خلافات الزوج والزوجة.. هل تؤثر في الأبناء؟ - دكتور سبوك

ROWIS

رويس
عضو مبارك
إنضم
3 يوليو 2007
المشاركات
2,619
مستوى التفاعل
388
النقاط
83
خلافات الزوج والزوجة.. هل تؤثر في الأبناء؟
4109966829.jpg



ان تكون الخلافات كثيرة.. فهذا لا يهم المهم هو ان نجد دائماً أسلوباً للتفاهم نزيل به أي خلاف.
والمهم أيضاً ألا تعرض خلافتنا الأبناء إلى الاصابة بالقلق الدائم وعدم الاحساس بالطمأنينة والاستقرار.
هناك شيء يجب ان يقال بدئ ذي بدء.

ان معارك الاباء والأمهات وخلافات الاباء مع الأمهات تثير في النفس الرغبة في الصمت.

إنها عادة خلافات يسهل حلها بين الاثنين لكن عندما يتدخل احد في هذه الخلافات فإن الأمر قد ينقلب ضد من تدخَّل وتصبح سيرة هذا المتدخل مزعجة لأحد الأطراف.
ولكن لأن الخلاف بين الأزواج والزوجات يحدث فلا بد ان نتحدث عنه ولا مفر من ذلك.

وطبعاً هناك اختلاف في مقدار وطريقة التعبير عن عدم التفاهم وعدم الانسجام الطارئ في العلاقة الزوجية. هناك مثلاً نوع من الأزواج او الزوجات يملكون قدرة كبيرة على ضبط النفس.
فلا يرتفع لهم صوت.
ولا يشكون لأحد.
بل ان منهم من لا تنم عينهم عن الكره والبغضاء حين يتحدثون مع من هم على خلاف معهم.

وهناك طبعاً فئة نادرة جداً هي تلك التي تقدم الاعتذار فوراً، اذا بدرت أي بادرة خلاف مع ازواجهم او زوجاتهم.

وهؤلاء هم الذين خافون من ان تستمر حالة الغضب مدة طويلة، لدرجة انهم يسرعون دائماً إلى الخضوع والاستسلام.

وهذه كلها انواع شتى من الخلاف. بمعنى ان هناك خلافاً يحتوي على قدر قليل او بسيط من الغضب –وتلك هي سنة الحياة-.

اننا لا نستطيع ان نعيش طول العمر في حالة اتفاق دائم مع شريك العمل –أو شريكة العمر- لابد ان تختلف آراؤنا.
لابد ان نتناقش.
لابد اننا لا نوافق على شيء ما في هذا الرجل او تلك المرأة.

ولكن هذا النوع من الخلافات الخفيفة ليس مجالنا لأنها مجرد خلافات في الرأي لا ينشأ عنها اضطراب كبير في سير الحياة الطبيعي، بل ولا ينتج عنها أي مرارة في اعماق الزوجين.

ولنا هنا ان نقرر ان هناك نظرية تقول: ان الطفل الذي ينشأ في كتف والدين غاية من الانسجام والاتفاق في مشاعرهما –تكون تربيته تربية ناقصة لا تؤهله لمواجهة الحياة –ذلك ان الطفل سيعرف كغيره من الأطفال والكبار ان هناك غضباً يبحث لنفسه عن تعبير. هناك غضب هادئ يحتاج إلى تعبير هادئ أيضاً وهناك غضب ثائر يبحث لنفسه عن تعبير إنفعالي ثائر.

صحيح انه من الأفضل ان يتعلم الطفل حقيقة الغضب من اناس آخرين غير والديه، وصحيح انه من الأسلم ان يرى انقلابات الزواج الكئيبة التي تشبه انقلاب سيارة في الطريق، في شخصيات اخرى غير شخصيات الأب او الأم، لأن اطمئنان الطفل الشخصي والأساسي يحتاج دائماً إلى تماسك العلاقة بين الوالدين ويحتاج إلى انسجام الاثنين في مواجهة مسؤوليات الحياة وصحيح ان عدداً كبيراً من هؤلاء الذين نشأوا في بيوت قادرة على التمييز الدقيق بين الصواب والخطأ هم الذين تقدموا في الحياة لأن اباءهم كانوا يكتمون الغضب فلا يظهر بشكل حاد الآباء حاولوا ان يبتعدوا بأبنائهم عن آثار الغضب العنيف، ذلك ان الغضب بين الوالدين تنعكس آثاره على الأبناء، ولكن من الصحيح ايضاً ان كتمان الغضب بشكل صارم لا يمنع الأطفال ابداً من الاحساس بوجود شيء ما غير طبيعي في سماء العلاقة بين الوالدين.

