تفسير إنجيل القديس يوحنا للأب متى المسكين

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
28- هَذَا كَانَ فِي بَيْتِ عَبْرَةَ فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ حَيْثُ كَانَ يُوحَنَّا يُعَمِّدُ.

‏أسلوب القديس يوحنا يتميز بهذا الهدوء المفاجىء، فبعد صخب العرض المثير لأسئلة اللجنة المحرجة للمعمدان والتي أثارت القارىء بلا شك، يقطع الحديث فجأة ويذكر جملة عرضية تنهي المنظر وتٌنسي القارىء حرارة المصادمة:
«بَيْتِ عَبْرَةَ.»
‏واضح من الإسم فعلاً أنها عبر الأردن وكان اسمها «بيت عنيا» في معظم المخطوطات وأهمها. وهذا الإسم بيت عبرة أو عباراه أو بارة مذكور في قض 24:7, ونحن نستفيد من ذكر هذا المكان لأننا نعلم أن المعمدان بدأ كرازته في اليهودية أي على الشاطىء الغربي للأردن: «وفي تلك الأيام جاء يوحنا المعمدان يكرز في برية اليهودية» (مت1:3). ولكن يبدو أنه بدأ العماد عبر الأردن في هذا المكان: «ومضى (يسوع) أيضاً إلى عبر الأردن إلى المكان الذي كان يوحنا يعمد فيه أولآ ومكث هناك.» (يو40:10‏)
‏وهذا يعطينا توضيحاً أن عملية استجواب المعمدان تمت بعد مدة طويلة من بدء كرازته وحتى بعد بدء ممارستة للتعميد. وفي قوله: «في وسطكم قائم الذي لستم تعرفونه» يشير هنا إلى المسيح، وليس بالضرورة أنه كان واقفاً فعلاً في هذا الوقت ولكن يقصد أنه قائم بينكم. وفي قوله: « لستم تعرفونه»، بالرغم من الصورة المهيبة جداً التي أعطاها له في قوله أنه ليس مستحقاً أن يحل سيور حذائه، يشير المعمدان إلى جهلهم الفاضح بوجود المسيا، سواء عن عمى قلب أو تجاهل، وفي كلتا الحالتين يصرف أنظارهم من شخصه هو ليهتموا بمن يستحق الإهتمام!
‏مكان البشارة:
أولاً: اليهودية (29:1-51)
ج- الشهادة للمسيح ابن الله: 29:1-34
كان رد فعل حضور اللجنة واستجواب المعمدان وسط الجمح الحاشد, وعودة اللجنة دون اتحاذ أي إجراء، أن زاد حماس الشعب وارتفعت معنويات تلاميذ يوحنا بالنسبة لمعلمهم. ‏ولكن ظهر من الحديث أمر أزهل تلاميذ المعمدان: من هذا الذي لا يستحق معلمهم أن يحل سيور حذائه؟ واضح أن اللهفة والتطلع لمعرفة «الأقوى» قد بلغت ذروتها، ولم يمد خافياً أن المعمدان عمد المسيح ربما دون أن يلاحظ ذلك أحد.
ولكن بعه إحراج أعضاء اللجنة للمعمدان واضطراره للاعلان عن هذا الرجل الذي أتى بعده وهو «قبله», الذي وإن كان يعمد فهو يعمد لحسابه ليستعلن له وللشعب؛ كان يتحتم أن يعلن عنه بسرعة ليغطي موقفه. لأن من ردود المعمدان يتضح أنه لم يجيء إلا ليعد طريقه, إن كرازة أو تعميداً, فلم يكن الثمعب وحده في لهفة أن يعرف المسيا أو تلاميذ المعمدان أيضاً، بل والمعمدان نفسه كان وهو يمارس تعميده للناس قلقا يشرئب برأسه ويتلفت يميناً ويساراً لعله يراه فيخلي ورديته ويعود من حيث أتى. ولكن هذه المرة ليس على مركبته العتيقة وفرسانه النارية الطائرة!!
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
29- وَفِي الْغَدِ نَظَرَ يُوحَنَّا يَسُوعَ مُقْبِلاً إِلَيْهِ فَقَالَ: «هُوَذَا حَمَلُ اللَّهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ.

‏كل الظروف توحي إلينا أن المسيح كان خارجاً للتو من التجربة مع إبليس. لأننا نعلم من الأناجيل الأخرى أنه بعد التجربة دخل الخدمة وبدأ الكرازة، وهنا في هذه الأية واضح أن المسيح جاء عن قصد، إذ أن خدمته حري بها أن تبدأ بشهادة وإعلان، كان هو في غير حاجة إليها، ولكن كان الشعب يحتاجها بكل تأكيد، وكانت لحظة تسليم وتسلم: «ينبغي أن ذاك يزيد وأني أنا أنقص». هذا ليس بلسان المعمدان وحده، بل بلسان جميع الأنبياء والعهد القديم بكل مشتملاته.
‏ويضيف ذهبي الفم أن مجيء المسيح ثانياً للمعمدان بعد عماده كان خصيماُ ليعلنه ويظهره لإسرائيل: [لأنه لهذا جاء ليعطي يوحنا المعمدان فرصة لكي يعلن رؤيته (رأيه) ثانية أيضأ لأنه بقوله هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم فإنه يمنع كل شك.]
‏«هُوَذَا حَمَلُ اللَّهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ.».
