الصلاة الراهب القس بطرس البراموسي

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,327
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus
الراهب القس بطرس البراموسي
ما بين الصلاة والفتور




عندما نتكلم عن الصلاة.. يكون كلام شامل كل أنواع الصلاة:

* الصلاة القلبية.

* الصلاة الجماعية.

* الصلاة الفردية بالأجبية.

ويحضرني بعض الأسئلة التي أريد أن أوجهها لكل واحد منَّا:

* ما هو تقيمك الشخصي للصلاة؟

* ما هو مركز الصلاة (الصلة بينك وبين الله) في حياتك؟

* هل هي مجرد معونة لك في وقت الضيق.. تلجأ إليها (حينما تحتاج) إلى الله؟

* أم هي فرض عليك إذا لم تؤده تشعر بتأنيب الضمير لمجرد التقصير؟

* هل هي غذاء روحي لازم لك.. إن لم تتناوله تفتر في حياتك الروحية؟

* أم هي متعة، تشعر بحلاوة مذاقها، فتنسى الدنيا وكل ما فيها، وتود لو طال لك الوقت في الحديث مع الله؟

تعالوا بنا نناقش هذه الأسئلة، ونرى بداية..


ما هو تقييمي الشخصي للصلاة؟


فعلى حسب تقييمي يكون مستوى روحانياتي.. أي مستوى علاقتي مع الله..

* هل أنا دائم الالتصاق به.. أم أعرف الله في بعض المناسبات؟

* هل الصلاة هي غذاء لروحي وشبع لحياتي، ولذلك تصبح ضرورة من ضروريات الحياة لا استغناء عنها؟

* هل الصلاة بالنسبة لي هي غذاء الروح الذي أحرص على تناوله لتغذية الروح كما أحرص على تناول أطعمة الجسد لتغذية الجسد؟

* هل أربي روحي كما أربي جسدي؟

* هل روحانياتي في ازدياد مستمر كما الجسد أيضًا؟

* هل حينما تمرض الروح أعالجها كما أعالج الجسد في حالة مرضه؟ وأقصد هنا مرض الروح أي (الفتور الروحي).

* عندما تفتر حياتي الروحية.. هل أجلس وأنقب داخل نفسي لكي أكتشف ما هو السبب؟ ولماذا مرضت؟ وما هو سبب المرض؟ ما الذي أدى بي إلى هذه الحالة؟

* لماذا بردت روحي وبعدت عن الله؟ هل أتركها حتى أسمع القول الذي قيل لملاك كنيسة اللاودكيين: "أنا عارِفٌ أعمالكَ، أنَّكَ لستَ بارِدًا ولا حارًّا. لَيتَكَ كُنتَ بارِدًا أو حارًّا! هكذا لأنَّكَ فاتِرٌ، ولستَ بارِدًا ولا حارًّا، أنا مُزمِعٌ أنْ أتقَيّأكَ مِنْ فمي" (رؤ3: 15- 16)؟

* هل الصلاة لها مركز أو ترتيب في أولويات حياتي؟ أم هي شيء أمارسه وقت الحاجة له أو وقت الفراغ؟

* هل أصلي لاحتياجي للصلاة؟ أم يدخل في داخلنا الفكر الغير مسيحي وهو أن الصلاة فرض وضع علينا يجب أن نتممه؟

علاقة حب:

* الصلاة هي علاقة حب.. إذا لم تُمارس من خلال هذا الفكر الروحي لا يكون لها أي فائدة، ولا أتمتع بها ولا أذوق حلاوتها.

علاقة الإنسان بالله:

* الصلاة هي علاقة الإنسان بالله.. هي الغداء المستمر للروح، والصلاة هي التي تؤدي إلى التوبة المستمرة.. فالإنسان في صلاته يرجع إلى الله، ويجدد العلاقة التي قد تكون تشوهت بينه وبين خالقه عن طريق سقوطه في بعض الخطايا.

* بالصلاة تعاد هذه العلاقة، وكما يقول أحد القديسين: "إذا كان الإنسان يظن أنه يوجد باب آخر للتوبة غير التوبة فهو مخدوع من الشياطين".

مركز الله في حياتي:


* الصلاة تعبّر عن مدى اهتمامي بالله، ومدى مركز الله في حياتي، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.. هل له أهمية فأضعه في أول حياتي.. أم يأخذ دوره في وسط المشغوليات الكثيرة التي يهتم بها كل منَّا؟

سلّم إلى السماء:


إذا الإنسان استطاع أن يعرف قيمة الصلاة الحقيقية.. فسوف يصل إلى مذاقة حلاوة الرب والعشرة معه.. فهو السلم الذي نتسلقه لنصل به إلي السماء.

العِشرة مع الله:


* الصلاة هي الطريق الذي نصل من خلاله إلى العشرة المستمرة والحضور المستمر مع الله.

النَفس الذي أتنفسه:


* فالصلاة تعتبر مثل النَفَس الذي أتنفسه.. فنجد كثيرًا من الآباء القديسين دخلوا في تدريبات روحية عميقة في صلاة يسوع، حتى وصلوا للصلاة الدائمة التي أصبحت مع كل نَفَس يتنفسه.. وأصبحت "صلاة يسوع" جزء لا يتجزأ من حياته.. لا يستطيع أن يمضي عليه أي وقت حتى لو دقيقة واحدة ولا يذكر فيها اسم السيد المسيح.. فوصلوا بهذه الطريقة إلي الصلاة الدائمة، وإلى العِشرة المستمرة مع الله، وبالتالي أصبحت حياتهم كلها توبة مستمرة، وتمتعوا بالوجود الدائم مع الله وهم على الأرض.

