حول نظرية التطور

خادم البتول

عضو نشيط
عضو نشيط
إنضم
13 أبريل 2012
المشاركات
1,066
مستوى التفاعل
1,036
النقاط
113
الإقامة
عابـــر سبيــــل


أولا
هناك فرق يجب الانتباه له دائما بين "نظرية التطور" و"قانون التطور". نحن نؤمن بقانون التطور لأنه بداهة علمية، اتفق عليها العلم والدين والفلسفة، فهذا من ثم نقبله من حيث المبدأ ولا يتعارض أبدا مع الإيمان. أما نظرية التطور، وأقصد بذلك تحديدا النظرية التي ترى أن الإنسان والقرد يجمعهما سلف مشترك، فهذه "نظرية" لا قانون، وهي نظرية ما زالت مليئة بالثقوب والافتراضات، لم يتفق أبدا عليها جميع العلماء، بل نستطيع القول إنها نظرية ضعيفة هشة، على الأقل بالنظر إلى بعض الحفريات المكتشفة مثل جمجمة Starchild. إن ما فعله داروين ببساطة، وما فعله من بعده كل التطوريين حتى ريتشارد داوكنز أشهر الملحدين في العصر الحديث، هو أنهم جمعوا الحفريات التي تبني معا نسقا متكاملا يتفق مع النظرية، يستطيعون من خلاله رسم "شجرة التطور"، مع إهمال بقية الحفريات الأخرى التي لا تتفق معها.إن هذا بالضبط يشبه ما يفعله بعض أهل الديانات المختلفة حين "ينتقون" من كتابهم الآيات التي تبني نسقا يظهر فيه "الإعجاز العددي"، بينما يغفلون الآيات الأخرى، ناهيك عن القراءات الأخرى لنفس الكتاب. من ثم عندما ظهرت الجماجم التي لا تتفق مع النسق الدارويني، وأشهرها جمجمة Starchild، اضطر هؤلاء العلماء لافتراض غريب، هو أن هذه الجمجمة ليست بشرية، بل جاءت بالأحرى من الفضاء الخارجي، وأنها تنتمي لسكان كوكب آخر!



skull_starchild.jpg
جمجمة Starchild


ولا ضير بالطبع من هذا على الإطلاق، ولكن لو أننا افترضنا الحياة على كواكب أخرى وفتحنا الباب لوجود أجناس فضائية جاءت إلى الأرض، فعندئذ هناك بالفعل نظرية تقول إن جنس البشر كله جاء من كوكب آخر، وهناك بالفعل نظرية تقول إن جنس البشر كله هجين تم هندسته وراثيا بين جنسين أحدهما كان على الأرض والثاني جاء من كوكب آخر. كل نظرية من هذه النظريات لديها أيضا "النسق" الخاص بها ولديها مجموعة الحفريات والجماجم التي تدعم ما ذهبت إليه. فإذا أضفنا علاوة على كل هذا نظرية "البذور الكونية"، وهي أقدم النظريات المنافسة لنظرية داروين، فعندئذ سننتهي في الحقيقة داخل غابة من النظريات والتحليلات والرؤى، كلها يزعم أنه علمي. ما شأن الكنيسة إذن بكل هذا الجدل، والذي يصل أحيانا حد السذاجة والعبث؟



skull_peru.jpg
جمجمة Paracas ـ إحدي الجماجم التي تخرج كلية عن النسق الدارويني


ثانيــــا
ما زال الاصطفاء أو الانتخاب الطبيعي نفسه، وهو حجر الزاوية في نظرية التطور، ما زال هو نفسه قيد البحث والنظر، عاجزا عن إجابة كل الأسئلة. على سبيل المثال كيف يبرر الانتخاب الطبيعي جمال الطاووس؟ إما أن يكون هذا الجمال مقصودا لذاته، وهو ما يدعم نظرية "التصميم الذكي"، وإما أن يكون ـ حسبما يقول الانتخاب الطبيعي ـ لسبب وظيفي بيئي بحت. ما هو إذن السبب الوظيفي البيئي لهذا الجمال الفائق الذي يصل حد الإبداع عند الطاووس؟ يجيب التطوريون على هذا السؤال بقولهم إن سلالات الطاووس الأقل جمالا انقرضت، نظرا لأن الإناث كانت تتناسل مع الذكور الأجمل على نحو مضاعف، فهكذا على مدار القرون انقرضت الطواويس الأقل جمالا ولم يبق إلا سلالة الطاووس الأكثر جمالا. ولعل هذا صحيح، لكنه في الحقيقة لا يحل أبدا المعضلة: لماذا كانت الإناث تفضل الذكور الأكثر جمالا؟


peacock-baby.jpg


ثالثــــا
إن العلم نفسه ـ رغم كل ادعاءات النزاهة والموضوعية والحياد ـ لا يمكن اعتباره بالجملة مطلق النزاهة والموضوعية والحياد، لأنه في النهاية يخضع لترتيبات القوى العالمية التي تنفق على المعامل وتوجه البحوث وتعتمد ميزانيات الجامعات والمراكز البحثية وتمولها. الأدلة على ذلك أكثر من أن تـُحصى، ولكن يكفي من التاريخ مثال "توماس إديسون" مخترع المصباح الكهربي. كلنا يعرف إديسون، ولكن هل كلنا يعرف أنه في نفس هذا الوقت عاش أكبر علماء الأرض على الإطلاق، أذكى عقول الجنس البشري في كل تاريخه، الأعظم من إديسون ومن ميكلسون وحتى من آينشتين نفسه، ألا وهو العبقري الفذ "نيكولا تيسلا Nicola Tesla"؟ لماذا إذن دخل إديسون التاريخ من أوسع أبوابه بينما سقط تماما اسم تيسلا وتم حظر تجاربه وإخفاؤها، خاصة في مجال الكهرباء، نفس المجال الذي تفوق فيه إديسون؟ ببساطة لأن تيسلا وصل للطاقة العظمى واستمد الكهرباء من أيونات الغلاف الجوي نفسه، في طاقة نظيفة مجانية لكل فرد على الأرض، تغنيه عن كل أنواع الطاقة الأخرى وتطوي صفحة البترول كلية من تاريخ العالم حتى قبل أن تبدأ. بل استطاع تيسلا بمخترعاته ونظرياته الفائقة الإبداع أن يتحكم في المناخ نفسه، وهو تحديدا ما يفعله اليوم مشروع HARP السري في الولايات المتحدة!



220px-N.Tesla.JPG
نيكولا تيسلا (1856 – 1943)


الآن هل تعرف عزيزي القارئ ـ فقط على سبيل المثال ـ أن محرك السيارة يمكن أن يدور بالماء فقط ودون حاجة إلى أي وقود؟ هل تعرف أن شركات الدواء "تخترع" الأمراض وتوجه الأطباء لتصنيفها مرجعيا ثم تقدم بعد ذلك لها الدواء؟ هل سمعت عن نظرية دكتور "كارل بريبرام Karl Pribram" حول "المخ" البشري وكيفية عمله؟ عن بحوث دكتور "دين رادين Dean Radin" حول "الوعي" والاتصال العقلي بين البشر؟ عن بحوث دكتور "بروس ليبتون Bruce Lipton" في مجال البيولوجي وكيف يمكن تغيير الجينات نفسها عقليا؟ عن مئات التجارب العلمية التي جمعتها "لين ماكتجارت Lynne McTaggart" في كتبها، ومع ذلك لا يظهر أيا منها في صحافتك القومية، فقط لأن "بعضهم" لا يريد لهذه المكتشفات والنتائج أن تنتشر الآن على السطح، خاصة في بلاد الواق واق التي تنشغل معاملها حاليا بدراسة بول البعير وعسل النحل وحبة البركة؟


الأمثلة كثيرة، أكثر من أن تحصى، ولا يتقصنا سوى البحث قليلا في الأعماق لاكتشاف هذه الحقيقة المروّعة، أن العلم نفسه ـ رغم كل ادعاءات النزاهة والحياد ـ ما زال محكوما بقوى المال والسياسة وما زال على الأقل "موجّها" بحيث يخدم مصالح وبرامج خاصة لا تعرف الجموع عنها أي شيء أو حتى تعرف بوجودها. إن حكاية إديسون وتيسلا مجرد مثال لما حدث وما زال يحدث كل يوم في الطب، وفي الصيدلة، وفي البيولوجي، وفي الفيزياء، وتقريبا في كل مناحي "العلم" الحديث!



