كل يوم اية واحدة وتامل .. asmicheal

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"فلو علمتم ما هو، إني أريد رحمة لا ذبيحة، لما حكمتم على الأبرياء. فإن ابن الإنسان هو رب السبت أيضًا"
[ متى 12 : 7-8].




لقد وضع الرب جذور الفكر الروحي لمفهوم العبادة والطقس في العهد القديم بالقول: "إني أريد رحمة لا ذبيحة، ومعرفة الله أكثر من محرقات" (هو 6: 6). فمع ما للذبيحة من أهمّية يلتزم بها شعب الله، لكن الله لا يريد الشكل الخارجي، إنّما ما تحمله الذبيحة من سرّ المحبّة والرحمة. هكذا إن كان تنفيذ وصيّة حفظ السبت هي ذبيحة طاعة لله، فإن الله يريد جوهر الطاعة ألا وهو الحب والرحمة.



إذن لم يكسر السيّد المسيح السبت بل قدّسه بقوله عن نفسه أنه "رب السبت"، وذلك كما يلذ أن يقول الله عن نفسه: "إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب"، هكذا يلقب السيّد نفسه "رب السبت"، وهو بهذا لا يحطّم وصيّة السبت بل يكشف أعماقها.





يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [حقًا لقد حقّق السبت منافع كثيرة وعظيمة، فجعلهم على سبيل المثال مترفّقين بالعاملين في بيوتهم يحملون لهم الروح الإنسانيّة، وعلّمهم عن عناية الله بخليقته كما جاء في حزقيال (20: 12)، وأيضًا درَّبهم بالتدريج على الامتناع عن الشرّ، مقنعًا إيّاهم أن يهتمّوا بالروحيّات


القديس يوحنا الذهبي الفم: [لنحفظ العيد على الدوام ولا نفعل شرًا، فإن هذا هو العيد. لتكن أمورنا الروحيّة قويّة، تاركين (الاهتمام) بالأمور الأرضيّة لننعم بالراحة الروحيّة، محجمين عن أعمال الطمع، منسحبين بجسدنا عن الأتعاب الزائدة غير النافعة كما فعل الشعب اليهودي بانسحابهم عن المعاناة التي سقطوا تحتها في مصر



القديس يوحنا الذهبي الفم هو امتناع عن العمل وكأنه تحرّر من عمل العبوديّة الذي عاناه الشعب قديمًا في مصر، أي انسحاب من عمل اللبن، أو هو خروج مستمر، أمّا السبت الجديد فهو دخول إلى أرض الموعد وتنعم بالمواعيد الإلهيّة. إنه ليس توقُّفًا عن عمل العبوديّة فحسب، وإنما هو ممارسة العمل الروحي في أرض كنعان. لهذا يقول: [يلزمنا ليس فقط أن نُخلِّص من مصر (رمزيًا)، وإنما أن ندخل أرض الموعد


أراد السيّد تأكيد هذا المفهوم الروحي للسبت بشفائه اليد اليابسة في يوم السبت. ليس فقط التلاميذ هم الذين قاموا بالعمل في السبت بقطفهم السنابل وينعموا بالراحة خلال التناول من السنبلة الإفخارستية، وإنما قام السيّد نفسه بالعمل، فيجد راحته في تقديم محبّته الإلهيّة لنا، لتحويل الطبيعة البشريّة اليابسة إلى مصدر عمل دائم. وكأنه في السبت يستريح الإنسان في الرب، ويستريح الرب فينا. الله هو واهب الشفاء، يُقيم من اليبوسة حيوِيّة، فيتقبّل الإنسان ذلك ليعمل بالإمكانيّة الجديدة بلا توقف.

كان اليهود في حرفيّتهم يمتنعون عن العمل في يوم السبت، حتى في الدفاع عن أنفسهم وعن بلدهم وعائلاتهم، الأمر الذي استغلّه أنتيخوس فقاتلهم وأهلك الكثيرين منهم
(1 مك 2: 31-38)


=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"هل يحلّ الإبراء في السبوت؟"
"أيّ إنسان منكم يكون له خروف واحد، فإن سقط هذا في السبت في حفرة أفما يمسكه ويقيمه؟ فالإنسان كم هو أفضل من الخروف. إذًا يحلّ فعل الخير في السبوت"
[ متى 12 : 10 -11-12].




لم يكن هذا التساؤل من أجل المعرفة، وإنما استنكارًا لتصرفاته واتّهامًا له. أمّا هو فأجابهم ليس دفاعًا عن نفسه، وإنما بقصد الدخول بهم إلى معرفة ملكوته، محدِّثًا إيّاهم برقةٍ ليُثير فيهم روح الشفقة والحنان، إذ قال: "أيّ إنسان منكم يكون له خروف واحد، فإن سقط هذا في السبت في حفرة أفما يمسكه ويقيمه؟ فالإنسان كم هو أفضل من الخروف. إذًا يحلّ فعل الخير في السبوت" [11-12]. يُقال أن رئيس المجمع قد سقط له خروف في حفرة في نفس اليوم وأقامه، وكأن السيّد قد أراد أن يوبّخه معلنًا له أن الإنسان أفضل من الخروف.
























=








=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة

"فلما خرج الفرّيسيّون تشاوروا عليه لكي يهلكوه. فعلم يسوع وانصرف من هناك وتبعته جموع كثيرة فشفاهم جميعًا، وأوصاهم أن لا يظهروه" [ متى 12: 14-16].





أرادوا بحسدهم أن يهلكوه، فإذا بهم يُهلكون أنفسهم، إذ حرِّموا أنفسهم بأنفسهم منه بانصرافه من هناك، فحرموا من "الحياة". هكذا حينما يمتلئ القلب حسدًا لا يطيق السيّد أن يبقى فيه، يتركه لهلاكه الذاتي. ويُعلّق القديس يوحنا الذهبي الفم على تصرفهم هذا بقوله: [إنك لا تضر من تحسده وإنما تضرب داخلك بالسيف


حسد إخوة يوسف أخاهم تمجّد هو، أمّا هم ففقدوا سلامهم.


الأب أفراهات عن الحسد قائلًا: [يقوم الحسد بين الأزواج والزوجات فينشأ الأطفال عصاة لوالديهم...! بالحسد يقتل الإنسان أخاه بلسانه، ويسحب آخر إلى الهلاك بغير رحمة


القديس باسيليوس الكبير: [ليس شيء ينبع من النفس أكثر تدميرًا مثل ألم الحسد، فبينما لا يضر الآخرين تكون سطوته الشرّيرة على وجه الخصوص على النفس التي تتقبّله. كما يفسد الصدأ الحديد، هكذا يبدّد الحسد النفس التي يسكنها ويهلكها تمامًا. كما أن الأفاعي يقال عنها أنها تولد بالتهامها أحشاء أمِّها، هكذا يلتهم الحسد النفس التي تلده. الحسد هو ألم ينبع عن نجاح الغير، لهذا فإن الحاسد لن يعيش بغير ألم ولا تفارقه كآبة الذهن

إذ التهبت نيران الحسد في قلوب الفرّيسيّين أرادوا قتل السيّد المسيح، وكعادته لم يقف أمام الشرّ ليقاومه بل "انصرف من هناك"، مقدّمًا لنا دستورًا حيًا لمواجهة مضايقات الآخرين لنا وهو الهروب من الشرّ ما أمكن، كما رأينا في الهروب إلى أرض مصر وفي حديثه مع تلاميذه (مت 10: 23).


القدّيس بطرس خاتم الشهداء لأنه لا يليق إثارة المقاومين حتى لا تلتهب نار الضيق، فيقول... [لعلّهم لم يعرفوا أن رب البيت ومعلّمنا الأعظم كثيرًا ما كان ينسحب بعيدًا عن الذين ألقوا له الشباك، بل وأحيانًا لا يسير علانيّة بسببهم. وفي وقت آلامه انسحب، ولم يسلّم نفسه لهم منتظرًا مجيئهم إليه بسيوف وعصيّ، قائلًا لهم: "كأنه على لص خرجتم بسيوف وعصيّ لتأخذونني" (مت 26: 55)، وهم "أسلموه" إلى بيلاطس (مت 27: 2). وما حدث معه تكرّر مع تلاميذه المتمثلين به، متذكِّرين كلماته الإلهيّة التي نطق بها ليثبِّتنا وقت الاضطهاد، قائلًا: "اِحذروا من الناس، لأنهم سيسلّمونكم إلى مجالس وفي مجامع يجلدونكم" (مت 10: 17). يقول إنهم يسلّموننا لا أن نسلِّم نحن أنفسنا. إنكم تقدَّمون أمام ولاة وملوك من أجلي، لا أنتم الذين تقدِّمون أنفسكم. إنه يريدنا أن نعبر من موضع إلى موضع حيث يوجد المضطهِّدون وذلك من أجل اسمه.]
























=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة
"وتبعته جموع كثيرة فشفاهم جميعًا. وأوصاهم أن لا يظهروه. لكي يتمّ ما قيل بإشعياء النبي القائل. هوذا فتاي الذي اخترته، حبيبي الذي سُرَّت به نفسي. أضع روحي عليه، فيخبِر الأمم بالحق. لا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته. قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة مدخنة لا يُطفئ، حتى يخرج الحق إلى النصرة. وعلى اسمه يكون رجاء الأمم"

[متى 12 : 15-21].


من هو روح الآب إلا روح الابن؟ لقد أرسل الآب روحه القدّوس على القدّيسة مريم ليهيّئ عمليّة التجسّد الإلهي، وأرسل روحه القدوس ليصعد به إلى الجبل، ليدخل في المعركة الحاسمة مع إبليس على جبل التجربة. إنه روح الابن الذي لن ينفصل قط عنه، هذا الذي منذ الأزل ينبثق من عند الآب ويستقر فيه! وها هو يقدّم لنا روحه القدّوس بعد أن تمّم الفداء وارتفع إلى يمين العظمة، حتى نحمل نحن رسالة المسيح نفسه "نُخبر الأمم بالحق". بالصليب أعلن السيّد بالحق، مقدّمًا كمال الحب الإلهي للبشريّة، دافعًا ثمن خطايانا حتى الفلس الأخير. بقيَ لنا أن نعمل بروحه لنشهد للحق الذي قدّمه الابن الوحيد لنا!

لا يقدر أحد أن يخبر بالحق في كماله إلا الابن المصلوب، لذا فإن عمل الكنيسة في كرازتها هو تقديم المسيح نفسه - بالروح القدس - لإعلان الحق! لهذا لا نعجب إن سمعنا السيّد يقول: "أنا هو الحق". وكأنه لا عمل لنا إلا أن نقبله فينا ونشهد له، أي نقدّمه للآخرين بحياتنا فيه، فننعم بالحق وينعم الآخرون به!

لقد ظنّ اليهود أن الحق لا يُعلن إلا بالقوّة الزمنيّة أو استخدام العنف، فتوقّعوا في المسيّا ملكًا أرضيًا وقائدًا محنكًا يقدر أن يغتصب الدول لحساب إسرائيل، مقيمًا مملكة داود لتسود العالم كله! هذا الفكر المادي تسلّل إلى فكر القادة والشعب، لذا أراد السيّد تصحيح مفهومهم بكل وسيلة وفي أكثر من مناسبة. هنا يؤكّد السيّد أن سرّ غلبته ونصرته هو إعلان الحق خلال الوداعة المملوءة حبًا: "لا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته. قصبة مرضوضة لا يقصِف، وفتيلة مدخّنة لا يُطفئ، حتى يخرج الحق إلى النصرة، وعلى اسمه يكون رجاء الأمم".

