الدرس الأول في أساسيات الإيمان المسيحي: الإعلان الإلهي

ABOTARBO

أنت تضئ سراجى
مشرف سابق
إنضم
21 نوفمبر 2009
المشاركات
30,377
مستوى التفاعل
2,099
النقاط
0
الإقامة
Je rêve que je suis un papillon


ما اقصده هو إن الإعلانات الإلهية مُعلنة في الكتاب المقدس وليست نتاج تفكير او إستنتاج شخصي إخترعه شخص ما بفكره وتحليله البشري الخاص.
اهاااااا كدة فهمت

+ ميرسى للتوضيح

ربنا يبارك خدمتك الجميلة
 

+Nevena+

عضوة ح الغلاسه
مشرف سابق
إنضم
12 ديسمبر 2007
المشاركات
20,057
مستوى التفاعل
1,903
النقاط
113
شرح رائع باسلوب سلس مبسط
كل الشكر روك ربنا يعوض تعب محبتك

وللجميله أمه علي الاضافه الرائعه

متابعه ...
 

tamorty

New member
إنضم
8 يونيو 2011
المشاركات
1
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الدرس صعب اليوم محتاج تفسير عن كدة
 

zama

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
18 يونيو 2008
المشاركات
5,532
مستوى التفاعل
276
النقاط
83
الإقامة
♥♥ Egypt ♥♥
لو سمحت يا فندم لي تساؤلات ستظهر بمر المواضيع ، للتقصي عن حقيقة الأمر ، لـ حسم بيان الصورة :

الإعلان الإلهي العام هو إعلان الله عن ذاته ونفسه للبشرية أجمع بدون إستثناء.

كيف بدون أستثناء ، في حالة أن التسلسل المُسلط عليه الضوء من بدء الخليقة إلي مولد المسيح ،

تضيق به الدائرة صوب التحديد تجاه أفراد و مجموعات بـ عينها ، هي بالنسبة لـ مجمل البشرية لا

تُمثل إلا نسبة ضئيلة ، بصراحة جاوبت نفسي و صنفت تلك التحديد بأن تلك التخصيص للأختيار لا لـ

حرم البقية من المحيطين ،

لكن راودني التساؤال بشكل أخر ، مجمل بالدقة _ لا التصنيف بالعموم _ لدعوات الأنبياء بالعهد القديم ، وُجهت

و بُثت في مناطق محددة لا لإجمالي الشعوب ، الدليل هو حصر الذكر بين مواقف و أسماء ملوك و مُدن محددة

ليست كلها إجمالي سكان كوكبنا ،

لجانب أن ذلك الحصر في مجرد دعوة الخالق عن نفسه بـ مجال ألسن الأنبياء ، فـ أين دور الخالق بالأعلان

المجرد من دور البشر حتي و لو كانوا أدوات ، لـ يكن الأمر جذري لا يقبل النسبية

(( كالظواهر الطبيعية الثابتة : أصل ظهور الشمس من الغرب أو الجاذبية ألخ )) ؟؟

تلك هو سؤالي الأول ، معذرة لطوله اللازم اللازب لتفنيد القصد بأسلوب شائع ..
 
التعديل الأخير:

zama

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
18 يونيو 2008
المشاركات
5,532
مستوى التفاعل
276
النقاط
83
الإقامة
♥♥ Egypt ♥♥
التسلسل الذي تعرضه حضرتك جميل بصدق ، لكنه صادم لي (( مجرد بث شعور _ لو ممكن _ ، لكن لا تُبالي )) ..

عن إعلاناته الخاصة عن طريق الأحلام والرؤى وعن طريق الإنبياء وعن طريق إبنه أخيراً.

