هل يمكن ان تنجح علاقتك بحماتك؟ - دكتور سبوك

ROWIS

رويس
عضو مبارك
إنضم
3 يوليو 2007
المشاركات
2,619
مستوى التفاعل
388
النقاط
83
هل يمكن ان تنجح علاقتك بحماتك؟

777095328.jpg


الحماة أحياناً تلعب مع زوجة الابن دور الشرطي الذي أُحيل على التقاعد. وتنظر بعيون ملؤها الحسرة إلى السيدة التي خطفت ابنها. وتحاول ان تفرض سيطرتها على جو البيت. ومجال الخلاف الدائم بين الحموات والزوجات أو بين والد الزوجة وزوج البنت هو تربية الأبناء.

بيد ان هناك حماة يمكن لزوجة الابن ان تظفر بصداقتها.
وهناك حماة اخرى لابد من ان تحكم الرقابة عليها.
وما ينطبق على الحماة ينطبق أيضاً على والد الزوج. أو والد الزوجة.

ليس هناك طبيب اطفال لا يرى خطوط التعاسة التي تكون مرتسمة احياناً على وجه الأم أو الأب. والسبب هو ان الجدة يتدخلان بشكل مباشر ومثير للضيق في أسلوب العناية بالطفل.

ان كلا الأم والأب يحاول ان يعلم نفسه قواعد العناية بالطفل صحياً بأسلوب علمي.
ويدور الصراع بين الكبار "الأجداد" كطرف أول وأم الطفل وابيه كطرف ثان..
فأم الزوج تشعر انها مجي عليها –لأن زوجة الابن لا تسمع كلامها في فن رعاية الابن. ان الحماة تظن انها الخبيرة الأولى في التربية.. ويجب على زوجة الابن الطاعة. وام الزوجة نفسها تشعر احياناً ان ابنتها تتفاخر عليها بقواعد التربية الحديثة وفي ذلك اتهام غير مباشر للأم المتقدمة بالسن بأنها لم تتعلم قواعد التربية السليمة وانها يجب ان تعرف انها جاهلة. هكذا تقتنع الحموات والأمهات.

والد الزوجة قد ينظر إلى زوج ابنته قائلاً:
-أنا افهم اكثر منك في قواعد تربية الأطفال.. ان المسألة علمياً..
ويستمر والد الزوجة في إلقاء سيل من النصائح والارشادات ليس لها علاقة بالعلم ولكن هدفها ان يثبت انه "يعرف" اكثر مما يعرف زوج ابنته.. وهكذا نجد ان هناك صراعاً خفياً بين الاجداد أو الجدات كطرف وبين الأزواج والزوجات كطرف آخر.