إن كانت الخطيّة قد جرحت البشريّة وحطّمتها فلا يكون خلاصها بالعنف والقوّة الزمنيّة، بل بروح الوداعة الهادئ المملوء حبًا وترفُّقًا. تحتاج البشريّة إلى مخلّص لا ليدينها، وإنما يترفّق بها ويسند كل قصبة مرضوضة حتى تستقيم، ويعين كل فتيلة مدخِّنة حتى تلتهب، يتأنّى على الجميع حتى يقبلوا الحق خلال الحب، ويمتلئوا رجاءً عِوض اليأس الذي حطّمهم‌!

لقد حمل الرسول بولس روح سيّده حين كتب: "شجّعوا صغار النفوس، اِسندوا الضعفاء، تأنّوا على الجميع" (1 تس 5: 14).

يقول أيضًا القديس أمبروسيوس: [يا رب هب لي أن تكون سقطات كل إنسان أمامي، حتى احتملها معه، ولا انتهره في كبرياء، بل أحزن وأبكي. ففي بكائي من أجل الآخرين أبكي على نفسي، قائلًا: "هي (ثامار) أبرّ مني" (تك28: 26).]

ويقول القديس يوحنا الدرجي: [أيها الراعي النشيط، أطلب الضال، واحمله على منكبيك بفرح، فتقدر على شفاء الأمراض المميتة المؤلمة، فالمحبّة تعظِّم الجبابرة وهي موهبة الطبيب.]































=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة
"حينئذ أُحضِر إليه مجنون أعمى وأخرس، فشفاه حتى أن الأعمى الأخرس تكلَّم وأبصر. فبهت كل الجموع وقالوا: ألعلّ هذا هو ابن داود؟!" ‍[22-23]



لقد أدركت الجموع أنه "ابن داود" المسيّا الملك، القادر أن يُخرج الروح الشرّير الذي حرَم هذا الرجل من عقله وبصره ونطقه. فبقيام مملكة المسيّا يُعلن انهيار مملكة الشيطان، التي تُفقد الإنسان فكره السليم وتعمي بصيرته الروحيّة عن رؤية السماويات وتُخرس لسانه فلا ينطق بالتسبيح.









=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"أمّا الفرّيسيّون فلما سمعوا قالوا هذا لا يخرج الشيّاطين إلا ببعلزبول رئيس الشيّاطين. فعلم يسوع أفكارهم، وقال لهم: كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب، وكل مدينة وبيت منقسم على ذاته لا يثبت. فإن كان الشيطان يُخرج الشيطان، فقد انقسم على ذاته فكيف تثبت مملكته؟ وإن كنتُ أنا ببعلزبول أُخرج الشيّاطين، فأبناؤكم بمن يُخرِجون؟ لذلك هم يكونون قضاتكم. ولكن إن كنتُ أنا بروح الله أُخرج الشيّاطين، فقد أقبل عليكم ملكوت الله. أم كيف يستطيع أحد أن يدخل بيت القوي وينهب أمتعته إن لم يربط القوي أولًا، وحينئذ ينهب بيته؟‍ من ليس معي فهو عليّ، ومن لا يجمع معي فهو يفرِّق. لذلك أقول لكم كل خطيّة وتجديف يُغفر للناس. وأما التجديف على الروح فلن يُغفر للناس. ومن قال قال كلمة على ابن الإنسان يُغفر له، وأما من قال على الروح القدس فلن يُغفر له، لا في هذا العالم ولا في العالم الآتي. اجعلوا الشجرة جيّدة وثمرها جيد ، أو اجعلوا الشجرة ردية وثمرها رديا، لأن من الثمر تعرف الشجرة

يا أولاد الأفاعي كيف تقدرون أن تتكلموا بالصالحات وأنتم أشرار؟ فإنه من فضلة القلب يتكلم الفم

الإنسان الصالح من الكنز الصالح في القلب يخرج الصالحات، والإنسان الشرير من الكنز الشرير يخرج الشرور

ولكن أقول لكم: إن كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حسابا يوم الدين

لأنك بكلامك تتبرر وبكلامك تدان

[متى 12 : 24-37].



القديس أغسطينوس: [حتى لا يَحسب الفرّيسيّون أن يسوع المسيح برئيس الشيّاطين يخرج الشيّاطين يلزمهم أن ينصتوا إلى قوله: "إن كنتُ أنا ببعلزبول أُخرج الشيّاطين، فأبناؤكم فبمن يُخرجون؟ لذلك هم يكونون قضاتكم" [27]. بلا شك يقصد بهم تلاميذه، هؤلاء الذين هم من أبناء هذا الشعب. فمن المؤكد تمامًا أنهم لم يتلقَّنوا شيئًا من الفنون الشيطانيّة من سيّدهم الصالح حتى يمكنهم التسلّط على الشيّاطين، لذلك قال لهم: "هم يكونون قضاتكم". إنهم أوفياء، من أقل الطبقات، لا يعرفون الحقد بل يتّسمون ببساطة قوّتي المقدّسة. إنهم شهود لي وقضاة عليكم، لذلك أضاف: "ولكن إن كنتُ أنا بروح الله أُخرج الشيّاطين فقد أقبل عليكم ملكوت الله"... فإن كنتُ أنا بروح الله أُخرج الشيّاطين فأبناؤكم الذين لم أُعلّمهم أي تعليم مخادع وإنما ببساطة الإيمان فقط يُخرجون الشيّاطين... لذلك سيُقبل عليكم ملكوت الله وتهلك مملكة الشيطان وأنتم تهلكون معها.]



البابا كيرلّس الكبير: [حسنًا قال: "قد أقبل عليكم ملكوت السماوات"، بمعنى أنّني إذ صرتُ إنسانًا مثلكم وأُخرج الشيّاطين بروح الله، فبهذا اِغتنت البشريّة فيَّ من ملكوت السماوات، إذ نالت مجدًا بطرد الشيّاطين وانتهار الأرواح الشرّيرة.]

ويقول القديس أمبروسيوس: [لقد أظهر بذلك وجود سلطان ملوكي للروح القدس (إصبع الله)، ونحن أيضًا إذ يسكن الروح القدس فينا نصير مسكنًا ملوكيًا، لذلك ففي موضع آخر يقول: "ملكوت الله داخلكم" (لو 17: 21).]




القديس أغسطينوس بأن كنيسة المسيح تمثِّل مملكة الله غير المنقسمة، فهي كنيسة جامعة، أمّا الهراطقة الذين يحملون اسم المسيح وهم منشقّون على الكنيسة فلا ينتمون لمملكة الله، ولا يعني وجودهم أن انقسامًا قد حدث في جسد المسيح، فإن لهم مجرّد الاسم دون العضويّة.

حقًا إن كل انقسام سواء على مستوى الكنيسة الجامعة أو المحليّة أو كنيسة البيت أو داخل قلب المؤمن، إنّما هو غريب عن روح المسيح، يفقد الإنسان عضويّته الحقّة في جسد المسيح الواحد. إنه من عمل الشيطان!





القديس أغسطينوس:

[من ذا الذي لم يخطئ بكلمة ضدّ الروح القدس قبل كونه مسيحيًّا أو قبل كونه تابعًا للكنيسة الجامعة؟

1. الوثنيون: أليس الوثنيّون الذين يعبدون آلهة كثيرة باطلة، ويسجدون للأصنام، ويقولون بأن الرب يسوع صنع معجزاته بقوة السحر، يكونون كمن قالوا بأنه برئيس الشيّاطين يُخرج الشيّاطين، وإذ يجدّفون على مقدّساتنا يوميًا... ألا يكون ذلك تجديفًا على الروح القدس؟!

2. اليهود: أليس اليهود بنطقهم تلك الكلمات أثاروا المناقشة التي أعالجها؟! ألا ينطقون إلى اليوم بكلمة تجديف ضدّ الروح القدس بإنكارهم حلوله في المسيحيّين؟!

لقد أنكر الصدّوقيّون الروح القدس، أمّا الفرّيسيّون فلم ينكروه مؤكِّدين وجوده، لكنهم أنكروا علاقته بالرب يسوع المسيح، إذ حسبوه برئيس الشيّاطين يُخرج الشيّاطين مع أنه أخرجها بالروح القدس.

3. الهراطقة: كل من اليهود والهراطقة الذين يعتقدون بوجود الروح القدس ينكرون علاقته بجسد المسيح، أي كنيسة الواحدة الوحيدة الجامعة، هؤلاء بلا شك كالفرّيسيّين الذين رغم اعترافهم بوجود الروح القدس إلا أنهم أنكروا وجوده في السيّد المسيح، ناسبين إخراج الشيّاطين إلى كونه رئيسًا للشيّاطين...

لقد اتّضح أن كلًا من الوثنيّين واليهود والهراطقة قد جدّفوا على الروح القدس، فهل يُهمل هؤلاء، ويفقدون الرجاء بحسب العبارة "وأما من قال كلمة على الروح القدس فلن يغفر له، لا في هذا الدهر، ولا في الآتي". هل لا يمكن أن يوجد من لم يجدّف على الروح القدس إلا المسيحي الذي نشأ منذ طفولته في الكنيسة الجامعة؟

حقًا إن كل الذين آمنوا بكلمة الله وتبعوا الكنيسة الجامعة، سواء كانوا وثنيّين أو يهودًا أو هراطقة، نالوا نعمة المسيح وسلامه. فلو لم يكن لهم غفران عن الكلمات التي تفوّهوا بها ضدّ الروح القدس لكان وعدنا لهم وتبشيرنا بالرجوع إلى الله لينالوا السلام وغفران الخطايا أمرًا باطلًا... لأن العبارة لم تقل: "لا تُغفر إلا بالمعموديّة" بل قال "لا يُغفر له لا في هذا الدهر ولا في الآتي".

4. المسيحيّون: قد يظن البعض بأنه لا يخطئ إلى الروح القدس غير الذين اغتسلوا في جرن الولادة الجديدة، فخطيتّهم هذه تكون بجحدهم العطيّة العُظمى التي وهبهم المخلّص إيّاها، ملقين بأنفسهم ـ بعد نوالهم العطيّة ـ في الخطايا المهلكة كالزنا والقتل والارتداد عن المسيحيّة أو عن الكنيسة الجامعة... ولكن كيف يمكننا أن نُبرهن على صحّة هذا؟ إنّني لا أستطيع القول بهذا، لأن الكنيسة لن ترفض التوبة عن أي خطيّة كانت. والرسول بولس يقول بأنه يمكن توبيخ الهراطقة (أي المسيحيّين الذين انحرفوا) لأجل نوالهم التوبة: "عسى أن يعطيهم الله توبة لمعرفة الحق، فيستفيقوا من فخ إبليس إذ قد اِقتنصهم لإرادته" (2 تي 2: 25-26). وما الفائدة من إصلاحهم إن لم يكن لهم رجاء في نوال المغفرة؟ كذلك لم يقل الرب: "المسيحي المعمَّد الذي يقول كلمة على الروح القدس"، بل قال "وأما من قال كلمة..." أي من قال كلمة سواء كان وثنيًا أو يهوديًا أو مسيحيًا أو هرطوقيًا.]



القديس أغسطينوس أن أبواب مراحم الله مفتوحة للجميع حتى الذين تعرّضوا للتجديف على الروح القدس سواء قبل الإيمان بالسيّد المسيح من اليهود أو أمم أو حتى بعد الإيمان مثل السقوط في هرطقات ضدّ الروح القدس أو اِرتكاب خطايا مرّة، بدأ يوضّح كلمات السيّد المسيح عن "التجديف على الروح القدس" في العبارة التي بين أيدينا ليظهر أنه لا يقصد المعنى الشامل، أي كل تجديف ضدّ الروح القدس وإنما يقصد معنى خاصًا.

يقول القديس أغسطينوس:

[لم يقل الرب "لا يُغفر كل تجديف على الروح" أو "من قال أيّة كلمة" بل "وأما من قال كلمة". فلو ذُكرت كلمة "كل" لما أمكن للكنيسة أن تحتضن الخطاة والأشرار والمقاومين لتعطيهم المسيح ومقدّسات الكنيسة، سواء كانوا يهودًا أو أمميّين أو ثنيّين أو هراطقة... أو حتى الضعفاء من المسيحيّين الذين ينتمون للكنيسة الجامعة نفسها. حاشا أن يكون ذلك هو قصد الرب!