jesus-christ-2.jpg


والخلاصة...
لا يتعارض أبدا الإيمان المسيحي ولا ترفض أبدا الكنيسة الرسولية الجامعة أية "حقيقة" تأخذ عن استحقاق هذه الصفة وتنتقل من رتبة "الفرض" و"النظرية" إلى رتبة "القانون" و"الحقيقة العلمية". بل نزعم ـ بكل افتخار ـ أن أحدث ما وصل إليه العلم اليوم يتسق تماما، وعلى نحو دقيق باهر، مع كافة تعاليم السيد المسيح والكتاب المقدس، الأمر الذي لأجله فإن باحثة مثل "ماكتجارت" أخذت عن جدارة لقب "الجسر بين العلم والروحيات"، ذلك بعد نشر مجموعاتها العلمية المختلفة على مدار أكثر من 20 عاما، والتي كتبتها جميعا من داخل المعامل، لا على أبواب الهياكل.



* * *

"السماء والأرض تزولان، ولكن كلامي لا يزول"
متى 35:24

* * *
 

ابن الكلمة

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
28 أغسطس 2008
المشاركات
194
مستوى التفاعل
51
النقاط
28
"الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية"
الأخ العزيز خادم البتول،

أولاً: أنا لا أتفق معك فى الآتى:
1- الاستهانة بالنظرية العلمية، فهناك فرق يا عزيزى بين النظرية والفرضية، التطور نظرية وليست فرضية.
2- اعتبار التطور نظرية هشة، رغم أن التطور له من الأدلة العلمية الكثير والكثير.

ثانياً: أنا مؤمن بالتطور ومؤمن بالمسيح فى ذات الوقت، ولا أجد تعارضاً بين النص التوراتى والنص العلمى.

ثالثاً: أما بخصوص
Starchild فقد قال روبرت كارتر (وهو مسيحى) ان العديد من التساؤلات تثار حول تلك الأحفورة، وستجد يا عزيزى غير المؤمنين يقولون أن الأحفورة ليست إنسانية، اقرأ
http://www.starchildproject.com/dna2012.htm
 

خادم البتول

عضو نشيط
عضو نشيط
إنضم
13 أبريل 2012
المشاركات
1,066
مستوى التفاعل
1,036
النقاط
113
الإقامة
عابـــر سبيــــل

بالعكس
أخي الحبيب: أنا أعشق اختلاف الرأي لأنه يقود للحوار ومن ثم التعلم والتطور والنمو. إذا كنا جميعا نتفق تماما على رأي واحد ـ خاصة في هذه الأمور الخلافية ـ فهذا معناه أن هناك قطعا شيء خاطئ. كان أوسكار وايلد يقول: عندما يتفق معي الجميع، أعرف أنني حتما على خطأ. :)



أولاً: أنا لا أتفق معك فى الآتى:
1- الاستهانة بالنظرية العلمية، فهناك فرق يا عزيزى بين النظرية والفرضية، التطور نظرية وليست فرضية.


أبدا، لا أستهين أبدا بالنظرية العلمية، كما أنني بالتأكيد أدرك الفرق بين "النظرية" و"الفرضية"، وبين "الفرضية" فقط و"الفرضية العلمية". المسألة ببساطة أن "النظرية" ليست "الحقيقة"، ثم بعد ذلك ـ لو أننا تأملنا الأمر قليلا ـ الحقيقة نفسها ليست حقيقة، وإنما كل حقيقة هي تمثيل للحقيقة... غير أن هذا بالطبع أمر يخرج عن نطاق هذه الرسالة.



2- اعتبار التطور نظرية هشة، رغم أن التطور له من الأدلة العلمية الكثير والكثير.

نعم، من هنا يحدث الخلط. هناك دائما في حديثنا جميعا بعض الخلط بين قانون التطور ومبدأ التطور من ناحية، ونظرية التطور من ناحية أخرى. التطور في الحقيقة "علم" كامل، بمباحثه وفروعه وعلمائه ومعامله وبراهينه ومصادره، ولا ينكر التطور في تقديري إلا جاهل أحمق. بل إن الانتخاب الطبيعي نفسه عليه من الأدلة والبراهين ما لا يمكن إنكاره، كما أن التأثير البيئي والوظيفي في عملية التطور ثابت بالتجربة والملاحظة وعبر مئات السنين.

الآن هذا التطور يشمله نموذج مُـفـسّـر، نموذج شارح، وهذا النموذج ـ إذا تحققت فيه بعض شروط محددة ـ يصير نظرية علمية. وفق هذا نشأت نظريات عديدة، قبل داروين، حتى استقرت النظرية العامة لدى اثنين، أحدهما داروين والثاني لامارك. سقطت بعد قليل نظرية لامارك، لعدم وجود الأدلة التي تدعمها، ولظهور أدلة تتعارض معها. أما نظرية داروين فبالعكس: عاشت لأن الأدلة دعمتها.

غير أن هذه النظرية أيضا ـ وهو السبب الذي لأجله وصفتها بالضعف والهشاشة ـ فيها بعض المشكلات الجوهرية: أولا لا تشمل هذه النظرية جميع الحفريات حصريا، ومن ثم فالنسق الخاص بها ـ رغم سلامته الحالية ـ يبقى عرضة للتغير، أو على الأقل لبناء نسق جديد مختلف. ثانيا أن هذه الحفريات نفسها التي أقامت شجرة التطور لا نستطيع أبدا تحديد أعمارها بدقة، ولا يوجد اتفاق بين العلماء على ذلك حتى الآن، فمن ثم يجوز أن تكون جمجمة السلف هي بالعكس جمجمة الخلف، والعكس صحيح، وهو ليس تغييرا بسيطا، بل يؤدي لتغييرات أخرى عديدة في هذا الفرع الذي قد يحدث فيه الاستبدال. ثالثا وهو الأهم: أن نظرية داروين ـ من ناحية التأسيس الفلسفي ـ تقوم على فكرة أن التطور بالجملة عشوائي اعتباطي، يخضع فقط لآليات بيئية ووظيفية، فلا يوجد خلف التطور أي ذكاء من أي نوع، لا يوجد تصميم، لا توجد علة أولى، لا يوجد إله.

هذا تحديدا هو جوهر ما نختلف فيه مع داروين وسائر مَن جاؤوا بعده حتى داوكنز. وهنا لا يجب الفصل أبدا بين التأسيس الفلسفي للنظرية وبين نتائجها. بعبارة أخرى: الادعاء أن "معتقدات" داروين الشخصية لا تؤثر على النتائج العلمية والمعملية ادعاء باطل. لماذا؟ لأن قراءة هذه النتائج نفسها وتفسيرها يتأثر بهذا المعتقد. يصف التطوريون على سبيل المثال عصب الرقبة في الزرافة ـ وبالجملة كل ما لا يتسق مع نماذجهم ـ على أنه "خطأ" و"غباء" في التصميم. هذا الوصف ذاته ـ كما هو واضح ـ وصف "قيمي" و"أخلاقي" و"جمالي"، أي أنه وصف غير علمي بالمعنى الدقيق للكلمة. رغم ذلك فهم جميعا يستخدمون هذا الوصف بكل بساطة سيان في قنوات الميديا أو في قاعات المحاضرات. لماذا يفعلون ذلك؟ لأن هذا بالأساس معتقدهم: أن "التصميم الذكي" أكذوبة. أن الله غير موجود. وليست المشكلة بالطبع هنا أنهم "يقولون" هذا، المشكلة أنهم هكذا "يفكرون". المشكلة أنهم هكذا "يقيّمون" نتائج البحث "العلمي"، ومن ثم هكذا يطورونه تباعا في الاتجاه الذي يتسق مع تقييمهم، أي مع معتقداتهم!

