مقاله عن البابا شنودة بقلم نبيل شرف الدين

engy_love_jesus

واثق فيك ياللهى
عضو مبارك
إنضم
20 يناير 2008
المشاركات
7,756
مستوى التفاعل
50
النقاط
0
بقلم: نبيل شـرف الدين

(إن مصر ليست وطن نعيش فيه، بل وطن يعيش فينا)
بهذه العبارة البليغة التي أطلقها البابا شنودة الثالث قبل سنوات، وفر الحبر القبطي الكثير من الوقت والمداد، ليقطع الطريق على لعبة المزايدات السياسية التي تضرب أجواء منطقتنا العربية المنكوبة بنا قبل غيرنا .
وفي مناخ اختلط فيه الهوس الديني بالسياسي، يصبح العالم أحوج ما يكون إلى حكمة رجل من طراز البابا (شنودة)، الذي يسبق اسمه لقب بطريرك الكرازة المرقسية، وبابا الاسكندرية، وهو أمر يتطلب بعض الإيضاح، فلقب بابا الاسكندرية تعني بطريرك الكنيسة (القبطية) المصرية، فالاسكندرية كانت عاصمة لمصر في القرن الاول، كما انها بُنيت قبل القاهرة بثلاثة قرون، فالاسكندر الاكبر جاء لمصر عام 320 ميلادية، لذلك سمي بابا الكنيسة المصرية بابا الاسكندرية، وظلت
الاسكندرية عاصمة لمصر عشرة قرون وعندما اُنشئت القاهرة، اصبح للبابا مقران، الاول في القاهرة والثاني في الاسكندرية، وبدأ ذلك في عهد البابا السادس والستين واصبح مصطلح بابا الاسكندرية تاريخيا لا يمكن تجاهله، اما الكرازة المرقصية، فتعني ان المسيحية دخلت مصر بكرازة، مار مرقص، والكرازة تعني التبشير، فمار مرقس بدأ دعوته بالتبشير في منتصف القرن الاول الميلادي.
اليتيم :

ومن هذا المدخل إلى الحدث، وهو احتفالات الكنيسة في مناسبة مرور واحد وثلاثين عاماً على تولي البابا شنودة منصبه، التي تصادف أن تزامنت مع شهر رمضان، لهذا اختارت الكنيسة أن تستهل احتفالاتها بافطار اعتادت اقامته سنوياً تحت عنوان "أفطار الوحدة الوطنية" ودعت اليه رئيس الوزراء المصري ورئيسي مجلسي الشعب والشورى وشيخ الازهر ومفتى الجمهورية وعدداً من الوزراء وحشداً من المثقفين، فضلاً عن السفراء الأجانب لدى القاهرة.
ويحضر هذه الاحتفالات التي تبدأ اليوم اسياس أفورقي رئيس جمهورية اريتريا الذي وصل مصر خصيصاً لهذه المناسبة، فضلاً عن ممثل للرئيس المصري.
والبابا شنودة الثالث هو البطريرك السابع عشر بعد المائة ضمن سلسلة البطاركة الأقباط الذين جلسوا على كرسي مارمرقص الرسول بالكنيسة القبطية.
وهو من مواليد الثالث من آب (أغسطس) عام 1923 في قرية سلام بمحافظة أسيوط (جنوب مصر)، لأسرة من الطبقة الوسطى، وذاق طعم اليتم مع يوم مولده، إذ توفيت والدته عقب ولادته مباشرة متأثرة بحمى النفاس. واختصر البابا (شنودة) السنوات الدراسية والتي كان يطلق عليها التمهيدي في عام واحد. ثم أمضى عاماً آخر في المرحلة الابتدائية، مع إخوته في الأسكندرية، ولكنه قضى السنة النهائية وهي الرابعة الابتدائية في أسيوط، ولم يحصل على الشهادة الابتدائية إلا متأخراً لانخراطه في الدراسة الاكليركية وكان هذا المدخل الديني الأول للبابا (شنودة) كما تقول سيرته الذاتية.