أقول، حاشا أن يقول الرب "كل" أو "أي" تجديف أو كلمة على الروح القدس ليس لها مغفرة... إذن فبلا شك توجد تجديفات وكلمات معيّنة لو قيلت على الروح القدس لا يكون لها غفران. فما هي هذه الكلمة؟ هذه هي إرادة الله أن نسأل هذا السؤال ليوضّحه لنا؛ إرادته أن نسأله لا أن نعترض على كلامه.

غالبًا ما يستخدم الكتاب المقدّس هذه الطريقة، وهي أن يعبّر عن أمر ما دون تحديد إن كان يقصد به معنى عامًا أم خاصًا، وبذلك لا توجد ضرورة ملزمة لفهمه بالمعنى العام أو الخاص؛ فهو لا يستخدم كلمة "كل" ولا "بعض"؛ لا يتحدّث بصيغة عامة ولا صيغة خاصة.


القديس أغسطينوس أن ما قصده الرب هنا هو "الإصرار على عدم التوبة" حتى آخر نسمة من نسمات حياتنا. يقول بأن الروح القدس هو روح الآب والابن، من خواصه الشركة بين الأقنومين، كما أنه هو الذي يعطينا الشركة مع الله، إذ به تنسكب محبّة الله فينا، فتستر خطايانا، بهذا فإن عمله هو غفران الخطايا ومصالحتنا مع الله. ومن ناحية أخرى فإن الروح هو الذي يعطي الشركة بين أعضاء الكنيسة الواحدة في الرب، وهو الذي يهب العضو التوبة والتبكيت كما يعطي للكنيسة حق حلّ خطاياه... إذن عمل الروح القدس في حياتنا هو التوبة لنوال الحلّ... فالتجديف هو الإصرار على عدم التوبة وبالتالي الحرمان من العضويّة الكنسيّة الحقيقية.

يقول القديس أغسطينوس:

[أحبّائي... أنتم تعلمون أن سرّ التثليث غير المنظور... الذي يقوم عليه إيماننا، وتعتمد عليه الكنيسة الجامعة وتكرز به، أن الآب ليس أبًا للروح القدس بل للابن، والابن ليس ابنًا للروح القدس بل للآب، وأما الروح القدس فليس روح الآب وحده ولا الابن وحده بل روح الآب والابن... لقد سلَّمت إلينا فكرة العلّة في الآب (أي المصدر)، والبنوّة في الابن، والشركة في الروح القدس، والمساواة في الثلاثة‎. بذلك صارت مسرة الله أن ننال بواسطة من هو رابطة الوحدة بين أقنومي الآب والابن، الشركة مع بعضنا البعض ومع الثالوث القدّوس... بنفس العطيّة نجتمع معًا في وحدانيّة... ننالها بواسطة الروح القدس الذي هو الله وفي نفس الوقت عطيّة الله...

عطيّة الله الأولى في الروح القدس هي "مغفرة الخطايا"؛ هذا ما بدأت به بشارة يوحنا المعمدان السابق للرب... قائلًا "توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات" (مت 3: 1-2)، وهو أيضًا ما بدأ به ربّنا بشارته (مت 4: 17). ومن الأمور التي تحدّث بها يوحنا إلى الذين جاءوا ليعتمدوا منه قوله: "أنا أعمِّدكم بماء للتوبة ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوى منّي، الذي لست أهلًا أن أحمل حذاءه، هو سيعمّدكم بالروح القدس ونار" (مت3: 11). وقال الرب أيضًا: "يوحنا عمّد بالماء وأما أنتم فستعمِّدون بالروح القدس، ليس بعد هذه الأيام بكثير" (أع 1: 5)... فالنار بالرغم من إمكان فهمها على أنها الضيقات التي يتحمَّلها المؤمنون من أجل المسيح، لكن من المعقول هنا أن المقصود بها الروح القدس نفسه. لذلك عندما حلّ الروح القدس قيل: "وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار واستقرّ ت على كل واحد منهم" (أع 2: 3). وقد قال الرب نفسه: "جئت لأُلقي نارًا على الأرض" (لو 12: 49)، ويقول الرسول: "حارِّين في الروح" (رو 12: 11)، لأن من الروح القدس (النار) تأتي غيرة (حرارة) الحب، "لأن محبّة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المُعطَى لنا" (رو 5: 5)، وعلى العكس قال الرب: "تبرد محبّة الكثيرين" (مت 24: 12). إذن الحب الكامل هو عطيّة الروح القدس (النار) الكاملة، لكن عطيّته الأولى هي غفران الخطيّة التي بها أنقذنا من سلطان الظلمة (كو 1: 13)، ومن رئيس هذا العالم (يو 12: 31) الذي يعمل الآن في أبناء المعصية (أف 2: 2)... فالروح القدس الذي به يجتمع شعب الله في واحد يُطرد الروح الشرّير المنقسم على ذاته.]

هكذا يبلغ بنا القديس أغسطينوس إلى أن عمل الروح القدس هو حياة الشركة مع الله ومع إخوتنا، خلالها لا يكون لإبليس موضع فينا، وذلك بالتوبة، لهذا يكمّل قائلًا: [فالقلب غير التائب ينطق بكلمة ضدّ الروح القدس، ضدّ هذه العطيّة المجّانيّة، وضد النعمة الإلهيّة. عدم التوبة هو التجديف على الروح القدس الذي لن يغفر لا في هذا العالم ولا في الآتي.]



القديس أغسطينوس: [عدم التوبة أو القلب غير التائب أمر غير مؤكّد طالما لا يزال الإنسان حيًا في الجسد. فعلينا ألا نيأس قط من إنسان مادامت أناة الله تقود الشرّير إلى التوبة، ومادام الله لم يأخذه سريعًا من هذا العالم: "هل مسرَّةً أُسرُّ بموت الشرّير يقول الرب، إلا برجوعه عن طرقه فيحيا؟!" (حز 18: 23). قد يكون الإنسان اليوم وثنيًا لكن من أدراك فقد يصبح مسيحيًا في الغد... ليحثك الرسول أيها الأخ قائلًا: "لا تحكموا في شيء قبل الوقت" (1 كو 4: 5)... أكرّر قولي بأن التجديف لا يمكن أن يثبت على إنسان بأي حال من الأحوال مادام على قيد الحياة.]





القديس أغسطينوس: [حقًا إن كل خطيّة وتجديف يُغفر للبشر ليس فقط، ما يقال ضدّ ابن الإنسان. فمادامت لا توجد خطيّة عدم التوبة، هذه التي توجّه ضدّ الروح القدس الذي به تغفر الكنيسة جميع الخطايا، فإن جميع الخطايا تُغفر... إن قول رب المجد: "من قال كلمة على ابن الإنسان يُغفر له وأما من قال على الروح القدس فلن يُغفر له" لا يعني أن الروح القدس أعظم من الابن، فإنّنا لم نسمع عن هرطقة نادت بهذا. إنّما يُقصد بهذا أن من يقاوم الحق ويجدّف عليه، أي على المسيح بعد إعلانه عن ذاته بين البشر، إذ "صار جسدًا وحلّ بيننا" (يو 1: 14)... ولم يقل كلمة على الروح القدس أي عاد فتاب عن مقاومته وتجديفه على المسيح فإن خطاياه تغفر له... الروح القدس مساوٍ للآب والابن الوحيد في الجوهر حسب لاهوته.]

هكذا يوضّح القديس أغسطينوس أن كل تجديف يغفر، إنّما خص "التجديف على الروح القدس" يقصد عدم التوبة وليس تمييزًا له عن الآب والابن.

أوضح القدّيس أيضًا أن الآب يغفر الخطايا (مت 6: 14) والابن يغفر الخطايا (مت 9: 6)، لأن المغفرة هي عمل الثالوث القدّوس، لكنها تخص الروح القدس بكونه روح التبنّي (رو 8: 15)، وواهب الشركة (في 2: 1).... لذلك فإن غفران الخطايا لا يوهب إلا بالروح القدس خلال الكنيسة الجامعة التي لها الروح القدس!




القديس أغسطينوس: [لقد شرح الرب بوضوح ما رغب أن يعرِّفنا إيّاه: وهو أن من يجدف على الروح القدس -أي يقاوم بعدم توبته- ويقاوم وحدة الكنيسة التي فيها يعطي الروح القدس مغفرة الخطايا، لا يأخذ هذا الروح القدس... ولئلا يظن أحد أن ملكوت المسيح منقسم على ذاته بسبب هؤلاء الذين يجتمعون في جماعات شاذّة خارج الحظيرة تحت اسم المسيح، لذلك أردف قائلًا: "من ليس معي فهو عليّ ومن لا يجمع معي فهو يفرق" (مت 12: 30)... فالذي يجمع بدون المسيح، مهما جمع باسمه لا يكون معه الروح القدس. وبهذا يجبرنا على أن نفهم بأنه لا يتمّ الغفران عن أي خطيّة أو تجديف -بأي حال من الأحوال- إلا باتّحادنا معًا في المسيح الذي لا يفرق...]

كأن السيّد المسيح في حديثه عن "التجديف على الروح القدس" ليس فقط يحذِّر من عدم نوال المغفرة بسبب عدم التوبة، إنّما يطالب بما هو إيجابي: وهو "العمل لحساب المسيح"، فمن لا يعمل معه يكون كمن هو مقاوم له! فالمسيحي ملتزم بالعمل لحساب المسيح لبنيان الكنيسة، وإلا حُسب كمن يهدم مملكته. وكما يقول القديس جيروم: [من ليس للمسيح فهو لضد المسيح[543].]، ويقول القديس كبريانوس: [من يكسر سلام المسيح واتّفاقه يصنع هذا في مضاداة له؛ من يجمع في غير الكنيسة (جماعات الهراطقة) يبعثر الكنيسة[544].] لهذا يقول القديس أمبروسيوس: [إنه يتحدّث هنا عن الذين يخرِّبون وحدة الكنيسة[545].]

حين قاومت عائلة هليودرس Heliodrus ذهابه إلى الدير بطريقة قاسية ومرّة، كتب إليه القديس جيروم يذكره بقول السيّد المسيح: "من ليس معي فهو عليّ، ومن لا يجمع معي فهو يفرق"، قائلًا: [تذكَّر اليوم الذي سُجِّل اسمك في سجلاّت الكنيسة حينما دُفنت مع المسيح في المعموديّة، وتعهَّدت أن تكون مخلصًا له، معلنًا أنك لأجله تترك أباك وأمك. حقًا إن العدوّ يجاهد أن يذبح المسيح في صدرك... فلتهرب بعيون باكية إلى الصليب.]

ولئلا يتعثّر البعض ظانِّين أنهم بطبيعتهم أشرار لذلك فهم غير قادرين على تقديم التوبة خلال الأعمال الصالحة، يتحدّث السيّد المسيح مع الفرّيسيّين، قائلًا: "اجعلوا الشجرة الجيّدة وثمرها جيدًا، أو اجعلوا الشجرة رديئة وثمرها رديًا، لأن من الثمر تُعرف الشجرة" [33]. بهذا يفتح أمامهم باب الرجاء، فإنهم وإن سقطوا في التجديف لكن بإرادتهم يستطيعون أن ينعموا بإمكانيّة الله لتغيير شجرة حياتهم. إن كانت كلماتهم المملوءة تجديفًا تكشف عن نوعيّة شجرهم الداخلي العقيم، لكنهم قادرون بالرب أن يغيِّروا طبيعة شجرهم.

يُعلّق القديس أغسطينوس على كلمات السيّد: [ينبغي على الإنسان أن يتغيّر هو أولًا حتى تتغيّر أعماله، فإن بقيَ الإنسان في حالته الشرّيرة لا يمكن أن تكون أعماله صالحة، وإن بقيَ في حالة صالحة لا يمكن أن يحمل ثمرًا شريرًا.]