‏كانت ومضة إلهامية نطق فيها المعمدان نطقه الخالد «هُوَذَا حَمَلُ اللَّهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ.» شهادة من فوق ‏الواقع والزمن لا تعتمد قط على معرفة لا سابقة ولا لاحقة، ولا تستمدها من خلفية ذبائح أو طقوس, كما تاه معظم الشراح, فالمعمدان ليس مشرعاً ولا هو دارس للتشريع، ولا هو جاء ليعيد للشريعة سطوتها المتهالكة ولا مجدها الذاوي. ولكن المعمدان كانت وظيفته تدور حول الخطية، هو يعرفها، ويعرف استحالة غسلها بالماء. كان يعلم أنه يغسل بالماء ولا فائدة ولا قيمة إلا مع الذي سيغسل بالروح القدس، فلما راه كانت الخطية شغله الشاغل الذي ملأ ذهنه، رأه كحمل بلا عيب، بلا خطية! ورآه والروح القدس مستقر على رأسه، ليشير الإشارة الإلهية: أن بهذا يكون العماد، وبهذا يكون الخلاص!!
‏ولكن أواه, لقد لمح في عينيه الحزينتين صورة الصليب، وبالمنظر المعقول رآه خروفاً قائمأ كأنه مذبوح، فلما هتف المعمدان: «هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم» كان ينطق بما يرى! المعمدان رأى ذلك بيقين، ولكنها كانت رؤيا، أما نحن فأخذنا منه أخذأ وذقنا كيف يرفع الخطية!!
‏وهوذا العالم وقد صار له موضع في السماء وأمام عرش الله يهتف: «.. أمام الخروف ولهم كل واحد قيثارات وجامات من ذهب مملوءة بخوراً هي صلوات القديسين وهم يترنمون ترنيمة جديدة. قائلين: مستحق أنت أن تأخذ السفر وتفتح ختومه لأنك ذُبحت واشتريتنا ته بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة.» (رؤ8:5-9‏)
والسؤال الذي نلقيه على القارىء: لو لم يجيء الحمل هذا فماذا كان حال العالم اليوم؟ ولكن لا ننسى أن كل ما كان, وكل ما هو كائن من نعم وبركات ومثل عليا أخلاقية وروحية في العالم لن تساوي تماماً ثمن الدم المدفوع. لذلك، فحتماً حتمتً لا يزال أمام العالم بقية من نعم ومجد وسلام أكثر مما كان!!!لأن الدم لا يزال يتدفق من الخروف القائم كأنه مذبوح!!
‏المعمدان نبي يستمد أقواله بالإلهام من مصادرها العليا دون سبق إعداد أو معرفة، كالرائي في سفر الرؤيا لما رأى المسيح برؤيا الخلاص كخروف قائم كأنه مذبوح، فلا العين رأت خروفاً ولا المسيح تحول إلى ذبيحة منظورة، ولكن هذه كلها يسميها الصوفيون (The Mystics‏) رؤيا «التورية» اي بالنظر المعقول الذي لا يمت للواقع المادي بشيء.
‏فلما قال المعمدان: هوذا «حمل الله»، لم يكن قد رأى المسيح خملا ولكنه رأى مجمل الفداء كله في لمحة ذهنية خاطفة، ورأى الخلاص شاملاً كافياً للعالم، بل ورأى العالم فيه مفدياً، ورأى الخطية بثقلها الدهري ترتفع من فوق كاهل العالم المحني تحتها هذه الدهور كلها، لتوضع فوق المسيح الحمل، فلا توجد. هذا هو الحمل الذي سأل عنه إسحق عندما لمح السكين والحطب في يد إبراهيم أبيه، وهذا هو الحمل الذي تخيله إبراهيم «الله يرى له الحمل للمحرقة يا ابني» (تك8:22). نعم لقد رآه الله لنفسه قبل الدهور، وأعده بترتيب تسجل في سجلات الملائكة وكل الروحانيين، فباتوا يعدون الأيام لمجيئه ويعدون أنفسهم لظهوره‏. وإن كان في هذاا اليوم قد مر على الأرض ولم يلمحه إلا الحامل لروح إيليا، فالسماء عيدت له بطقس «السجود»، اشتركت فيه كل خوارس الملائكة: ‏« ومتى أدخل البكر إلى العالم يقول: ولتسجد له كل ملائكة الله.» (عب6:1‏)
وإن كان المعمدان الناطق بالروح القدس والناظر بروح إيليا قد لمح «الحمل» وهو رافع خطية العالم، فما ذلك إلا أن الحمل ذاته كان حاملاً على جسده منظر خطايا كل العالم متزاحمة فوقه: «لذلك عند دخوله إلى العالم يقول: ذبيحة وقرباناً لم ترد ولكن هيأت لى جسداً» (عب5:15), فكان هو الذبيحة الحقيقية لذبائح الرموز كلها، والحمل الحقيقي الذي لا ينبغي قط أن نبحث عن اسم له بين حملان الرموز، لأنه توجد حملان كثيرة ذات مناظر حسنة للغاية: حمل إسحق المذبوح تحت يد أبيه (تك10:22)، وحملان موسى المتعددة المناظر والمنافع، وحمل إشعياء المسوق صامتاً إلى الذبح (إش6:53-7)، وحمل إرميا الذي تُعد من ورائه أفكار للهلاك (إر19:11) ، وحمل بطرس الرسول الذي بلا عيب (ابط19:1‏)، وحمل بولس المكني عنه بالفصح الذي ذُبح (اكو7:5)، وحمل سفر الرؤيا القائم كأنه مذبوح وهو الغالب (رؤ6:5‏), حملان حسنة كثيرة ولكن ليست كحمل المعمدان ذي الأسم المهيب العجيب: «حمل الله». اسم يجب الأسماء جميعاً ويجمع في نفسه قوة الذبائح جميعاً ويفوقها تفوقاً، يكملها على الآرض ويبقى هو هو حمل الله الرافع خطية العالم حتى مل ء كل الدهور.
