أهلا بالصديق العزيز باول. كنت مؤخرا أتعلم الفرق بين صوت الكناري وصوت العندليب عندما عرفت بالصدفة أن أفضل أنواع البلابل على مستوى العالم هو «
البلبل العراقي». عندها تذكرتك ـ وأخوتنا العراقيين جميعا هنا ـ وابتسمت لأنني أدركت أخيرا سر هذا التغريد المستمر والغناء الجميل!
أسئلتك تحتاج شرحا طويلا. يسعدني من ثم ما دمت حاضرا أن أتناول معك فيما يلي سؤالا واحدا فقط، هو السؤال الثاني، ثم أترك المجال لغيري من الأخوة والأساتذة للرد على بقية الأسئلة. ربما لاحقا أناقش معك السؤال الأول أيضا إذا لم تصلك أية ردود بشأنه ـ
ربما. (وبالمناسبة لست متأكدا ولكن أعتقد أن أستاذنا هولي بايبل أجاب بالفعل هذا السؤال، ربما فقط فاتتك الإجابة). أما السؤال الثالث فعذرا لن أفكر حتى بالأمر (ما لم تتعهد لي شخصيا أن أحدا لن يحذف ما سوف أكتب).
بكل حال تذكر أنني حقيقة لا تواضعا أقل الناس علما بالعهد القديم وآخر مَن يفتي فيه. هذه بالتالي مجرد مشاركة بسيطة ما دام أحدا لم يتقدم بعد بأية مشاركة.
ولماذا تعتبر المرأة نجسة لمدة 40 يوما كمجموع اذا ولدت ذكرا و 80 يوما اذا ولدت بنتا
علما بأنه لا يوجد اي فرق علمي او طبي بين ولادة الذكر او الانثى
أولا هذا غير دقيق. المرأة تكون في حالة «
توماه» أو ما نترجمه عادة «نجس» لمدة
أسبوع واحد فقط لا غير (أسبوعين إذا كان المولود أنثى)، وبعد ذلك تطهر ولو جزئيا. صحيح أنها لا تستطيع الذهاب مثلا إلى الهيكل لكنها تستطيع الاتصال بزوجها، وهذا طبعا مستحيل إذا كانت المرأة «تامي» حقا أو غير طاهرة. (خلال موعدها الشهري مثلا لا يستطيع زوجها حتى لمس فراشها أو مقعدها ناهيك عنها هي شخصيا). أما هنا فهي طاهرة ولو جزئيا، حتى "السيل" نفسه كما يسميه الإصحاح ـ إن وُجد خلال هذه الفترة ـ يأخذ اسما جديدا دالا هو «دم التطهير». (غني عن البيان أن هناك الرأي المخالف أيضا بالطبع، الذي ينهى عن الاتصال الزوجي خلال الفترة كلها. لكنه رأي متشدد يصدر من باب الاحتياط، يعني وكأن المقصود هو «ما حبكتش» كما يقول المصريون).