يقول أيضًا: [غيرّ القلب فتتغيّر الأعمال! اقتلع الشهوات واغرس المحبّة، فكما أن الشهوة (محبّة المال) أصل كل الشرور (1 تي 6: 10) هكذا المحبّة أصل الصلاح[546].]

ويعلق القديس أغناطيوس على العبارة: "لأن من الثمر تُعرف الشجرة"، قائلًا: [يُعرف من يتكلَّم عن الإيمان من أعماله. فلا يكفي أن نُعلن عن إيماننا، وإنما يلزمنا أن نُظهره عمليًا حتى النهاية[547].]

إن كنّا في حاجة إلى تغيير الشجرة الداخليّة أي القلب، بالمسيح ربّنا واهب الإنسان الجديد في مياه المعموديّة بروحه القدّوس، حتى نأتي بثمر صالح ولا يكون لنا ثمرة واحدة شرّيرة، فإنّنا أيضًا ملتزمون بالجهاد ألا ننطق بكلمة رديئة أو شرّيرة


يتحدّث القديس يوحنا الذهبي الفم عن ضبط اللسان، قائًلا:

[إن الوعاء الذهبي لا يُستعمل للأشياء الدنيئة لغِلوّ ثمنه، فكم بالأحرى الفم فهو أثمن من الذهب والمرجان، فلا يجوز أن ندنِّسه بالكلام القبيح والشتم وطعن الآخرين.]

"الحكيم يقول أن الذين سقطوا بعثرات اللسان أكثر من الذين سقطوا من السيوف" (سيراخ 8: 21)، والمسيح يقول: "ليس ما يدخل الفم ينجس الإنسان بل ما يخرج من الفم هذا ينجس الإنسان" (مت 15: 11). والحكيم يقول أيضًا: "واجعل لفمك بابا ومزلاجًا" (سيراخ 8: 29)."

ويقول الأب يوحنا من كرونستادت: [اهتم بكلماتك فإن الكلمة ثمينة...! لتنطق بكلمة الله الخلاّقة، فإن كلمة الله هو علّة كل الخليقة، فيه يوجد الحاضر والماضي والمستقبل[548].] كما يقول: [إن كنت تتحدّث مع قريبك، فتكلَّم بتعقُّل ووقار وبطريقة بنّاءة، متجنِّبًا كل كلمة بطّالة بكونها سمّ الحيّة[549].]



=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة



"حينئذ أجاب قوم من الكتبة والفريسيين قائلين:

يا معلّم نريد أن نرى منك آية.

فأجاب وقال لهم: جيل شرّير وفاسق يطلب أيّة ولا تُعطَى له أيّة إلا أيّة يونان النبي.

لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليالي،

هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليالي"

رجال نينوى سيقومون في الدين مع هذا الجيل ويدينونه، لأنهم تابوا بمناداة يونان، وهوذا أعظم من يونان ههنا


[ متى 12 : 38-41].





[نَبَع طلبهم عن مكر فلم يُستجاب لهم كقول الكتاب: "يطلبني الأشرار ولا يجدونني" (راجع هو 5: 6)... لقد نسبوا لبعلزبول أعمالًا مجيّدة هكذا وعجيبة ولم يخجلوا من تحطيم الآخرين مع تحطيم أنفسهم بذات الأمور التي كان يجب أن تكون علّة تثبيت للإيمان بالمسيح. لهذا لم يرد أن يقدّم لهم آية أخرى، فلا يقدّم القُدْس للكلاب ولا يُلقي الدُرر للخنازير، إذ كيف يستحق هؤلاء الذين قدّموا افتراءات مرّة على المعجزات التي تمت أن يتمتّعوا برؤية معجزات أخرى...؟ لهذا قال لهم أنه لا تعطى لهم سوى آية يونان التي تعني الصليب والقيامة من الأموات... وقد كان يمكن ليسوع ألا يريد أن يموت بالجسد على الصليب ولا يقدّم الآية لليهود، لكن هذه الآلام ضروريّة لخلاص العالم، فأعطيت لغير المؤمنين (من اليهود) لدينونتهم. في حديثه معهم قال: "اُنقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أُقيمه" (يو 2: 19). إن إبادته للموت وإصلاحه الفساد بالقيامة من الأموات لهو علامة عظيمة على قوّة الكلمة المتجسّد وسلطانه الإلهي وبرهانًا كافيًا كما أظن في حكم الناس الجادِّين. لكنهم رشوا عسكر بيلاطس بمبلغ كبير من المال ليقولوا أن "تلاميذه أتوا ليلًا وسرقوه" (مت 28: 13). لقد كانت (قيامته) علامة ليست بهيّنة بل كافية لإقناع سكان الأرض كلها أن المسيح هو الله، وأنه تألّم بالجسد باختياره وقام ثانية آمرًا قيود الموت أن ترحل والفساد أن يُطرد خارجًا. لكن اليهود لم يؤمنوا حتى بهذا لذلك قيل عنهم بحق "ملكة التيمن ستقوم في الدين مع هذا الجيل وتدينه"


الآية ليست عملًا استعراضيًا، وإنما هي عمل إلهي غايته خلاص الإنسان، يتقدّم هذا كلّه الآية التي حملت رمزًا لدفن السيّد المسيح وقيامته من الأموات ليهبنا الدفن معه والتمتّع بقوة قيامته، أي آية يونان النبي.

إن كانت الآيات والمعجزات غايتها "حياة الإنسان الروحيّة"، لهذا يرى الآباء أن الحياة الفاضلة هي أفضل من صنع المعجزات. إذ لا يديننا الله على عدم صنع معجزات، إنّما يديننا إن كنّا لا نحيا بروحه القدّوس الحياة اللائقة كأولاد له. ويؤكّد السيّد أن في اليوم العظيم، سيدين الأشرار حتى وإن كانوا قد صنعوا باسمه آيات، حاسبًا أنه لا يعرفهم.

* لا تطلب علامات بل صحّة النفس.

لا تطلب أن ترى ميّتًا قام، فقد تعلَّمت أن العالم كلّه يقوم.

لا تطلب أن ترى أعمى يشفى، بل أن يتطلّع الكل الآن لينعم بنظرة أفضل وأنفع، وتتعلَّم أن تنظر بطهارة فتُصلح عينيك.

إن كنّا نعيش كما يليق يندهش أبناء الوثنيّين بنا أكثر من صانعي المعجزات.

* إن أردت أن تصنع معجزات أيضًا عليك أن تتخلَّص من المعاصي بهذا تحقّق المعجزات تمامًا.

القديس يوحنا الذهبي الفم




* علينا ألا نُخدع لمجرد تسميتهم باسم المسيح دون أن يكون لهم الأعمال، بل ولا المعجزات تخدعنا، لأن الرب الذي صنع المعجزات لغير المؤمنين، حذّرنا من أن نُخدع بالمعجزات، ظانّين أنه حيثما وُجدت المعجزة المنظورة توجد الحكمة غير المنظورة، لذلك أضاف قائلًا: "كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم يا رب يا رب أليس باسمك تنبّأنا، وباسمك أخرجنا شيّاطين، وباسمك صنعنا قوّات كثيرة، فحينئذ أصرِّح لهم: إني لا أعرفكم قط، اذهبوا عنّي يا فاعلي الإثم" (مت 7: 22-23) فهو لا يعرف غير صانعي البرّ.

القديس أغسطينوس





القديس كيرلس الأورشليمي: "إن كان يونان قد ألقيَ في بطن الحوت، فالرب يسوع نزل بإرادته إلى حيث حوت الموت غير المنظور، ليجبره على قذف الذين كان قد ابتلعهم، كما هو مكتوب: "من يد الهاوية أفديهم، من الموت أخلِّصهم".







القديس باسيليوس الكبير: [أعطاهم علامة لكن ليست من السماء، لأنهم لم يكونوا يستحقّون رؤيتها، إنّما من أعماق الجحيم، أعنى علامة تجسّده ولاهوته وآلامه وتمجيده بقيامته بعد دخوله إلى الجحيم ليحرّر الذين ماتوا على رجاء






القديس أمبروسيوس: [آية يونان ترمز لآلام ربّنا، وفي نفس الوقت شهادة ضدّ خطيّة اليهود الخطيرة التي يرتكبوها. بأهل نينوى يُشير إلى العقاب (إذ يقدّم اليهود العذابات للسيّد المسيح) وفي نفس الوقت الرحمة، فلا ييأس اليهود من المغفرة إن مارسوا التوبة



لقد تمتّع أهل نينوى بيونان الكارز المنطلق من بطن الحوت، أمّا نحن فتمتّعنا بيونان الحقيقي القادر أن يطلقنا من أعماق الهاوية ويدخل بنا إلى ملكوته السماوي:"هوذا أعظم من يونان ههنا" [41].







=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"ملكة التيمن ستقوم في الدين مع هذا الجيل وتدينه، لأنها أتت من أقاصي الأرض لتسمع حكمة سليمان، وهوذا أعظم من سليمان ههنا. إذا خرج الروح النجس من الإنسان يجتاز في أماكن ليس فيها ماء يطلب راحة ولا يجد. ثم يقول أرجع إلى بيتي الذي خرجت منه، فيأتي ويجده فارغًا مكنوسًا مزيّنًا. ثم يذهب ويأخذ معه سبعة أرواح أُخر أشرّ منه فتدخل وتسكن هناك، فتصير أواخر ذلك الإنسان أشرّ من أوائله، هكذا يكون أيضًا لهذا الجيل الشرّير"

[متى 12 : 42-45].




يُعلّق القديس كيرلس الكبير على هذه العبارة بقوله: [جاءت هذه المرأة تطلب أن تسمع سليمان، وقد تحمّلت السفر لمسافة طويلة لتحقيق هذا الهدف، لتصغي لحكمته الخاصة بطبيعة الأمور المنظورة، والحيوانات والنباتات، أمّا أنتم فحاضر بينكم الحكمة عينه تستمعون إليه، هذا الذي جاء ليحدِّثكم عن الأمور غير المنظورة السماويّة، مؤكِّدًا أقواله بأعماله ومعجزاته، فتهربون من كلماته وتجتازون بعيدًا عن طبيعتها العجيبة. كيف إذن، ليس من هو أعظم من سليمان ههنا أي فيّ؟ أسألكم مرّة أخرى أن تلاحظوا حذاقة لغته فإنه يقول: "ههنا" ولا يقول "فيّ" لكي يجتذبنا بتواضعه عندما يمنحنا عطاياه الروحيّة. ومن ناحية أخرى فإنه غير مستحب لدى اليهود أن يسمعوه يقول: "إن أعظم من سليمان فيّ"، فإنهم لو سمعوه يقول هذا لتجاسروا قائلين: "انظروا إنه يقول أنه أعظم من الملوك الذين حكموا علينا في مجد"، فلأجل التدبير استخدم المخلّص لغة التواضع قائلًا: "ههنا" عوضًا عن قوله "في



القديس أمبروسيوس: [هنا أيضًا يدين الشعب اليهودي، إذ يعبِّر بقوة عن سرّ الكنيسة في ملكة الجنوب، خلال رغبتها في نوال الحكمة، إذ تأتي من أقاصي الأرض لتسمع كلمات سليمان صانع السلام؛ الملكة التي لها مملكة غير منقسمة تضم أممًا مختلفة ومتباينة في جسدٍ واحدٍ.]