وتوضح لنا العيادات النفسية ذلك.

ان الاطفال يشعرون بما هو غريب في حالة آبائهم المزاجية، بل اننا نذهب إلى مدى القول بأن بعض الأبناء، يؤثر فيهم الخلاف غير المعلن تأثيراً اشد من ذلك الخلاف الصاخب الذي ينتهي بسرعة. بل ان بعض الاراء العلمية الحديثة تقول ان احد اسباب "الربو" في سنوات الطفولة الأولى هو الخلاف المكتوم بين الزوجين.

ان ذلك الصمت المليء بالغيظ المكتوم بين الزوجين بعد أي خلاف قد يستمر طوال النهار وقد تتخلله أكثر من مناقشة حادة تنفجر لمدة دقائق وتنقل الصورة العامة للخلاف إلى الأبناء. وان اختلفت تفاصيل الصورة.

وليس معنى ذلك اننا ندعو إلى ان تقذف الزوجة زوجها بطبق عندما تغضب منه ولا نتصور ان يصفع الزوج زوجته اذا شعر بضيق منها، طبعاً لا احد يستطيع ان يدعو إلى ذلك وليس هناك أي داع لممارسة ما يساوي كسر طبق على رأس الزوج او ضرب الزوجة.

ان هناك انواعاً من الاهانات البالغة التي تساوي ذلك والتي تدمر الروابط الوثيقة بين الزوجين وتصيب الحالة العاطفية بنوع من الشروخ التي صعب اصلاحها.

ان ذلك لو حدث امام الطفل فإن آثار هذا الخلاف المهين لأحد الطرفين تستمر في تدمير اطمئنان الطفل إلى زمن بعيد.

انها تدمر الاحساس بالأمان في اعماق الابن وتجعله يشعر ان "النموذج العاطفي" يهتز ويجعله يتشكك في معظم العلاقات التي هي من هذا النوع ويستمر احساس الابن بالعار والخجل والذنب.

ويستمر ايضاً احساس الطرف المهان في الخلاف بالعار والاثم والذنب، وهذه الاثار لا يمكن ازالتها لمدة طويلة.

لذلك نجد ان النصيحة الأولى التي توجه إلى الزوجين عندما يختلفان هي "لابد من ضبط الاعصاب" لان آثار ذلك تنعكس على الأبناء.

ان العيادان النفسية تشهد آلاف الحالات من الأبناء الذين نشأوا وسط ظروف عائلية مليئة بالخلاف الشديد، ان هؤلاء الأبناء يشعرون في الكبر بأنهم ليسوا كبقية البشر.. وتنعدم فيهم الثقة بالنفس، فيخافون من اقامة علاقات عاطفية سليمة ويتذكرون ان معنى تكوين أسرة هو الوجود في بيت يختلفون فيه مع طرف آخر ويتبادلون معه الاهانات.

إننا نذكر حالة فتاة من العيادة النفسية. هذه الفتاة التي ظلت ترفض الزواج لمدة طويلة وتدخل سلسلة من التجارب العاطفية وتدمر امكانية وصول أي من هذه العلاقات إلى الزواج.. هذه الفتاة نشأت في اسرة ريفية.

الوالد متوسط الثراء والأم ثرية.

العلاقة بين الأم والأب لم تتم بصورة طبيعية.. لم يختر احدهما الآخر عن دراسة او حب لكن الاختيار تم بطريقة تبدو غريبة في زماننا الذي نعيشه.

كان الأب قد بلغ سن الأربعين وكانت كل علاقاته النسائية قبل الزواج مع المحترفات من النساء اللواتي تقوم العلاقة بينهن وبين أي رجل على أساس ان يدفع الرجل ثمن اللذة الطارئة.