أصبح من ثم العلم ذاته "أيديولوجيا"، فقط "متنكرة"، لا فرق على الإطلاق بينها وبين أيديولوجيا الكنيسة أو المسجد أو أية عقيدة يرفضونها، تلك الأيديولوجيات التي يهاجمونها فقط لأنها أيديولوجيا. بل أصبح "الإلحاد" نفسه "دينا" جديدا، يقدم نسقا "دينيا" بالمعنى الكامل، الرب فيه هو "العلم" والنبي هو "داروين" والمبشر والكاروز هو "داوكنز"، وفيه أيضا الحقائق "مطلقة" لا تقبل الشك أو المراجعة، ذلك رغم كل الادعاءات الكاذبة بالحياد والعلمية والموضوعية، بالفكاك من أسر "العقيدة"، وبأن هذا الإلحاد هو طريق "الأحرار" الوحيد نحو "الحقيقة"! المشكلة أن كثيرا من "الصغار" ـ الذين لم يفهموا ابتداء ما هو الإيمان حقا ومَن هو الله حقا ـ تخدعهم قامة العلم الفارهة وألفاظه الأنيقة فيصدقون ختاما كل هذا الهـــراء!


ثانياً: أنا مؤمن بالتطور ومؤمن بالمسيح فى ذات الوقت، ولا أجد تعارضاً بين النص التوراتى والنص العلمى.


نعم، أنا أيضا أومن بالتطور أخي الحبيب :). أعتقد أن ذلك واضح على الأقل في هذه الرسالة. أما قصة الجمجمة الفضائية فدعها الآن جانبا لأن هذا أمر شرحه يطول، وقد أطلت بالفعل كثيرا، وأعتذر لذلك. في عجالة: أنا أيضا أميل لأنها جمجمة فضائية، وهو ما جئت لأجله بصورة الجمجمة الثانية، فقط للإشارة ـ دون تصريح ـ أننا لا نعرف يقينا أين الحد الفاصل بين الجمجمة الفضائية والجمجمة البشرية. هل الجمجمة الثانية هنا بشرية أم فضائية، أم هجين؟ غياب هذا الحد الفاصل بوضوح هو نفسه في الحقيقة مما يهدد الشجرة الداروينية كلها.


ختاما أشكرك على هذه المداخلة الجميلة، وأرجو ألا تتردد أبدا في المراجعة والنقد من جديد إذا كان هناك لم يزل ما تعترض عليه. تحياتي ومحبتي. :16_4_10:


 
إنضم
21 مارس 2008
المشاركات
7,800
مستوى التفاعل
770
النقاط
113
الإقامة
عائدٌ من القبر
خلق الإنسان بين نظرية التطوّر والكتاب المقدس


أولا: مفاهيم أساسية:

الكتاب المقدس هو كتاب دين، أي أن الهدف منه ليس هدفاً علمياً ولا فلسفياً ولا تاريخياً. لذلك فهو لا يحاول أن يشبع فضولنا في شرح الحقائق العلمية وفي كشف الأسرار المخفية. والمقصود بأنه كتاب دين هو أنه كُتب لكي يحدّثنا عن العلاقة بين الإنسان والله، وبين الإنسان وأخيه الإنسان، وبين الإنسان والكون…، وعن مصير الإنسان النهائي، فهدفه هو "لماذا" خُلقت الأشياء والإنسان والكون. أمّا العِلم فهو يبحث عن "كيف" خُلقت وكيف تكوّنت الأشياء والإنسان والكون، ومن ثَمَّ فلكل منهما مجاله الخاص فالعلم لا يستطيع أن يدعي وجود أو عدم وجود الله، لأن الله خارج مجاله، وكذلك الدين لا يستطيع أن يدعي بأننا لسنا في حاجة إلى العلم، لأن الإنسان في حاجة دائمة إلى معرفة: لماذا؟ وكيف؟، وإلا أضحت معرفته عرجاء ناقصة.

3. إن التفسير الحرفي للكتاب المقدس يتنافى مع روح الكتاب المقدس، ويحرمنا من الفهم العميق له، والكتاب ذاته يقول: "الذي جعلنا كفاة لأن نكون خدّام عهد جديد لا الحرف بل الروح، لان الحرف يقتل ولكن الروح يحيي" (2كو3 :6). ولم يكن المسيح قاسياً ومُعَنْفاً بقدر ما كان مع الكتبة والفريسين الذين فسروا الكتاب تفسيراً حرفياً، فبدلاً من أن يعلنوا الرحمة والحق أعلنوا العقاب والدينونة… ونحن، أبناء كنيسة الإسكندرية، يجب ألاَّ ننسى أن كنيسة الإسكندرية هي تلك الكنيسة الَّتي تميزت بالتفسير الرمزي للكتاب المقدس (حتى ولو تغير ذلك الآن)، وكان في ذلك سر تفوقها المدهش في الكتاب المقدس.

4. قصة الخلق الَّتي نحن بصددها، هي قصة أراد الكاتب المقدس أن يؤكد من خلالها ما لا يمكن لإنسان أن يصل إليها بنفسه، أي ما لم يعضده ويرشده روح الله (الوحي والإلهام)، هذه الحقائق هي:

× إن الله هو الخالق، وذلك إعلان جديدة كلّ الجدّة، لم يكتشفه أحد قبل الديانة اليهوديّة.

× إن كلّ المخلوقات خرجت من الله وخُلقت به وخُلقت له.

× إن الإنسان هو قمة المخلوقات وسيدها، لأنه مميز عن سائر المخلوقات بالعقل والحرية.

× إن الإنسان مخلوق على صورة الله ومثاله أي أن به شيئاً وطوقا وشوقا نحو ما هو الهي، وبعبارة أخرى أن راحة الإنسان العظمى (الفردوس) يكمن في قربه من مصدره، وفي علاقته بالله، "خلقتنا يا الله وقلوبنا قلقة ولن تستريح إلَّا فيكَ".

× إن الشر دخيل على الطبيعة الإنسانية، وهو نتيجة للحرية الَّتي وهبها الله للإنسان، والتي أساء الإنسان استخدامها.

× إن الإنسان لا يستطيع أن يحيا وحيداً، فالرجل والمرأة متساويين لا يستطيع أحدهما الاستغناء عن الآخر.

× إن الخطيئة هي انفصال بين الإنسان وأخيه الإنسان، وبينه وبين الطبيعة، وبينه وبين خالقه، أي أن الخطيئة هي الانشقاق الأعظم والشقاء الأعظم.

وخلاصة القول أن الكاتب المقدس صاغ كلّ هذه الحقائق في شكل وأسلوب أدبي يُطلق عليه أسلوب القصة، تماما كأسلوب المسيح عندما كان يريد أن يوصل حقائق معينة فيستعين بالأمثال (مثل الكرامين القتلة، الزارع…)، وما يؤكد ذلك هو:

× إن لا أحد عاصر أحداث الخلق ليكتب عنها.

× إن هناك قصتين للخلق الأول في الإصحاح الأول (الله يخلق بالكلمة، كن فيكون)
والثانية في الثاني (الله يخلق بذاته، أي يتدخل بيديه وفمه…).

ثانياً: نظرية التطوّر كما يقدمها العلم الحديث:

إن العلم الحديث يؤكد أن "كلّ الكون" قد مرَّ بمراحل تطور، بدأت هذه المراحل منذ قرابة 15 مليار سنة، وكانت كالآتي:

قبل 15 مليار سنة كان الكون عبارة عن ذرات خفيّة من الهيدروجين والهليوم. أخذت هذه الذرات في التعقد إلى أن برزت ذرات أثقل من الأولى[1][1]، ثم تجمعت هذه الذرات الأثقل لتكوّن الجزيئات، وكان السير من الذرات الأثقل إلى الجزيئات هو سير نحو التعقد والتكثيف. وكما جمعت الذرة حولها الإلكترونيات جمعت الجزئية حولها الذرات، لتشملها في بنية جديدة.