إن كان قد جاء السيّد المسيح الذي هو أعظم من يونان الذي اجتذب أهل نينوى للتوبة، وأعظم من سليمان الذي جاءت إليه ملكة التيمن من أقصى الأرض تسمع حكمته، فقد صار لنا إمكانيّة التمتّع بالملكوت الجديد، فيطرد الشيطان الذي احتلّ القلب زمانًا طويلًا ليسكن الرب فيه. هذه العطيّة المجّانيّة المقدّمة لنا تديننا إن تهاونّا فيها، فتركنا القلب للعدو مرّة أخرى خلال تراخينا، ليتقدّم بصورة أكثر شراسة حتى يحتل ما قد فُقد منه، وكما نرى عمليًا حينما يرتدّ المؤمن عن الحياة المقدّسة يصير في شرّه أبشع ممّا كان عليه قبل الإيمان أو التوبة.

يرى القديس يوحنا كليماكوس أن هذا القول الإلهي ينطبق بصورة واضحة على الشاب المتحمِّس الذي ينجح في تركه شهوات الجسد والحياة المترفة، لكنّه بعد دخوله إلى الحياة الرهبانيّة النسكيّة يسقط خلال تهاونه داخل ميناء الأمان، إذ يقول: [يا له من منظر يُرثى له، إذ نرى الذين بعدما عاشوا في مخاطر البحر يعانون من تحطيم السفينة داخل الميناء









=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"وفيما هو يكلِّم الجموع، إذ أمه وإخوته قد وقفوا خارجًا طالبين أن يكلِّموه.

فقال له واحدًا: هوذا أمك وأخوتك واقفون خارجًا طالبين أن يكلّموك.

فأجاب وقال للقائل له: من هي أمي؟ ومن هم إخوتي.؟

ثم مدّ يده نحو تلاميذه، وقال: ها أمي وإخوتي.

لأن من يصنع مشيئة أبي الذي في السماوات هو أخي وأختي وأمي

[ متى 12 : 46-50].











* إنه لم يقل "أنتِ لستِ أمي"، بل قال: "من هي أمي؟" وكأنه يقدّم مفهومًا جديدًا للارتباط به، ليس خلال علاقة جسديّة خلال الدم واللحم والنسب، وإنما خلال الطاعة لإرادة أبيه، ألا ترى أنه في كل مناسبة لم ينكر القرابة حسب الطبيعة، لكنّه أضاف إليها ما هو بواسطة الفضيلة؟![556]

القديس يوحنا الذهبي الفم

* هذا يعني أنه حتى بالنسبة لأمي التي تدعونها مطوّبة، إنّما هي مطوّبة لحفظها كلمة الله، ليس فقط لأن كلمة الله صار فيها جسدًا وحلّ بيننا، وإنما لأنها تحفظ ذات كلمة الله الذي خلقها، وقد صار جسدًا فيها. ليته لا يفرح أحد بالنسب الجسدي، إنّما يفتخر إن كان بالروح مرتبطًا بالله[557].

القديس أغسطينوس

هذا وقد سبق لنا الحديث عمّا يمكننا تسمِيَتُه بأمومة النفس للسيّد المسيح بكونها حاملة له في داخلها، وعن مفهوم "إخوة الرب" بكونهم أبناء مريم زوجة كلوباس، أخت القدّيسة مريم (يو19 : 25)، في كتابنا "القدّيسة مريم في المفهوم الأرثوذكسي"

















=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"في ذلك اليوم خرج يسوع من البيت وجلس عند البحر. فاجتمع إليه جموع كثيرة حتى أنه دخل السفينة وجلس، والجمع كلّه وقف على الشاطئ"
[ متى 13 : 1-2].





ماذا يقصد بالبيت؟

أولًا: ربّما قصد بالبيت "الكنيسة المقدّسة كجماعة المؤمنين" فقد خرج السيّد المسيح خارج ليلتقي مع جماهير غير المؤمنين، الذين لم يدخلوا بعد في العضويّة الكنسيّة، ولا وُلدوا كأبناء لله... يخرج إليهم ليلتقي معهم خلال محبّته بكلمة الكرازة، ويجلس عند البحر، الذي يُشير إلى العالم المملوء اضطرابًا، لكي يدخل بهم إلى كنيسته، بدخوله هو إلى سفينة إنسانيّتنا وحديثه معهم عن ملكوت السماوات خلال الأمثال.

بحبّه يتحدّث مع الجميع، لكنّه لا يأتمن أحدًا على أسرار الملكوت وتذوّق الأمجاد الأبديّة خارج البيت. إنه يصرف الجماهير ليلتقي مع تلاميذه وحدهم داخل البيت، ويحدّثهم في أمورٍ لا ينطق بها ومجيدة.

يقول العلامة أوريجينوس: [عندما يكون يسوع مع الجموع يكون خارج بيته، لأن الجموع خارج البيت. هذا العمل ينبع عن حبّه للبشر، إذ يترك البيت ويذهب بعيدًا إلى أولئك الذين يعجزون عن الحضور إليه.]

ثانيًا: يُشير البيت أيضًا إلى السماء بكونها هيكل الله. فإذ عجزت البشريّة عن الارتفاع إلى السماء لتلتقي بخاِلقها نزل هو إليها. إنه كمن يخرج من البيت ليلتقي بالبشريّة خلال إنسانيّتهم، حتى بدخوله إليهم لا يهابونه كديّان، فيهربون منه، بل يسمعون صوته خلال السفينة الخشبيّة، أي خلال الصليب ليجتذبهم بالحب إلى السمويّات "بيته"، ويكشف لهم أسراره كعريس يناجي عروسه في حجاله الأبدي. لا يحدّثها عن أسراره علانيّة بين الجماهير، بل خلال علاقة الحب الشخصي في لقائهما معًا تحت سقف واحد!

ليتنا بالحق لا نكتفي بالوقوف مع الجماهير عند الشاطئ لنسمع الأمثال، إنّما ندخل به وفيه إلى بيته، ننعم بالعضويّة الروحيّة في كنيسته والدخول إلى سماواته، فنرتمي في أحضانه الإلهيّة ليحدّثنا حديث حُبّه السرّي الفائق.




















=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة
مثل الزارع اصحاح 13

3 فكلمهم كثيرا بأمثال قائلا: هوذا الزارع قد خرج ليزرع

4 وفيما هو يزرع سقط بعض على الطريق، فجاءت الطيور وأكلته

5 وسقط آخر على الأماكن المحجرة، حيث لم تكن له تربة كثيرة، فنبت حالا إذ لم يكن له عمق أرض

6 ولكن لما أشرقت الشمس احترق، وإذ لم يكن له أصل جف

7 وسقط آخر على الشوك ، فطلع الشوك وخنقه

8 وسقط آخر على الأرض الجيدة فأعطى ثمرا، بعض مئة وآخر ستين وآخر ثلاثين

9 من له أذنان للسمع، فليسمع



القديس يوحنا الذهبي الفم عن هذا الخروج الإلهي هكذا: [خرج ذاك الذي هو كائن في كل مكان، لكنّه غير محدود بمكان؛ جاءنا في ثوب جسدنا. يتحدّث المسيح بحق عن اقترابه إلينا كخروج. لأننا قد طُردنا خارج الله كمن هم مدينين وثائرين مطرودين من حضرة الملك. لكن ذاك الذي يرغب في مصالحتهم مع الملك يخرج إليهم، ويتحدّث معهم خارج المملكة، ومتى تأهّلوا يحضرهم إلى الحضرة الإلهيّة. هذا هو ما فعله المسيح


[لم يخرج إلى موضع إنّما يُعلن عن حياة وتدبير يخصّان خلاصنا، إذ صار قريبًا لنا بالتحافه جسدنا. فإذ لم نستطع نحن أن ندخل بسبب خطايانا خرج هو إلينا. ولماذا خرج؟ هل لكي يُهلك الأرض التي أنتجت أشواكًا...؟ لا، إنّما خرج ليهتمّ بالأرض ويبذر كلمة الحنو. إذ يدعو تعاليمه هنا بذارًا، ونفوس البشر حقلًا مفلحًا، ويدعو نفسه بالباذر



ألقى الله بذاره في الفردوس، لكن أبوينا الأولين قبِلا الزوان عِوض بذار الرب، فخرجا يحملان ثمار المرارة والعصيان. عاد الله وخرج إلى شعبه خلال موسى لينطلق بهم من أرض العبوديّة، مقدّمًا لهم الشريعة كبذارٍ إلهيّة، لكن القلب الذي ارتبط بعبادة الأوثان المصريّة، خاصة عِجل أبيس الذهبي، رفض البذار الإلهيّة مثمِرًا شجرة تذمُّر مستمر. وفي ملء الزمان خرج كلمة الله بنفسه إلينا متجسّدًا، وحلّ وسطنا، لنتقبّله حالاًّ فينا، فنثمر ثمار روحه القدّوس. وقد تمّ كمال خروجه بانطلاقه خارج أورشليم حاملًا عار الصليب، حتى نخرج نحن أيضًا بالصليب خارج "الأنا"، أي خارج ذواتنا المتعجرفة، فنلتقي به عند صليبه ونتقبّل ينبوع دمه الطاهر بذار حب تعمل فينا؛ الأمر الذي أوضحه الرسول بقوله "لذلك يسوع أيضًا لكي يقدّس الشعب بدم نفسه تألّم خارج الباب؛ فلنخرج إذًا إليه خارج المحلّة، حاملين عاره" (عب 13: 12-13).





أمّا السيّد المسيح فهو بعينه الكلمة الإلهي، يوَد أن يُدفن في قلب المؤمن، لكي يُعلن ذاته شجرة حياة في داخله. إنه لا يقدّم شيئًا خارجًا عنه استعارة، إنّما يقدّم حياته سرّ حياة لنا، وقيامته علّة قيامتنا، ونصرته بكر نصرتنا، وأمجاده سرّ تمجيدنا!

إنه الباذر والبذرة في نفس الوقت.



* عند سماعكم هذا لا تبتدئوا تفتكروا في طبائع مختلفة كبعض الهراطقة، الذين يذكرون أن للواحد طبيعة شرّيرة وللآخر صالحة، وأن البعض تقودهم إرادتهم خلال تكوينهم إلى ما هو صالح أو شرير. أضف إلى هذا أن الكلمات "قد أُعطى لكم"، تعني أنه لكم إرادة[560].

الأب غريغوريوس (الكبير)

* (عن إمكانيّة التحوّل إلى تربة صالحة)

اقلبوا التربة الصالحة بالمحراث، أزيلوا الحجارة من الحقل، انزعوا الأشواك عنها.

احترزوا من أن تحتفظوا بذلك القلب القاسي الذي سرعان ما تعبر عنه كلمة الرب ويفقدها.

احذروا من أن تكون لكم تربة خفيفة فلا تتمكن جذور المحبّة من التعمق فيها.

احذروا من أن تختنق البذار الصالحة التي زُرعت فيكم خلال جهادي، وذلك بواسطة الشهوات واهتمامات هذا العالم.

كونوا الأرض الجيّدة، وليأتِ الواحد بمائة والآخر بستين وآخر ثلاثين[561].

القديس أغسطينوس

ماذا يقصد بقوله: "من له أذنان للسمع فليسمع"؟ يُعلّق القديس جيروم على هذه العبارة هكذا: [يقول إشعياء "أعطاني الرب أذنًا" (إش 50: 4). لتفهم ماذا يقول؟ لقد أعطاني الرب أذنًا، إذ تكون لي أذن القلب؛ وهبني الأذن التي تسمع رسالة الله فما يسمعه النبي إنّما يسمعه في قلبه. وذلك كما نصرخ نحن أيضًا في قلوبنا قائلين: أيها الأب أبّا، وهي صرخة صامتة، لكن الرب يسمع الصمت هكذا بنفس الكيفية يحدّث الرب قلوبنا التي تصرخ: "أيها الأب أبّا".]



القديس كيرلس الكبير عن الطريق، قائلًا: [الطريق دائمًا صلب، تَطَأه أقدام كل العابرين على الدوام، لهذا لا تبذر فيه بذار. هكذا من كانت لهم الأفكار العنيفة وغير الخاضعة، لا تَدخل الكلمة الإلهيّة المقدّسة فيهم، ولا تسندهم، لكي يتمتّعوا بثمر الفضيلة المفرح. مثل هؤلاء يكونون كالطريق الذي تطأه الأرواح الدنسة ويدوسه الشيطان نفسه، فلا يأتون بثمرٍ مقدّسٍ بسبب قلوبهم المجدبة العقيمة.]





