تجسد الكلمة للقديس أثناسيوس الرسولي, البرهان علي إلوهية السيد المسيح

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
بمطالعة كتاب القديس اثناسيوس الرسولي تبين مدي عظمة هذا الإنسان, وقد لا أكون مغالي إن قلت أن كتاباته لا تقل في قداستها عن كتابات القديس بولس الرسول, فالإثنان كتبا من خلال نفس الروح العامل فيهما وبهما, ألا وهو الروح القدس.
والكنيسة بإهمال نشر وتدريس كتابات هذا القديس العظيم تكون قد تهاونت في تعليم البشر, ليس المسيحين بل والمسلمين أيضا, لذا أرجوا نشر تلك الكتابات بكل ما نملك من إمكانيات لنزيل الظلمة من أذهان كثيرين, ليس من أذهان العامة فقط, بل ومن أذهان كثيرين من الرعاة الذين سقطوا في تعاليم فاسدة بسبب الكبرياء الرحي الذى هو اعظم سلاح لقوي الشر
.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
تجسد ربنا يسوع المسيح
الكتاب الأول

1- أيها الصديق العزيز، أن عادة الأتقياء الثابتة على الدوام هي الخشوع أمام الخليقة كلها في صمت، وبفرح يصرخون شاكرين ومسبحين الله، صانع الخيرات للكل، وهذا ما قيل في الأسفار وبالذات في الكلمات التي تقول: "يجلس وحده ويصمت", وأيضا: "في هدوء يهتم بأموره الخاصة "(مراثي3 : 28). وهذه الكلمات "وحده" و"يهتم باموره الخاصة" تعني أن يكون كل شيء بافراز وبيقظة واهتمام وحسب وصية الله.
لقد بدأت تهتم بالأمور الصعبة والشاقة الصادرة عن أناس يعترفون بنفس الإيمان الذي نعترف به، واهتمامك بأن تعرف خطأ هؤلاء الذين يظنون أنهم ارثوذكسيون، ولكنهم يتهورون ولايتورعون عن النطق بأفكار وآراء غير مقدسة، تزعزع غير الثابتين في الإيمان، هؤلاء لايعلمون، أنهم هم أنفسهم، قد ساروا بعيداً عن الطريق السليم، ولو كان هؤلاء والذين يسمعونهم ثابتين في الإيمان، ماخدعتهم الكلمات والألفاظ المبهمة التي تستخدم. ولكن لأن عقولهم غير مدربة، صاروا يقبلون بسهولة هذه الأفكار الشائعة التي تولد منها هذه الشرور الكثيرة والأقوال الخادعة. لقد أصيب هؤلاء بالتبلد والعمى حتى أنهم غيروا إعلانات الأنبياء وتعليم الرسل، والكلمات المحدودة التي وضعها الآباء، بل وأقوال الرب الواضحة، هي ذاتها قلبوا معانيها. وازاء كل هذا صار تفنيد آرائهم أمرا ضرورياً، حتى يفيقوا ويعرفوا جرمهم وحتى يفقدوا قدرتهم على خداع الآخرين الذين وعدوهم بشرح واضح ومعقول لسر المسيح, وهم في الحقيقة" لايفهمون ما يقولونه ولا ما يتمسكون به" (1تي1 : 7).
2- لقد علم الآباء أن الابن مساوي للآب في الجوهر, وأنه" إله حق من إله حق", أي أنه كامل من كامل، ثم اضافوا مؤكدين: "نزل من السماء لأجل خلاصنا وتجسد وتأنس", وبعد ذلك نعترف بأنه "تألم وقام", وحتى لا يُخطيء احد إذا سمع أن الكلمة تألم ومات, ويعتقد أن الله الكلمة قد تغير جوهره، أكد الآباء بكل وضوح أن الابن غير متغير ولا متألم وحكموا بالقطع من شركة الكنيسة على كل الذين يخالفون هذا التعليم الثابت.
أما هؤلاء الذين فنفند آرائهم، فهم يتوهمون أن الكلمة متغير، أو يفترضون أن تدبير الآلام هو غير حقيقي ولم يحدث، لأنهم يطلقون على جسد المسيح أوصافاً مثل "غير مخلوق" و"سمائي"، وأحيانا يقولون أن "الجسد من ذات جوهر اللاهوت".
ويقولون أيضا أنه "في مكان الإنسان الداخلى الذي فينا، كان في المسيح عقل سمائي، لأن المسيح لبس الإنسان الخارجي فقط، ولبسه اللاهوت مثل ثوب واستخدمه كأداة فقط، ومن المستحيل أن يكون قد صار إنسانا تاماً مثلنا، فحيث يوجد إنسان تام توجد أيضا الخطية، وانه لا يمكن أن يكون المسيح الاله التام والإنسان التام، لأن اتحاد الإنسانية الخاصة بنا أي الجسد والنفس باللاهوت يعني وجود خطية في المسيح، وبالتالي سوف يحتاج المسيح إلى ذات التجديد الذي نلناه نحن، لو كان إلها وإنسانا واتحد في واحد. ولو انه إنسان تام وفيه "العقل الإنساني" الذي فينا الذي يوجه الجسد ويحركه فكيف يكون بلا خطية؟" ويقولون أيضاً: "لقد أخذ جسداً بلا عقل، وصار اللوغوس نفس عقل ذاك الجسد لكي لايختبر الخطية طالما أنه فيه العقل الإلهي فقط، وطالما أن جسده بلا عقل بشري، فالجسد لا يخطيء، إلا إذا صار فيه العنصر الذي يوجه الجسد, أي العقل، فهو الذي يُدرك ويفكر ويعرف الخطية، لأن العقل يفكر ثم ينفذ الخطية بواسطة الجسد وبذلك تكتمل الخطية". وحسب تفكير هؤلاء صار الخلاص بأن يقدم لنا المسيح نمط حياة إنسانية مما يجعل الجسد يتجدد، وبالتالي يتم الخلاص عندما يتشبه كل إنسان بالمسيح على نحو معين ويقلد الفكر الإنساني حياة المسيح وتجسده فيمتنع بذلك عن الخطية. هذا هو كل ما قالوه مؤكدين أن المسيح بلا خطية.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
3- لكن كل مايقولونه ليس الا سفسطة فارغة وآراء عاطلة، ويحاولون أن يسندوها بأكثر من برهان. وما أكثر الآراء العاطلة التي تؤدي إلى انكار الإيمان والتي يخترعها المنطق الإنساني، فياليت هؤلاء يقيمون وزناً لإرادة الله الصالحة، لأنه مكتوب عن كمال التدبير: "أقسم الرب ولن يندم" (مز110 : 4). وهذا حق، فالنعمة التي تمت في التدبير كاملة في كل شيء. وهكذا علينا أن نسألهم عن أهدافهم من السفسطة، هل هي تتفق مع الاعلانات النبوية، وهل تتبع تعاليم الرسل، وتسير على نفس درب ما حدده الآباء, وهل تتعارض مع الاعلانات الصريحة والواضحة للرب؟ فمن الاعلانات النبوية وتعاليم الرسل، ومن الأمور التي أكملها الرب، ربما استعطنا اغراءهم بمعرفة الحق وبأن يتركوا الخطأ الذي وقعوا فيه.
أخبرونا يا من أخترعتم إنجيلاً جديداً خاصا بكم، رغم أنه "لا يوجد انجيل آخر" (غل1 :7). من أي مصدر أخذتم البشارة التي تجعلكم تقولون أن الجسد" غير مخلوق", ألا يجعلكم هذا تتخيلون أمرين لا ثالث لهما! إما أن لاهوت الكلمة قد تحول إلى جسد، واما انكم تعتقدون بأن تدبير الآلام والموت والقيامة خيال لم يحدث. وهذان التصوران كلاهما خطأ، لأن جوهر الثالوث هو وحده غير المخلوق والأبدي، وغير المتألم وغير المتغير. أما المسيح حسب الجسد (رو9 : 5) فقد وُلد من الناس الذين قيل عنهم" اخوته"، بل تغير بقيامته فصار بعد قيامته "باكورة الرقدين" (كو1 : 18). هذا سبق به الناموس (العهد القديم) قبل أن يحدث. فكيف تسمون الناموس الذي تغير من الموت إلى الحياة "غير مخلوق"؟. وكيف تفترضون العكس، عندما تسمون غير المخلوق بالمتغير؟ لأنكم عندما تسمون جوهر الكلمة غير المخلوق بالمتغير، فأنتم تجدفون على إلوهية الكلمة.
وعندما تصفون الجسد المتغير المكون من عظام ودماء ونفس إنسانية، أي كل مكونات أجسادنا، والذي صار ظاهراً ومحسوساً مثل أجسادنا، عندما تصفون كل هذا بانه "غير مخلوق"، تسقطون سقوطا شنيعا في خطأين: أولهما انكم تفترضون أن الآلام التي احتملها هي مجرد خيال، وهذا هو تجديف المانويين، أو انكم تعتبرون أن اللاهوت له طبيعة ظاهرة محسوسة، رغم أنه جوهر غير مخلوق، وبالتالي فهو غير ظاهر ولا محسوس. وهذا التصور الأخير يضعكم مع الذين يتصورون أن الله كائن في شكل بشري جسداني فما هو اختلافكم عن هؤلاء، مادام لكم نفس الاعتقاد؟

4- أنتم تقولون بان الناسوت "صار غير مخلوق بسبب اتحاده بالواحد غير المخلوق" ولكن خطأكم هذا سوف يظهر أنه متناقض مع نفسه، بل أن الرد عليه كامن فيما يدعيه.
لقد تم اتحاد الناسوت بلاهوت الله الكلمة في أحشاء القديسة مريم، عندما نزل الكلمة من السماء، أي أن الناسوت لم يكن له وجود قبل نزول الكلمة وتجسده، بل لم يكن للناسوت أي وجود حتى قبل وجود مريم والدة الاله التي وُلدت من آدم، والتي تؤكد سلسلة الانساب أنها من ابراهيم ومن داود هي وخطيبها يوسف الذي خطبها وهما صارا واحداً عندما تكونا وخلقا جسداً واحداً (تك2 : 24)، وصارا واحداً ليس بسبب الزواج فهما لم يجتمعا، وانما هما جسد واحد لأنهما من واحد, أي آدم، فالثابت انهما لم يعرف بعضهما البعض بل احتفظا بالبتولية. وهكذا وُلد المسيح في بيت لحم اليهودية ومن نسل داود، لأن يوسف ومريم كلاهما من داود، ولذلك دعى يوسف "أبوه"، والذي ولد في بيت لحم هو الذي أضجع في خرق المذود، وحمله سمعان على ذراعيه عندما جيء إلى الهيكل، بل تم أختتانه في اليوم الثامن في جسده, حسب الناموس, وهو الذي نما في القامة(لو2 : 2). فاذا قيل أن الناسوت "غير مخلوق" بسبب اتحاده بالكلمة غير المخلوق، فكيف نمت القامة، ولماذا لم نراه إنساناً كاملاً وتاماً منذ الاتحاد، فالذي ينمو ليس الا مخلوقاً، والادعاء بأن الذي ينمو في القامة غير مخلوق كفر وتجديف، لأننا نعني بغير المخلوق ما هو بالطبيعة الله حيث لامجال للنمو أو النقص في طبيعته. اما الذي اشترك أو اتحد بغير المخلوق، فهو متحد باللاهوت، ويُحسب معه واحداً، ولكنه مخلوق.
وعندما نؤكد ذلك فإنا لا نريد أن تفقد الإنسانية الرجاء وتبقى في ضعفها معرضة دائما لليأس، فهي تُبشر بأنها لم تعد لها صلة وثيقة بالله، وبذلك تزول النعمة تماما. وكل من يسمع أن جسد الرب غير مخلوق، بينما هو يعلم أن كل إنسان مخلوق, وان الطبيعة الإنسانية مصنوعة ألا يُدرك من يقول هذا الادعاء بعدم خلق الناسوت أن الأسفار الالهية زائفة وأنه لم تعد له شركة مع المسيح؟ واذا كان غير المخلوق قد أخذ جسداً غير مخلوق ألا تصير الخليقة الأولى بلا خلاص، لاسيما آدم الأول الذي وُلدنا نحن منه حتى اليوم بالولادة الجسدانية، ألا يعد هذا هلاكا لنا؟ وكيف جعلنا المسيح شركاء فيه؟ وكيف استطاع الرسول أن يقول "المقدس والمقدسين من واحد" (عب11:2).
 