الضابط :

ووفقاً لسيرته الذاتية فقد التحق البابا (شنودة) في المرحلة الثانوية في البداية بالقسم العلمي أملاً في أن يكون طبيباً، ولكنه اكتشف في نفسه أنه لا يقوى على مشاهدة طبيب يوقع الكشف على أحد من دون أن يتألم، ولهذا انتقل في منتصف العام إلى القسم الأدبي، والتحق بجامعة (فؤاد الأول) القاهرة حالياً، في قسم التاريخ، وبدأ بدراسة التاريخ الفرعوني والإسلامي والتاريخ الحديث، وحصل على الليسانس، وفي السنة النهائية بكلية الآداب التحق بالكلية الإكليركيه (القسم الليلي) وكان قبوله استثنائياً لأن الانتساب وقتها كان مشروطاً بالتخرج من الجامعة ولم يكن قد تخرج بعد، ولكنه تعهد لإدارة الكلية بتقديم الليسانس قبل نهاية العام الدراسي الإكليركي الأول. وكان عند وعده فقد تخرج من الجامعة في حزيران (يونيو)، وتقدم في نفس العام لامتحان نهاية العام الإكليركي في شهر سبتمبر وبذلك اختصر عاماً دراسياً كاملاً، وفي الوقت نفسه كان يعمل مدرساً للغة العربية في مدرسة إكليركي ثانوية ومدرساً للغة الانكليزية في مدرسة ابتدائية وكاتباً في مجلة مدارس الأحد، وقد تخرج من الجامعة عام 1947 بتقدير امتياز، ثم تخرج بعدها بثلاث سنوات من الكلية الإكليركية، وكان ترتيبه الأول، وقد التحق بالجيش أثناء وجوده في كلية الآداب، وبقي في سلك المتطوعين ثلاث سنوات وكان من اوائل الخريجين في ضباط مدرسة المشاة عام 1947، برتبة ملازم ثان، رقي بعدها إلى رتب أعلى.

الراهب :

في عام 1954 استقال البابا (شنودة) من كل أعماله وذهب إلى دير السوريان بوادي النطرون حيث تم رسامته راهباً باسم (انطونيوس السورياني) في 18 يوليو 1954 ولم يغادر وادي النطرون مدة عشر سنوات (1963) حيث اختار مغارة في الصحراء عكف فيها على القراءة ونسخ المخطوطات الأثرية القديمة واختاره البابا (كيرلس السادس) سكرتيراً خاصاً له لثقته المطلقة به ثم رسمه أسقفاً عاماً للتعليم في أيلول (سبتمبر) 1962، وكان حينها رافضاً أن يرسم أسقفاً، فأمسكه البابا (كيرلس) من رأسه ورسمه، وعندما توفي البابا (كيرلس) في 9 مارس 1971 أجريت انتخابات البابا الجديد في 13 اكتوبر 1971 في الكاتدرائية المرقسية. وذلك بعد أن تمّ اختيار ثلاثة من المرشحين الخمسة للكرسي البابوي، ووقع الخيار على البابا (شنودة) الثالث، ولم يكن اسم البابا (شنودة) جديداً على البطاركة، فقد سبقه البابا (شنودة) الأول، وكان البابا الـ 55، أما البابا (شنودة) الثاني كان البابا الـ 65 في تاريخ البطاركة، وكان البابا (شنودة) الثالث قد عاد إلى القاهرة في نفس اليوم الذي تمّ اختياره فيه بابا للأقباط وكان في صحبته الأنبا (انطونيوس) قائمقام البطريرك، والأنبا (صموئيل) واسقف الخدمات او الأنبا (دوماديوس) أسقف الجيزة، وأدى الجميع صلاة شكر بكنيسة (مارجرجرس) الجيزة ثم توجهوا بعد ذلك إلى الكاتدرائية المرقسية الكبرى.

السياسي :