البابا كيرلّس الكبير: [يوجد آخرون يحملون الإيمان بغير اِكتراث في داخلهم، إنه مجرّد كلمات عندهم! تديُّنِهم بلا جذور، يدخلون الكنيسة فيبتهجون برؤيتهم أعدادًا كبيرة مجتمعة هناك وقد تهيّأوا للشركة في الأسرار المقدّسة، لكنهم لا يفعلون ذلك بهدف جاد وسموّ للإرادة. وعندما يخرجون من الكنائس فإنهم في الحال ينسون التعاليم المقدّسة. متى كان المسيحيّون في سلام يحتفظون بالإيمان، لكنّه متى ثارت الاضطهادات يفكّرون في الهروب طالبين الأمان. يتحدّث إرميا لمثل هؤلاء، قائلًا: "أعدّوا المجن والترس، وتقدّموا للحرب" (إر 46: 30). لأن يد الرب المدافع عنكم لا يمكنها أن تنهزم، وكما يقول بولس غزير العلم: "الله أمين، الذي لا يدعكم تُجرَّبون فوق ما تستطيعون، بل سيجعل مع التجربة أيضًا المنفذ لتستطيعوا أن تحتملوا" (1كو10: 13)




القديس يوحنا الذهبي الفم: [ليتنا لا نلُم الأشياء في ذاتها، وإنما نلوم الذهن الفاسد، فإنه يمكنك أن تكون غنيًا، لكن بلا غرور الغنى، وأن تكون في العالم دون أن يخنقك باهتماماته



القدّيس إكليمنضس السكندري[564] بأنه لا يجب أن نلوم المال، بل سوء استعماله، كذلك ليس فضل أن يكون الإنسان فقيرًا، ولكن الفضل أن نمارس مسكنة الروح، أي عدم التعلُّق بالأموال.

يتحدّث الأب غريغوريوس (الكبير) عن غرور الغنى، قائلًا: [من يصدّقني إن فسَّرت الأشواك بأنها الغنى، خاصة وأن الأشواك تؤلمنا، بينما الغنى يبهجنا؟ ومع ذلك فهي أشواك تجرح النفس بوخزات الأفكار التي تثيرها فينا، وبتحريضنا على الخطيّة، إنها تلطِّخنا بفسادها كالدم الخارج من الجرح... الغنى يخدعنا إذ لا يمكن أن يبقى معنا إلى الأبد، ولا أن يُشبع احتياجات قلبنا. الغنى الحقيقي وحده هو ذاك الذي يجعلنا أغنياء في الفضائل، لهذا أيها الإخوة، إن أردتم أن تكونوا أغنياء أحبّوا الغنى الحقيقي، إن أردتم الكرامات العُليا اطلبوا ملكوت السماوات. إن كنتم تحبّون التمتّع بالمجد بدرجة عالية، فأسرعوا لكي تُحصى أسماؤكم بين طغمة الملائكة الممجّدة



القديس كيرلس الكبير على الشوك بكونه هموم الحياة وغناها ولذّاتها، قائلًا: [يزرع الفادي البذور، فتصادف قلوبًا تظهر قويّة مثمرة، ولكن بعد قليل تخنقها متاعب الحياة وهمومها، فتجف البذور وتَبلى، أو كما يقول هوشع النبي: "إنهم يزرعون الريح ويحصدون الزوبعة، زرع ليس له غلة لا يصنع دقيقًا، وإن صنع فالغرباء تبتلعه" (هو 8: 7). لنكن زارعين ماهرين، فلا نزرع البذور إلا بعد تطهير الأرض من أشواكها، حتى نقول مع المرنم: "الذاهب ذهابًا بالبكاء حاملًا مِبذَر الزرع، مجيئًا يجيء بالترنم حاملًا حزمه" (مز 126: 6). كل من رمى البذر على أرض تنبت شوكًا وحسكًا يتعرّض لخسارتين: البذر الذي يفنى، والتعب المضني. لنعلم أنه لا يمكن أن تزهر البذور الإلهيّة إلا إذ نزعْنا من عقولنا الهموم العالميّة وجردّْنا أنفسنا عن زهو الغنى الباطل، "لأننا لم ندخل العالم بشيء وواضح أننا لا نقدر أن نخرج منه بشيء" (1 تي 6: 7). لأنه ما الفائدة من اِمتلاكنا للأشياء الزائلة الفانية؟ "الرب لا يُجيع نفس الصديق ولكن يدفع هوى الأشرار" (أم 10: 3). ألم تلاحظ أن الشرور الفاسدة من نهم وطمع وشره وجشع وسكر وعبث ولهو وكبرياء تخنقنا، أو كما يقول رسول المخلّص:"كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظّم المعيشة، ليس من الأب بل من العالم، والعالم يمضي وشهوته، وأما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد" (1 يو 2: 16)



إنها الأرض المنخفضّة التي خضعت للحرث، فتعرَّضت تربتها خلال الحرث للشمس، وتنساب المياه إليها. هذه هي النفس المتواضعة التي تتقبّل التجارب كمحراث يقلب تربتها، فتتعرّض تربتها الداخليّة أي الإنسان الداخلي لإشراقات شمس البرّ نفسه أي المسيح، وتتقبّل انسياب مياه الروح القدس عاملًا فيها. مثل هذه النفس تأتي بثمر مائة وستين وثلاثين.

* إنها أرض غنيّة ومثمرة تنتج مائة ضعف!

صالحة ومثمرة هي النفوس التي تتقبّل الكلمة بعمق وتحتفظ بها، وتهتم بها.

يُقال عن مثل هذه النفوس ما قاله الرب على فم أحد الأنبياء: "ويطوِّبكم كل الأمم لأنكم تكونون أرض مسرَّة، قال رب الجنود" (مل 3: 12). فإنه عندما تسقط الكلمة الإلهيّة على نفس طاهرة من الأمور المحزنة، تخرج جذورًا عميقة، وتأتي بسنابل حنطة تحمل ثمرًا متزايدًا[566].

القديس كيرلس الكبير

الأرض الجيّدة هي هبة الله لنا بروحه القدّوس الذي يعطينا في المعموديّة الطبيعة الجديدة التي على صورة السيّد المسيح، القادرة أن تثبت في المسيح، وتأتي بثمر الروح المتكاثر. كنّا قبلًا بالخطيّة طريقًا صعبًا تدوسه الأقدام وتلتقط الطيور منه البذار. ومن أجلنا صار السيّد المسيح الطريق الذي لن يقدر عدوّ الخير أن يقترب منه، ولا تتجاسر الطيور أن تختطف منه شيئًا. إنه الطريق الآمن الذي لا يعرف القسوة أو العنف، إنّما هو طريق الحق الذي يدخل بنا إلى حضن الأب. أما كوننا أرضًا محجرة، فهذا ليس بالأمر الغريب فقد قبلت البشريّة آلهة من الحجارة عِوض الله الحيّ، وتعبّدت للأوثان زمانًا هذا مقداره، فجاء السيّد المسيح كحجر الزاوية الذي يربط البناء كله، ليس حجرًا جامدًا يقتل الزرع، إنّما حجر حيّ قادر أن يُقيم فينا فردوسًا سماويًا يفرح الآب! أمّا الأشواك والحسك الخانقة للنفس فقد حملها السيّد على رأسه، دافعًا ثمن خطايانا لنتبرّر أمام الآب، ونُوجد في عينيّه بلا لوم، ليس فينا شوك ولا حسك بل ثمر الروح المفرح!

لنرفع قلوبنا بالشكر للذي نزع عنّا ما كان لنا بسبب عصياننا من طريق قاسي وأرض محجرة وأشواك وحسك، واهبًا إيّانا الطبيعة الجديدة الغنيّة فيه ليقيمنا فردوسًا سماويًا يأتي بثمار كثيرة.





القديس جيروم أن هذا الثمر مع اختلاف كميّته لكنّه يصدر عن أرضٍ واحدةٍ وحقلٍ واحدٍ، لكن شخصًا يثمر ثلاثين وهو المتزوّج الذي حفظ المضجع غير دنّس ويحمل علاقة حب طاهرة بين الزوج وزوجته، وآخر يأتي بالستّين وهو الأرمل أو الأرملة الذي يحتمل ضيق الترمل والتعب بفرح، وأما الذي يثمر المائة فهو البتول.







=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"فتقدّم التلاميذ وقالوا له: لماذا تكلّمهم بأمثال؟

فأجاب، وقال لهم: لأنه قد أعطى لكم أن تعرفوا أسرار ملكوت السماوات،

وأما لأولئك فلم يُعط.

فإن من له سيعطي ويُزاد،

وأما من ليس له فالذي عنده سيؤخذ منه.

من أجل هذا أكلّمهم بأمثال"
[متى 13 - 10-13].





القديس يوحنا الذهبي الفم: [حملت توبيخات غير مباشرة للسامعين، إذ لم يرد أن يوبّخهم بعنف (مباشرة) حتى لا يسقطوا في اليأس



فبقدر ما يكون الإنسان أمينًا على المقدّسات الإلهيّة يفيض الله عليه أمجاد معرفة حقيقية من يوم إلى يوم. فيتذوّق أمثال السيّد، ليدخل خلالها إلى بيته، يسمع أسراره بعبوره إلى المجد وجهًا لوجه. أمّا غير الأمين فحتى ما يسمعه من أمثال يُنزع منه، ويصير سماعه علّة إدانته عِوض أن يكون سرّ مجد له.




حياتنا مع السيّد المسيح هي انطلاقة مستمرّة من مجدٍ إلى مجدٍ، وتفاعل دائم مع روح الله القدّوس الذي لا يكف عن أن يُعلن لنا الحق، ويذكرنا بكل ما قاله لنا السيّد؛ يأخذ ممّا للمسيح ويعطينا! إنها حياة ديناميكيّة لا تتوقف قط. أمّا الإنسان السلبي المكتفي بما لديه من معرفة وخبرات، حاسبًا في نفسه أنه غني وقد استغنى، فإن ما لديه يؤخذ منه، ليهوى من ضعفٍ إلى ضعفٍ، ومن حرمانٍ إلى حرمانٍ، ليهبط إلى الجهالة التي تُظلم ذهنه وتُحجِّر قلبه. وكما يقول الرب لملاك كنيسة اللاودكيّين: "لأنك تقول إني أنا غني، وقد اِستغنيت ولا حاجة لي إلى شيء ولستَ تعلم أنك أنت الشقي والبائس وفقير وأعمى وعريان" (رؤ 3: 17).








=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"لأنهم مبصرين لا يُبصرون، وسامعين لا يسمعون ولا يفهمون. قد تمَّت فيهم نبوّة إشعياء القائلة: تسمعون سمعًا ولا تفهمون، ومُبصرين تُبصرون ولا تنظرون. لأن قلب هذا الشعب قد غلظ، وآذانهم قد ثقل سماعها، وغمَّضوا عيونهم لئلا يبصروا بعيونهم ويسمعوا بآذانهم ويفهموا بقلوبهم ويرجعوا فأُشفيهم [متى 13 : 13-15].





لقد سمعوا السيّد وأبصروه، لكنهم بقسوة قلبهم لم يسمع إنسانهم الداخلي، ولا عاينت بصيرتهم الداخليّة، فصار صوته ورؤيته ليس سرّ خلاص لهم، بل علّة ازدياد قلبهم في الغلاظة. فازدادت قسوتهم قسوة وعماهم عمى وشرِّهم شرًا.



