الوصية الثانية: لا تصنع لك ..

الكرمه الصغيره

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
24 ديسمبر 2012
المشاركات
2,622
مستوى التفاعل
786
النقاط
113
34796200_920191321493654_5873364036363485184_o.jpg

الوصية الثانية:

لا تصنع لك... لا تسجد، ولا تعبد
الوصية الثانية تنهي بكل شفافية عن صنع التماثيل والصور والمنحوتات لأيٍّ من سكان السماء أو الأرض بقصد السجود أو التعبُّد لها. فهي صريحةٌ واضحةُ المطلب ومحدَّدةُ الهدف. فسكّان السماء معروفون:
ملائكة وأنبياء وقديسون وأتقياء، وعلى رأسهم الرب القدوس سيد الأكوان.

محور التركيز في هذه الوصية هو أن لا يَصنع الإنسان منحوتًا أو يصوِّر شكلًا يأخذ مكان العبادة من دون الرب، فيُسجَد ويُتعبَّد له!
وهذا ما وقع فيه الإسرائيليون القدماء في تاريخهم الطويل قبل وبعد تسلمهم للوصايا العشر، رغم ما شاهدوه من معجزات عملها الرب لصالحهم، ومنها ما حصل في ليلة الفصح قبل أن غادروا مصر حين مرَّ الملاك المهلك على كل أرض مصر وقتل أبكار المصريين، أما من وضعوا علامة الدم على أبوابهم فقد نجوا، إذ قال الرب:
"فَأَرَى الدَّمَ وَأَعْبُرُ عَنْكُمْ،"
(خروج 13:12)
وشاهدوا معجزةً عملها الرب أمام عيونهم، حين مدّ موسى عصاه نحو البحر الأحمر، فوقفت المياه على اليمين وعلى اليسار، وعبر الشعب على اليابسة باتجاه الشاطئ الآخر، ومرّوا بين سدَّين من المياه في سابقةٍ لا مثيل لها وهم هاربون من ظلم فرعون.
وأثناء عبورهم البحر على اليابسة مشاة على الأقدام حصلت معجزة أخرى وراءهم، إذ كان فرعون قد ندم ولحق بهم بمركبات وخيل ليعيدهم إلى مصر، وكان الشعب في رعبٍ وهم يرصدون عجيج الخيل والمركبات من خلفهم في البرية عن بُعد، ثمّ دخلت مركبات فرعون وراءهم في وسط البحر. وما أن وصلت مؤخرة الشعب إلى الشاطئ الآخر حتى مدَّ موسى عصاه على البحر ثانية بأمر من الرب، فانطبقت المياه على جيش فرعون، وغرقوا بخيلهم ومركباتهم، ونجا الشعب من هلاك محتوم.

ومعجزات أخرى جرت أثناء عبورهم في سيناء لا مجال للخوض فيها مطولًا، ومنها معجزة المنّ والسلوى التي لازمتهم طيلة الرحلة، ومعجزة الحية النحاسية وشفاء من لسعتهم الأفاعي بمجرد النظر إليها عن بعد، ومعجزة انحسار مياه الأردنّ في نهاية رحلتهم ليعبروا إلى أريحا، وحينها حمل كل سبط منهم حجرًا من قعر النهر ليكون شاهدًا على ما جرى للأجيال اللاحقة. أما كانت كل هذه كافية لتثبيت إيمانهم والتزامهم بطاعة الرب؟!
ولأن الكتاب المقدس هو كتاب وحي صادق، فقد ذكر بدقة متناهية كل ما وقع به الشعب من أخطاء وعصيان وتمرّد، حتى موسى نفسه شكى منهم وتذمّر، ومنها أنَّهم تمثَّـلوا لاحقًا بجيرانهم من الشعوب الوثنية، فاستهوتهم مشاهد من عباداتهم، واستسهلوا التزاوج معهم وشاركوهم بعبادة أصنامهم، في وقت كان الأولى بهم أن يدعوا الوثنيين لعبادة الرب الواحد.

