أهلا بكم جميعاً بعد أكثر من 12 سنة وجدت نفسي ربوبياً لا مزيد لدي لأقوله
الربوبية موقف رائع وناضج جدا، بل أحيانا تكون هي الطريق الأفضل نحو الحقيقة خاصة إذا كنت من خلفية إسلامية. مشكلة الربوبية ـ من ناحية أخرى ـ هي أنها موقف "
عقلي"، فكري ونظري، لا موقف "
وجودي" حقيقي. الإله الذي تؤمن به الربوبية هو مجرد
مفهوم "concept"، وهو بالتالي ـ
كأي مفهوم آخر ـ لا وجود له عمليا في الواقع! شتان على سبيل المثال بين "
الحب"
كمفهوم و"
الحب"
كتجربة حية وخبرة وجودية مباشرة. شتان ـ عندما تريد الطعام مثلا ـ بين الـ"منيو" أو قائمة الأصناف التي تجدها في أي مطعم وبين "
الطعام" نفسه! نحن جميعا ضحايا
للمفاهيم والأفكار واللغة عموما، لأننا نعتبرها "حقائق"، بينما كلها مجرد "رموز" و"صور ذهنية" تشير إلى
الحيـاة وإلى خبرتنا الحية المباشرة! كلها "
إعادة تمثيل" للحياة، وهكذا نتواصل من خلالها، لكنها ليست هي
الحياة نفسها، أو الحقيقة ذاتها!
عندما تقف بالتالي عند "
المفهوم" العقلي فقط: أنت تشبه شخصا
يستغني عن الطعام مكتفيا بقائمة الطعام! أنت بالتالي لم تبدأ ـ حتى لم تبدأ ـ معرفة
الحقيقة بعد!
الدين في المقابل هو
تجربة الحب نفسها، مقابل مفهوم الحب! الدين ـ وليس لنا هنا أي شأن باللاهوت الشعبي أو تصورات البسطاء عن الإله-الإنسان أو غيرها من حجج وأعذار يقف الربوبين والملحدون في العادة عندها ـ الدين هو
الخبرة الحية المباشرة لهذا المفهوم المجرد الذي نشير إليه كلمة "
إله"، والذي هو ـ دون هذه الخبرة ـ
لا يعني أي شيء على الإطلاق!
بل يعلمنا شيوخنا أصحاب الحكمة الحقيقية:
هدفك الوحيد هو معرفة الله، فإذا وصلت أخيرا وشعرت أنك عرفته حقا، فعندئذ تذكر أن الله ليس هو هذا الذي عرفته بعد!
أي كأن معرفة الله ـ بعبارة أخرى ـ مستحيلة! لماذا؟ لأن الله ليس
موضوعا للمعرفة أصلا! إدراك الله لا يتحقق إلا
وجوديــا، بظهوره وتجلّيه هو ذاته في أعماقنا في نسيج وجودنا. نحن لا نستوعب المطلق بل هو في الحقيقة الذي يستوعبنا. فقط بهذه الخبرة وبهذا الوجود الإلهي المباشر فينا يتحقق إدراكه أخيرا، وعندئذ يرتفع الحجاب حقا عن قلب الإنسان وتستنير بصيرته! عندئذ يعثر الإنسان أخيرا على
فردوسه المفقود، يدخل بل يذوب في بهائه، وعندئذ "يفهم" الإنسان أخيرا ما "
البشارة" وما "
التحرر" ـ
«تعرفون الحقـ(ـيقة) والحقـ(ـيقة) تحرركم» ـ وماذا كان يعنيه المسيح
«هـا ملكـوت الله داخــلكم»!
بل هذه كلها هي فقط
عتبات الأنوار،
بصيص المعرفة،
همس الحقيقة
ومبتدأ عطرها عند
بوابة السماء ـ نحن لم ندخل بعد إلى الأقداس نفسها ناهيك عن قدس الأقداس! فهل تستطيع "الربوبية" أن تلمح مجرد لمحة من هذا أو تحلم بالوصول ولو حتى إلى العتبات؟! هيهات ثم هيهات!