* أما إذا اتخذنا الصلاة على أنها فرض.. فسوف يكون تنفيذها نابع عن ممارسة عادية وليس عن حب.. نابع عن تتميم فرائض لأجل الهروب من العقوبة وليس عن اشتياق قلبي.

* نحن لا نُصلي لأجل عقاب ينتظرنا لو لم نُصلي.. بل نُصلي إلي حبيب قلوبنا جميعنا السيد المسيح ملكنا الحقيقي الحنون.. الذي يستجيب لنا حينما ندعوه.. الذي عندما نطلبه نجده.. الذي يعرف ما نحتاج إليه دون أن نطلب.. الذي يقف على بابنا يقرع باستمرار يريد دخول القلب.

* فمَنْ استيقظ وفتح الباب له يدخل عنده ويملئ القلب بالفرح والبهجة والسلام والمحبة وطول البال.. وتحّل عليه ثمار الروح القدس.."وأمّا ثَمَرُ الرّوحِ فهو: مَحَبَّةٌ، فرَحٌ، سلامٌ، طولُ أناةٍ، لُطفٌ، صَلاحٌ، إيمانٌ، وداعَةٌ، تعَفُّفٌ. ضِدَّ أمثالِ هذِهِ ليس ناموسٌ" (غل5: 22 -23).

* أما مَنْ يرفض فتح باب قلبه لله ويقول مع عروس النشيد "قد خَلَعتُ ثَوْبي، فكيفَ ألبَسُهُ؟ قد غَسَلتُ رِجلَيَّ، فكيفَ أوَسخُهُما؟" (نش5: 3)،ويملك الكسل والتهاون علي حياته.. فسوف تمر به الأيام، وعندما يقوم ليفتح الباب سوف يقول أيضًا: "حَبيبي تحَوَّلَ وعَبَرَ. نَفسي خرجَتْ عِندَما أدبَرَ. طَلَبتُهُ فما وجَدتُهُ. دَعَوْتُهُ فما أجابَني" (نش5: 6).

تعالوا بنا ننظر إلى آباءنا القديسين، ونسألهم:

لماذا كنتم تطيلون أوقات الصلاة؟


نسمعهم جميعًا يقولوا لنا: "لأن وقت الصلاة كان بالنسبة لنا هو أمتع وقت نقضيه في حياتنا.. كنا لا نستطيع أن نقطع علاقتنا بالله وتمتعنا بعشرته ووجوده معنا لكي نعمل أي عمل آخر.. فكلما نطيل الوقت بقدر الإمكان.. نتمتع بوجودنا في حضرة الله أكثر وقت ممكن".

ولذلك تحولت الصلاة بالنسبة لهؤلاء الآباء إلى عشرة قلبية.. يشتهوا أن يقفوا مع الله طول الوقت.

نرى القديس الأنبا أرسانيوس مُعلِّم أولاد الملوك.. كان يقف يُصلي رافعًا يديه من وقت غروب الشمس وتضئ في ظهره.. إلى أن تشرق اليوم التالي ويراها تضئ في وجهه.. وهو لا يمل ولا يشعر بالتعب ولا طول الوقت.. وذلك لأن الصلاة تحولت إلى شهوة قلبية وليس إلى واجب أو فرض يفرض علينا عن طريق أب الاعتراف.. أو نقول لازم نعمل كده لكي يرتاح ضميرنا!!

هيا بنا اليوم نقف وقفة حساب مع النفس ونقول:

"إنَّها الآنَ ساعَةٌ لنَستَيقِظَ مِنَ النَّوْمِ،

فإنَّ خَلاصَنا الآنَ أقرَبُ مِمّا كانَ حينَ آمَنّا"

(رو13: 11)

يفيد تقيم هذه النقطة في حياتنا.. هل الصلاة بالنسبة لي حياة وعشرة ومحبة.. أم هي روتين أو واجب أو فرض؟

احذر أن يكون هذا الفكر في داخلك، وإذا وجد هذا..

فاعلم أنك سوف لا تشعر ولا تذوق حلاوة الصلاة وعشرة الله..

طالما أنك تؤدي الصلاة بروتينية وفتور.

ولإلهنا كل المجد والإكرام في كنيسته المقدسة..

من الآن وإلى الأبد آمين.
 

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,327
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus
مفهوم الصوم




مفهوم الصوم الصحيح:

يختلف الكثيرين في فهم الصوم..

* فالبعض يركز على الممارسات الجسدية من ناحية الامتناع عن الطعام (الانقطاع).

* والبعض يركز على الامتناع عن بعض الأطعمة (الصوم النباتي).

* والبعض الآخر يركز على الممارسات الروحية فقط.

ولكن أفضلهم مَنْ يدمج كل هذه مع بعضها، ويفهم ويعي مفهوم الصوم بفهمه الصحيح.. فهيا بنا ندخل إلى العمق، لنرى ما هو مفهوم الصوم الصحيح.


فعندما خلق الله آدم وحواء ووضعهما في الفردوس، كان طعامهما من الأطعمة النباتية، قائلًا لهم: "مِنْ جميعِ شَجَرِ الجَنَّةِ تأكُلُ أكلًا، وأمّا شَجَرَةُ مَعرِفَةِ الخَيرِ والشَّر فلا تأكُلْ مِنها، لأنَّكَ يومَ تأكُلُ مِنها موتًا تموتُ" (تك2: 16-17).. ولم يوصهم أن يذبحوا حيوانات ويأكلوا لحومها.

وعاش آدم وحواء حسب هذه الوصية حتى أخطأوا، ووقعوا في معصية الله ومخالفة وصيته، وطُردوا من الجنة، وعاشوا هم ونسلهم على نفس هذه الأطعمة حتى فساد الأرض كلها، وإتيان الله بالطوفان على العالم في عهد نوح.

