كل يوم اية واحدة وتامل .. asmicheal

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"ادخلوا من الباب الضيق، لأنه واسع الباب ورحب الطريق الذي يؤدّي إلى الهلاك، وكثيرون هم الذين يدخلون منه. ما أضيق الباب، وأكرب الطريق الذي يؤدّي إلى الحياة، وقليلون هم الذين يجدونه" [ متى 7 : 13-14 ].





* دُعي الطريق كربًا وضيقًا لكي يخفّف من أتعابنا، ولكي يُعلن أن الأمان عظيم والمسرّة عظيمة... الطريق كرب والباب ضيّق، لكن المدينة التي ندخلها ليست هكذا، لهذا لا نطلب هنا الراحة كما لا تتوقّع ألمًا هناك

القديس يوحنا الذهبي الفم



* كرب هو الطريق الذي يدخل بنا إلى الحياة، وضيّق أيضًا، لكن المكافأة رائعة وعظيمة إذ ندخله في مجد!

القديس كبريانوس



* الباب الواسع هو الملاذ العالميّة التي يطلبها البشر، والباب الضيّق هو الذي ينفتح خلال الجهاد والأصوام كالتي مارسها الرسول بولس: "في ضربات، في سجون، في اضطرابات، في أتعاب، في أسهار، في أصوام" (2 كو 6: 5)، "في تعبٍ وكدٍّ، في أسهارٍ مرارًا كثيرة، في جوعٍ وعطشٍ، في أصوامٍ مرارًا كثيرة في بردٍ وعُرْيٍ" (2كو11: 27). وقد شجّع الرسول بولس تيموثاوس على ممارستها: " فتقوَّ أنت يا ابني بالنعمة التي في المسيح يسوع، وما سمعته منّي بشهود كثيرين أودِعه أناسًا أمناء يكونون أكفّاءً أن يُعلِّموا آخرين أيضًا، فاشترك أنت في احتمال المشقّات كجندي صالح ليسوع المسيح. ليس أحد وهو يتجنّد يرتبك بأعمال الحياة لكي يرضي من جنَّده، وأيضًا إن كان يجاهد لا يكلّل إن لم يجاهد قانونيًا." (2 تي 2: 1-5)

لاحظ بتدقيق كيف يتكلّم عن كِلا البابين. فالغالبيّة العُظمى تدخل من الباب الواسع، بينما قليلون هم الذين يكتشفون الباب الضيق. إننا لا نبحث عن الباب الواسع، ولا حاجة لنا مطلقًا أن نكتشفه، إذ هو يعرض نفسه علينا تلقائيًا. أمّا الباب الضيّق فلا يجده الكل، وحتى الذين يجدونه فليس جميعهم يدخلونه، إذ كثيرون بعد اكتشافهم باب الحق تجتذبهم ملاذ الدنيا ويرجعون من منتصف الطريق

القديس جيروم




يقول العلامة أوريجينوس
ان الطريق الرحب يحوي زوايا كثيرة، عندها يقف المراءون للصلاة كي يراهم الناس فينالون أجرتهم (مت 6: 5). وعلى العكس الطريق الكرب لا يحوي زوايا شوارع يقف عندها المؤمن، بل يسرع منطلقًا إلى الحياة الأبديّة خلال الباب الضيق. لا يجد المؤمن في الطريق ما يبهجه فيستقر عنده، لكنّه يتّجه نحو السيّد المسيح سرّ بهجته وحياته.










=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة

"احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب حملان، ولكنّهم من داخل ذئاب خاطفة" [متى 7 - 15].






يتظاهرون بالحياة النسكيّة وشكليّات الورع لخداع الكثيرين، أو كما يقول الرسول: "مثل هؤلاء هم رسل كذبة، فعلة ماكرون مغيّرون شكلهم إلى شبه رسل المسيح" (2 كو 11: 13-14)، وذلك كرئيسهم الوحش الذي يتظاهر بصورة السيّد المسيح الحمل، إذ له "قرنان شبه خروف" (رؤ 13: 11) وقد حذّرنا آباء الكنيسة كثيرًا من المخادعين.

يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [من يصرخ بما هو لله بصوت التواضع الحقيقي والاعتراف الحق للإيمان فهو حمل، أمّا من ينطق بتجاديف ضدّ الحق وعداوة ضدّ الله فهو ذئب


كما يقول القديس جيروم: [ما يُقال هنا عن الأنبياء الكذبة يفهم عن كل من ينطق بغير ما يسلك به عمليًا، لكنّه يخصّ بالأكثر الهراطقة الذين يظهرون لابسين العفّة وصوّامين كزيّ للتقوى، أمّا روحهم في الداخل فمملوءة سمًا، بهذا يخدعون البسطاء من الإخوة







=
 

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"من ثمارهم تعرفونهم. هل يجتنون من الشوك عنبًا؟‍ أو من الحسك تينًا؟‍ هكذا كل شجرة جيّدة تصنع أثمارًا جيدًا، وأما الشجرة الرديّة فتصنع أثمارًا رديّة. لا تقدر شجرة جيّدة أن تصنع أثمارًا رديّة، ولا شجرة رديّة أن تصنع أثمارًا جيّدة. كل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا تقطع وتلقى في النار، فإذًا من ثمارهم تعرفونهم" [ متى 7 : 16-20 ].



استخدم بعض الهراطقة هذه الكلمات الإلهيّة للادعاء بوجود طبيعتين متعارضتين فالبعض بطبعهم صالحون والآخرون أشرار، ولا يمكن للصالحين أن يصنعوا شرًا وللأشرار أن يصنعوا خيرًا، وكأن الإنسان مسيّرا لا يدّْ له في اختيار الطريق، إنّما طبيعته هي التي تملي عليه سلوكه. هذا الأمر يتنافى مع محبّة الله وتقديسه لحرّية الإرادة الإنسانيّة، كما يتنافى مع عدله إذ كيف يجازينا عن تصرفات ليس لنا حرّية السلوك بها أو الامتناع عنها؟

نقتطف هنا بعض كلمات القديس جيروم: [لنسأل هؤلاء الهراطقة الذين يؤكّدون وجود طبيعتين متعارضتين، إذ يفهمون كما لو أن الشجرة لا يمكن أن تأتي بثمر رديء (حتى إن انحرفت)، إذ كيف أمكن لموسى -الشجرة الصالحة- أن يخطئ عند ماء الخصومة؟ أو كيف أنكر بطرس الرب عند آلامه، قائلًا: لا أعرف الرجل؟ أو كيف أمكن لحمى موسى -الشجرة الرديئة- الذي لا يؤمن بإله إسرائيل أن يقدّم مشورة صالحة]
هذا القول لا يحمل تعارضًا مع كلمات السيّد المسيح، فالشجرة الصالحة لا تثمر إلا ما هو صالح مادامت في يدّ الله مستمرّة في صلاحها، لكنها إن انحرفت ولو إلى حين وتحوّلت إلى شجرة شرّيرة تخطيء لتعود بالتوبة فتأتي بالثمر الصالح من جديد. وهكذا أيضًا بالنسبة للشجرة الرديّة فإنها تبقى تعطي ثمرًا رديًا حتى متى صارت صالحة بالقدّوس الصالح تقدّم ثمرًا صالحًا. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [إنه لم يقل أن الشجرة الرديّة لا يمكن أن تصير صالحة، وإنما قال لا تحمل ثمرًا جيدًا مادامت هي رديّة


إن كنّا شجرًا رديًا فقد جاء السيّد المسيح التفاحة الصالحة، الذي قيل عنه: "كالتفاح بين شجر الوعر كذلك حبيبي بين البنين، تحت ظلِّه اشتهيت أن أجلس وثمرته حُلوة في حلقي" (نش 2: 3). نتطعَّم فيه، فنصير أغصانًا صالحة، تأتي بثمر كثير. لهذا يقول: "أنا الكرمة وأنتم الأغصان، الذي يثبت فيَّ وأنا فيه هذا يأتي بثمر كثير، لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا" (يو 15: 5). إذ نثبت فيه نحمله داخلنا، كسرّ صلاحنا وبرّنا،


وكما يقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص: [لقد صار مطيعًا ذاك الذي أخذ ضعفاتنا وحمل أمراضنا، شافيًا عصيان البشر بطاعته. فبجراحاته يشفي جرحنا، وبموته يطرد الموت العام عن البشر

كنّا أشجارًا رديّة تحمل شوكًا وحسكًا، لا نقدر أن نثمر عنبًا أو تينًا، لكننا في المسيح يسوع ربّنا تحوّل شوكنا إلى كرم يثمر عنبًا جديدًا، وحسَكنا إلى شجرة تين جديدة. خارج المسيح تكون لنا طبيعة الأرض الساقطة تحت اللعنة فتنتج حسكًا وشوكًا (تك 3: 18)، هذه التي نخلعها في مياه المعموديّة لنحمل الطبيعة الجديدة التي صارت لنا في المسيح يسوع لنحمل فينا عنبًا وتينًا. بهذا نفهم كلمات السيد: "اجعلوا الشجرة جيّدة وثمرها جيدًا" (مت 12: 33).

