذا ما جٍعل القديس انطونيوس يقول:ـ[إعرف نفسك اذاً من يعرف نفسه يعرف الله][25],إذا يقف[الإنسان] فى شوق وحب وخشوع عبادى أمام الأيقونة الإلهية التى فيه(يدخل إلى ذاته الحقيقية)فتحدث داخله حركة ,يستشعر بتغيير يجرى فى أعماق أعماقه ويلقى هذا التغيير بظلاله على كل ما فى الإنسان [26].


-فدعوة الله لـ[التجلى]هيا دعوة لـ[الخلاص],فالخلاص حسب اللاهوت الأرثوذكسى ليس حالة وجود[أصم],ولكنه عمليه تحول وتحرك مُستمر نحو الإتحاد بالله الذى لايُمكن ابداً ان يتحقق كاملاً فى هذه الحياة فهو عمليه تبداء هُنا وتكتمل وتزداد كمالاً فى السماء[27].فبِعد هذا التحول نؤكد مع القديس أغسطينوس إن[ملامحك طُبعت علينا!لقد أوجدتنا على صورتك ومثالك!لقد حعلتنا عُملتك[خاصتك]..فإرسل شعاع حكمتك لتُبِدِد ظُلمتنا فتُشِرق صورتك فينا[28].


-إنها حقاً نِعمة عظيمة,إذ يُشِرق الرب بصورته فينا,وعلى قدر تِلك العظمة ,على قدر عظمة الصعوبة علينا أن نرُد للرب المكافئة,فيكفى فقط أن نقول مع أغسطينوس:ـ[رد له صورته فهو لا يطلب شيئاً غير هذا][29] .


-ومن شِدة إشتياقنا [نحن المسيحيين]إلى كمال تِلك الصورة الإلهية,فإننا نِرسِم صوراً وأيقونات للسيد المسيح فى حياتنا كل يوم,ولإننا دائما فى حالة[تجلى]يومياً ننمو ونتحول بإستمرار ,فإن أفضل لوحة[ايقونة]لم نرسمها بعد[30].


-وكمال التجلى لا يتِم إلا من خلال اللِقاء بين الله والإنسان,وأين يلتقى الطرفين؟؟!سوى فى جِسد الكلمة؟فغاية التجسد إعادة الشركة بين الله والإنسان,وهُنا يكون اللِقاء,فغاية التجسد إتمام[الإمتزاج]بين الإنسان والكلمة فيصير بذلك إبناً لله ,ويكون قادر أن يتقبل اللاهوت[31].


إن محور تعاليم القديس إيرينيؤس اللاهوتية إنما هو"الإنجماع الكُلى فى المسيحى"ἀνακεφαλαιόω.وهذا اللفظ إستخدمه القديس بولس الرسول فى(اف10:1)[32].وما يقصده إيرينيئوس هو إنجماع الخليقة مع الخالق نفسه فى المسيح[33].


-ولا بد فى الختام ان نؤكد إن التجلى قد بداء هُنا على الارض و سيمتد معانا فى حياتنا الأخرى فى الملكوت الابدى,لكن سينال هذا التجلي، من لم يخضع للمادة في حياته على الأرض، هذا سيصير نورانيًا في الأبدية. إن التجلي في الأبدية، لا يكون تجليًا للجسد فقط، وإنما للروح أيضًا....وتجلى الروح معناه أن تلبس إكليل البر، فلا يعود للخطأ والخطيئة سلطان على الإنسان فيما بعد.. هذا التجلي هو رجوعنا إلى الصورة الإلهية.. كان آدم وحواء على صورة الله في النقاوة والبراءة والبساطة ولكن التجلي في الأبدية سيكون بطريقة أسمى من طبيعة آدم وحواء ويقتربون بالأكثر إلى صورة الله، كما على جبل طابور.. ليتنا نعد أنفسنا من الآن لنكون مستحقين لهذا التجلي. [34]..

إلى هُنا اعاننى الرب
مينا فوزى


___________________​




[1]نقلا عن عظة الاب مارتيروس الاثوسى-عظة الحب والتأله.

[2]الدكتور عدنان طرابلسى الرؤية الأرثوذكسية للإنسان(الإنثروبولوجيا الصوفية)ص282.

[3]وهيات تاتى من metل بمعنى التغير ,تغيير شكل تماشياً مع الواقع الداخلى,اى التغيير إلى الطبيعة الاولى التى كان عليها ابوينا ادم وحواء قبل السقوط ,وفى الإنجلزية تأتى بمعنى التحول[****morphize]وهيا تحوى فيها الثلاث تصريفات للزمن[الماضى والحاضر والمستقبل]لان التحول والتغيير مُتسمر..