* بعد فناء البشرية الأولى الفاسدة وخروج نوح من الفلك، بدأ الله بالسماح له بأكل اللحوم.. "ولتَكُنْ خَشيَتُكُمْ ورَهبَتُكُمْ علَى كُل حَيَواناتِ الأرضِ وكُل طُيورِ السماءِ، مع كُل ما يَدِبُّ علَى الأرضِ، وكُل أسماكِ البحرِ. قد دُفِعَتْ إلَى أيديكُمْ. كُلُّ دابَّةٍ حَيَّةٍ تكونُ لكُمْ طَعامًا. كالعُشبِ الأخضَرِ دَفَعتُ إلَيكُمُ الجميعَ. غَيرَ أنَّ لَحمًا بحَياتِهِ، دَمِهِ، لا تأكُلوهُ" (تك9: 2-4).

* الإنسان الأول كان مخلوقًا نباتيًا، وحتى الحيوانات التي يطلق عليها الآن حيوانات مفترسة كانت تأكل العشب الأخضر والنباتات.. بدليل أنها عندما دخلت الفلك مع نوح كانت تأكل من نفس الأكل الذي كان يأكله نوح وبنوه.. "وأنتَ، فخُذْ لنَفسِكَ مِنْ كُل طَعامٍ يؤكلُ واجمَعهُ عِندَكَ، فيكونَ لكَ ولها طَعامًا" (تك6: 21).

* فبممارسة الصوم نكون قد رجعنا إلى صورتنا الأولى التي خُلقنا عليها، وهي الصورة النباتية.. نأكل نفس الأكل الذي كنا نأكله في الفردوس.. وبتهيئتنا لأجسادنا في فترات الصوم وأكلنا أكلًا نباتيًا نقترب من الفردوس الذي طردنا منه بسبب الأكل ومخالفة وصية الله.

تعالوا بنا نرى ما يقوله مار اسحق لنا عن هذه النقطة:

"إن أول قضية وُضعت على طبيعتنا في البدء كانت ضد تذوق الطعام.. ومن هذه النقطة سقط أول جنسنا، لذلك فإن أولئك الذين يجاهدون من أجل خوف الله يجب أن يبدأوا البناء من حيث كانت أول ضربة. مُخلِّصنا الصالح حينما أظهر نفسه للعالم عند الأردن ابتدأ من هذه النقطة.. فحينما اعتمد قاده الروح إلى البرية مباشرة، وصام أربعين يومًا وأربعين ليلة، وكل الذين يريدون أن يتبعوا خطواته عليهم أن يضعوا أساس جهادهم على مثال عمله".

مفهوم الكنيسة عن الصوم:


الصوم هو حرمان عن بعض الأطعمة،
يتدرج حتى يصبح زهدًا اختياريًا.

وهذا ما تعلمه لنا الكنيسة.. وهو أن في بداية ممارسة أي "ممارسة روحية" تبدأ بما نُسميه (التغصب). ففي بداية ممارستنا للصوم يجب أن نحرم الجسد مما يتلذذ به، أو يرغب فيه، أو ما يفضله عن غيره.. ثم بعد ذلك يتدرج هذا الحرمان مع كل واحد منا إلى أن يصبح الإنسان ممتنعًا عن هذه الأطعمة رغبة ومحبة في الصوم، وأيضًا لأنه يصبح زاهدًا فيها بكامل إرادته.


الصوم ليس إضعافًا للجسد..
بل قمعًا وإذلالًا لإنعاش الروح.

فنحن نصوم ليس لكي نضعف الجسد ونهينه، أو نصل به إلى حالة لا يقوى على ممارسة الحياة، ويصبح الإنسان طريح الفراش بسبب ضعفه الجسدي بكثرة الصوم والإفراط فيه بدون إفراز وحكمة.. ولكن الصوم المصحوب بإرشاد أب الاعتراف يعتبر قمعًا لثورات الجسد، كما يقوم رجال الأمن بقمع أي ثورات ضد النظام أو السلام أو الأمن أو غيره.. هكذا الصوم يقمع تمرد الجسد على الروح.. فإذا لم نقمع هذه الثورة يتغلب الجسد على الروح وتضعف الروح، .. وهذا ما يجعلنا نضع الصوم من أهم الممارسات التي تنعش وتقوي الروح.


الصوم ليس فرضًا موضوعًا علينا..
لكننا نمارسه لشعورنا باحتياج إليه،
من أجل شقاوتنا وجسدنا المشاغب.

تعلمنا كنيستنا الأرثوذكسية أن لا يوجد أي فرض في ممارسة روحية..

* فالصلاة نمارسها عن محبة لإلهنا الخالق الذي يسمع لنا ويرعانا، ويهيئ كل شيء لخلاصنا.. ف "نَحنُ نُحِبُّهُ لأنَّهُ هو أحَبَّنا أوَّلًا" (1يو4: 19).

* الميطانيات نعملها لكي تهيئ ذهننا للتوبة (ميطانيا = تغيير الحالة)، ونمارسها عن حب ورغبة في تقديم الجسد لله ساجدًا خاشعًا طالبًا رحمة الله لنا.

* كذلك الصوم نمارسه في حب الله.. رغبة منا أن نرجع إلى طبيعتنا الأولى التي خلقنا عليها في الفردوس، وأيضًا لكي يخضع الجسد للروح، وتنشط وتقوى الروح على الجسد، وذلك حسب قانوننا الروحي.