وللقدّيس يوحنا الذهبي الفم تعليق جميل على العنب والتين، [يحوي العنب في داخل سرّ المسيح، فكما يحوي العنقود الكثير من الحبات مترابطة معًا خلال فرع العنقود الخشبي، هكذا للمسيح مؤمنون كثيرون يتّحدون معًا خلال خشبة الصليب. والتين يمثّل الكنيسة التي تضم داخله جموع المؤمنين في حضن المحبّة الحلو، وذلك كما تحوي التينة بذارًا كثيرة داخل غطائها الواحد. فالتينة تمثل المحبّة في حلاوتها والوحدة في اتّحاد البذار الكثيرة معًا. أمّا العنب فيقدّم لنا مثالًا للصبر، إذ يدخل المعصرة؛ كما يُشير إلى الفرح إذ تفرح الخمر قلب الإنسان؛ ويشير إلى الإخلاص حيث لا يمزج بماء؛ وإلى الحلاوة إذ هو شهي. أمّا الشوك والحسك فيشيران إلى الهراطقة إذ يحملون الأشواك من كل جانب. هكذا ترى خدّام الشيّاطين مملوئين بالمخاطر من كل ناحية. مثل هذا الشوك والحسك لا يقدّم للكنيسة ثمارًا


في اختصار أقول أننا في المسيح يسوع ربّنا نخلع أعمال الإنسان القديم من شوكٍ وحسكٍ، أي الأعمال الأرضيّة، لكي نحمل فينا العنب والتين الروحي. يصير كل منّا أشبه بحبة العنب التي ترتبط بإخوتها خلال الصليب (الفرع الخشبي) والتي يلزم أن تجتاز المعصرة وتحتمل الضيّق مع ذاك الذي قال: "قد دست المعصرة وحدي ومن الشعوب لم يكن معي أحد" (إش 63: 3). وليدرك كل واحد منّا -مهما بلغت مواهبه أو قدراته أو مركزه الروحي أو الاجتماعي أو رتبته الكنسيّة- أنه ليس إلا بذرة في التينة المقدّسة، لا قيمة لها في ذاتها خارج الجماعة المقدّسة، ولا عذوبة لها إلا بثبوتها في غلاف المحبّة الحلو الذي الحلو الذي يضم الجميع معًا بروح الاتفاق والسلام!














=










=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السماوات، بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السماوات. كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم: يا رب يا رب أليس باسمك تنبّأنا؟ وباسمك أخرجنا شيّاطين؟ وباسمك صنعنا قوات كثيرة؟‍ فحينئذ أصرِّح لهم أني لا أعرفكم قط. اذهبوا عنّي يا فاعلي الإثم"
[ متى 7 : 21-23 ]



يحدّثنا السيّد عن يوم مجيئه الأخير، حيث فيه يلتقي مع الأشرار لا كعريس مفرح بل كديّان مرهب، لا تشفع فيهم صلواتهم الطويلة الباطلة، ولا كرازتهم باسمه، ولا إخراجهم الشيّاطين وصنعهم قوات باسمه... فهو لا يعرفهم لأنهم فعلة إثم.

الله يعرف أولاده وخدّامه المقدّسين، ولا يعرف الأشرار فعلة الإثم، لهذا عندما سقط آدم في الخطيّة سأله: أين أنت؟ وكما يقول القديس جيروم: [كان الله يعرف أن آدم في الجنّة، ويعلم كل ما قد حدث، لكنّه إذ أخطأ آدم لم يعرفه الله، إذ قال له: أين أنت؟
كأنه لا يراه، لأن آدم اعتزل النور الإلهي والبرّ، فصار تحت ظلال الخطيّة وظلمة الموت.] يُعلّق القديس أغسطينوس على قول السيد: "لا أعرفكم" هكذا: [لا أراكم في نوري، في البرّ الذي أعرفه
فالله لا يرانا في نوره عندما نطيل الصلوات باطلًا أو نكرز باسمه أو نصنع قوّات وإنما حينما نحيا معه وبه ونسلك طريقه.




* إنهم يتعجّبون لأنهم يعاقبون مع أنهم صنعوا معجزات، أمّا أنت فلا تتعجّب لأن كل المواهب إنّما أُعطيت لهم كهبة مجّانيّة لم يساهموا فيها من جانبهم بشيء، لذا فهم يعاقبون بعدل، إذ هم جاحدون مَن أكرمهم... لنخف أيها الأحبّاء ولنهتم بحياتنا جدًا فلا نُحسب أشرارا لأننا لم نصنع معجزات الآن. لأن المعجزات لا تفيدنا في شيء وكما أن عدم صنعها لا يضرّنا، إنّما نهتم بكل فضيلة

القديس يوحنا الذهبي الفم

* كتابة أسمائنا في السماء برهان على حياتنا الفاضلة، أمّا إخراج الشيّاطين فهو هبة من المخلّص، لذلك يقول للذين يفتخرون بعمل القوات دون ممارسة الحياة الفاضلة: "لا أعرفكم"، إذ لا يعرف الله طريق الأشرار

القديس أثناسيوس الرسولى



























=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة

"فكل من يسمع أقوالي ويعمل بها أشبِّهه برجل عاقل بنى بيته على الصخرة، فنزل المطر وجاءت الأنهار وهبّت الرياح ووقعت على ذلك البيت، فلم يسقط، لأنه كان مؤسّسًا على الصخر. وكل من يسمع أقوالي هذه ولا يعمل بها يشبّه برجل جاهل بنى بيته على الرمل، فنزل المطر وجاءت الأنهار وهبّت الرياح وصدمت ذلك البيت فسقط، وكان سقوطه عظيمًا"
[ متى 7 : 24-27 ].




القديس أغسطينوس:
الإنسان المؤسَّس على المسيح لا يخاف من الخزعبلات المظلمة، لأنه ماذا يعني بالمطر سوى أمورًا رديئة؛ كما لا يخشى َإشاعات البشر التي كما أظن يُرمز إليها بالرياح، أنه لا يخاف الحياة الزمنيّة التي تفيض على الأرض (كالأنهار) بالشهوات الجسديّة... أمّا الإنسان الذي يسمع ولا يعمل بها فيكون في خطر من هذه الأمور الثلاثة، لأنه بلا أساس راسخ، إنه يبني دمارًا


الصخرة الحقيقيّة التي يُبنى عليها البيت الروحي هي كلمة الله المكتوبة كما هي كلمة الله المتجسّد، إذ يقول: [لنحسب كتاب الله المقدّس كما لو كان حقلًا فيه نودّ إقامة مبنى. ليتنا لا نتراخى ولا نقف عند السطح بل نحفر إلى الأعماق حتى نبلغ الصخرة، " والصخرة كانت المسيح"





القديس جيروم على العبارات السابقة، قائلًا: [المطر الذي يعمل على هدم البيت بلا رحمة هو الشيطان، والأنهار تُشير هنا إلى أضداد المسيح، والرياح إلى قوات الشرّ الروحيّة التي في الهواء، "فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل الرؤساء، مع السلاطين، مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر، مع أجناد الشرّ الروحيّة في السمويّات" (أف 6: 12). هذه وقعت على ذلك البيت فلم يسقط، لأنه كان مؤسّسًا على الصخرة. على هذه الصخرة أسّس الله كنيسته، ومنها استمدّ الرسول بطرس اسمه: "أنت بطرس وعلى هذه الصخرة ابني كنيستي" (مت 16: 18). على هذه الصخرة لا يوجد أثر للحيّة، لذا يقول النبي في ثقة: "وأقام على صخرة رجليّ" (مز 40: 2)، وفي موضع آخر يقول: "الصخور ملجأ للوبار" (مز 104: 18). فالوبار يلجأ إلى الصخور بكونه خائفًا... (وموسى النبي إذ كان كالوبار صغيرًا) قال له الرب بعد خروجه من أرض مصر: "إني أضعك في نقرة من الصخرة، وأسترك بيدي حتى اجتاز ثم أرفع يدي فتنظر ورائي" (خر33: 22-23)]


هكذا إذ نشعر أننا صغار في حاجة إلى صخرة نلتجئ إليها نتقدّم إلى المسيح يسوع صخر الدهور نحتمي فيه، وعليه يقوم بناؤنا الروحي، هاربين من الحيّة التي لا تقدر أن تجد لها موضعًا في الصخرة الحقيقيّة فلا تقترب إلينا.

ليتنا لا نبني إيماننا على الرمل، أي الهرطقات، لئلا يقوم البناء سريعًا وينهدم أيضًا سريعًا. إنه الطريق السهل الواسع ونهايته الهلاك.



































=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة



"فلما أكمل يسوع هذه الأقوال، بهتت الجموع من تعليمه، لأنه كان يعلّمهم كمن له سلطان وليس كالكتبة"
[ متى 7 : 28 ].



حقًا ما أحوجنا أن يمسك السيّد نفسه بأيدينا لنحفر ونعمِّق في كتابه المقدّس، فنكتشفه أمامنا بل وفينا، نراه لا كمن يقدّم وصايا مجرّدة إنّما يعطي قوّة وسلطانًا. يتكلّم فينا عاملًا في حياتنا بروحه القدّوس ليتجلّى ببهائه في حياتنا الداخليّة ويحوّل سلوكنا إلى شهادة حق للحياة السماويّة المجيدة فيه.














=
 

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"ولما نزل من الجبل تبعته جموع كثيرة،

وإذا أبرص قد جاء وسجد له، قائلًا:

يا سيّد إن أردت تقدر أن تطهّرني"

[متى 8 : 1-2].