وشاهد هذا الرجل جسداً جميلاً في بيت احد الأقرباء سأل عن اسم هذا الجسد فقالوا له الاسم.

وبإحساس الخوف من الشيخوخة اندفع الرجل إلى الشراء السريع للبضاعة الجميلة أي الزواج في أيام قليلة وبحكم عوامل كثيرة اهمها الرغبة في الهرب من المنزل الذي تعيش فيه وافقت ذات الجسد الجميل على الزواج.

تمر ايام من البهجة المصطنعة يحاول خلالها كل طرف ان يسيطر على الآخر.

تشعر ذات الجسد الجميل انها تعيسة مع الرجل الذي يكبرها كثيراً.

يكتشف الرجل ان ذات الجسد الجميل لا تغرف كيف ترضيه –إنها تمثل عبئاً عليه- إنه مطالب بأن يدخل علاقة حب متساوية مع امرأة وهو لا يعرف ذلك.. ووسط الكدر النفسي الشديد:
تولد الطفلة الأولى.

وتشاهد الطفلة رحلة محاولة الأم للسيطرة على الأب ومقاومة الأب لهذه السيطرة وتنام الأسرة كل ليلة في جحيم المعارك.

تنمو الفتاة على أساس واحد.
هو الخلاف بين الأب والأم.
ويأتي عدد آخر من الأطفال اخوة لها.

وتدور محاولات من الأم لجذب الأطفال ناحيتها ويحاول الأب ان يجذب الأطفال إلى ناحيته ويستمر الصراع داخل أعماق الفتاة وأخوتها ونعرف ان الحياة وسط هذه الأسرة لابد لها من انفصال الطرفين.. الأب والأم.

تشعر بالعار من سلسلة المعارك الصاخبة.
تحس بالخجل لأنها ترى الجيران يشتركون في حل هذه الخلافات.
تتخلف الفتاة في الدراسة. تنجح بصعوبة. تكون كثيرة الحياة. ينحرف الخيال إلى الكذب.
تعيش في دوامة رفض هذه الأسرة.
تدخل الجامعة وتحاول ان تجرب حياة عاطفية.
تبدأ أول علاقة. تستمر العلاقة شهوراً وتنتهي إلى الفشل.
انها تكتشف ان امها تسكن تحت جلدها.
تبدأ دائماً في تعذيب الشاب الذي يدخل معها في علاقة.
يهرب الشاب.
تستمر الفتاة في سلسلة من العلاقات التي تحطمها دون ان تكتمل بمسيرة الحب والفرحة.
ونجد ايضاً نماذج كثيرة من الشاب الذين يخافون من الاقدام على الزواج.
نجد في رأس هذا الشاب سلسلة من المعارك والاحساس بالخجل من تجربة انه كان عضواً في اسرة كثيرة المعارك بين والديه.

اذن ما الحل؟..
هل نخفي الخلاف الذي ينشأ بين الزوجين اذا كان الطفل حاضراً؟
هل نسمح بتدخل الطفل في الخلاف ليقول رأياً قد لا يناسب احد الطرفين وتزداد المشكلة تعقيداً..

من المؤكد ان تأجيل مناقشة الخلاف ومحاولة السيطرة على الانفعال حتى لا يفلت، مريح بالنسبة للطفل. ولو حاول الزوجان ان ينسى كل منهما اساءة الآخر وان يتصرف بصورة مرحة فإن ذلك أفضل؟

ولكن اذا كان نية احدهما ان يكتم الخلاف ويظل يردد كلمات مبهمة دليل "الاشمئزاز" و"الغضب" او ان ينظر نظرات طويلة –يحدق فيها بمن هو امامه ليخيفه او يعلن عن كراهيته الصامتة له او يظل متوتراً لمدة طويلة.

ان حدث ذلك اثناء وجود الطفل معهما فإن ذلك يثير شكوك الطفل وينقل إليه القلق والتوتر والخوف.

اذاً ما الحل؟
الحل ان توقف المعارك مؤقتاً.
ومن المهم ان يظهر الوالدان للطفل ان هذا الخلاف مسألة عرضية وان نشرح للطفل بواقعية وهدوء ان الخلاف أمر طبيعي يأتي إلى حياة كل إنسان ويذوب بسرعة.