مثلاً والدة الزوج التي تقول لزوجة ابنها:
-كل ما اتمناه ان يكون الطفل شبه ابيه وان يكون له ذكاء اسرة والده ولباقتها.. هنا تشعر ام الطفل بالإهانة.
ولنلق الآن نظرة على خطاب وصلني من احدى الامهات.. تقول فيه:
-كل ما افعله منذ ميلاد ابني معرض للنقد المستمر من حماتي.. خصوصاً في مسألة تدريب طفلي على التبول والتبرز. حماتي تقول انه يجب عليَّ ان افرض على الطفل ان يتعود على ضبط نفسه منذ شهوره الأولى، لأن ذلك ممكن. وانا ارفض ان اجبر الطفل على ذلك. حماتي تطلب مني ان احترس وانتبه لأن عدم انتباهي يجعل الطفل يحاول ان يكتشف كل شيء بنفسه وقد ينتج على ذلك ان يقع الطفل في مأزق او يصيب نفسه بأذى، كأن "يخبط" نفسه في شيء. حماتي تصر على انها تعرف اكثر مني في مسألة تربية الأطفال، لأنها اكبر مني واكثر خبرة. حماتي تؤكد كل لحظة انني وزوجي مخطئان، لأننا لا نسمع كلامها. وهنا يجب ان اعترف، انني احياناً كثيرة ارفض ان انفد أياً من آرائها المفيدة –لا لشيء إلا لأسلوبها الديكتاتوري الذي تحاول ان تفرض به آراءها، وهي تعتبر ذلك الرفض لأفكارها نوعاً من الاهانة الشخصية لها.. وحماتي تزدري من صميم قلبها هواياتي وصداقاتي، هذه الهوايات والصداقات التي لا تمنعني من القيام بواجباتي تجاه ابني او زوجي. إنها تصفني بأنني غير متزنة وتصرفاتي طائشة. وعندما ندعوها للإقامة معنا في الاعياد مثلاً –مرتين او ثلاثا كل عام- فإنها تجعلني أنا وزوجي نشعر بالذنب حين ننبه على المربية الخاصة بالطفل إلى الاهتمام بطفلنا. اننا نفعل ذلك حتى لا نرهقها، ولكنها تأخذ هذه التوجيهات على انها اهانة كبيرة لها. وانا شخصياً أفضل ان اترك طفلي مع امي في بعض الأحيان، لكن حماتي تقف لذلك بالمرصاد، وتدعي انها أولى بذلك. وتحاول ان تمارس عواطف الكرم والشهامة لتخفي انانيتها، وتصر على ان أترك معها الطفل".

قد يعتقد القارئ ان هذه الحماة غارقة لأذنيها في سلسلة من الأخطاء. وقد يتحيز إلى الأم التي قالت هذه الكلمات بدون مناقشة. لكن لابد ان نتمهل ونناقش بعض العوامل التي توضح مدى "انانية" هذه الحماة، علينا ان نعترف بأننا لم نسمع سوى رأي زوجة الابن فقط، من زوجة ابنها. وعلينا ان نتذكر ايضاً اننا قبل ان نناقش مواقف هذه الحماة، علينا ان نعترف بأننا لم نسمع سوى رأي زوجة الابن فقط، أي اننا لم نسمع سوى احد اطراف المشكلة. إنني أشك في ان أحداً قد يختار عندما يسمع هذه المشكلة من الحماة في مقل هذا الخلاف بين الحماة زوجة الابن –يتغير رأينا كثيراً عندما نسمع رأي الحماة- لكن لنتخيل اننا نشاهد الحماة وزوجة الابن وهما يتصرفان وجهاً لوجه. إنني أتصور اننا سنشاهد زوجة الابن وهي تتصرف بصورة غير مباشرة حتى تجعل الصراع ضرورياً بينها وبين أم زوجها. ان وجود الاثنين معاً، دون تفاهم واضح المعالم، يجعل الصراع أكيداً، لأن احداهما ستعتدي على وظيفة الاخرى او خبرتها، الحماة ستعتدي على احساس الأم بأنها المسؤولة عن ابنها، والام ستعتدي على احساس الحماة بأنها صاحبة خبرة أكثر منها في مجال تربية الأطفال.

ولا اريد ان اؤكد انني اعلم ما يدور في تفاصيل الصراع اليومي بين الحماة وزوجة ابنها، لأني لا املك الا سطور الرسالة التي نشرتها. لكن لقائي مع عدد كبير من الأمهات الشابات يكشف لي عن ان المشكلة الرئيسية التي تواجه الأم الشابة هي عدم قدرتها على تحمل تدخل الحماة في كل صغيرة وكبيرة من تصرفات زوجة الابن. ان رسالة هذه الأم الشابة تقول لي كلمات اخرى لم تكتبها صاحبة الرسالة. انها تقول لي "أنا استسلم لرأي حماتي دون مقاومة".