بدون مزاعم لـ نسب الخطأ الجُذافي التقدير ،

الأنبياء صادقين _ لا لأجل مسمي صفاتهم _ لأن دعواهم بالعلن لِما يبثوه ،

لكن كيف نتأكد من ركن الدعوة الألهية التي بـ صورة الأحلام ،

بالطبع لا اُكذب ألسنة أصحابها ، لا حق لي ، طالما لم أمتلك الدليل الوافي للشروع بالحكم علي زعمهم لا شخوصهم ،

أليس هناك أمور نفسية تتأرجح بمواسمها بين (( أوهام و تهيئات ، خرف شيخوخة الذي هو ليس عرض يقيني لكل مّنْ بلغوا من العمر أرذله لكنه إصابة عضوية ، فصام البرانويا ، إنفصام بشخصيتهم ،
ألخ من أعراض الشموخ اللابصادق )) ،

بـ حياد الموضوعية ، أيضاً لا دليل لدي لـ ثبوت تحقق تلك الأعراض ،

لكن الأحتمال قائم _ إن فتحت باب الأستنتاج لا يوصده إلا جواب قاطع بالمنطق كوسيلة تحليل _

بتلك الأعراض ، لأن القائمين بالأحلام بشر (( أي مُعرضين للأصابة )) و هم ليسوا داخل زجاجة ،

تلك الأعراض تنتج إبان التراكمات النفسية من تفاعل الدور ، تلك الأعراض حديثة الأكتشاف المُعاصر

لكنها أكيد موجودة ، أي أكتشاف موجود لكن الأكتشاف يُظهره ، نيوتن ما أوجد الجاذبية بل أكتشفها ،

الأختراع معدوم الصورة لكن موجود الأصل ، هناك فارق بالأساس بين الأختراع و الأكتشاف ..

أود الإيمان بالأقتناع البياني و لا اُرهقكم ، لأني أفتقر لأي أسلوب أخر من الحسيات الذي لها دور بمواقفها ..

==

لحضراتكم التوفيق ..
 

My Rock

خدام الكل
مدير المنتدى
إنضم
16 مارس 2005
المشاركات
27,311
مستوى التفاعل
3,159
النقاط
113
الإقامة
منقوش على كفيه
كيف بدون أستثناء ، في حالة أن التسلسل المُسلط عليه الضوء من بدء الخليقة إلي مولد المسيح ،

تضيق به الدائرة صوب التحديد تجاه أفراد و مجموعات بـ عينها ، هي بالنسبة لـ مجمل البشرية لا

تُمثل إلا نسبة ضئيلة ، بصراحة جاوبت نفسي و صنفت تلك التحديد بأن تلك التخصيص للأختيار لا لـ

حرم البقية من المحيطين ،

الإعلان الإلهي العام هو إعلان الله عن نفس من خلال خليقته (الطبيعة وما فيها من خلائق) ويسمى هذا عام لانه ظاهر للجميع فالطبيعة والخليقة ظاهرة للجميع.
طبعاً هذا لا يعني إن الجميع سيصلون لله بواسطة هذا الإعلان، لإن هناك فرق بين تقديم الإعلان وبين تقبله، لكن تبقى طريقة الإعلان ظاهرة للجميع، كالشمس، نورها يشرق على الكل لكن ليس الجميع يستقبل نورها.

أتمنى ان الفكرة وصلت.

سلام المسيح
 

My Rock

خدام الكل
مدير المنتدى
إنضم
16 مارس 2005
المشاركات
27,311
مستوى التفاعل
3,159
النقاط
113
الإقامة
منقوش على كفيه

لكن كيف نتأكد من ركن الدعوة الألهية التي بـ صورة الأحلام ،

لسنا مجبرين بتصديق او الإعتماد على الإختبارات الشخصية (الأحلام) لأن لنا ما هو مُعلن بالوحي الإلهي لكن نستطيع التأكد من خلال فحص المحتوى وسيرة الكاتب (ليس الكل مؤهل) والمطابقة مع ماهو موجود مسبقاً في الكتاب المقدس والتعرف على الإعلان الذي فيه.
 

zama

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
18 يونيو 2008
المشاركات
5,532
مستوى التفاعل
276
النقاط
83
الإقامة
♥♥ Egypt ♥♥
بالبداية ، مُتشكر لـ توضيح القصد ..

