أهلا أستاذنا الحبيب. السؤال نفسه عذرا غير دقيق. لم يتم استبدال إلوهيم ويهوه بكلمة
الله هكذا عموما كما تقول. دعنا فضلا نأخذ كل كلمة على حدة:
أولا إلوهيم: إلوهيم ببساطة تعني
إله (دعنا الآن من صيغة الجمع فهذه مسألة أخرى). إلوهيم بالتالي ليست اسم علم، وعليه فالترجمة الحرفية لأول التكوين مثلا يجدر حسب قولك أن تقرأ:
«في البدء خلق الإله السموات والأرض». ولكن ـ وبغض النظر عن ركاكة هذه الترجمة ـ رأى المترجم العربي ببساطة أن يستخدم "الله" بدلا من "الإله" لأن الترجمة تمت في ظل وعي عام يرى أن "
الله" هو
الإله عموما، خاصة أن الجميع ينتسبون لأبي الآباء إبراهيم والله بالتالي إله إبراهيم ـ حسب هذه الثقافة ـ هو هو نفسه الذي يؤمن به اليهود والمسيحيون أيضا. "
الله" بالأحرى على الأقل ثقافيا كان بالتالي اسم جنس أكثر منه اسم علم. النظرة إلى "الله" باعتباره
اسما علما يخص المسلمين وحدهم دون سواهم، مقابل "
يهوه" مثلا عند غيرهم، نظرة حديثة نسبيا، تكشف عن نزعة انشقاقية وعصبية عنصرية لم تكن أبدا قائمة بالقرن الماضي أو حتى قبل 50 عاما فقط من الآن. وهنا قاعدة أخرى لابد من ذكرها في مجال التفسير والترجمة، هي أن «
اللغة وعاء الثقافة». بالتالي نؤكد ـ قطعا ويقينا ـ أن الثقافة والوعي العربي عموما أثناء كل هذه الترجمات المبكرة ـ
مسيحيا كان المترجم أم مسلما من حيث الديانة ـ لم يجد أبدا أية غضاضة في استخدام "الله" بدلا من "الإله" ترجمة لكلمة إلوهيم. بالعكس كان استخدام أية كلمة أخرى غير "
الله" باعثا بحد ذاته على الاستهجان أو الشك أو على الأقل التعجب!
(وأما لاهوتيا فلا غضاضة أيضا لأن الإله بكل حال
يتنزه تماما عن أن يكون له اسم ـ كما ذكرنا مؤخرا برسالة أخرى ـ سيان كان الله أو يهوه أو غيرهما، فهذا الاسم أو ذاك سيان، كلاهما مجرد مجاز لغرض الإشارة فقط والتواصل لا أكثر).
ثانيا يهوه: أما يهوه
فلم تتم ترجمتها أبدا إلى
الله كما تزعم، بل بالعكس التزم المترجم العربي هنا ـ كما التزم المترجم الإنجليزي أيضا ـ بالتقليد الذي عليه اليهود أنفسهم فيما يخص هذه الكلمة تحديدا، لأن اليهود ببساطة لا ينطقونها (لأسباب أيضا تخرج عن نطاق موضوعنا الآن). بالتالي اصطلح اليهود عند رؤية "يهوه" بالكتاب ـ أثناء القراءة مثلا ـ أن ينطقوا على الفور كلمة أخرى بدلا منها هي "
أدوناي" (الرب ـ السيد). تأمل على سبيل المثال أول مرة وردت بها هذه الكلمة "يهوه" بالكتاب (تكوين 2 عدد 4):
هذه مبادئ السماوات والأرض حين خلقت يوم عمل يهوه إلوهيم الأرض والسماوات.
كما ترى يهوه وإلوهيم جاءتا معا! الترجمة العربية بالتالي يجب أن تقرأ:
هذه مبادئ السماوات والأرض حين خلقت يوم عمل الإله يهوه الأرض والسماوات.
ولكن اليهود أنفسهم لا يقرأونها هكذا أبدا ـ يهوه إلوهيم ـ وإنما يقرأون:
هذه مبادئ السماوات والأرض حين خلقت يوم عمل أدوناي إلوهيم الأرض والسماوات.
وأدوناي كما قلنا تعني "السيد" أو "الرب"، ويقابلها بالإنجليزية "لورد"، فهذا ببساطة هو ما يستخدم اليهود عوضا عن "يهوه" حتى يتجنبون نطق هذا الاسم تماما. الآن افتح الترجمة العربية واقرأ تجد أن هذا بالضبط هو ما فعل المترجم:
تك 4:2 - هذه مبادئ السماوات والأرض حين خلقت يوم عمل الرب الإله الأرض والسماوات.