‏ولا تنس، أيها الباحث المدقق، أن تعريف المسيح بـ «االحمل الرافع خطية العالم» جاء قبل البدء بخدمة الصليب، فهذا التعبير يعتبر أقوى وأكبر نبوة عن الفداء الذي سيتم قبل أن يبدأ بلحظات أو قبل الصليب بثلاث سنوات.
‏ولكن لو نتذكر الحديث الذي تم بين موسى وإيليا, وإيليا بالذات مع المسيح على مسمع من التلاميذ على جبل التجلي، وهو حديث مأساوي: «واذا رجلان يتكلمان معه هما موسى وايليا اللذان ظهرا بمجد وتكلما عن خروجه الذي كان عتيداً أن يكمله في أورشليم» (لو30:9-31)؛ فهذا هو إيليا يظهرفي مل ء المجد، ولكن كان حديثه وهمه في الخروج العتيد أن يكمله المسيح في أورشليم أي حمله للصليب وخروجه خارج أورشليم ليصلب. ثم علينا أن نتذكر دائمأ أن القديس يوحنا المعمدان كان يحيا ويتحرك بروح إيليا، وبمعنى أكثر شمولية كان المعمدان شخصاً رأوياً يرى ما لا يُرى.
‏حتماً احتوت رؤية المعمدان الحمل وهو رافع خطية العالم كل مضمون المأساة ولكن دون مفردات، فهل تٌرفع الخطية بلا ثمن؟ وهل توضع الخطية على الحمل دون مساعدة السكين؟ وهل يتحمل حمل واحد خطية العالم كله، إن لم يكن هذا العالم بجملته محمولاً أصلاً على كتفيه، والخطية في العالم هي جرؤه الأثقل حملاً؟؟
‏وبقدر ما تتعدد أسماء خطية العالم بقدر ما يمكن أن تتعدد «وظيفة الحمل»، فهو حمل «المحرقة» و«االخطية» و«الإثم», ولأن العالم وقع تحت أسر الخطية أرضاً صار الحمل للعالم «فيصحاً» أيضاً. فمن العبث أن نسأل المعمدان ماذا كان يرى في ذبيحة الحمل؟ هل محرقة؟ أم فصحاً؟ كل ما يعرفه المعمدان عن يقين أنه فك سيور حذائه، وغسله بالماء، وأفرزه من بين الشعب ليكون جاهزاً قبل الرابح عشر(من نيسان) بثلاثة أيام سنين، حسب طقس تقويم الأنبياء، لأن يوم النبي هو بسنة، حسب دانيال.
‏وليس من الخارج فقط جهزه الصابغ السابق لهذا اليوم, بل وحمله من الداخل كل ذنوب التائبين الذين اعترفوا وتابوا واعتمدوا على يديه: «هذا جاء للشهادة ليشهد للنور ليؤمن الكل بواسطته.» (يو7:1)
‏ولكن أليس أيضاً في اسم «الحملا» الإلهي ما يفصح عن وداعة الله ولطفه وحنانه؟ فهو فوق أنه اسم ذبيح؛ فهو اسم الوداعة القادر على الصفح والغفران حسب غنى لطفه كإله وإمهاله وطول أناته، علماً بأن لطف حمل الله يقتاد إلى التوبة ولا يُحسب للانسان خطية!
كذلك يلزمنا أن ننتبه إلى الإيجاز الهائل والتركيز الممعن في الإختزال في أسلوب المعمدان في هذه الآية. فهو لم يذكر أنواع الخطايا, بل أوجزها في كلمة «الخطية» كي تحمل المعنى الكلي للخطايا أو «ناموس الخطية الكامل الكائن في أعضائي» حسبه تعبير بولس الرسول (رو23:7). ولكن أيضاً «خطية العالم» لا تزال تحمل أوزاراً أخرى للعالم الثائر على الله، الجاحد لمحبته، الرافض ليده الممدودة طول الدهور.
‏ولم يذكر المعمدان نوع الذبيحة، بالتال، التي سيؤديها الحمل, ولكنه ركز تركيزاً في قوتها في كلمة: « يرفع» التي تشمل كل معنى الكفارة والغفران بل والصفح, بما ينصت على معنى رفع الأثر أيضاً .
‏يرفع: الذي يرفع: جاءت في المضارع بمعنى الذي يرفع ويظل يرفع خطية العالم. وهي الكلمة التي استخدمها القديس يوحنا نفسه في رسالته الأولى 5:3 ‏«وتعلمون أن ذاك أظهر لكي يرفع خطايانا وليس فيه خطية». وهذا التعبير «يرفع خطية العالم» هو تعبير عميق وجليل للغاية أخذته الكنيسة كما هو وأدخلته في ليتورجياتها (تسبحة الملائكة في صلاة باكر بالأجبية , والقسمة السرياني) فصار تعبيراً ليتورجياً جليل القدر خاصة عند الغرب، حيث يقولون قبل التناول مباشرة: :(( يا حمل الله الرافع خطية العالم، ارحمنا).