ثم منذ 3 مليارات سنة بدأت تظهر بُنيات تفوق الجزيئات من حيث الكثافة، سميت بالجزيئات الكبرى Mocromolécules ، هذه الجزئيات الكبرى جمعت حولها الجزيئات الصغرى والذرات بصورة أكثر تعقيداً وكثافة ونظاماً. وكان ظهور الجزيئات الكبرى هو تمهيد للقفزة الكبرى الَّتي تمت منذ 2 مليار سنة وهي بروز الخلية الحية الأولى. والخلية الحيّة هي طفرة نوعيّة وليس كميّة، لأنها شيء معقد غاية التعقيد، فرغم حجمه الَّذي لا يري بالعين المجردة، تجمع داخلها تركيب متناسق من الذرات والجزيئات والبروتيدات والشحميات والسكريات والبروتينيات في وحدة متماسكة، وبعبارة أخرى الخلية عالم صغير من حيث الحجم هائل من حيث التعقيد ===◄ قفزة نوعيّة أو طفرة: من المادة إلى الحياة.

وأخذت الخلية الواحدة تتعقد وترتقي عبر زمان طويل إلى أن ظهرت كائنات أخرى متعددة الخلايا، وكما كانت الخليّة الواحدة تجمع عناصرها المختلفة والمتعددة في بنية واحدة منظمة ومركزة؛ هكذا جمعت الكائنات متعددة الخلايا خلاياها في وحدة منسجمة تعمل فيها كلّ العناصر لصالح بعضها البعض، ولصالح الكل.

وقد ازداد التعقيد عندما أخذت الخلايا في الكائن الواحد تتخصص فئات موحدة، لكل فئة وظيفة خاصة به. فتكوّنت الأجهزة (كالجهاز الدموي، والهضمي، والتنفسي…) وبقيت هذه الأجهزة رغم اختلافها وتميزها مرتبطة ارتباطاً متيناً أحدها بالأخر، عاملة معاً بانسجام بديع لصالح الكل.

ورويداً رويداً، بدأ يظهر الجهاز الَّذي يعمل على ربط كلّ هذه الأجهزة ببعضها البعض من ناحية، وبالعالم الخارجي من ناحية أخرى، فبرز الجهاز العصبي. وقد صار هذا الجهاز بدوره في مسيرة التعقيد والتكثيف والتركيز إلى أن بدأت تتكون وتنمو "الدماغ" (مركز الجهاز العصبي)، ومع تكوين الدماغ تزايد الارتباط بين الخلايا المختلفة في الجسد الواحد وبين كلّ الجسد والعالم الخارجي. ونتج عن نمو الجهاز العصبي استقلال متزايد، ووعي متزايد، وسيطرة متزايدة سواء في الجسد الواحد، أو بين الجسد والعالم الخارجي.

ومع تزايد الاستقلال والوعي والسيطرة بدأت تظهر الكائنات الحيوانية، الَّتي هي الأخرى مرت بمراحل تعقد وتكثيف إلى أن وصلت للإنسان قمة الخليقة وتاجها. وهو قمة الخليقة وتاجها لأنه الكائن الَّذي استطاع أن يعي الخليقة ويعرف ويميز بين كونه جزءً منها وبين كونه يتعداها، بين كونه خاضع للظروف وبين كونه متحكم فيها…

وخلاصة القول أن الكون كله مرّ بمراحل تطوّر بداية من الذرات الخفية للهيدروجين والهليوم، مروراً بالذرة ثم بالجزيء، ثم الجزيئات الكبرى، ثم الخلية الواحد، ثم الخلايا المتعددة ثم الجهاز العصبي، ثم الجهاز العصبي المعقد، ثم الحيوان، وأخيرا الإنسان (الَّذي هو أيضاً بدوره مرّ بمراحل تتطور). والسؤال الَّذي يطرح نفسه الآن: أين الله من كلّ ذلك؟ وكيف نفهم ما جاء في الكتاب المقدس على ضوء هذه النظرية العلمية؟…


ثالثاً: مقتضيات أو أسباب التطوّر

أمام تلك اللوحة الرائعة لتطوّر الكون ـ كما يُمكننا أن نتصوّره الآن على ضوء معطيات العلم الحديث، والتي قد تكشف لنا في المستقبل أشياء أخرى للآن لم نعرفها ـ ننتقل الآن من الوصف إلى التساؤل: ما هي أسباب ومقتضيات هذا التطور؟ أو كيف تمّ هذا التطوّر؟ فالعلم يصف لنا من خلال هذه النظرية خطاً تصاعدياً، ويظهر كيف أن المادة سلكت هذا الخط، ولكن العلم يقف عند حدود الوصف لهذا الارتقاء، ولا يبدي، ولا يستطيع أن يبدي، لماذا انتظمت هذه الحلقات في خط تصاعدي. وبعبارة أخرى: يعرض العلم كيفية التطور، تاركاً باب "أل لماذا" مفتوحاً على ذراعيه. والحقيقة أن هناك عدة نظريات حاولت الإجابة على التساؤل: لماذا الخط التصاعدي للتطوّر؟، نذكر منها:

1- نظرية الصدفة:

يدعي أصحاب هذه النظرية أن هذا التصاعد تمّ عن طريق الصدفة، بمعنى أن الصدفة هي الَّتي جمعت الذرات بالجزيئات، والجزيئات بغيرها… إلى أن ظهرت الخلية ثم الإنسان. إلَّا أن العلم ذاته أكد على استحالة هذه النظرية، لأن تحليل الكائنات ذات الخلية الواحد أوضح أن تلك الكائنات هي معقدة تعقيداً شديداً بحيث يستحيل أن يكون تجمعها تمّ عن طريق الصدفة البحتة.

فإذا كان ظهور خلية واحدة بداعي الصدفة أمراً مستحيلاً علمياً، فكيف نفسر ظهور مليارات من الخلايا؟ وكيف نفسر، بمجرد فعل الصدفة، تدرج الحياة المتواصل نحو أشكال أرقى وأرقي؟ وكيف ننسب لهذه الصدفة هذا الاستمرار والترتيب والدقة المتناهية، فقانون الصدفة هو عدم القانون، ونظامها هو عدم النظام؟!

وأخيراً، يتضح جلياً أن من ينادي بنظرية الصدفة لا يستطيع أن يبررها. لأنه كمنْ يدعي بأن الصدفة أوجدت أوّلاً أحرفاً، ثم بمجرد الصدفة اصطفت هذه الأحرف فكوّنت كلمة، وبمجرد الصدفة انجذبت هذه الكلمة لكلمة أخرى فكوّنت عبارة، وبمحض الصدفة تجمعت العبارات فكوّنت صفحات واصطفت الصفحات فكوّنت كتاباً، أو بحثاً علميّاً أو قصيدة شعرية… ولكن كمْ أن الإنسان أكثر تعقيداً وتناغماً من أي بحث علمي أو قصيدة أو كتاب؟. إننا نفترض بذلك أن الصدفة تسير بموجب خطة منسقة تتنافى مع طبيعتها. فالصدفة هي تحديد أعمى، غير مرتبط أو مترابط، يهدم ما قد كوّنه، كما تفصل هبة ريح بين ورقتين اتفق أن جمعتهما على الأرض هبة ريح سابقة.

2- نظرية "الناموس الطبيعي":

إن نظرية الصدفة لم تثبت أمام المعطيات العلميّة الَّتي كشفها العلم، وكان يجب الاستعاضة عنها بنظرية أخرى، فظهرت نظرية "الناموس الطبيعي"، هذه النظرية الَّتي تدعي أن طبيعة المادة كانت تحتم عليها أن تسلك الطريق التصاعدي الَّذي سلكته. أي أن المادة ذات طبيعة "ديالكتيكية" تتجاوز ذاتها باستمرار.

وهذه النظرية مغرية بادئ الأمر لأنه تؤكد أن التطور نبع من المادة دون تدخل خارجي مما يؤكد نظرية التطوّر. إلَّا أن السؤال ما زال مطروحاً: التطوّر يتمّ بفعل النواميس الطبيعية، ولكن كيف لهذه النواميس أن ترتب ذاتها بطريقة تصاعدية، أي كيف تعطي ذاتها النمط التصاعدي الَّذي نراه في التطوّر؟ وما هو سر ترتيبها تصاعدياً؟ وما الَّذي يفسر عقلانية مسيرتها نحو أشكال أرقى فأرقى؟ تلك العقلانية الَّتي تفترض فكراً!!! فما هو هذا الفكر؟ وهل هو فكر المادة؟ وهل نظمت المادة ذاتها لتسير عبر مليارات من السنين في خط تطوّري تصاعدي؟ ولكن أن تنظم المادة ذاتها "الناموس الذاتي"، يعني أن لها ذات، أي فكر، وفي ذلك تناقض مع طبيعة المادة كجماد، لا فكر له.

