موسى وحمورابي: هل الناموس مقتبس؟

*S.O.G*

*حامـل الصليـب*
عضو مبارك
إنضم
7 ديسمبر 2006
المشاركات
1,296
مستوى التفاعل
9
النقاط
0
الإقامة
Germany
تحت إشراف جاك دو مورغان، وفي الفترة الممتدة بين العامين 1901-1902م، اكتشفت البعثة الأثرية الفرنسية مجموعة قوانين حمورابي، الملك البابلي الذي حكم في الفترة 1795-1750 ق.م، في موقع سوسا القديم حيث إيران حالياً، حيث عثرت على مسلّة أو شاهدة ديوريت، بطول 2.25 متراً، وعليها 282 قانوناً منظومة في 12 مقطعاً، تشكل بمجملها تشريعات حمورابي وقوانينه، وتعد من أطول الكتابات القديمة المكتشفة وأكثرها أصالة، حيث ألقى ذلك التشريع وما يحتويه من تعقيد وشؤون متناوَلَة الضوء على الحضارة البابلية القديمة، ويرى العديد من الباحثين فيه تنقيحاً لقانون بابل الشائع وقتئذ.
upphammu.jpg

جاء هذا الاكتشاف بنفع كبير جداً للكتاب المقدس، ذلك أنه لاشى تماماً ما أُثير من انتقادات لمشككيه، والتي تدّعي بأن أسفار موسى الخمسة لا يمكن أن يكون كاتبها موسى، بحجة أن الكتابة لم تكن قد عُرفت بعد في حياة النبيّ، بل طُورت في سنين تلت وفاته بقدر ليس بضئيل؛ ولكن وأمام الحشد الوافر من الاكتشافات الأثرية المناقضة له، بما فيها تشريع حمورابي، بات ذلك الادعاء والهراء سواء.

نقرأ في كتاب Archaeology and Bible History
[Free, Joseph P. and Howard F. Vos [1992], Archaeology and Bible History 103, 55] :
” لقد سبق تشريع حمورابي زمن موسى (1500-1400 ق.م) بمئات السنين، حيث يعود إلى الفترة ما بين (2000-1700 ق.م)؛ وقد احتوى على قوانين متقدمة مشابهة لما في ناموس موسى، وعلى ضوء هذا الدليل الأثري، لا يمكن للمنتقدين أن يصرّوا على على كون كتابة موسى للناموس أمراً أحدث من أن يكون صحيحاً”
من بين العديد من الكتابات القديمة المكتشفة، أزال اكتشاف تشريع حمورابي الشك في كون الكتابة قد تمت ممارستها لمئات السنين قبل موسى، وكل من يصر على مثل هكذا ادعاء إما هو يبتغي الكذب أو هو ناقد مُضَلَّل يريد نقد الكتاب المقدس.

بعد أن انتفى الادعاء الوهمي الأول، لا زال المعاندون يسعون إلى التضليل، فأثاروا ادعاءاً جديداً يقول بأن موسى النبي نسخ واستعار من تشريع حمورابي، واستدلوا على ذلك من بعض التشابهات الواردة بين ناموس موسى (1440 ق.م) والتشريع المذكور، في محاولة للإشارة إلى أن حادثة جبل سيناء (خروج 34) والوحي الإلهي في كتابة الناموس مشكوك بأمرها، وهي لا أساس لها بالطبع ..
نعم، إن الناموس والتشريع يحتويان بعض التشابهات، ونذكر منها:
- عقوبة الإعدام:
في حالات الخطف والزنى {(لاويين 20:10 و خروج 21:16) مع (القانونين 129 و14)}؛
- بعض أمور الثأر والشجار:
” في حال نشب شجار وضرب رجل آخر فأنزل به ضرراً، يجب عليه أن يُقسم بأنه لم يؤذه عن عمد، ويدفع تكاليف طبابته للأطباء” (قانون 206 من تشريع حمورابي)
” 18وَإِذَا تَخَاصَمَ رَجُلاَنِ فَضَرَبَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ بِحَجَرٍ أَوْ بِلَكْمَةٍ وَلَمْ يُقْتَلْ بَلْ سَقَطَ فِي الْفِرَاشِ، 19فَإِنْ قَامَ وَتَمَشَّى خَارِجًا عَلَى عُكَّازِهِ يَكُونُ الضَّارِبُ بَرِيئًا. إِلاَّ أَنَّهُ يُعَوِّضُ عُطْلَتَهُ، وَيُنْفِقُ عَلَى شِفَائِهِ” (خروج 21)
- التطاول على الأبوين:
” إن ضرب ابن أباه، تُقطع يداه” (قانون 195 من تشريع حمورابي)
“15مَنْ ضَرَبَ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ يُقْتَلُ قَتْلاً” (خروج 21)
إلا أن الغالبية العظمى من تلك التشابهات تنتهي عند النظر إلى المواضيع التي تتناولها القوانين المتشابهة، فالتفاصيل التي تحدد كيفية تولّي موضوع التشريع هي وفي معظم الحالات مختلفة، هذا إن لم نقل بأنها متباينة تماماً.