ولقد يثير ذلك دهشة القارئ فيقول "كيف يكون ذلك مع ان هذه الأم الشابة تصر على رأيها في عدد من المسائل، مثل مسألة رفضها لرأي حماتها في تدريب الطفل على عادات التبرز والتبول والطعام وضرورة الانتباه الشديد لكل سلوك مع الطفل حتى تحميه من الأضرار التي تسببها له محاولاته لاكتشاف ما حوله. كل ذلك صحيح وصحيح ايضاً ان الأم الشابة تتردد قبل ان تلقي بتعليماتها إلى مربية الطفل او الخادمة التي تتولى شؤونه وتستلم لمسألة اصرار الحماة على بقاء الطفل معها ومنعه من الذهاب إلى بيت جدته لأمه كما تتمنى الأم الشابة. وأهم ما يؤكد لي الظن بأن تلك الأم الشابة تستسلم بسرعة لرأي حماتها هو ان سطور رسالتها مليئة بالإحساس بأنها مجروحة الكرامة من تصرفات الحماة وتشعر انها ضحية لهذه الحماة، وكل ذلك يؤكد على ان العلاقة بينهما ليست سليمة.

انني اعتقد ان المشكلة الأساسية هي ان مثل هذه الأم الشابة تخاف ان تجرح مشاعر حماتها وتخاف ان تغضبها.

وهنا عدة عوامل تصنع هذا الموقف.

الأم مازالت صغيرة السن وقليلة الخبرة. لذلك فعندما ترزق هذه الأم بطفل ثان وثالث فمن المؤكد ان فرصتها في عدم الاستسلام للحماة ستكون جيدة. إنها لن تكون مستسلمة لهذه الدرجة امام حماتها، لأن خجلها امام حماتها سيقل وستكون اكثر حسماً فذلك الخجل سببه انها مبتدئة في تربية الأطفال وخبرتها قليلة. لقد تعلمنا من العلاج النفسي ان الفتاة المراهقة تتطلع إلى منافسة امها في اعماق اللاشعور، إنها تشعر ان دورها قد جاء لتكون فاتنة وتستمتع بالحياة الرومانتيكية وانجاب الاطفال. ان المراهقة تشعر ان امها يجب ان تعرف ان الفرصة قد ضاعت عليها، وعلى الأم ان تفسح لابنتها مجال التقدم للاستمتاع بالحب. ان أي فتاة جريئة يمكن ان تُعبِّر عن هذا الاحساس بالتنافس مع امها في كلمات واضحة. وهذا هو احد الأسباب التي توضح لنا لماذا يبدأ تمرد الشباب بأخذ شكل المشكلة الحادة اثناء المراهقة، لكن الفتاة او الأم الصغيرة السن التي تربت في بيت محافظ قد يختلف احساسها قليلاً. انها تكبت الاحساس بالتنافس مع امها او حماتها. لذلك مجدها في حالة استسلام، خوفاً من الاحساس بالذنب. إنها تستسلم حتى ولو كانت تعرف ان رأيها صحيح، فهي تتنازل عن هذا الرأي. وهناك ايضاً نوع من التنافس بين زوجة الابن والحماة. ففي اعماق اللاشعور من الحماة احساس بأن زوجة الابن هي المرأة التي نجحت في سرقة الابن الغالي. والمرأة الشابة المليئة بالثقة قد تتمتع بهذا النجاح في علاقتها الزوجية. لكن زوجة الابن الحساسة قد تعاني من بعض الاحساس بالذنب لأنها نجحت في الاستيلاء على زوجها، وحرمت امه منه، خصوصاً عندما تكون الحماة من النوع الذي يصعب ارضاؤه. ولعل العامل الحاسم هو طبيعة اخلاق الحماة، لا من حيث غيرتها وحبها للسيطرة واصرارها على فرض رأيها وحسب. بل كذلك من حيث مهارتها في اقتناص فرصة حساسية زوجة ابنها. ان ذلك الاقتناص لهذه الفرصة يسبب لزوجة الابن الاحساس بالضيق ويخلق نوعاً من العداء الروحي بين الحماة وزوجة الابن، لأن زوجة الابن لو كانت واثقة من نفسها ومعلوماتها في تربية الطفل لاستطاعت ان تضع حداً لتدخل حماتها. أما زوجة الابن المغرقة في الحساسية وفي الخوف على مشاعر الحماة، فإنها تكون ضحية نموذجية لأي حماة تجيد فن استغلال احساس الآخرين بالذنب.