فالكتاب المقدس صادق فيما يرويه، وعادلٌ، فذكَرَ الأخطاء التي وقعوا فيها، وشهد بأمانة الأمناء منهم، المخلصين في إطاعة ما جاء في الوصية. ومنها على سبيل المثال لا الحصر، أن الملك البابلي نبوخذنصّر، وقد سبى منهم قومًا إلى بلاده في العراق، وفي يوم أمر فصُنع تمثال عظيم لإلهه. وأعلن عن يوم يُحتفَل فيه بالسجود له.
واجتمعت جموع المدعوّين في ساحة الاحتفال تنتظر بصمت ساعة الصفر، وحين صدحت الموسيقى انحنى الكل سجودًا باتّجاه التمثال. وكان بين الجموع شبانٌ ثلاثة أتقياء من أهل السبي من اليهود هم من موظفي القصر، فبقي هؤلاء الثلاثة وقوفًا لم ينحنوا، وكان من السهل رؤيتهم واقفين بلا حراك.
وعلم الملك بالأمر، فجيء بهم أمامه، وكان يعرفهم، فحاورهم وأعطاهم فرصةً أخرى لتعديل موقفهم لينجيهم من الموت، فأبوا. فقيدوهم وحملهم رجال أشدّاء وألقوا بهم في أتون نارٍ مستعرة أُعدَّت لهذا الغرض، فقتل وهج النار مَنْ حملوهم ورموهم في الأتون.
وبعد لحظات ألقى الملك نظرة إلى الأتون ليرى كيف حرق لهيب النار عظام من تحدوا أمره. وعندما وقع نظره على المشهد أذهله ما رآه!
فصاح في رجاله وسألهم:
ألم تلقوا ثلاثة رجال في الأتون؟
قالوا: نعم أيها الملك.
فقال: ها إني أرى أربعة رجال محلولين يتمشون وسط النار وما بهم ضرر، والرابع بينهم شبيه بابن الآلهة!
فالسؤال الذي يفرض نفسه هنا:
من هو هذا الضيف الرابع الذي شقّ طريقه وسط اللهيب ليحمي هؤلاء من سعير النار؟!
أقولها صريحة لقارئي الكريم، إنّ هذه واحدة من ظهورات المسيح المتعددة في العهد القديم، عهد التوراة، قبل ميلاده بمئات السنين، فهو أزلي أبدي لا يحدّه زمان أو مكان.
وبقي الملك في حيرته، فاقترب من المشهد ونادى:
يا شدرخ وميشخ وعبد نغو، يا عبيد الرب العلي اخرجوا وتعالوا!
فخرجوا ومثلوا أمام الملك ومشيريه. شعرة من رؤوسهم لم تحترق، ورائحة النار لم تأتِ عليهم!
فكرَّمهم أمام شعبه وأثنى عليهم ومدحهم لعدم إذعانهم لكلمة الملك وجازفوا بأجسادهم لكيلا يعبدوا أو يسجدوا لإلهٍ غير إلههم. وأوصى بهم وقرّبهم إليه ورفع من مقامهم في ولاية بابل :
(اقرأ القصّة كاملة في الأصحاح الثالث من سفر دانيآل.)

فالسجود حسب الوصية الثانية من الوصايا العشر مظهرٌ من مظاهر العبادة التي لا تجوز لغير الرب، حتى ولو كان السجود من قبيل التكريم، وهذا ما سنراه بعد قليل من نصوص الإنجيل. فالإنجيل، كما التوراة، ينهى عن السجود لغير الرب ولو كان مَنْ يُسجَد له رسولًا أو ملاكًا من السماء لتكريمه. السجود عبادة، ومن اعتاد عليه تستدرجه العادة دون أن يعي لتصبح عبادة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ويدافع عنها. ويبررها بما استطاع من اجتهادات، وأقوال، وحكمٍ بشرية مخالفة لنصوص الكتاب المُقدَّس!

