الرجـاء لا يُـخـزى

خادم البتول

عضو نشيط
عضو نشيط
إنضم
13 أبريل 2012
المشاركات
1,066
مستوى التفاعل
1,035
النقاط
113
الإقامة
عابـــر سبيــــل


أبحث عن هذه القصة منذ فترة طويلة وأخيرا وجدتها. إهداء إلى أختي الجميلة أرجوان وإلى كل الأحباء.. (وعفوا إذا كان أحدهم قد أتى بها سابقا، ولكنني شخصيا لم أصادفها حتى الآن). القصة رواها أحد الخدام، يقول:


"أنا خادم للشباب في كنيسة من كنائس القاهرة وكنت سعيدا بعمل الله معي في الخدمة، وفي مهنتي حيث أعمل طبيب أمراض قلب. وذات يوم طلب مني أسقف أسوان الذهاب لمحافظة أسوان لعمل اجتماعات للشباب هناك في إجازة الصيف، فذهبت، وفي اليوم السابق لعودتي للقاهرة ذهبت لزيارة أحد الشباب، ولما علمت أسرته بسفري أوصتني بتسليم مبلغ معين من المال إلي أسرة فقيرة تسكن في القاهرة، أسرة مكونة من ٦ أولاد وقد مات الأب وتركهم في رعاية الأم التي لا حول لها ولا قوة، ولكن الله لا ينساها.

وعندما عدت للقاهرة، نسيت الأمر تماما، وكنت قد وضعت الظرف الذي به المال في حقيبتي الطبية، كانت هذه الحقيبة التي أضع فيها السماعة الطبية وجهاز الضغط، ولكن نظرا للصفة السيئة التي أتمتع بها وهي عدم النظام فقد كانت هذه الحقيبة المسكينة تحتوى على كل شيء وأي شيء يخطر ببالك، فلذلك لم أنتبه لوجود المبلغ بها. وذات يوم وقد استدعيت للذهاب للمستشفى، وكنت على عجلة من أمري، فقد ركبت تاكسي، وبعد أن سار التاكسي مسافة قليلة، توقف السائق وعرفت منه أن "العجلة نامت" ويجب تغييرها. نزلت وأنا في قمة الضيق بسبب التأخير ووقفت أنتظر تغيير العجلة. وكان الجو حارا للغاية، فذهبت لكشك مجاور لأشرب زجاجة كوكاكولا، وفيما أنا واقف بجوار الكشك سمعت هذا الحديث من شباك أحد المنازل الفقيرة المجاورة للكشك، كلا لم يكن حديثا بل كان صلاة:

"أنت عارف يا رب أن آخر لقمة في البيت أكلوها الأولاد قبل ما ينزلوا المدرسة والبيت كله فاضي ومعيش فلوس، واحنا يا رب ملناش غيرك نتكل عليه ونلجأ له"، وكانت المرأة تبكي وهي تصلي...

وهنا فقط تذكرت أمر الظرف والمال الذي كان يجب علي توصيله، فأخرجت الحقيبة الطبية وأخذت أبحث عن الظرف لمدة عشر دقائق حتى وجدته، وقرأت العنوان و..... واقشعر بدني ووقف شعر رأسي، فقد كان العنوان هو نفسه المكان الذي أقف عنده وهذا هو البيت المقصود، بل إنها هي المرأة الفقيرة التي يجب عليّ أن أعطيها المال. دخلت بسرعة البيت وأعطيتها المال وحكيت لها هذه القصة العجيبة، بكت السيدة من شدة التأثر وأدركت مدى عناية الله بها وبأولادها، فهو قاضي الأرامل وأبو الأيتام"!

* * *​

هذه هي القصة، وقد كنت أنوي وضعها دون تعليق، ولكن حيث أننا ما زلنا في حضرة السؤال الأرجواني الصعب: "لماذا يسلمنا الله لأعدائنا؟" فلابد من تعليق ولو مختصر: أبدا يا أخوتي أبدا، محال أن يسلمنا الله لأعدائنا، مهما كابدنا من معاناة أو ألم. ثق، حبيبي، ثق أن أبو الأنوار لا يسمح أبدا بذلك، فإن سمح بذلك، فثق أنهم ليسوا أعداء، بل هم أصدقاء. نعم، عقلك يقول أن هذا أو ذاك عدو، بل سفاح، طعنك بالخنجر، وأنك تألمت. لكن الحقيقة غير ذلك تماما، ما دمت مع الرب في كل حين، تغسل قدميه بطيب وتمسحهما بشعرك. الحقيقة أن هذا بالأحرى جرّاح لا سفاح، أنه لم يحمل خنجرا وإنما مبضع الطبيب، أنه لم يطعنك وإنما فتح صدرك لأجل تنقيتك وتطهيرك، لأجل غسلك وتقديسك، ولأجل أن تكون ابن الله حقا لا مجرد شريد بين "النغول" أبناء الزنى:

"لأن الذي يحبه الرب يؤدبه ... فأي ابن لا يؤدبه أبوه؟ ... إن كنتم بلا تأديب... فأنتم نغول لا بنون! ... قد كان لنا آباء أجسادنا مؤدبين وكنا نهابهم، أفلا نخضع بالأولى لأبي الأرواح فنحيا؟" (عب 12). لأجل ذلك نحن بالأحرى "نفتخر في الضيقات"، لأن "الضيق ينشئ صبرا، والصبر تزكية، والتزكية رجاء، والرجاء لا يُخزى" (رو 5).

