هذا مثال كيف "
يفصل" الممثل كما أشرت بالأمس (مع أن الأمثلة عزيزة جدا في السينما، لأن اللقطة ببساطة تعاد). هنا كما نرى: بعد أن قال العملاق
عادل أدهم: «إيه رأيك يا آنسة» ضحك. هذه الضحكة ليست بالسيناريو، بل كان أدهم يضحك بالفعل. شيء ما في وجه هذه الفتاة أو تعبيراتها جعله يضحك (عملاق أمام كتكوتة، ماذا تتوقع؟)
أو ربما ببساطة "نسي" الكلام وهذا أيضا يحدث كثيرا. بكل حال ـ ولأنه ممثل "
كبير" حقا ـ فقد استوعب الضحكة سريعا وكأنها داخل المشهد وأكمل، كما كان المخرج ذكيا أيضا فلم يسرع بصيحة "cut" الشهيرة. الوحيد الذي أخطأ هنا بالتالي هو في الحقيقة يونس شلبي
لأنه تحرك وحتى ابتسم ـ دون أن يسمع "cut" أولا ـ وكاد بالتالي يفسد اللقطة حقا على الجميع، لولا أنه أيضا تدارك نفسه سريعا وعاد للمشهد ومرّت اللقطة في النهاية دون إعادة.
[YOUTUBE]zYV2tJH9ENk[/YOUTUBE]
***
أما المشاهد التراجيدية "الثقيلة" فالإعادة فيها ليست مكلفة فقط بل
مؤلمة أيضا، مؤلمة كثيرا. تخيل أنهم اضطروا لإعادة المشهد القادم (مشهد اللقاء الأخير بين كلاريس وهانيبال في الفيلم الشهير "صمت الحملان" ـ 1991 ـ الذي كان علامة في حينه)! تخيل حجم الإعداد والجهد "
النفسي" الذي كان على هذه النجمة الجميلة (جودي فوستر) أن تبذله وكيف راحت مشاعرها تنمو تدريجيا من اللحظة الأولى حتى الدقيقة 5 تقريبا، حين وقع فجأة أحد أجهزة الإضاءة فأحدث دويا هائلا وفسدت اللقطة! في الحقيقة ـ يحكي مخرج الفيلم ـ
صرخت فوستر في هذه اللحظة وكاد يغشى عليها! لم تصرخ خوفا، فالجهاز الذي سقط كان بعيدا عنها، وإنما
صرخت ألما، من فرط الألق والحساسية التي كانت قد بلغتها ثم انهارت كلها فجأة وعادت إلى الواقع! ولنلاحظ هنا أن فوستر ـ علاوة على عبء التقمص أو التماهي بالشخصية ـ كان عليها أيضا عبء آخر: هو إثبات نفسها، هذه الأمريكية الصغيرة، أمام هذا الوحش الإنجليزي (
سير أنطوني هوبكنز لاحقا)، وإلا "حرقها" الرجل و"سرق الكاميرا" تماما منها وربما انتهى مشوارها السينمائي كله في بدايته بسبب مشهد كهذا!
[YOUTUBE]2LrFsXAvzqc[/YOUTUBE]
على أي حال هدأت فوستر في النهاية ورجعت لتعيد التصوير، ولكي تتألق مرة أخرى وتصمد أمام هوبكنز كما نرى، في مشهد صار من أجمل مشاهد السينما العالمية، حتى أنه يخطفك وقد تتأثر به وإن لم تفهم كلمة واحدة من الحوار، كل هذا بسبب هذه
الحرارة وهذه
الطاقة النفسية العجيبة التي وضعها كلا النجمان فيه!
وصباح الفن والإبداع والجمال!