* فنحن نشعر باحتياجنا لهذا الصوم، لذلك نصوم حبًا في الصوم وليس لأنه فرض.. فنحن في المسيحية لا يوجد عندنا فروضًا موضوعة علينا يجب أن نمارسها حتى عن عدم اقتناع لكي نعبِّر عن عبادتنا.

* نحن نصوم لأننا نحتاج إلى الصوم، لكي نلجم الجسد الجامح، لكي ينقذنا الله من جسد الخطية.. "لأني لستُ أفعَلُ الصّالِحَ الذي أُريدُهُ، بل الشَّرَّ الذي لستُ أُريدُهُ فإيّاهُ أفعَلُ. فإنْ كُنتُ ما لستُ أُريدُهُ إيّاهُ أفعَلُ، فلستُ بَعدُ أفعَلُهُ أنا، بل الخَطيَّةُ السّاكِنَةُ فيَّ. إذًا أجِدُ النّاموسَ لي حينَما أُريدُ أنْ أفعَلَ الحُسنَى أنَّ الشَّرَّ حاضِرٌ عِندي. فإني أُسَرُّ بناموسِ اللهِ بحَسَبِ الإنسانِ الباطِنِ. ولكني أرَى ناموسًا آخَرَ في أعضائي يُحارِبُ ناموسَ ذِهني، ويَسبيني إلَى ناموسِ الخَطيَّةِ الكائنِ في أعضائي. ويحي أنا الإنسانُ الشَّقيُّ! مَنْ يُنقِذُني مِنْ جَسَدِ هذا الموتِ؟" (رو7: 19–24).


الصوم لم يرتب للتكفير عن الذنوب والخطايا،
لكن لإعداد النفس لاقتبال الله..
إذ لا يوجد عمل ما يكفر عن الخطايا..
سوى دم السيد المسيح المسفوك على عود الصليب.

* فإيماننا المسيحي يعلمنا أنه لا توجد ممارسات تستطيع أن تكفر عن الخطية.. فالشيء الوحيد الذي يكفر عن خطايانا هو دم السيد المسيح.. ففكرة الكفارة تتم بالدم وليست بالممارسات.

* لذلك فالصوم دوره الأساسي هو ضبط شهوات الجسد، وفيه أيضًا يتم ضبط الفكر والحواس.. وحينما يضعف الجسد من الصوم، ويتذلل أمام الله تقوى الروح وتنشط.. وهذا هو الهدف المرجو من الصوم.

* والقديس باسيليوس الكبير يقول: "لقد نفينا من الفردوس الأرضي لأننا لم نصم. فيجب أن نصوم لنرجع إلى الفردوس السمائي، لأن الصوم يرد إلينا الخسائر المسببة عن عدم صوم آدم، ويصالحنا مع الله".

* ونحن نصوم لأن كثرة المأكولات تحرك الشهوات.. وهذا ما نلاحظه على مَنْ يأكلون كثيرًا وتقوى أجسادهم بطريقة غير مألوفة، نجد عندهم استعدادًا كبيرًا جدًا للغضب، فهو لا يمتلك نفسه ولا أعصابه، كذلك أيضًا للقتل معتمدًا على قواه الجسدية.. بل الأكثر من ذلك عندما يقوى الجسد أكثر من اللازم يصبح الإنسان له ميول جسدية ورغبة في ممارسة خطية الزنا.

* هذه الخطايا يقع فيها البعض الشرهين في تناول الأطعمة بحاجة وبدون حاجة.. لذلك نقول إن القصد من الصوم هو إذلال الجسد وإخضاعه فضلًا عن الحد من تغذيته.

* فالقديس يوحنا كسيان يقول: "حينما تمتلئ المعدة بكل أنواع الطعام فذلك يولد بذور الفسق، والعقل حينما يُخنق بثقل الطعام لا يقدر على توجيه الأفكار والسيطرة عليها. فليس السكر من الخمر هو الذي يذهب العقل، لكن الإسراف في كل أنواع المآكل يضعفه، ويجعله مترددًا، ويسلبه كل قوته في التأمل النقي. فإن كانت زيادة الخبز وحده أدت إلى مثل هذا السقوط السريع في الخطية عن طريق رذيلة الشبع.. فماذا نقول عن أولئك الذين لهم أجسام قوية ويأكلون اللحم ويشربون الخمر بإفراط، غير مكتفين بما تتطلبه أجسادهم.. بل ما تمليه عليهم رغبة العقل الملحة".

لذلك نجد جميع الآباء القديسين حذروا من كثرة المأكولات والنهم فيها.. ومن امتلاء المعدة.. هذه العادة الغير مرغوبة قد تسيطر على البعض فيتعود الإنسان أن يأكل فوق ما يحتاج.. فيصبح الأكل عنده غاية.

يذكر عن بعض الشعوب اليونانية في إحدى العصور أنه سيطر عليهم حب الأكل والتلذذ به طوال الوقت.. فيذكر عنهم أنهم يأكلون كثيرًا طالما جالسين أمام الطعام، ثم يقومون ويذهبوا إلى W.C لكي يتقيئوا لكي يعودوا للأكل مرة أخرى.. فأصبح الأكل عندهم ليس لسد حاجات الجسد، ولكنه شهوة سيطرت على الإنسان.. فيظل الإنسان يأكل بدون ضابط مثل الحيوانات.

* توجد علاقة طردية بين كثرة الأكل وأفكار الدنس والإدانة ... كلما أكثر الإنسان من تناول الطعام والشراب كثرت هذه الأفكار، وتوالت عليه حروب الشيطان.. وخاصة حروب الفكر.. ويقع الإنسان فريسة سهلة للشيطان، وذلك بسبب امتلاء البطن من الأطعمة.