مجيء السيّد المسيح وتصرفاته أضافت إلى قسوة الأشرار قسوة بسبب حبّهم للشرّ وكبريائهم، بينما فتحت بصيرة البسطاء الروحيّة لإدراك أسراره الفائقة والتمتّع بما اشتهى الأنبياء معاينته























=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"ولكن طوبى لعيونكم لأنها تبصر، لآذانكم لأنها تسمع. فإني الحق أقول لكم أن أنبياء وأبرارًا كثيرين اشتهوا أن يروا ما أنتم ترون ولم يروا، وأن يسمعوا ما أنتم تسمعون ولم يسمعوا" [متى13 : 16-17].



القديس يوحنا الذهبي الفم: [ما معنى القول: يبصرون ولا يبصرون [13]؟ إنهم يبصرون كيف يخرج الشيّاطين، ويقولون فيه شيطان؛ يُبصرون القائمين من الأموات ولا يسجدون له، بل يفكِّرون في قتله.]

كانوا مبصرين إذ لديهم النبوّات واضحة عن المسيّا المخلّص، بل وقام بعضهم بإرشاد هيرودس والمجوس إلى موضع ميلاد السيّد، لكنهم بقوا غير مبصرين داخليًا. فلم يلتقوا معه على صعيد خلاص نفوسهم وتمتّعهم بالحياة الجديدة. لقد رأوا من تحدّث عنه الأنبياء واشتهوا أن يروه ويسمعوا صوته وينعموا بعمله فيهم، لكن للأسف لم يتمتّعوا به في حياتهم بل قاوموه.

ما أكثر النعم التي صارت لنا في المسيح يسوع ربّنا، إذ صار لنا ما تشتهي الملائكة معاينته والتمتّع به، لكننا هل نحيا بها ونعيشها؟





























=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"قدّم لهم مثلًا آخر، قائلًا:

يشبه ملكوت السماوات إنسانًا زرع زرعًا جيدًا في حقله.

وفيما الناس نيام جاء عدوّه وزرع زوانًا في وسط الحنطة ومضى،

فلما طلع النبات وصنع ثمرًا حينئذ ظهر الزوان أيضًا" [ متى 13 : 24-25].




لم يقل السيّد "وفيما الزارع نائم جاء عدوّه وزرع زوانًا، إنّما قال "فيما الناس نيام". وكأن الله يسهر على كرمه، ويهتمّ به، لكن الكرّامين إذ ينامون يتسلّل العدوّ إلى الكرم. إنه يحترم الإرادة الإنسانيّة ويأتمنها، فإذ يسلّم الكرم للكرّامين يطلب سهرهم، فيعمل فيهم على الدوام ولا يقدر العدوّ أن يلقي بالزوان، لكن إن ناموا لحظة يتسلّل العدوّ.

لم يقل السيّد "جاء عدوّهم"، إنّما "جاء عدوّه" فالعدو لا يقصد الكرّامين بل صاحب الكرم. العامل الحقيقي ضدّ الكرم هو إبليس عدوّ الله نفسه، حتى في مضاداته لنا يقصد الله نفسه الساكن فينا. أنها حرب بين الله وإبليس، بين النور والظلمة، ليس لنا عدوّ غير إبليس نفسه وملائكته الأشرار المقاومين لعمل الله فينا.

أما النوم هنا فلا يعني نوم الجسد الطبيعي، وإنما التراخي والإهمال أو نسيان الله في العمل الرعوي كما في الجهاد الروحي


فالراعي ينام حينما يبذل كل الجهد في رعايته خلال "الأنا"، فيحسب نفسه المسئول الأول عن الكرم، فيختفي الله لتُعلن الذات البشريّة. ويرى القديس جيروم أن النوم إنّما يُشير إلى تراخي الذهن عن الالتصاق بالعريس، إذ يقول: [لا تسمح للعدو أن يلقي زوانًا وسط الحنطة بينما الزارع نائم، أي عندما يكون الذهن الملتصق بالله في غير حراسة، وإنما قل على الدوام مع عروس نشيد الأناشيد: "في الليل على فراشي طلبت من تحبّه نفسه، اخبرني أين ترعى أين تربض عند الظهيرة؟‍ (نش 3: 1؛ 1: 7)[568].] هكذا يليق بكل مؤمن - كاهن أو من الشعب - ألا ينام روحيًا بل يكون دائمًا في يقظة ملتصقًا بالله، فيحرس الرب كرمه من العدوّ حتى لا يلقي بزوانه وسط الكنيسة أو في قلب المؤمن كعضو فيها.


الزوان؟
أولًا: يُشير الزوان إلى الهرطقات التي تدخل الكنيسة خلسة، خاصة في غفلة روحيّة من الرعاة. يقول القديس جيروم: [ليت أسقف الكنيسة لا ينام لئلا بإهماله. يأتي إنسان عدوّ ويلقي بالزوان أي تعليم الهراطقة[569].]



ثانيًا: يُشير الزوان أيضًا إلى الخطيّة التي تتسلّل إلى الفكر والقلب في غفلة روحيّة من المؤمن. يتحدّث الآب إسيذورس بالبلسان عن الأفكار الشرّيرة، قائلًا: [لماذا تنبع الأفكار الشرّيرة من القلب وتنجِّس الإنسان (مت 15: 19-20)؟ بلا شك لأن العاملين نيام، مع أنه كان يلزم أن يكونوا ساهرين حتى يحفظوا ثمار البذار الصالحة لكي تنمو. فلو لم نضعف أثناء سهرنا بسبب النهم والتراخي وتدنيس الصورة الإلهيّة أي فساد البذرة الصالحة ما كان يمكن لباذر الزوان أن يجد وسيلة للزحف وإلقاء الزوان المستحق للنار[570].]



ثالثًا: يُشير إلى الأشرار بوجه عام الذين يحملون شكليّة العضويّة الكنسيّة دون روحها وحياتها
























=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"فلما طلع النبات وصنع ثمرًا، حينئذ ظهر الزوان أيضًا.

فجاء عبيد رب البيت، وقالوا له:

يا سيّد أليس زرعًا جيّدًا زَرعت في حقلك، فمن أين له زوان؟

فقال لهم: إنسان عدوّ فعل هذا.

فقال له العبيد: أتريد أن نذهب ونجمعه؟‍

فقال له: لا، لئلا تقلعوا الحنطة مع الزوان وأنتم تجمعونه.

دعوهما ينميان كلاهما معًا إلى الحصاد.

وفي وقت الحصاد أقول للحصّادين:

اِجمعوا أولًا الزوان واِحزموه ليُحرق، وأما الحنطة فاجمعوها إلى مخزني" [متى 13 : 26-30].






هكذا ينصحنا السيّد ألا ننشغل بنزع الزوان، إنّما نتركه حتى يأتي وقت الحصاد، فيرسل الله ملائكته كحصّادين يجمعونه ويحرقونه. وأما الحنطة فيجمعونها إلى ملكوته عِوَض أن ندين الأشرار. فإن هذا ليس عملنا! ومن جهة أخرى فإنه مادام الوقت قائمًا فإنّنا لا نيأس قط، مجاهدين لا في اقتلاع الزوان، بل في العمل على تحويل الزوان إلى حنطة.

يقول الأب إيسيذورس بالبلسان أن الملائكة يطلبون نزع الزوان أي عقاب الأشرار، لكنهم يُمنعون من ذلك حتى يتمتّع الأشرار بفرصة للتوبة، ولا يُضار الصالحون. فإن الله لم يقطع عيسو الشرّير حتى لا يهلك معه أيوب البار الذي جاء من نسله، ولم يقتل لاوي العشّار حتى لا يفقده ككارز بالإنجيل، ولا اِنتقم لإنكار سمعان بطرس الذي قدّم دموع التوبة بحرقة، ولا ضرب شاول الطرسوسي بالموت حتى لا نفقد بولس الرسول الذي كرز بالخلاص في أقاصي الأرض.

* سمح الله بالزمن لأجل التوبة. إنه يحذّرنا هنا لئلا نقطع أخًا قبل الوقت المناسب، فإن من يكون اليوم مصابًا بالتعاليم السامة قد يعود غدًا إلى صوابه ويصير مدافعًا عن الحق[571].

القديس جيروم

* كثيرون يكونون في البداية زوانًا، لكنهم يصيرون بعد ذلك حنطة، فإن لم نحتملهم بالصبر وهم خطاة، لما يمكن بلوغهم إلى هذا التحوّل المستحق لكل تقدير.

* اهدأوا، فإنه ليس الآن وقت للحصاد. سيأتي الوقت لعلّه يجد الزوان قد صار حنطة! لماذا لا تحتملون بصبرٍ خلطة الأشرار بالأبرار؟ إنهم معكم في الحقل، لكن الأمر لا يكون هكذا في المخزن![572]

* إنك تجد القمح والزوان بين الكراسيالعُظمى كما بين العلمانيّين أيضًا. فليحتمل الصالحون الأشرار، وليصلح الأشرار من أمرهم مقتدين بالصالحين[573].

القديس أغسطينوس

ويرى القديس جيروم في كلمات الديّان بترك الزوان إلى وقت الحصاد حنوًا على الخطاة لأجل توبتهم، فيناجيه قائلًا: [حقًا يُحسب الناس والملائكة قساة إن قورنوا بك، فأنت وحدك الملك الكُلي الحنو... نسألك أن تكون أنت الديّان، لأنك تحنو على جميع الأمم[574]!]

يرى القديس يوحنا الذهبي الفم في هذا المثل صورة حيّة لواقع الكنيسة فإنه بقدر ما تُبذر بذار الحق، يبذل عدوّ الخير كل الجهد أن يلقي بالزوان في وسطها. إنه يقول: [بعد الأنبياء يأتي أنبياء كذبة، وبعد الرسل يأتي رسل كذبة، وبعد المسيح يأتي ضدّ المسيح[575].]




هل يُترك الفساد (الزوان)
هل يترك الزوان داخل جماعة المؤمنين أو داخل قلب المؤمن؟ ألم يقل الرسول: "ألستم تعلمون أن خميرة صغيرة تخمِّر العجين كله! إذًا نقّوا منكم الخميرة العتيقة لكي تكونوا عجينًا جديدًا كما أنتم فطير" (1 كو 5: 6-7)!

لم يقصد السيّد ترك البدع والخطيّة، وإنما أراد تأكيد مبدأ هام، ألا وهو أن نزع الشرّ من عمل الله نفسه لا الإنسان. فالكنيسة في معالجتها للشرّ لا تحتاج إلى مقاومة فلسفيّة ومناقشات بقدر ما تحتاج إلى التقديس. لست أنكر التزامنا نحن كرعاة ورعيّة في رفض البدع والخطيّة. لكن ينبغي أولًا أن نتسلَّح بالجانب الإيجابي ألا وهو الحياة النقيّة المقدّسة، فنحمل السيّد المسيح نفسه فينا، هو الديّان وحده القادر أن يطرد الظلمة بإشراقه علينا كشمس البرّ! لست بهذا أقلّل من شأن أبطال الإيمان الذين وقفوا أمام الهرطقات، والقدّيسين الذين صوّبوا السهام ضدّ الخطيّة، وإنما كان هؤلاء مختفين في السيّد المسيح نفسه الصخرة الحقيقيّة، الذي يحطّم كل موجة للشك، وكان القدّيسون بالروح القدس الساكن فيهم يصوّبون "السيّد المسيح" نفسه كالسهم الناري لقتل الخطيّة والشرّ!