‏ولم يذكر المعمدان أي إنسان أو الشعب الذي يشمله عمل الحمل، بل جمع شمل كل الناس والشعوب معاً في كلمة «العالم» دون أن يحدد ماضياً له أو مستقبلاً، لكي ينضوي تحت لواء عمل الحمل كل إنسان, كان من كان, في كل العالم.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
30- هَذَا هُوَ الَّذِي قُلْتُ عَنْهُ يَأْتِي بَعْدِي رَجُلٌ صَارَ قُدَّامِي لأَنَّهُ كَانَ قَبْلِي.
‏المعمدان يكرر هذا الوصف وكأنه يؤثق بين الواقع الذي مثله والنبوة التي تحدد موقعه «هأنذا أرسل ملاكي فيهيىء الطريق أمامي...» (ملا1:3). ثم يرجع على «الآتي بعده» ليصحح الوضع من جهة الأسبقية في الوجود والكرامة «كان قبلي».
والحقيقة التي كانت تشغل بال المعمدان هي الدور الذي وفع عليه أن يؤديه، فقد كان صعباً على نفسه للغاية أن يأتي إليه من هو أعظم منه ليعتمد منه، وليس ليعتمد منه فقط، بل ويأتي تائباً نائباً عن الشعب معترفاً بخطايا أمته وهو ليس فيه خطية ولا شبه شر!! «حينئذ جاء يسوع من الجليل إلى الأردن إلى يوحنا ليعتمد منه ولكن يوحنا منعه قائلاً: أنا محتاج أن أعتمد منك وأنت تأتي إلىّ، فأجاب يسوع وقال له: اسمح الآن لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل بر، حينئذ سمح له.» (مت13:3-5)
‏هذا من واقع إنجيل القديس متى، حيث يتضح أن المعمدان كان يعرف المسيح وكان يعرف حتماً كل ما لابس ميلاده الاعجازي، فكان يعرف أنه أفضل منه بالروح. هذا بحسب ما يفهم من مضمون رواية إنجيل القديس متى. لهذا حاول أن يمنعه لكي لا يُخجل تواضعه ويضع يده على من هو أفضل منه. ولكن من رواية إنجيل القديس يوحنا نكمل الصررة أنه بالرغم من أنه كان يعرفه بالجسد، إلا أنه لم يكن يعرف قط أن هذا هو المسيا وأنه هو هو ابن الله.
‏هذا الاجراء وما لابسه, أي تعميد الرب, لم يأيته على ذكره القديس يوحنا، لأن الوصف بهذا التحديد يجعل معمودية المسيح تُفهم وكأنها دوراً أساسي في عملية الخلاص، والحقيقة التي أبرزها إنجيل يوحنا هي أن عماد المسيح لم يكن الا وسيلة لاستعلان المسيح والتعرف عليه كما سيجيء على لسان المعمدان في الأيات القادمة.
والتقليد الرسولى والكنسي عامة، بل ومفردات اللاهوت الخلاصي، لا تشير قط أن المسيح اعتمد على يد المعمدان عن الخطاة، أو اعترف بالخطايا عن الخطاة، أوتاب عن الخطاة، بمعنى أن معمودية يوحنا لا تدخل قط في مفردات الخلاص الذي أكمله المسيح عن الخطاة. بل إن من الأمور الثابتة إنجيلياً ولاهوتياً أن عمل المعمدان برمته لا يدخل دائرة التجديد في تأسيس ملكوت الله.
وفى هذا يقول ذهبى الفم: [في الحقيقة، إن المسيح غير محتاج للمعمودية لا التي كانت له (على يد المعمدان) ولا
‏معمودية الآخرين الذين (عمدهم المعمدان). بل بالأحرى فإن «المعمودية» ذاتها كانت في حاجة إلى قوة المسيح لأن الشيء الذي كان ينقص الكل هو التقديس النهائي الذي كان يحتاجه كل من يعتمد، ألا وهو الروح القدس الذي أعطاه المسيح لما جاء].
‏فالمعمدان لم يُحسب مع التلاميذ لا الاثني عشر ولا السبعين «فقال لهم يسوع: الحق أقول لكم إنكم أنتم الذين تبعتموني في التجديد، متى جلس ابن الانسان على كرسي مجده تجلسون أنتم أيضاً على اثني عثر كرسياً تدينون أسباط إسرائيل الإثني عشر.» (مت28:19)
«الحق أقول لكم: لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان، ولكن الآصغر في ملكوت السموات أعظم منه.» (مت11:11)
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
31- وَأَنَا لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ. لَكِنْ لِيُظْهَرَ لِإِسْرَائِيلَ لِذَلِكَ جِئْتُ أُعَمِّدُ بِالْمَاءِ»

«وَأَنَا لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ»:
‏قد تعني هذه الجملة أنه لم يكن يعرفه «كمسيا»، وربما كان يعرف يسوع كأحد أقربائه. ولو أن الآية في إنجيل القديس لوقا توضح أنه تغرب كل أيام حياته في البرية حتى يوم بدء خدمته: «أما الصبي فكان ينمو ويتقوى بالروح وكان في البراري إلى يوم ظهوره لإسرائيل.» (لو80:1‏)
«لكن ليظهر (المسيح) لإسرائيل لذلك جئت أعمد بالماء».