==

أستأذنك تساؤل لـ هذا
(ليس الكل مؤهل)
، بالتالي

ما هي صفات التأهيل السليمة (( الغير نسبية الأختلاف )) ؟؟
 

zama

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
18 يونيو 2008
المشاركات
5,532
مستوى التفاعل
276
النقاط
83
الإقامة
♥♥ Egypt ♥♥
الإعلان الإلهي العام هو إعلان الله عن نفس من خلال خليقته (الطبيعة وما فيها من خلائق) ويسمى هذا عام لانه ظاهر للجميع فالطبيعة والخليقة ظاهرة للجميع.

تلك الأعلان اُحاول أنا فهمه برغم زمني الداعي للفكرة ذاتها (( الله الخالق )) ،

ما حال نفس صورة عرض الأعلان بـ أزمان البدء ، لا أقصد توجيه النظر لـ وضع القدامي كون أجيال

أنتهت و لم تعرف الأعلان بالصورة التي عرفناها نحن لأن الإعلان غير مُعمم و غير واضح ،

لكن كيف يكون إعلان و يحتاج لـ تفسير أي ليس صريح ، بـ تفسير الأعلان تموجت الأديان لا

لـ أختلاف البشر لكن منهم حجة معينة ، أين توحيد بث الإعلان ؟؟

(( ما تفسير حضرتك لما أقول ؟؟ ))

==

مُتشكر جداً ..
 

My Rock

خدام الكل
مدير المنتدى
إنضم
16 مارس 2005
المشاركات
27,311
مستوى التفاعل
3,159
النقاط
113
الإقامة
منقوش على كفيه

zama

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
18 يونيو 2008
المشاركات
5,532
مستوى التفاعل
276
النقاط
83
الإقامة
♥♥ Egypt ♥♥
الوحي هو إختيار إلهي - راجع الدرس التالي الذي يشرح إختيار الله لانبيائه الدرس الرابع في أساسيات الإيمان المسيحي: الأنبياء والرسل

أة مُتشكر ، كان لدي إلتباس بالمفهوم ،

لأنني تفهمت عبارة حضرتك (( ليس الكل مؤهل )) بأساس أن التأهيل المقصود

لـ حوار هـ هنا ، لكن كان قصد حضرتك بالتأهيل هو التأهيل المُعد من قِبل الخالق لـ نبي

ما أو رسول بشأنه ، بالعموم تفهمت الفارق ، أقرأ الدروس بـ عناية شديدة قياساً

بمستوي و معيار الدقة بـ وجهة نظري ، مُتشكر لأجل تعبك بالرجوع لـ أوائل الدروس ،

بنسبة تقترب للتأكيد هتابع للنهاية ، كنوع من أنواع البحث لدي عن يقين ،

من فضلك : تحمل حضرتك عبأ مداخلاتي الغير مُكتفية بالشكر و حسب ،

بكل الأحوال يصل جواب لي ..
 

ramy22

New member
عضو
إنضم
4 ديسمبر 2011
المشاركات
90
مستوى التفاعل
11
النقاط
0
تسلم ايدك اخى الرائع My Rock

اسلوب رائع ومميز وبسيط جدااا للافادة

استمر .. ربنا يباركك ويبارك تعب محبتك
 

كلي أمل

عضو نشيط
عضو نشيط
إنضم
24 أغسطس 2012
المشاركات
252
مستوى التفاعل
56
النقاط
0
موضوع مفيد استاذي ربي يبارك فيك


استاذي عندي سؤال .

انت قلت ان : الخاص هنا لا يعني انه الأعلان موجه لفئه معينه فقط , لان الله يريد ان جميع الناس يخلصون والى معرفة الحق يقبلون .

لماذا لا يتم اعلام جميع الناس في هاذه الايام من قبل اصاحاب الدين .مثلي انا لم يقول لي احد عن الدين المسيحي , لاكن الرب ارشدني الى الطريق , س , لماذا لا تقومو في اخبار الناس عن الدين؟ لا تريدون الخلاص لاحد ؟


تحياتي
 
إنضم
21 مارس 2008
المشاركات
7,800
مستوى التفاعل
770
النقاط
113
الإقامة
عائدٌ من القبر
الإعلان الإلهي
يُقصَد بالإعلان الإلهي الأفعال والطرق التي استخدمها الله كي يعرّف بها عن ذاته أو مشيئته أو مقاصده.