فإذا جاءنا العبد بعد ذلك باسم جميل مثل "أرجوان"، فقط على سبيل المثال، فليس هذا إلا بعض الفيض من جائزة الألم! إذا جاء فسكب من روحه عطر الكلمات فأسكرنا، أو نغم المعاني فأطربنا، فنحن عندئذ نعرف أن ذلك ثمر النعمة قد أينع وطاب! نرى الذهب يلمع فنعرف أن النار حاصرته
ذات يوم حتى احترقت شوائبه وظهر بريقه! نراه عبدا جميلا، ولكن نعرف أنه جميل بالأحرى لأن الله أدبه بالألم، برره بالمحن، نقاه بكل ضيق وتجربة حتى صار مقدسا، جديرا بالوقوف عند أعتاب النور، خليقا بالانتساب لعرش الجمال، مستحقا ألا يكون بعد عبدا بل ابن الله يُدعى ـ ويا لها من كرامة!

فبالأحرى دموعكم أيها الباكون ـ ما دمتم في جناب الرب ـ لؤلؤ وجوهر، ألمكم ولادة وصعود، تعبكم سمو وارتقاء. فبالأحرى أنتم أغصان البر بالضيقات تثبت في الكرمة العظيمة. فبالأحرى افرحوا وتهللوا، افرحوا في كل حين، طوباكم أهل الآلام والمحن!


 

+Nevena+

عضوة ح الغلاسه
مشرف سابق
إنضم
12 ديسمبر 2007
المشاركات
20,057
مستوى التفاعل
1,903
النقاط
113
حقا الله لا يسلمنا الي اعدائنا
بل هو كأب حنون يأدبنا وقتالحاجه لنعود اليه بالصلاه
فيفرح قلوبنا بوجوده معانا عندما يستجيب لهمسنا


قصه وتأمل في قمه الروعه والتعزيه
كل الشكر علي طرحها للاستفاده
 
التعديل الأخير:

خادم البتول

عضو نشيط
عضو نشيط
إنضم
13 أبريل 2012
المشاركات
1,066
مستوى التفاعل
1,035
النقاط
113
الإقامة
عابـــر سبيــــل

بل الشكر لك، سمو الأميرة، أختي الرائعة التي بالأحرى أطمح أن أكون يوما مثلها في البساطة والنقاوة، مع الحساسية والعمق في الوقت نفسه! ربنا يبارك قلبك دليلك الجميل، ويعوّض تعبك وينوّلك سؤالك. :16_4_10:

(بس يا نيفو معلش، ولو فيها يعني رزالة، هو لا مؤاخذة حسب علامي اسمه "تأمل" مش "تآكل". التآكل ده يا أختي بيكون في المواسير القديمة، وفيه منه نوع تاني في العربيات بيسموه "بارومة". بس نورتيني يا جميل، وكفاية أصلا إنك شرفتينا بمرورك، إحنا ح ننهب! تآكل تآكل ولا يهمك :t33:).

 

+Nevena+

عضوة ح الغلاسه
مشرف سابق
إنضم
12 ديسمبر 2007
المشاركات
20,057
مستوى التفاعل
1,903
النقاط
113
اولا : بشكرك علي كلامك الذي لا استحقه
يسوع يباركك


ثانيا : دي كانت غلطه كتابيه يعني
ليه بقي الفضايح العلني دي ههههههههه
وبشكرك علي التنبيه وتم تعديلها
 

حبو اعدائكم

حبو...
عضو مبارك
إنضم
9 أكتوبر 2011
المشاركات
14,191
مستوى التفاعل
4,782
النقاط
113
الإقامة
مصر
قصه جميله فعلا --
و تعليق جميل
اشكرك الرب يباركك
 

AdmanTios

Ο Ωριγένη&
عضو مبارك
إنضم
22 سبتمبر 2011
المشاركات
2,815
مستوى التفاعل
1,566
النقاط
0
الإقامة
Jesus's Heart


وهنا فقط تذكرت أمر الظرف والمال الذي كان يجب علي توصيله، فأخرجت الحقيبة الطبية وأخذت أبحث عن الظرف لمدة عشر دقائق حتى وجدته، وقرأت العنوان و..... واقشعر بدني ووقف شعر رأسي، فقد كان العنوان هو نفسه المكان الذي أقف عنده وهذا هو البيت المقصود، بل إنها هي المرأة الفقيرة التي يجب عليّ أن أعطيها المال. دخلت بسرعة البيت وأعطيتها المال وحكيت لها هذه القصة العجيبة، بكت السيدة من شدة التأثر وأدركت مدى عناية الله بها وبأولادها، فهو قاضي الأرامل وأبو الأيتام"!