‏والقديس ذهبي الفم يقول إنه صرح بذلك لينفي أن علاقة القرابة به أو الصداقة ذات علاقة بتعميد المسيح.
‏واضح جداً أن المعمدان تلقى ليس فقط حدود رسالته، أي التعميد بالماء كواسطة للتوبة وختم لها بعد الإعتراف والندم وذلك إعداداً لقلوب الآباء والأبناء قبل مجيء «الرب»؛ بل وأيضاً فإن إجراء التعميد هو بحد ذاته وبصورة أساسية سميكون واسطة لإعلان شخصية المسيا لكل إسرائيل، أي للأمة، حسب الوعد النبوي. وقد أمدنا القديس يوستين الشهيد برواية من فم تريفو اليهودي تعتبر ميراثاً يهودياً مسلمأ فيما يخص ظهور المسيا:
[أما المسيا عندما يولد، فهو يوجد في مكان ما يبقى مجهولاً، وحتى هو نفسه لا يعرف نفسه (خطأ «ينبغي أن أكون فيما لأ بي»)، ولا تكون له قوة حتى يأتي إيليا ويمسحه (خطأ, يعمده) وبهذا يظهره للجميع...]
ومن هذا التنبؤ في التراث اليهودي، يتضح أن كل ما يخص مجيء المسيا كانت معرفته قد سرت بين الشعب كإحدى الوسائل الهامة لتسهيل التعرف عليه.
وفي هذه الأية يكون المعمدان قد رد الرد المقنع لكل من تسوله نفسه أن يرى في عماد المسيح تحت يد المعمدان نوعاً من التكريس أو المسحة كما يخطىء الفكر اليهودي، أو يرى في المعمدان نوعاً من التفوق عل المسيح بأي نوع. ذلك أن علة عماد المسيح، بل علة كل وظيفة المعمدان كمعمد، هي لكي يُظهر «المسيا» لإسرائيل، وليعرف الجميع أن يسوع الذي من ناصرة الجليل هو المسيا الأتي .
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
32- وَشَهِدَ يُوحَنَّا: «إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ الرُّوحَ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ مِنَ السَّمَاءِ فَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ.
33- وَأَنَا لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ لَكِنَّ الَّذِي أَرْسَلَنِي لِأُعَمِّدَ بِالْمَاءِ ذَاكَ قَالَ لِي: الَّذِي تَرَى الرُّوحَ نَازِلاً وَمُسْتَقِرّاً عَلَيْهِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي يُعَمِّدُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ.

‏الأية الاولى على لسان الرسول القديس يوحنا وقد سمعها بأذنيه منه رأساً، لذلك أوردها هنا في البداية تأكيداً لما سيرويه عن لسان المعمدان نفسه. وفي شهادة الرسول يتذكر أنه وصف الروح القدس الذي نزل من السماء واستقر عليه بأنه كان «مثل حمامة»، وهذا هو التقليد الرسولي كما وصفه الإنجيليون الثلاثة.
‏والذي يلفت أنظارنا هو قول المعمدان: «إني قد رأيت الروح». هنا كلمة «الرؤيا» تأتي بمعنى المشاهدة فوة العادة أي الرؤيا الإيمانية. هنا وهنا فقط تكمن القدرة السرية الموهوبة للمعمدان مسبقاً منذ أن كان في بطن أمه لكشف سر المسيح! وحضور الروح القدس هنا هو الحضرة الإلهية التي من خلاها وهب للمعمدان الرؤية الإيمانية التي بها اكتشف سر المسيح ابن الله. فكانت نعمة «رؤية» الروح هي التي أوصلته لنعمة رؤية المسيح والإيمان أنه هو ‏المسيا ابن الله.
‏ويخطىء من يعتبر حلول الروح القدس هو حلول أقنومي أو أن المسيح امتلأ بالروح وقتئذ. فالمسيح هو الكلمة المتجسد ابن الله قبل أن يعتمد كما هو بعد أن اعتمد، واحد مع الأب والروح القدس بالإتحاد، جوهر واحد للآب والابن والروح القدس.
‏علماً بأن كلمة: «ومستقراًعليه» هي جزء من العلامة أو جزء آخر من الدليل، لكي يتأكد به المعمدان أن من تستقر عليه الحمامة تماماً هو هو يكون.
‏كذلك لا يقول اللاهوت إن المسيح صار مسيحاً بعد العماد، بل هو المسيح يوم أن حبل به في البطن، فهو ممسوح من الله ملكاً للدهور كلها ورئيس كهنة الخيرات العتيدة لحظة أن قبل الإرسالية، لحظة آن أخلى ذاته ليأخذ شكل العبد ويصير في الهيئة كإنسان وهو الله.
‏أي أن المسحة التي أخذها على الاردن هي مسحة بدء الخدمة كإشارة من الروح فقط وليست للملء أو الإرسالية، فالإرسالية تمت قبل التجسد، والملء فيه لحظة حبل به في البطن حين قدسه الله وأرسله إل العالم. وللتأكيد نعود فنقول إن الحلول والملء والتقديس والمسح هذه كلها تمت بالتجسد وليس بالعماد. والعماد اظهرها وأعلنها وأطلقها للعمل.