مثلاً، في أغلب الأحيان يشير ناقدي الكتاب المقدس إلى التشابه بين الناموس والتشريع في مبدأ الجزاء بالثواب أو العقاب، كما نرى في تشريع حمورابي:
فقرة 196) مبدأ العين بالعين
فقرة 197) مبدأ كسر عظم بكسر عظم
فقرة 199) مبدأ السنّ بالسنّ
ولكن علينا أن ننتبه إلى أن تشريع حمورابي كان يميّز بين عدة طبقات من الناس من حيث الجزاء : من وُلد حراً، من صار حُراً، ومن هو عبد؛ فالمجازاة بالتساوي كانت تتم للمولودين أحراراً فقط، وأما في حال كان المتضرر محرراً أو عبداً فتختلف الأحكام، حيث نرى أنك –وفق تشريع حمورابي- ملزم بدفع قطعة ذهبية واحدة (مينا Mina) للرجل المتضرر إن كان محرراً، ويصبح هذا السعر مساوٍ لنصف قيمة سعر العبد في حال كان المتضرر عبداً، ولا تُدفع هذه الجزية إلى العبد بل إلى سيد العبد المتضرر. وإلى جانب ذلك، لا نرى أي قانون يتناول حالة إصابة عبد ما بإصابة دائمة بين يدي سيده، بينما نرى ناموس موسى يقضي بحريّة ذلك العبد في مثل تلك الحالة (خروج 21 : 26-27)، وشتّان بين هذين القانونين “المتشابهين”.
وبالمثل، فإنه يمكن إجراء العديد من المقارنات بين ناموس موسى وتشريعات حمورابي، وقلّة من تلك المقارنات تُظهر تطابقاً تاماً، إلا أن هذا لا يعني انتحال موسى تشريع حمورابي في الناموس، بل كل ما يعنيه أن السرقة والخطف والزنى هي مشاكل لأي مجتمع ولا بد من معالجتها وتولّيها، وحتى اليوم، فإن العديد من الدول حول العالم لها تشريعات متشابهة، ولكن من منا يقول بأن تلك التوازيات في التشريع تعني قيام الدول بالنقل والنسخ من بعضها؟
وبنفس المنطق، هل امتلاك كل من بابل وإسرائيل لقوانين مضادّة للقتل يعني بالضرورة أن أحدهما سرق الفكرة من الآخر؟ ألعل من المحظّر على دولة ما أن تحاكم القتلة إن كان لدولة أخرى قانوناً أو تشريعاً مماثلاً؟

على أننا ينبغي ألا ننسى وجود اختلافات كبيرة بين ناموس موسى وتشريع حمورابي، فناموس موسى فاق تشريع حمورابي بأشواط من حيث تأصّله في عبادة الرب، الذي هو فوق الكل وأهم من الكل. إن المبدأ الأخلاقي الذي تقوم عليه كتابات العهد القديم هو كون الإنسان قد خُلقَ على صورة الله ومثاله، الله الصالح المستقيم الذي يطالب كل البشر بحياة الصلاح والاستقامة إذ هم على صورته، مما يجعل ناموس موسى أسمى من مجرد تشريع قانوني فحسب، ليتناول موضوع الخطيئة والمسؤولية الملقاة على عاتق البشر من ناحية الرب الخالق، ولا نجد في كل تشريع حمورابي أي مشابه لمثل ذلك.
لقد تمحور تركيز تشريعات حمورابي على قضايا الجرائم والأحوال المدنية، والناظر إليها يرى ما كانت عليه من قسوة وشدّة وصلت إلى حد سنّ عقوبات وحشية، مما يجعلها أقرب إلى قوانين دراكو (مشرّع أثينا الأول في بلاد اليونان القديمة) من موسى.
وأما ناموس موسى، فإلى جانب العدل الذي توخّاه، نظّم قوانينَ روحانية وعرّف القداسة العامّة والخاصّة كذلك، مما جعله ينحو نحو التعامل مع سبب الجريمة لا فقط تبعاتها، مخالفاً بذلك حمورابي، ورفع من سوية الحياة البشرية، كما ويتّسم بنوع من الرحمة والشفقة إذا ما قورن بتشريع حمورابي، فالبعد الروحاني هو ما يميّز بشدّة الناموس الموسوي عن حمورابي.