لم تتم المعجزات استعراضًا لقوّة لاهوت السيّد، وإنما حملت أولًا وقبل كل شيء إعلانًا عن محبّة الله الفائقة نحو الإنسان، وقد اختار الإنجيليّون عيّنات من معجزات السيّد غير المحصاة ليقدّموا لنا فكر الله من نحونا. فالإنجيلي متّى يقدّم لنا بعد عرضه للموعظة على الجبل تطهير الأبرص اليهودي، وشفاء غلام قائد المائة الأممي، المعجزة الأولى تكشف عن رسالة السيّد نحو اليهود، ألا وهي تطهيرهم من كل دنس حلّ بهم، والثانية رسالته نحو الأمم الذين تعرّضوا للهلاك بسبب العبادة الوثنيّة.


العلامة أوريجينوس
[إذ كان يسوع يُعلِّم على قمّة الجبل كان معه تلاميذه، هؤلاء الذين أُعطى لهم أن يعرفوا أسرار تعاليمه السماويّة، خلالها ينعم قلب العالم الجامد بمعرفة الخلاص وتنفتح عينا الأعمى اللتان أظلمتا بظلال الهموم الأرضيّة بواسطة نور الحق... الآن إذ ينزل من الجبل تتبعه جموع كثيرة. إنهم لم يستطيعوا بطريق ما أن يصعدوا على الجبل، إذ تثقّلوا بأحمال الخطايا، فإن لم يُنزع عنهم هذا العبء لن يستطيعوا أن يرتفعوا إلى أعالي الأسرار الإلهيّة... لقد نزل إليهم الرب، أي تنازل إلى ضعفاتهم وعجزهم مُظهرًا رحمته نحو ضعفهم وبؤسهم، فتبعته الجموع: البعض لأنهم أحبّوه والكثيرون لأجل تعاليمه، وآخرون من أجل أعماله الشفائيّة وحنوّه.]



القديس يوحنا الذهبي الفم: [لاحظ أن التلاميذ وحدهم قيل عنهم أنهم صعدوا ليسوع على الجبل، لكنّه إذ نزل يسوع من الجبل تبعته الجموع، وبالحق جموع كثيرة لأن الجبل هو قمّة الفضيلة وبرج الكنيسة، حيث لا تقدر الجموع أن تأتي إلى المسيح وتقترب منها، إذ كانوا مثقّلين بالخطيّة أو الاهتمامات الزمنيّة... لكنّه بحنوّه السامي نزل إلى من هم أسفل هؤلاء الذين بسبب الضعف البشري لم يقدروا أن يسمعوه على قمّة الجبل، عندئذ تبعته الجموع




القديس جيروم: [بعد إلقاء عظته وتعليمه سنحت الفرصة لعمل معجزة بها يثبّت العظة التي سُمعت حالًا


القديس أمبروسيوس في تطهير هذا الأبرص صورة رمزيّة حيّة لتطهير كل إنسان قادم إلى كلمة الله الحي،ّ لينال منه تطهيرًا عن خطاياه. لهذا يقول: [في هذه الحادثة لم يعيّن البشير اسم المكان الذي تمّت فيه المعجزة، مشيرًا إلى أن الذي شفي لا ينتمي إلى مدينة معيّنة، وإنما لشعوب العالم أجمع.] يعود فيقول: [لم يُطهِّر الرب أبرصًا واحدًا، إنّما يُطهِّر الكل قائلًا: "أنتم الآن أنقياء بسبب الكلام الذي كلّمتكم به" (يو 15: 3). فإن كان شفاء البرص يتم بواسطة كلمة الرب، فإن احتقار كلمة الرب هو البرص الذي يصيب الروح[387].]

ويقدّم لنا هذا الأبرص صورة حيّة للصلاة الحقيقيّة من جانبين:



أولًا: جاء للسيّد وسجد له قبل أن ينطق بكلمة تخص احتياجاته، وكأنه يقدّم العبادة لله والخضوع له أولًا. يطلب ما لله قبل أن يسأل ما لنفسه. بهذه الروح جعلت الكنيسة صلاة الشكر في مقدّمة كل الليتورجيّات والصلوات الجماعيّة والخاصة، مقدّمين ذبيحة الشكر لله قبل أن نسأله شيئًا لأنفسنا، معلنين حبّنا له!



ثانيًا: لم يطلب الأبرص شيئًا محدّدًا لكنّه يعرض آلامه على مخلّصه، تاركًا الأمر بين يديه، فلم يقل له "طهّرني"، وإنما إن أردت تقدر أن تطهّرني. يتكلّم في ثقة وإيمان بإمكانيّة السيّد وحبّه ورعايته وحكمته، تاركًا أمر تطهيره بين يديه. بنفس الروح أرسلت أختا لعازر له قائلتين: "الذي تحبّه مريض".




يُعلّق العلامة أوريجينوس على كلمات الأبرص وبلسانه قائلًا:

[إني أعرف أنك قادر أن تفعل كل شيء. وأنا لا أسألك سلطانك، ولا أطلب قدرتك، فإني أعرف أن البشر ضعفاء، لكنّني أطلب إرادتك. فإذا ما تمتّعت بإرادتك يتبعها السلطان الذي يحقّق هذه النعمة لي... لي الربح، ولك أنت التسبيح، وللمشاهدين معرفة متزايدة للحق خلال المعجزة... أنت الذي سبق فطهّرت بخادمك إليشع نعمان الأبرص الرئيس بسوريا، آمرًا إيّاه أن يغتسل في الأردن، الآن تقدر إن أردت أن تطهّرنى
















=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"مدّ يسوع يده ولمسه، قائلًا: أريد فأطهر" [متى 8 : 3]



أولًا
القديس يوحنا الذهبي الفم: [لم يقل فقط وإنما تبع القول العمل في الحال
حقًا إن السيّد هو كلمة الله صاحب السلطان الذي يقول فيكون، لكنّه ربط القول بلمس اليدّ كمثَل لنا، حتى تلتحم كلماتنا نحن أيضًا بعمل أيدينا، فلا نعيش كأصحاب كلام نظري، إنّما مع الكلمات نعمل بلا توقف. فنربط تسابيحنا وعبادتنا وقراءاتنا الإنجيليّة بأعمال المحبّة التقويّة، نحو الله والناس ونحو أنفسنا أيضًا. ليت صلواتنا تتزكّى بأعمال أيدينا بالروح القدس العامل فينا، فتصير مقبولة لدى الله! لهذا يقول الرسول: "طلبة البار تقتدر كثيرًا في فعلها" (يع5: 16). سرّ اقتدارها ليس في الكلمات الخارجة، إنّما في الحياة المقدّسة في الرب، الحاملة لثمر الروح القدس العملي!


ثانيًا: يقول القديس كيرلس الإسكندري: [لقد وهبه لمسة يده المقدّسة المعتنية به، وفي الحال تركه البرص وفارقه المرض] ما أحوجنا إلى إدراك يدّ الله المترفّقة بنا، ورؤيتنا لرعايته الإلهيّة فيزداد إيماننا به وننال أكثر ممّا نطلب


ثالثًا: بهذا التصرّف أوضح السيّد الفارق بينه وبين إليشع النبي، الذي لم يكن ممكنًا أن يلمس نعمان السرياني الأبرص، ولا خرج حتى للقائه، بل أرسل إليه يطلب منه أن يذهب إلى الأردن ويستحم فيه سبع مرّات. لقد خشيَ أن يتنجّس، أمّا السيّد فلمس الأبرص إذ لم يكن ممكنًا للبرص أن ينجِّسه بل يهرب البرص منه في الحال. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [لكي يوضّح الرب أنه يشفي لا كعبد بل كسيّد مطلق، لذلك لمسه أيضًا، فإن يده لا تتدنّس من البرص، بل يُطهِّر الجسد الأبرص بيده المقدّسة]

ويقول العلامة أوريجينوس: [لقد لمسه لكي يظهر أن كل شيء طاهر للطاهرين (تي 1: 15)، وأن دنس إنسان لا يلصق بغيره، ولا النجاسة الخارجيّة تنجّس طهارة القلب.] مرّة أخرى يقول على لسان السيد: [إني لا احتقر الناموس لكنّني أشفي الجرح! إنّني لا أكسر الوصيّة لكنّني أزيل البرص وأطهِّره، إذ أمدّ يدي يهرب البرص، ولا يقترب دنسه من كمالي، ولا يقاوم سلطاني]



رابعًا: في دراستنا لسفر حزقيال رأينا أن "اليد" تُشير إلى أقنوم الابن، ومدّها إنّما يُشير إلى ظهوره أو تجسّده، فمدّ يد السيّد ولمس الأبرص إنّما يُشير إلى ظهوره حسب الجسد في وسط اليهود، وتلامسهم معه جسديًا كما روحيًا حتى يطهَّروا من كل دنس قد تعلّق بهم.

إذ طهّر الأبرص، "قال له يسوع: انظر أن لا تقول لأحد، بل اذهب أرِ نفسك للكاهن، وقدّم القربان الذي أمر به موسى شهادة لهم"

يقول القديس كيرلس الكبير: [لماذا أمره ألا يقول لأحد؟ حتى يتعلّم الذين ينالون من الله موهبة الشفاء ألا يطلبوا مديحًا ممن يشفونهم، ومجدًا من الآخرين، لئلا يسقطوا في الكبرياء الذي هو أشرّ الخطايا.]