اما اذا حدث الخلاف ودخل الأبوان حجرة مغلقة او اصدرا الأمر غلى الابن بأن يخرج من الغرفة، وبدأ الطفل يسمع اصواتاً غاضبة ثم يخرج الوالدان وعلى خديَّ الأم خيوط من الدموع وعلى وجه الأب تجاعيد الأسى والنفور ويشعر ان كليهما يعاني من الاحساس بالذنب لأنه كان سيء الحظ في اختيار شريك الحياة، عندئذ لابد ان يشعر الطفل ان الموقف غاية في السوء.

لذلك نقول ان المهم ان يحاول الزوجان امام طفلهما ان يكونا طبيعيين.
فإذن سمع الطفل صوت الغضب يعلو من خلال باب مقفول...

ثم وجد ملامح الصمت المليء بالغيظ على وجهي الوالدين، فإن ذلك يجعل الابن ينظر إلى الوالدين ينوع من عدم الثقة بل وأقول بنوع من عدم التقدير.. لذلك لابد ان نكون واقعيين وان نحصل على ثقة الطفل، بأن نقول مثلاً:
كنا في حوار كالشجار، ولكن لماذا لا نفعل نحن جميعاً شيئاً آخر، نلعب او نخرج.

لعل القارئ يحس انني الف وأدور في ساقية، قائلاً لنفسه "أليس هناك وسيلة للحياة دون خلاف".

وانا أقول ان نشوء الخلاف ليس كارثة، بل انه ضروري، ولكن لابد ان نجعله غير مزعج للطفل ولابد ان نذكر الطفل اننا اناس منطقيون نرغب في بناء حياتنا.

ليس المهم اذن هو طريقة الخلاف او على ماذا يكون الخلاف بين الأب والأم او حتى عدد مرات الخلاف.

انما أهم ما يجب ان ننتبه له هو.. ما تأثير الخلاف على العلاقة الأساسية بين الزوجين وهل نختار طريقة التعبير المتحضرة ذات الأسلوب الراقي في أي خلاف او صدام بين الآراء؟

والمهم أيضاً ان يؤكد الوالدان للأبناء ان الحب بينهما قوي وان الاحترام بينهما قائم –وانهما لا يختلفان حول اهداف الحياة الأساسية وهي تربية الأبناء ومساعدتهم في بناء المستقبل- وان الخلاف كان حول مسائل ليست خطيرة.. إنه خلاف مثلاً حول توجيه دخل الأسرة إلى مزيد من اوجه الاتفاق المفيدة او ان الأقارب يجب ان يعاملوا بطريقة لا تسمح لهم بالتدخل في الحياة الشخصية للأسرة، وانهما يحاولان دائماً ان يضعا نهاية لهذا الخلاف.

وكلما كانت قدرة الزجين على انهاء الخلاف سريعة كلما قل شعور الأطفال بألم هذه الخلافات..

ولكن يجب ان نقف قليلاً عند كيفية ازالة اثار أي خلاف والاستفادة تربوياً منه.

ان احد الأسباب الرئيسية في قلق الأطفال الصغار من خلاف الآباء هو ان فكرتهم عن الغضب فكرة عنيفة للغاية.

انهم متوحشون صغار.
انهم لا يعرفون ان الغضب له درجات.

فمثلاً الطفل الصغير عندما يغضب من احد الوالدين فهو يرغب في ان يقضي عليه مؤقتاً، ولكن لأنه يعرف انه يعتمد تماماً في حياته على الوالدين بل ويحبهما ايضاً، فهو يعاني من القلق والاحساس بالذنب. انه لم يملك الثقة بنفسه ولا بقدرته على السيطرة على مشاعر رضاه او سخطه وهو لم يصل إلى درجة النضج الكافية التي يدرك بها انه بين كل عشرة ملايين معركة تكون هناك واحدة فقط هي التي تُرتكَب فيها جريمة قتل.

والطفل لا يظن ان ابويه يشعران بأحاسيس اجرامية وحسب، بل يتمادى في الظن بأنهما قد ينفذان الجريمة.