في كتابه (Highlights of Archaeology in Bible Land)، يصرّح المؤلف فريد وايت Fred Wight قائلاً:
” يشدد الناموس الموسوي على اعتبار الخطيئة سبباً لسقوط وزوال الأمم، ومثل هذا الاهتمام منقوص بالكامل من تشريع حمورابي، فإن المبدأ الأساسي الأهم في ناموس الله المكتوب بالعبرية يُلخَّص بالآية الواردة في سفر (اللاويين 11 : 45)، والقائلة: فَتَكُونُونَ قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ، وإن نظرنا إلى تشريع البابليين لوجدناهم أبعد ما يكون عن مثل هكذا مبدأ”
إن قارنّا بين منظوري ناموس موسى وتشريع حمورابي، لرأينا اختلافاً مثيراً للغاية، فتركيز الثاني كان أفقياً، في حين كان تركيز الأول عمودياً، وفي هذا يقول مؤلف كتاب Archaeology and the Old Testament، عالم الآثار Alfred Hoerth:
” إن ناموس العهد القديم هو ناموس موَجّه بالدين، في حين أن التشريعات القديمة الأخرى مدنية فحسب؛ لقد اعتقد شعب ما بين النهرين بأن شاماش إله العدل كان قد أعطى حمورابي تشريعه من أجل أن يتعايش الناس مع بعضهم البعض، في حين أن الناموس أُعطي لكي يحيا الناس مع الله بالدرجة الأولى”
ومنه، فإن تشديد الناموس الموسوي الكبير على القيم والمسائل الروحية هو ما يميّزه عن كل التشريعات القديمة، فإن أكثر الوصايا روحانيةً في تشريع حمورابي لا تعدو كونها التصريح بقتل كل من يسرق من الآلهة، أضف إلى ذلك أن تشريع حمورابي لا يدلي بأي تصريح عن العفو والمغفرة، بخلاف الناموس الموسوي؛ ولئن وردت بعض التشابهات، كما قد يحدث بين أي نظامين تشريعيين، إلا أن هوّة الاختلافات الواسعة بينهما تشير إلى مدى سطحيّة القول بنسخ موسى لناموسه من تشريع حمورابي.
بعد كل ما سبق، باتت النظرية القائلة بأن ناموس موسى ليس هو إلا إعادة صياغة لتشريع حمورابي مرفوضةً على نحو واسع اليوم، خاصة بعد اكتشاف العديد من التشريعات الأخرى المشابهة والأقدم من تشريع حمورابي نفسه، كالقوانين المسمارية (2350 ق.م)، تشريع Urukagina (2380 ق.م)، تشريع Ur-Nammu (2050 ق.م)، وغيرها.

هذا وإنه لمن الصدق بمكان أن نعلل ما نجده من تشابهات بين ناموس موسى وتشريع حمورابي بكونه نتيجة تناقل المبادىء الأخلاقية والمدنية الإلهية شفوياً بواسطة الآباء، خاصة وأن العديد من النقّاد يتفقون بأن القوانين البابلية كانت معروفة جيداً ليهود عصر موسى، ومن الطبيعي أن تتم صياغة الناموس بلغة مألوفة ومعروفة لعبريي ذلك الوقت، فلا تثريب إن وردت بعض التشابهات في الألفاظ فيما يتعلق ببعض القوانين.
moses.jpg
إلى جانب ذلك، إن الكثير من العادات والأعراف التي سنّها حمورابي توافق ما مارسه الآباء في الكتاب المقدس، فابراهيم عاش قبل زمن حمورابي بقليل، إلا أن ما أشار إليه في (تكوين 15 : 2-3) من كون لعازر الدمشقي هو مالك بيته وابن عبده سيكون وارثاً لابراهيم في حال لم يكن له ولد، موافق لما شرّعه حمورابي فيما يخص التبنّي، إلى جانب العديد من الكتابات القديمة، كألواح النوزي Nuzi، فهل أثّر تشريع حمورابي على ابراهيم؟
ومن تلك العادات أيضاً، عادة إنجاب الأولاد من الجواري، كما فعلت سارة امرأة ابراهيم في (تكوين 16 : 1)، وراحيل امرأة يعقوب (تكوين 30 : 1)، وليئة امرأة يعقوب أيضاً (تكوين 30 : 9)، وهي أعراف موافقة لثقافة تلك المنطقة وموثقة في تشريع حمورابي (قوانين 144 و 146)، ومن الواضح مما نراه في تشريع حمورابي أن تلك الممارسات كانت شائعة قبل زمن حمورابي، وما فعله تشريع حمورابي هو حماية الأطراف المشاركة في مثل ذلك التصرّف فحسب.
نضيف إلى ذلك، عادة دفع مهر لأب العروس، فهي عند حمورابي واجبة عندما يغير العريس المستقبلي أو أب العريس رأيهما ويعدلان عن الزواج، وبرغم وجود بعض الاختلافات، إلا أن سفر التكوين يذكر عادة المهر بوضوح، سواء بما حمله العبد كبير بيت ابراهيم من خيرات سيده ودفعها إلى رفقة وأمها وأخيها، أو بما دفعه يعقوب إلى خاله لابان لقاء ليئة وراحيل من عمل، إذ لم يكن لديه من خيرات عمل سبع سنين تلتها سبع سنين أخرى كمهر.
ومجمل القول، لقد أدى اكتشاف تشريع حمورابي خدمة كبيرة للكتاب المقدس، وختم أفواه النقّاد القائلين بأن الكتابة لم تكن معروفة أيام موسى، في محاولة بائسة لدحض أصالة الأسفار الموسوية المكتوبة، وأما ما بينهما من تشابهات، باعتبارهما نظامين تشريعيين إلى حد ما، فلا وزن لها إذا ما فُحصت على ضوء الاختلافات الواسعة بين الناموس الموسوي والتشريع البابلي الحمورابيّ، وقد أسهبنا في تبيان سطحية وتفاهة أن يعلل أحدهم ما يراه من تشابهات بقوله أن موسى لجأ إلى حمورابي لصياغة الناموس.
 