لذلك مع كثرة الأطعمة وامتلاء البطن يظلم العقل ويصبح كالسماء المليئة بالسحب والغيوم.. فالإسراف في الأكل والشرب يأتي بالضرر الروحي والجسدي على الإنسان.. ويصبح الإنسان في حالة استرخاء وخمول مما يجعله ضحية للشيطان وأيضًا للأمراض الجسدية.


إلهنا الصالح الذي قدّس الصوم بصومه أربعين يومًا..

قادرًا أن يقدس صومنا، ويجعله صومًا روحانيًا..

نسعى فيه لبناء الروح، ولضبط شهوات الجسد والفكر والحواس..

لكي تتقدس حواسنا وأرواحنا وتتنقى أفكارنا.

ولإلهنا كل المجد والإكرام في كنيسته المقدسة..

من الآن وإلى الأبد آمين.
 

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,327
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus
شروط الصلاة المقبولة 1


الشهوات الكامنة في قلب الإنسان

إن الصلاة التي تُقبل لدى الله لابد أن يكون لها شروط.. لأنه يوجد بعض الصلوات المرفوضة والمكروهة من الله.. وهي صلوات الأشرار، والتي يُطلب فيها بعض الطلبات الخاطئة.

فمن أهم شروط الصلوات المقبولة أن تكون:


(1) بحسب مشية الله

يقول مُعلِّمنا يوحنا الرسول: "إنْ طَلَبنا شَيئًا حَسَبَ مَشيئَتِهِ يَسمَعُ لنا" (1يو5: 14). وهذه الآية تُوضِّح لنا أن كل شيء نسأله فيه يجب أن يكون متفقًا حسب مشيئته ومع محبته وحكمته الكاملتين.

* فالبعض يُصلي.. ومن الممكن أن يكون لا يعرف ماذا يطلب.. أو لمَنْ يُصلى!!

* والبعض يقع في خطأ من أشنع الأخطاء.. وهو الصلاة من أجل ضرر الآخرين، أو من أجل طلبة شريرة يريد أن تتحقق في أحد أقاربه أو أعدائه!

هذه الصلوات صلوات مرفوضة.. لأن صلاة الشرير مكرهة أمام الرب.."ذَبيحَةُ الأشرارِ مَكرَهَةُ الربِّ، وصَلاةُ المُستَقيمينَ مَرضاتُهُ" (أم15: 8).

فالصلاة النقية المقبولة هي التي تطلب الخير للكل.. تطلب السلام والوحدانية والمحبة.. ويقول مع الكنيسة: "وحدانية القلب التي للمحبة فلتتأصل فينا.. لينمو بر الإيمان.. سهل لنا طريق التقوى.. الرعاة اضبطهم والذين يرعونهم ثبتهم..." هذه الصلوات النقية تكون حسب مشيئة الله.



وعليها يأتي الشرط الثاني المهم وهو أن تكون:
(2) باسم السيد المسيح

لأن هكذا علّمتنا الكنيسة:

* في نهاية صلواتنا نقول: "بالمسيح يسوع ربنا".

* وفي صلاة الشكر نختمها فنقول: "بالمسيح يسوع ربنا.. هذا الذي ينبغي له المجد والإكرام...".

* في الصلاة الربانية.. "أبانا الذي في السموات" نقول: "بالمسيح يسوع ربنا لأن لك الملك والقوة والمجد إلى الأبد أمين".. وفي نهاية صلوات القِسم في القداس.


* في طلبات صلوات "سر الزيجة" أغلبها تختم بـ: "بالمسيح يسوع ربنا هذا الذي ينبغي له المجد والإكرام...".

* في صلوات وطلبات السيامات (شماس – كاهن - أسقف).. تختم الصلوات بـ: "بالمسيح يسوع ربنا هذا الذي ينبغي له المجد والإكرام...".

ونحن في صلواتنا الخاصة القلبية نطلب من السيد المسيح، ونُخصص الكلام له والطلبة منه، واثـقين في كلام السيد المسيح له المجد الذي قاله:"لأنَّ أباكُمُ السماويَّ يَعلَمُ أنَّكُمْ تحتاجونَ إلَى هذِهِ كُلها" (مت6: 32).

لذلك فالكنيسة تعلمنا أنه عندما نُصلي.. تكون صلواتنا كلها باسم السيد المسيح ملكنا الحقيقي.. فهو الذي يطلب من الآب باسمنا، وهذا ما تُصليه الكنيسة في طلبة (القداس الغريغوري): "شعبك.. شعبك.. شعبك وكنيستك يطلبون إليك وبك إلى الآب معك قائلين: ارحمنا.. ارحمنا.. ارحمنا يا الله الآب ضابط الكل...".

فنحن نطلب إلى السيد المسيح وبه إلى أبيه الصالح لأنهم الاثنين واحد.."الآبَ فيَّ وأنا فيهِ" (يو10: 38).



شرطًا آخر للصلاة المقبولة وهي أن تكون:
(3) من قلب طاهر نقي

أهم ما يعوق الصلاة هي أن تكون من قلب شرير.. يحمل الشر للغير، متذكرين قول السيد المسيح:

* "الإنسانُ الصّالِحُ مِنْ كنزِ قَلبِهِ الصّالِحِ يُخرِجُ الصَّلاحَ، والإنسانُ الشريرُ مِنْ كنزِ قَلبِهِ الشريرِ يُخرِجُ الشَّرَّ. فإنَّهُ مِنْ فضلَةِ القَلبِ يتكلَّمُ فمُهُ" (لو6: 45).

* وأيضًا.. "فوقَ كُلِّ تحَفُّظٍ احفَظْ قَلبَكَ، لأنَّ مِنهُ مَخارِجَ الحياةِ" (أم4: 23).