فلكي تنظم المادة ذاتها بهذا الشكل المذهل نكون قد نسبنا إليها فكراً يعلو على الفكر البشري، لأننا حتى الآن بكل ما نملك من تقدم لا تستطيع عمل خلية واحدة. وبعبارة أخرى نكون قد نسبنا إليها فكراً إلهياً. ومادة مؤلهة كهذه ليست هي المادة الَّتي يعرفها العلم ويسخرها لخدمة الإنسان… تأليه المادة هو نكوص إلى الفكر الوثني، ذلك الفكر الَّذي أله الكون والمخلوقات… لقد بدد الإعلان اليهودي والمسيحي هذه الأوهام، فمهد بذلك الطريق إلى العلم إذ فتح أمامه مجال الدراسة الموضوعية للكائنات المادية والسيطرة عليها بعد أن جردها من صفاتها الخارقة والإلهية الَّتي تنسبها إليها نظرية "الناموس الطبيعي"…

وخلاصة القول: إن ننسب للمادة مقدرة تنظيمية هائلة، مقدرة تجعلها تنطلق من الجماد (أي اللاحياة) إلى الخلية (أي الحياة)، من تلقاء ذاتها، هو تقهقر يضرب عرض الحائط بالعلم وبمكاسب الإعلان اليهودي والمسيحي… وهو عودة إلى الوثنية الَّتي وصفها أرميا بقوله: "يقولون للخشب أنت أبي وللحجر أنت ولدتني" (2/27). أما المؤمن فإنه لا ينسب للمادة فكراً منظماً، بل ينسبه إلى خالق تلك المادة، إلى الكائن الَّذي هو متعال كلية عن المادة، إلى الكائن الَّذي يمكنه وحده أن يرسم لتلك المادة الغاشمة ذلك الخط التصاعدي. هذا هو الإيمان، والذي بحسب مقتضيات العلم أكثر قبولاً من نظرية الصدفة أو الناموس الذاتي، لأن العلم ذاته يؤكد أن هناك فكراً يفوق المادة، هو الَّذي نظم المادة وقادها عبر ذلك الخط التصاعدي. إلَّا أن العلم لا يستطيع أن يقول أن هذا الفكر هو الله؛ لأن ذلك خارج عن مجاله وعن نطاقه…



رابعاً: نظرية التطور بين العلم والإيمان:

حين نقارن بين نظرية التطور وقصة الخلق، يساورنا الشك والتساؤل حول أهمية وجود إله خالق، مادامت الأحداث تتم بطريقة تلقائية، ذاتية، دون تدخل خارجي!!! لدرجة أن نظرية التطوّر هدمت وزلزلت إيمان كثيرين وقادتهم إلى إنكار وجود الله، غير أن التبصر والتعمق في هذه النظرية يقودنا إلى فهم أعمق لسر الله، ولسر الخلق. وقد جاء الوقت الَّذي يجب فيه أن نتطهر من مفاهيمنا الطفولية المشوهة عن الله وعن الخلق. وقبل التعرض لما توضحه نظرية التطور من عمق إيماني يجب أوّلاً التركيز على الآتي:

× لا يستطيع العلم أن ينفي أو يثبت وجود الله. فموضوع الله لا يدخل أبداً، ولا يمكن أن يدخل، في اختصاص العلم، لأنه موضوع يفوق العلم.

× لا يجوز أن نتوقع أن الله تدخل تدخلاً حسيّاً في عملية الخلق، بمعنى أن تصور الله كعامل يأخذ الطين ويعجنه… لأن ذلك إسقاط بشري على الله. فالله هو ما لا يمكن لعقلنا أن يتصوره، وهو ليس بإنسان أي ليس له يدين وفم… لأنه روح، وعملية الخلق هي إعجاز لأنها تبدأ من الجماد لتصل إلى الروح، ومن ثَمَّ هي عمليّة روحية.

× وصف الكتاب المقدس لعملية الخلق هو وصف مجازي وليس حرفي، لأن الله لم يراه أحد قط، ولا يستطيع أحد أن يراه ويعيش…



1- معنى كلمة "خلق":

إن نظرية التطور تؤكد أن التطور تم عن طريق الكائنات ذاتها، ولم يأتي عن طريق شيء خارج عنها. بمعنى آخر، الخلق هو خلق ذاتي. وذلك لا يتنافى مع إيماننا بأن الله أراد أن يشرك المخلوقات في عملية الخلق، بمعنى أنه كان هو السبب الأول والمخلوقات هي السبب الثاني[1][2]. والآن سنتناول معنى كلمة خلق، انطلاقا من الكتاب المقدس:

أ ) الخلق هو إيجاد من العدم.

وهذا ما يميز الخلق عن الصنع، فكلمة خلق تعني أخرج من اللاوجود وجود، ومن العدم شيئاً (وكلمة عدم لا تعني أن هناك مادة اسمه "عدم" بل تعني اللاشيء واللاوجود).

ب) الخلق هو فعل حب:

الله لم يوجد شيئاً إلَّا لأنه أراده ("أنا صنعت الأرض وخلقت الإنسان عليها يداي أنا نشرتا السماوات وكل جندها لأني أنا أمرت" إش 45 : 12، فلا شيء موجود إلَّا لأنه أراده: "فان لك الأفعال الأولى وأنت قدرت بعضها في عقب بعض وما أردته كان" يهو9 : 4) ولأنه أراده يعني أنه أحبه. أنا موجود تعني أنا محبوب. فالخلق هو، بالنسبة لله، هو فعل حب. وبعبارة أخر، كلّ شيء مخلوق، هو شيء مرغوب، الله يرغب في هذا الشيء لأنه يحبه. فلا يمكن تفسير وجودنا إلَّا عن طريق ذلك الحب الإلهي.

× مزمور104"ما اعظم أعمالك يا رب كلها بحكمة صنعت ملآنة الأرض من غناك هذا البحر الكبير الواسع الأطراف هناك دبابات بلا عدد صغار حيوان مع كبار هناك تجري السفن لوياثان هذا خلقته ليلعب فيه كلها إياك تترجى لترزقها قوتها في حينه تعطيها فتلتقط تفتح يدك فتشبع خيرا تحجب وجهك فترتاع تنزع أرواحها فتموت وإلى ترابها تعود ترسل روحك فتخلق وتجدد وجه العرض".

ج) الخلق هو فعل مستمر:

لا يعني الخلق إخراج شيئاً من العدم إلى الوجود فقط، بل يعني الاستمرار في هذا الإخراج. فالخلق لم يكن فعلاً قام به الله منذ ملايين السنين وانتهى، بل هو فعل مستمر له بداية وليس له نهاية، فأنا موجود الآن لأن الله لا زال يريدني ولا زال يخلقني، وبعبارة أدق لا زال يحبني، فالحب والخلق وجهان لعملة واحدة.



خامساً: دور الله في عملية الخلق، أو نظرية التطوّر:

هناك قاعدة أساسية تؤكد أنه ليس هناك شيء إلَّا وهناك من أوجده، (مثل اللوحة… مثل المصنع الَّذي يعمل الآن وحده، ولكننا نستنتج أن لم يكن كذلك قديماً…).

قد يظهر من عملية الخلق أو التطور أن الله غائب وغير موجود، وأن الأحداث تمشي بطريقة آلية… وهنا تظهر عظمة الخالق الإلهي، الَّذي أراد أن يبدع هذا الخلق البديع، دون أن يظهر… فالله هو كالمهندس الَّذي صمم المصنع الآلي، قد لا يظهر لمن لا يعرفه، إلَّا أن المصنع يعمل بحسب الخطة الَّتي وضعها هو له… وهو كالمخرج القدير الَّذي أخرج فلماً رائعاً، نحن نشاهده ولا نرى أحد ينفذه. والمتفرج الجاهل هو ذاك الَّذي لا يرى أهمية للمخرج مادام لا يظهر خلال أحداث الفيلم ظهوراً ملموساً.


