أولا
هناك فرق يجب الانتباه له دائما بين "نظرية التطور" و"قانون التطور". نحن نؤمن بقانون التطور لأنه بداهة علمية، اتفق عليها العلم والدين والفلسفة، فهذا من ثم نقبله من حيث المبدأ ولا يتعارض أبدا مع الإيمان. أما نظرية التطور، وأقصد بذلك تحديدا النظرية التي ترى أن الإنسان والقرد يجمعهما سلف مشترك، فهذه "نظرية" لا قانون، وهي نظرية ما زالت مليئة بالثقوب والافتراضات، لم يتفق أبدا عليها جميع العلماء، بل نستطيع القول إنها نظرية ضعيفة هشة، على الأقل بالنظر إلى بعض الحفريات المكتشفة مثل جمجمة Starchild. إن ما فعله داروين ببساطة، وما فعله من بعده كل التطوريين حتى ريتشارد داوكنز أشهر الملحدين في العصر الحديث، هو أنهم جمعوا الحفريات التي تبني معا نسقا متكاملا يتفق مع النظرية، يستطيعون من خلاله رسم "شجرة التطور"، مع إهمال بقية الحفريات الأخرى التي لا تتفق معها.إن هذا بالضبط يشبه ما يفعله بعض أهل الديانات المختلفة حين "ينتقون" من كتابهم الآيات التي تبني نسقا يظهر فيه "الإعجاز العددي"، بينما يغفلون الآيات الأخرى، ناهيك عن القراءات الأخرى لنفس الكتاب. من ثم عندما ظهرت الجماجم التي لا تتفق مع النسق الدارويني، وأشهرها جمجمة Starchild، اضطر هؤلاء العلماء لافتراض غريب، هو أن هذه الجمجمة ليست بشرية، بل جاءت بالأحرى من الفضاء الخارجي، وأنها تنتمي لسكان كوكب آخر!
جمجمة Starchild
ولا ضير بالطبع من هذا على الإطلاق، ولكن لو أننا افترضنا الحياة على كواكب أخرى وفتحنا الباب لوجود أجناس فضائية جاءت إلى الأرض، فعندئذ هناك بالفعل نظرية تقول إن جنس البشر كله جاء من كوكب آخر، وهناك بالفعل نظرية تقول إن جنس البشر كله هجين تم هندسته وراثيا بين جنسين أحدهما كان على الأرض والثاني جاء من كوكب آخر. كل نظرية من هذه النظريات لديها أيضا "النسق" الخاص بها ولديها مجموعة الحفريات والجماجم التي تدعم ما ذهبت إليه. فإذا أضفنا علاوة على كل هذا نظرية "البذور الكونية"، وهي أقدم النظريات المنافسة لنظرية داروين، فعندئذ سننتهي في الحقيقة داخل غابة من النظريات والتحليلات والرؤى، كلها يزعم أنه علمي. ما شأن الكنيسة إذن بكل هذا الجدل، والذي يصل أحيانا حد السذاجة والعبث؟
جمجمة Paracas ـ إحدي الجماجم التي تخرج كلية عن النسق الدارويني
ثانيــــا
ما زال الاصطفاء أو الانتخاب الطبيعي نفسه، وهو حجر الزاوية في نظرية التطور، ما زال هو نفسه قيد البحث والنظر، عاجزا عن إجابة كل الأسئلة. على سبيل المثال كيف يبرر الانتخاب الطبيعي جمال الطاووس؟ إما أن يكون هذا الجمال مقصودا لذاته، وهو ما يدعم نظرية "التصميم الذكي"، وإما أن يكون ـ حسبما يقول الانتخاب الطبيعي ـ لسبب وظيفي بيئي بحت. ما هو إذن السبب الوظيفي البيئي لهذا الجمال الفائق الذي يصل حد الإبداع عند الطاووس؟ يجيب التطوريون على هذا السؤال بقولهم إن سلالات الطاووس الأقل جمالا انقرضت، نظرا لأن الإناث كانت تتناسل مع الذكور الأجمل على نحو مضاعف، فهكذا على مدار القرون انقرضت الطواويس الأقل جمالا ولم يبق إلا سلالة الطاووس الأكثر جمالا. ولعل هذا صحيح، لكنه في الحقيقة لا يحل أبدا المعضلة: لماذا كانت الإناث تفضل الذكور الأكثر جمالا؟
ثالثــــا