حقًا لقد طالبنا السيّد ألا نقتلع الزوان، وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [أنه لا يجوز للكنيسة أن تأمر بقتل هرطوقي، فهذا ليس عملها، لكنها تقاومه فكريًا[576].] وأوضح القديس أغسطينوس موقف الكنيسة من الهراطقة "الزوان" قائلًا: [إن كان أحد المسيحيّين وهو ثابت في الكنيسة قد أُخذ في خطيّة من نوع يستحق أن يُحرم من الكنيسة، فلْيتِم هذا: تجنّب حدوث انشقاق، بمعالجة الأمر بالحب فتصحّح عِوض أن تُقتلع. فإن لم يأت إلى معرفة خطأه ولم ينصلِح بالتوبة يُطرد. ليقطع بإرادته من شركة الكنيسة، لأن قول الرب: "دعوهما ينميان كلاهما معًا"، قد أضيف إليه السبب وهو "لئلا تقلعوا الحنطة مع الزوان"، مقدمًا تفسيرًا واضحًا. أمّا هنا فالسبب غير موجود، فبقطعه لا يوجد قلق على سلامة الحنطة متى كانت جريمته واضحة ويظهر لكل واحد أنه ليس من يدافع عنه أو على الأقل أنه ليس له مدافعون يسبّبون انقسامًا[577].]












































=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"قدّم لهم مثلًا آخر، قائلًا:

يشبه ملكوت السماوات حبّة خردل أخذها إنسان وزرعها في حقله.

وهي أصغر جميع البذور،

ولكن متّى نمت فهي أكبر البقول،

وتصير شجرة حتى أن طيور السماء تأتي وتتآوى في أغصانها" [ متى 13 : 31-32].




في المثل الأول يحدّثنا عن عمل الله في ملكوته بكونه الزارع الذي يقدّم ذاته بذارًا حيّة داخل القلب، وفي المثل الثاني يحدّثنا عن التزامنا باليقظة من عدوّ الخير الذي يُلقي الزوان سرًا ليملك العدوّ على القلب عِوض المسيّا المخلّص. أمّا في هذا المثل، فيقدّم لنا عن إمكانيّة الملكوت الحيّ الذي يعمل في القلب ليمتد في العالم بالرغم من مقاومة العدوّ. إنه يشبَّه بحبّة الخردل الصغيرة، وقد ألقيت في حقل وسط التربة، تحاصرها الظلمة من كل جانب، ويضغط ثقل الطين عليها، لكن "الحياة" الكامنة فيها تنطلق خلال هذه التربة لتصير شجرة تجذب إليها الطيور لتأوي فيها.


* يقارن الرب نفسه بحَبَّة الخردل، وهي أمرّ البذور وأصغرها، تُعلن فضيلتها (نفعها) خلال سحقها.

القديس هيلاري أسقف بواتييه

* إنه حَبّة الخردل، نمت في بستان القبر إلى شجرة عظيمة. لم يكن إلا حَبّة حين مات وشجرة عندما قام. كان بذرة في تواضع جسده وشجرة في قوّة عظمته...! في هذه الفروع تجد الطيور راحتها، لأن النفوس النقيّة إذ ترتفع بأجنحة نعمته تجد في كلماته راحتها من الهموم الأرضيّة والتعزية من قلاقل الحياة الحاضرة[578].

الأب غريغوريوس (الكبير)





* بذرة الإنجيل هي أصغر البذور، لأن التلاميذ كانوا أكثر حياءً من غيرهم، لكنهم يحملون فيهم قوّة عظيمة، فانتشرت كرازتهم في العالم كله[579].

القديس يوحنا الذهبي الفم

* عندما تنمو تعاليم الفلاسفة لا تُعلن شيئًا كامل النضوج أو حيويًا، بل كل ما هو رخو ومترهِّل. إنها غزيرة في أوراقها وسيقانها التي تذبل بسرعة وتهلك. أمّا الإنجيل فإذ يُكرز به يبدو في البداية غير واضح، لكنّه إذ يُبذر داخل نفس المؤمن ينتشر في كل العالم، ولا يرتفع كشُجيْرة بل كشجرة تأتي طيور السماء لتسكن في أغصانها، أي أرواح المؤمنين أو القوّات المكرّسة لخدمة الله.

إنها تصير شجرة، وكما اَعتقد أن أغصان الشجرة الإنجيليّة التي تنبت عن بذرة الخردل إنّما هي التعاليم المقدّسة المتنوّعة، التي يقال عنها أن الطير يجد فيها راحته. ليتنا نأخذ أجنحة حمامة ونطير لنسكن في فروع هذه الشجرة، ونصنع لأنفسنا عشًا في تعاليمها، تاركين وراءنا الأمور الأرضيّة، مسرعين إلى ما هو سماوي[580].

القديس جيروم





فالإيمان تارة يُسحق، وأخرى يُعصر، وفي وقت آخر يُزرع (يدفن). الرب نفسه هو حَبّة الخردل، بدون الآلام ما كان للشعب أن يعرفه كحَبَّة خردل ولا يلاحظه. لقد اختار أن يُسحق، لكن نقول: "لأننا رائحة المسيح الزكيّة لله" (2 كو 2: 15). اختار أن يُضغط عليه (يُعصر) حيث قال بطرس: "الجموع يضيِّقون عليك ويزحمونك" (لو 8: 45). واختار أن يُزرع في الأرض كبذرة أخذها إنسان وغرسها في بستانه. ففي البستان أُخذ المسيح سجينًا وأيضًا في البستان دُفن. لقد "نبت" في بستان حيث قام من الأموات وصار شجرة، كما هو مكتوب: "كالتفاح بين شجر الوعْر كذلك حبيبي بين البنين" (نش 2 : 3).

هكذا ليُزرع المسيح في بستانك، فإن البستان هو الموضع الممتلئ زهورًا وثمارًا متنوّعة، فتنمو الفضيلة التي لجهادك وتفيح العذوبة المتعدّدة لفضائله الكثيرة!

حيث يوجد الثمر يوجد المسيح.





المسيح هو بذرة، لأنه من نسل إبراهيم: "وأما المواعيد فقيلت في إبراهيم وفي نسله، لا يقول وفي الأنسال كأنه عن كثيرين، بل كأنه عن واحد، وفي نسلك الذي هو المسيح" (غل 3: 16). إنه ليس في حكمة هذا العالم، لكن فجأة كشف عن شجرة السمو المرتفع لقدرته، حتى نقول: "تحت ظلِّه اشتهيتُ أن أجلس" (نش 2: 3)... هناك تستريح الملائكة والقوّات السماويّة والذين يستحقّون أعمال الروح أن يطيروا إليه. هناك استراح يوحنا عندما اتكأ على صدر يسوع (يو 13: 25؛ 21: 20).

ومن ساق الشجرة تخرج أغصانًا؛ فبطرس غصن وأيضًا بولس مثله، إذ "يَنسى ما هو وراء ويمتدّ إلى ما هو قدّام" (في 3: 13)... هذا الذي يحدّثنا معلّما إيّانا نحن الذين كنّا قبلًا بعيدين (أف 2: 13)، فاجتمعنا من الأمم، نحن الذين كنّا في ارتباكات روح الشرّ وهموم هذا العالم وقد أُلقينا خارجًا في زمانًا طويلًا، والآن قد صار لنا أجنحة القداسة، مسرعين بالطيران لكي نحتمي في ظلال القدّيسين من حرّ هذا العالم، فنسكن بسعادة في سلام هذا الميناء الأكيد، مادامت نفوسنا التي كانت قبلًا كالمرأة المذكورة في الإنجيل أنها مثقّلة بالخطايا وقد خلصت كالعصفور من فخ الصيّادين (مز 124: 7) وارتفعت على الجبال إلى أغصان الرب (مز 10: 1)][581].

القديس أمبروسيوس

















=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة
"يشبه ملكوت السماوات خميرة أخذتها امرأة وخبّأتها في ثلاثة أكيال دقيق حتى اِختمر الجميع" [متى 13 : 33].






ما هي المرأة العاملة هنا؟ وما هي الخميرة؟ وما هي الثلاثة أكيال دقيق؟



أولًا: إن كانت المرأة تمثِّل الكنيسة الأم، فإن رسالتها تتركّز في تقديم السيّد المسيح "الخميرة واهبة الحياة" للدقيق حتى يختمر، فيحمل سمات المسيح فيه. الخميرة في واقعها مأخوذة من الدقيق، لكنها تحمل "قوّة الاختمار"، إشارة إلى السيّد المسيح الذي أخذ جسده منّا، وصار كواحدٍ منّا، ليس بغريبٍ عنّا، لكنّه هو الحياة. أمّا كمّية الدقيق فثلاثة أكيال، وكما يقول القديس جيروم: [أن الكيلة وِحدة قياس في فلسطين تحوي حوالي 3 جالونات. على أي الأحوال كمّية الدقيق ثلاث أكيال لأنه يمثّل الوِحدة بين الروح والنفس والجسد، فالكنيسة إنّما تقدّم السيّد المسيح كسرّ تقديس للإنسان في كليَّته، روحًا ونفسًا وجسدًا.]



ثانيًا: يرى القديس هيلاري أسقف بواتييه في المرأة المذكورة هنا المجمع اليهودي الذي حكم على السيّد المسيح "الخميرة" بالدفن، فقام السيّد واهبًا للدقيق اختمارًا أي "الحياة المقامة"، أمّا رقم ثلاثة هنا يُشير إلى الناموس والأنبياء والإنجيل، ففي المسيح يسوع ربّنا يظهر الثلاثة عجينًا واحدًا. غاية الناموس هو المسيح وهدف النبوّات هو الإعلان عنه. وأما الإنجيل فهو الكرازة بالمسيح يسوع. تظهر وحدة الكتاب المقدّس كلّه بنواميسه ونبوّاته وبشارته المفرحة. في التجلّي أراد بطرس أن يُقيم ثلاث مظال واحدة لموسى ممثلًا الناموس، وأخرى لإيليّا ممثلًا الأنبياء، والثالثة للسيّد المسيح ممثلًا الإنجيل، لكن الله لم يرسل ثلاث مظال، بل سحابة واحدة إشارة إلى هذه الوحدة في المسيح يسوع!

رقم 3 يُشير أيضًا إلى الأمم والشعوب التي جاءت عن سام وحام ويافث، أولاد نوح الثلاثة... وكأن الكنيسة الأم تقدّم السيّد المسيح لهذه الشعوب المتفرِّقة فتختمر معًا في وحدة الروح والفكر، تحمل سمات المسيح الواحد!



ثالثًا: يرى القديس أغسطينوس في هذا المثل صورة حيّة لملكوت السيّد المسيح بكونه ملكوت الحب الحيّ العامل في البشريّة، وذلك بدخول المحبّة "المسيح" في الحياة البشريّة لتقديسها لله [الخميرة تعني الحب، الذي يخلق ويلهب الغيرة والمرأة تعني الحكمة، والثلاثة أكيال طعام (دقيق) يعني إمّا الأمور الثلاثة في الإنسان (الخاصة بحب الله) "من كل القلب ومن كل النفس ومن كل الذهن" (مت 21: 37)، أو ثلاث درجات الإثمار: "مائة ضعف وستون وثلاثون" (مت 13: 8، 23)، أو الثلاث أنواع من الرجال: "نوح ودانيال وأيوب[582]" (حز 14: 14).]



رابعًا: يرى القديس يوحنا الذهبي الفم صورة فعّالة لملكوت السماوات، فإنه لا يمكن للدقيق أن يختمر ما لم تُدفن فيه الخميرة أو تحبس في داخله. لم يقل السيّد أن المرأة وضعت الخميرة في الدقيق، بل "خبّأتها"، هكذا إن لم يلتقِ بمضايقيه محتملًا الأتعاب بفرح لا تتحوّل حياة المضايقين إلى الاختمار. وكما يقول القدّيس: [عندما تكونون واحدًا مع من يهاجمكم وتمتزجون معهم تغلبونهم (بالحب والإيمان). وكما أن الخميرة المختفية في عجين لا تهلك، بل بالأحرى تُغيّر طبيعة العجين، هكذا أيضًا في الكرازة بالإنجيل. لذلك لا تخافوا عندما أُخبركم عن الضيقات أنها قادمة، لأن نوركم لا يقدر أحد أن يُطفئه، إنّما يغلب كل البشر






















=
 
التعديل الأخير:
أعلى