والاخصائي النفسي الذي يعمل مع نوع معين من الأطفال الذين يعانون من القلق والاحساس بالذنب، هذا الاخصائي يقضي وقتاً طويلاً حتى يصل إلى اقناع الطفل ان الغضب "احساس" .. والجريمة "فعل".

وان مشاعر الغضب مسموح بها لأنها لا تؤذي أحداً، ويمكن للانسان ان يعبر عن مشاعره الغاضبة بالكلمات.. وهذا طبعاً يفرح له الطفل جداً.

انه يعرف أخيراً ان الغضب شيء يختلف عن الجريمة. ويجعل التحسن يبدو واضحاً في حالة الطفل وتزول عنه احاسيس الذنب والقلق.

لذلك نقول انه من الأفضل للوالدين ان يوضحاً للطفل حقيقة الخلاف وانهما مازالا يحب احدهما الآخر حتى لا ينزعج وحتى لا يسبب له هذا الانزعاج سلسلة من الاضطرابات لا نهاية لها.

يجب ان يوضح الوالدان للطفل ان الكبار ايضاً يغضبون ويختلفون "ويتضايق" بعضهم من بعض ولكن كل ذلك ينتهي لتبدأ رحلة الحياة صافية بعد ذلك.

واكرر مرة اخرى انه لا داعي لأن يلعب أحد الوالدين دور "الشهيد" المعتدي عليه والمغلوب على أمره. يجب ان لا يحدث ذلك من أحد الوالدين لأنه يملأ نفس الطفل بقلق وضيق نحو واحد من اثنين يراهما هو كأعز وأثمن ما يملك. انهما وسيلة الحياة ومصدر الحنان. إنهما الأب والأم.

ولست اعني أن على الآباء والأمهات ان يستمرا دائماً في توضيح مسائل الخلافات كلها للأطفال. فليس من المعقول ان نظل نحن الكبار نختلف ونتشاجر، ثم نحول الصغار إلى قضاة دائمين.

كما لا يجب ان نتحول نحن الكبار إلى مفسرين دائمين لسلوكنا ولتصرفنا.

ان ذلك شيء غير مستحب سواء منا نحن الكبار أو من الابن الذي نرهقه نحن أيضاً بنوبات معاركنا ثم بنوبات القلق التي تتسرب إلى أعماقه، ثم أخيراً بنوبات التفسير لغضبنا.

اننا نعرف ان الخلاف بين الأزواج شيء يحدث، وطبيعي ان يحدث.. المهم دائماً ان نعرف عدد مرات الخلاف وان نقللها وان نتحكم نحن في مشاعرنا اثناء الخلاف ولا نحاول ان نعكس ذلك على الطفل. ان بعض الزوجات ينظرن إلى الأبناء على انهم السبب الوحيد الذي يربطهن بهؤلاء الآباء. ان بعض الأزواج ينظرون إلى الأبناء والنظرة تحمل معنى واحداً: "لو لم يكن عندي أبناء لكنت تخلصت من الحياة مع هذه الكارثة التي تزوجتها ويا لي من مغفل حين تزوجتها".

ان ذلك مما يسمى "حالات الطلاق العاطفي" أي ان ينفصل كل من الزوجين نفسياً عن الآخرين وهذه الحالات تسبب الانزعاج الكامل للطفل. تجعله ينظر إلى الحياة بقلق. تجعله يقع في سلسلة لا متناهية من العقبات النفسية. تجعله يكره الحياة نفسها لأنه يعاني من الاحساس بالوحدة او يعاني من الاحساس بأنه عبء على الأبوين.

اننا لا نطلب بأن نمثل على الأبناء تمثيلية نكون نحن ابطالها، ونقول للأبناء ان الحياة تسير بلا خلاف.

ان ذلك مستحيل..

اننا نعرف ان الأزواج الذين بلغوا درجة فائقة من النضج العاطفي ويتمتعون باحترام متبادل مع زوجاتهم يمرون أيضاً هم وزوجاتهم بفترة يكتشفون فيها ان الخلاف ضروري حول مسائل معينة، مثل طريقة الانفاق، او طريقة اختيار كل طرف لأصدقائه، أصدقاء الزوج قد لا يعجبون الزوجة، صديقات الزوجة قد يعترض عليهن الزوج. طريقة تفصيل ملابس الزوجة قد يعترض عليها الزوج. طريقة حديث الزوج مع صديقات الزوجة قد لا تعجب الزوجة. مستقبل الأبناء نفسه قد يكون مجال مناقشة بين الزوجين أو طريقة تأديب هؤلاء الأبناء، وهكذا..