التعديل الأخير:

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
5- ولكن علينا الانتباه من التهور في التفكير بأننا نصير مثل الكلمة من جوهر الله الآب, فهذا خطأ المجدفين الأريوسيين الذين حاولوا أن يجعلوا الكلام الخاص بالناسوت على أنه خاص بلاهوت الكلمة، وهذا الخطأ ظاهر لأن الذي وصف بأنه أخذ "صورة عبد", أي صار من آدم الأول، قد أتحد بصورة العبد وهو الكائن منذ الأزل في "صورة الله"، ولا يعني هذا أن صورة العبد صارت إلها. فبشكل عام يستخدم تعبير "غير المخلوق" لما لم يتكون من العدم ولم ينشأ مطلقا فهل تعتقدون أنتم أن الجسد لم ينشأ، ولم يتكون مطلقاً، وأنه كان مع الكلمة منذ الأزل؟ هل تحاولون استخدام عبارات دقيقة وذات مضمون سليم في غير مكانها لكي تتستروا تحت عبارة "غير المخلوق", فلا تعترفون بالتجسد؟ أليس غير المخلوق هو جوهر اللاهوت فقط؟ وإذا وصفتم غير المخلوق بانه متغير والمتغير بأنه غير مخلوق، أليس هذا هو الكفر بعينه؟ أدا الادعاء بأنه بواسطة الاتحاد صارت طبيعة الناسوت غير مخلوقة وصارت مساوية في الجوهر للاهوت، أي لها نفس الصفات، فهذا بدوره كفر، لأن الرب أختبر الألم وهو في الجسد وكشف عن لحمه وعظامه ونفسه الإنسانية التي تألمت وعانت الأحزان والضيقات.
ولا يمكن لأحد أن يدعي بأن آلام الناسوت هي أمور عادية وطبيعية بالنسبة للاهوت, ولكنها صارت تُنسب للاهوت لأن الكلمة سر أن يُولد ميلاداً إنسانياً، لكي يُعيد خلق الإنسان من جديد في ذاته صائراً صورة ومثال التجديد لكي تشترك فيه صنعة يديه التي فسدت بالشر والفساد والموت, فأزال من على الأرض حكم الخطية، وعلى خشبة الصليب أزال اللعنة، وفي القبر أفتدى الفاسد، وفي الجحيم أباد الموت. وهكذا افتقد كل مكان وكل حالة، لكي يُؤسس خلاص الإنسان كله، ويعلن بذلك صورة جديدة لطبيعتنا. فما هي الحاجة التي تدعو الله الكلمة بأن يولد من امرأة، وأن ينمو خالق كل الدهور في القامة وأن يحسب عمره بالسنوات، أو أن يختبر الصليب والقبر والجحيم؟.
اننا نحن البشر الذين خضعنا لكل هذا، ولكنه أجتاز كل ذلك لأنه يطلب أن يخلصنا، فأعطانا الحياة، في صورته التي هي ممثلة لصورتنا، ودعانا للاشتراك في صورته الكاملة لكي نتشبه به ولكن كيف يمكن أن نشترك ونتشبه بالكامل اذا لم يكن الكامل كائنا قبل كل الدهور، أي الكمال الذي لا يعرف الخطية والذي دعانا الرسول إلى الاشتراك فيه قائلا": "اخلعوا الإنسان العتيق، وألبسوا الجديد المخلوق حسب الله في القداسة وبر الحق" (كو9:3 – أف24:4).

6- كيف أمكنكم أن تتصوروا أن الجسد غير مخلوق؟ واذا تغيرت طبيعة مخلوقة وصارت غير مخلوقة ألا يعني هذا أنه يجب أن تصبح غير منظورة، بل تصبح أيضاً عديمة الموت، ليس فقط بعد القيامة بل تصبح غير قابلة للموت بالمرة؟ فإذا صح تصوركم فكيف يمكن أن نقول أن الرب مات ما دام قد تغير ناسوته وصار غير مخلوق عندما ظهر على الارض؟ وكيف إذا تغير الناسوت وصار غير مخلوق أن يصبح منظوراً، بل كيف أمكن لمسه حسبما هو مكتوب: "الذي لمسته أيدينا من جهة الحياة" (1يو1 : 1). كيف تصرحون بأمور لم تُكتب في الأسفار المقدسة؟ بل كيف تفكرون في أمور لايجوز أن نفكر فيها؟ انكم بهذا الشكل تساعدون الهراطقة على الحصول على براهين وأدلة تشبه التجاديف التي نشرها واحد منهم يدعي رتريوس الذي لا يتجاسر أحد على أن يفكر في تجاديفه المخيفة.
امامكم طريقان لا ثالث لهما، اما أن تنكروا الأسفار المقدسة واما أن تعترفوا بها، وبالتالي لا تفكروا في التفوه بما ليس في الأسفار الالهية، أي كلماتكم التي خداعها يقتل.
لقد انحدرتم إلى ما هو أسوأ بقولكم: "نحن لا نعبد غير المخلوق مع الخالق"، أيها الناس الذين بلا ادراك لماذا تقولون هذه العبارات، ولماذا تتصورون أن جسد ربنا رغم أنه مخلوق تقدم له عبادة على انفراد, وأنه يمكن أن تقدم هذه العبادة لأي مخلوق آخر؟ لقد اتحد الجسد بالكلمة غير المخلوق وصار معه واحداً، أليس إليه هو الواحد بعينه نقدم له الطلبات والصلوات؟ اننا بكل حق نعبده، لأن الكلمة تجسد وصار جسده هو جسد الله الكلمة، ولكننا لا نعبد الناسوت دون اللاهوت أو اللاهوت دون الناسوت، وهذا ظاهر من تصرفات الرب نفسه، لأن النساء أقتربن منه فقال لهن: "لا تلمسيني لأنني لم أصعد إلى الآب" (يو20 :17) معلناً بذلك أن صعوده أمر حتمي لأنه سيحمل جسده ويقدمه للآب، إلا أنهن أقتربن وامسكن بقدمه وسجدن له (مت20 : 17). وعندما أمسكن بقدميه فقد سجدن له كإله متجسد، دون فصل اللاهوت عن الناسوت. وفي موضع آخر قال الرب: "جسوني وأنظروا لأن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي" (لو24 : 39). ومع أنه بالحقيقة روح لأن "الله روح" (يو4 : 24). إلا انه عندما قال بأن له لحماً وعظاماً أراهم لحمه وعظامه. وكيف قال: "الروح ليس له لحم وعظام" وأضاف: "كما ترون لي؟", لم يقل أنه هو "لحم وعظام". وقد قال ذلك لكي يعلمنا أن طبيعة الروح لا تُلمس بينما يُلمس جسده مثلما نلمس نحن أجسادنا، لأن جسده الذي أخذه من العذراء مثل أجسادنا لم يخلقه بقوته الذاتية بدون العذراء، بل تكون في أحشاء العذراء ووُلد ولادة إنسانية طبيعية، فقد أراد أن يكون له جسد طبيعي يتحد بلاهوته. وهكذا أيضاً تم الموت ومات الجسد موتاً طبيعياً في الوقت الذي كان الكلمة فيه ويمسكه بارادته لكي يقدم جسده بسلطانه الذاتي (يو18:10) فتألم طبيعياً ومات طبيعياً عوضاً عنا، ولكنه قام لأجلنا الهياً. وهكذا كل ما عمله منذ البشارة إلى الموت، انما كان يهدف إلى هدف واحد وهو أن يخلصنا ويعيدنا اليه.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
7- هذا هو التعليم الذي تقبله كنيسة الله الجامعة تعترف به، أما أنتم فكيف تخالفون هذا التعليم وتدعون بأن الجسد نزل من السماء؟ ولماذا يسمح المسيح بأن يكون له جسد سمائي؟ وما هي غاية نزول جسد سمائي إلى الارض، هل لكي يجعل ذلك الجسد السمائي غير المنظور منظوراً، والذي لا يمكن صلبه يجعله خاضعاً لآلام الصلب والذي لا يمكن أن يتغير قابلاً للتغير والموت؟ يا أيها الناس الذين بلا فهم، ما هي الفائدة الحقيقية لكل هذا!!! وإذا نزل المسيح من السماء فكيف يفيد هذا آدم الأول؟ انه لن ينتفع بشيء، فاذا لم يأخذ المسيح "شبه جسد الخطية" لكي "يدين الخطية في الجسد" (رو8 : 3) لن نتجدد مطلقاً. ولكنه أكمل تجديدنا الذي لا يمكن مقارنته بشيء ولا حتى بالطبيعة التي سقطت في آدم الأول, من أجل ذلك عاش بجسد مثل جسدنا على الأرض، وأعلن أن جسده غير قابل للخطية, ومع أن الجسد الذي أخذه آدم في حالة عدم الخطية في حالة خلقه الأول، وصار بالسقوط قابلاً للخطية، فسقط في الفساد والموت. هذا الجسد أقامه إلى حالة وطبيعة عدم الخطية لكي يعلن لنا أن الخالق ليس هو سبب الخطية، ويثبت الطبيعة الإنسانية ويجعلها حسب النموذج الأصلي والأول الذي خُلقت عليه. ولذلك تجسد وعاش في عدم الخطية. هراء اذن خيالات أولئك الذين ضلوا، وقالوا أن جسد ربنا نزل من السماء. بل بالحري أن ما سقط من الحالة السمائية إلى الحالة الأرضية، هذا بذاته رفعه المسيح من الأرض إلى السماء، وما أسقطه آدم في الفساد ودينونة الموت، رغم أنه أصلا بلا خطية وغير محكوم عليه بشيء، هذا أظهره المسيح بلا فساد، بل صار يخلص من الموت، وأعلن عن ذلك فأظهر سلطانه وهو على الأرض بأن يغفر الخطايا (مت9 : 6)، وأعلن عدم فساده بقيامته من القبر، وبافتقاده الجحيم الذي نزل إليه لكي يدوس الموت ويبيده، ويبشر الكل بالبشارة المفرحة بالقيامة، لأن الله "خلق الإنسان خالدا وخلقه على صورة أزليته، ولكن بوسطة حسد الشيطان، دخل الموت إلى العالم" (حك23:4-24). هذا الجسد الذي ملك عليه الموت للفساد، لم يحتقره، وانما قبله واتخذه لذاته دون أن يتغير لاهوته إلى الشكل والصورة الإنسانية. أنه لم يحتقر الوجود الإنساني ولم يهمله فأخذ خيالاً إنسانياً بدلا من الجسد الإنساني، وإنما هو بذاته الإله وُلد كإنسان، لكي يصبح الله والإنسان واحداً، كاملاً في كل شيء، فوُلد ميلاداً حقيقياً وطبيعياً. وهذا هو السبب في القول أن الآب "أعطاه اسما فوق كل اسم" (في2 : 9)، لكي يملك على السموات، ولكي يكون له سلطان لكي يُدين (يو5 : 27).

