ماذا ستترك عند الرحيل

اني بل

عضو نشيط
عضو نشيط
إنضم
17 يوليو 2007
المشاركات
36,143
مستوى التفاعل
1,341
النقاط
0
ماذا ستترك عند الرحيل



attachment.php


خلال الصعود إلى الجبل و المرور بين الصخور الحادة و الأنزلاقات الخطرة، و المجازفة التي تفاجئ الإنسان في مرحلة الصعود، نتساءل لماذا نحن هنا؟ لماذا اليوم و ليس في زمانٍ آخر؟ لماذا هنا و ليس في مكانٍ آخر؟ لماذا لم اُسال قبل؟ و كأننا نريد أن نقول كان أفضل أن نبقى في ذكرىذاكرة الله، دون المجازفة بالصعود إلى جبل به أودية، جبل تخترقه الصحاري، جبل تتلاعب به الحيوانات المفترسة، جبل لا نعرف أذا سنصل يوماً إلى قمته أم أننا سننزلق إلى هاويته!.

أكان من الأفضل أن نُسأل قبل، حتى نُقرر أذا أردنا مغامرة الصعود أو أننا نُفضل عدم الوجود؟ أو انه و في خِضم صراع التفكير و التحليل يجب أن نسأل أنفسنا، ماذا سنترك عند الرحيل؟ و هل لوجودنا بقاء و لبصماتنا علامات و لفكرنا ثبات و لروحنا ظل و خيال؟ أم أن عاصفة الصحراء سَتلغي وجودنا، و تفقدنا تاريخنا، و تمسح أقدامنا؟.
الإنسان لا يَعلم بأنه قادر على أن يترك الكثير الكثير قبل الرحيل، سيترك أصدقاء أمضى معهم أوقات عميقة في فترات مختلفة، أصدقاء لا نستطيع إن نُحصي عددهم، و لكن نستطيع أن نُترجم الأوقات معهم، أصدقاء من كل لون و جنس، أصدقاء التقيناهم خلال مسيرة الصعود إلى الجبل و لم نكن أبداً نتخيل أن يكونوا جزءا من مسيرتنا!.
سنترك الأب و الأم، الأخ و الأخت، لقد أجبرتنا الحياة على إن يكونوا جزءا من رفاق الطريق، فكبرنا معاً و بكينا معاً و رقصنا معاً و ضحكنا أيضاً معاً، و لكن اختلفنا و بالرغم من الأختلاف شدَدنا الِحبال سوياً، عَزمنا الوعد ألا نتراجع عن الصعود يدا بيد مهما كلف الأمر، و سنترك بصماتنا لأبنائنا على أرض لن تقوى على محوها الى يوم أنتهاء عمر هذه الحياة.
سنترك الحبيب و الصديق، سنترك الجار و الدار، سنترك الزميل و الرفيق، سنترك قبل المغادرة مسيرة مليئة بمغامرات تَخطينا فيها الآلام، وواجهنا الصَعاب، و أخترقنا الصحراء كالجِمال، و أوصلنا الليل بالنهار.
سنترك صَوت العصافير، و تمتمة الوطاويط، سنترك الورود فوق السهول، سنترك صدى الموسيقى و ألوان الربيع، سنترك الماضي للماضي و سنحمل المستقبل للمستقبل، سنترك ارواحنا في أولادنا، و سنَعزز نفوسنا في كيان أبنائنا، و سنرى مستقبلنا في مسيرة ثمارنا الذين تغذو من روحنا، و شربوا من فكرنا، و استنشقوا من قلبنا، و تَطبّعوا من قسماتنا.
سنترك بيتاً و أرضاً، سنترك حملاً و أسداً، سنترك عزاً و فكراً، سنترك مالاً و جاهاً، سنترك هماً و غماً، سنترك وهماً و خيالاً، سنترك بشراً عرفنا و بشراً فَقدنا، سنترك أثماً و خطًايا، سنترك أباً و أبناً.
سنترك درساً و علماً، سنترك عملاً و جهداً، سنترك تاريخاً و فناً، سنترك ما عرفنا و ما لم نستطع إن نعرف، سنترك اليوم و الغد، سنترك العشق و الوَد، سنترك الحب و الحَلم، سنترك ما لم نرد أبداً إن نترك.
سنترك آلهاً أرضياً، و حلماً وردياً، ورجاءً سماوياً، وأملاً في جنانَ مخفية، وسنترك أحرف الجر، ولون البحر، ورقم العد، سنترك اللوز والسكر، العسل والعنبر، المرَ والعلقم.
وسيمحي التاريخ ألآلامنا و خطايانا، سيمحي سوَاد ماضينا، سيمحي سلبياتنا وتشَردنا، سيمحي التاريخ بصمات أنزلاقاتنا و تعثراتنا، سيمحي أوهام و نواقص وجودنا، سيمحي التاريخ غبار أقدامنا، سيمحي ظلام الليل ليبقي نور النهار.
وسيمحي التاريخ ما كنا عليه و ما كنا سنكون عليه، و ستتحول أيامنا قصصاً تروى الى أحفاد أحفادنا، و شعراً يتغنى به أولادنا، و صوراً يشاهده أبناء مستقبلنا.
وعندما نصل يوماً إلى القمة لمغادرة الجبل، سنقول له، مغامرتنا ناجحة، وسفرتنا ممتعة، وطرقنا إلى القمة فرح وبهجة، ولن أسال لماذا لم اُسال قبل، بل سأقول له شكراً لأنكَ لم تسأل، ولأنكَ أنبت بذراً، وأسَقيت عطراً، وأزهرت ثمراً ليأكل، وخلدَت إنسانا إلى يوم القمة، فترك خلف ظلاله أنسانا ليصل هو أيضاً يوماً الى القمة.



 
أعلى