إلي هؤلاء الذين يقولون إن الذين يعيشون في العالم لا يستطيعون الوصول إلي

مينا إيليا

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
30 ديسمبر 2011
المشاركات
221
مستوى التفاعل
57
النقاط
0
عاش في القسطنطينية شاب نافع أسمه جرجس يناهز العشرين ربيعاً _ حدث كل هذا في ايامنا هذه وأستوعبته ذاكرتنا _ كان شابأً وسيم الطلعة يتسم سلوكه وهيئته وخلقه بشئ من التباهي . ونظراً لآهتمام الناس بالمظهر دون المخبر ، يكون دائماً حكمهم علي الغير خاطئاً ، فأفتروا علي هذا الشاب . وقد تعرف علي أحد الرهبان الأتقياء الذي كان يعيش في أحد أديرة القسطنطينية ، وعندما أظهر للراهب أسرار نفسه وأعلمه برغبته الحارة في خلاص نفسه . زوده الأب الورع ببعض التعاليم المناسبة وأعطاه قانوناً بسيطاً ليتبعه وزوده بكتاب القديس مرقس المناضل الذي ألفه عن القانون الروحي . تناول الشاب هذا الكتاب بكل محبة وتقدير كأنه مرسل له من الله نفسه ، وبلغ فيه إيماناً قوياً املاً أن يجني فائدة عظيمة وثمراً كثيراً . وقرأ الكتاب بحماس وأهتم وحصل علي مساعدة عظيمة منه . لكن ثلاث فقرات من الكتاب أثمرت في قلبه تأثيراً خاصاً وعميقاً .
كانت الأولي: إذا كنت تبحث عن الشفاء فاهتم بضميرك و أصغ إليه ، ثم أفعل ما يخبرك به فهذا يفيدك .
والثانية: إن من ينشد الحصول علي نعمة الروح القدس الفعال قبل ممارسته الوصايا ، يشبه عبداً أشتري بمال ودفع ثمن شرائه في اللحظة التي كان منتظراً فيها التوقيع علي صك حريته .
والثالثة: إن من يصل بالجهد دون الباعث الروحي ، يشبه الأعمي الذي صرخ قائلاً :"يا أبن داود أرحمني" بينما الأعمي الأخر عندما فتح الرب عينيه وأبصر لم يقل يا أين داود بل أمن بأنه أبن لله وسجد له.
هذه الفقرات الثلاثة سرته وأرضته كثيراً فأمن بأن الفقرة الأولي تؤكد إن الأهتمام بالضمير يشفي أمراض النفس ، والفقرة الثانية تعلم أن الإنسان يصير عاملاُ نشطاً بالروح القدس عن طريق إطاعة الوصايا ، والفقرة الثالثة تعد بأن عيني قلبه تفتحان بنعمة الروح القدس ويري جمال الرب الذي يفوق الوصف وهكذا تصور الشوق القوي نحو جمال الله وبحث في جدية آملاً الحصول عليه.
رغم كل هذا لم يفعل شيئاً خاصاً كما أكد لي ، سوي أنه تدرب كل مساء دون أنقطاع حيب القانون البسيط الذي أعطاه له رئيس الدير ، ولم يذهب قط إلي مخدعه لينام دون أن ينفذ ما جاء به ، لكن بعد مدة ابتدأ ضميره يحثه "أكثر علي السجود والأنبطاحات وزد من قراءة المزامير وكرر عبارة " ياربي يسوع المسيح ارحمني" مرات كثيرة جداً علي قدر الأمكان " . أطاع ضميره وفعل كل ما أوحي إليه عن طيب خاطر ودون تفكير كما لو كان أمراً صادراً من الله نفسه لم يذهب مطلقاً إلي مخدعة بضمير يؤنبه : "لماذا لم تفعل هذا أو ذاك؟ " هكذا كان يصغي دائماً إلي ضميره ، غير تارك شيئاً دون أن يؤديه حسب ما أوغز إليه. وكل يوم كان ضميره يضيف شيئأ أكثر فأكثر عما تعود عليه ، وبعد أيام قليلة كانت صلاته المسائية تستوعب زيادة كبيرة . كان يقضي أيامه في أحد بيوت رجال الدين ، حيث يقدم الطعام ويقضي حاجيات السكان هناك ، لكنه ينصرف كل مساء ولا يعلم أحد عما كان يصنع في مسكنه . وكل ما كان يفعله حقاً هو إذرافه الدمع غزيراً وسجوده وركوعه مرات عديدة وأبطاحة علي وجهه علي الأرض في خشوع وعندما يقف للصلاة يقف منتصباً ضاغطاً قدميه معاً بإحكام دون أن يحرك جسده ، وبقلب مكتئب ، وبالتنهدات والدموع كان يتلو الصلوات إلي العذراء القديسة مريم ، موجهً كلامه إلي ربنا يسوع المسيح ويقع تحت قدمي صورة المسيح الطاهرتين كما لو كان المسيح واقفاً بجسده ، ويتضرع إليه أن يرحمه كما رحم الرجل الأعمي وأن يفتح عيني نفسه . كانت صلواته كل يوم تطول بأضطراد ، حتي كان أخيراً يصلي واقفاً إلي منتصف الليل . ومع ذلك لم يسمح لنفسه مطلقأ أثناء الصلاة بالتراخي والأهمال أو بالتساهل في الوقوف ، ولم يدع أبداً عينيه تدوران يمينه أو يسرة أو إلي فوق ليتطلع إلي أي شئ بل كان يقف دون حرك كأنه عمود أو بلا جسد .
وذات مرة عندما كان واقفاً للصلاة ، زاد القول بعقله أكثر من القول بشفتيه:" ارحمني يا ألهي أنا الخاطئ" وإذا بإشراق ألهي وضاء نزل عليه من فوق وملآ الحجرة كلها . عندئذ نسي الشاب أنه في حجرة أو تحت سقف لأنه لم يري شيئاً في كل جهاتها غير النور ، ولم يكن يدري أنه واقف علي الأرض . كل أهتمامات الدنيا تركته ، ولم يدر بخلده الأفكار العادية التي تشغل عقول الناس . أصبح بكليته ذائباً في هذا النور الأستحالي وبدا له أنه صار نوراً . نسي كل العالم وامتلأت عيناه بالعبرات وغمره فرح يفوق الوصف عندئذ ارتفع عقله إلي أعلي نحو السماء وهناك رأي نوراً أخر أكثر ضياء من النور الذي كان يحيط به . ولدهشته بدا له هناك عند حافة هذا النور يقف الراهب البار الذي كان قد أعطاه هذا التعليم البسيط عن الصلاة مع كتاب القديس مرقس المناضل .
عندما سمعت هذا من الشاب حسبت أن صلوات رئيس الدير له قد ساعدته ، وأن الله وهبه هذه الرؤيا ليبين له المستوى العالي من الفضيلة الذي يقف عنده رئيس الدير . وكما قال الشاب بعد ذلك إنه عندما أختفت الرؤيا وثاب إلي رشده ، وجد نفسه مفعمة بالفرح والدهشة وكانت عيناه تسكبان دموعاً غزيرة وقلبه مملوءاً عزوبة وطلاوة . وأخيراً ذهب إلي فراشه ولكنه في الحال سمع صياح الديك فعلم أن الوقت قد جاوز منتصف الليل . وبعد قليل سمع دفات أجراس الكنيسة معلنه صلاة الفجر فقام الشاب حسب عادته ليقرأ صلوات الصباح الباكر هكذا لم يغمض لعينه جفن في تلك الليلة ولم يخطر بباله فكرة النوم مطلقاً .
كيف حدث كل هذا ؟ الله وحده يعلم ، لأن ما حدث كان من عمله الغامض علينا . ومع ذلك لم يعمل الشاب شيئاً خاصاً ، إلا أنه كان يقوم دائماً في أصرار علي تنفيذ القانون الذي أعطاه إياه رئيس الدير . وكان يتبع كل تعليمات الكتاب الصغير بإيمان ثابت ورجاء قوي . لا تدع أي إنسان أن يقول إنه فعل هذا كتجربة . لا، مثل هذا الشئ لم يخطر علي باله . الذي يقوم بعمل تجارب لا يكون إيمانه ثابتاً ، لكن هذا الغني كان متلهفاً علي إنجاز ما يوحي إليه ضميره تماماً ، لأنه لم ينفعل بعد بأمور هذه الدنيا ولم يجد لذة في الطعام والشراب حتي الشبع .
 

ROWIS

رويس
عضو مبارك
إنضم
3 يوليو 2007
المشاركات
2,619
مستوى التفاعل
388
النقاط
83
لا تدع أي إنسان أن يقول إنه فعل هذا كتجربة .

الذي يقوم بعمل تجارب لا يكون إيمانه ثابتاً
لكن هذا الغني كان متلهفاً علي إنجاز ما يوحي إليه ضميره تماماً ، لأنه لم ينفعل بعد بأمور هذه الدنيا ولم يجد لذة في الطعام والشراب حتي الشبع.
قصة حلوة
 

حبيب يسوع

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
15 مايو 2007
المشاركات
15,458
مستوى التفاعل
1,956
النقاط
0
الرب نورى وخلاصى وحصنى وملجاى
 
أعلى