8- لقد صار الكلمة الذي صنع السموات والأرض "ابن الإنسان", ليس بالتغير، وانما صار آدم الثاني، ولكي نُدرك الحق الذي يحتويه هذا الاسم بالذات شرح الرسول أن آدم القديم أو الأول كان نفسانياً, وبعد ذلك جاء آدم الثاني الروحاني (1كو15 : 46). وعندما اكد أن آدم الأول نفساني والثاني روحاني لم يكن يقصد من ذلك وجود جسدين مختلفين، وإنما جسد واحد للاثنين، ولكن الأول تحت سلطان وطبيعة الروح ولذلك دعى روحانيا، لأن كلمة الله هو روح (يو4 : 24). ويمكننا أن نفهم ذلك من تأمل ما قيل عنا نحن في هذه الكلمات: "الإنسان الروحاني يفحص كل شيء، أن الإنسان النفساني لا يأخذ شيئا من الروح" (1كو2 : 14). ورغم أن طبيعة جسد الإنسان النفساني والإنسان الروحاني هي طبيعة واحدة، إلا أن الذي يشترك في الروح القدس يصبح الروحاني، أما الذي يكتفي بقوة النفس وحدها فيظل النفساني. ومادام التعليم الصحيح الحق عندنا صار من اللازم أن نسأل: لماذا لم يدع المسيح "إنساناَ" فقط، وهو اسم، يمكن للبعض أن يتخيل أنه شخص قادم إلينا من السماء، وسكن بيننا، وانما دُعى, وهذا حق, "ابن الإنسان" لأنه صار ابن الإنسان بميلاده من العذراء، صار ابن آدم الأول، ولا يوجد غير آدم الأول عاش على الأرض، كما لا يوجد آدم آخر جاء من السماء. وكل من يُولد من آدم هو ابن الإنسان ولم يحصل على جسد سمائي من السماء هذا ما تؤكده الآناجيل، لأن متى يسجل في سلسلة الأنساب أنه ابن إبراهيم وابن داود حسب الجسد، أما لوقا فهو حسبه في سلسة الأنساب كابن آدم وابن الله.
وما دمنا تلاميذ الانجيل فلا يجب أن نتكلم بما هو ضد الانجيل, أو بالكذب ضد الله، وانما نحتفظ بما جاء في الأسفار الإلهية ونتمسك بما فيها من حقائق. فلماذا تحاربوننا نحن الذين لا نقبل أن نسمع شيئاً أو نقول شيئاً ضد ما جاء في الأسفار, بل نتمسك بما قاله الرب: "اذا ثبتم في كلمتي تصيرون حقا احرارا" (يو31:8-32).
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
9- كيف لنا أن نحسبكم مؤمنيين أو مسيحيين وأنتم لا تتمسكون بكلمات الأسفار, ولا تؤمنون بما تُعلنه من حقائق، بل تغامرون بالكلام عما هو فوق الادراك وتحددونه حسب أهوائكم. وان كان من السهل عليكم أن تحاربوا إنساناً، فكيف يمكنكم أن تحاربوا الله (أش7 : 13)، وإذا كان الذين لم يصدقوا الأنبياء قد أدينوا، فكم بالحري تكون دينونة الذين لا يصدقون الرب نفسه؟ كيف تتجاسرون على التفكير والنطق بأمور مختلفة وأفكار غريبة عن تلك التي أعلنها وسر بها الرب نفسه والتي بها أباد الخطية والموت؟ إذا اعترفنا به، اعترف هو بنا، وإذا انكرناه فهو سينكرنا، إذا لم نكن أمناء فهو يبقى أمينا لن يقدر أن ينكر نفسه (2تي2 : 12 & مت10 : 32) فما معنى تهوركم وتطرفكم الذي يجعلكم تقولوا ما ليس في الأسفار وتفكرون فيما هو ضد العقيدة؟ لماذا تحاولون أن تجعلوا الجسد من ذات جوهر اللاهوت؟ ألا تدركون ان هذا كفر مزدوج؟ فانكم بهذا تسقطون في هذا الإثم المزدوج وهو إما أن تنكروا التجسد, أو تجدفوا على جوهر الله. وهكذا حسب كلماتكم التي تقولونها: "نحن نعترف بأن الذي وُلد من العذراء مريم هو مساوي الآب في الجوهر". لكن هذه العبارة التي تعتبرونها دليلاً على صحة الإيمان والاحترام سوف نشرحها لكي يظهر لكم انكم لا تفهمون معناها، بل صار معناها حماقة بالنسبة لاستعمالكم. ان جميع المؤمنيين يعترفون بأن الله الكلمة الذي وُلد وعاش بالجسد بيننا، قد وُلد كإنسان من العذراء القديسة مريم, وأنه مساو للآب في الجوهر، وأنه تجسد وصار من نسل ابراهيم, وبذلك صار ابنا لابراهيم. فالكلمة الذي من الله والذي هو مساو للآب في الجوهر صار ابنا لإبراهيم حسب الجسد. وهذا ما يعترف به الأنبياء والرسل والانجيليون, فالمسيح حسب سلسلة الأنساب وحسب الجسد هو من نسل داود. فكيف لا تخجلون من الادعاء بأن الجسد الذي سُجل في سلسلة الأنساب من نسل داود يصبح مساويا لجوهر الكلمة؟ ألستم كما ذكرت تستعملون هذه العبارة بلا مضمون, بل وبحماقة أيضاً، لأنكم لا تعتبرون أن الذي يتساوى جوهره مع جوهر آخر له ذات الطبيعة والصفات والكمال. وهذا ما يجعلنا نعترف بأن الابن مساو للآب في الجوهر، أي انه كامل مثل الآب في كل شيء، وكذلك الروح القدس، لأن الثالوث له جوهر واحد، فكيف يمكنكم أن تنسبوا صفات وكمال اللاهوت إلى الجسد, مدعين أنه مساو للكلمة في الجوهر, وبذلك يُضاف إلى كمال الكلمة، كمال آخر هو الناسوت، وحسب خيالكم لا يعود الله ثالوثاً بل يصبح رابوعاً، وهذا إيمان آخر غير الإيمان الذي نبشر به. وهل بعد هذا يمكن أن يضاف شيء آخر إلى هذا الكفر؟

10- تقولون أن الجسد صار مساو في الجوهر للكلمة. أخبروني كيف حدث ذلك؟ تقولون: "لقد صار الجسد الكلمة بل صار أيضا روحاً", ولكن إذا كان الجسد ليس بالطبيعة لاهوتاً ولا هو من جوهر اللاهوت، فكيف يمكن أن يتحول إلى لاهوت؟ وإذا قلتم انه تحول, فبأي وجه تختلفون عن الأريوسيين الذين قالوا نفس الكلام عن الكلمة، ثم ألا تقول الأسفار عكس ذلك، لأنها تقول: "الكلمة صار جسدا", وليس: "الجسد صار الكلمة"، وتقول الأسفار ذلك لأن "صار" تخص الجسد، وفعلا صار الجسد خاصا بالكلمة، وليس خاصاً بإنسان، فالله تأنس، ولذلك قيل انه "صار جسدا" حتى لا يُخطيء أحد في فهم حقيقة التجسد، ويغفل اسم "الجسد". فاذا كنتم غير مستعدين لقبول هذا الاتحاد الطبيعي بين الكلمة والجسد الذي صار جسداً خاصاً به وفيه حل، وإذا كنتم لا تقبلون الاعتراف الصريح بأن الله تأنس، فلم يعد امامكم الا أمرين: اما أنكم لا تؤمنون بما تسمعون, وهو ما نُسبح الله عليه كسر فائق الادراك، وإما أنكم لا تريدون عطية الدهر الآتي, لأن ناسوت الله الكلمة هو الذي قيل عنه في كلمات الرسول: "الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده" (في25 : 31) وهو يعني بذلك ابن الله الذي صار ابن الإنسان، وصار بذلك ديان الأحياء والأموات والملك والإله الحق.
أنتم تريدون حذف كلمة "جسد"، أو أي اشارة إلى كلمة "إنسان"، وتمنعون استخدامها للمسيح. فكيف يمكن لكم أن تستمروا في قراءة الأسفار الإلهية، خصوصا ما يكتبه متى: "كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود، ابن إبراهيم" (مت1 : 11). وما كتبه يوحنا: "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله" (يو1 : 1). فكيف تفهمون هذه الكلمات الواضحة "الكلمة" و "ابن داود". هل هي كلمات منفصلة ليس لها علاقة بذات الشخص؟ لو أنكم تتعلمون من الأسفار الالهية لعرفتم أن الكلمة الله، صار ابن الإنسان، ولعرفتم أن المسيح واحد، وهو نفسه الله والإنسان. وهكذا البشارة قائمة على دعامتين، إلوهية الكلمة وتجسده، وهذا ما يشرح ويفسر لنا الآلام، وأيضا عدم تألم الكلمة. ونرى ذلك في كلام الرسول بولس: "الإنسان يسوع المسيح الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع" و "الكائن على الكل إلها مباركاً إلى الأبد" (1تي5:2-6 & رو9:5)، وكتب إلى تيموثاوس يقول أيضاً: "أذكر يسوع المسيح الذي من نسل داود والذي قام من بين الأموات", ونفس الرسول يقول: "ونبشر بموته إلى أن يجيء" (2تي8:2& 1كو26:22).
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
11- ان تعبير: "المساوي في الجوهر" هو تعبير قوي، ياليتكم لا تحاولون إفساد قوته بحذف الاشارة إلى "الجسد" او "الإنسان", وتمنعون استخدام هذه الكلمات الهامة في الكلام عن المسيح, فأنتم بذلك تقدمون على أمرين: إما أنكم تمنعون أن تبشرون بموته إلى أن يجيء، وبهذا تبطلون ما تبشر به الأسفار, أو أنكم تبشرون بموت "المساوي" للآب والروح القدس في الجوهر دون أن تعترفوا بأن المسيح "تألم في الجسد" (1بط1:4) وبهذا تجعلون اللاهوت هو الذي تألم. واذا تألم لاهوت الكلمة فقد تألم معه الآب والروح، بل لقد مات الآب والروح القدس أيضاً. وهذا يجعلكم أكثر كفراً من جميع الهراطقة. أما عن الموت فقد كان موت جسد ذاك "المساوي في الجوهر", وليس موت اللاهوت، كما أن الآب والروح القدس لم يتجسدا حسب التعليم الفاسد الذي يتمسك به أتباع فالنتينوس، وإنما التعليم الصحيح هو أن "الكلمة صار جسدا".
وأيضاً عندما نعترف بأن المسيح هو إله وإنسان، لا نقول هذا بقصد تقسيمه إلى إثنين, حاشا لله، وانما العكس، نحن نؤكد بتمام ما تعلنه الأسفار، لأن آلامه وموته التي حدثت هي التي "نبشر بها إلى أن يجيء". ونحن نعترف بأن موته وقيامته قد حدثا في جسد الكلمة، وفي نفس الوقت نؤمن بأن الكلمة نفسه غير متألم ولا متحول, وإنما هو الذي تألم دون أن يتألم، لأنه غير المتغير وغير المتألم كإله، ولكن "تألم في الجسد"(1بط1:4)، وأراد أن يذوق الموت لأنه صار "وسيطا بين الله والناس، الإنسان يسوع المسيح الذي قدم ذاته فدية عن كثيرين" (1تي6:2). وأيضاً لأنه صار وسيطاً بين الله والإنسان: "والآن الوسيط لا يكون وسيطا لواحد، ولكن الله واحد" (غل3 : 20).