هناك "تماذج" بارع بين الشخصيتين. ففي الحقيقة، ان الأم تحاول ان تكشف عيوب زوجة ابنها، وكذلك تحاول زوجة الابن ان تكشف عيوب حماتها وأي بادرة في الاستسلام لرأي الحماة، كفيلة بأن تدفع الحماة إلى مزيد من استغلال الفرصة لاهانة زوجة الابن، كما ان خوف زوجة الابن من حرج مشاعر حماتها يدفع الحماة لكي تستغل ببراعة أي فرصة تبدو فيها وكأن مشاعرها قد جرحت، وأنها تشعر ان زوجة ابنها قد اهانتها. وهكذا تبدأ لهجة الأوامر تظهر على لسان الحماة "أنا لا اسمح بأن تقولي لي ذلك" ويصبح أي خلاف في الرأي هو "اهانة شخصية" للحماة. وكبت زوجة الابن استياءها من هذه الاهانات المتتالية ومن سيطرة الحماة يجعلها تتألم ولا تعرف كيف تتصرف لتضع حداً لهذا الألم. ان زوجة الابن تصبح كالسيارة الغارقة في الرمال، تغوص اعمق واعمق كلما حاولت الخروج. وبمرور الأيام والشهور، وعندما يصبح الألم كالقدر لا يمكن ان تزيله، نبدأ في الاستسلام لنوع من الرضا بالعذاب كالحزن على أنفسها. ونبدأ في اجترار آلامنا ونستمتع بسخطنا، أو نروي من خلال الدمع آلامنا للآخرين وتستمتع بتعاطفهم معنا.

وهذه الألوان من فنون البحث عن الرضا تقلل من اصرارنا على ضرورة العثور على حل واضح لمشكلتنا. فنحن نغرق في دوامة الحزن بدلاً من البحث عن قرار نصنع بع سعادتنا.. كيف اذن يمكن لزوجة الابن الحساسة ان تنقذ نفسها من بحر الهوان الذي تغرقها فيه حماتها المتسلطة؟

الطريق إلى ذلك ليس سهلاً في البداية، ولكنه ممكن بالتدريج والتدريب.

على زوجة الابن ان تتذكر انها وزوجها مسؤولان عن تربية الابن قانونياً واجتماعياً وفعلياً ولهذا فيجب ان يتمسكا بالاحتفاظ بحق اتخاذ أي قرار وكل قرار يخص الابن. واذا حاولت الحماة ان تثير أي شك من الشكوك في اعماق زوجة الابن حول أي أمر يخص الطفل الصغير، فإن على زوجة الابن ان تستشير الطبيب الذي يشرف على علاج الطفل. ومن المؤكد ان الطبيب سيقف بجانب الأم الشابة ضد حماتها، لأن معظم الحموات يقفن دائماً ضد الطب والطبيب.

وعلى الأب ان يؤكد ثقته بزوجته وان يعلن ذلك لأمه بوضوح وان يؤكد لها انه هو وزوجته يتحملان مسؤولية الطفل، ويجب ان لا يتدخل احد في ذلك الأمر.. لا بد ان يكون الأب حازماً وحاسماً مع امه في أي مناقشة بينها وبين زوجته. على الأب ألا يستسلم لرأي امه او ان يوافق عليه، بل عليه ان يؤيد زوجته بحزم ودون نفاذ الصبر. واذا ظن ان امه على صواب في أي نقطة.. فعليه ألا يعلن هذا التأييد، بل عليه ان ينتهز الفرصة للانفراد بزوجته وان يناقشها فيما يراه صواباً من رأي أمه. وأعظم الحظوات اهمية بالنسبة للام التي يتملكها الخوف هو ان تعرف في وضوح ان احساسها بالذنب والخوف من اغضاب الحماة هما اللذان يجعلانها هدفاً لاهانات الحماة ولسيطرتها، وعليها ان تعرف أن ليس هناك ما يجعلها تخاف او تخاف. باختصار، يجب ان تلبس الأم الشابة نوعاً من الدروع السميكة تحمي بها نفسها من المخاوف وتسير بها إلى هدفها بأسلوبها الخاص دون ان تشعر بالحرج.