موقف الكنيسة من موضوع نظرية التطور والمصمم العاقل

باختصار وصريح العبارة ان الكنيسة الكاثوليكية لا تعترف بالصيغة التي تفسر وجود الحياة والنظام والوعي ودرجة التطور الذي وصلها الإنسان عن طريق الصدفة، لا باس بان بعض آباء اللاهوتيين يقبلون بجزء من نظرية التطور ولكنهم في نفس الوقت يؤمنون بان كل شيء حدث في هذه الكون بإرادة الله وحسب تخطيطه. حتى وان كانت الحياة قد تطورت من خلية الواحدة. لا باس في صيغة المصمم العاقل بأنها تشير إلى وجود قوة خارج هذا العالم (الزمن والفضاء).

آراء البابا بندكتوس السادس عشر في نظرية التطور

يبدأ البابا بندكتوس محاضرته في جامعة السوربون عام 1999 وأجزاء منها موجودة في كتابه ( Truth and Tolerance) بتاريخ المعرفة الإنسانية ودور مفكري الكنيسة في عملية الفصل بين الفكر الروحي والميتافيزيقي والفكر المبني على علوم الطبيعية).

ينتقد بشدة أصحاب الرأي المبني على علوم الطبيعة والذين اتخذوا من فكرة نظرية التطور كأساس لزعمهم عن كشف كل الحقيقة وكأنها نتائج مسلمة لا تقبل الجدال، دون إعطاء مجال أمام آراء بقية علوم أو الدخول في مناقشة أفكارهم وآرائهم.

من الأفضل أن تبقى الفكرة المسيحية عن الله غير علمية، يقول البابا لم يعد هناك اعتراف بوجود الله كما هو موجود في المسيحية.

لا يمكن أن نتجاهل موضوع الجدال بين المعسكرين المعارضين والمؤيدين لهذه النظرية، و لا يمكن أن نسلم بنظرية التطور كمبدأ فلسفي أو فكري كأساس لتفسير وجود الحياة. ولا يمكن إهمال فكرة The positive Method التي هي الأكثر قبولا والتي هي وحدها تشير إلى نظام المعرفة والعقلانية إذن النقاش هنا يجب أن يجري بالموضوعية والأرادة الحسنة للبحث عن الحقيقة.

لا يمكن لأحد أن يتغاضى عن الشك في صحة نظرية التطور، ويسأل عن براهين علمية عن كيفية تطور الخلايا الأولية Micro-evolutionary process إلى مظاهر الحياة في الوقت الحاضر.

كيف انتقلت أو تحولت الحياة من خلايا صغيرة حجمها 1/1000000 إلى حيوان ضخم مثل الفيل أو الإنسان ذو عقل متطور؟؟؟

وهل من المعقول أن يؤدي فعل لاعقلاني إلى إنتاج موضوع ما يحتاج إلى وجود فعل عقلاني أو فكري؟؟!!

هذا الموضوع لم يعد يقبل الجدال لانه خارج المنطق؟

وبالتالي ففكرة المسيحية عن الله صحيحة: كل شيء يعود إلى القوة الخالقة العاقلة… وحتى الفلسفة تجد نفسها محدودة الإمكانية كي تصل هذه النتيجة أحيانا … إذن لم تعد العلوم الطبيعية وحدها من يحدد النتيجة لأنه لا يمكن للفكر ان يقدم اللاعقلانية على العقلانية …

ان فكر العقلاني ليس تماما كفكر الذي يجري في عمليات الرياضيات قثط وانما حب خالق و عطف علينا وقبوله الالام من اجلنا هو الأمر الذي يجب نبحثه. إن الفكر الديني للكون، الذي يبجل ويستنير قوة الخالق وموضوع وجوده وموضوع سر الفداء يندمجون معا ليصبح موضوع واحد. فلا يحتاج إلا لبرهان واحد.

أي نظرية أو اي فكر يعجز عن توضيح معنى وجود الاخلاق في المجتمع الإنساني يكون باطل . في الحقيقة ان نظرية التطور عاجزة لحد الان عن ايجاد معنى لوجود الاخلاق والضمير والعاطفة لدى الإنسان…

الخلاصة

وبهذا الشرح يتضح لنا أن نظرية التطور ليست هدماً للإيمان الحقيقي، بل هدماً لتصورات خاطئة عن الله وعن الخلق. ليست برهاناً ضد التسامي الإلهي، بل تأكيداً لذلك التسامي، تأكيداً على كون الله هو ذاك المتعالي كلياً والموجود جذرياً، ذاك المختفي تماماً والحاضر كلياً، ذاك الَّذي تعجز تصوراتنا عن وصفه لكون خارج الزمان والمكان، أي خارج حدود إدراكنا[1][3]. ولهذا يخاطب سفر الرؤيا، أخر أسفار الكتاب المقدس، الله قائلاً: "أنت مستحق أيها الرب أن تأخذ المجد و الكرامة و القدرة لأنك أنت خلقت كل الأشياء و هي بإرادتك كائنة و خلقت"(رؤ 4 : 11)

وهنا أود أن أختم بعبارتين الأولى من الكتاب المقدس والثانية لداروين:

1- إن جميع الذين لم يعرفوا الله هم حمقى من طبعهم لم يقدروا أن يعلموا الكائن من الخيرات المنظورة ولم يتأملوا المصنوعات حتى يعرفوا صانعها (حك 13 : 1)

2- "إنني كلما ازددت بحثاً في ظواهر هذا الوجود أستطيع أن أؤكد استحالة أن يكون العالم ونفوسنا، قد ظهرت عن طريق الصدفة. وبهذا أستطيع أن أؤكد حتمية وجود الله" داروين.


الأب د. يوأنس لحظي جيد








مجلة روزاليوسف : – مقال فى صفحة 88 و 89 كتبه د .الانبا يوحنا قلتة بعنوان " الفاتيكان يبرئ نظرية داروين من الكفر و الالحاد"




ملحوظة:

ولد هذا الموضوع كمحاضرة في لقاء الشباب بالمنيا سنة 2000 ثم قمتُ بتطويره معتمدا على كثير من المراجع الأجنبية والعربية ولاسيما على:

– كتاب الأب هنري بولاد اليسوعي – الإنسان والكون والتطور بين العلم والدين – دار المشرق – بيروت – طبعة أولى 2000

– محاضرة البابا بندكتست في جامعة السوربون/فرنسا
– مقالات اخرى من انترنيت خاصة من Catholic on line Website
– Philosophy 100 Essential Thinkers/ Philip Stokes
– مقالات وافلام من موقع يحي هارون العربية
– اللاهوت العقائدي /كوركيس كرمو
– أصل الانواع /تشارلس دارين



——————

[1] ومن الجدير بالذكر أن الذرة هي عالم صغير، تدور فيه الإلكترونيات حول النواة المركزية، شبيه إلى حد ما، بالنظام الشمسي الَّذي تدور فيه الكواكب حول الشمس

[2] وهذا ما يتضح في عملية الإنجاب، فخروج طفل للحياة هو خلق يقوم به الله تعالى، ولكن الله لا يريد أن يقوم به وحده فيشرك الأب والأم في هذه المعجزة… معجزة الخلق.

[3] يتضح كون الله خارج الزمان والمكان من خلال هذا المثل: حين يستقل أحدنا قطاراً من القاهرة إلى الإسكندرية، يقول "أنا الآن في محطة طنطا، في الساعة الخامسة، وقد خرجت من القاهر في الساعة الرابعة، وسوف أصل إلى الإسكندرية الساعة السابعة…"، ولكن نفس الشخص إذا ركب طائرة سوف يرى من فوق الثلاث مدن معا (المكان)، وفي وقت واحد (الزمان)… هذا بالنسبة لنا ونحن لازلنا، وهما ارتفعنا داخل حدود الزمان والمكان، فكم بالأحرى ذاك الذي لا يحده مكان ولا يحده زمان.
 