* * *​



سلمت يمينك أستاذي و أخي الحبيب " خادم البتول "
القصة بصدق تلمس القلب و لك خالص الحق صدقني
في وضع هذه العبرة الرائعة بدون تعليق :) :)
لأن بمنتهي البساطة التعليق في تدابير و حكمة و مشيئة ربنا
نعم قد تبدو إرادة ربنا غامضة بعض الشئ لكن هي للخير و للصالح
ربنا سمح بهذا الموقف لكي يُتمم مشيئتُه كحسب صلاحُه و في الوقت المناسب
لهذا فرحين في الرجاء لأننا بالرجاء نخلُص ......

مشكور أستاذي الغالي للسماح لنا بالمُشاركة
دامت خدمتك قوية مُثمرة دوماً . . . . . . مودتي و إحترامي
 

خادم البتول

عضو نشيط
عضو نشيط
إنضم
13 أبريل 2012
المشاركات
1,066
مستوى التفاعل
1,035
النقاط
113
الإقامة
عابـــر سبيــــل

أشكرك أستاذنا الحبيب أدمانتيوس على القراءة وعلى المشاركة الجميلة (كما أشكر الغالية حبـو أيضا على رسالتها). سامحونى لعدم التعليق لأن الرسالة قديمة جدا ولا أفضل العودة عموما لأية رسائل قديمة. هكذا صدقا أشعر: أن هناك فقط "تشابه أسماء" بيني وبين هذا الكاتب!
icon10.gif
الثبات مجرد وهم من أوهام "الأنـا" العديدة، التي تريد فقط تخليد ذاتها، بينما قانون الحياة كلها هو بالعكس التغيّر! حتى أفكاري نفسها تغيرت كثيرا وتطورت (أو ربما تدهورت، مَن يدري؟)
icon10.gif


***

فكرة "التأديب" نفسها ـ مثلا ـ لم أعد أراها هكذا. كان الرسول يحدثنا بالتشبيه والمجاز وبأبسط لغة ممكنة، تناسب الصغير والكبير، الجاهل والحكيم، الفلاح والفيلسوف. أما الآن فرؤيتي المتواضعة هي أن الله حتى لا يؤدبنا. الله أنزه وأعلى وأكمل وأروع حتى من أن يؤدبنا! الله هو المحبة، فقط المحبة الخالصة الفائقة المطلقة دون حدود، فوق كل عقل أو تصور. أما الألم فهو بالأحرى داخل الإنسان. نفس هذه المحبة الباهرة ـ حين تشرق على خليقتها ـ تحترق بنورها تلقائيا كل شوائبنا وأوحالنا التي تراكمت داخلنا! فهذا الحريق نفسه هو ما يؤلمنا وما نسميه بالتالي "تجربة" أو "شدة"!

السيد المسيح يقول: وأما ما يخرج من الفم فمن القلب يصدر، وذاك ينجس الإنسان، لأن من القلب تخرج أفكار شريرة: قتل، زنى، فسق، سرقة، شهادة زور، تجديف. هذه هي التي تنجس الإنسان!

فهكذا أيضا الألم أو المعاناة: من الداخل كل ذلك يصدر ليس أبدا من الخارج. بل بقدر هذا النجس أو التلوث داخلنا ـ على اختلاف درجاته ـ بقدر ما تكون معاناتنا! نحن لا نعاني لأننا تحت أي "تأديب" حقا ـ بالمعنى الحرفي ـ ولكن لأن الله بالأحرى أشرقت شمس محبته علينا، وهكذا تلقائيا بدأت كل هذه النجاسات بالاحتراق!


لذلك إذا اكتمل تطهّر الإنسان ـ عقلا وقلبا وجسدا ـ توقفت المعاناة حتما، حتى لو استمرت التجارب أو الأمراض أو الأوجاع الجسدية! بالعكس يمتلئ قلب الإنسان حينئذ بالتعزية والسلام والسكينة والقوة وربما حتى بالفرح أيضا! بل نجده ـ وقد يكون أحوج الناس ظاهريا للمساعدة ـ هو الذي يساعد الناس جميعا ويخدمهم بكل وسيلة، مُنكرا ذاته بالكليّة، لا يرى إلا نور الرب في كل شيء، لا يلتمس إلا صورته البهية في كل إنسان، ولا يعرف سوى محبته الفائقة في كل ظرف، خلف كل تجربة، وراء كل محنة أو شدة أو ألم!

..........................


تأمل: كنت أعتذر عن عدم التعليق وها قد جاء تعليق أخر مطوّل!
icon10.gif


هذا على أي حال كان مجرد مثال، وباختصار شديد. تشرفنا ختاما أيها الأحباء وتباركنا بحضوركم العاطر، أو كما كانوا يكتبون قديما للأمراء والأميرات: تكحّلت عيوننا بحُسن منظركم، تعطّرت مجالسنا بريحان طلعتكم، وتنوّرت ليلاتنا بسنا وجوهكم الكريمة! :)

تحياتي ومحبتي.


 
أعلى