متناقضة القدرة الكليّة: الله والصخرة!

*S.O.G*

*حامـل الصليـب*
عضو مبارك
إنضم
7 ديسمبر 2006
المشاركات
1,296
مستوى التفاعل
9
النقاط
0
الإقامة
Germany
لعل متناقضة القدرة الكلية من أكثر الجدليات “المنطقية” التي قد يطرحها أي ملحد، وهي في حد ذاتها تنتمي إلى عائلة من المتناقضات الدلالية، تقوم في لبّها على محاولة البت في إمكانية وجود كائن كليّ القدرة منطقياً، وتحديد معنى “القدرة الكلية” كذلك.

تقوم فكرة مثل هذه المتناقضات على الجدال المنطقي القائل بأنه، إن كان لدينا كائن قادر على كل شيء، فهو:
- إما قادر على إيجاد عمل ما لا يقدر هو نفسه أن يقوم به، ومنه لا يكون ذلك الكائن قادراً على كل شيء بالنهاية؛
- أو لا يقدر على إيجاد مثل ذلك العمل، ومنه لا يكون قادراً على كل شيء كذلك.

dd.jpg

سوف نتناول مثل تلك القضية المنطقية بدراسة إحدى نسخها العائدة إلى القرون الوسطى، والتي تدعى متناقضة القدرة الكلية Omnipotence paradox، أو متناقضة الصخرة paradox of the stone، وأفضل تلخيص لماهية متناقضة القدرة الكلية هو على شكل السؤال التالي (مع وجود أسئلة أُخرى تعبّر عن نفس المتناقضة):
” إذا كان الله قادر على كل شيء، هل يستطيع الله أن يخلق صخرة لا يقدر أن يحملها؟”
بالنظر إلى بنية السؤال (سؤال هل)، فإن الجواب سيكون بنعم، أو لا، وفي كلتا الحالتين لا يكون الله قادراً على كل شيء، فإن كان الجواب بنعم، فهذا ينفي قدرة الله عن حمل تلك الصخرة التي خلقها لتوه، وإن كان الجواب لا، فهو ينفي قدرة الله على خلق مثل تلك الصخرة.

بما أن ما نناقشه متناقضة، فهو إذاً عبارة تنطوي على تناقض، أي أنها منافية للمنطق، ومن البديهي أننا لن نصل أصلاً إلى جواب منطقي صحيح عبر تساؤل لامنطقي غير صحيح، فأين التناقض المنطقي فيه؟
السؤال يفترض أن الله قادر على كل شيء بالمطلق، وهذا أمر غير صحيح، فالله غير قادر على كل شيء ممكن أن يخطر ببالنا، بل هو قادر على كل شيء منطقي ويوافق طبيعته وأقانيمه، حيث من المهم أن نعلم بأن تعبير القدرة الكلية يعني بالدرجة الأولى أن لا حد لتلك القدرة، فهو تحديد كمي بالدرجة الأولى على أن يكون نوعي، والمستحيل منطقياً لا يصبح ممكناً في حال زيادة كمية القدرة، كما أن المنطق هو الأقنوم الثاني من الله الواحد في ثالوث (الكلمة اللوغوس (من logic) عقل الله الناطق)، فطبيعة الله منطقية لا تنافي المنطق، كما أن الكتاب المقدس نفسه يسرد بعض الأمور التي لا يقدر الله أن يقوم بها على ضوء ما أوضحنا، فالله مثلاً لا يقدر أن يكذب (عبرانيين 6: 18) لأن هذا ضد طبيعته المنطقية الأزلية المطلقة الصلاح.
من الأمور غير الممكنة على الله كذلك: أن يحب الشر (لأنه مطلق الصلاح) أوأن يفعله، وأن يلغي وجود ذاته (لأن موجود بذاته ولا يمكن أن يكون موجود وغير موجود معاً فهذا أمر غير منطقي وضد قوانين المنطق)، أن يخلق إلهاً غير محدود معه (لأنه غير محدود ولا يمكن لأمرين لامحدودين أن يتواجدا معاً بتمايز وإلا حدّا بعضهما).

فإذا عدنا إلى السؤال نرى أنه باطل، لأنه يفترض أن الله قادر على كل شيء ولو ضد المنطق والصلاح، وهذا منطقياً غير ممكن.
كما أن السؤال باطل، لأنه يرمي إلى وجود صخرة لا يقدر الله غير المحدود أن يحملها، بالتالي هذه الصخرة لو وُجدت لابد أن تكون غير محدودة على أقل تقدير، بالتالي يطلب وجود شيئين غير محدودين معاً، وكما أوضحنا، هذا منطقياً غير ممكن.
إلى جانب أن الصخرة اللامحدودة لم تعد مادة، لأن المادة لا يمكن أن تكون غير محدودة، فاللامحدودية ليست من طبع المادة، وهذا تناقض منطقي كذلك.