أين "الله" إذاً؟ كما ترى لا يُستخدم لفظ "الله" هكذا عموما في الترجمة العربية كما يزعم البعض!
بل حتى إذا أخذنا نصا صريحا يقول فيه الله (أو الإله) أن اسمه يهوه كما في إشعياء 42 عدد 8:
أنا يهوه هذا اسمي، ومجدي لا أعطيه لآخر...
ستجد الترجمة العربية هنا تقرأ:
أنا الرب هذا اسمي، ومجدي لا أعطيه لآخر...
وهو نفس ما فعل المترحم الإنجليزي أيضا:
أنا الـ Lord هذا اسمي، ومجدي لا أعطيه لآخر...
ذلك ببساطة لأن اليهود أنفسهم يقرأون:
أنا أدوناي هذا اسمي (لا يهوه)، ومجدي لا أعطيه لآخر...
طبعا لا يعنينا هنا أبدا الدفاع الأعمى أو الدفاع هكذا مطلقا عن هذه الترجمة أو تلك، معروف بالعكس أن الترجمة العربية الأشهر ليست مثالية وتحتاج إلى تنقيح كثير. فقط نناقش سؤالك بموضوعية.
* * *
كمثل نجاسة المراه ايضا فالكلمة العبرية تعني غير طاهره او غير نظيفة وليس نجسه بمعنى مدنسة فلماذا ترجموها نجسة ولم يترجموها غير طاهره او غير نظيفة طالما هناك مرادف لها!
لا يا أستاذنا عفوا.. مرة أخرى هذا غير صحبح.. "
توماه" لا تعني حتى ذلك. الموضوع ليس له أية علاقة بالنجس أو الطهارة أو حتى النظافة. "توماه" مفهوم روحي لا مادي، وهو يعني تحديدا "
الخلوّ من الحياة". ولكن لأن الحياة هي هبة الله، بل هي الله، أصبح هذا "الخلوّ من الحياة" أيضا يعني "الخلوّ من الألوهة"، أو بتعبير آبسط "
الخلوّ من القداسة"! هذه هي دلالة "توماه" العبرية الأصيلة والدقيقة. وهذا أيضا معنى أن المرأة "تامي" حين يأتي موعدها الشهري، لأنها عندئذ "
تخلو من الحياة" (لاحظ أن الدم لا يظهر إذا كان هناك حمل). هذا الدم إذاً ـ سيان في الفهم القديم أو في التفسير الحديث ـ هو "
دم الحياة"، أو الذي "
فيه سر الحياة" (وهذا هو السبب لماذا ارتبط بالسحر: لأن فيه "سر الحياة" يعتبر من ثم وقودا بل غذاء تتخاطفه الشياطين الجائعة في عالم السحر الأسود)!
ولكن مرة أخرى «
اللغة وعاء الثقافة»: ثقافة اليهود أنفسهم تأثرت بل قل تلوثت بثقافة اليونان وغيرهم فيما يخص المرأة عموما (كان اليونان مثلا ويا للعجب ينظرون نظرة شديدة التخلف للمرأة، وكانوا هم وغيرهم الذين اعتبروها نجسا، بل اعتبرها بعضهم كائنا من جنس ثالث بين الإنسان والحيوان)!
انحط بالتالي وعي اليهود فيما يخص المرأة وانعكس ذلك بالضرورة على لغتهم وفهمهم لكمات مثل "توماه"! بدأ ما نسميه "
ظلال" جديدة من المعنى تضاف تدريجيا لهذه الكلمة وبدأت بالفعل دلالة "النجس" تتسرب إليها، أي في عقل اليهود ووعيهم. (بدأ مفهوم "النجس" ينصرف حتى على الرجل أيضا بالتبعية أثناء سيله، فهو أيضا عندئذ "تامي")! وعليه حين جاء المترجم العربي أخيرا ليترجم ـ واللغة وعاء الثقافة ـ لم يملك سوى ترجمتها هكذا، نجسا، حسب فهم اليهود لها وحسب ما وجد في ثقافتهم ـ في شروحهم وتلمودهم وأساطيرهم إلخ ـ رغم أن هذه الترجمة ـ كتلك الثقافة ـ
لا يعكسان أبدا المقصود الإلهي الأول (المقصود الذي بالعكس طالما لوثته وشوهته وزيفته عقول البشر ودرجة وعيهم عبر العصور)!