لماذا أمره بالذهاب إلى الكاهن؟
أولًا: أراد السيّد تأكيد احترامه للشريعة التي هي من وضعه، فإنه ما جاء لينقضها بل ليكمّلها. لقد طالبه أن يؤكّد طهارته عن طريق الكهنة - كما في الشريعة - قبل أن يلتقي به أحد. في أكثر من موضع كشف السيّد موقفه من الكنيسة اليهوديّة، أنه ما جاء ليهدم بل ليبني، فإن هدَم إنّما يهدِم ما حملته القيادات الكنسيّة اليهوديّة من رياء وحب للظهور واهتمام بالزمنيّات وحرفيّة في الفهم وشكليّة في العبادة، لكنّه ما جاء ليثور على النظام في ذاته أو الطقس إن قدّم بروحه لا في حرفيّة قاتله. لقد جاء لكي يدخل بالرمز إلى كمال ما يرمز إليه. فإن كان مجيئه ينهي الكهنوت اللاوي لا يكون هذا بتدميره، وإنما بظهور كهنوت السيّد المسيح على طقس ملكي صادق.



ثانيًا: بإرساله للكهنة أراد شهادة عمليّة ملموسة بين يديّ الكهنة، ليدركوا أنه المسيّا المخلّص القادر على الإبراء من البرص. يقول القديس كيرلس الكبير: [سمح للأبرص بذلك شهادة لهم... فقد عُرف اليهود في كل العصور بإعلانهم عن غيرتهم على الناموس، قائلين أن موسى كان خادمًا لإرادة السماء، وقد بذلوا كل طاقتهم للتقليل من شأن المسيح كمخلّص البشر، فقالوا صراحة: "نحن نعلم أن موسى كلّمه الله، وأما هذا فما نعلم من أين هو" (يو 9: 29). لهذا كان من اللازم أن يقنعهم بهذه العلامات، أن كرامة موسى أقل من مجد المسيح. كان موسى مجرّد خادم أمين في بيت الله، أمّا المسيح فابن في بيت أبيه (عب 3: 5-6). شفاء الأبرص كان شهادة واضحة أن المسيح قد غيّر شريعة موسى بطريقة لا توصف. فإنه إذ تذمَّرت مريم أخت موسى عليه ضُربت بالبرص، وقد حزن موسى عليها حزنًا شديدًا، لكنّه عجز عن إزالة هذا المرض عنها. لقد سقط أمام الله يطلب منه: "اللهمّ اشفها" (عد 12: 13). لاحظ بعناية كيف وُجد هنا توسل مع صلاة وطلبة إلى السمو الإلهي، أمّا مخلّص البشريّة فبسلطان إلهي بحق يقول: أريد فأطهر. إذن شفاء الأبرص كان إنذارًا للكهنة، ليتعلّموا منه أن ظنّهم بأن موسى أعظم منه هو انحراف عن الحق. حقًا يليق بهم أن يكرموا موسى كخادم للناموس، معيّن للنعمة ومعروف للملائكة (غل 3: 19)، أمّا عمانوئيل فبالأكثر يُقدَّم له التسبيح والمجد بكونه ابن الآب الحق[394].]

ويقول القديس أمبروسيوس: [عندما يراه الكاهن (اليهودي) يتحقّق أنه لم ينل الشفاء حسب الناموس، لكن أبرأته نعمة الله التي تفوق الناموس]



ثالثًا: بإرساله للكاهن أراد من اليهود أن يعيدوا النظر في طقس تطهير الأبرص (لا 14)، فيشهد لعمل السيّد المسيح الخلاصي، خاصة أمر العصفورين، حيث يذبح الواحد ويطير الآخر، إشارة إلى موت السيّد وقيامته، الأمر الذي أرجو الحديث عنه بأكثر تفصيل في دراستنا لسفر اللاويين.



رابعًا: يرى القدّيسان جيروم وأمبروسيوس في هذا التصرّف توجيه السيّد لنا بالخضوع للكهنة في الرب.



خامسًا: يرى القديس يوحنا الذهبي الفم في هذا التصرّف أن السيّد يعلّمنا تجنّب الكبرياء والافتخار
إن كان رب المجد الذي يشفي بسلطانه الشخصي أراد أن يخفي أعماله العجيبة، فكم بالأكثر يليق بنا نحن الذين تحت الضعف أن نخفي ما ينعم به علينا السيّد، من عطايا ومواهب ونعم، حفظًا عليها من حرب محبّة مديح الناس، التي تقتل كل عطيّة صالحة. لنتمثل بوالديّ موسى النبي اللذين أخفيا الطفل جميل الصورة في بيتهما ثلاثة شهور فلم يقتله فرعون، مقدّمين لنا العظيم في الأنبياء. هكذا لنُخفِ كل فضيلة جميلة في بيتنا ولا نعرضها لفرعون الحقيقي، شيطان حب الظهور!



سادسًا: يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أنه قد دفعه نحو الكنيسة ليقدّم ذبيحة شكر لله، معلقًا على هذا التصرّف بقوله: [ليتنا نقدّم لله التشكّرات على الدوام، فنجعلها تسبق كلماتنا وأعمالنا

[ليتنا لا نقدّم التشكّرات فقط من أجل البركات التي تحل بنا، وإنما من أجل البركات التي تحل بالآخرين] ويكمّل حديثه عن أهمّية الشكر بقوله: [هذا هو الأمر الذي يحرّر الإنسان من الأرض، ويرفعنا إلى السماء، ويجعلنا ملائكة بدلًا من أن نكون بشرًا. فإن الملائكة يشكِّلون طغمة تقدّم التشكّرات لله من أجل الصالحات الموهوبة لنا، قائلين: "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة" (لو2: 14)



















=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة

"ولما دخل يسوع كفرناحوم جاء إليه قائد مائة يطلب إليه ويقول:

يا سيّد، غلامي مطروح في البيت مفلوجًا متعذّبًا جدًا"

[ متى 8 :5-6 ].




لقد جاء هذا القائد الروماني يمثّل كنيسة الأمم المعذّبة جدًا في شخص العبد (الغلام) بسبب العبادة الوثنيّة، وجهلها التام عن حياة الشركة مع الله. لقد جاءت إليه تصرخ أن عبدها مطروح في البيت، مصاب بالفالج، وهكذا تقدّمت بالإيمان إلى السيّد المسيح الذي لم يقم في وسطها كما أقام في الأمة اليهوديّة، إنّما سمعت عنه خلال كلمة الكرازة، فطلبت الشفاء من الفالج الذي أصابها كل هذا الزمان.

إن كان السيّد المسيح لم يولد جسديًا وسط الأمم، لكنّه يقول لهم "أنا آتي واشفيه" [7]. إنه لا يستنكف من دخوله بيتهم الذي تدنّس بالأوثان، فهو عالم أنه بحلوله فيه تتحطّم الوثنيّة وُيطرد الشرّ، ويتحقّق الشفاء الروحي للنفوس التي تتقبّله. إنه وعد يُقدّم لكل نفس تشعر بفالج الخطيّة ومرارتها، وتصرخ إلى مخلّصها في أدب ووقار، وطرح عليه أتعابها وآلامها، لتسمع صوته المحب "أنا آتي واشفيه". نعم تعال أيها الرب يسوع، لتحل بالإيمان فينا، أنت سرّ شفائنا.












=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"يا سيّد لست مستحقًا أن تدخل تحت سقفي، لكن قل كلمة فقط فيبرأ غلامي، لأني أنا أيضًا إنسان تحت السلطان. لي جند تحت يدي، أقول لهذا اذهب فيذهب، ولآخر اِئْتِ فيأتي، ولعبدي أفعل هذا فيفعل" [ متى 8 : 8-9 ].




دعا (قائد المائة) نفسه غير مستحق لدخول السيّد بيته، فأظهر نفسه مستحقًا لدخوله لا في بيته بل في قلبه. فلو لم ينطق قائد المائة هذه الكلمات في إيمان وتواضع ما استطاع قلبه أن يحتمل دخول من يخاف من دخوله تحت سقف بيته.



لم يدخل (السيّد) منزل قائد المائة بالجسد؛ كان غائبًا عنه جسديًا، لكنّه كان حاضرًا فيه بجلاله، شافيًا غلامه... لقد كان الرب متجسّدًا بين اليهود وحدهم، فلم يُولد من عذراء ولا عاش بين شعوب الأمم... ومع هذا فقد تحقّق ما قيل عنه: "شعب لم أعرفه يتعبّد لي" (مز 18: 43)، ولكن كيف يتعبّد له دون أن يعرفه؟ "من سماع الأذن يسمعون لي" (مز 18: 44). لقد عرفه اليهود فصلبوه، وأما العالم كلّه فسمع عنه وآمن به

القديس أغسطينوس
































=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"فلما سمع يسوع تعجّب، وقال للذين يتبعون:

الحق أقول لكم لم أجد ولا في إسرائيل إيمانًا بمقدار هذا.
أقول لكم أن كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتّكئون مع إبراهيم وإسحق ويعقوب في ملكوت السماوات.