أضف إلى ذلك، إن كنت أتكلم عن كائن قادر على كل شيء، كيف من المنطق أن أستخدم، وفي نفس السياق، عبارة مثل ” لا يقدر أن يحملها” أصلاً ؟ لعمري إنه سؤال لامنطقي، والخطأ في السؤال وسذاجته وليس في الله، فهو كمن يقول: هل يقدر الله أن لا يقدر؟ أو هل يقدر الله ألا يكون الله؟ فإن قلنا أن كلي القدرة قادر على ألا يقدر، نكون قد عرفنا القدرة الكلية كاستحالة منطقية منذ البداية، لتضارب السياق مع المعنى كما أوضحنا.

مثال علميّ آخر يوضح اللغط المنطقي في مثل تلك المتناقضات، أن نسأل: هل يمكن لقوة غير محدودة (طاقة لانهائية) أن تزيح شيئاً غير قابل للحركة (ممانعة لانهائية)؟ وهنا أيضاً إن كانت القوة غير محدودة فلا وجود لشيء لا يمكن أن تزيحه ضمن هذا السياق، وإن وجد شيء مقاوم لا يتحرك أبداً فلا وجود لقوة غير محدودة في هذا السياق لأنها لن تقدر أن تزيحه، وهو بنفس المنطق سؤال خاطىء وفقاً لنظرية النسبية الخاصة بآنشتاين، لأن القوة غير المحدودة هي طاقة أعظمية في الكون، والشيء المقاوم غير المزاح هو طاقة أعظمية كذلك، والكون بالتعريف لا يمكن أن يحوي شيئين أعظمين، وهذا ما يؤكده حتى البروفيسور الملحد اسحق أسيموف، فإن مجرد سرد مجموعة كلمات لتكوّن جملة تبدو متماسكة قواعدياً لا يعني بالضرورة أن تكون تلك الجملة معقولة وذات معنى.

من الأسئلة المتناقضة المشابهة: متناقضة الكذّاب، حيث إن قال لك شخص: “أنا كاذب”، فأنت أمام احتمالين:
- أن تصدقه، وهذا يعني أن تصدق أنه كاذب، فكيف استطعت أن تصدقه مادام هو باعترافه كاذب؟
- ألّا تصدّقه لأنه وباعترافه كاذب، وكل ما يقوله كذب، بالتالي يكون قد كذب عليك أيضاً عندما قال لك “أنا كاذب”، فيكون بالتالي صادقاً، فكيف لم تصدّقه منذ البداية؟

إذاً، الله إلهنا صالح وإلى الأبد رحمته، وهو إله منطقي بطبيعته وأقنومه الثاني، فما كان بالتعريف مستحيل منطقياً، أو ما كان مخالف للصلاح، لن يكون من ضمن الأمور التي يقوم بها الله من الأساس، وهذا لاينفي أنه قادر على كل شيء صالح ومنطقي ويريد القيام به، وأما من يقول بأن على الله أن يكون قادر على فعل كل شيء بالمطلق مهما كان، فهو يخالف تعريف الكتاب المقدس لله وللقدرة الكلية المنوطة به، ونحن لا نؤمن أصلاً بهكذا إله.

 
التعديل الأخير:

++ كيرلس ++

‡† الله محبة †‡
إنضم
8 أغسطس 2009
المشاركات
3,054
مستوى التفاعل
717
النقاط
0
شكرا لك. هل أنت صاحب المدونة؟
 

simsimeg

New member
إنضم
6 يناير 2007
المشاركات
25
مستوى التفاعل
1
النقاط
0
الإقامة
المحروسة
سلام للجميع،
أود أن أضيف أن صفات الله التي من خلالها نعرف ما يفعله و ما لا يفعله الله (مثل تنزيهه عن الكذب مثلا لأنه كليّ الصلاح) ليست صفات مفروضة عليه. فليس هناك من (أو ما) فرض على الله - حاشا - أن يكون صالحا أو رحيما أو عادلا ... بل هي صفات بحسب طبيعته.
و لذلك فالقدرة الكلية ليست مفروضة على الله و تحد من أفعاله بل هو من يحددها. فالسؤال يفترض أن القدرة الكلية هي المحدد للكائن القدير و هذا ليس صحيحا بالضرورة.
 

*S.O.G*

*حامـل الصليـب*
عضو مبارك
إنضم
7 ديسمبر 2006
المشاركات
1,296
مستوى التفاعل
9
النقاط
0
الإقامة
Germany

Desert Rose

I have a dream
عضو مبارك
إنضم
10 نوفمبر 2010
المشاركات
8,448
مستوى التفاعل
1,987
النقاط
113
اشكرك انك شاركتنا الموضوع الجميل ده
السؤال ده اتعرضتله كتير
وانا دايما اقول انها سفسطة
لان السؤال اصلا زى ما انت قولت مش راكب وافتراض مش منطقى
يبقا مش هتلاقى عليه اى اجابة منطقية
الكتاب بيقول ان ألهنا اله سلام مش تشويش
يعنى مش بيعمل حاجات مش منطقية لمجرد انه عايز يعملها او يقدر يعملها
انما لازم تكون حاجة ليها هدف واتجاه محدد مش عشوائية
فايه اللى يخليه اساسا يعمل حاجة زى كده ؟
ايه المنطق من وراها ؟
 

++ كيرلس ++

‡† الله محبة †‡
إنضم
8 أغسطس 2009
المشاركات
3,054
مستوى التفاعل
717
النقاط
0
نعم.. مدونة متواضعة إلى حد ما

خدمة مباركة أخي الحبيب، أتمنّى لك النجاح فيها.

