إيماننا الحي - إعادة فحص، المعنى الأول، تابع (3) الثقة والصلاة المتواضعة الجزء الثامن عشر

aymonded

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
6 أكتوبر 2009
المشاركات
16,056
مستوى التفاعل
5,360
النقاط
0

إيماننا الحي - إعادة فحص

مفهوم الإيمان الصحيح وكيف نعيشه
المعنى الأول للإيمان في الكتاب المقدس
+ الثقة - בָטָח - Πιστεύω +
ثانياً: شرح معاني كلمة الإيمـــــان
المعنى الأول: الثقــــــــــة والاتكال
___تابع (3) الثقة والصلاة المتواضعة (الجزء 18)___
أ – العدو الأول لصلاة الإيمان هو الشك الذي يؤدي للتذمر:
كلمة الشك تأتي بلفظتين لفظة [άπιστἱα] (apistia) تعني عدم الثقة وعدم الجدارة، وعدم التصديق؛ ولفظة [άπιστέω] (apisteo) = [سيء الظن، لا يُصدق، عنيد]، وباختصار يأتي المعنى العام للشك بمعنى لا يؤتمن أو لا يُعتمد عليه؛ والشك في الكتاب المقدس عموماً يعني كل ما هو ضد اليقين الواضح والصريح، أو ما هو ناتج من الخوف السلبي ويُنشئ ريبة وعدم ثقة وكل ظن سيء في الآخر (بالرغم من وجود مُعاملات حسنة جداً من جهة الخبرة)، وأيضاً سبب في كل حركة سلبية تجاه الحياة مع الله وبالتالي تزحف وتنعكس على كل حياة الإنسان الأسرية والاجتماعية أيضاً.

عموماً عادةً ما يتراءى لنا أن الشك هو درجة بسيطة من درجات الخوف، إلا أن العكس هو الصحيح، لأن الخوف هو مظهر من مظاهر عجز المعرفة وضعف الرؤيا وهو يحتاج للتقويم بالإنجيل. أما الشك فهو يتعارض مع الإيمان تماماً، لأنه موجه ضد الرجاء والثقة، لذلك يُعتبر خطية موجهة ضد الله مباشرة، لأنه تعبير واضح وإعلان صارخ عن انعدام الثقة الكاملة في الله الحي وفي كل وصاياه وأقواله (بالرغم من خبرة الإنسان في التعامل مع الله ورؤية ديه في حياته)، لذلك فهو باختصار عدم تصديق وعود الله وكلماته!

ولكي نفهم الموضوع فهماً صحيحاً علينا أن نعود لرسالة العبرانيين وندقق في كلام الرسول لكي نفهم معنى الشك المقصود هنا:
+ وأما الإيمان فهو الثقة بما يرجى والإيقان بأمور لا ترى، فأنه في هذا شهد للقدماء: (بالإيمان نفهم؛ بالإيمان قدم هابيل؛ بالإيمان نقل أخنوخ؛ بالإيمان نوح لما اوحي اليه؛ بالإيمان إبراهيم لما دعي اطاع.. بالإيمان تغرب؛ بالإيمان قدم ابراهيم اسحق.. اذ حسب ان الله قادر على الاقامة من الأموات). (أنظر عبرانيين 11)
فالشك الذي نتكلم عنه هنا شك محدد الهوية وليس القصد أي شك أو أي عدم تصديق، بل المعنى هنا أن هناك رؤية واضحة أو دعوة صريحة مباشرة موجهه تمت من جانب الله الحي، والإنسان سمع ورأى وشاهد وعاين وتيقن، ثم شك في الوعد الذي سمعه ولم يُلبي الدعوة ولم يطيع ولم يحيا بالإيمان: لأن البار بالإيمان يحيا (غلاطية 3: 11)، هنا فقط تعتبر خطية عظيمة لأن الإنسان سمع وشاهد وعاين ونال نعمة وقوة ورأى أعمال الله واضحة أمام عينيه لا تحتاج شرح ولا تأويل، ومع ذلك تمرد وشك ورفض، وهذا نراه في حياة شعب إسرائيل بعد خروجه من مصر حينما تزمر وتمرد وشك مع انه رأى بعينيه وعاين بوضوح مجد الله الحي بصور معجزات قوية للغاية.