إنضم
21 مارس 2008
المشاركات
7,800
مستوى التفاعل
770
النقاط
113
الإقامة
عائدٌ من القبر
هل الكنيسة أخطأت بشأن نظرية داروين؟
1 يناير, 2013 ADMIN




بمناسبة مرور 150 عاماً على اطلاق ننظرية العالم داروين، أطلق الكرسي الرسولي مبادرة لعقد مؤتمر بين العلماء واللاهوتيون لتقوية الحوار وتقريب وجهات النظر بين ما يقوله العلم ما ناحية والدين من ناحية أخرى بشأن نظرية داروين.

ضمن هذا السياق صرح الكردينال رافاسي رئيس المجلس البابوي للثقافة قبل أيام إعلاناً مفاده بأن: "نظرية داروين لا تتعارض مع تعاليم الكنيسة الكاثوليكية ولا مع رسالة الإنجيل، وهي في الحقيقة لم تكن موضع إدانة يوماً من قبل الفاتيكان".

من هنا طرح العديد من التساؤلات وعلامات الاستفهام حول موقف الكنيسة، لذلك حاولت أن أقدم بعض التفاصيل التي يمكن أن تقدم صورة للقارىء حول جوانب النظرية ورأي الكنيسة، وما هذا إلا محاولة بسيطة للوصول إلى رؤية واضحة تقرب وجهات النظر.

في البداية أوضح بإن نظرية النشوء والارتقاء لا تتناول فقط مسألة نشوء الإنسان بقدر ما تتسع لتفسر نشأة الكون برمته، من خلال "المادة الأولى" التي تسير في خط تصاعدي ودرجات متعددة من الكثافة والتعقيد لتصل في نهاية المطاف إلى إنسان مفكر قادر على أن يطور نفسه بنفسه، بعد مراحل عديدة وسنوات لا تنتهي من وضع الأصفار.



أولاً: نظرية النشوء والارتقاء بحسب داروين

إن المبدأ الأساسي التي تقوم عليها النظرية هو "الاصطفاء الطبيعي" natural selection أي أن التطور في سلّم الكائنات الحية يتم بواسطة تبديلات تحصل من وقت إلى آخر في الميزات الوراثية، فإما أن تخدم الكائن في صراعه من أجل البقاء فيصبح في الوجود ويتكاثر وإما أن تعيقه فيزول.

أما عن ذات النظرية فتقول:

الكون في حالة مستمرة من التطور، بدأ منذ مدة تتراوح بين العشر والخمسة عشر ملياراً من السنين. كان الفضاء يتكون من أبسط أنواع الذرات وهو الهيدروجين، ومع الحرارة والتفاعلات النووية أدى إلى تعقيده وتحوله إلى هيليوم، والهيلوم إلى كربون وهكذا… إلى أن تكونت الذرات الـ92 الموجودة في الطبيعة.

"ظهور المملكة النباتية"

وبفعل انخفاض درجة حرارة الكواكب والأشعاعات الكونية، تحولت الجزيئات العادية إلى جزيئات معقدة تسمى العضوية (السكريات والأحماض الأمينية)…

تجمعت الجزيئات العضوية في مياه البحار الدافئة مكونة في النهاية "الخلية الأولى"، التي تتكيف مع البيئة وتصلح ذاتها، وتحوّل ما تستمده من الخارج إلى ذاتها.

"ظهور المملكة الحيوانية"

بعد الكائنات الحية ذات الخلية الواحدة، ظهرت كائنات تتألف من خلايا منسجمة تعمل فيها العناصر كلها لخدمة المجموع…

وقد ازداد التعقيد بشكل ملحوظ عندما أخذت مجموعات من الخلايا -ضمن الكائن الواحد- تتخصص للقيام بوظيفة معينة فتكونت الأجهزة.

وكان لابد من جهاز يربط تلك الوظائف من جهة، وبين العـالم الخارجي من جهة أخـرى، فبرز الجهاز العصبي وتطوّر تدريجياً مما أدى إلى نمو الدماغ كمركز أساسي للجهاز العصبي.

"الشمبانزي"

وبتطوّر الجهاز العصبي تطورت قدرة الكائنات الحية على التكيّف مع بيئتها، وازدادت الغرائز إتقاناً وبرز الذكاء وتزايدت حدته إلى أن بلغ أوجه في أعلى مراتب القردة أي الشمبانزي.

"قفزة الفكر وظهور الإنسان"

تلك القفزة التي تمت على مراحل (أكثر من حوالي مليون سنة)، أوجدت كائنا ذا شبكة عصبية مترابطة هائلة في التعقيد، يتميّز عن سائر الكائنات الحية بكونه كائنا ذا فكر وحرية، يعي ذاته ويعي الكون بمفرده، ويتطوره بعمله الخلاق… إلى أن بلغ ذروته في الإنسان (14 مليار من الخلايا، أربعة أضعاف خلايا الشمبانزي تقريباً)…

ملاحظات حول النظرية

1- إن نظرية داروين كما شاهدنا تحوي الكثير من الحلقات المفقودة، فهنالك قفزات كبيرة تحتاج إلى تفسير، وهذا لم يتطرق إليه داروين نفسه.

2- داروين يرى أن التطور يأتي من خلال الصدفة، فالطبيعة تتطور وتتعقد من تلقاء نفسها، وهذا مرفوض جملة وتفصيلاً من قبل العلماء نفسهم… فالصدفة تعني الفوضة، عدم التدريجية في النشأة وعدم الوحدة، في حين أن الكون والإنسان بشكل خاص يتميز بالدقة اللامتناهية في تكوينه البيولوجي. (تأمل الجهاز العصبي، الدماغ، العين وهلمّ جرا فانسجام الكون يذكرنا بأن هناك مهندس ومصمم). إضافة إذا قبلنا "مبدأ الصدفة" يعني أن الكون يسير في طريق غير معلوم.

ايجابيات النظرية

1- فكرة التطور "بشكل عام" هي شيء مقبول، فالتقدم والازدهار هو من صفات العالم (تأمل تطور الإنسان في حياته من العصر الحجري إلى عصرنا هذا)، فالتطور هو ميزة في هذا الكون.

2- التطور الحيواني مقبول، فالحيوان يحاول التكيف دائماً مع البيئة التي يعيشها. (مثال أنواع البكتريا والفيروس التي تطور نفسها دائماً).



ثانياً: الكنيسة والتطور

الكنيسة في القرن التاسع عشر بحثت في الربط بين العلم والدين، من خلال تيار دي شاردان.

اللاهوتي والفيلسوف تيار دي شاردان كان يرى أن هنالك تطوراً واضحاً هادفاً قائلاً: "هناك تطور مقصود ومحكم ومخطط في كل أنواع الحياة، بعيد عن الصدفة، جرياً على نظام باطني، من الاقل تطوراً إلى الاكثر تعقيداً، حيث ان لهذا التطور وجود غاية روحية تنتهي في المسيح الذي هو هدف.

فالله وضع الروح في المادة، بالتالي الكون هو مغلف بالروح. لذاك نراه يناجيها ويقول أيتها المادة المقدسة يا حاملة الروح في رحمك.

فالمراحل المتتالية منذ تطور المادة وصولاً للفكر البشري، هي ظاهرة غير وليدة الصدفة كما يعتقد البعض، بل هي مقصودة وكامنة في نظام التطور.

وهذا التطور لا يقتصر فقط من الناحية البيولوجية للمادة، بل تتعداها من الناحية الفكرية والاجتماعية، فالانسان يكون على وعي أكبر من الماضي كلما استمر الزمن في التقدم، فكل الشعوب في النهاية تحاول الوصول إلى نوع من الوحدة، وما الوحدة إلا مرحلة للوصول في النهاية إلى نقطة أوميغا (أوميغا: الحرف الأخير من الأحرف اليونانية)، والتي تمثل لديه الحقيقة/ المسيح/ الله.

هل الكنيسة وقفت موقع عداء كما يدعي البعض أم موقف تردد؟؟

1- الكنيسة لم تمارس أي نوع من العداء الحقيقي تجاه هذه النظرية، فهي أولاً لم تحكم على داروين ولم تحرق أو تمنع كتبه وأبحاثه. بل وقفت موقف متردد حيال هذه النظرية تنتظر التأكيدات.