التعديل الأخير:

ElectericCurrent

أقل تلميذ
عضو مبارك
إنضم
27 مارس 2009
المشاركات
5,310
مستوى التفاعل
882
النقاط
113
الإقامة
I am,Among the Catechumens
تأملاتى :-
[1]​
- ما وصل إلينا الان فى أثار وحفريات منقوشة على الاحجار..ألان فى القرن الحادى والعشرين
أبان [ زمن موسي ] كان كتابات مقدسة سرائرية ذات أُطر كهنوتية لايتعملها ولا يدرك كنهها الا كبار الكهان وسدنة المعابد لما فيها من أسحار وأسرار..
غير متاح تعليم قراءتها ولا كتابتها ناهيك عن مضمونها لا إلى موسي ولا إلى إبراهيم ولا إلى أسحق ولا يعقوب ولا غيره.
مثال : إذا وجدت الان لوحاً مقتطعاً فى خرائب وكسور معبد الكرنك أو معروض فى المتحف المصرى مثلاً منقولاً من خبيئة أثرية .
فالحقيقة أنه لم يخلق على هذه الحال التى وصل إليها بعد 40 أو 50 قرناً من كتابته بل كان محفوظاً فى مقادس تحوطها السرية ويكتنفها الاجلال والتقديس ... ولا يعلم تفاصيل ما جاء بها الا أهل الثقة من المقربين. والمختصيين . وليس حسب علمى موسي او رجال اله الكتاب المقدس من هؤلاء المختصين فى شئ.
[2]
+ حقيقة إنعزال شعب الله ممثلا فى أسرة إبراهيم - وعلى مدى التناسل عبر الاجيال - أقول حدوث ظاهرة تبلور وإنعزال عرقي وإثنى ولغوى وثقافي مغلق لاسباب إستراتيحية قومية إيدولوجية راديكيالية متزمتة تحول دون التلاقح بين الثقافات والتشريعات.
فكانت التحذيرات من قطع العهود وابرام المواثيق مع الشعوب الوثنية على المستوى الثقافي والدينى والتشريعى والعبادى . فمن غير المنطقي أن ينه إله الكتاب المقدس عن خلق ويأت بمثله.
- [3]-​
+ على أسؤأء الافتراضات وأشدها خطأءاً ووهماً ..
ورغم حقيقة الانعزال والتبلور العرقي الاثنى واللغوى والعقائدى للكيان اليهودى فى الزمان والمكان أيضاً
فالواضح أن هناك من تشريعات إجتهادية فى علم التشريع القانونى والدستورى بحسب تطوره ونموه والاجتهادات النقدية فيه ..بحسب أفضل وأعدل وأنفع ما آلت إليه العقليات الحقوقية والتشريعية الجمعية الانسانية لخير ورقي الانسانية :كل هذا مقبول من إله الكتاب المقدس الذى يمكن ان يفسح مجالاً لما يستجد أو يتغير فى إحتياجات البشرية لتحققيق نفعها وخيرها وتنميتها. فلا يعارض الاله القدوس وجود بعض من تشريعاته شديدة الشبه بتشريعات البشر فى هذا المجال ..فهدفه هو خير الكيان البشرى والجماعات والافراد وصيانها حقوقها وتكريس حرياتها الفردية والجماعية فالامر هو مسأءلة مبدأء بالاساس...
....ه
 
أعلى