الخليقة ذاتها -بما فيها الإنسان- هي الإعلان الأول والدائم لله عن وجوده وقدرته وحكمته وعنايته ومحبته. وبكل تأكيد فلم تكن الخليقة، بعد خلق الإنسان الوسيلة الوحيدة لكي يتعرف بها على خالقه. بل يحدّثنا الكتاب المقدس في بداية صفحاته عن شركة شخصية مباشرة مع الله. ولكن الإنسان بعد ابتعاده الطوعي عنه بالخطيئة خسر إمكانية هذه المعرفة أو المعاينة المباشرة بسبب اظلام ذهنه وقلبه. ولم يبقَ عند البشر سوى الخليقة المنظورة والمحسوسة التي تذكرهم بالخالق غير المنظور وغير المحسوس "لكي يطلبوا الله لعلّهم يتلمسونه، مع أنه عن كل واحد منا ليس بعيداً، لأننا به نحيا ونتحرك ونوجد" (أع 17: 27-28)، كما يعلمنا الرسول بولس "لم يترك نفسه بلا شاهد" (أع14: 17).

الكتاب المقدس والتسليم الرسولي يؤكدان أن هذه الحقيقة، إذ يظهران أن الخليقة تعلن عن الله أو تخبر عنه، بحسب تعبير داوود النبي: "السماوات تذيع مجد الله والفلك يخبر بأعمال يديه" (مز19: 1). هذا الإعلان يتلقنه من يبحث بإخلاص عن خالق هذه الكائنات المذهلة التي تنتظم بإبداع في هذا الكون العجيب. فإنه، كما يقول سفر الحكمة، "بعظم جمال المبروءات يبصر خالقها على طريق المقايسة" (حك 13: 5). أو كما يعلم بولس الرسول "إذ معرفة الله ظاهرة فيهم -في البشر- لأن الله أظهرها لهم، لأن أموره غير المنظورة ترى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته حتى أنهم بلا عذر" (رو1: 19-20).

الإنسان إذن يستطيع أن يؤمن بوجود الله غير المنظور من خلال رؤيته لمصنوعاته المنظورة والتي تحدّث عن صانعها وخالق مادتها، لأنه لا سبب بدون مسبّب. كذلك يستطيع أن يهتدي إلى نهائية قدرة الله من عظمة الطبيعة المخلوقة والغرابة الهائلة لأبعادها كبراً أو صغراً. كما يمكنه أن يُستدل على سرمديته من قدم المخلوقات والاستمرارية الدقيقة لنظام حركتها.

أما حكمته ومحبته فتظهران من خلال عنايته الفائقة بجميع مخلوقاته الحية من أحقرها إلى أعظمها: "أنظروا إلى طيور السماء إنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلى مخازن. وأبوكم السماوي يقوتها... تأملوا زنابق الحقل كيف تنمو... الخ..." (مت6: 26-30). وبالإجمال كما يقول القديس أثناثيوس الكبير: "كل الخليقة بنظامها وانسجامها تظهر ككتاب مفتوح وتصرخ مخبرة عن سيدها وصانعها".

ما ذُكر أعلاه لا يعني أنّ تفتيش الإنسان عن الله من خلال خليقته. هو عملية عقلانية منطقية بحته. وبالتالي فلا يمكن أن يستفيد من هذه العملية إلا الأذكياء والفهماء. في الواقع، ظلّت معرفة الله وستظل، من خلال هذه الطريقة أو غيرها، أقرب تناولاً لا للحكماء في أعين أنفسهم بل لمتواضعي الروح وأنقياء القلوب: "أحمدك أيها الآب ربّ السماء والأرض لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال" (مت 11: 25). "أحب الناس الظلمة أكثر من النور لأن أعمالهم كانت شريرة" (يو3: 19). لأن الله الذي زرع في كيان الإنسان منذ الأساس بذور كلمته الإلهية والتوق إلى معرفته، هو الذي يعلن بصورة خفية، وحتى من خلال الطبيعة، للعيون التي تبصر وللآذان التي تسمع (مت31: 16)، أي للقلوب النقية غير الموصدة.

