طوبي للودعاء

الكرمه الصغيره

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
24 ديسمبر 2012
المشاركات
2,622
مستوى التفاعل
786
النقاط
113
27709684_862600913919362_2028822873580928471_o.jpg

طوبي للودعاء
كنت أتوقع أن المسيح، وهو الرب القدير، يقود أتباعه للحرب والثورة على الأعداء والمعتدين، فإذ به يطوب الودعاء المسالمين في عظته على الجبل قائلاً :
«طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ، لأَنَّهُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ»
(متى5:5).
هذا قد يبدو شيئًا غريبًا وسط عالم شرس وثقافات تنادي بالقتال والذبح والغوغائية!!
لكن ما قاله المسيح هو واحد من مبادئ ملكوت السماوات، تلك القيم التي لا يعرفها سكان الأرض أصحاب العقول الترابية الشهوانية العدوانية!!
ولهذا جاء الرب يسوع المسيح مؤسِّسًا ملكوتًا سماويًا، مُعطيًا لمن يريد الانضمام إليه طبيعة إلهية جديدة، وواضعًا مبادئ سماوية لسكانه، فيصبح كل مواطن فيه مؤمنًا وديعًا سماويًا.

أولًا:
من هم الودعاء؟
الوديع هو من وصل إلى هذا الإدراك أنه لا شيء، فلا يُثار أو يغلي لكرامته في الداخل، بل بالعكس يعبِّر دائمًا عن وداعته الداخلية بالحلم في الخارج، فهو أبدًا لا ينتقم لنفسه.
ولقد استعرض لنا الكتاب المقدس نماذج رائعة لهؤلاء الودعاء نذكر البعض منها:
-1-

الوديع الأعظم الرب يسوع المسيح، الذي نادى وقال :
«تَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ»
(متى11: 29).
هذا الوديع الذي لم يثُر أو ينفعل ويحتد ولا مرة واحدة!!
حتى أمام من أساء إلى شخصه الكريم. فكان بحق كما شهد عنه الآب :
«لاَ يُخَاصِمُ وَلاَ يَصِيحُ، وَلاَ يَسْمَعُ أَحَدٌ فِي الشَّوَارِعِ صَوْتَه»
(متى12: 19).
ففي إحدى المرات ذهب ربنا يسوع، مع اثنين من تلاميذه، إلى قرية للسامريين ولم يقبلوهم هناك. اقترح يعقوب ويوحنا أن تنزل نار من السماء على المدينة!!
لكن ما أروع تصرف هذا الوديع عندما انتهرهما قائلاً:
«لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مِنْ أَيِّ رُوحٍ أَنْتُمَا!
لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُهْلِكَ أَنْفُسَ النَّاسِ، بَلْ لِيُخَلِّصَ»

(لوقا9: 55).
بل المدهش عندما وقف هذا الوديع في المحاكمة، لَطَمه واحد من العبيد على وجهه الكريم!!
فكيف تصرف، وبماذا تفوَّه؟
قال له:
«إِنْ كُنْتُ قَدْ تَكَلَّمْتُ رَدِيًّا فَاشْهَدْ عَلَى الرَّدِيِّ، وَإِنْ حَسَنًا فَلِمَاذَا تَضْرِبُنِي؟»
(يوحنا18: 23).
-2-