12- ومما سبق يظهر لنا خطأ كل الذين يقولون أن الابن الذي تألم هو آخر غير الابن الذي لم يتألم، إلا انه لا يجد ابن آخر غير الابن الواحد, وهو بذاته الكلمة الذي عبر الآلام والموت. فهو غير المتغير وغير المتجسد، الكلمة بذاته، قبل أن يولد في الجسد الإنساني أراد أن يكمل كل الأشياء وأراد أن يكون له ذبيحة يقدمها (عب14:1). فالذي قيل أنه صار أعظم من الملائكة، ليس الكلمة خلق الملائكة، لئلا يظن أحد أنه عندما خلق الملائكة كان أقل من الملائكة، وانما الذي "صار" هو "صورة الجسد" التي أخذها الكلمة وجعلها صورته عندما وُلد ميلاداً طبيعيا من العذراء. هذه الصورة هي التي رفعها إلى مرتبة أعظم من مرتبة الميلاد البشري الآدمي الذي يخص آدم الأول، لأنه أتى بهذه الصورة إلى علاقة فائقة ووثيقة، حتى اننا بسبب ذلك قيل عنا نحن "مواطنون مع كل القديسين وأعضاء في بيت الله " (أف2 : 19).
بذلك صار الجسد هو جسد الإله، ليس كمساوي له في الجوهر، لأنه ليس أزليا مع الكلمة، وانما "صار" معه بالطبيعة جسده, دون أن ينفصل عن اللاهوت بسبب قوة الاتحاد، وظل جسداً من نسل داود وابراهيم وآدم الذين تناسلنا منهم جميعا, ولو كان الجسد مساوي لجوهر الكلمة وأزلياً معه لصار من المحتم عليكم أن تتقدموا خطوة أخرى على طريق ضلالكم وتتفق مع منطقكم وهي: أن تصبح كل الخلائق مساوية في الجوهر لله خالق كل الأشياء. وازاء هذا كيف يمكنكم أن تظلوا مسيحيين، إذا سقطتم هذه السقطة الشنيعة وربطتم بسلاسل هذا الضلال؟
أن المساوي في الجوهر له في الحقيقة ذات صفات الجوهر, أي أنه غير متغير وغير قابل للموت، وهنا لا يجوز الكلام عن الاتحاد، مادام الناسوت مساوياً في الجوهر لأقنوم الكلمة، بل لا يبقى مجال للاتحاد الأقنومي، حيث لا يصح الكلام عن اتحاد اثنين متساويين في الجوهر, لأن اتحادهما هو في الواقع وحدة طيبعية, واذا وصلتم إلى هذه النتيجة فأنتم تقولون بوجود أقنومين في الابن. وهكذا أخترعتم ماتخيلتم انه مقدس ونافع, ولكنه قادكم إلى احتمالين: إما انكم ستضطرون إلى انكار الجسد المولود من العذراء والدة الاله، وإما انكم ستجدفون على الله لأن وحدة جوهر الآب والابن والروح القدس تجعل أي كلام عن آلام الجسد المساوي للثالوث في الجوهر هو اعتراف بأن الثالوث تألم، وبذلك أضفتم رابعاً إلى الثالوث, فأي نقد يمكنكم أن توجهوه بعد ذلك إلى الهراطقة؟ وما هو اللوم الذي يمكن أن توجهوه لنا نحن الذين نؤمن بالثالوث؟ هكذا رغم عنكم قادكم المنطق السقيم وأصبحتم تؤمنون برابع مع الثالوث، عندما جعلتم الجسد مساوياً للكلمة في الجوهر. وهكذا أيضاً صار إيمانكم باطلاً، لأنكم صرتم تفكرون مثل الأريوسيين وسقطتم في ضلالهم ولم تفهموا معنى الكلمات: "الكلمة صار جسداً". والآن علينا أن نشرح ما هو معنى الكلمات: "الكلمة صار جسدا "؟ انه لا يعني أن الكلمة لم يعد الكلمة، وانما يعني أن الكلمة هو دائما الكلمة حتى عندما أتخذ لذاته جسداً, وفيه قبل الآلام والموت, أي في الصورة البشرية، وبها ذهبت إلى ابعد الأماكن, أي القبر والجحيم، وبذلك صار الكلمة الإله سببا لقيامة الأموت، وأعلن بذلك أن له لحماً وعظاماً ونفساً، بإعلان جسده الذي لم ينفصل عنه والذي أخذه كما هو مكتوب: "من نسل داود". فإذا لم تؤمنوا بذلك فأي فرق بينكم وبين مرقيان؟ ألم يقل مرقيان بأن جسد الكلمة ظهر ونزل من السماء في شكل إنساني، وانه لم يكن جسدا حقيقاً؟ وماذا قال ماني؟ ألم يقل أن الجسد لم يكن جسداً بشرياً بل له صورة إلهية, وان ملامحه كانت فقط إنسانية, ولكنه لم يكن جسداً بشرياً بل غريباً عن الطبيعة الإنسانية تماماً؟ لقد أخترع هؤلاء كل هذه التصورات، لأنهم يعتقدون أن مصدر الخطية هو الجسد وليس الانحراف الذي أصاب الارادة, لقد أحدر هؤلاء إلى هذا الكفر فهل أنحدرتم أنتم أيضا إلى هذا الدرج الأسفل.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
13- ان التقوى الحقيقية تمنع من المغامرة والخوض في هذه الاختراعات، بل هي بذاتها تجعل كل تقي يعترف باستقامة بأن الكلمة الكائن قبل كل الدهور، والمساوي للآب في الجوهر، جاء في الأيام الأخيرة وتجسد من والدة الاله العذراء مريم، لكي يجدد ما خلق, وصور في آدم الأول، أي الطبيعة التي فينا، والتي جعلها له بالأتحاد. وهكذا الاله الكائن قبل كل الدهور ظهر كإنسان ودعى المسيح. هذا وحده يجعلنا نحن "أعضاء المسيح" وكما هو مكتوب "نحن من لحمه ومن عظامه"(أف5 : 30). فما معنى الاختراعات والخيالات السابقة؟ هل أنتم تستعملون الحكمة الإنسانية محاولين الوصول إلى صياغات لأمور تقع خارج مجال قدرات الفكر الإنساني؟ ما معنى كلامكم "بدلاً من الإنسان الداخلي الذي ينتمي الينا، وُجد في المسيح عقل سمائي"؟ يا للفكر الدنس!! وما أضعف هذه الكلمات الفارغة من المضمون والصادرة عن بشر لا يفهمون أساسات الإيمان.
فالحقيقة الأولى من هذه الأساسات هي أن نعرف أن نعبر عن المسيح بأكثر من أسلوب، اذ لا يجد أسلوب واحد فقط، بل أن اسم "المسيح"يعلن حقيقتين، اللاهوت والناسوت. وهكذا يدعى المسيح"إنساناً", وهو ذاته يدعى الله، وأحيانا يُسمى الإله المتأنس، ورغم كل هذه الكلمات المختلفة، هو المسيح الواحد.
باطلة إذا هذه السفسطة التي تقودكم إلى شيء آخر غير المسيح. وحتى الذين دعوا "مسحاء" فإن المعنى الكامل للأسم لا يخصهم, وإنما معناه الجزئي فقط، لأن هؤلاء لا يمكن أن نصفهم أو أن نعتقد أنهم مثل المسيح الحق، والمتهورون فقط هم الذين يتجاسرون على أن يخضعوا المسيح للمنطق الإنساني المحدود القائم على التحليل والدراسة. أن ما ذكرتموه وأخبرتمونا به لم يخبر به نبي ولا رسول ولا انجيلي من الانجيليين, هذه أمور يجب أن يخجل المرء من التفكير فيها، فهل صرتم تخجلون من التفكير فيها؟
لو كان المسيح آخر غير "العقل السمائي" الذي جاء وسكن فيه، و"العقل السمائي" كامل، فحسب كلامكم أنتم يصبح المسيح في إثنان كاملان، وبذلك تعتقدون بما تحاولون هدمه. اما العقل السمائي فأن الأنبياء نالوه، لأنهم تكلموا عن أمور سمائية وأمور مستقبلة كـأنها حاضرة امامهم. ولماذا تفترضون أنتم أن "الإنسان الداخلي" غير موجود في المسيح؟ وماذا تقولون عن "النفس الإنسانية"؟ أليست النفس هي حياة الجسد مثل الدم بالنسبة للحم؟ فهل ستقولون بالعكس، بأن النفس والجسد هما "الإنسان الخارجي"؟ ومادمنا نلمس اللحم والعظام، فهل سنلمس النفس أيضا مادامت قد صارت منظورة، وبالتالي يصبح من الممكن ذبحها وقتلها، مع أن ربنا قال: ان النفس لا يمكن أن تُقتل (مت10 : 28), فعليكم أن تعتقدوا بان النفس هي الإنسان الداخلي، حسبما نرى في الخلق الأول ومن تأمل الانحلال الذي حدث بعد السقوط. هذا نراه فقط ليس من تأمل موتنا نحن، وانما نراه أيضا في موت المسيح نفسه عندما وُضع الجسد في القبر، وذهبت النفس إلى الجحيم. وما أعظم الفرق بين القبر والجحيم، فقد رقد الجسد المحسوس في القبر، أما هو فقد كان غير المحسوس في الجحيم.