وهنا قد يُطّرَح السؤال التالي نفسه:
-هل يجب على الأم الشابة ان تثور في وجه حماتها حتى تحصل على استقلالها في تربية ابنها؟
والجواب انها ربما احتاجت إلى ذلك مرة او مرتين لأن معظم البشر الذين تفترسهم الضغوط بوع من عدم القدرة على رفع هذه مرة واحدة. وهذا الاحساس يرهقهم ولا يعرفون كيف يسيطرون على أنفسهم عندما يواجهون استفزازاً شديداً، وعندئذ ينفجرون انفجاراً عارماً. لكن على الأم الشابة ان تحذر من غضبها الشديد في وجه حماتها. ان الحماة التي تكون من النوع المتسلط تعرف في اعماقها ان ضيق الأم وغضبها الشديد دليلان على الخوف والجبن، وهذا يشجعها على استئناف التسلط والاهانة.

وعلى الأم الشابة ان تتأكد من انها في المدى الطويل سوف تزداد ثقة بنفسها ولا تسمح لحماتها ان تتدخل في أي شأن من شؤون تربية الأبناء أو معاملة الزوج –وستتعلم كيف تقول رأيها في صوت واثق دون ان تغضب- ستقول "هذا هو افضل طريق بالنسبة لي ولطفلي" او "الطبيب هو الذي ينصح بذلك". ان النبرة الواثقة الهادئة تكون عادة ذات فعالية كبيرة في اقناع الحماة بأن الأم قادرة على حل مشاكلها بنفسها.

ان على الأم دائماً ان تنفذ ما تراه صحيحاً دون ان تلجأ إلى حماتها، فإذا حاولت الحماة ان تثير سلسلة من المشاكل لأي سبب فإن على الأم ان تبدو طبيعية، وان تتفادى المناقشات حول رعاية الطفل بقدر الامكان. وعندما تصر الجدة على المناقشة والجدال فعلى الأم ان تظل هادئة، وان تغير موضوع الحديث بلباقة –وعندما تحاول الحماة ان تثير الأم بكلمة "احلم ان يكون طفلاً جميلاً وذكياً مثل ابيه". فعلى الأم ان تعتبر المسألة نكته دون ان تظهر ان ذلك هو جرح لمشاعرها. ان كل ما تهدف إليه هذه الخطوات هو ان ترفض الأم الشابة ان تقف موقف الدفاع عن نفسها وألا تسمح لكرامتها بأن تُجرَح، وان ترفض ان يثير احد اعصابها. وبعد ان تتقن الأم هذه المبادئ الأساسية في الدفاع عن نفسها، عليها ان تتقدم خطوة إلى الأمام بأن تتعلم عدم الهرب من الحماة بل مواجهتها، وألا تخاف من سماع رأي الحماة، وهذا يجعلها قوية ويقنع الحماة بالحقيقة.

"ان دور الجدة ينحصر في ابداء الرأي دون الزام الأبناء بتنفيذ هذا الرأي".

لقد اهتممت حتى الآن بالمواقف الأساسية بين الأم الجدة وتجاهلت الخلافات في الرأي بين الاثنتين حول المسائل الأخرى مثل تشجيع الطفل على الطعام وتدريبه على طريقة التبول والتبرز وتنبيهه إلى ما يجب الابتعاد عنه لنحميه من الحوادث الصغيرة وتعليمه كيف يأخذ حذره.