2- نظرية داروين رفضت من قبل الكثير من العلماء حتى في وقتنا الحالي (بالرغم من أنها على قائمة النظريات المفسرة نشأة الكون). فهناك انقسام حول النظرية حتى في الساحة العلمية نفسها.

3- كثير من اللاهوتيين بحثوا واجتهدوا في هذه النظرية، أمثال شاردان والقديس توما الأكويني.

4- قبلت الكنيسة الكاثوليكية طيلة الـ 50 عاماً هذه النظرية، ولكنها كانت تعطي لله دوراً. وهنا أقتبس آية من رسالة القديس بولس إلى أهل روما: "فمنذ خلق العالم لا يزال ما لا يظهر من صفات الله، أي قدرته وألوهته، ظاهراً للبصائر في مخلوقاته…" روم 1: 20. إضافة للعديد من الآيات المشابهة (حك 13/1 ، روم 1/ 18-19).

5- آراء البابوات عبر التاريخ: وصف البابا بيوس الثاني عشر سنة 1950 الارتقاء بأنه "نهج علمي صحيح بالنسبة إلى تطور البشر. ووافق البابا يوحنا بولس الثاني هذا الرأي عام 1996.

6- كثير من اللاهوتيين داخل الكنيسة بحثوا واجتهدوا في هذه النظرية توفيقاً بين ما يقوله الدين من جهة والعلم من جهة أخرى، أمثال تيار دي شاردان والقديس توما الأكويني وغيرهم.

7- الكنيسة الكاثوليكية لا تتمسك بالتفسير الحرفي لقصة الخلق الموجودة في سفر التكوين (6 أيام، ترتيب خلق الكائنات…)، فهي تعلم أن رسالة الكتاب المقدس تعكس خبرة العلاقة بين الله والإنسان، لا تفسيراً للنظريات العلمية. فالعبرة من قصة الخلق، هو أن الله خالق الكون والإنسان، خلق في القديم ويخلق اليوم، ويرافق البشرية والكون في مسيرة الخلق والتطور.

8- التطور هو ميزة البشرية. والكنيسة هي مؤسسة إلهية يديرها بشر يحاولون في كل لحظة الوصول إلى الحقيقة الكاملة، فالتطور في فكر الكنيسة هو أمر مسلم به. وهنا أوضح أن التطور لا يعني التغيير من رأي لآخر بقدر ما هو مسيرة نضوج وتقدم للوصول إلى الحقيقة كاملةً.

9- تستطيع الكنيسة اليوم -بالتعاون مع العلماء- أن تملأ الحلقات المفقودة في هذه النظرية. وهنا يظهر التعاون بين العلم والدين، فلا يمكننا أبداً أن ننظر إلى الدين بأنه عدو للعلم، ولا العلم هو عدو للدين، فالدين والعلم معاً يحاولان التوصل إلى إجابات للأسئلة الأساسية. وهذا ما تعيه الكنيسة نفسها انطلاقاً من المجمع الفاتيكاني الثاني، فلا طيران بجناح واحد.

نلخص حديثنا بأن نظرية داروين ليست واضحة للعيان، مما يعني أننا لا نستطيع قبول كل النظرية دفعة واحدة، سواء من قبل العلماء أو الكنيسة. ولكن بالرغم من ذلك هناك بعض النقاط الإيجابية، المقبولة أكاديمياً وكنسياً، وهي:

أولاً: فكرة التطور والتقدم التي تشمل الكون برمته بما فيه الإنسان.

ثانياً: ايجابية فكرة تدخل الله ومرافقه للطبيعة وهي "خلق من قبل الله". رافضين فكرة المصادفة التي لا مكان لها في العلم والدين.

بهذا تتوافق النظرية (بالشروط التي وضعناها سابقاً) مع تعاليم الكنيسة الكاثوليكية ورسالة الإنجيل كما في تصريح الكاردينال.

في النهاية نظرية التطور لداروين هي قابلة "للتطور" أيضاً والتصحيح من قبل العلماء كان ذلك اليوم أو في المستقبل. وأقول كما قال باسكال: "للقلب دواع لا يعرفها العقل دائماً"
 
إنضم
21 مارس 2008
المشاركات
7,800
مستوى التفاعل
770
النقاط
113
الإقامة
عائدٌ من القبر
ما من تناقض بين نظرية التطور الداروينية وفكرة الخلق البيبلية
1 يناير, 2013 ADMIN
بحسب الكاردينال شونبورن

بقلم روبير شعيب

روما، الثلاثاء 4 نوفمبر 2008 (Zenit.org).

بالرغم من الصراع الذي تسببت فيه نظرية التطور التي أطلقها دارويين في القرن التاسع عشر، إلا أن التقليد الفكري المسيحي الرفيع لم يكن بعيدًا عن حدس إمكانية التطور في الخليقة، الأمر الذي لا ينفي وجود الخالق ولا يناقض جوهر الكتاب المقدس.

فالقديس أغسطينوس يصرح بأن الكون يمكن أن يكون نتيجة تطور كبذر يتضمن في أصله الفكرة الإلهية بشأن الكون التي ما تلبث تتنامى في الزمن. تطور الخليقة يصل إلى الإنسان وعند ذلك، عندما تضحي الخليقة حاضرة لقبول نفس على صورة الله ومثاله، ينفخ فيها الله الروح.

توضيحًا وتماشيًا مع هذا التقليد، وفي معرض الجمعية العامة للأكاديمية الحبرية للعلوم الذي تختتم اليوم الثلاثاء أعمالها في روما صرح الكاردينال كريستوف شونبورن، رئيس أساقفة فيينا، أن ما من تناقض بين نظرية التطور العلمية وفكرة الخلق البيبلية والمسيحية.

وشرح الكاردينال أن ما من تناقض بين النظريات الإيمانية والعلمية، بل هناك مجرد "صراع بين مفهومين مختلفين للإنسان ولعقلانيته، بين النظرة المسيحية وبين التيار العقلي الذي يسعى إلى تقليص الإنسان إلى البعد البيولوجي فقط".

واستشهد شونبورن بنصوص عدة من البابا بندكتس السادس عشر خلال حبريته، تشير إلى قبول إيجابي لإمكانية التطور.

وأضاف موضحًا أنه بالرغم من أن هذه النظرية تنمي معرفتنا بشأن الحياة، إلا أنها لا تجيب على السؤال الفلسفي العظيم: ما هو مصدر كل شيء؟ وكيف يتم تسيير كل الأشياء لكي تصل إلى الإنسان؟"

ولذا من الواجب أن نعترف بوجود "فكرة سابقة" تبين لنا أن الإنسان ليس ثمرة الصدفة، بل الخالق "فكّر به وأراده وأحبه".

كما وأوضح مستشار الأكاديميا، المونسينيور مارسيلو سانشيز، أن الفكرة التي يعرضها سفر التكوين حول خلق الله للعالم – رمزيًا – في ستة أيام، يفتح المجال أمام فكرة خلق تدريجي للكون. ومن هذه الناحية فالكتاب المقدس أقرب إلى النظريات العلمية القائلة بالتطور منه إلى الأساطير الإغريقية القائلة بالعالم الأزلي.

وشرح أن ما من تعارض بين الإيمان والتطور، بل بين الإيمان وبعض الإيديولوجيات المادية التي تعلن بأن المادة وحدها هي موجودة. "إلا أن هذه النظريات ليست علمية بل فلسفية".

"يتم استغلال نظريات علمية لتقديم تفاسير فلسفية، أو بالحري، ملحدة، تقول بأن الصدفة هي أساس كل شيء. ولكني أكرر، هذه مجرد نظرية فلسفية، وهي ليست موقف كبار العلماء، الذين هم مؤمنون في أغلب الأحيان".

"الكنيسة منفتحة على الحوار مع العلم، لأن العلم يتحدث عن الطبيعة. ولطالما آمنت الكنيسة بأن الطبيعة هي خليقة الله، وأن الكائن البشري هو جزء من الطبيعة
 
أعلى