14- فكيف حسب الرب في عداد الموتى وهو في الجحيم؟ انه لم يذهب إلى الجحيم بجسده بل ذهب إلى الجحيم لكي يبشر النفوس التي كانت في سلاسل العبودية، وذهب وبشر بصورة إنسانيته التي لم تخضع لسلطان الموت، بل غلبت الموت ودحرته، وهكذا كان حاضراً مع الموتى لكي يصور أساس القيامة ويحطم السلاسل التي كانت تربط النفوس الأسيرة في الجحيم. وهكذا أعلن أنه خالق الإنسان ومصوره، والذي حكم على الإنسان بالموت، جاء وبحضوره في الصورة الإنسانية، وبارادته وحده حرر الإنسان من حكم الموت، لأن الموت لم يستطع ان يقوى على نفس المسيح الإنسانية التي اتحدت باللوغوس، بل عجز الموت عن أن يستعبدها، ولا استطاع الفساد أن يذلها أو يأسرها, ومع أن الموت فصل النفس عن الجسد، إلا أن الفساد لم يتجاسر على أن يقترب من أيهما, لأن كل الذي حدث إنما كان تحت السيطرة الالهية وعنايتها, وأي فكر آخر ذلك فهو ضلال.
أما من يتأمل التعدي الأول والعقوبة التي نُفذت وهي عقوبة مزدوجة, سوف يُدرك معنى ما نقول، فقد قيل للعنصر الأرضي: "تراب أنت والى التراب تعود" (تك3 : 10). وبعد أن صدر حكم الرب بدأ الفساد يدب في الجسد، أما عن النفس فقد قيل لها: "موتاً تموت" (تك2 : 8) وتم هذا بتقسيم الإنسان إلى قسمين، وحُكم عليه بأن يعاني من مكانين؛ القبر والجحيم. وبعد أن أصدر القاضي حكمه، كان هو وحده القادر على أن يُلغي حكمه بنفسه, فظهر في صورة من حكم عليه (آدم). دون أن تكون هذه الصورة تحت حكم الدينونة, بل بلا خطية، وبذلك صالح الله الإنسان، الإنسان كله جسداً ونفساً، وتمت حرية الإنسان بواسطة إنسان, وبتجديد صورة ابنه يسوع المسيح ربنا.
فهل تفهمون أن العقوبة قسمت الإنسان إلى ثلاثة أجزاء, وكان حكماً بأن يذهب إلى ثلاثة أماكن؟ لقد أفتقد الرب القبر والجحيم فما هو المكان الثالث الذي ذهب اليه، وما هو العنصر الثالث الذي كان تحت عبودية الموت. فإذا لم يكن في امكانكم أن تخبروا عن مكان ثالث, لأنه لا يوجد سوى القبر والجحيم, وهما اللذان تحرر منهما الإنسان, لأن المسيح نزل اليهما بصورة حقيقية تشبه صورتنا ولكنها كاملة, فإذا تم هذا بواسطة المسيح فكيف يمكنكم أن تقولوا بعد ذلك أن الله لم يصالح الإنسان كله (جسداً ونفساً). وكيف تجسد المخلص وحل بيننا؟ هل أخذ جزء من الإنسان, أي الجسد فقط؟ وهل هذا يعني انه كان عاجزاً عن أن بخلص النفس, أي يخلص الإنسان كله؟ هل اشمئز من العقل الإنساني لأنه أخطأ, أم انه كان يخاف أن يُخطيء هو أيضا؟ وكيف يخاف وهو الإله الذي إذ تجسد وصار إنسانا استمر في صلاحه وكماله. أن الذين يفكرون بهذا الأسلوب هم بلا شك مملؤون بالكفر.
وكيف تفهمون الطبيعة الإنسانية بشكل سليم وأنتم تعتقدون أن الخطية جزء من تركيبها وتكوينها، وإذا وصلتم إلى هذه النتيجة، أليس هذا هو ذات تجديف المانويين؟.
 
O

Obadiah

Guest
رائع .... شكرا لمجهود حضرتك الرائع . الرب يبارك حياتك وخدمتك . ويجعل منها سبب بركة لكثيرين .
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
15- إذا تمسكتم بهذه الآراء، فأنتم بذلك تنسبون الخطية إلى خالق الطبيعة, وكأن الله عندما خلق الإنسان الأول خلقه بطبيعة خاطئة.
وإذا صح هذا, فلماذا حُكم على آدم عندما أخطأ؟ وكيف قيل انه لم يعرف الخير من الشر فبل سقوطه؟ ألم يُخلق في البدء كصورة الله في عدم فساد, وجعله الله على صورة أزليته (حك2 : 24), أي خلقه بطبيعة غير خاطئة وبإرادة حرة, ولكن بحسد ابليس دخل الموت إلى العالم بعد أن وجد الوسيلة التي أدت إلى المعصية، وهكذا بسبب عصيان وصية الله صار الإنسان مجالاً بذر فيه العدو الزوان (مت13 : 25) وتسلطت الخطية بواسطة الاهواء على الإنسان, ورغم كل هذا لم يكن الشيطان هو الذي خلق وكون طبيعة ساقطة في الإنسان, حاشا لله أن نعتقد بذلك, لأن الشيطان عاجز عن الخلق، وكفر المانويين الذي نرفضه هو الذي ينسب الخلق للشيطان, ولكن التعليم الصحيح هو أن المعصية أدت إلى فساد الطبيعة الإنسانية, وبسبب ذلك "ملك الموت على كل البشر" (رو5 : 11و14). ولنفس السبب قيل: "جاء ابن الله لكي يبيد أعمال الشيطان" (1يو3 : 8). وما هي أعمال الشيطان التي جاء ابن الله ليبيدها؟ انها غواية الشيطان, لأن الله لم يخلق الإنسان خاطئاً, بل خلقه في عدم خطية, ولكن غواية الشيطان جعلته يعصي وصية الله فأخطأ للموت، ولذلك أخذ كلمة الله هذه الطبيعة وجددها وجعلها في حالة لا تقبل الغواية ولا تُخطيء، وهذا ما يجعل الرب يقول: "رئيس هذا العالم آت وليس له فيه شيء" (يو14 : 30). أن رئيس العالم لم يجد شيئا يخصه في المسيح, لان المسيح لم يتخل عن عمل يديه ولم يتركه لرئيس العالم، ولذلك السبب أيضاً عجز رئيس العالم عن أن يجد فيه شيئا. وهكذا أظهر المسيح التجديد وأسس الكمال وحقق خلاص الإنسان كله، أي النفس العاقلة والجسد لكي تكمل أيضا القيامة.
سفسطة الأريوسيين القائلة بأن المخلص أخذ جسدا فقط باطلة أيضاً، وهم بذلك يكفرون, لأن هذا معناه أنهم ينسبون الآلام إلى اللاهوت غير المتألم. وباطل أيضا رأيكم النابع من مصدر آخر غير الأسفار الالهية والذي يجعلكم تتفقون مع الأريوسيين, لأن ادعائكم هو أن الابن استخدم الصورة الإنسانية التي لبسها، أي انها كانت مجرد "أداة" فقط، لأنه في مكان الإنساني الداخلي الذي فينا، كان في المسيح "عقلا سمائيا". فكيف تألم وحزن وصلى كما هو مكتوب"اضطراب بالروح" (يو14 : 21). هذه افعال لا تمت لجسد بلا عقل، ولا تمت إلى اللاهوت غير المتألم، وإنما إلى نفس عاقلة لها شعور وتتألم وتضطرب وتحزن وتحس بالآلام فكريا.

16- أما اذا قررتم الاستمرار في التفكير بهذا الشكل، صار من المحتم عليكم أن تختاروا بين ثلاثة اعتقادات باطلة وهي: إنكار التجسد, التجديف على اللاهوت, إنكار الخلاص، فأي من هذه الثلاثة تختارون؟ واذا افترضتم أن الآلام والموت كانت مجرد خيالات, فهذا يعني أن ما قيل عن التجسد في الاسفار ليس حقيقياً. وإذا افترضتم أن اللوغوس صار العقل الإنساني للنفس الإنسانية في الرب فهذا يعني أن نفسه لم تكن نفساً بشرية, ولم يكن لها ادراك بشري, لأنها كانت تفكر بواسطة اللوغوس الذي صار عقلا لها. وهذا تجديف لأن من يتصور بأن عديم التغير قد تغير فصار يشعر بالآلام والحزن والثقل فهو كافر. وإذا كانت الأناجيل تقول أن يسوع "اضطراب بالروح" فقد أعلن الرب نفسه بكلمات أخرى أنه يعني عقله الإنساني بقوله: "نفسي قد اضطربت" (يو12 : 27). وإذا كشف الرب بهذا عن عقله الإنساني فقد أعلن بذلك أن فيه ذات العنصر الذي فينا, وهذا ما جعله يترفق بنفوسنا، لأنه في الوقت الذي يتألم والآلام هي آلامه، فاننا نعترف بأنه غير متألم كإله. وكما فدانا بدم جسده، هكذا فدانا بفكره ونفسه فأعلن انتصار نفوسنا قائلاً: "أنا قد غلبت العالم" (يو16 : 33). وكما أن الدم عند المؤمنيين ليس دماً بشرياً وانما هو القوة القادرة على خلاصنا، هكذا نفسه وعقله وليسا بشرياً ضعيفا ينتمي إلى الإنسانية, وانما يعلن طبيعة اللاهوت.
وهكذا يدعى المسيح الإله الكامل والإنسان الكامل، ليس لأن الكمال الإلهي قد تغير إلى كمال إنساني, فهذا كفر محض, ولا يعني هذا أننا نعترف باثنين كاملين كل منهما منفصل عن الآخر، لأن هذا ضد الإيمان القويم. كما أننا لا نقول بأنه تقدم ونما في الفضيلة والبر, حاشا لله. وإنما بالاتحاد الكامل صار الاثنين (اللاهوت والناسوت) واحداً كاملاً في كل شيء، هو نفسه الإله المتأنس. لذلك عينه قال الرب: "الآن نفسي قد أضطربت", أي أنها كانت تتألم, و "الآن" تعني عندما أراد. وهذا يوضح حقيقة تجسده، لأنه لم يكن يتكلم عن أمر لا وجود له، كما لو كان يتكلم عن شيء خيالي، وانما كان يعني أنه تألم فعلا وما حدث له كان حقيقيا.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
17- وحيث أن الرب صار إنساناً وأخذ طبيعة إنسان ولم يكن هذا مجرد خيال، فلا معنى لإثارة موضوع الخطية كاعتراض على التجسد، لأن الذي تجسد هو خالق الجسد, أما عن الصراع الكامن في طبيعتنا فهو ما أخترعناه نحن من شرور نبتت من غواية الشيطان الذي علمنا كيف نعصي الله, وزرع هذه الغواية في طبيعتنا, هذا الصراع لا يزال في داخلنا بسبب ضعفنا, أما الرب فقد تجسد دون أن يتخلى عن إلوهيتة، وهو ما يعني أنه لا يوجد فيه صراع داخلي صادر من الطبيعة القديمة, أي إنساننا القديم. هذا يجعلنا نتعلم منه كيف "نخلع الإنسان القديم، ونلبس الإنسان الجديد" (أف4 : 22و24). وهذا في حد ذاته سر عجيب, فقد صار الرب إنساناً ولكن "بلا خطية"، وصار بذلك الإنسان الجديد الكامل, فكشف عما يقدر أن يفعله من أجلنا. وما يستطيع أن يفعله الرب بارادته، أعلنه في طبيعته، ودبر أن يأخذه عندما تجسد أي ميلاده من امرأة، والنمو في القامة حتى صارت حياته تحسب بالسنين، والجوع والعطش والنوم والألم والموت والقيامة. وهكذا حيث ساد جسد الإنسان، قدم يسوع جسده، وعندما ربطت النفس الإنسانية بقوة الموت، قدم يسوع نفسه، فاستطاع الذي لا يمكن أن يربطه الموت أن يكون حاضراً كإنسان وان يفك ربطات الموت كإله, وحيث زرع الفساد، ينمو عدم الفساد، وحيث ملك الموت على الصورة الإنسانية, أي النفس، يحضر عديم الموت والذي يعطي الخلود, وبذلك يجعلنا شركاء في عدم فساده وعدم موته بالرجاء في القيامة من الموت، وهكذا تم الخلاص عندما "لبس الفساد عدم الفساد والمائت عدم الموت" (1كو53:15), "وكما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت، هكذا بإنسان واحد, يسوع المسيح, تملك النعمة بالبر للحياة الآبدية" (رو12:5).
وبعد كل هذا ماذا تقصدون بقولكم: "بدلاً من الإنسان الداخلي الذي فينا، كان المسيح عقل سمائي"؟ هل توافقون على تقسيم الإنسان الواحد إلى اثنين، واحد داخلي والثاني خارجي، ألم يفعل المسيح ذلك عندما رقد الجسد في القبر وذهبت النفس إلى الجحيم؟
هنا يجب أن نقرر أن شخصاً آخر كان الآخر مختلفا عنه في الجوهر، ولذلك أعطى جسده من أجل أجسادنا، ونفسه من أجل نفوسنا، وكان هذا الفداء كاملاً للإنسان كله، فهل سوف تهزأون مثل اليهود أعداء الحياة الذين سخروا من الصليب، فكانوا يمرون أمام صليبه يهزون روؤسهم سخرية (مت27 : 39).
أن الجحيم لم يكن يستطيع أن يحتمل ظهور اللاهوت غير محجوب في النفس الإنسانية، وهذه الحقيقة هي التي شهد بها الرسل والأنبياء.

