إقامة لعازر - الحل من وثائق الموت بقوة سلطان الحياة

aymonded

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
6 أكتوبر 2009
المشاركات
16,056
مستوى التفاعل
5,360
النقاط
0


سبت لعــــــــــازر
الحل من وثائق الموت بقوة سلطان الحياة
[أقمت الموتى من القبور، أقمت الطبيعة بالكلمة] (من صلوات الكنيسة القبطية)

حينما ندخل لسرّ لإنجيل علينا أن نعي وندرك أَنَّهُ قُوَّةُ اللهِ لِلْخَلاَصِ لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ: لِلْيَهُودِيِّ أَوَّلاً ثُمَّ لِلْيُونَانِيِّ. لأَنْ فِيهِ مُعْلَنٌ بِرُّ اللهِ بِإِيمَانٍ لإِيمَانٍ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ «أَمَّا الْبَارُّ فَبِالإِيمَانِ يَحْيَا» (رومية 1: 16، 17)، لذلك يُخطئ جداً كل من يظن أن إنجيل يوحنا كتب معجزة إقامة لِعازر ليعرض لنا المسيح الرب كصانع معجزات على أعلى مستوى، لمجرد إثبات ألوهيته، لأن البعض يتخذ هذه المعجزة كواجهة دفاع ضد من لا يقولون أن المسيح رب، ويثبتون بها إيمان الإنسان المسيحي، مع أنهم غفلوا عن حقيقة الإخلاء التي بدونها لن يعترف أحد بشخص المسيح الرب لو قدمنا لهم حقيقة عمله الإعجازي، لأنه مكتوب لنا نحن المؤمنين: فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هَذَا الْفِكْرُ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضاً: الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً لِلَّهِ. لَكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِراً فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ. لِذَلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضاً، وَأَعْطَاهُ اسْماً فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ. لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ. (فيلبي 2: 5 – 11)
لذلك علينا أن نبحث – على كل وجه – الغرض الحقيقي من كتابة هذه المعجزة، فيوحنا الرسول في هذا الحدث العظيم لم يقصد أن يظهر قدرات شخص المسيح الرب على الإقامة من الموت، إنما الغرض الحقيقي هو أن يُظهر ما أعلنه عن ذاته، أنه هو بنفسه القيامة والحياة، أي هوَّ بنفسه وبشخصه الحياة الحقيقية للإنسان، أي أن الحياة الأبدية مشخصه فيه، وأن القيامة من الموت في حوزته وتحت سلطانه الإلهي وحده، ودليل قوة الحياة التي فيه أنه أقام لِعازر بعد أربعة أيام، أي بعد أن أنتن ولم يعد شيء في الجسد صالح إذ دخل في مرحلة التحلل والفساد التي ليس فيها أي رجاء أو إصلاح، فبكل المقاييس تستحيل قيامته وإنعاشه، وهذا دليل قاطع على أن في شخص المسيح كَانَتِ الْحَيَاةُ وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ (يوحنا 1: 4)
فبإقامة لِعاز يواجهنا الرب بشخصه لا كمجرد إله متجسد نراه في ضعف الجسد أو يعطينا مجرد كلمات لنحفظها وندرسها، أو حتى لكي نعترف بقدراته الإلهية، بل لكي نعرفه قيامة وحياة لأنفسنا لكي نتشرب منه الحياة التي فيه، لذلك علينا الآن أن ننظر لشهادته عن نفسه، لأنه شهد وقال في إطار عمله الخلاصي قائلاً:
فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ. مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ فلاَ يَجُوعُ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِي فلاَ يَعْطَشُ أَبَداً؛ أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ؛ أَنَا هُوَ الْخُبْزُ الْحَيُّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ. إِنْ أَكَلَ أَحَدٌ مِنْ هَذَا الْخُبْزِ يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ. وَالْخُبْزُ الَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي الَّذِي أَبْذِلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ الْعَالَمِ» (يوحنا 6: 35؛ 48؛ 51)