وأما بنو الملكوت فيُطرحون إلى الظلمة الخارجيّة.

هناك يكون البكاء وصرير الأسنان.

ثم قال يسوع لقائد المائة: اذهب وكما آمنت ليكن لك،

فبرأ غلامه في تلك الساعة"
[ متى 8 : 10-13 ].




حقًا ليس شيء يفرِّح الله مثل إيماننا به، فقد تعجّب السيّد عندما رأى في قائد المائة هذا الإيمان في قلبه ومُعلنًا على لسانه. يقول العلامة أوريجينوس: [لاحظ أي أمر عظيم، هذا الذي يجعل يسوع ابن الله الوحيد يتعجّب! فإن الذهب والغنى والممالك والسلاطين في عينيه كالظل أو كزهرة تذبل، ليس شيء من هذه الأمور تجعل الله يُعجب بها أو ينظر إليها كأمر عظيم أو ثمين اللهم إلا الإيمان! بهذا يعجب الله ويكرمه، ويتطلّع إليه كأمر مقبول لديه



القديس أغسطينوس: [من الذي عمل فيه هذا الإيمان إلا ذاك الذي تعجّب منه...؟! أمّا كونه قد تعجّب إنّما لكي نعجب نحن أيضًا مقدّمًا نفسه مثالًا نقتدي به


لقد طُرد أبناء الملكوت -أي اليهود- من حضن إبراهيم، إذ يقول القديس أغسطينوس: [اليهود هم الذين تقبّلوا الناموس الحاوي أمثال الأمور المقبلة، لكنها إذ تحقّقت رفضوها

ويقول القديس جيروم: [يدعى اليهود أبناء الملكوت، لأن سبق فملك عليهم من بين الأمم


القديس جيروم: [تُدعى الظلمة خارجيّة، لأن من يسحب من عند الرب يصير النور خلفه


القديس جيروم أن هذا يُشير إلى قيامة الجسد، ليشترك مع النفس في الجزاء. [إن كان يوجد بكاء للعيون وصرير للأسنان أي للعظام، فبالحق ستكون قيامة للأجساد التي سقطت.]






































=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"ولما جاء يسوع إلى بيت بطرس رأى حماته مطروحة ومحمومة،

فلمس يدها فتركتها الحمى، فقامت وخدمتهم"
[ متى 8 : 14-15].




أعلن السيّد اهتمامه ببيت خادمه أو تلميذه، فإن كان الخادم قد سلّم حياته في يديّ السيّد مشتهيًا أن تكون كل لحظة من لحظات عمره لحساب الخدمة، يعوِّضه الرب بالاهتمام بعائلته حتى في الأمور الزمنيّة.

إن كان في تطهير الأبرص اليهودي أعلن السيّد تطهيره لليهود القابلين الإيمان به، وبشفاء عبد قائد المائة أوضح شفاءه للأمم، فإنه بشفاء حماة بطرس أعلن اهتمامه بالنساء أيضًا إذ شفاها لتقوم فتخدمه. إنه يطلب خدمة كل إنسان.

ويُعلّق القديس أمبروسيوس على شفاء حماة بطرس التي أصابتها الحمى بقوله: [ربّما كانت حماة سمعان تصوّر جسدنا الذي أصابته حُمَّى الخطايا المختلفة ودفعته نحو الشهوات الكثيرة، فإن هذه الحَمى ليست بأقل من التي تصيب الجسد، إذ تحرق القلب...! لقد كانت (حماة سمعان) مطروحة ومسمّرة وأسيرة تتألّم بسبب حُمى الجسد، وكانت الضرورة تقتضي البحث عن طبيب، لكن من يستطيع أن يشفي جراحات الروح؟! أي طبيب يقدر أن يبرئ الآخرين وهو عاجز عن إبراء نفسه؟ من يقدر أن يهب الحياة للغير وهو عاجز عن الهروب بنفسه من الموت، لأن الجميع قد ماتوا في آدم، لأنه كما بإنسان واحد دخلت الخطيّة إلى العالم وبالخطيّة الموت هكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع؟ (رو 5: 12)









=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"للثعالب أوْجرة ولطيور السماء أوكار، أمّا ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه" [ متى 8 : 18-20].




تقدّم إليه الكاتب اليهودي ممثِّلًا الأمة اليهوديّة كلها يسأله أن يتبعه، ظانًا أنه مَلكًا أرضيًا. لقد التصق به اليهود أولًا بفكرهم المادي حاسبين أنه يخلّصهم من الاستعمار الروماني ويسيطر بهم على العالم


وبفكرهم المادي هذا وجدت الثعالب الماكرة لها أوْجرة في داخلهم، وطيور السماء المتشامخة في قلوبهم أوكارًا. سلكوا بخبث الثعالب وبكبرياء الطيور، فلم يكن ممكنًا أن يجد السيّد المسيح البسيط والمتواضع موضعًا في داخلهم يسند فيه رأسه. إن كان الآب هو رأس المسيح، فإن السيّد المسيح وهو يشتهي أن يستريح في كل قلب ليدخل بالآب فيه خلال الصليب لا يجد موضعًا للمصالحة مع الخبيث المتعالي.

ليهبنا الله قلوبًا متواضعة بسيطة فلا تجد الثعالب لها فينا أوْجرة ولا الطيور المتشامخة أوكارًا، إنّما يسند السيّد المسيح رأسه فيها، مقدّسا إيّاها هيكلًا مقدّسًا وسماءً ثانية، ومنزلًا له ولأبيه.

يقول القديس أغسطينوس: [لقد رفض رب المجد إنسانًا متكبّرا من تلمذته، هذا الذي أراد أن يتبعه... لقد قال له ما معناه: إن فيك خداعًا كالثعالب وكبرياء كطيور السماء، أمّا ابن الإنسان البسيط غير المخادع والمتواضع بلا كبرياء فليس له فيك أين يسند رأسه... إنه يسند رأسه ولا يرفعها، قاصدًا التواضع

يقول القديس جيروم: [إن هذا الكاتب قد رفضه (الرب) لأنه شهد المعجزات العظيمة وأراد أن يتبع المخلّص لينتفع من المعجزات. كان يتمنّى ما تمنّاه سيمون الساحر عندما أراد شراء الموهبة من بطرس، لهذا أدان المسيح إيمان هذا الكاتب وقال له: لماذا تريد أن تتبعني؟ هل من أجل الغنى والمكسب؟ إنّني فقير جدًا ليس لي مأوى أو حتى سقف يظلّلني!

ويكتب القديس جيروم في إحدى رسائله موضّحًا كيف نقيم الموضع الذي فيه يسند السيّد رأسه، قائلًا: [ابن الإنسان ليس له أين يسند رأسه، فهل تخطط أنت لإقامة مبانٍ شاهقة وقاعات فسيحة؟! إن كنت تنظر أن ترث خيرات هذا العالم فإنك لا تستطيع أن تكون شريكًا مع المسيح في الميراث (رو8: 17)











=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"يا سيّد ائذن لي أن أمضي أولًا وأدفن أبي. فقال له يسوع: اتبعني ودع الموتى يدفنون موتاهم" [متى 8 : 21-22].




إن كان الكاتب الأول قد تقدّم ليتبع السيّد وبسبب تمسكه بفكره المادي ورياء قلبه حُرم من التمتّع بالتلمذة له، فإن هذا الكاتب الآخر كان يمثّل الأمم الذين مات آباؤهم في عبادة الأوثان، وفي شعور بالعوز والاحتياج تقدّموا يطلبون التلمذة له. لقد قبلهم السيّد من أجل عطشهم وجوعهم للبرّ، سائلًا إيّاهم أن يتركوا الموتى أي يتركوا آباءهم الذين فقدوا حياتهم الروحيّة وعاشوا كأموات.

لعلّ هذا الكاتب كان مشتاقًا أن يتبع السيّد، وكأن العائق هو أباه الذي في سن الشيخوخة، فطلب السيّد منه أن يأذن له أن يبقى مع والده حتى يموت وعندئذ يكرِّس حياته له. طلب السيّد منه أن يترك الأموات حسب الروح أن يدفنوا من يموت حسب الجسد، أمّا هو فيتفرّغ للخدمة. وكأن السيّد أراد أن يميّز بين الأموات حسب الجسد والأموات حسب الروح. خدمة دفن الأموات حسب الجسد أمر سهل يمكن للجميع أن يقوموا به، أمّا ما هو أهم، فهو دفن الأموات حسب الروح مع السيّد المسيح ليقوموا معه، أي خدمة الكرازة بالمسيح المصلوب القائم من الأموات حتى ينعم الأموات بالروح بالقيامة الروحيّة. بمعنى آخر يسأله السيّد ألا يبكي على الميّت حسب الجسد، حتى وإن كان والده، إنّما يبكي على الميّت حسب الروح، وإن كان ليس قريبًا له حسب الدم أو الجنس!

* فلتبكِ بالأحرى على الذين يتركون الكنيسة بسبب جرائمهم وخطاياهم، الذين يسقطون تحت الدينونة بسبب أخطائهم

القديس جيروم

* كان هناك ميّت يحتاج إلى دفن، ووجد أموات أيضًا يدفنون الميّت. واحد ميّت بالجسد والآخرون أموات بالروح.