فالذي تم على الاردن هو عملية التكريس العلني التي هي بمثابة استقلان بدء حياة المسيح المخصصة للصليب؛ انتقل بعدها المسيح من الحياة العادية التي كان يظهر فيها كأنه إنسان عادي, نجار الناصرة, إلى حياة الصليب العلنية حيث يظهر فيها لاهوته بانفتاح السماء وإعلان الآب عن حقيقته المخفية أنه ابنه الحبيب. والروح القدس النازل عليه للتعيين والإشارة كشفت في الحال للمعمدان, بالعين الإيمانية, أنه ابن الله المملوء من الروح القدس والمزمع أن يعمد بالروح القدس.
‏فهذه المسحة التي تمت بصوت الأب من السماء وحضور الروح القدس والمعمدان كشاهد، كانت هي بدء الإرسالية العملية بصورتها العلنية وبشهادة الشهود في السماء والأرض، لم يأخذ المسيح فيها مؤهلات جديدة للخدمة فهو الكامل وملء الذي يملأ الكل. ولكن هذه المسحة استعلنت علنا بنوته للآب واحتيازه ملء حب الآب وملء الروح القدس, فهي كانت لحظة تنصيب للخدمة وليست إعداداً أو تكميلاً. وهذه اللحظة عينها قال عنها المسيح بعدئذ «من أجلهم أنا أقدس ذاتي». و يلاحظ أنه لم يقل «أقدس جسد»، فالجسد مقدس باتحاد اللاهوت، منذ كان في البطن، تقديساً كلياً وكاملاً لا يحتاج قط إلى تكميل أو تقديس أخر في المعمودية، وإلا أصبنا حقيقة إتحاد اللاهوت بالناسوت إصابة خطرة وبليغة, ولكن قوله هو: «اقدس ذاتي» وتفيد «أقدس ذاتي بإرادتي», بمعنى أكرس حياتي منذ لحظة المسحة للارسالية تكريساً كلياً لحساب الفداء وذبيحة الصليب التي فيها وبها وحدها نتقدس نحن.
‏من هذا يتضح قوله: «من أجلهم أنا أقدس ذاتي»، أي من أجلهم أخصص حياتي للموت عنهم، ولا تفيد أبداً أنه لم يكن مقدساً قبل أن يحصر حياته العملية في خدمة الصليب وحده، بل كان مقساً بل قدوساً من البطن: «فأجاب الملاك وقال لها الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعى ابن الله» (لو35:1). هذه شهادة الملاك من السماء. لذلك فحياته كلها كانت مقدسة وهو وُلد لحساب الصليب.
‏ولكننا نعلم من الإنجيل أنه مارس حياته العملية ثلاثين سنة وكان نجاراً في الناصرة، ولكن بعد لحظة المسحة أي التكريس للخدمة في الأردن انحصرت حياته في الصليب. هذا هو بدء «من ‏اجلهم أقدس ذاتي»، وفيها استعلن لاهوته وبنوته للآب، وبالتالي وبالضرورة استعلن ملؤه من الروح القدس لما حل عليه الروح القدس، مشيراً إليه، فكانت مسحة استعلان، فظهر للناس, وخاصة للتلاميذ في هذا الملء، فهو لم يمتلىء من الروح القدس في الاردن بل بالحري استعلن ملؤه من الروح القاص كما استعلنت بنوته للأب تماماً وبالتساوي. فالابن له الروح القدس خاصة ‏كالآب؛ وهو لا بأخذه ‏بل يعطيه.
‏نفهم من هذا أن قول القديس لوقا في إنجيله: «أما يسوع فرجع من الاردن ممتلئاً من الروح القدس» أنه رجع من الاردن وقد استعلن ملؤه من الروح القدس . لأننا بالمثل لا نستطيع أن نقول أنه رجع من الاردن وهو ابن الله كأنه أخذ البنوة الإلهية في العماد؛ فكما أن المسيح كان ابن الله قبل العماد وبعد العماد، هكذا يتحتم أنه كان ممتلئاً من الروح القدس قبل العماد وبعد العماد. ولا يجوز لاهوتيأ أن يقال أن المسيح امتلأ من الروح القدس مرتين كبطرس أو بولس.
‏والمعمدان دائماً يكرر «وأنا لم أكن أعرفه» ولكن ليس المعمدان وحسب، بل إن المسيح فعلاً كان مخفياً عن أقرب المقربين إليه: «لأن إخوته أيضاً لم يكونوا يؤمنون به» (يو5:7). فالمسيح باعتباره المسيا الأتي, ابن الله، عُرف لحظة حلول الروح القدس عليه من السماء كإشارة عليا ونداء الصوت من المجد الآسنى: «هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت» (مت17:3). فهذه لحظة دخوله إلى العالم مخلصاً وفادياً، لحظة الخدمة التي بدأت بالعد التنازلي حتى نقطة الصفرحينما قال: «قد أكمل» ‏(يو30:19‏)، وأسلم الروح على الصليب!
‏ومرة أخرى يتضح لنا دور المعمدان الرئيسي في استقلان شخص المسيا يسوع المسيح ابن الله، وهذا هو محور الأصحاح الأول في إنجيل القديس يوحنا بل وفي الإنجيل كله. فمن الخطأ الظن أنه بحسب إنجيل القديس يوحنا كان للمعمدان دور ما في الخلاص أو في ملكوت الله، لأن هذا كله هو عمل المسيح وحده. كذلك نفهم أن المعمدان أخذ وعداً إلهياً مباشراً مُسبقاً من مصدر لم يصح به، ولكنه هو هو الله وليس آخر وهو الآب الذي يشهد دائماً للابن، أن في أثناء التعميد فإن الذي يرى الروح نازلاً ومستقراً عليه يكون هو المسيا الآتي: «الذي سيعمد بالروح القدس».