ثُمَّ كَلَّمَهُمْ يَسُوعُ أَيْضاً قَائِلاً: «أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ»؛ أَنَا هُوَ الشَّاهِدُ لِنَفْسِي وَيَشْهَدُ لِي الآبُ الَّذِي أَرْسَلَنِي؛ أَنَا هُوَ الْبَابُ. إِنْ دَخَلَ بِي أَحَدٌ فَيَخْلُصُ وَيَدْخُلُ وَيَخْرُجُ وَيَجِدُ مَرْعًى؛ أَنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ وَالرَّاعِي الصَّالِحُ يَبْذِلُ نَفْسَهُ عَنِ الْخِرَافِ؛ قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي» (يوحنا 8: 12؛ 18؛ يوحنا 10: 9، 11؛ 14: 6)
فموضوع إقامة لعازر عن جد خطير، لأنه يُظهر معنى الإيمان الحقيقي بشخص المسيح الرب لأن بنطقه الخاص قال: «أَنَا أَمْضِي وَسَتَطْلُبُونَنِي وَتَمُوتُونَ فِي خَطِيَّتِكُمْ. حَيْثُ أَمْضِي أَنَا لاَ تَقْدِرُونَ أَنْتُمْ أَنْ تَأْتُوا... فَقُلْتُ لَكُمْ إِنَّكُمْ تَمُوتُونَ فِي خَطَايَاكُمْ لأَنَّكُمْ إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا أَنِّي أَنَا هُوَ تَمُوتُونَ فِي خَطَايَاكُمْ» (يوحنا 8: 21، 24)، وعلينا أن نربط كلام الرب هنا بما قالته مرثا: أنا أعلم أنه سيقوم في القيامة في اليوم الأخير، قال لها يسوع أنا هو (يهوه) القيامة والحياة (يوحنا 11: 24 و25)
فالقيامة والحياة هما في شخص المسيح الرب ذاته، وعلينا أن نفهم ونعي ونُدرك أن المسيح الرب القيامة والحياة هو الآن معنا بشخصه وبذاته في ملء مجده وفعل قدرته: الحق، الحق، أقول لكم إن من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فلهُ حياة أبدية، ولا يأتي إلى دينونة، بل قد انتقل من الموت إلى الحياة؛ الحق، الحق أقول لكم إنه تأتي ساعة وهي الآن، حيث يسمع الأموات (بالخطية) صوت ابن اللهوالسامعون (التائبون الذين يؤمنون) يحيون. (يوحنا 5: 24، 25)
فالقيامة والحياة يعملان فينا لو آمنا فعلاً، فالآن هو أوان السمع، الذي نسمع فيه كلمة الله ونؤمن، فنتوب ونأكل الحياة في السرّ المُعطى لنا: [من يأكل جسدي ويشرب دمي فلهُ حياة أبدية، وأنا أُقيمه في اليوم الأخير] (يوحنا 6: 54)، فيا إخوتي هذا هو سرّ خلاصنا الحقيقي والذي لنا أن نتذوق منه الآن وفي هذه اللحظات، بل ونظل كل أيام ولحظات عمرنا نتذوق ونأخذ منه بلا توقف، لأنه تيار الحياة الأبدية التي تسري فينا وتزداد كل يوم، طالما نتوب ونؤمن ونأكل لنحيا ونعيش في قوة الحياة التي تسري فينا بقوة المحبوب الذي هو رجاءنا الحي وقيامتنا كلنا.
+ اجتمعوا كلُّكم أيها المؤمنون، لنُسبح ربنا يسوع المسيح، الذي أقام لعازر، بقوة لاهوته.
+ أقمنا بقوَّتك من ظلال الموت، مثل البار لِعازر، الذي أقمتَهُ بعد موته.
+ أنتَ هو الطَّريق والحياة، يا يسوع المسيح الخالق.
+ أنتَ هو الله مُعطي الحياة للعازر الصَّدَّيق .
+ أنت هو القيامة، أقمت البار لِعازر، فنسألك أن تُنجينا من شدائدنا، وأعطنا معهُ نصيب.
+ فلنذهب أيها المؤمنون إلى جبل الزيتون إلى بيت عنيا، لنرى البار لِعازر، ونُسبح بتراتيل.
+ فلنُسبح ولنُمجد ونسجد للثالوث القدوس المساوي الدَّائم إلى الأبد، نُسبحه ونمجده.
[من ذُكصولوجية واطس من مخطوط دلاَّل حارة الروم (ق15)]
لقد احتل سبت لعازر مكانة خاصة جداً ومُميزة في الكنيسة عموماً، وقد جعلت طقوس الكنائس الشرقية من معجزة إقامة لعازر من الموت سبباً جوهرياً للدخول إلى أحداث أسبوع البصخة المقدسة، فاليوم الفاصل بين الصوم الكبير المقدس والذي انتهى بغلبة المُخلِّص على الشيطان لحسابنا وإعطائنا سرّ النصرة والغلبة بشخص ربنا يسوع المنتصر والغالب فينا، وبين أسبوع الفصح المقدس أو البصخة، قد خصصته جميع الكنائس الشرقية للاحتفال فيه بإقامة لعازر من الموت، وذلك كتمهيد للدخول إلى الأسبوع العظيم، أسبوع الفصح والعبور المجيد من الظلمة للنور ومن الموت للحياة، بالرغم من أن معجزة إقامة لعازر من الموت لم تكن في هذا الوقت بعينه، أي أنها لم تكن في اليوم الذي سبق مباشرة دخول المسيح الرب إلى مدينة أورشليم في احتفال مجيد، بل كان هُناك كثير من الأحداث التي أكملها الرب ما بين إقامته للعازر من الموت ودخوله الاحتفالي إلى مدينة أورشليم.