لم اقل رأيي في تلك المسائل، لا لشيء إلا لأنني واثق من ان الصدام بين أي شخصيتين يجعل فرص اختلاف الرأي لا حدود لها. وقد تكون المرأتان عملياً تتبعان نفس الأسلوب في معاملة الطفل ولكن مناقشاتهما الشفهية لا تنتهي حتى يوم القيامة لأن وجهات النظر تختلف. وعندما تكون هناك شخصيتان مختلفتان فأنا لا أسأل نفسي أيهما على صواب، لأني ألاحظ ان كليهما يجد متعة في العثور على الفروق بين وجهة نظره ووجهة نظر من يختلف معه وذلك حتى تستمر المعركة. واذا ما أحس أحدهما ان هناك نقطة اتفاق تقرب بينه وبين الشخصية التي يختلف معها فإنه يحاول الهرب منها بسرعة. والآن علينا التوقف لنعرف انه قد حدثت تغيرات عنيفة في عالم تعليم العناية بالأطفال في السنوات الأخيرة. وذلك يحتاج إلى اتساع افق كبير من أي جدة او حماة حتى تتقبل تلك التغيرات العميقة من حيث تعليم وسائل تربية الطفل وحتى تستطيع ان نضبط نفسها وتبتعد عن الشك والقلق وذلك لأن أي جدة او حماة غالباً ما تعلمت ان الطفل لو تناول طعامه في غير المواعيد المحددة فإن ذلك يسبب عسر الهضم والاسهال والقيء وان الانتظام في مواعيد التبرز هو الذي يحفظ هذا الاساس الهام لصحة الطفل.. ونحن نعرف ان اقناع الجدة او الحماة بتغيير هذه المعتقدات مسألة صعبة، ولكن عليها ان تتقبل هذه التغيرات بسعة افق. ان المرونة في مواعيد الرضاعة مسألة مرغوب فيها وليس مسموحاً بها فقط. وان تدريب الطفل على عادات التبرز والتبول يجب ألا يتم بالاكراه ضد ارادة الطفل. هذه الآراء الجديدة لا تدهش الأم الشابة في هذه الأيام لأنها طبيعية بالنسبة لها. وحتى تستطيع ان تفهم موقف الحماة او الجدة، يتعين عليها ان تتخيل نصيحة جديدة مثيرة، كأن يشير عليها احد الناس بأن يأكل الطفل الوليد اللحم المشوي، أو ان يستحم في ماء بارد.

ونحن نعرف ان كل فتاة من بنات هذه الأيام تتمنى ان تثبت جدارتها ولذلك فعندما تصبح هذه الفتاة اماً فإنها في البداية تكون حساسة لأي نصيحة اذا قيلت من امها او من حماتها، وحتى ولو كانت النصيحة معقولة، وحتى اذا قالتها الأم او الحماة بمنتهى اللباقة.. لذلك فهي ترفض هذه النصيحة. ونحن نعرف ان معظم الأمهات الشابات لم يتجاوزن فترة المراهقة إلا قليلاً، وفي قلب كل منهن رغبة اكيدة في اثبات جدارتها لدرجة رفض أي نصيحة بضيق صدر بالغ، ولذلك فعلى الجدة دائماً ان تقلل من اقتراحاتها ونصائحها إلى أدنى حد ممكن.