ولم يشير المعمدان إلى أن المسيح أخذ الروح القدس، ولا المسيح نفسه أشار إلى مثل هذا.
‏ومرة أخرى نصحح ما جاء في شرح كثير من كتب الشرح ، فإن عماد المسيح واستقرار الروح القدس عليه بهيئة حمامة لم يكن أبداً لتأهيل المسيح للتعميد بالروح القدس أو لنوال الروح القدس أصلاً، وإنما كان لاستعلان المسيح وإظهاره لإسرائيل.
‏بل ويقول ذهبي الفم إن المعمدان نفسه لم يكن في حاجة شخصية للتعميد أكثر من أنه بواسطة الإغتسال يُعد الآخرين للايمان بالمسيح: [هو(المعمدان) لم يكن، إذن، بحاجة إلى المعمودية (بالماء)، ولا هذا الإغتسال كان له هدف أكثر من أن يعد الآخرين جميعاً لطريق للايمان بالمسيح، لأن المعمدان لم يقل, بالنسبة للعماد, «حتى لكي أُظهر الذين يعتمدون» أو «حتى لكي أخلصهم من خطاياهم»، ولكن قال «لكي أظهره لإسرائيل».]
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
34- وَأَنَا قَدْ رَأَيْتُ وَشَهِدْتُ أَنَّ هَذَا هُوَ ابْنُ الله.

الرواية ها تبلغ قمة استعلانها، فيسوع الذي جاء يكرز ويعمد بالروح القدس بعد المعمدان هو المسيا ابن الله. وهذه الشهادة العملية من فم المعمدان تأتي بعد رؤية عينية إيمانية عالية بسبق إعلاذ روحي، وبإلهام مُسبق، وبعلامة معينة من السماء لا يأتيها الباطل من أي جانب. فهي علامة من صُنع الروح القدس وعمله، وهو روح الحق. ويكون القديس يوحنا قد وضع هنا شهادته التي جاءت في ختام المقدمة في أية (17 و 18) كآخر استعلان «للكلمة» في مقابل شهادة المعمدان العملية كأول استعلان من داخل الإنجيل، أو في الحقيقة في أول الإنجيل على مستوى الكرازة.
«ابن الله»:
‏ورد هذا القول المهيب في سفر دانيال: «فأجاب (نبوخذ نصر) وقال ها أنا أنظر أربعة رجال محلولين يمشون في وسط النار وما بهم ضرر، ومنظر الرابه شبيه (بابن الآلهة)» وهذا خطأ في الترجمة والأصل السبعيني عن العبري الأصلي يُقرأ: «ابن الله» (دا25:3). لتد مهد المعمدان لإعلان هذا اللقب أو الوصف «ابن الله» للمسيا أعظم تمهيد بثلاثة أقوال هامة:
‏القول الأول: « أنا لست أهلاً أن آحل سيور حذائه». فهذا التعبير لا يصح ولا يحق أن يقال عن إنسان أي إنسان مهما كان! «فهذا هو ابن الله» ليس من فم المعمدان بل من أعماق إيمانه وقلبه.
أما القول الثاني: ‏إنه «سيعمد بالروح القدس» فهذه كانت الإشارة البليغة أنه «ابن الله». فلم يحدث قط ولن يحدث قط أن عمد إنسان ما بالروح القدس، فمنذ أن ظهر ابن الله حتى هذه الساعة فالذي يعمد بالروح القدس هو ابن الله، وهو بنفسه الذي يعمد عل يد كل من كانت له صلاحية التعميد كاهناً كان أو أسقفاً أو رئيس أساقفة؛ فخادم السر يخدم ، ولكن الذي يعمد بالروح القدس هو المسيح ابن الله بنفسه. فالروح القدس هو الأقنوم المساوي للآب والابن، فلا يعطيه إلا الابن بمشورة الأب.
‏أما القول الثالث: ‏نوع العلامة التي أعطاها الله للمعمدان لكي يعرف بها هذا الشخص المهيب الإلهي، فهي علامة ليست من بين كل ما في الأرض وما في السمورات من خليقة كانت. فلم تكن العلامة ملاكاً ولا رئيس ملائكة بل العلامة هي «روح الله» نفسه. ولكي تستطيع عينا المعمدان رؤية روح الله الذي لا يُرى جاءه الروح بهيئة حمامة نازلة من السماء من موضع الروح لتربط في وعي المعمدان بين المُشار إليه وبين موطنه الأصلي» ثم وسيلة الإشارة.
‏المعمدان يعلم تماماً بروحه وفكره وكل كيانه أنه جاء يمهد الطريق لظهور «الله«، لهذا كان في ردوده أمام اللجنة واثقأ في نفسه, أنه في نفسه ليس شيئاً بالمرة أمام ذاك الذي جاء ليعلن عنه. وحينما يقول إنجيل القديس يوحنا إن المعمدان رأى وشهد وقال بالروح إن هذا هو «ابن الله» فهو يقصد الابن الحقيقي للآب الحقيقي، الله الواحد بذاته وجوهره.