18- وبالاضافة إلى ما ذكرناه، فان الحقيقة سوف تظهر بوضوح أكثر إذا دققنا النظر في تدبير الصليب الذي أعلن عن حقيقة جسده عندما سال دمه وانسكب معه ماء, فأعلن بذلك عن قداسة ناسوته وأنه بلا عيب, لأنه جسد الكلمة الله. وعندما صرخ بصوت عال "وأحنى رأسه ولفظ روحه"، أعلن بذلك عن ما في داخل جسده, أي نفسه الإنسانية التي قال في مناسبة أخرى: "أنا أضعها عن خرافي" (يو10 : 15). ولا يمكن لمن يفهم تدبير الصليب بشكل سليم أن يفهم أنه عندما لفظ أنفاسه كان هذا بمثابة مفارقة اللاهوت له، وانما خروج نفسه فقط. ولو كان الموت, أي موت الجسد كما يقولون, هو مفارقة اللاهوت لجسده، لكان هذا موتاً خاصاً به فقط، وليس الموت الذي يخصنا نحن. وكيف يمكن للاهوت أن ينزل إلى الجحيم علانية بدون حجاب يستتر به؟ وفي هذه الحال علينا أن نسأل أين النفس الإنسانية التي وعد الرب بان يضعها عن خرافه؟ ألم تكن هي نفسه التي سبق وأخبر الأنبياء عنها باعلانات نبوية؟ أما إذا كان موته هو خروج نفسه منه فأننا في هذه الحالة يمكن أن نقول أنه مات الموت الذي يخصنا نحن، أي انه قبل وأحتمل تقسيم الإنسان إلى نفس وجسد، كما سبق وأحتمل ميلادنا الجسداني.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
19- باطلة هي سفسطتكم، إذ كيف يتم الموت إذا كان الكلمة لم يأخذ لنفسه "الإنسان الخارجي والإنسان الداخلي", اي الجسد والنفس؟ وكيف دفع الفدية عن الكل (1تي2 : 6)؟ وكيف حل سلاسل الموت تماماً؟ كيف استطاع المسيح ذلك إذا لم يكن قد أخذ لنفسه، وبلا خطية ذات الذي أخطأ بالفكر, أي النفس. فإن لم يأخذ نفساً إنسانية يظل الموت "يملك" على الإنسان الداخلي, وعلى أي شيء ملك الموت؟ أليس إلى النفس التي أخطأت فكريا والتي قيل عنها: "النفس التي تخطيء تموت" (خر18 : 4). من أجل ذلك أسلم المسيح نفسه عوضاً عن كل نفس، وقدم نفسه فدية عن الجميع.
وما الذي كان عليه الله في البدء؟ هل على صورة الخليقة التي صورها الخالق وصنعها, أم على العمل الصادر من إرادة الخليقة؟ فإذا دان الله الخليقة فقد دان نفسه وأصبح في هذه الحالة مثل البشر.
واذا كان كفراً في أن الله مثل البشر، فالله دان العمل الصادر من إرادة الخليقة التي كونها وصورها. وفي هذه الحالة قد أدان العمل نفسه ونتائجه وجدد الخليقة التي صورها ويتم القول: "لأننا نحن خليقته التي خلقها لأعمال صالحة" (أف2 : 10).

20- لكن يبقى اتهامكم لنا بأننا نقول: "ان الذي وُلد من العذراء مريم هو إله". ونحن نسألكم لماذا تستخدمون ذات لغة مرقيان الذي أدعي بأن الله جاء وأفتقدنا بشكل غير محسوس فقط، لأن طبيعة الله لا تقبل الاتحاد بالجسد البشري؟ ولماذا تتكلمون عن الله مثل بولس الساموساطي؟ ألم يكن مثل هذا الأسلوب الغامض هو الأسلوب الذي حاول أن يستر به كفره وقال بأنه يعترف بأن المولود من مريم هو إله بمعنى خاص، أي انه أخذ بدايته من مريم، رغم أنه كائن قبل الدهور. وكان يعترف بأن في المسيح كلمة (لوغوس) وحكمة من السماء تحرك المسيح وتعمل بواسطته. كانت هذه هي نظرته الكفرية، وهل تختلف هذه اللغة عن اللغة والمعاني التي تستخدمونها في الكلام عن المسيح كمن حل فيه عقل سمائي. أما الحقيقة فهي أن الجسد الحي بلا نفس ليس إنساناً كاملاً, ولا من له عقل سمائي يمكن أن يكون إلها.
وعندما نقول الإنسان الحي فأننا نقصد بكل وضوح الإنسان الذي له نفس عاقلة, كما أن جسد الإنسان يُدعى جسداً ولا يُدعى نفساً، وأيضاً نفس الإنسان تدعى نفساً ولا تدعى جسداً بالمرة. أما عن علاقة النفس بالجسد وبسبب اختلاف طبيعتها عن طيبعة الجسد فهي تدعى "الروح". ولولا ذلك لما قيل: "من يعرف فكر الرب" (1كو16:2). وفكر الرب, أي عقله, هو إرادة ومشورة الرب، وليس الرب نفسه. لماذا تغشون كلمة الرب (2كو17:2) باضافة كلماتكم اليها؟ أن الكنيسة لم تقبل ولا تسلمت ولا سلمت لنا هذه التصورات، وإنما حسب ما هو مكتوب أن الله الكلمة الكائن قبل كل الدهور مع الآب (يو1 : 1) قد جاء في الأزمنة الأخيرة (عب26:9) ووُلد من العذراء القديسة مريم والروح القدس, وانه ابن الإنسان الذي كتب عنه أنه البكر "ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر" (مت25:1). وأيضا: "لكي يكون بكراً بين أخوة كثيرين" (رو8 : 21). هو نفسه الإله الحق، تألم لأجلنا كإنسان وفدانا من آلام الموت كإله.
باطل تصوركم الذي يوحي بأنه في استطاعتكم أن تنالوا تجديد النفس التي تحرك الجسد وتفكر، بتصوركم أن التجديد يتم بمجرد التشبه ومحاكاة المسيح. هذا باطل لأن المحاكاة تعني أن نتشبه بمن هو مثلنا، ويجب في هذه الحالة أن يكون النموذج كائن فعلا وإلا استحال تقليده. هنا وفي غياب النفس الإنسانية، يصبح تجديد الجسد هو ما تم وتحقق فعلا، وهكذا تضلون وتجدفون لأن البشرية عاجزة عن أن تجدد ذاتها بدون المسيح، وتجديد النفس التي تقود الجسد لا يتم بدون المسيح، لأن المقود يتبع قائده. وما دمنا قد وصلنا إلى هذا الحد صار من حقنا أن نسألكم ما هي منفعة مجيء المسيح وتجسده؟
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
21- أما الذين يقولون كلاماً لا أساس له بالمرة، مدعين بأن الله الكلمة جاء كما جاء من قبل للأنبياء نقول لهم أنه ولا واحد من هؤلاء عندما جاء إليه الكلمة قيل عنه أن الله تجسد, وعن هذا التصور الفاسد نسأل أيضاً لماذا لم يكن تكمل الناموس شيئا (عب9 : 19). ولماذا ملك الموت على الذين لم يخطئوا مثل آدم الأول (رو : 14). وأيضا لماذا قال الرب: "اذا حرركم الابن فبالحقيقة تصيرون احراراً" (يو8 : 36). أليس هذا إعلاناً عن التجديد الذي تم به والكمال الذي نؤمن بأننا نلناه فيه؟ لأننا به تجددنا، وبه نتشبه, وفيه نشترك في المسيح الجديد. أما أنتم فقد أخترعتم ما هو باطل وبذلك فقدتم الخلاص. هذا الباطل يدفعكم لعدم استخدام كلمة "نفس" ويصور لكم أن تستخدموا عبارات مثل هذه: "العقل المضطرب"، "إنسان الخطية"، وأحيانا بكل جرأة "فاعل الاثم"، يمكن أن يحل محل كلمة واحدة وهي "النفس", وباطل أيضا قولكم عن الجسد "غير المخلوق" وأحيانا "السمائي" وأيضاً "المساوي للكلمة في الجوهر". ان هدفكم من كل هذا وبوضوح هو انكار التجسد. وكما عثر الأريوسيون وسقطوا في عدم فهم ميلاد الابن الفائق والأزلي من الآب، وخترعوا كلمات وعبارات لكي يتفادوا الاعتراف الصحيح مثل هذه الكلمات المضادة لميلاد الابن الأزلي "الميلاد يعني الشهوة" و "تقسيم جوهر الله" و"رخاوة الطيبعة الالهية" والهدف من هذه الكلمات غير المقدسة هي أن يسقطوا غير الثابتين في حفرة المعصية، لأن "فم العاصي هو حفرة أثم عميقة" (أم22 : 14). وهكذا حاول سابليوس نفس الشيء وأفترض أن الابن بلا جوهر وان الروح القدس غير كائن، وأتهم الذين قاموا بأنهم يقسمون جوهر الله إذا صرحوا بايمانهم بالاقانيم الثلاثة. وتوهم سابليوس بأن العلة الخالقة تظهر في أشكال متتابعة معينة، ولكن ذلك أدى إلى الإيمان بعدة آلهة بعد ذلك، فسقط سابليوس في كفر اليهودية وانكار أزلية الابن . وأيضاً المانويون الذين لم يؤمنوا بتجسد الرب ولا بتأنسه وكفروا بقولهم بأن الإنسان خاضع لإلهين واحد شرير وآخر خير. أما أنتم فأردتم أن تقاوموا الحق واخترعتم هذه الشعارات التي توجهونها ضدنا، لأنكم تتهموننا بأننا نقول بأننا نؤمن بابنين، وتدعونا "عابدين الإنسان" وتثيرون موضوع علاقة الخطية بالعقل ليس لكي تصلوا إلى الخلاص والإيمان الحق وانما تصلوا إلى التناقض التام مع أنفسكم خصوصا عندما تستخدمون كلمات صالحة بقصد نشر مبادئكم السيئة, ولكن هذا يؤدي إلى أن تبعدوا غير الثابتين عن الإيمان بما تضيفونه من كلمات كفر. أما نحن فان اساسنا ثابت لأن الله قد ختمه (2تي2 : 19).
ياصديقي العزيز، لقد كتبت هذا حسب الحق, أي حسب التسليم الانجيلي الذي هو كاف والذي لا يجب أن يكتب أحد غيره أو يضيف إليه شيئا آخر لقد كتبت لأنك سألتني عن الإيمان الذي فينا وطلبت أن نرد على الذين يتكلمون حسبما يحلو لهم وعن اختراعاتهم، ومن يتكلم من نفسه يكذب (يو8 : 24)، لأن العقل البشري لا يستطيع أن يعبر عن جمال مجد تجسد المسيح، ولكن علينا أن نعترف بما تم ونعلنه حسبما جاء في الأسفار، وان نثبت على الدوام عابدين الله إلى الأبد، وأن نمجد محبته التي إذا أعترفنا بها ننال الخلاص في المسيح يسوع ربنا آمين.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
تجسد ربنا يسوع المسيح
المقالة الثانية

