المحبة في المحب (3)

الكرمه الصغيره

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
24 ديسمبر 2012
المشاركات
2,622
مستوى التفاعل
786
النقاط
113
22289638_807240032788784_7268032162311983915_o.jpg

المحبة في المحب (3)
تكلمنا في المرة الماضية عن(
محبة الله للإنسان(1) ) و(محبة الله لنا ومحبتنا للآخرين(2) )
وهذه هي الحلقة الثالثة والأخيرة في هذه السلسلة التي موضوعها المحبة.

الصفات التي تنشئها المحبة في المحب
تكلمنا في الحلقة الأولى عن محبة الله لنا. المحبة التي جعلته يبذل ابنه الوحيد الحبيب، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية.
وفي الحلقة الثانية تأملنا في وصايا الرب لنا بأن نحب بعضنا بعضاً كما أحبنا هو.
في هذه الحلقة سنتكلم بعون الرب عن الصفات التي تنشئها المحبة في شخصية المحب. فنحن لا نتكلم عن محبة بالكلام واللسان، بل بالعمل والحق. لذلك سنلقي نظرة على إصحاح 13 من الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس.
*
ينقسم هذا الفصل إلى ثلاثة أقسام:
-1-

أفضلية المحبة فوق كل المواهب والعلم والعطاء بسخاء
(عدد 1-3)
فهي أفضل من المواهب المعجزية المجرّدة من المحبة. وهي أفضل من المعرفة الذهنية، كما قال الرسول بولس في :
(1كورنثوس 1:8)

". الْعِلْمُ يَنْفُخُ، وَلكِنَّ الْمَحَبَّةَ تَبْنِي."
ويمكن للإنسان أن يقوم بالتضحية حتى الاستشهاد، ولكن بدون محبة لا فائدة منها.
-2-
صفات المحبة
(عدد 4-7)
" الْمَحَبَّةُ تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَحْسِدُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَتَفَاخَرُ، وَلاَ تَنْتَفِخُ، وَلاَ تُقَبِّحُ، وَلاَ تَطْلُبُ مَا لِنَفْسِهَا، وَلاَ تَحْتَدُّ، وَلاَ تَظُنُّ السُّؤَ، وَلاَ تَفْرَحُ بِالإِثْمِ بَلْ تَفْرَحُ بِالْحَقِّ، وَتَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتُصَدِّقُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتَرْجُو كُلَّ شَيْءٍ، وَتَصْبِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ."
هذه الصفات ستكون موضوعنا الأساسي في هذه الحلقة، وستشمل معها العبارة الأولى في عدد 8
"اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَسْقُطُ أَبَدًا."
-3-
استمرار المحبة
(عدد 8-13)
فحين ينتهي دور المعجزات والعلم والتضحيات ستبقى المحبة طوال الأبدية.
"أَمَّا الآنَ فَيَثْبُتُ: الإِيمَانُ وَالرَّجَاءُ وَالْمَحَبَّةُ، هذِهِ الثَّلاَثَةُ وَلكِنَّ أَعْظَمَهُنَّ الْمَحَبَّةُ."

صفات المحبة
هذه الصفات المدوّنة في الآيات 4-7، هي في صورتها الكاملة المطلقة صفات ربنا يسوع المسيح.
لذلك حين نتكلم عنها يليق بنا أن نحني رؤوسنا خجلاً لسبب تقصيراتنا الواضحة إلا أنه علينا أيضاً أن نتأمل فيها وأن نساعد بعضنا بعضاً.
"وَلْنُلاَحِظْ بَعْضُنَا بَعْضًا لِلتَّحْرِيضِ عَلَى الْمَحَبَّةِ وَالأَعْمَالِ الْحَسَنَةِ،"
(عبرانيين 24:10)،
وهذا سنفعله الآن بمعونة الرب:

" الْمَحَبَّةُ تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ. "
أي أن المحبة تصبر طويلاً، وهي لطيفة كما تقول الترجمة التفسيرية. وهذه صفة لازمة في التعامل في الأسرة، وفي المجتمع، وفي الكنيسة. كم كان الرب يتأنى على تلاميذه رغم بطء فهمهم. فإن كان الرب يتأنى ويصبر طويلاً في تعامله معنا، أفلا يليق بنا أن نكون صبورين مع الآخرين. والمحبة أيضاً تتصرّف بلطف، حين يخطب الشاب فتاة لنفسه لكي تصبح زوجته، إذ أحبها محبة حقيقية، ألا يعاملها باللطف. أوَلم نصبر نحن الآباء كثيراً في تربية أطفالنا لأننا نحبهم، كما فعل أيضاً آباؤنا معنا؟
نعم، التأنّي والرفق هما من صفات المحبة الحقيقية.