كان المشهد بالغ التأثير، سيارة سوداء ماركة "مرسيدس" تسبقها وتتبعها عشرات السيارات التي مازالت تتناثر منها حبات رمال الطريق الصحراوي الممتد بين القاهرة والاسكندرية، حيث تقع الأديرة الشهيرة التي كان البابا شنودة مقيماً باحداها، بعد صدور قرار الرئيس المصري الراحل أنور السادات بتحديد إقامته به، في أعقاب توتر العلاقة بينه وبين البطريرك، الذي لم يكن مثل سابقيه من البطاركة مجرد رجل (بركات ورحمات)، بل كان سياسياً محنكاً، وممثلاً لجيل جديد من الآباء الكهنة الذين تخرجوا في الجامعات، ويتقنون اللغات الأجنبية، ويدلون بدلوهم في كل شأن سواء كان دينياً أو سياسياً.
كان قد مر أربعون شهراً على تحديد إقامة بطريرك الأقباط في الدير، قبل أن يلغي الرئيس المصري الحالي حسني مبارك هذا القرار، ليعود البابا شنودة إلى مقر البطريركية في أشهر شوارع مصر (شارع رمسيس)، ليجد في انتظاره عشرات الآلاف من ابنائه، في مشهد يذكر بما حدث مع القديس أثناسيوس.
ويقودنا هذا المشهد إلى علاقة البابا شنودة بالرئيس السادات التي كانت في بدايتها طيبة، ولكن كان السادات حينئذ قد أطلق مارد الجماعات الإسلامية المتطرفة من قمقمه، وتنامى نفوذ تلك الجماعات في كل أنحاء مصر، وتكررت اعتداءاتهم علي المصريين جميعاً مسلمين ومسيحيين، وحرقوا محلات المجوهرات المملوكة للمسيحيين وتعرضوا لهم على نحو سافر، الأمر الذي دفع البابا شنودة للاحتجاج علناً، وكان رد فعل السادات أن أصدر قراراً جمهورياً بعزل البابا ونفيه إلي دير الأنبا بيشوي، واعتقال ثمانية أساقفة، وشخصيات مسيحية أخرى علمانية، وإيقاف مجلة الكرازة وصحيفة وطني.
يقول البابا شنوده في حوار صحافي إنه على الرغم من الإبعاد 40 شهراً، إلا أنه نظر للنفي باعتباره فرصة استجمام روحي، وكتب 16 كتاباً في ذلك الوقت. وبعد صدور قراره بشهر، قتل السادات بأيدي نفس الجماعات المتطرفة. وبعد ثلاث سنوات ونصف، قام الرئيس حسني مبارك برفع (تحديد الإقامة) عن البابا.
وصل البطريرك إلى مقره حيث أدى صلاة الشكر، ثم حيا رعيته بهذه الكلمات "ليس لي سكن إلا في قلوبكم الممتلئة حباً، إنني لم أكن بعيداً عنكم ولو لطرفة عين"، ومضى قائلا "إني أود أن افعل ما في وسعي لتعميق المحبة والسلام والصلح بين الكنيسة والدولة، وإخواننا المسلمين، فنحن أعضاء في الجسم الواحد الذي هو مصر، والتي هي ليست وطنا نسكن فيه، بل يسكن فينا.

الحكيم :

الآن وبعد مرور عقود على هذه الأحداث، قاد البابا شنودة خلالها سفينة كنيستنا القبطية بحكمة مصري تناوبت عليه المحن منذ عشرات القرون ومازال قابضاً على روحه الإنسانية، متسامحاً دون ادعاء، ولا أنسى أنني سألت (سيدنا) ذات مرة عن مغزى التسامح مع الذين يسيئون لنا فابتسم قائلاً، وهل هناك محك لقيمة التسامح مع غير المسيئين، إننا بالتأكيد لا نتسامح مع الأحبة والأصدقاء، لأنهم بطبيعة الحال لا يسيئون لنا، وتعلمت من الرجل.
الآن صار للكنيسة القبطية مئة وخمسون كنيسة في اميركا وسبعون في كندا ونحو اربعين كنيسة في اوروبا وخمس وعشرين في دول اخرى، ومئات المدارس في المهجر، فضلاً عن ازدهار غير مسبوق لكنائس الداخل في مصر.

(نظير جيد) أو (البابا شنودة) هذا اليتيم الذي حمل البندقية دفاعاً عن بلاده، قبل أن يحمل صليبه ليصبح الحبر الجليل، والراهب الزاهد، والمسيحي الحقيقي، والمصلح الديموقراطي، والفلاح الحكيم، وربما يقتضي الأمر أكواماً من هذه الكلمات والصفات حتى نعبر عن بعض من شخصية دينية عالمية رفيعة، وتختصر سيرة راهب متواضع تبوأ أرفع المناصب من غير ان يسعى إليها يوما، بل قدمت اليه بفضل ذكائه وثقافته وانسانيته الحقيقية.
منقول
 

christ my lord

منقوش على كفية
عضو نشيط
إنضم
13 ديسمبر 2006
المشاركات
3,117
مستوى التفاعل
13
النقاط
0
رد على: مقاله عن البابا شنودة بقلم نبيل شرف الدين

مقالة رائعة .. شكرا ليكِ
 

engy_love_jesus

واثق فيك ياللهى
عضو مبارك
إنضم
20 يناير 2008
المشاركات
7,756
مستوى التفاعل
50
النقاط
0
رد على: مقاله عن البابا شنودة بقلم نبيل شرف الدين

يارب يخليك يا كرست
 
أعلى