فما في قلب الإنسان هو ما يُعبِّر عنه في: تصرفاته، وسلوكياته، بل أيضًا في صلواته.. والقلب الطاهر النقي دائمًا يحمل محبة للآخرين، ويبتعد عن البغضة والكراهية.

فهو قلب يسكن فيه الروح القدس، ويثمر ثماره المعروفة.. "وأمّا ثَمَرُ الرّوحِ فهو: مَحَبَّةٌ، فرَحٌ، سلامٌ، طولُ أناةٍ، لُطفٌ، صَلاحٌ، إيمانٌ، وداعَةٌ، تعَفُّفٌ" (غل5: 22-23)..

هذه الثمار تنمو وتكثر إلى أن تفيض بخيرها على الآخرين.

* فنجد الإنسان دائمًا يشكر.. دائمًا فرحان.. دائمًا يتمنى الخير للكل.. دائمًا يُصلي: للمتضايقين، والمحتاجين، والمرضى، والمسافرين، وللذين ليس لهم أحد أن يذكرهم، والذين تحت الأحكام الظالمة، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.. دائمًا يُصلي من أجل الكل.. وهو يؤمن إيمانًا أكيدًا أنه فيما هو يُصلي من أجل الكل فالكل يُصلي من أجله.

* لا يوجد عنده فكر أنانية، ولا حب الأخذ.. فلا يقول: لماذا أصلي أنا من أجل الكل باستمرار وهم لا يُصلون من أجلي.. بل لسان حاله يقول: "إنني أحمل كل الخليقة التي تئن مُتعبة من المشاكل والأحزان في قلبي، فأنا أقف أصلي من أجل الكل".

وأيضًا ما يعوق الصلاة:
الشهوات الكامنة في قلب الإنسان

هذه الشهوات تموج داخل فكر الإنسان، وتسقطه في خطايا عديدة، منها الحسد.. فينظر الإنسان بالعين الحاسدة.. "كل حسد وكل تجربة وكل فِعل الشيطان" (من صلاة الشكر).

* فمن الممكن أن يطلب الإنسان في صلاته بعض الطلبات الخاطئة، التي لا يكون من حقه أن يأخذها.. بل من الممكن أن يطلب في صلاته نزعها من أصحابها.. وهكذا تتحول الصلاة إلى صلاة مرفوضة لأنها من قلب شرير.

* أيضًا إذا كانت العين الشريرة.. تنظر إلى مناظر معثرة، فيتحول القلب إلى قلب غير نقي، به خطايا دنسة مسيطرة عليه.. فتتحول صلاته إلى طلبات خاطئة ملوثة بخطايا الدنس.. هذه الشهوات الكامنة في القلب تعوق صلاة الإنسان.. والصلاة التي من القلب المدنس والمليء بهذه النوعية من الخطايا تعتبر من الصلوات المرفوضة.

* وأيضًا هذه الشهوات الناتجة من عدم عفة الإنسان تفقده الحرارة الروحية والتمتع بصلاته.. فيشعر بالخجل من الوقوف أمام الله.. فإما يغرس عدو الخير في عقله وفكره أنه لابد أن يمتنع عن الصلاة حتى يبطل هذه الأعمال الدنسة.. وإما يُوحي له أن صلاته مرفوضة، وأنه عندما يُصلي يجرم في حق الله.

والهدف من هذا أو ذلك.. هو إيقاع الإنسان في اليأس ويبطل الصلاة.. وهنا يذكرنا القديس الأنبا موسى بقول يقول فيه: "الذي يتهاون بعفة جسده يخجل في صلاته".

هذا الخجل مفيد من ناحية أن يشعر الإنسان بعظمة الخطية، فيمتنع عنها من أجل الصلاة النقية.. فيسعى الإنسان ويُجاهد، ويستمر في حياة التوبة، حتى يُقلع عن هذه الخطايا.. وبالتالي تتحول صلاته إلى صلاة نقية مقبولة عندما ينقي قلبه من هذه الخطايا.

* العقل المرتبط بالشهوات لا يرى موضع للصلاة الروحية، لأن هذا العقل يكون قد تشبع وامتلأ من هذه الشهوات ولا يوجد أي مكان للصلاة.. ولذلك من الممكن أن تكون خطايا الإنسان فاصلًا بينه وبين الله، وهذا ما قاله صريحًا بإشعياء النبي: "ها إنَّ يَدَ الرَّب لم تقصُرْ عن أنْ تُخَلّصَ، ولم تثقَلْ أُذُنُهُ عن أنْ تسمَعَ. بل آثامُكُمْ صارَتْ فاصِلَةً بَينَكُمْ وبَينَ إلهِكُمْ، وخطاياكُمْ ستَرَتْ وجهَهُ عنكُمْ حتَّى لا يَسمَعَ" (إش59: 1-2).

* هذه الخطايا التي صارت كفاصل بيننا وبين الله.. لابد أن تكون كبيرة لأن الله الحنون "لا يشاء موت الخاطئ مثلما يرجع ويحيا" (طلبة آخر كل ساعة).

* فالقلب الطاهر ليس هو القلب الذي قد تطهر من الخطية فقط.. بل أيضًا القلب غير المنقسم على ذاته.. (ونعني هنا القلب الذي لا يعرج بين محبة الله ومحبة العالم).

وللحديث بقية..

إلهنا الصالح يعطينا أن نحيا حياة الشكر المستمرة..

ولإلهنا كل المجد والإكرام من الآن وإلى الأبد آمين.
 