الرجل موسى:
ما أروع الوداعة التي ظهرت في حياة هذا الرجل، ففي إحدى المرات تكلَّم مريم وهارون على موسى، وذلك بسبب زوجته الكوشية. ورغم أن هذا الكلام كان مؤلمًا بكل تأكيد، إلا أن موسى، مع حَزمه وقوة شخصيته، لم يواجه الإساءة بأي تهديد أو غضب، بل في منتهى الهدوء كان ساكتًا. وشهد له الوحي في هذا الموقف بالقول :
«وَأَمَّا الرَّجُلُ مُوسَى فَكَانَ حَلِيمًا جِدًّا أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ»
(عدد12: 3).
بل والمدهش أنه عندما غضب الرب على مريم وصارت برصاء صلّى موسى لأجلها متوسلاً :
«اللّهُمَّ اشْفِهَا»..!!
لكن موسى، الوديع الحليم، لم يكن هكذا عندما أخطأ الشعب ضد يهوه وعبدوا العجل الذهبي، فيقول الكتاب:
«وَكَانَ عِنْدَمَا اقْتَرَبَ إِلَى الْمَحَلَّةِ أَنَّهُ أَبْصَرَ الْعِجْلَ وَالرَّقْصَ، فَحَمِيَ غَضَبُ مُوسَى، وَطَرَحَ اللَّوْحَيْنِ مِنْ يَدَيْهِ وَكَسَّرَهُمَا فِي أَسْفَلِ الْجَبَلِ»
(خروج32: 19).
-3-
جدعون:
وهو أحد قضاة إسرائيل، وقد صنع الرب بواسطته خلاصًا لشعبه من المديانين. لكن بعد انتصاره وإنقاذه لشعبه من الأعداء، قام ضده بعض من بنو شعبه، رجال إفرايم، لأنه لم يشركهم معه في الحرب وخاصموه بشده، بدلاً من شكره وتهنئته!
فترى ماذا كان رد فعل هذا الرجل؟!
فَقَالَ لَهُمْ:
«مَاذَا فَعَلْتُ الآنَ نَظِيرَكُمْ؟
أَلَيْسَ خُصَاصَةُ أَفْرَايِمَ خَيْرًا مِنْ قِطَافِ أَبِيعَزَرَ؟
لِيَدِكُمْ دَفَعَ الرب أَمِيرَيِ الْمِدْيَانِيِّينَ غُرَابًا وَذِئْبًا. وَمَاذَا قَدِرْتُ أَنْ أَعْمَلَ نَظِيرَكُمْ؟
حِينَئِذٍ ارْتَخَتْ رُوحُهُمْ عَنْهُ عِنْدَمَا تَكَلَّمَ بِهذَا الْكَلاَمِ»

(قضاة8: 2-3).
لقد تكلم معهم بوداعة فأمتصَّ غضبهم بل واعتبرهم أفضل منه ومن عائلته، وأمتدح إنجازاتهم الكثيرة. حقًا إنَّ الجواب اللين يصرف الغضب.

ثانيًا:
ماذا يقدِّم إلهنا لهؤلاء الودعاء؟
-1-

أنهم يرثون الأرض:
صحيح أن هذا سيطبَّق حرفيًا للشعب الأرضي، أما نحن فبركاتنا سماوية وليست أرضية. لكن أتصور أن الوديع يقضي أيامه فى الأرض بسلام، كقول المختبر :
«بِسَلاَمَةٍ أَضْطَجعُ بَلْ أَيْضًا أَنَامُ»
(مزمور4: 8)،
هادئًا مستمتعا بحياته، عكس الشخص الغضوب الذي كل أيامه شقية.
-2-
التقدير من الرب:
الرسول بطرس ينصح النساء بالتحلي بالزينة الداخلية، والتي يقدرها الرب جدا ً :
«زينة الرُّوحِ الْوَدِيعِ الْهَادِئِ، الَّذِي هُوَ قُدَّامَ الرب كَثِيرُ الثَّمَنِ»
(1بطرس3: 4).
-3-

الإكرام الإلهي:
«الرَّبُّ يَرْفَعُ الْوُدَعَاءَ، وَيَضَعُ الأَشْرَارَ إِلَى الأَرْضِ»
(مزمور147: 6).
وأيضا «لأَنَّ الرَّبَّ رَاضٍ عَنْ شَعْبِهِ. يُجَمِّلُ الْوُدَعَاءَ بِالْخَلاَصِ»
(مزمور149: 4).
عزيزي..
هل نحن ودعاء بحق. ما أحوجنا لهذه الفضيلة، في أيام يسودها التوتر وحِدّة الطباع!
إن مصدر الوداعة هو سُكنى المسيح بالروح القدس في القلب، يحلّ المسيح بالإيمان في القلب والنتيجة :
«فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ»
(غلاطية2: 20).
وأرجو أن نلاحظ أن المسيح لم يقل ”كونوا ودعاء“ بل «طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ»،
لأننا لن نستطع أن نكون هكذا من أنفسنا. فالوداعة ليست نتاج المجهودات البشرية، بل هي واحده من ثمر الروح القدس :
«وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ وَدَاعَةٌ تَعَفُّفٌ»
(غلاطية5: 22).
نعم ما أسعد الوديع الهادئ الفرِح، بحق كما قال الكتاب :
«أَمَّا طَيِّبُ الْقَلْبِ فَوَلِيمَةٌ دَائِمَةٌ»
(أمثال15:15).
فالوديع يستمتع براحة قلبية داخلية، بعيدًا عن الغليان والتوتر والغضب من الآخرين، هذا لأن المسيح يحيا فيه، فيختبر عمليًا ما قاله الرب يسوع :
«..فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ».
(متى 11: 29)
{ إيليا كيرلس}
* * *
أشكرك أحبك كثيراً...
بركة الرب لكل قارئ .. آمين .
وكل يوم وأنت في ملء بركة إنجيل المسيح... آمين

يسوع يحبك ...
 
أعلى