بالنسبة للسؤال: بما أن السؤال غير منطقي (في جُزئية "لا يقدر أن يحملها")، يُمكننا الإجابة عليه بنفس اللامنطقية: نعم، يستطيع الله أن يخلق صخرة لا يقدر أن يحملها، يخلقها ثم يحملها.
 
التعديل الأخير:

Strident

مفصول لمخالفة قوانين المنتدى
إنضم
29 مارس 2009
المشاركات
4,927
مستوى التفاعل
374
النقاط
0
الإقامة
Egypt
هي دي اللي مضايقاكو؟ طب حد يحل الparadox ده:



هل الجملة دي صحيحة ام خاطئة؟
"هذه الجملة خاطئة"

"This statement is true"



لو الجملة صحيحة، فهي إذاً خاطئة كما تقول عن نفسها....
ولو كانت خاطئة....فهي ليست خاطئة، وبالتالي صحيحة....

تناقض في الحالتين
 

*S.O.G*

*حامـل الصليـب*
عضو مبارك
إنضم
7 ديسمبر 2006
المشاركات
1,296
مستوى التفاعل
9
النقاط
0
الإقامة
Germany
خدمة مباركة أخي الحبيب، أتمنّى لك النجاح فيها.

بالنسبة للسؤال: بما أن السؤال غير منطقي (في جُزئية "لا يقدر أن يحملها")، يُمكننا الإجابة عليه بنفس اللامنطقية: نعم، يستطيع الله أن يخلق صخرة لا يقدر أن يحملها، يخلقها ثم يحملها.

رد الصاع بصاع، أتعلم أنني قد رأيت من الناس من يجيبون عليها بهذه الطريقة :)
 

*S.O.G*

*حامـل الصليـب*
عضو مبارك
إنضم
7 ديسمبر 2006
المشاركات
1,296
مستوى التفاعل
9
النقاط
0
الإقامة
Germany
هي دي اللي مضايقاكو؟ طب حد يحل الparadox ده:



هل الجملة دي صحيحة ام خاطئة؟
"هذه الجملة خاطئة"

"This statement is true"



لو الجملة صحيحة، فهي إذاً خاطئة كما تقول عن نفسها....
ولو كانت خاطئة....فهي ليست خاطئة، وبالتالي صحيحة....

تناقض في الحالتين

شبيهة جداً بمتناقضة الكذاب، ولكنها مجردة أكثر
المتناقضات موجودة، وهي اختلالات منطقية لا توصل إلى نتيجة منطقية سليمة، إلا أن المشكلة في أن يقول قائل بمتناقضة منطقية بهدف الوصول إلى استنتاج منطقي سليم!
أتذكر أحد الرفاق الملحدين كان ينشر متناقضة القدرة الكلية على صفحته، ولما قلت له بأنها متناقضة، أجابني: ربما تراها أنت متناقضة ولكنني أراها شيء عظيم ...
للرب المجد
 

Strident

مفصول لمخالفة قوانين المنتدى
إنضم
29 مارس 2009
المشاركات
4,927
مستوى التفاعل
374
النقاط
0
الإقامة
Egypt
In logic, "FALSE" can imply anything...even 1+1 = 3
 

*S.O.G*

*حامـل الصليـب*
عضو مبارك
إنضم
7 ديسمبر 2006
المشاركات
1,296
مستوى التفاعل
9
النقاط
0
الإقامة
Germany
اشكرك انك شاركتنا الموضوع الجميل ده
السؤال ده اتعرضتله كتير
وانا دايما اقول انها سفسطة
لان السؤال اصلا زى ما انت قولت مش راكب وافتراض مش منطقى
يبقا مش هتلاقى عليه اى اجابة منطقية
الكتاب بيقول ان ألهنا اله سلام مش تشويش
يعنى مش بيعمل حاجات مش منطقية لمجرد انه عايز يعملها او يقدر يعملها
انما لازم تكون حاجة ليها هدف واتجاه محدد مش عشوائية
فايه اللى يخليه اساسا يعمل حاجة زى كده ؟
ايه المنطق من وراها ؟
أهلاً وسهلاً، وهو كما قلتي، سؤال ساذج سخيف، لعل من يسأله لا يعرف من هو إلهنا أصلاً
ولكن لئلا يقول قائل بأن المسيحية تعجز عن الرد، ولئلا يشوش أحدهم ويبلبل أحد الأخوة، علينا أن نكون دوماً مستعدين
صدقيني بعض الملحدين يرون هذه السفسطة شيئاً عظيماً يسهم في إلحادهم، فلنكن لليوناني كيوناني حتى نربح اليوناني، بنعمة ربنا ولسان روحه القدوس.
 
أعلى