[4]قاموس سترونج3339.

[5]Ibid.

[6]ترجمة بين السطور[يونانى-عربى]الجامعة الانطونية كلية العلوم البيبلية والمسكونية والاديان 2003,ص86.

[7]وحسب بعض المراجع الإنجلزية فإن كلمة [renewing ]تاتى بمعنى تجديد النشاط والنهضةوالإحياء والإصلاح والترميم والإستعادة,وإنبعاث روحى,صحوة,إبداع,حداثة.

[8] فإحتفالنا بعيد التجلى لابد أن يكون إحتفال على مستوى الحياة الروحية وليس على مستوى العادات والتقليد,فلابد ان كل عيد تجلى من سنة إلى الإخرى احتفل بتجلى إنسانى الداخلى وتقدمى الروحى,فيتحول العيد من مجرد طقس وتقليد غير مُعاش,إلى حياة مُعاشة ومُختبرة.

[9]القمص اثناسيوس المقارى معجم المصطلحات الكنسية-الجزء الاول ص258.

[10]. الدكتور عدنان طرابلسى الرؤية الأرثوذكسية للإنسان(الإنثروبولوجيا الصوفية)ص277.

[11]التلاقى بين الله والإنسان- للراهب سارافيم البرموسى ,ص60.

[12] المرجع السابق ص62

[13] أنظر امجد بشارة فى كتابه( الخلق والسقوط والفداء فى تعاليم اباء الكنيسة) ص10إصدارات فريق اللاهوت الدفاعى.

[14]فحسب النص اليونانى لعبرانين(4:6)[حسب ترجمة Greek Orthodox Church 1904]نجد النص يقول:ـ{شركاء الطبيعة الإلهية}[μετόχους γενηθέντας Πνεύματος Ἁγίου],بينما فى عبرانيين(10:12)نجده يقول:ـ{نشترك فى قداسته}فسواء قولنا شركاء الروح القدوس أو فى الروح فأى منهم يعطى نفس المعنى.

[15]سلسلة المفهوم الارثوذكسى-الروح القدوس بين الميلاد الجديد والتجديد للقمص تادرس يعقوب ملطى-ص198.

[16] أنظر امجد بشارة فى كتابه( الخلق والسقوط والفداء فى تعاليم اباء الكنيسة) ص12إصدارات فريق اللاهوت الدفاعى.

[17]انظر الراهب باسليوس المقارى إيماننا المسيحى -الجزء الاول ص153.

[18]راجع تفسير القمص تادرس يعقوب ملطى ,تفسير الرساله إلى اهل رومية ص167.

[19]الأب مشيل نجم-التوبة فى مفهومها الأبائى وممارستها الخفية-مجلة النور ع3,2لسنة1985,ص80.

[20]انظر كتاب[ تحقيق طاقتك الكامنة فى المسيح-الاتحاد بالله] مراجعة وتقديم الانبا اثناسيوس مطران بنى مزار والبهنسا,ص32

[21]كيف نفهم اليوم الخطيئة الأصلية,الأب عزيز الحلاق اليسوعى,دار الشرق بيروت-ص6و7.

[22]التلاقى بين الله والإنسان- للراهب سارافيم البرموسى ,ص57.

[23]المرجع السابق ص58,59.

[24] الدكتور نصحى عبد الشهيد شرح انجيل القديس يوحنا لكيرلس السكندرى-ج2,ص 404&وايضاً عظة الروح القدوس يُعطينا شركة لا يُنطق بها مع الله للقديس كيرلس الكبير- اقوال مضيئة لأباء الكنيسة.

[25]رسائل القديس أنطونيوس الرساله الساسة.

[26]التلاقى بين الله والإنسان- للراهب سارافيم البرموسى ,ص59.

[27]فى الايمان الارثوذكسى 12,2

[28]تفسير سفر التكوين للقديس اغسطينوس ص56.

[29]المرجع السابق

[30]تحقيق طاقتك الكامنة فى المسسيح,للانبا اثناسيس اسقف بنى مزار والبهنسا ص22

[31]ضد الأريوسيين59:2.

[32]قاموس سترونج 346

[33]مجلة مرقس يناير1977

[34]البابا شنودة الثالث فى كتاب كلمة منفعة -التجلى -الجزء4 ,ص43.
 
التعديل الأخير:
أعلى