أساس التفسير الخريستولوجي _ غرغوريوس اللاهوتي

عبد يسوع المسيح

يارب أعطنى حكمة
مشرف سابق
إنضم
13 أغسطس 2009
المشاركات
2,920
مستوى التفاعل
808
النقاط
113
الإقامة
مصر

من هذه الألفاظ العظيمة والسامية عرفنا ألوهيّة الابن وأشَدنا بها. أيّ ألفاظ؟ الله، الكلمة، الذي كان منذ البدء وكان المبدأ مع المبدأ: "في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله"، و "لك الرئاسة"، و "من فعلّ وصَنَعَ داعياً الأجيال من البدء"، وإذ كان الابن الوحيد، فـ "الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو خبر". وهو الطريق والحقيقة والحياة والنور: "أنا الطريق والحق والحياة"، و "أنا نور العالم. هو حكمة وقوة: "فالمسيح قوة الله وحكمة الله"، وهو إشعاع، وطابَع، وصورة، وخَتْم: "وهو ضياء مجده، وصورةُ جوهره"، "صورة صلاحه"، و "لأن هذا قد ختَمهُ الآبُ الله". إنّه السيد، والملك، والكائن، والكليّ القُدرة: "وأمطر الربّ ناراً من عند الرب"، وصولجان مُلكك هو صولجانُ استقامة"، و"الكائن والذي كان والذي سيأتي"، و "القدير". من الواضح أن جميع هذه الأقوال قيلت في الابن كما قيل فيه جميع ما شابهها، ونحنُ لا نجد في ذلك شيئاً اكتُسِبَ أو أُضيفَ فيما بعد إلى الابن أو إلى الروح القُدس كما لم يُضف إلى الآب نفسه. فالكمال الإلهي لم يكن بالإضافة. وهكذا لم يكن الآب يوماً بدون الكلمة، ولم يكن يوماً غير آب، ولم يكن يوماً بغير حقيقة، أو بغير حكمة، أو بغير قدرة، أو بغير حياة أو إشراق أو صلاح.

ومقابل ذلك أوْرِد الأقوال التي تتسلّح بها جهالتُك من مثل: "إلهي وإلهكم"، الذي هو "أعظم"، والذي "حاز"، والذي "جَعَلَ"، والذي قدّسَ، وكذلك، إذا شِئتَ، اللفظتين: "عَبد"، يُطيع"، والتعبيرات: "أُعطيتَ"، أعلَمَ"، هذه الوصيّة قَبلتُها"، "أرسلني"، الابن لا يقدر أن يعملَ من نفسه شيئاً"، لا الكلام، ولا الدينونة، ولا العطاء، ولا الإرادة، وهذه أيضاً: اللا علم، والخضوع، والصلاة، والسؤال، والنمو، والكمال، وأضِفْ إذا شئت كلّ ما هو أوضع وأحقؤ كالنوم، والجوع، والتعب، والبكاء، والارتياع، والانهيار. وقد تأخذ عليه أيضاً صَلبه وموته. ويبدو لي أنك تُغفل قيامته وصعوده لما فيهما مما يؤيد رأينا.

وإننا إذا أنعمنا النّظر في كلّ من هذه الأقوال، لم يصعب علينا شرحُهُ في الخطّ السَويّ، وتجريده من العقبات التي تعترضك، هذا ما لم تكن من العاثرين الأشرار. فأرجع أولاً ما هو أسمى إلى الألوهة، إلى الطبيعة التي هي فوق الأهواء وفوق الجسد، وما هو دون ذلك إلى المركّب التّجسُّدي، إلى الذي من أجلك أخلى ذاته، وصار جسداً، وبكلام أوفى صار إنساناً، والذي بعد ذلك رُفِعَ، لكي تنتزع أنتَ من تعاليمك ما هو مادّيّ وأرضيّ، ولكي تتعلّم التعالي فوق ذلك والارتقاء مع الألوهة، فلا تظل في غمرة الأشياء المَرئية، بل تُصعّد لكي تكون مع الروحيات، وتُدرك ما قيل في الطبيعة الإلهية، وما قيلَ في التدبير الإلهي.

فالذي هو الآن حقير في نظرك، كان قبلاً أرفعَ منك، الذي هو الآن إنسان كان حينذاك غير مُركَّب.ما كان بقي عليه، وما لم يكُنْهُ صارَ إليه. كان في البدء بلا علّة - وهل يكون لله علّة؟ - ثم وُلِدَ لعلّة.وكانت العّلةُ أن تخلُصَ، أنتَ المُجدّف عليه، ومُحتقر الألوهة التي تحمّلَت كثافتك، والإنسان الأرضيّ، الذي اتّحد بالجسد بوساطة روح، صار إلهاً عندما امتزج بالله، وصارَ واحداً يغلب فيه الأفضلُ ولأرفع، وبذلك أُصبحُ أنا إلهاً بقدر ما أصبحَ هو إنساناً.