الفصل الأول

1- اكتفينا بما أوضحناه في بحثنا السابق، مع أنه قليل من كثير، ببيان ضلال الأمم في عبادة الأوثان وخرافاتها، وكيف كانت هذه الأوثان من البدء من اختراعات البشر. وكيف كانت شرور البشر هى الدافع لابتكارهم عبادة الأوثان. والآن بعد أن أشرنا قليلاً لبعض الأمور عن إلوهية كلمة الآب وتدبيره لكل الأشياء وسلطانه وكيف أن الآب الصالح يضبط كل الأشياء بالكلمة, وأن كل شئ به وفيه يحيا ويتحرك.
أيها الطوباوي يا محب المسيح بالحقيقة تعال نتتبع الإيمان الحقيقي, ونتحدث عن كل ما يتعلق بتأنس الكلمة ونبيّن كل ما يختص بظهوره الإلهي بيننا، ذلك الذي يسخر منه اليهود ويهزأ به اليونانيون، أما نحن فنسجد له رغم ضعفه الظاهري, وذلك حتى تتقوى وتزداد تقواك به.
2 ـ فكلما ازداد الاستهزاء من غير المؤمنين بالكلمة، يعطى هو شهادة أعظم عن إلوهيته. وكل ما يظن البشر أنه مستحيل، فإن الله يثبت أنه ممكن، وكل ما يسخر منه البشر كأمر غير لائق، هذا يجعله بصلاحه لائقًا. وكل ما يهزأون به, وهم يدّعون الحكمة, على أنه أعمال بشريّة, فهذا كله يُظهره بقوته أنه أعمال إلهية. وهكذا، فمن ناحية يحطّم عن طريق الصليب, الذي يُظن أنه ضعف, كل ضلالات عبادة الأوثان، ومن ناحية أخرى يُقنع بطريقة خفيّة أولئك الهازئين وغير المؤمنين، حتى يدركوا إلوهيته وسلطانه.
3- ولإيضاح هذه الأمور فإنه يلزم أن تستحضر للذاكرة كل ما سبق أن قيل (في المقالة ضد الوثنيين) حتى تستطيع أن تدرك سبب ظهور كلمة الآب، كلّي العظمة والرفعة، في الجسد، ولكي لا تظن أن مخلّصنا كان محتاجاً بطبيعته أن يلبس جسداً. بل لكونه بلا جسد بطبيعته، ولكونه هو الكلمة، فإنه بسبب صلاح أبيه ومحبته للبشر، ظهر لنا في جسد بشري لأجل خلاصنا.
4- والآن إذ نشرح هذا الأمر، فإنه يليق بنا أن نبدأ أولاً بالحديث عن خلقة الكون كله وعن الله خالقه، وهكذا يستطيع المرء أن يُدرك أن تجديد الخليقة تم بواسطة الكلمة, الذي هو خالق الخليقة في البدء. وهكذا يتضح أنه ليس هناك تناقض في أن يتمم الآب خلاص العالم بالكلمة الذي به خُلِقَ العالم.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
الفصل الثانى​

1- لقد فهم الكثيرون موضوع خلق الكون وجميع الموجودات بطرق مختلفة، وعبّر كل منهم عن رأيه كما يحلو له. فقال بعضهم إن الأشياء كلها قد وُجدت من تلقاء ذاتها وبمجرد الصدفة، كالأبيكوريين ، الذين في اعتمادهم على الأساطير يجزمون بأنه لا يوجد تدبير إلهي لكل الأشياء، وهم بهذا يناقضون ما هو واضح كل الوضوح.
2- فلو أن كل الأشياء قد وُجدت من نفسها وبدون تدبير، حسب اعتقادهم، لكان معنى ذلك أن هذه الأشياء قد وُجدت في بساطة وتشابه وبدون اختلافات فيما بينها، وبالتالي كان يجب أن كل الأشياء تمثل جسماً واحداً, شمساً أو قمرًا. وفي حالة البشر كان يجب أن يكون الجسم كله عيناً أو يداً أو رجلاً. ولكن الواقع غير ذلك, فنرى الشمس شيئاً والقمر شيئاً آخر, والأرض شيئاً مختلفاً. وفي الأجساد البشرية نرى الرِجل شيئاً واليد شيئاً آخر, والرأس شيئاً مختلفاً. فهذا الترتيب إذن يؤكد لنا أن هذه الأشياء لم توجد من نفسها, بل يدل على أن هناك علّة سابقة عليها, ومن هذا الترتيب نستطيع أن ندرك الله الذي خلق كل الأشياء ودبّرها.
3- آخرون أيضاً من بينهم مثلاً العظيم عند اليونانيين أفلاطون، علّموا بأن الله خلق الكون من مادة موجودة سابقاً وغير مخلوقة، وكأن الله لم يكن يقدر أن يصنع شيئًا ما لم تكن المادة موجودة بالفعل، كالنجار مثلاً, الذي يجب أن يتوافر له الخشب لكي يستطيع أن يعمل, لكنهم لا يدركون أنهم بقولهم هذا ينسبون الضعف لله. لأنه إن لم يكن هو سبب وجود المادة، بل يصنع الموجودات من مادة موجودة سابقاً، فهذا معناه أنه ضعيف، طالما أنه لا يقدر أن يصنع شيئًا من المصنوعات بدون المادة. تمامًا مثل النجار فإنه يعتبر ضعيفاً لأنه لا يستطيع أن يصنع شيئاً من احتياجاته بدون توفر الأخشاب لديه.
4- وطبقًا لهذا الافتراض فإن الله لم يكن يستطيع أن يصنع شيئًا لو لم تكن المادة موجودة سابقًا. وكيف يمكن أن يسمى بارئًا وخالقًا، لو أنه كان يستمد قدرته على الخلق من مصدر آخر، وأعني بذلك من المادة؟
فلو كان الأمر هكذا، لكان الله حسب فكرهم مجرد عامل فني يصّنع المادة الموجودة لديه دون أن يكون هو سبب وجودها, ولا يكون خالقاً للأشياء من العدم. ولا يمكن أن يسمى الله خالقاً بالمرة ما لم يكن قد خلق المادة نفسها التي منها خُلقت المخلوقات.
5- وهناك هراطقة أيضًا يتوهمون لأنفسهم خالقًا آخر لكل الأشياء غير أبى ربنا يسوع المسيح, وهم بهذا يبرهنون على منتهى العمى. لأن الرب كان يقول لليهود: "أما قرأتم أن الذي خلق من البدء, خلقهما رجل وأنثى, وقال من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسدًا واحدًا" .. وبعد ذلك يقول مشيراً إلى الخالق: "فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان", فكيف يدّعي هؤلاء بأن الخليقة غريبة عن الآب؟ أو عندما يقول يوحنا في اختصار شديد: "كل شئ به كان وبغيره لم يكن شئٌ مما كان", فكيف يمكن أن يكون خالق آخر سوى الله أبى المسيح؟
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
الفصل الثالث​