عموماً يلزمنا أن نُدرك أن الشك هو الذي يولد الخوف. لأن الشك هو ابتداء ضعف الثقة بالله، وأما الخوف فهو الابتعاد عن الله، وهذا ما رأيناه على مدى 40 سنة في البرية حينما خاف شعب إسرائيل لأن ثقته في الله انعدمت بالرغم من كل المشاهدات التي عاينها ورآها من بهاء المجد الإلهي:
+ فتذمر الشعب على موسى قائلين ماذا نشرب. (خروج 15: 24)
+ فتذمر كل جماعة بني اسرائيل على موسى وهرون في البرية. (خروج 16: 2)
+ وفي الصباح ترون مجد الرب لاستماعه تذمركم على الرب وأما نحن فماذا حتى تتذمروا علينا. (خروج 16: 7)
+ وعطش هناك الشعب إلى الماء وتذمر الشعب على موسى وقالوا لماذا أصعدتنا من مصر لتميتنا وأولادنا ومواشينا بالعطش. (خروج 17: 3)
+ (أنظر للأهمية عدد 14: 1 – 11)
+ فتذمر كل جماعة بني اسرائيل في الغد على موسى وهرون قائلين انتما قد قتلتما شعب الرب. (عدد 16: 41)
ولو عدنا أيضاً لموقف بطرس الرسول – حينما سار على الماء – لما حوَّل عينه عن المسيح الرب ونظر حوله ورأى الريح شديدة قدَّر بمعرفته وحساباته الشخصية (من جهة إمكانياته كإنسان طبيعي) أنه لا يستطيع أن يُكمل المسير فخاف وابتدأ يغرق. والسرّ الرئيسي المباشر في عجز إيمان القديس بطرس هو أنه شك في أمر الرب وهذا ما كشفه له السيد الرب بوضوح شديد ومباشر:
+ يا سيد إن كنت أنـــت هوَّ فمُرني أن آتي إليك على الماء. فقال: تعالَ. فنزل بطرس من السفينة ومشى على الماء ليأتي إلى يسوع، ولما رأى الريح شديدة خاف، وإذ ابتدأ يغرق صرخ قائلاً: يا رب نجني. ففي الحال مد يسوع يده وأمسك به وقال لهُ: يا قليـــل الإيمـــان لماذا شككت؟ (أنظر متى 14: 28 – 31)
ولذلك نجد أن القديس يعقوب الرسول يوضح أن أي شك أو ارتياب يعتري سؤالنا وطلبتنا من الله (رغم خبرتنا الروحية معه، في واقع حياتنا المُعاشة)، فإنه يكون سبباً رئيسياً لحرماننا من نوال أي ثمرة لجاهدنا في حياتنا الروحية أو حتى استجابة صلواتنا، أو إنقاذنا من حرب عدو الخير ونصرتنا الحقيقية على الشرّ وفساد هذا الدهر، لأننا لو كنا تذوقنا عمل النعمة في حياتنا فعلياً وعرفنا قوة النصرة الإلهية فلماذا نشك أو نرتاب!:
+ ولكن ليطلب غير مرتاب البتَّة، لأن المرتاب يُشبه موجاً من البحر تُخبطه الريح وتدفعهُ، فلا يظن ذلك الإنسان أنه ينال شيئاً من عند الرب. (يعقوب 1: 6 و7)
وهذا هو سر عدم استجابة صلواتنا وقت المحن والمشقات وضيقة عدو الخير وعدم النصرة باسم الرب وقوته، لأننا نرتاب غالباً في عطية الله وليس لنا ثقة في شخصه محب البشر، لذلك يقول الرسول لكل من تذوق عمل الله في حياته الشخصية ورأى يد الله في حياته فعلياً:
+ فلنتقدم بثقة إلى عرش النعمة لكي ننال رحمة ونجد نعمة عوناً في حينه. (عبرانيين 4: 16)
+ وهذه هي الثقة التي لنا عنده انه إن طلبنا شيئا حسب مشيئته يسمع لنا. (1يوحنا 5: 14)
 
أعلى