* كيف يحدث موت للنفس؟ عندما لا يوجد إيمان! كيف يحدث موت للجسد؟ عندما لا توجد النفس! إذن فنفس النفس هو الإيمان. يقول المسيح: من آمن بي، وإن كان ميّتًا بالجسد، فإنه يحيا في الروح، حتى يقوم الجسد أيضًا ولا يموت بعد

القديس أغسطينوس

* كما أن الجسد يموت بفقده النفس التي هي حياته، هكذا تموت النفس بفقدها الله الذي هو حياتها.

* يريدنا أن نموت لكي نعيش، فإنّنا نعيش لكي نموت!

القديس أغسطينوس




























=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"ولما دخل السفينة تبعه تلاميذه،

وإذا اضطراب عظيم قد حدث في البحر حتى غطّت الأمواج السفينة،

وكان هو نائمًا.

فتقدّم تلاميذه وأيقظوه، قائلين: يا سيّد نجّنا فإنّنا نهلك.

فقال لهم: ما بالكم خائفين يا قليلي الإيمان؟

ثم قام وانتهر الرياح والبحر فصار هدوء عظيم.

فتعجّب الناس، قائلين: أي إنسان هذا،

فإن الرياح والبحر جميعًا تطيعه"
[ متى 8 : 23-27].















دخل السيّد السفينة وتبعه تلاميذه، وفجأة حدث اضطراب عظيم، فقد عُرف بحر الجليل بالعواصف العنيفة المفاجئة، وهو بحيرة صغيرة طولها ثلاثة عشر ميلًا وأكبر أجزاء عرضها ثمانية أميال.

ما حدث إنّما يقدّم لنا صورة حيّة للكنيسة في جهادها في بحر هذا العالم، فإنها تُهاجَم بعواصف شديدة يثيرها الشيطان ضدّها، إذ لا يطيق المسيح الحالّ فيها رأسًا لها، فيظن حتى التلاميذ أحيانًا أنهم يهلكون. لكن يتجلّى مسيحها الحيّ ليعطيها سلامه. وما أقوله عن الكنيسة إنّما أكرّره بخصوص المؤمن كعضو في الكنيسة المقدّسة الذي ينعم بهذه العضويّة خلال مياه المعموديّة، فيتمتّع بسكنى السيّد المسيح فيه، ويصير ملكوتًا سماويًا وهيكلًا لله. هذا لا يعني توقُّف التجارب عن مهاجمته، بل بالعكس يزداد هجومها بالأكثر من أجل السيّد المسيح الساكن فيه. لكنها تعجز عن أن تهلكه مادام المؤمن في يدّ عريسه، في سهر روحي ويقظة بلا نوم.

القديس يوحنا الذهبي الفم حدوث ذلك قائلًا:

[لقد نام لكي يعطي فرصة لظهور خوفهم، ولكي يجعل فهمهم لما يحدث أكثر وضوحًا... لكنه لم يفعل هذا في حضرة الجماهير حتى لا يُدانوا على قلّة إيمانهم، وإنما انفرد بهم وأصلح من شأنهم، وقبل أن يُهدئ عاصفة المياه أنهى أولًا عاصفة نفوسهم موبّخا إيّاهم: لماذا شككتم يا قليلي الإيمان؟ معلّمًا إيّاهم أيضًا أن الخوف سببه ليس اقتراب التجارب إنّما ضعف ذهنهم




سرّ التعب الحقيقي ليست الرياح الخارجيّة والعواصف الظاهرة إنّما رياح النفس غير المستقرة وأمواجها الداخليّة بسبب عدم إيمانها، لهذا هدّأ نفوسهم في الداخل وعندئذ أسكت الخارج!

لقد نام السيّد في السفينة، الأمر الذي يحدث فينا حين نتعلّق بالخطايا ونتفاعل معها، ولا نترك ربّنا يسوع يعمل فينا ويقود سفينة حياتنا، لذلك يرى القديس جيروم أننا نوقظ السيّد بالتوبة عن خطايانا، إذ يقول: [إن كان بسبب خطايانا ينام فلنقل: "استيقظ لماذا تتغافى يا رب؟!" (مز 44: 23). وإذ تلطم الأمواج سفينتنا فلنوقظه قائلين: "يا سيّد نجّنا فإنّنا نهلك" (مت8: 25، لو8: 24)



القديس أغسطينوس ان نوم السيّد المسيح إنّما هو تجاهلنا الإيمان له ونسياننا إياه، فيكون المسيح الذي يحلّ بالإيمان في قلوبنا (أف 3: 17) كمن هو نائم في قلوبنا. لهذا يلزمنا أن نوقظهk أي نستدعي إيماننا به. بالإيمان الحيّ نلتقي بعريسنا القادر وحده أن يهدّئ الأمواج الثائرة ضدّنا في الداخل كما في الخارج.

ويُعلّق أيضًا القديس أغسطينوس على هذه المعجزة سائلًا إيّانا أن نوقظ السيّد المسيح فينا بتذكُّرنا كلماته التي لها فاعليّتها فينا، إذ يقول:

[البحارة هم النفوس التي تعبر هذا العالم في السفينة التي هي رمز الكنيسة. في الحقيقة كل إنسان هو هيكل الله، وقلبه هو السفينة التي تبحر ولا تغرق إن كانت أفكاره صالحة.

لقد سمعتَ إهانة، فهي ريح! لقد غضبتَ، فهذه موجه! إذ تهب الرياح (الإهانات) وتعلو الأمواج (الغضب) تصبح السفينة في خطر، ويصير القلب في تهلكة يترنّح هنا وهناك.

عندما تسمع إهانة تشتاق إلى الانتقام، وتُسر بضرر الآخرين فتهلَك. لماذا يحدث هذا؟ لأن المسيح نائم فيك... إنك نسيت المسيح! أيقظه فيك، أي تذَكِّره. نبِّهه إلى اشتياقاتك بأنك تريد أن تنتقم... تذَكِّره، بتذكُّر كلماته، وبتذكُّر وصاياه...

ما قلته عن الغضب ينطبق على أية تجربة أخرى. فإنه إذ تهاجمك التجربة يكون ذلك ريحًا، وإذ تضطرب يكون أمواجًا. لتوقظ المسيح! دعه يتكلّم فيك... "أي إنسان هذا فإن الرياح والبحر جميعًا تطيعه"؟ [27]





ويرى القديس كيرلس الكبير أن إيقاظ المسيح إنّما يعني الصراخ إليه وسط الضيقات والآلام والاتّكال عليه، إذ يقول: [المسيح حال وسط مختاريه، وإذ يسمح لهم بحكمته المقدّسة أن يعانوا من الاضطهاد يبدو نائمًا. ولكن إذ تبلغ العاصفة عنفها، والذين في صحن السفينة لا يقدرون أن يحتملوا، يلزمهم أن يصرخوا: "قم لماذا تتغافى يا رب" (مز 44: 23). فإنه يقوم وينزع كل خوف بلا تأخير. إنه ينتهر الذين يحزنوننا (أي عواصف الضيق، سواء كانت في الداخل أو الخارج، إن كانت حربًا من الشيطان أو تعبًا جسدانيًا أو مشاكل)، ويحوّل حزننا إلى فرح، ويكشف لنا سماءً مضيئة بلا اضطرابات، إذ لا يحوِّل وجهه عن الذين يتّكلون عليه.]




ويُعلّق القديس أغسطينوس أيضًا على خضوع الطبيعة له، قائلًا:

[لتمتثل بالرياح والبحر! أطع الخالق! لقد أصغى البحر للمسيح وأنت ألا تنصت له؟ سمع البحر وهدأت الرياح وأنت أفلا تهدأ؟ إنّني أقول وانصح بأن ما هذا إلا عدم هدوء وعدم رغبة في طاعة كلمة المسيح... لا تدع الأمواج تسيطر على قلبك فيضطرب. فإنّنا إن كنّا بشرًا لا نيأس متى هبّت الرياح وثارت عواصف أرواحنا، إذ نوقظ المسيح فنبحر في بحر هادئ ونصل إلى موطننا[421].]

وللعلامة أوريجينوس تعليق على هذا الحدث "تهدئة الأمواج" نقتطف منه الآتي:

[لم تثر العاصفة من ذاتها بل طاعة لسلطانه: "المُصعِد السحاب من خزائنه" (مز 135: 7)، "الذي وضع الرمل تُخومًا للبحر" (إر 5: 22)... فبأمره وكوصيّته ارتفعت العاصفة في البحر... لكن قدر ما تعظُم الأمواج الثائرة ضدّ القارب الصغير، يصعد خوف التلاميذ، فتزداد رغبتهم في الخلاص بأعاجيب المخلّص. لكن المخلّص كان نائمًا، يا له من أمر عظيم وعجيب!

هل الذي لا ينام ينام الآن؟! الذي يدبّر السماء والأرض، هل ينام...؟

نعم إنه ينام بجسده البشري، لكنّه ساهر بلاهوته... لقد أظهر أنه حملَ جسدًا بشريًّا حقيقيًا...

لقد نام في جسده، وبلاهوته جعل البحر يضطرب كما أعاد إليه هدوءه، نام في جسده لكي يوقظ تلاميذه ويجعلهم ساهرين.

هكذا نحن أيضًا إذ لا ننام في نفوسنا ولا في فهمنا ولا في الحكمة بل نكون ساهرين على الدوام، نمجِّد الرب ونطلب منه خلاصنا بشغف...