" الْمَحَبَّةُ لاَ تَحْسِدُ."
هذا أمر واضح. ليس هناك أبٌ صالح يحسد ابنه على نجاحه. بل كل أب عاقل يتمنى أن ينجح ابنه أكثر منه، سواء روحياً أم زمنياً. لذلك لما شاخ داود وجعل سليمان ابنه ملكاً عوضاً عنه، كان رجاله يقولون له:
" .. يَجْعَلُ إِلهُكَ اسْمَ سُلَيْمَانَ أَحْسَنَ مِنِ اسْمِكَ، وَكُرْسِيَّهُ أَعْظَمَ مِنْ كُرْسِيِّكَ. فَسَجَدَ الْمَلِكُ عَلَى سَرِيرِهِ."
(1ملوك 47:1).
نعم، بكل تأكيد، المحبة لا تحسد. فلنمتحن أنفسنا، ولا سيما خدام الرب، في هذا الأمر.

" الْمَحَبَّةُ لاَ تَتَفَاخَرُ، وَلاَ تَنْتَفِخُ، (أي لا تتكبّر)"
ليس منّا من يحب أن يجلس مع شخص يتفاخر ويتحدّث عن تفوّقه على الآخرين. ولكن يبدو أنه لا مانع عندنا من أن نتفاخر. فالرجل الذي يحب زوجته لا يعدّد لها مزاياه، بل يلذّ له أن يتحدّث عن مزاياها هي. أما التكبّر فهو خطيئة رديئة. يتكلم الكتاب المقدس كثيراً عن خطورتها، وهناك أنواع من الكبرياء:
فهناك كبرياء بسبب الجنسية، أو الأسرة، أو الشهرة. وهناك كبرياء بسبب الثروة، أو الجمال، أو البطولة الرياضية. ولكن أشر أنواع الكبرياء هو الكبرياء الدينية.
العلاج هو المحبة، لأن من يحب شخصاً لا يتكبّر عليه. من يحبّ زوجته لا يتكبّر عليها.

"وَلاَ تُقَبِّحُ، "
أي لا تتصرّف بغير لياقة، كما ورد في الترجمة التفسيرية. يجب على المؤمن أن يتصرّف بأدب واحترام للآخرين. قال المبشّر الشهير ديفيد لفنجستون الذي حمل الإنجيل لقبائل كثيرة من المتوحّشين في أفريقيا:
احترام الإنسان حتى وإن كان متأخراً ومتوحّشاً، له نتائج نافعة. وقال كاتب المزمور:
"ذَوْقًا صَالِحًا وَمَعْرِفَةً عَلِّمْنِي، "
(مزمور 66:119).

"وَلاَ تَطْلُبُ مَا لِنَفْسِهَا، "
فالمحبة ليست أنانية، لا تفكّر فيما لنفسها ولا تسعى إلى مصلحتها الخاصة. العامل البسيط يعمل ويشقى ليوفّر لعائلته ما تحتاج إليه. فإن كانت المحبة الطبيعية تجعل الإنسان يهتم بمصلحة الآخرين، فكم بالأولى المحبة التي هي ثمر الروح القدس في المؤمن؟
إنها تقوده إلى التضحية بسرور حتى من أجل الغرباء، وبالطبع من أجل المؤمنين الآخرين.
قال الرسول يوحنا:
"بِهذَا قَدْ عَرَفْنَا الْمَحَبَّةَ:
أَنَّ ذَاكَ (أي المسيح) وَضَعَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، فَنَحْنُ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَضَعَ نُفُوسَنَا لأَجْلِ الإِخْوَةِ"
(1يوحنا 16:3).
وقال الرسول بولس:
"لاَ تَنْظُرُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لِنَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لآخَرِينَ أَيْضًا"
(فيلبي 4:2).
ثم تكلم عن المثال الأعظم في ذلك وهو ربنا يسوع المسيح الذي لأجلنا أخلى نفسه آخذاً صورة عبد واحتمل موت الصليب، لكي ننال نحن الحياة الأبدية. هذه العبارات الجليلة من 5-11 هي لكي يكون فينا نفس هذا الفكر الذي في المسيح يسوع. المحبة نحو الهالكين هي التي دفعت كثيرين لأن يتركوا بيوتهم وأملاكهم لكي يذهبوا إلى أماكن بعيدة لينقذوا الكثيرين من الهلاك الأبدي. الدافع الأعظم للخدمة هو المحبة التي سكبها الله في قلوبنا بالروح القدس المُعطى لنا. وحياة المؤمن يجب أن تكون حياة
" الإِيمَانُ الْعَامِلُ بِالْمَحَبَّةِ."
(..غلاطية 5: 6)

"وَلاَ تَحْتَدُّ،"
أي لا تُستفزّ سريعاً. وهنا يجب أن نذكر حقيقة مهمة. أحياناً تكون سرعة الغضب نتيجة مرض، مثل ارتفاع ضغط الدم، أو خلل في التوازن الكيماوي في الدم :
(Chemical imbalance) -
ولذلك فالمؤمن الذي يجد نفسه دائماً سريعاً في الغضب مع أنه يتمنى أن لا يغضب بسرعة، عليه أن يسعى نحو الفحص الطبي، فإذا لم يكن هناك سبب طبي، فعليه أن يواصل الصلاة والطلبة لكي ينقذه الرب من هذه الخطيئة وأن يملأه بالمحبة وطول الأناة. جاء في رسالة :
(يعقوب 19:1-20)