إظلام الصورة الإلهية في الإنسان بعد السقوط، هو الذي أدّى أن تصبح ليس فقط الرؤية الإلهية غير ممكنة، بل وأيضاً إعلان الله من خلال طبيعته غير فعّال بشكل كاف، وكذلك أن يتشوه استعماله من قبل الوثنيين، الذين عبدوا الخليقة دون الخالق، كما سنرى، من أجل هذا السبب، مع اعتراف الآباء بأهمية معرفة الله من خلال الطبيعة، كوسيلة بناءة تساعد على الإيمان بالله، إلا أنهم يعتبرونها نسبية محدودة، ويحذّرون من أيّة محاولة للتعرف على الله انطلاقاً من تصوّر وجود مجال للمقارنة أو التشابه بين المخلوق والخالق. لأن نوعية طبيعة الله غير المخلوقة تختلف جذرياً عن طبيعة المخلوقات، إضافة إلى أن الله غير ممكن قطعاً أن يصبح هو نفسه موضوعاً قابلاً للمعرفة والبحث من قبل أي مخلوق، وذلك لتعاليه المطلق على كل الموجودات.

موقف الشعوب القديمة من هذا الإعلان:

لا ينكر أحد التأثير القوي للطبيعة على الإنسان من جهة اعتقاداته الدينية. لكنه يصعب كثيراً رصد هذا التأثير بدقة على الإنسان البدائي، ومنه تصور موقفه تجاه بعض الظواهر الفائقة الغرابة بالنسبة إليه، كالسماء المرصّعة بالأضواء ليلاً، وما يبدو من تحركات الشمس والقمر والكواكب والسحب، أو مفاجآت الأمطار والبروق والرعود والأعاصير، أو تنوع الحيوانات والنباتات، أو حتمية الموت، أو غموض الأحلام إلخ... الأصعب من هذا تصور موقفه الحقيقي وهو يلتمس في ظلمة جهله باحثاً عن أجوبة لمسائل كثيرة تطرح نفسها عليه وهو لا يجد لها تعليلاً، ومنها سبب ومعنى وجود كل هذه المخلوقات التي أمامه ومنها وجوده هو نفسه، وكيف انتقل من هذه التساؤلات إلى إعطاء أجوبة عبر الأساطير والاعتقادات الدينية التي صار يتناقلها.

أهمية إعلان الله عبر خليقته، رغم تشوّه استقباله بعد سقوط الإنسان، تؤكدها يوماً بعد يوم الحقيقة التي لاحظها المفكر الروماني بلوتارك منذ حوالي ألفي سنة: "قد نجد مدناً دون أسوار، ودون ملوكاً ودون أبنية، ودون نقود، ودون مسارح أو ملاعب. إلا أننا لن نجد مدينة واحدة دون معبد ودون إله. أو لا تلجأ إلى الصلاة والتعويذات والذبائح من أجل الخير..," مقابل هذا الإجماع الغريب الذي شمل كل شعوب الأرض دون استثناء في أي زمان أو مكان وجدوا، على الإيمان بألوهة ما وبحياة ما بعد الموت نلاحظ الدور الخاص للإنسان الساقط في تكوين آرائه الدينية وتأثير البيئة عليه. فمثلاً الديانة المصرية القديمة نجد أن الشمس وهي أبرز الظواهر الطبيعية في مصر تسند قيادتها إلى رع كبير آلهة المصريين، بينما يتولى زفس كبير الآلهة عند اليونان قيادة الرعد والبرق والمطر، لأنها الأشد تأثيراً في جو أوربا المليء بالسحب والأمطار...

