للكفتة المبللة أو (Islama köfte بالتركية) حكاية تراجيدية، يستحضرها كل من اختار تناول هذا الطبق من بين الأنواع العديدة من الكفتة التركية الشهيرة.
وتحرص جميع المطاعم المتخصصة بتقديم هذا الطبق على تجسيد أجواء متناسبة مع هذه الحكاية، من خلال الديكور والصور القديمة المعلقة على الجدران، وإبراز تاريخ افتتاح المطعم قبل 50 أو 60 عاما على شعاراتها وواجهاتها وباقي المتعلقات
نشأة الكفتة المبللة
وعن نشأة الكفتة المبللة، يقول عمر فاروق الباحث التركي المهتم بالتاريخ الحديث، وهو من سكان ولاية سكاريا التي تشتهر بها، إن هذه الوجبة مرتبطة في ذاكرة الأتراك بظروف الهجرة والحروب التي شهدوها خلال العقدين الأول والثاني من القرن الماضي.
ويلخص فاروق للجزيرة نت حكاية الكفتة المبللة، موضحا أنه بسبب ظروف الجوع والفقر إبان حربي البلقان الأولى والثانية مطلع القرن الـ20، وهجرة أعداد كبيرة من أقلية البوشناق المسلمة إلى تركيا هربا من التطهير العرقي بمنطقة البلقان، فقد أدى ذلك إلى لجوئهم لأكل الخبز اليابس ولفترات طويلة، ليتم بعدها تحضير مرقة العظام ومن ثم وضعها فوق الخبز، ليصبح صالحا للأكل ويحتوي على العناصر الغذائية اللازمة لاستمرار الحياة.
انتشار الطبق
وأشار الباحث إلى أنه بعد تلك المرحلة باتت هذه الأكلة منتشرة في المناطق التي استوطن فيها البوشناق، وأبرزها ولايات سكاريا وإسطنبول ومانيسا، وكذلك لجأ لتناولها أيضا بعض الجنود العثمانيين، خلال الحروب الطويلة والصعبة التي خاضوها في تلك الفترة ضد أعدائهم، حيث كانوا في بعض الأحيان يحملون الخبز معهم لفترات طويلة ويقومون بتحضير مرقة العظام وتبليل الخبز اليابس أيضا وتناوله، مما أنقذ حياتهم في مواقع عديدة.
تطور الطبق
ولفت فاروق إلى أن الأجداد في سكاريا كانوا يقصون على أحفادهم الحكايات عن ظروف الحرب والهجرة التي شهدوها مطلع القرن الـ20، وانتشار الفقر والحاجة في المنطقة مع نزوح عشرات الآلاف من البوشناق إلى الولاية بشكل أساس وإلى ولايات أخرى قريبة.
ومع مرور الوقت وتغير الظروف الاقتصادية تم إدخال كُرات اللحم إلى الطبق، وباتت وجبة غنية تقدّم في مطاعم شعبية متخصصة بها -معظمها في مدينة أدابازاري بسكاريا كما تضم إسطنبول عددا قليلا منها- وبعضها مستمر منذ أكثر من 60 عاما، وأصبحت اليوم لا تكتمل زيارة سكاريا إلا بتناول طبق الكفتة المبللة من أحد مطاعمها.
وصفة الكفتة المبللة
وبعد التعرف على حكاية الكفتة المبللة كان لا بد من زيارة أحد المطاعم المتخصصة التي تقدمها لمعرفة طريقة التحضير والوصفة الخاصة بها.
يقول الشيف عبد الحميد العامل في مطعم "أوسطة أحمد" للكفتة المبللة في منطقة قاضي كوي بإسطنبول "بدأ مطعمنا في أدابازاري بولاية سكاريا، ثم انتقل إلى قاضي كوي عام 1965، ونحافظ على الوصفة الخاصة بتحضير هذا الطبق منذ ذلك التاريخ".
وعن طريقة تحضير الكفتة المبللة يوضح الشيف للجزيرة نت، أنه بداية يتم تبليل شرائح الخبز بمرقة عظام العجل (الأضلاع بشكل رئيس) والمضاف إليها مقادير من الزبدة ومعجون الطماطم والبهارات، ومن ثم يتم تحمير تلك الشرائح، وفي الوقت نفسه يتم تحضير كرات اللحم المفروم (الكفتة) وشيّها، ومن ثم توضع فوق شرائح الخبز وتضاف قطع الطماطم والفلفل الأخضر المشوية إلى الطبق، ويقدم مع لبن العيران أو عصير اللفت (الشلغم بالتركية).
مذاق مميز
وخلال وجودنا بالمطعم قابلنا الشاب التركي أحمد ألتن الذي قال "سمعت عن هذه الوجبة، وجئت من منطقة بعيدة بإسطنبول لتناولها هنا كونها موجودة فقط في مطاعم متخصصة قليلة، وصراحة أعجبت بطعمها الشهي والمميز وكذلك بأجواء المطعم التي تحاكي تاريخها".
وأشار في حديثه للجزيرة نت، إلى أن سر الوصفة يكمن في مذاق شرائح الخبز المحمص المبللة بمرقة العظام، في حين أن كرات اللحم عنصر مشترك مع معظم أطباق الكفتة الأخرى.