النهيسى

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
27 يوليو 2008
المشاركات
92,327
مستوى التفاعل
3,200
النقاط
113
الإقامة
I love you Jesus
شروط الصلاة المقبولة 2




شرطًا آخر للصلاة المقبولة وهي أن تكون:
(4) بإيمان كامل

هذا الإيمان الذي تحدث عن السيد المسيح عندما قال:

* "لو كانَ لكُمْ إيمانٌ مِثلُ حَبَّةِ خَردَلٍ لكُنتُمْ تقولونَ لهذا الجَبَلِ: انتَقِلْ مِنْ هنا إلَى هناكَ فيَنتَقِلُ، ولا يكونُ شَيءٌ غَيرَ مُمكِنٍ لَدَيكُمْ" (مت17: 20).

* "الحَقَّ أقولُ لكُمْ: إنْ كانَ لكُمْ إيمانٌ ولا تشُكّونَ، فلا تفعَلونَ أمرَ التينَةِ فقط، بل إنْ قُلتُمْ أيضًا لهذا الجَبَلِ: انتَقِلْ وانطَرِحْ في البحرِ فيكونُ. وكُلُّ ما تطلُبونَهُ في الصَّلاةِ مؤمِنينَ تنالونَهُ" (مت21: 21-22).

فقد وصل الآباء القديسين بصلاتهم النقية لتنفيذ هذه الآية.. وقد ذكر في قصة القديس "مرقس الترمقي".. عندما زاره أحد الآباء بعد فترة كبيرة من انعزاله في البرية وتوحده، فأخذوا يتكلموا في عظائم الأمور.

وفي وسط الحديث سأل القديس مرقس زائره قائلًا له: هل للمسيحيين الآن الإيمان الذي في حجم حبة الخردل الذي يقول للجبل انتقل فينتقل؟ وفيما هو يذكر هذا القول ارتفع الجبل الجالسين عليه من مكانه!! فوضع القديس مرقس يده عليه، وقال له: اثبت يا مبارك إنني لا أقول لك أنت هذا القول.. فرجع الجبل إلى مكانه!!

* هذا الإيمان ينبع من صلاة قوية وجهاد مُضني ونقاء قلب ودموع في الصلاة.

* وأيضًا هذا الإيمان يكون بلا ارتياب، كما قال مُعلِّمنا يعقوب في رسالته: "إنَّما إنْ كانَ أحَدُكُمْ تُعوِزُهُ حِكمَةٌ، فليَطلُبْ مِنَ اللهِ الذي يُعطي الجميعَ بسَخاءٍ ولا يُعَيّرُ، فسَيُعطَى لهُ. ولكن ليَطلُبْ بإيمانٍ غَيرَ مُرتابٍ البَتَّةَ، لأنَّ المُرتابَ يُشبِهُ مَوْجًا مِنَ البحرِ تخبِطُهُ الريحُ وتدفَعُهُ. فلا يَظُنَّ ذلكَ الإنسانُ أنَّهُ يَنالُ شَيئًا مِنْ عِندِ الرَّب" (يع1: 5-7).

هذا الارتياب أو الشك يفقدنا عمل الصلاة.. لأن لا يأخذ مَنْ لا يُؤمن إيمان أكيد وثيق في الله أنه هو الضابط الكل، الذي يسعى لخيرنا، ويُكلل جهادنا وصلواتنا بالخير، ويُعطينا كل ما نسأل.. بل يعرف احتياجنا قبل أن نسأله، ويلبيه لنا إن كان في خيرنا.


وقد وضع السيد المسيح شرط الإيمان في الصلاة لكي ننال ما نطلب.. حينما قال: "كُلُّ ما تطلُبونَهُ حينَما تُصَلّونَ، فآمِنوا أنْ تنالوهُ، فيكونَ لكُمْ" (مر11: 24).

فالصلاة بدون إيمان تكون باطلة..

والصلاة هي طلبة من السيد المسيح.

فتعالوا بنا نرى مَثلًا حيًا للإيمان الكامل في الطلبة.. وهي المرأة الكنعانية، حينما جاءت تطلب من السيد المسيح من أجل شفاء ابنتها المعذبة، وحديث السيد المسيح معها في (مر15: 26-28):

* "أجابَ وقالَ: "ليس حَسَنًا أنْ يؤخَذَ خُبزُ البَنينَ ويُطرَحَ للكِلابِ".. نرى هنا إيمان المرأة الكامل.. "فقالَتْ: "نَعَمْ، يا سيدُ! والكِلابُ أيضًا تأكُلُ مِنَ الفُتاتِ الذي يَسقُطُ مِنْ مائدَةِ أربابِها!".. ما هذا الإيمان الكامل والاتضاع الغير متناهي؟!

* ونتيجة لهذا الإيمان لم يرفض طلبها السيد المسيح، بل قال لها:"يا امرأةُ، عظيمٌ إيمانُكِ! ليَكُنْ لكِ كما تُريدينَ". فشُفيَتِ ابنَتُها مِنْ تِلكَ السّاعَةِ".

فقد شفيت ابنتها من أجل إيمانها الكامل في طلبها للسيد المسيح أنه سوف لا يَرُدها ولا يخزها.

فتعالوا بنا نأخذ هذه المرأة الكنعانية مَثلًا حيًا لنا في الإيمان الكامل في الصلاة والطلبة.. لأن الصلاة بدون إيمان تعتبر صلاة باطلة ليس لها مفعول.

* وهنا يقول القديس يوحنا الدرجي: "الإيمان هو جناح الصلاة، بدونه تعود الصلاة إلى جفن الإنسان ثانية".