حقًا إن كثيرين يبحرون مع الرب في قارب الإيمان، في صحن سفينة الكنيسة المقدّسة، وسط حياة مملوءة بالعواصف، إنه نائم في هدوء مقدّس يرقب صبركم واحتمالكم، متطلّعا إلى توبة الخطاة ورجوعهم إليه.

إذن، تعالوا إليه بشغف في صلاة دائمة، قائلين مع النبي: "استيقظ لماذا تتغافى يا رب؟ انتبه، لا ترفض إلى الأبد... قم عونًا واِفدنا من أجل اسمك" (مز 44: 23، 26).

إذ يقوم يأمر الرياح، أي الأرواح الشيطانيّة الساكنة في الهواء والمثيرة لعواصف البحر، والتي تسبب الأمواج الشرّيرة القاتلة... وتثير اضطهادات ضدّ القدّيسين وتسقط عذابات على المؤمنين في المسيح، لكن الرب يأمر الكل، وينتهر كل الأشياء، فيلتزم كل شيء بما عليه يدبّر كل الأمور ويهب النفس والجسد سلامًا، ويرد للكنيسة سلامها ويُعيد للعالم الطمأنينة...

إنه يأمر البحر فلا يعصاه، ويحدّث الرياح والعواصف فتطيعه!

يأمر كل خليقته فلا تتعدّى ما يأمر به، إنّما جنس البشر وحدهم هؤلاء الذين نالوا كرامة الخلقة على مثاله ووُهِب لهم النطق والفهم، هؤلاء يقاومونه ولا يطيعونه. هم وحدهم يزدرون به! لذلك فإنهم يُدانون ويعاقَبون بعدله! بهذا صاروا أقل من الحيوانات العجماوات والأشياء الجامدة التي في العالم بلا إحساس ولا مشاعر!]





=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"ولما جاء إلى العبر إلى كورة الجرجسيّين استقبله مجنونان،

خارجان من القبور، هائجان جدًا،

حتى لم يكن أحد يقدر أن يجتاز من تلك الطريق.

وإذ هما قد صرخا قائلين: ما لنا ولك يا يسوع ابن الله،

أجئت إلى هنا قبل الوقت لتعذّبنا؟" [28-29]









إذ يكتب معلّمنا متّى لليهود ذكر "كورة الجرجسيّين" محدّدًا المدينة وهي "جرجسة"، التي تقع على الشاطئ الشرقي لبحر الجليل، وهي لا تزال خرائب تعرف باسم "كرسة" مقابل مجدلة على مسافة خمسة أميال من دخول الأردن إلى البحيرة. وهناك بين وادي سمك ووادي فيق حيث تقترب الهضاب إلى البحر ممّا يسهل لقطيع الخنازير أن يندفع مهرولًا إلى البحر. أمّا القدّيسان مرقس ولوقا فإذ هما يكتبان للأمم لم يهتمّا بالبلدة وإنما باسم المقاطعة كلها "كورة الجدريّين".

ويبدو أن أحد المجنونين كان شخصيّة معروفة هناك، وأن جنونه كان شديدًا بطريقة واضحة فاهتم به القدّيسان لوقا ومرقس متجاهلين المجنون الآخر.


بعد معجزة تهدئة الأمواج وإنقاذ السفينة التي هي الكنيسة قام السيّد بإنقاذ هذين المجنونين، وهما يشيران إلى عنف سطوة الشيطان على الإنسان، روحًا وجسدًا. كان المجنونان الخارجان من القبور يشيران إلى الروح والجسد، وقد خضعا لحالة من الموت بسبب الخطيّة، فقط ملك الشيطان على الروح، ففقدت شركتها مع الله، أي فقدت سرّ حياتها. وملك الشيطان على الجسد، ففقد سلامه مع الروح، وانحلّ بعيدًا عن غايته، فصارت دوافعه وأحاسيسه منصبّة نحو الذات، يطلب المتعة الوقتيّة. هذا هو فعل الخطيّة، أنها تدفن الروح والجسد كما في القبور، ويصير الإنسان كما في حالة هياج شديد لا يعرف السلام له موضع فيه، بل ولا يترك الآخرين يعبرون الطريق الملوكي. يتعثّر الآخرين، فلا ينعم بالحياة الحقيقية ويحرم الآخرين منها.

مجرّد عبور السيّد في الطريق فضح ضعف الخطيّة وأذل الشيطان الذي صرخ على لسان المجنونين: "مالنا لك يا يسوع ابن الله، أجئت إلى هنا قبل الوقت لتعذّبنا؟" هذا هو طريق خلاصنا من سلطان إبليس أن يعبّر بنا المسيّا المخلّص، الذي وحده يقيمنا من قبورنا ويحرّرنا من سلطان الخطيّة.

يقول القديس جيروم: [إذ رأت الشيّاطين المسيح على الأرض ظنّوا أنه جاء يحاكمهم! وجود المخلّص في ذاته هو عذاب للشيّاطين







=




















=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"وكان بعيدًا منهم قطيع خنازير كثيرة ترعى،

فالشيّاطين طلبوا إليه قائلين:

إن كنت تخرجنا فأذَن لنا أن نذهب إلى قطيع الخنازير.

فقال لهم: امضوا. فخرجوا ومضوا إلى قطيع الخنازير،

وإذا قطيع الخنازير كلّه قد اندفع من على الجرف إلى البحر ومات في المياه.

أمّا الرعاة فهربوا ومضوا إلى المدينة،

وأخبروا عن كل شيء، وعن أمر المجنونين،

فإذا كل المدينة قد خرجت لملاقاة يسوع،

ولما أبصروه طلبوا أن ينصرف عن تخومهم" [ متى 8 : 30-34].




القديس يوحنا الذهبي الفم على ما حدث للخنازير عندما دخلتها الشيّاطين، قائلًا: [هكذا تفعل الشيّاطين عندما تسيطر! هذا مع أن الخنازير بالنسبة للشيّاطين ليست ذات أهمّية، أمّا نحن فبالنسبة لهم توجد بيننا وبينهم حرب بلا هوادة، ومعركة بلا حدود، وكراهيّة بلا نهاية. فإن كان بالنسبة للخنازير التي ليس بينهم وبينها شيء هكذا لم تحتمل الشيّاطين أن تتركها ولا واحدة منها، فكم بالأكثر تصنع بنا ونحن أعداء لهم... ماذا يصنعون بنا لو كنّا تحت سيطرتهم؟! أيِّ مضارٍ شديدة لا يحدقوننا بها!! لهذا سمح الرب لهم أن يدخلوا قطيع الخنازير حتى نتعلّم عن شرّهم بما فعلوه بأجساد الحيوانات غير العاقلة، ونعرف ما يحدث لمن تمتلكهم الشيّاطين... إنه يحدث لهم ما حدث مع الخنازير



القديس جيروم: [ليخز ماني القائل بأن أرواح الناس والبهائم واحدة من نفس العنصر... إذ كيف يكون خلاص رجل واحد على حساب غرق ألفين من الخنازير!



القدّيس سيرينوس: [إن كان ليس لديهم سلطانًا أن يدخلوا الحيوانات النجسة العجم إلا بسماح من الله، فكم بالأحرى يعجزون عن الدخول في الإنسان المخلوق على صورة الله




القديس يوحنا الذهبي الفم: [إننا نستطيع من أمر إخراج الشيّاطين أن نُدرك كِلا الأمرين: حنوّ الله، وشرّ الشيّاطين. شرّ الشيّاطين بإقلاقهم نفسي المجنونين، وحنوّ الله عندما صدّ عنهما الشيّاطين القاسية ومنعهم. فالشيطان الذي وجد له مسكنًا في المجنون، رغب أن يؤذيه بكل قوّته، لكن الله لم يسمح له أن يستخدم كل قوّته بكاملها... بل ألزمه بالفضيحة بقوّة بعودة الإنسان إلى حواسه، وظهور الشرّ بما حدث في أمر الخنازير

لم يحتمل أهل الكورة الخسارة الماديّة، فطردوا رب المجد من كورتهم. وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم [إن اللذين سقطا تحت سلطان الأرواح الشرّيرة أمكن خلاصهما منها بسهولة، أمّا الطامعون (أصحاب الخنازير) فلم يقدروا أن يحتملوا السيّد ولا أطاعوا وصيّته. الساقطون تحت سيطرة الأرواح الشرّيرة يستحقّون عطفنا ودموعنا، أمّا الساقطون تحت الطمع فهم أكثر منهم مرارة!]



=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"فدخل السفينة واجتاز وجاء إلى مدينته"
(متى 9 - 1 )



أولًا: من الجانب الروحي يمكن أن نفهم مدينته أي مدينة الله على أنها السماوات، فإن السيّد المسيح بعدما شفى المجنونين أي قدّم الخلاص لليهود والأمم، وإن كان قد رفضه أهل الكورة، أي أهل العالم المحبّين للعالم والمستعبدين للزمنيّات، ركب السفينة التي هي كنيسته المقدّسة ليبحر بها خلال مياه هذا العالم إلى مدينته الإلهيّة، التي هي السماوات، لتستريح هناك في الحضن الإلهي



ثانيًا: ما هي مدينة الله إلا كنيسته التي يسكن في وسطها، ويُعلن ملكوته الأبدي في داخلها. فعودة السيّد إلى مدينته بعد رفضه في كورة الجرجسيّين إنّما يُشير إلى دخوله في حياة مؤمنيه بعدما رفضه اليهود. يقول القديس هيلاري أسقف بواتييه: [بطريقة سرّيّة إذ رفضته اليهوديّة عاد إلى مدينته، مدينة الله هي الشعب المؤمن، إذ دخل إليهم بواسطة السفينة، أي خلال الكنيسة


ثالثًا: من الناحية الجغرافيّة فإن مدينته هي كفرناحوم كما يظهر من إنجيل مار مرقس (2: 1)، فقد كانت هذه المدينة هي مركز خدماته وتنقّلاته في تلك المرحلة من خدمته.

يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [مدينته هنا تعني كفرناحوم. لقد استقبلته مدينة في ميلاده هي بيت لحم، ثم أخرى فيما بعد هي الناصرة، فثالثة استقبلته كمواطن فيها هي كفرناحوم] لقد قبل في ميلاده بيت لحم أي بيت الخبز كموضع ميلاده، مقدّمًا نفسه خبزًا لكل جائع، يأتي إليه فيها البسطاء كالرعاة، والحكماء المتواضعين كالمجوس، اليهود كما الأمم. وبعد عودته من مصر يتقبّل الناصرة، أي الغصن أو المحتقر كموطن له، حتى يلتقي به كل من يقبل الاتّحاد معه كغصن في الكرمة (يو 15: 2)، وأخيرًا يقبل كفرناحوم موطنًا له، أي كفر التعزية، أو النياح, الموضع الذي فيه تجد كل نفس تعزيتها وراحتها بروحه القدّوس المعزّي.

العجيب أن الابن الكلمة الذي به كان كل شيء، إذ قبل إنسانيّتنا اشترك معنا في كل شيء ما عدا الخطيّة، فقبِل أن تكون له مدينته أو وطنه، مقدّسًا بهذا حق "المواطنة"، فيلتزم كل مسيحي بالأمانة نحو وطنه، مقدّمًا ما لقيصر لقيصر وما لله لله. كأن اتّساع قلبه لكل البشريّة إنّما يكمّله التزامه بواجباته الوطنية.
















=
 

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"وإذا مفلوج يقدّمونه إليه مطروحًا على فراش.

فلما رأى يسوع إيمانهم قال للمفلوج:

ثق يا بنيّ مغفورة لك خطاياك" [ متى 9 : 2].





يُعلّق القديس جيروم على اهتمام السيّد بالنفس قائلًا: [في هذا نجد مثالًا للنفس المريضة الراقدة في جسدها وقد خارت قواها، وها هي تُقدّم للرب الطبيب الكامل واهبًا إيّاها الشفاء


القديس هيلاري أسقف بواتييه في هذه المعجزة صورة حيّة لعمل السيّد المسيح داخل الكنيسة إذ يغفر الخطايا واهبًا النفس الشفاء متمتّعة بالبنوّة لله، إذ يدعوه "يا بنيّ"، الأمر الذي عجز عنه الناموس، كما يقول القدّيس: [في المفلوج أُحضر إليه كل الأمم لينالوا الشفاء... لقد دعاه "يا بنيّ" لأنه عمل الله. لقد غفر له خطاياه، الأمر الذي لم يستطع أن يفعله الناموس، إذ بالإيمان وحده (لا الناموس) يتبرّر. إنه يُعلن قوّة القيامة بحمله السرّير ليعلِّم بأن في السماء ستكون الأجساد بلا ضعفات


ما أحوجنا أن نُحمل بإيمان الآخرين، ونحمل نحن الآخرين بإيماننا!

* ليتنا أول كل شيء نردّد ما سبق فقلناه، إنه إن كان أحد مريضًا فليطلب صلوات الآخرين حتى يردُّوه إلى الصحّة (مت 9: 2)، فخلال شفاعتهم يُردْ هيئة جسدنا الواهن، أي خطوات أعمالنا المتردّدة إلى الصحّة، بعلاج الكلمة السماوي. ليتهم يسندوا النفس حتى تقوم، هذه الملقاة بلا حراك في ضعف الجسد الخارجي، فإنه خلال معونتهم يحمل الإنسان كلّه ويدُلى في حضرة يسوع، فيتأهّل لأن يكون موضع رؤية يسوع.

* هل فقدت الثقة بسبب خطاياك الخطيرة؟ أطلب صلوات الآخرين! استدع الكنيسة فتصلّي عنك، فإن الرب يتطلّع إليها ويهبك ما يرفضه بالنسبة لك.

القديس أمبروسيوس




































=
 
التعديل الأخير:

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة


"لماذا تفكّرون بالشرّ في قلوبكم. أيّهما أيسر: أن يقال لك مغفورة لك خطاياك، أم أن يقال: قم وأمش؟ ولكن لكي تعلموا أن لابن الإنسان سلطانًا على الأرض أن يغفر الخطايا حينئذ قال للمفلوج: قم احمل فراشك واذهب إلى بيتك" [ متى 9 : 4-6].





لقد أكّد لهم أنه الله العالم بالأفكار، فكشف لهم ما بداخلهم، وأكّد لهم أنه غافر الخطايا بطريقة ملموسة تناسب فكرهم المادي بشفائه المفلوج فورًا. لقد غفر للمفلوج خطاياه، وهاهو يفتح الباب لهم كي ينعموا هم بما ناله.



بلا شك لحمل السرّير ذكريات مرّة عند المفلوج، فقد نام عليه سنوات طويلة يئن من المرض والحرمان؛ كان يمثّل القيد الذي ارتبط به زمانًا طويلًا أفقده بهجة الحياة وحيويّتها. حمْل السرّير إنّما يُشير إلى تذكُّر الخطايا الماضية فيقدّم الإنسان شكره الدائم لله واهب الحياة. حمْل السرّير يسند النفس فلا تسقط في الكبرياء، إذ تذكر سنوات العبوديّة المرة للمرض.

يرى القديس أمبروسيوس في حمْل هذا السرّير صورة رمزيّة لقيامة الجسد، فبعدما كانت النفس تحمل الجسد كسرير ألم مرّ، يصير في القيامة سرّ بهجة دائمًا لا يتعرّض بعد لتجربة أو ألم، إذ يقول: [ماذا يعني هذا السرّير الذي طُلب منه أن يحمله، إلا أن يقدّم جسده البشري؟ هذا هو السرّير الذي كان داود يغسله كل ليلة كما نقرأ: "أغسل سريري، أغسل فراشي بدموعي" (مز 6: 7). هذا هو سرير الألم الذي تضطجع فيه نفسنا المريضة بعذاب الضمير الخطير. لكن إن حمَل أحد هذا السرّير بوصايا المسيح لا يعود بعد سريرًا للألم بل للراحة. فما كان قبلًا موتًا بدأ الآن يصير للراحة، وذلك بفعل مراحم الرب التي غيرّت نوم موتنا إلى نعمة بهجة الرب



أمَره السيّد: "اذهب إلى بيتك" [6]، يؤكّد الإنجيلي أنه مضى إلى بيته، فما هو هذا البيت الذي حُرم منه المفلوج طوال هذا الزمان من مرضه؟

لقد حرمت الخطيّة الإنسان من بيته الأول، أي الفردوس، فخرج منه يحمل أثقال المرارة، ويدب فيه الموت الأبدي، وقد بقيَ في الناموس الطبيعي فالموسوي كمن هو متغرّب في الشوارع، عاجز عن العودة إلى حياته الفردوسية الأولى، والراحة في البيت الذي أقامه له الرب نفسه. نستطيع أيضًا أن نقول بأنه بيته الحقيقي هو "الله" نفسه، ففيه وحده يستريح الإنسان كمن في حضن أبيه، وإذ صار بالخطيّة في عداوة مع أبيه جاء الابن الوحيد إلينا، وحملنا فيه، ليدخل بنا إلى حضن أبيه أولادا لله. هذه هي العودة إلى بيتنا الأول!

* لم يأمره فقط أن يحمل سريره، وإنما أن يعود أيضًا إلى بيته، أي أخبره أن يعود إلى الفردوس، فإن هذا هو بيت الإنسان الحقيقي، الذي استقبله أولًا، هذا الذي فقده ليس خلال الناموس وإنما خلال الضلال. حقًا لقد أُعيد إلى بيته، إذ جاء من هو بالحق يحطم الضلال ويعيد الحق

القديس أمبروسيوس

* خُلق الإنسان لكي يتطلّع إلى خالقه، ويسكن في جماله، ويحيا في فرح محبّته، لكن بالعصيان فقد مسكنه وصار يتجوّل في الطرق المظلمة، وذهب بعيدًا عن مسكن النور الحقيقي.

* الخالق نفسه هو موضع الإنسان، لكن ليس كمكان، فقد جبله ليسكن فيه. وإذ أعطى الإنسان أُذنه للمجرِّب هجر مسكنه، هجر حب الخالق. لكي يخلّصنا القدير ظهر لنا جسديًا، وإن أمكنني القول، أنه اقتفى أثر الإنسان الذي هرب منه وجاء به إليه كموضع يُحفظ فيه الإنسان المفقود.

الأب غريغوريوس (الكبير)




















=
 
التعديل الأخير:
أعلى