سفر الحكمة يولي أهمية كبرى لدور الخلائق المنظور، لكنه يتعجّب من حماقة الذين ألّهوها ولم يقدروا أن يعرفوا خالقها من خلالها فيقول: "إنّ جميع الذين لم يعرفوا الله هم حمقى من طبعهم لم يقدروا أن يعلموا الكائن من الخيرات المنظورة ولم يتأملوا المصنوعات حتى يوفوا صانعها لكنهم حسبوا النار أو الريح أو الهواء اللطيف أو مدار النجوم أو لجّة المياه أو نيري السماء آلهة تسود العام. فإن كانوا إنما اعتقدوا هذه آلهة لأنهم خُلِبوا بجمالها فليتعرفوا كم ربّها أحسن منها إذ الذي خلقها هو مبدأ كل جمال. أو لأنهم دهشوا من قوتها وفعلها فليتفهموا كم منشئها أقوى منها" (حك13: 1-4).

إلى جانب ما يسميه سفر الحكمة حماقة تعكس الديانات القديمة أيضاً فساد أخلاق وظلمة نفوس، تفضها الأساطير المنسوجة حول آلهتها من طمع وشهوانية وشذوذ وأنانية وحقد ومؤامرات إلخ...

القديس بولس يربط بوضوح بين حماقة الأفكار وظلمة القلب التي أدّت إلى العبادات الوثنية من جهة، وبين الشهوات والنجاسة التي نتجت عن هذه العبادات من جهة أخرى. "لأنهم لما عرفوا الله لم يمجدوه أو يشكروه كإله بل حمقوا في أفكارهم وأظلم قلبهم الغبي. وبينما هم يزعمون أنهم حكماء صاروا جهلاء وأبدلوا مجد الله الذي لا يفنى بشبه صورة الإنسان الذي يفنى والطيور والدواب والزحافات. لذلك أسلمهم الله أيضاً في شهوات قلوبهم إلى النجاسة لإهانة أجسادهم بين ذواتهم..." (رو1: 21-24).

على هذا النحو بدا، وكأن إعلان الله من خلال خليقته، لم يكن مجدياً بالنسبة للقدماء عامة. مع ذلك فالأفكار الإيجابية والمبادئ الأخلاقية الجديرة بالاحترام عند عدد من المفكرين والمصلحين في بعض الأمم الوثنية، مع انتظار عام لمخلص سماوي، إضافة إلى التأملات الفلسفية البناءة المتعلقة بالألوهة، ومنها على سبيل المثال البراهين التي أعطاها بعض الفلاسفة مثل سقراط وأفلاطون ،أرسطو على وجود الإله الواحد وصفاته. كل هذا يدل على أن إخبار الطبيعة عن مجد خالقها وعن صفاته لم يبقَ كلياً بلا ثمر بل ساعد في التهيئة التي بثّها الله بطرقه الخفية إلى جانب إعلانه عبر أنبياء العهد القديم، لكي يسهّل على الأمم تقبل إعلان الله بيسوع حين يأتي ملء الزمان.


إعلان الله الشخصي بواسطة ظهوراته للبطاركة والأنبياء:

ادّعى البعض أنّ الدين هو مظهر فكري لوجدان وتفكير الأمم، ولذلك تعكس ديانة أي شعب درجة التطور الفكري والخلقي التي وصل إليها. خلافاً لهذه النظرية كان الشعب العبراني وحده يؤمن بإله متعال واحد للشعوب كلها، قدوس ويطلب القداسة، رغم إحاطته بأمم تعبد أصناماً وآلهة متعددة، وتمارس رجاسات مختلفة. وحده كان اعتقاده مبنياً أنه ليس من مشابهة بين الإله وخلائقه، بما فيهم البشر ولذا كان ممنوعاً في شريعته أن يصنع تمثالاً أو صورة مما في السماء أو على الأرض. كما كان هناك نهي صارم عن إتيان أي نوع من أعمال السحر والشعوذة. هذا مع العلم أن الشعب العبراني لم يكن متطوراً لا فكرياً ولا أخلاقياً، بل على العكس كان بشهادة التاريخ والتوراة نفسها، أشدها بدائية وأبعدها عن الحضارة والفلسفة وسمو المبادئ والقيم. كان مجرد أبناء رعاة متنقلين وصلوا في نهاية تجوالهم إلى مصر فعاشوا أولاً من الرعي ثم سُخِروا فيما بعد بأشغال جسدية