جاء في الأصحاح الثاني من رسالة كولوسي ما يلي:
" لاَ يُخَسِّرْكُمْ أَحَدٌ الْجِعَالَةَ، رَاغِبًا فِي التَّوَاضُعِ وَعِبَادَةِ الْمَلاَئِكَةِ، مُتَدَاخِلاً فِي مَا لَمْ يَنْظُرْهُ، مُنْتَفِخًا بَاطِلاً مِنْ قِبَلِ ذِهْنِهِ الْجَسَدِيِّ، وَغَيْرَ مُتَمَسِّكٍ بِالرَّأْسِ.."
(كولوسي 18:2-19).
والرأس المشار إليه هو المسيح الذي له وحده ينبغي السجود.
والصلاة أيضًا عبادة، فلا صلاة تُرفَع لغير الرب، ولا يجوز أن يُخاطَب في الصلاة غير الرب، وإلا فنُشابه الوثنية في تعدد الآلهة. ويُلاحَظ أن هذه الوصية مكمِّلة لسابقتها، والاثنتان متضامنتان متكافلتان معًا. فهما تؤكِّدان:
أولًا:
على أن الرب واحد لا إله سواه.
وثانيًا:
له وحده السجود والعبادة.
ومن خالف هذا خرج عن خط الرب ووقع في شرك الضلالة، الأمر الذي يؤكّد عليه إنجيل المسيح في أكثر من مشهد، ومنها قول المسيح:
"لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ"
(متى 10:4)
يُخبِرنا الأصحاح التاسع عشر من سفر الرؤيا أن الرسول يوحنا بعدما شارف على الانتهاء من جولةٍ قام بها في السماء، رافقه فيها ملاك ليُعَرِّفه على ما فيها من أمجاد، وعندما حان الوقت ليُوَدِّعَ الملاكَ الذي رافقه، وقع في انفعاله بسبب زخم ما شاهد من أمجاد لا تخطر على بال، ساجدًا بعفويةٍ غير مسبوقةٍ وخرَّ عند رجلي الملاك تكريمًا له وتعبيرًا عن شكرٍ جزيل على ما قدّمه له الملاك من خدمة!
فاحتج الملاك على الفور، وصرخ في وجه يوحنا بقوله:
"انْظُرْ! لاَ تَفْعَلْ! أَنَا عَبْدٌ مَعَكَ وَمَعَ إِخْوَتِكَ الَّذِينَ عِنْدَهُمْ شَهَادَةُ يَسُوعَ. اسْجُدْ للرب!"
(رؤيا 10:19)

فنحن هنا أمام خيارين من الاحتمالات لتوضيح ما قام به يوحنا من سجود للملاك:
فإما أنه قصد أن يتعبَّد للملاك، على اعتبار أنه ملاك مقدس من السماء!
وهذا يستحيل أن يكون من رسول كتب بالوحي إنجيل يوحنا، ورسائل يوحنا الثلاث وسفر الرؤيا، فلا يمكن أن يصل به الجهل بحيث يجيز لنفسه أن يتعبد لملاك.
أما الاحتمال الثاني فهو:
أنّ يوحنا قصد أن يُكرِّم الملاك بهذه الحركة، ويعبّر له عن شكره وتقديره لما قدّمه له من مساعدةٍ، أراه فيها أمجاد السماء وأطلعه على أسرارها التي ما كانت لتخطر على بال!
فما عمله يوحنا لم يكن إلا للتعبير عن التكريم للملاك بطريقة غير مسبوقة، وهُنا وقع في الخطأ. وكما يقال:
لكل حصان كبوة.
لكن علينا ألّا ننسى الجانب الإيجابي الذي قام به الرسول يوحنا بعد كبوته تلك، فهو من طيبة قلبه وحسن إيمانه وأمانته، سجَّل على نفسه ما وقع فيه من خطأ، فذكره في الفصل المشار إليه من سفر الرؤيا، ليكون عبرة لأجيال الكنيسة ودرسًا لا يُنسى.
ومع ذلك يقع بعض مِنّا نحنُ المسيحيين في الخطأ ذاته، لأننا أهملنا الاطلاع بوعيٍ على إنجيلنا، ولجأنا إلى تقاليد وتعاليم من صنع الناس، وخالفنا بأسلوبٍ صريح وصايا الرب، ووقعنا في المحظور، وصرنا نحاول تبرير ما نفعل بأقوال وفلسفات بشرية، وحكايات حكمة بعبادةٍ نافلةٍ مخالفة لنصوصٍ واضحة وصريحة في الإنجيل. فأيهما أصدق؟
ما يقوله الناس، أم ما يقوله الإنجيل؟
والملاك هنا كان له دوره في تحذيرنا من الوقوع في مثل هذه الشبهة. ففي ردّه الحازم على يوحنا قدَّم هو الآخر عبرة لأجيال الكنيسة، وأرسى مبدأ قويمًا علينا أن لا ننساه. إذ قال ليوحنا بحزم لا مجاملة فيه:

"انْظُرْ! لاَ تَفْعَلْ! أَنَا عَبْدٌ مَعَكَ .. اسْجُدْ للرب!"
(رؤيا 10:19)
{القس يعقوب عماري}
* * *
أشكرك أحبك كثيراً...
بركة الرب لكل قارئ .. آمين .
وكل يوم وأنت في ملء بركة إنجيل المسيح... آمين

يسوع يحبك ...
 

حبو اعدائكم

حبو...
عضو مبارك
إنضم
9 أكتوبر 2011
المشاركات
14,191
مستوى التفاعل
4,782
النقاط
113
الإقامة
مصر
اشكرك - على الموضوع الجميل
ربنا يباركك
 
أعلى