أمَّا السبب في اختيار الكنسية الملهمة بالروح لوضع معجزة إقامة لعازر من الموت كتمهيد لبدء أسبوع الفصح المقدس، مع ملاحظة أن هذه آخر معجزة صنعها الرب قبل أن يدخل في طريق الآلام والموت:
1– لفت النظر إلى أن ليس هناك سلطان للموت على الرب يسوع لأنه هو الحياة ذاتها، أي مصدرها ومُعطيها، وكل من يتقرب منه ويلتصق به تسري فيه حياته ولا يخاف الموت أو يقابله بالسواد واليأس وضعف الإيمان.
2– أن لا ننظر للمسيح المُهان والمتألم ونبكي عليه لأننا تأثرنا نفسياً بآلامه كأنه تحت سلطان الموت وضعف الآلام القاسية، ونصحح نظرتنا إلى آلامه في سلطان قوة لاهوته وعمله الخلاصي.
3– أن نرى وننظر أن الرب يسوع قادر على الإقامة من الأموات – فعلياً وواقعياً – من عمق القبر والهاوية بقوة سلطان لاهوته، وذلك لكي ندخل إلى آلامه الفصحية وموته المُحيي برجاء العبور إلى الحياة، لأن الذي يقدر على الموت لأن له سلطان الحياة يستحيل أن يمسكه الموت، لكنه ارتضى بإرادته كالتدبير أن يضع نفسه ليجتاز الموت ليُبطل قوته ويكسر شوكته إلى الأبد بسلطان لاهوته ويهبنا باسمه حياة أبدية لا تزول.
4– لقد أقام الرب لِعازر أمام التلاميذ على الأخص، وقبل الدخول في موكب الصليب وظهور اتضاعه العظيم تحت ثقل الآلام والمحاكمة الظالمة وترك نفسه ليفعل بها الناس كيفما شاءوا، ليُشدد إيمانهم لئلا يفنى أمام هذا الخزي وحمل عار الصليب، فقد جعل الرب من فرحة إقامة لعازر رجاء حاضر لعبور محنة الآلام والإهانات، وهكذا صارت إقامة لعازر مشهد مُصغر جداً لما كان الرب مُزمعاً أن يُكمله في نفسه لخلاصنا.
5– ومن الأسباب الرئيسية التي اختارت بناء عليها الكنيسة وضع هذا اليوم قبل هذا الأسبوع العظيم هو أن رؤساء كهنة اليهود والفريسيين كانوا قد قرروا قتل يسوع بعد هذه المعجزة مباشرةً، والتي فضحت زيفهم وفضَّت الجموع عنهم وجعلتهم يفقدوا شهرتهم ومجدهم المزيف والمسروق من إعطاء المجد لله لحساب ذواتهم وكبرياء قلوبهم الشريرة.
وهذا يُعلمنا أن لا نكتفي بالمشاهدة وبالمعرفة والبحث والتدقيق، لأن اليهود الذين اتفقوا على قتل شخص ربنا يسوع هم علماء في الكتاب المقدس، دارسين بدقة شديدة الوصايا وأقوال وكتابات آباءهم الذين تحدثوا عن المسيا بإلهام من الله، ولكن مع كل هذه المعرفة المتسعة جداً والعميقة للغاية لم تغير قلبهم بل أثارت فيهم كل غيرة وحقد، بسبب أنها خلقت فيهم كبرياء وتعالي، وبسبب هذا الكبرياء وحده لم يعرفوا المسيا الذين انتظروه بل اضطربوا جداً وأرادوا أن يقتلوه كما نقتله ونمحو ذكراه من قلوبنا بسبب معرفتنا ودراساتنا التي تولد – أحياناً كثيرة – في بعضنا الكبرياء، فتفلت منا معرفته من جهة خبرة أنه القيامة والحياة الحقيقية.
+ تعالوا جميعاً نُسبح ونرتل للرب يسوع المسيح، الكلمة الأزلي الذي أقام لِعازر
+ الكل يمجدك أيها الابن الذاتي، وبك يليق المجد حقاً يا من أقمت الميت بقدرة لاهوتك
+ من يُشبهك أيها المسيح الله الظاهر في الجسد، ومن له قدرتك أيها القادر على كل شيء
+ لك القوة والمجد والعزة والقدرة يا من أقمت من أنتن ووهبت لنا الحياة وأعطيتنا ترياق الخلود
+ لك المجد والتسبيح يا محب البشر القدير كاسر شوكة الموت وغالب الجحيم
+ أيها القيامة والحياة، أقمنا بقوتك واجعلنا نتنسم رائحة الحياة التي فيك يا ربي وإلهي ومخلصي آمين
 
أعلى