ان الأم الشابة قد تبالغ احياناً في رصد المعارك بينها وبين حماتها. لقد شاهدت بعض الأمهات الشابات يحاولن الخروج على كل القواعد مثل الرضوخ لطلب الطفل الطعام في أي وقت ومثل تأخير تدريبه على عادات التبول والتبرز ومثل السماح للطفل بالإخلال بكل قواعد آداب تناول الطعام او التغاضي عن وقاحته وقاحة مسرحية، كل ذلك لا لأن الأم الشابة تؤمن بهذه التصرفات ولكن لأنها كانت تعرف لا شعورياً ان هذه سيزعج الجدة تماماً –وهكذا تكون فرصة الأم الشابة لتصطاد اكثر من عصفور بحجر واحد- فهي من جهة تغيظ الجدة غيظاً لا حدود له وهي من جهة اخرى تنتقم منها لكثرة ما عارضتها في السابق، كما انها تريد ان تثبت للجدة انها "ذات ذهنية قديمة" وانها جاهلة وكل نصائحها خاطئة، وتريد ان تؤكد لها انها افضل منها لأنها أم شابة متعلمة مثقفة.. وطبعاً معظمنا كآباء وكأجداد نأخذ من مبادئ التربية الحديثة او القديمة اسلحة في معاركنا العائلية وقلما ينجم عن ذلك ضرر بالغ، بل انه احياناً عراك لا يخلو من لذة. لكن الكارثة تأتي لو استمر ذلك كحرب ضارية ولفترة طويلة من السنين.

وقبل ان انهي هذه المناقشة، أريد ان أقول انني اخترت الحالات التي تتصف بالتوتر العنيف لأوضح الأسباب الأساسية في توتر العلاقة بين الحماة وزوجة الابن. ولكن علينا أن نتذكر ان هناك اسراً سعيدة نجد ان الانسجام هو الطابع السائد فيها بين الأجيال المختلفة، وغالباً ما يكون الخلاف في الآراء حول أسلوب تربية الطفل الأول. وبعد ذلك تسير امور الحياة دون مناقشات بالغة الخطورة.

ولابد أن أقول ان بعض الأزواج من الشباب يفضلون السكن بعيداً جداً عن منازل آبائهم حتى يبتعدوا تماماً من نصائح الحموات، وتحاول الأم عندما تنجب طفلها ان تأخذ ارشاداتها من الأطباء وهذا التصرف لا اعتراض عليه. ولكن علينا ان نعرف ان الأم الصغيرة الشابة وخصوصاً في بداية ميلاد الطفل تحتاج إلى وجود امها او حماتها بجانبها، لأن الطبيب ليس معها طوال الوقت.

ان النصح ليس معناه فرض النصيحة ورفضها بعد ذلك، إنما معناه طلب النصيحة عندما نحتاجها ونفكر فيها.. فإن بدا لنا ان هذه النصيحة غير مقنعة لاستنكار كل ما يصدر عن الجدة او الحماة. وعلينا ان نعرف ان الجدة تفرح عندما يطلب احد نصيحتها ولن تحزن كثيراً عندما يرفض احد بلباقة وهدوء تطبيق هذه النصيحة.

وعلينا ان نعرف ان الأجداد المسنّين، يحتاجون إلى فهم الحقيقة الأساسية التي يجب ان تحكم علاقتهم بأبنائهم الذين تزوجوا. إن هؤلاء الأبناء لهم حياتهم المستقلة –هم اصحاب القرار في كل مسألة تتعلق بهم وللأبناء الكبار الحق في طلب النصح- وليس للآباء الحق في إلزام الأبناء بتطبيق هذه النصائح.. أقول ذلك لأننا بهذا الأسلوب نستطيع ان نربي الطفل في جو بعيد عن الخلافات وفي اسرة تعرف كيف تتمتع بحياتها لا اسرة تحترف ان تعيش وسط المشاكل التي لا جدوى منها سوى تدمير الحياة ببطء.

من كتاب [ حديث إلى الأمهات.. مشاكل الآباء في تربية الأبناء ] ـ دكتور سبوك، ص 29-39
 

+ماريا+

نحوك اعيننا
عضو مبارك
إنضم
22 أكتوبر 2012
المشاركات
5,471
مستوى التفاعل
2,038
النقاط
113
فعلا ده اللى بيحصل لكن بعد فتره
مع مرور الوقت بنفهم بعض
ومش بيكون فيه مشاكل
وزى ما قال دكتور سبوك فعلا الام الجديده
محتاجه حد خبره علشان يفهمها
ازاى تتعامل مع الطفل
ميرسى للموضوع
 
التعديل الأخير:
أعلى