لقد وُلِدَ، ولكنّه كان مولوداً، وُلِدَ من امرأة، ولكنّها امرأة عذراء.
ظاهرات بشريّة وأخرى إلهية.
إنه ههنا بغير أب، ولكنّه هناك بغير أمّ.
إنه شأن إلهيّ. حُمِلَ في أحشاء أمّهِ، ولكنّ نبياَ في أحشاءِ أمّه أيضاً عرفه وارتكض في حضرة الكلمة الذي لأجله كان.
لقد لُفّ في قُمط، ولكنّه ألقى عنه الأكفان عندما قام.
لقد وُضِعَ في مذود، ولكنه لقي من الملائكة تمجيداً، ومن الكواكب دلالةً، ومن المجوس عبادةً.
كيف تتعثّرُ في ما هو من مُعطيات العين، ولا تأخذ بمُعطيات العقل؟
لقد هرب إلى مصر، ولكنه هرّب آلهة المصريين.
لم يكن له صورة ولا بهاء في نظر اليهود، ولكنّه في نظر داود أبهى جمالاً من بني آدم، وهو يتلألأ على الجبل كالبرق ويُضيء وجهُهُ كالشمس، مُشيراً بذلك إلى المُستقبل.

لقد اعتمد كإنسان، ولكنه رفع الخطايا كإله، وذلك لكي يُقدِّس المياه.
لقد جُرّب كإنسان، ولكنه تغلّب كإله، وهو يطلب الثقة لكونه تغلّبَ على العالم.
لقد جاع، ولكنه أطعم الألوف، ولكنه الخبز الحيّ والسماوي.
لقد عطش، ولكنه صاح قائلاً: إن عطش أحدٌ فليأت إليّ ويشرب، ولكنه وعَدَ أيضاً بأن يُصبح المؤمنون به ينابيع ماءٍ حيّ.
لقد تعب، ولكنه الرّاحةُ للمتعبين والمُثقلين.
لقد أثقله النوم، ولكنه كان على البحر خفيفاً، ولكنّه يأمر الرياح، ولكنّه عندما كاد بطرس يغرق جعله خفيفاً.
إنه يؤدّي الجزية، ولكنّه يستخرجها من فم السمكة، ولكنّه مَلِكُ مَن يطالبونه بها.
إنّه يُدعى سامرياً وشيطانياً، ولكنّه يُخلّص من كان مُنحدراً من أورشليم وواقعاً في أيدي اللصوص، والشياطين تعرفه، وهو يطردها، ويُغرق جوقة من الأرواح الشريرة، ويرى أُركون الشياطين "ساقطاً من السماء كالبرق".
يُرجَمُ بالحجارة ولكنه لا يُقبض عليه.
إنّه يُصلي، ولكنّه يسيتجيب الدعاء.
إنه يبكي، ولكنّه يُكفكف عن البكاء.
يسأل أين وُضِعَ لعازر لأنه إنسان، ولكنّه يُقيم لعازر لأنه إله.
لقد بيع وبثمن بخس، وبثلاثين من الفضة، ولكنه يفتدي العالم، وبثمن باهظ، بذات دمهِ.
كشاة سيق إلى الذبح، ولكنّه راعي إسرائيل، وهو الآن راعي الأرض كلّها.
إنّه كحَمَلٍ صامت، ولكنّه الكلمة الذي بشّر به الصوتُ الصارخ في البرّية.
لقد أخذ عاهاتنا وجُرِحَ، ولكنّه يشفي كل مرض وكل ضعف.
لقد عُلّقَ على خشبة وسُمّرَ عليها، ولكنّه يُصالحنا بواسطة شجرة الحياة، ولكنّه يُخلّص اللص المصلوب إلى جانبه، ولكنه ينشر الظلمة على كلّ ما يُرى.
لقد سُقي خلاًّ وأُشبعَ مرارةً، مَن؟ ذاك الذي يُحوّل الماء خمراً، الذي يُزيل المرارة، وهو أعذب ما يكون وبجملته شهي.
إنه يبذل نفسه، ولكن له سلطانا أن يأخذها أيضاً، ولكنّ حجاب الهيكل ينشق - إذ تظهر العُلويّات، ولكن الصخور تتشقّق، ولكنّ الراقدين يقومون.
إنه يموت ولكنّه يُحيي، وبموته يُبطل الموت.
لقد دُفنَ، ولكنّه يقوم.
إنّه ينحدر إلى الجحيم، ولكنّه يُخرج النفوس منها، ولكنّه يصعد إلى السماوات، ولكنه سيأتي ليدين الأحياء والأموات.




المرجع: الخطب اللاهوتية للقديس غريغوريوس النزينزي، سلسلة النصوص اللاهوتية (في الابن رقم 29)، ترجمة الأب حنا الفاخوري.
http://erinipasy.blogspot.com/

في هذا المقطع الصغير من العظة، استشهد القديس غريغوريوس اللاهوتي بــ 130 آية من الكتاب المقدس!!
 
التعديل الأخير:

الكرمه الصغيره

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
24 ديسمبر 2012
المشاركات
2,622
مستوى التفاعل
786
النقاط
113
شكراً جزيلاً أخي العزيز على المشاركة الرائعة
تسلم ايدك لختياراتك ومشاركاتك الجميلة جداً
وربنا يعوض تعب محبتك ويباركك ، يبارك حياتك وخدمتك
والمجد لربنا القدوس يسوع المسيح دائماً.. وأبداً.. آمين
 
أعلى