إن العلم نفسه ـ رغم كل ادعاءات النزاهة والموضوعية والحياد ـ لا يمكن اعتباره بالجملة مطلق النزاهة والموضوعية والحياد، لأنه في النهاية يخضع لترتيبات القوى العالمية التي تنفق على المعامل وتوجه البحوث وتعتمد ميزانيات الجامعات والمراكز البحثية وتمولها. الأدلة على ذلك أكثر من أن تـُحصى، ولكن يكفي من التاريخ مثال "توماس إديسون" مخترع المصباح الكهربي. كلنا يعرف إديسون، ولكن هل كلنا يعرف أنه في نفس هذا الوقت عاش أكبر علماء الأرض على الإطلاق، أذكى عقول الجنس البشري في كل تاريخه، الأعظم من إديسون ومن ميكلسون وحتى من آينشتين نفسه، ألا وهو العبقري الفذ "نيكولا تيسلا Nicola Tesla"؟ لماذا إذن دخل إديسون التاريخ من أوسع أبوابه بينما سقط تماما اسم تيسلا وتم حظر تجاربه وإخفاؤها، خاصة في مجال الكهرباء، نفس المجال الذي تفوق فيه إديسون؟ ببساطة لأن تيسلا وصل للطاقة العظمى واستمد الكهرباء من أيونات الغلاف الجوي نفسه، في طاقة نظيفة مجانية لكل فرد على الأرض، تغنيه عن كل أنواع الطاقة الأخرى وتطوي صفحة البترول كلية من تاريخ العالم حتى قبل أن تبدأ. بل استطاع تيسلا بمخترعاته ونظرياته الفائقة الإبداع أن يتحكم في المناخ نفسه، وهو تحديدا ما يفعله اليوم مشروع HARP السري في الولايات المتحدة!
نيكولا تيسلا (1856 – 1943)
الآن هل تعرف عزيزي القارئ ـ فقط على سبيل المثال ـ أن محرك السيارة يمكن أن يدور بالماء فقط ودون حاجة إلى أي وقود؟ هل تعرف أن شركات الدواء "تخترع" الأمراض وتوجه الأطباء لتصنيفها مرجعيا ثم تقدم بعد ذلك لها الدواء؟ هل سمعت عن نظرية دكتور "كارل بريبرام Karl Pribram" حول "المخ" البشري وكيفية عمله؟ عن بحوث دكتور "دين رادين Dean Radin" حول "الوعي" والاتصال العقلي بين البشر؟ عن بحوث دكتور "بروس ليبتون Bruce Lipton" في مجال البيولوجي وكيف يمكن تغيير الجينات نفسها عقليا؟ عن مئات التجارب العلمية التي جمعتها "لين ماكتجارت Lynne McTaggart" في كتبها، ومع ذلك لا يظهر أيا منها في صحافتك القومية، فقط لأن "بعضهم" لا يريد لهذه المكتشفات والنتائج أن تنتشر الآن على السطح، خاصة في بلاد الواق واق التي تنشغل معاملها حاليا بدراسة بول البعير وعسل النحل وحبة البركة؟
الأمثلة كثيرة، أكثر من أن تحصى، ولا يتقصنا سوى البحث قليلا في الأعماق لاكتشاف هذه الحقيقة المروّعة، أن العلم نفسه ـ رغم كل ادعاءات النزاهة والحياد ـ ما زال محكوما بقوى المال والسياسة وما زال على الأقل "موجّها" بحيث يخدم مصالح وبرامج خاصة لا تعرف الجموع عنها أي شيء أو حتى تعرف بوجودها. إن حكاية إديسون وتيسلا مجرد مثال لما حدث وما زال يحدث كل يوم في الطب، وفي الصيدلة، وفي البيولوجي، وفي الفيزياء، وتقريبا في كل مناحي "العلم" الحديث!
والخلاصة...
لا يتعارض أبدا الإيمان المسيحي ولا ترفض أبدا الكنيسة الرسولية الجامعة أية "حقيقة" تأخذ عن استحقاق هذه الصفة وتنتقل من رتبة "الفرض" و"النظرية" إلى رتبة "القانون" و"الحقيقة العلمية". بل نزعم ـ بكل افتخار ـ أن أحدث ما وصل إليه العلم اليوم يتسق تماما، وعلى نحو دقيق باهر، مع كافة تعاليم السيد المسيح والكتاب المقدس، الأمر الذي لأجله فإن باحثة مثل "ماكتجارت" أخذت عن جدارة لقب "الجسر بين العلم والروحيات"، ذلك بعد نشر مجموعاتها العلمية المختلفة على مدار أكثر من 20 عاما، والتي كتبتها جميعا من داخل المعامل، لا على أبواب الهياكل.
* * *
"السماء والأرض تزولان، ولكن كلامي لا يزول"
متى 35:24
* * *