"إِذًا يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ، لِيَكُنْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُسْرِعًا فِي الاسْتِمَاعِ، مُبْطِئًا فِي التَّكَلُّمِ، مُبْطِئًا فِي الْغَضَبِ، لأَنَّ غَضَبَ الإِنْسَانِ لاَ يَصْنَعُ بِرَّ اللهِ".
وإذا غضب المؤمن عليه أن يتذكر قول الرسول بولس:
"اِغْضَبُوا وَلاَ تُخْطِئُوا."
أي إذا أغضبك أحد لا تسمح للغضب أن يجعلك تخطئ، فتضرب أو تشتم مثلاً.
وكذلك قال:
"لاَ تَغْرُبِ الشَّمْسُ عَلَى غَيْظِكُمْ،"
(أفسس 26:4)،
أي لا يستمر الغضب بل تتخلّص منه بأسرع وقت.

"وَلاَ تَظُنُّ السُّؤَ،"
وهذا لا يحتاج إلى برهان. فمن يحب شخصاً لا يسيء الظن فيه، أي لا ينسب له شراً. وسوء الظن ليس فقط دليلاً على نقص في المحبة، بل قد يكون دليلاً على كراهية فعلية كامنة في القلب. كما يجب أن لا نقبل كلاماً رديئاً عن أحد بدون أن يكون له دليل أكيد. وفي هذه الحالة علينا أن نصلي من أجل هذا الشخص. المحبة لا تظنّ السوء.

"وَلاَ تَفْرَحُ بِالإِثْمِ (أي بالشر) بَلْ تَفْرَحُ بِالْحَقِّ،"
الرسول يوحنا الذي كتب كثيراً عن المحبة، عبّر أيضاً عن فرحه بالحق، فقال:
" فَرِحْتُ جِدًّا لأَنِّي وَجَدْتُ مِنْ أَوْلاَدِكِ بَعْضًا سَالِكِينَ فِي الْحَقِّ، "
(2يوحنا 4:1).
وأيضاً:
" لأَنِّي فَرِحْتُ جِدًّا إِذْ حَضَرَ إِخْوَةٌ وَشَهِدُوا بِالْحَقِّ الَّذِي فِيكَ، كَمَا أَنَّكَ تَسْلُكُ بِالْحَقِّ. لَيْسَ لِي فَرَحٌ أَعْظَمُ مِنْ هذَا:

أَنْ أَسْمَعَ عَنْ أَوْلاَدِي أَنَّهُمْ يَسْلُكُونَ بِالْحَقِّ."
(3يوحنا 3:1-4).
أما من يفرح، أي يشمت في الآخرين إذ يخطئون، أو يصيبهم الظلم فهو لا يعرف معنى المحبة.

"وَتَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ،"
لقد احتمل الرسول بولس الكثير من الإهانة، والضرب بالعصي، والجلد، والسجن، والجوع، والاضطهادات الشديدة، كما هو مدوّن في:
( 2كورنثوس6 و11)

فماذا جعله يحتمل كل هذا؟
الجواب هو في :
( 2كورنثوس 5 )
"لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ تَحْصُرُنَا."
. محبتنا لأولادنا هي التي تجعلنا نعتني بهم مهما كانت الظروف. يجب أن تكون هكذا محبتنا نحو جميع المؤمنين.

"وَتُصَدِّقُ كُلَّ شَيْءٍ، "
فمثلاً الرجل الذي يحب زوجته إذا تأخرت في العودة من السوق، وقالت ازدحام المرور هو السبب، فإنه يصدقها. أن نصدّق كل شيء لا يعني أننا نصدّق الخرافات الدنسة العجائزية.

" وَتَرْجُو كُلَّ شَيْءٍ،وَتَصْبِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ."
فالابن قد لا يحصل على درجات جيدة في المدرسة، ولكن هذا لا يجعل الأب المحب يقول:
إنه لا رجاء فيه،
بل يشجعه وينصحه ويثابر في العناية به راجياً له التقدّم. ويتحمّل الأب المصاريف اللازمة، لأن لديه الرجاء في ابنه بسبب محبته له.

"اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَسْقُطُ أَبَدًا. "
والمعنى الأساسي هو أنها لا تفنى ولا تزول بل ستبقى إلى الأبد. وهي لن تفشل أبداً لأنها أقوى من كل القوى البشرية. هي التي افتقدتنا ونحن خطاة، وهي التي يعاملنا الله بها، وهي التي سندرك عظمتها أكثر وأكثر طوال الأبدية التي لا نهاية لها.
* * *

أخي وأختي وصديقي
كن دائماً مستعداً لمجيء الرب وأنت ممتلئ دائماً من الروح القدس وبشركة محبتة تكون محفوظ في جميع المواقف وظروف الحياة ..آمين .
أشكرك أحبك كثيراً...
بركة الرب لكل قارئ .. آمين .
وكل يوم وأنت في ملء بركة إنجيل المسيح... آمين

يسوع يحبك ...
 
أعلى