(5) في طاعة كاملة

البعض الكثير يقول: لماذا لا ننال ما نسأل في الصلاة؟ لماذا لا يستجيب الله؟ لماذا لا نستطيع أن نقول مع يوحنا الرسول: "ومَهما سألنا نَنالُ مِنهُ، لأنَّنا نَحفَظُ وصاياهُ، ونَعمَلُ الأعمالَ المَرضيَّةَ أمامَهُ" (1يو3: 22)؟

إن السبب هنا لا يكمن في أن يوحنا كان رسولًا، وكان من المقربين للسيد المسيح.. ونحن مجرد مؤمنين عاديين.. فيوجد هنا تفرقة بين الناس على حسب مستواهم ووضعهم.

لكن السبب الأساسي الذي دفع يوحنا الحبيب أن يقول هذا، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.. لأنه استطاع أن يحفظ وصايا الله ويعمل الأعمال الصالحة المرضية أما السيد المسيح.. بل ويُطيع الله في كل شيء.

فالطاعة لوصايا الإنجيل والسيد المسيح..

هي التي تجعل صلاتنا لها فاعلية وتأثير.

فكما ذكر مار اسحق: "الطاعة تُخليك مسئولية الطريق"، "الطاعة سفر أثناء النوم".

هذه الطاعة التي جعلت قطعة حطب (فرع شجرة جاف) ينبت ويُخرج أوراقًا، حينما أطاع القديس يحنس القصير مُعلِّمه ومُرشده الأنبا بيموا عندما أعطاه له، وقال له: "اذهب اغرس هذا الفرع واسقيه".. فلم يتردد القديس يحنس، وجلس على هذا الوضع ثلاثة سنوات يذهب كل يوم بضعة أميال ليسقه دون شك ولا تردد بل وبلا تذمر، وفي آخر الثلاث سنوات أورق هذا الفرع الجاف بالأوراق الخضراء.

* فهل نقدر نحن في هذه الأيام أن نفعل هذا؟

* أم كل شيء الآن نحسبه بالعقل والتفكير وتراجع الإيمان والطاعة حتى لأب الاعتراف؟

نشكو لأب الاعتراف أن صلواتنا نصليها بفتور وعدم إحساس بالحضرة الإلهية، وعندما يقول لنا أن نستمر في الصلاة.. نفكر ونجادل ونقول: "مش ها ينفع.. أنا مش متمتع بالصلاة.. مش حاسس بها.. أنا ها أبطل صلاة حتى يحين الوقت الذي أشعر فيه بحرارة روحية وشوق للصلاة.. فأصلي في هذا الوقت".. وعندما يقول لك أب اعترافك: "كن حذرًا من هذا الفكر فهو حرب من حروب الشيطان".. نجادل ونلاجج ونعترض.. أين الطاعة؟!

صدقني يا أخي.. إذا أخذت بركة الطاعة، وأطعت أبيك.. فسوف تستمتع بالصلاة، وتكون صلاتك مقبولة ومسموعة أفضل مما تظن أو تفكر.."الطاعة خير من تقديم ذبائح".
(6) تقدم مع الشكر

ما أجمل الصلاة التي تمتزج بالشكر.. فالشكر هو أعلى درجات الصلاة، لأنه يرتفع عن المستوى البشري والطلبات الكثيرة.

نحن نشكره على كل شيء.. لذلك وضعت الكنيسة صلاة الشكر في مقدمة الصلوات والأسرار وكل شيء، لكي نقول للسيد المسيح أولًا قبل أن ندخل في أي شيء: "نشكرك على كل حال ومن أجل كل حال وفي كل حال".. لماذا؟ "لأنك سترتنا وأعنتنا وحفظتنا وقبلتنا إليك وأشفقت علينا وعضدتنا وأتيت بنا إلى هذه الساعة".

* فمُعلِّمنا بولس الرسول تكلم كثيرًا عن هذا الشكر فقال: "شاكِرينَ كُلَّ حينٍ علَى كُل شَيءٍ في اسمِ رَبنا يَسوعَ المَسيحِ، للهِ والآبِ" (أف5: 20).

* وأحد الآباء القديسين قال: "ليست موهبة بلا زيادة إلاَّ التي بلا شكر".

فالشكر الذي نقدمه في الصلاة هو تعبير عملي على أننا نحب الله، ونلمس محبته لنا وعملة الخلاصي الذي قدمه لنا، وعملة اليومي المستمر معنا في تسديد احتياجاتنا.. فالإنسان يتعود أن يُصلي وهو يشكر، ويطلب بإلحاح دون ضجر.

في الواقع إننا نشكر الناس على عملهم معنا أكثر من الله أضعاف.. فحينما يقدم لنا أحد الأشخاص أي مساعدة ولو بسيطة فنشكره كثيرًا.. ومع ذلك الله يقدم كل يوم وكل دقيقة فيه إحسانات غير معدودة، ولكننا لا نقدرها ولا نشكره عليها!! وهنا ننهي كلامنا.. بأن أقول لك:

لا تتمرد على الله في الصلاة، ولا تُعاتبه بطريقة خارجة عن حدود اللياقة في الكلام.

فإذا كان لنا حدود في كلامنا مع بعضنا كبشر.. فما بال حدودنا مع الله خالق كل البشر!!

يجب أن نتحدث مع الله بمحبة وبدالة البنين.. وليس مثل القاضي الذي يُحاكم المقصِّر في حقه.. فإذا تعودنا أن نشكر الله باستمرار.. فسوف يقبل صلواتنا ويستجيب لطلباتنا، ونشعر بحبة وحنانه، واستجابته لصلواتنا.. حينما نقدمها بشكر من كل القلب.

إلهنا الصالح يعطينا أن نحيا حياة الشكر المستمرة..

ولإلهنا كل المجد والإكرام من الآن وإلى الأبد آمين.​
 
أعلى