ان الأزواج والزوجات يكتشفون دون قصد منهم، انهم عرضة للاختلاف في الرأي خصوصاً في السنوات الأولى من الزواج.

وأي زواج ناجح يكتشف فيه الطرفان اثناء كل مناقشة بعض النقط التي يختلفان فيها. هنا نعرف ان الزواج كالتعليم. يجب ان نستفيد من الدروس. إننا نكشف كل ما في أعماقنا لطرف آخر وهو يكشف لنا ما في أعماقه.

اذن لماذا لا نتعلم من كل مناقشة؟؟
انّ "تعلمنا" هو الذي يوفر علينا سوء التفاهم.
نقلل عدد مرات الخلاف.
نزيل اسباب الخلاف قبل ان تنشأ.

وقد يكتشف احد الزوجين انه يملك عادة مستفزة او ان رأيه في مسألة ما غير معقول، اذن فعليه ان يعترف بذلك وان يتخذ قراراً حاسماً وصامتاً بأن يتراجع عن هذه العادة. وان يتنازل عن الرأي غير المعقول.

مثال ذلك الزوج الذي يصر على شراء ملابس جديدة لنفسه، بينما البيت يحتاج إلى ثمن هذه الملابس.. والمثال نفسه يمكن ان "ينطبق بقوة" على المرأة احياناً أكثر مما ينطبق على الرجل.

وعلى الرغم من ان "الاسراف" كريه كصفة في أحد الزوجين، فإن الطرف المسرف يجب أن لا ينال العقاب والتوبيخ واللوم دائماً.

انما يجب ان يتلقى نصيبه الكامل من الحب والحنان والرعاية والفهم، وان يحاول طبعاً علاج عيبه أعني الاسراف.

وذلك المثال ينطبق على بقية العادات الأخرى التي يعترض عليها أحد الزوجين.

وعلينا ان نعرف ان الحب الكثير من الخلافات في حالات الزواج الناجح. وعلينا ان نعرف أيضاً أن الحب عندما يختفي من البيت الذي يعيش فيه الزوجان فإن الخلافات تصبح ضيقاً دائماً في هذا البيت.

ان بعض علاقات الزواج تتحول إلى علاقة بين أعداء لا يعلنون عن عدائهم بشكل مباشر، والذي يحدث.. ان يبحث على كل طرف للآخر عن أسباب ليخوض معه معركة ويخلق له توتراً ويسبب له مشاكل.

وبما لا شك فيه ان المسائل التي مكن ان يثور حولها الخلاف في كل اسرة لا حصر لها ويمكن ان ينفخ فيها أحد الزوجين لتصبح ناراً تحرق البيت نفسه.

ان ذلك يحدث عندما تملأ الكراهية قلب أحد الزوجين وتصبح الحياة خالية من المحبة والسلام وإذا ما استمرت أصبحت جحيماً بينهما.

ان هذه الأوضاع تهدم نفسية الإنسان سواء كان طفلاً أو زوجاً أو زوجة..

من المحتمل أن يكون القارئ قد افترض من خلال حديثي هذا أن هناك حالات زواج مثالية وحالات زواج فاشلة جداً، لكن هناك أعداداً لا حصر لها عن حالات الزواج التي هي ليست فاشلة تماماً وليست ناجحة تماماً.

ان حالة الانسجام والاتفاق يرتفع ميزان حرارتها وينخفض من يوم ليوم ومن أسبوع لأسبوع ومن شهر لآخر ومن سنة لسنة.

والمسألة تتوقف على أسباب كثيرة في أعماق الزوجين وفي المجتمع الذي يعيش فيه الزوجان وبعضها واضح تماماً وبعض هذه الأسباب لا يعرفه حتى الزوجان نفسهما. فبعض الأفراد نشأوا في جو أسرة لا ينتهي فيها الخلاف الذي يتبعه الحب والغفران ولا يستمر الحب أو الغفران فترة طويلة، بل ينقلب مرة أخرى إلى سلسلة من المعارك الكبيرة أو الصغيرة.