أما هذه الفترة الطاهرة جزئيا ـ
66 يوما إذا كان المولود أنثى أو
33 لو كان ذكرا ـ فهي مضاعفة هكذا بالتبعية، أي كما تضاعفت فترة التوماه أو عدم الطهر الأولى الأساسية (أسبوعان في حالة الأنثى مقابل أسبوع واحد في حالة الذكر). السؤال الحقيقي بالتالي هو: لماذا تسببت ولادة الأنثى في مضاعفة هذه الفترة الأولى نفسها، بما يشي
بحالة نجس أكبر أو أطول أصابت الأم لمجرد أنها ولدت أنثى؟
لفهم هذه المسألة يجب أولا التمييز بين نوعين من النساء فيما يخص مسألة السيل هذه: «
نِـدا» و«
زاع¤ا». المرأة تكون «نِـدا» بكسر النون، أو يقال «في حالة نِـدا»، إذا كان سيلها هو السيل الطبيعي الشهري (نِـدا يعني حائض باختصار رغم أن هذه الترجمة أيضا غير دقيقة). الحكم في حالة نِـدا عموما هو الاعتزال سبعة أيام (أي تطهر المرأة وتنتهي حالة الـ«توماه» مباشرة بعد سبعة أيام). أما إذا كان السيل في غير موعده الدوري، أو زاد عن حدّه المعتاد، أو كان بأي وجه من الوجوه سيلا «غير طبيعي»، فالمرأة عندئذ تكون «زاع¤ا»، وهذه حكمها يختلف قليلا كما نرى بالإصحاح نفسه: هذه ببساطة تنتظر حتى آخر نقطة تماما من سيلها ثم تحسب سبعة أيام كاملة ليس بها أي سيل
على الإطلاق (تسمى لذلك الأيام البيضاء) وفقط بعد ذلك تطهر (أي لا تخرج أخيرا من حالة توماه وتذهب للاغتسال الطقسي الخاص بذلك إلا بعد الأيام البيضاء). تذكر: النقطة المهمة هنا هي أن توقف السيل في حالة زاع¤ا ليس معناه الطهر. المرأة الزاع¤ا ـ بخلاف الحالة الأولى ـ ما زالت غير طاهرة رغم انتهاء السيل ولمدة سبعة أيام إضافية.
الآن ننتقل إلى الولادة: حكم الأم الوالدة «يوليديت» هو بالضبط نفس حكم نِـدا، أي أنها تحتاج
أسبوعا واحدا فقط لتطهر ـ ذكرا كان المولود أو أنثى. ولكن في حالة الأنثى قد يحدث أحيانا أن تفرز هذه المولودة نفسها بعض الإفرازات المخاطية الدموية (نعزوها الآن علميا لتغير البيئة الهرمونية بعد الولادة). طبعا هذا لا يحدث عند الأغلبية، ولكن إذا حدث فهو يحدث دائما (أو شبه دائما) في أيام محددة هي الخامس والسادس والسابع بعد الولادة. هذه الإفرازات تتوقف بعد ذلك، ولكن يترتب عليها أن
المولودة نفسها تصير «زاع¤ا» في هذه الفترة (لأنها «امرأة» حُكما، و« في حالة سيل» من الرحم، ولا يمكن أن تكون نِـدا لأنها ما زلت رضيعة، فالسيل بالتالي غير طبيعي وهي بالتالي زاع¤ا). ينصرف من ثم
حكم زاع¤ا على المولودة نفسها وتحتاج حتى تطهر إلى الانتظار سبعة أيام بيضاء تبدأ بعد اليوم السابع، يعني 8
- 14 (ومعها الأم أيضا بالتبعية غير طاهرة لأنها تلمسها ويصعب أن تنفصل عنها أو عن لعابها بسبب الرضاعة).
هذا الحكم إذاً محل السؤال حكم عام لأجل ما قد تفرزه المولودة نفسها، لا الأم، حتى لو لم يكن ظهور تلك الإفرازات حتميا. بالتالي لم تتضاعف حقا مدة توماه أو يتضاعف النجس على الأم بقدر ما هو تراكم للأحكام يـبدو معه أن هناك تضاعف مقصود. (وعلى أي حال حتى لو تضاعفت المدة في النهاية تذكر فضلا: نحن لدينا في الحقيقة امرأتان هنا لا واحدة.
هذا عموما مفتاح من مفاتيح الفهم في رأيي المتواضع).
ختاما لا أزعم بالطبع أن هذا هو الحق لا ريب أو هو المقصود الإلهي يقينا. سؤالك صعب وخلافي لأن الكتاب سكت عنه تماما وبالتالي اتسع للاجتهاد عبر القرون ووردت فيه عشرات الإجابات والآراء، فهذا فيما أرى هو فقط أرجحها. عذرا للإطالة مع تمنياتي بالتوفيق في بقية الأسئلة ولك ختاما أطيب المنى.
* * *