1- هذه إذن هي أساطيرهم, أما التعليم الإلهي والإيمان بالمسيح فإنهما يُظهران هذه الأساطير أنها كفر. فالكائنات لم توجد من تلقاء نفسها لأن هناك تدبيراً سابقاً على وجودها. كما أنها لم تُخلق من مادة موجودة سابقاً، لأن الله ليس ضعيفًا. لكن الله خلق كل شئ بالكلمة من العدم وبدون مادة موجودة سابقاً، كما يقول على لسان موسى: "في البدء خلق الله السموات والأرض"، وأيضًا في كتاب الراعي الكثير النفع: "قبل كل شئ آمن بالله الواحد الذي خلق ورتب كل الكائنات وأحضرها من العدم إلى الوجود".
2- وهذا ما يشير إليه بولس قائلاً: "بالإيمان ندرك أن العالمين أنشئت بكلمة الله حتى لم يتكون ما يُرى مما هو ظاهر" .
3- الله صالح, بل هو بالأحرى مصدر الصلاح, والصالح لا يمكن أن يبخل بأى شئ, وهو لا يحسد أحد, حتى على الوجود. ولذلك خلق كل الأشياء من العدم بكلمته يسوع المسيح ربنا، وبنوع خاص تحنن على جنس البشر. ولأنه رأى عدم قدرة الإنسان أن يبقى دائماً على الحالة التي خُلق فيها، أعطاه نعمة إضافية، فلم يكتف بخلق البشر مثل باقي الكائنات غير العاقلة على الأرض، بل خلقهم على صورته وأعطاهم شركة في قوة كلمته حتى يستطيعوا بطريقة ما، ولهم بعض من ظل (الكلمة) وقد صاروا عقلاء، أن يبقوا في سعادة ويحيوا الحياة الحقيقية، حياة القديسين في الفردوس.
4- ولكن لعلمه أيضاً أن إرادة البشر يمكن أن تميل إلى أحد الاتجاهين (الخير أوالشر) سبق فأمّن النعمة المعطاة لهم بوصية ومكان، فأدخلهم في فردوسه وأعطاهم وصية حتى إذا حفظوا النعمة واستمروا صالحين عاشوا في الفردوس بغير حزن ولا ألم ولا هم، بالإضافة إلى الوعد بالخلود في السماء. أما إذا تعدوا الوصية وارتدوا (عن الخير) وصاروا أشراراً فليعلموا أنهم سيجلبون الموت على أنفسهم حسب طبيعتهم، ولن يحيوا بعد في الفردوس، بل يموتون خارجاً عنه و يبقون إلى الأبد في الفساد والموت.
5- وهذا ما سبق أن حذّرنا منه الكتاب المقدس بفم الله قائلاً: "من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها, لأنك يوم تأكل منها موتًا تموت". وموتًا تموت لا تعني بالقطع مجرد الموت فقط، بل البقاء في فساد الموت إلى الأبد.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
الفصل الرابع​
1- وربما تتساءل: لماذا بينما نقصد أن نتحدث عن تجسد الكلمة، فإننا نتحدث الآن عن بداية خلق البشرية؟ لكن اِعلم أن هذا الحديث أيضاً يتصل بهدف هذا المقال.
2- لأنه من الضروري عندما نتحدث عن ظهور المخلّص بيننا أن نتحدث عن بداية خلق البشر، ولكي تعلم أن نزوله إلينا كان بسببنا، وأن تعدِّينا استدعى تعطف الكلمة، لكي يأتي الرب مسرعًا لمعونتنا، ويظهر بين البشر.
3- فلأجل قضيتنا تجسد لكى يخلّصنا، وبسبب محبته للبشر قَبِلَ أن يتأنس ويظهر في جسد بشري.
4- وهكذا خلق الله الإنسان وكان قصده أن يبقى في غير فساد. أما البشر فإذ احتقروا التفكير في الله ورفضوه، وفكروا في الشر وابتدعوه لأنفسهم كما أشرنا أولاً، فقد حكم عليهم بحكم الموت الذي سبق إنذارهم به، ومن ذلك الحين لم يبقوا بعد كما خُلقوا، بل إن أفكارهم قادتهم إلى الفساد ومَلَك الموت عليهم. لأن تعدي الوصية أعادهم إلى حالتهم الطبيعية، حتى أنهم كما وُجِدوا من العدم هكذا أيضًا بالضرورة يلحقهم الفناء بمرور الزمن.
5- فإن كانوا وهم في الحالة الطبيعية, حالة عدم الوجود، قد دعوا إلى الوجود بقوة الكلمة وتحننه، كان طبيعياً أن يرجعوا إلى ما هو غير موجود (أى العدم) عندما فقدوا كل معرفة بالله. لأن كل ما هو شر فهو عدم، وكل ما هو خير فهو موجود. ولأنهم حصلوا على وجودهم من الله الكائن، لذلك كان لابد أن يُحرموا إلى الأبد من الوجود. وهذا يعني انحلالهم وبقائهم في الموت والفساد.
6- فالإنسان فانٍ بطبيعته لأنه خُلق من العدم, إلا أنه بسبب خلقته على صورة الله الكائن كان ممكنًا أن يقاوم قوة الفناء الطبيعي ويبقى في عدم فناء لو أنه أبقى الله في معرفته كما تقول الحكمة: "حفظ الشرائع تحقق عدم البلى" ، وبوجوده في حالة عدم الفساد (الخلود) كان ممكنًا أن يعيش منذ ذلك الحين كالله كما يشير الكتاب المقدس إلى ذلك حينما يقول: "أنا قلت إنكم آلهة. وبنو العليّ كلكم، لكن مثل الناس تموتون وكأحد الرؤساء تسقطون".
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
الفصل الخامس​
1- فالله لم يكتفِ بأن يخلقنا من العدم، ولكنه وهبنا أيضاً بنعمة الكلمة إمكانية أن نعيش حسب الله، ولكن البشر حولوا وجوههم عن الأمور الأبدية، وبمشورة الشيطان تحولوا إلى أعمال الفساد الطبيعي, وصاروا هم أنفسهم السبب فيما حدث لهم من فساد بالموت. لأنهم كانوا, كما ذكرت سابقًا, بالطبيعة فاسدين, لكنهم بنعمة اشتراكهم في الكلمة كان يمكنهم أن يفلتوا من الفساد الطبيعي لو أنهم بقوا صالحين.
2- وبسبب أن الكلمة سكن فيهم، فإن فسادهم الطبيعى لم يمسهم كما يقول سفر الحكمة: "الله خلق الإنسان لعدم الفساد وجعله على صورة أزليته لكن بحسد إبليس دخل الموت إلى العالم" , وبعدما حدث هذا بدأ البشر يموتون، هذا من جهة, ومن جهة أخرى فمن ذلك الوقت فصاعداً بدأ الفساد يسود عليهم, بل صار له سيادة على كل البشر أقوى من سيادته الطبيعية، وذلك لأنه حدث نتيجة عصيان الوصية التى حذرهم أن لا يخالفوها.
3- فالبشر لم يقفوا عند حد معين في خطاياهم, بل تمادوا في الشر حتى أنهم شيئًا فشيئًا تجاوزوا كل الحدود، وصاروا يخترعون الشر, حتى جلبوا على أنفسهم الموت والفساد، ثم توغلوا في الظلم والمخالفة ولم يتوقفوا عند شر واحد, بل كان كل شر يقودهم إلى شر جديد, حتى أصبحوا نهمين في فعل الشر.
4- ففي كل مكان انتشر الزنى والسرقة وامتلأت الأرض كلها بالقتل والنهب. ولم يرعوا حرمة أى قانون, بل كانوا يسلكون في الفساد والظلم, بل صاروا يمارسون الشرور بكل أنواعها أفرادًا وجماعات. فنشبت الحروب بين المدن، وقامت أمم ضد أمم, وتمزقت المسكونة كلها بالثورات والحروب، وصار كل واحد ينافس الآخر في الأعمال الشريرة.
5- كما انهم لم يكونوا بعيدين عن الخطايا التي هى ضد الطبيعة كما قال الرسول والشاهد للمسيح: "لأن إناثهم استبدلن الاستعمال الطبيعي بالذي على خلاف الطبيعة, وكذلك الذكور أيضاً تاركين استعمال الأنثى الطبيعي, اشتعلوا بشهوتهم بعضهم لبعض, فاعلين الفحشاء ذكورًا بذكور, ونائلين في أنفسهم جزاء ضلالهم المحق".
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
الفصل السادس​
1- لأجل هذا إذن ساد الموت أكثر وعم الفساد على البشر، وبالتالى كان الجنس البشرى سائرًا نحو الهلاك، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى كان الإنسان العاقل والمخلوق على صورة الله آخذًا في التلاشى، وكانت خليقة الله آخذةً في الانحلال.
2- لأن الموت أيضًا، وكما قلت سابقًا، صارت له سيادة شرعية علينا، منذ ذلك الوقت فصاعدًا، وكان من المستحيل الهروب من حكم الناموس، لأن الله هو الذى وضعه بسبب التعدى، فلو حدث هذا لأصبحت النتيجة مرعبة حقًا وغير لائقة في نفس الوقت.
3- أولا سكون من غير اللائق أن الله بعدما تكلم بشئ مرة يتضح أنه فيما بعد كاذب، أى أن الله بعد أن أمر أن الإنسان يموت موتاً، أن يتعدى الأمر ولا يموت، بل تبطل كلمة الله, وسيكون الله غير صادق إن كان الإنسان لا يموت بعد أن قال الله إنه سيموت.
4- ثانيا سيكون من غير اللائق أن تهلك الخليقة وترجع إلى العدم بالفساد، تلك الخليقة التى خُلقت عاقلة، وكان لها شركة في الكلمة.
5- سيكون أيضًا بصلاح الله أن تفنى خليقته بسبب غواية الشيطان للبشر.
6- ومن ناحية أخرى سيكون من غير اللائق على الإطلاق أن تتلاشى صنعة الله بيد البشر إما بسبب إهمالهم أو بسبب غواية الشياطين.
7- وطالما طال الفساد الخليقة العاقلة، وكانت صنعة الله في طريقها إلى الفناء، فما الذى كان يجب على الله الصالح أن يفعله؟ أيترك الفساد يسيطر على البشر والموت ليسود عليهم؟ وما المنفعة إذن من خلقتهم منذ البدء؟ لأنه كان أفضل بالحرى ألاّ يُخلقوا بالمرة من أن يُخلقوا وبعد ذلك يُهملوا ويفنوا.
8- لو أن الله أهمل ولم يبالى بهلاك صنعته، لأظهر إهماله هذا ضعفه وليس صلاحه. ولو أن الله خلق الإنسان ثم أهمله لكان هذا ضعفًا أكثر مما لو أنه لم يخلقه أصلاً.
9- لو لم يكن قد خلق الله الإنسان لما تجرأ أحد أن ينسب إليه الضعف. أما وقد خلقه وأتى به من العدم إلى الوجود, فقد كان سيصبح من غير اللائق بالمرة أن تفنى المخلوقات أمام عينى الخالق.
10- كان ينبغي إذن أن لا يُترك البشر لينقادوا للفساد لأن هذا يُعتبر عملاً غير لائق ويتعارض مع صلاح الله.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
الفصل السابع​
1- لكن إن كان هذا هو ما يجب أن يحدث، فمن الناحية الأخرى نجد أنه لا يتفق مع صدق الله الذى يقتضى أن يكون الله أمينًا من جهة حكم الموت الذى وضعه، لأنه كان من غير اللائق أن يظهر الله أبو الحق كاذبًا من أجلنا.
2- ماذا ينبغي إذن أن يُفعل حيال هذا؟ أو ما الذي كان يجب على الله أن يعمله؟ أيطلب من البشر التوبة عن تعدياتهم؟ ويمكن أن يرى المرء أن هذا يليق بالله ويقول: كما أن البشر صاروا إلى الفساد بسبب التعدي، فإنهم بسبب التوبة يمكن أن يعودوا إلى عدم الفساد وللخلود.
3- لكن التوبة تعجز عن حفظ أمانة الله لأنه لن يكون الله صادقًا إن لم يظل الإنسان في قبضة الموت, ولا تقدر التوبة أن تغّير طبيعة الإنسان، بل كل ما تستطيعه هو أن تمنعهم عن أعمال الخطية.
4- فلو كان تَعِدى الإنسان مجرد عمل خاطئ ولم يتبعه فساد، لكانت التوبة كافية. أما الآن بعد أن حدث التعدي، فقد تورط البشر في ذلك الفساد الذى كان طبيعتهم ونُزعت منهم نعمة مماثلة صورة الله، فما هى الخطوة التى يحتاجها الأمر بعد ذلك؟ أو مَن ذا الذي يستطيع أن يُعيد للإنسان تلك النعمة ويرده إلى حالته الأولى إلا كلمة الله الذي خلق في البدء كل شئ من العدم؟
5- لأنه كان هو وحده القادر أن يأتي بالفاسد إلى عدم الفساد, وأيضاً أن يصون صدق الآب من جهة الجميع, وحيث إنه هو كلمة الآب ويفوق الكل، كان هو وحده القادر أن يعيد خلق كل شئ وأن يتألم عوض الجميع وأن يكون شفيعاً عن الكل لدى الآب.
 
أعلى