وتستمر الحياة في هذا النوع من الأسر، لا يستقر فيها الحب كثيراً ولا يستقر فيها الخلاف كثيراً.

ان هذا النوع العلاقات الأسرية موجود.

والأزواج والزوجات يتمتعون فيه بالبحث عن القلق ويجددون لذة في هذا السلام الآتي من بطن الحرب، وهذا الحنان المولود من براثن الكراهية، رغم انهم قد يستنكرون ذلك لو رأوه في غيرهم، هؤلاء الأبناء الذين ينشأون في مثل هذه الأسر يتبعون أيضاً في أغلب الأحيان نفس الأسلوب.

ويتعرضون أيضاً لتخمينات الجيران عندما يسمع الجيران ضجيج المعارك ويكون مضمون هذه التخمينات أن الطلاق سيدق باب هذه الأسرة الكثيرة المعارك، ولكن الطلاق لا يأتي..

وهناك عامل آخر يكون السبب في قيام الخلاف في الأسرة.

هناك بعض الأسر يولد فيها طفل يشبه أباه تماماً أو طفلة تشبه الأم تماماً، وهذا التشابه الشديد يدفع الأب مثلاً إلى التحيز الشديد للابن الذي يشبهه وقد يدفع الأم أيضاً إلى التحيز للفتاة التي تشبهها، وفي أي مناقشة بين الأم وبين الوالد الذي يشبه أباه أو عندما تعاتبه على خطأ ما فإن الأب يعترض ويعلو صوته بالاعتراض والرفض لهذا العقاب.

ويحدث ذلك أيضاً لو أنّب الأب البنت التي تشبه امها، فإن الأم تعترض على ذلك.

هنا يتبادل الوالدان الاتهامات بخصوص هؤلاء الأطفال.

كل واحد يتهم الآخر بأنه متحيز لهذا الطفل وظالم لتلك الطفلة أو العكس.

وعلينا أن نلاحظ أن الأطفال يتسغلون ذلك بمنتهى الذكاء، ويحاولون أثارة المزيد من الخلافات بين الزوجين، وهكذا نجد أن الوالدين نفسهما قد اصبحا "لعبة في أيدي الأطفال".

أخيراً، نحب أن نقول اننا في العصر الحاضر نعرف الكثير من الأسباب التي تقف وراء الخلاف في الحياة الزوجية. ولقد تقدمت البحوث الاجتماعية والنفسية في عصرنا بصورة كبيرة، وفي كل مكان هناك اخصائيون يعملون لمساعدة الأزواج على فهم المشكلات التي تقابل الحياة الزوجية وكيف يمكن الانتصار عليها.. ومن الأفضل طبعاً ألا تصيب الكبرياء أي طرف من الزوجين بحيث يمتنع عن الذهاب إلى أحد الأخصائيين ليبحث عن علاج للمشكلة التي تواجه الحياة الزوجية، أن هذا النوع من الكبرياء يؤكد صفة الجهل في أي إنسان يرفض حل مشاكله علمياً.

أن المرونة مطلوبة لأن الحياة يمكن أن تكون بها أكثر أشراقاً.

وهناك ملاحظة أعرفها شخصياً وهي أن المرأة غالباً هي التي تكتشف ضرورة الاستفادة من مكاتب حل مشاكل الزواج، والرجل غالباً هو الذي يرفض.

ان العلم قد استطاع التوصل إلى القدرة على تنقية جو الأسرة.. فلماذا لا نستفيد من ذلك؟..

وقُصارى القول نعلن اننا يجب ان نعرف ان من يطلب حل خلاف في الأسرة بأسلوب علمي ليس هو الخاسر...

وأن حلبة مصارعة الثيران لا تشهد الثور وهو يهجم دون داع على مصارع الثيران ولكن هجوم الثور يأتي دائماً بعد أن يرفع المصارع علمه الأحمر أمام الثور.

هنا تبدأ المصارعة –أليس كذلك؟


من كتاب [حديث إلى الأمهات.. مشاكل الآباء في تربية الأبناء] ـ دكتور سبوك، ص 40-54

 
أعلى