هذا الاعتقاد بالإله الواحد المتعالي والشخصي بآن يصعب تفسيره إلا بإعلانات شخصية مباشرة من هذا الإله لبطاركة وأنبياء من هذا الشعب، بتدرج يتناسب مع إمكانياته واستعداده للقبول. ولكن مع رؤيا أوسع تتجاوز حدود قوميته الضيقة وأحلامه الدنيوية. كانت تتكشف شيئاً فشيئاً عبر نبوءات الأنبياء إلى خلاص يشمل كل البشر.

وفي الواقع لا يتناقض تعالي الخالق كما ظن البعض مع نزوله لمخاطبة البشر بل يستدعيه. لأن التعالي على المخلوقات هو تعال قبل كل شيء في الحكمة والمحبة والقدرة. فأين الحكمة في أن يترك مخلوقاته العاقلة في تيهها وظلمتها غريبة عنه وبدون أي معنى أو هدف لوجودها؟ ولماذا خلقها إذن؟ وأين المحبة في أن يدعها تتعذب وتتخبط إلى ما لا نهاية؟ وألا يستطيع الذي خلق أن يخلص؟ والذي وهب الإنسان السمع والنطق والفهم أن يجد طريقه للتخاطب معه ومساعدته؟ وإن كان يستطيع فلم لا يفعل؟

بحسب أسفار العهد القديم لم تتوقف عناية الله بخليقته. ولم تنقطع علاقته، على مدى الأجيال، مع أشخاص قابلين لها. فقد كان يظهر لأنية مختارة، يعلن من خلالها ما يرتئيه لها ولبقية الشعب، في أوقات وظروف وطرق منوعة مناسبة. وهي بدورها كانت تتلقى إعلاناته أو مشيئته، في نوره أو مجده غير المخلوق، عبر رؤيا أو غيبة أو حلم أو رمز أو كلمة (نبوءة).

وكما يؤكد الكتاب المقدس، فلم يعتنِ الله ويظهر للعبرانيين وحدهم، بل كانت هناك عناية ونبوءات واستنارة ما عبر الكلمة المزروع في كل العالم، لأنه "كان النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان آتياً إلى العالم"، كما يقول إنجيل يوحنا: "كان في العالم وكوّن العالم به ولم يعرفه العالم" (يو1: 9-10).

إنما ما يميّز ظهورات الله لإبراهيم ونسله، هو أن الله يهيئ لنفسه شعباً يعلن من خلاله، وعبر التأديب والتقويم، مشيئته، ويحقق بواسطته، في نهاية المطاف، خلاصه ونشر البشارة التي ستمتد إلى كل الشعوب.

قفزة باسكال الكبرى، في ليلة اهتدائه المشهورة، أنه تجاوز كبرياء وحكمة العالم والمفكر ليدخل في نور جديد كان يجهله من قبل. لقد قبل باتضاع، وتعرّف بطريقة مختلفة على "إله إبراهيم ويعقوب لا إله الفلاسفة والعلماء". هكذا لم يعد الله بالنسبة إليه مجرد مبدأ أول يدبر الكون، بل إله حي يهتم بأشخاص ويخطط لخلاصهم، يختار رئيس عشيرة مجهولة ليقوده نحو المجهول في بلد غريب، من أجل وعد لن يتحقق في أيامه، بل بعد آلاف السنين، "لكي يتبارك في نسلك جميع أمم الأرض" (تك22: 18) وسيبقى هذا الوعد مجهولاً، ولن تدرك أهميته بالنسبة للبشر إلا عندما سيأتي واحد من نسله الذي هو المسيح. بولس الرسول يوضح: "لا يقول وفي الإنسان كأنه عن كثيرين بل كأنه عن واحد وفي نسلك الذي هو المسيح" (غل 3: 16).


 
التعديل الأخير:
أعلى