‏وكما قال القديس يوحنا «ونحن رأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب» عن رؤية إيمانية كاشفة أدرك فيها المجد الحال على الكلمة المتجسد الرب يسوع أنه ليس مجداً خلواً من أبوة، إذ رأى المجد مجد آب لابن, ومجد ابن في آب، فكان المجد الحال عليه وفيه، كان ينطق في وعي القديس يوحنا أن هذا هو الحب الأبوي المنسكب على الابن يتلألأ كنور في نور.
‏هكذا المعمدان رأى هو أيضاً برؤية الإيمان في حضور الروح القدس، والسماء مفتوحة, والروح يشير بإيشارات بليغة, بعضها منظور والآخر ناطق في قلب المعمدان: أن هذا هو الابن الحبيب لآبيه له اسمعوا؛ فكيف لا يسمع ولا ينطق بما رأى وسمع.
‏إن هذه الومضات الإلهامية كثيرة في الإنجيل, انظروا بطرس الرسول كيف انفتح وعيه فجأة في حضرة المسيح واستقبل إعلاناً نطقه الله الآب نفسه في قلبه, فهتف به لسانه: «أنت هو المسيح ابن الله الحي»، ففرح به المسيح وأراد أن يشجعه أكثر، فكشف له كيف ومن أين جاءته هذه الشهادة العليا: « فأجاب يسوع وقال له طوبى لك يا سمعان بن يونا, إن لحماً ودماً لم يعلن لك ولكن أبي الذي في السموات.» (مت17:16)
‏نثنائيل التلميذ الجديد الطيب اكتشف في المسيح صفته الجوهرية الإلهية بإلهام، كالبرق, وبمنتهى السرعة والجرأة والثقة، حينها أعطاه المسيح إشارة صغيرة أصابت كبده وفي الصميم: «أجاب نثنائيل وقال له يا معلم أنت ابن الله, أنت ملك إسرائيل.» (يو 49:1)
مرثا التي اهتمت بأموو كثيرة حباً في المعلم، وهي في سحق حزنها ومرارة نفسها، لما نظرت إلى الرب نظرة عتاب كيف ترك أخاها ليبتلعه الموت وتركها فريسة الآلم بلا رجاء, أعاد إليها الرب النظرة بومضة من إشعاع مجده الذاتي, فرأته كما هو, واستنطقها الإيمان فنطقت. «أتؤمنين بهذا؟ قالت له: نعم يا سيد أنا قد آمنت أنك أنت المسيح ابن الله الآتي إلى العالم.» (يو27:11-27)
‏وذلك الأعمى الفصيح أول مُدافع عن المسيح في تاريخ المسيحية والإنجيل، لما وجده المسيح أحبه وأراد أن يسعده بالنور السماوي فعرفه بابن الله؛ فقال له الآعمى البصير من هو ياسيد؟ فقال: الذي يكلمك, ونظر إليه, فنفذت النظرة إلى أعماق وعيه المسيحي. فهتف أؤمن وسجد!!
‏وفي ذلك يقول القديس كيرلس الكبير عمود الدين: [وكأنما المطوب (يوحنا) الإنجيلي يبدو أنه يقول بكثير من الثقة, مع المعمدان, هذا هو ابن الله الواحد الوحيد بطبعه (جوهر الله) وريث كل ما يخص الآب. ونحن أيضاً الذين قد تشكلنا أبناء له بالتبي وبواسطته دُعينا بالنعمة إلى كرامة البنوة, لأنه كما أن من الله الآب تُسميت كل أبوة مما في السموات والأرض بكونه أباً بالحقيقة أصلاً ومنذ البدء، هكذا كل بنوة هي أيضاً من «الابن» كونه هو وحده حقاً وأصلاً هو الابن من جوهر ذات الله].
د- المعمدان يبدأ يسلم الوديعة.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
35- وَفِي الْغَدِ أَيْضاً كَانَ يُوحَنَّا وَاقِفاً هُوَ وَاثْنَانِ مِنْ تلاَمِيذِهِ.
36- فَنَظَرَ إِلَى يَسُوعَ مَاشِياً فَقَالَ: «هُوَذَا حَمَلُ اللَّهِ».
37- فَسَمِعَهُ التِّلْمِيذَانِ يَتَكَلَّمُ فَتَبِعَا يَسُوعَ.

بحسب تقديرات العلماء المدققين يقع هذا الغد الذي يتكلم عنه القديس يوحنا في مستهل الإعتدال الربيعي قبل الفصح الأول للمسيح أي قبل 14 نيسان (أبريل) بقليل. وهذا الميعاد يشير إليه القديس اكلمندس في عظته الأولى 16:1. كما يلاحظ القارىء أننا هنا في نهاية خدمة المعمدان وفي بداية خدمة الرب، وهذا واقع في «اليهودية» أي في الجنوب، ولم يكن الرب قد انطلق بعد إلى الجليل في «إسرائيل» في الشمال.
‏وغني عن البيان أن فلسطين تنقسم إلى مملكتين: مملكة اليهودية في الجنوب ومملكة إسرائيل في الشمال، وأن عاصمة اليهودية هي أورشليم وهي عاصمة كل البلاد. لذلك فإن إنجيل يوحنا هو الوحيد الذي يذكر بداية خدمة الرب في اليهودية قبل خدمة الجليل سواء في أول الخدمة أو في نهايتها. لذلك فهو الوحيد الذي يذكر بداية اختيار تلاميذه الأوائل من اليهودية، وهو أيضاً الوحيد الذي يذكر معجزة لعازر التي تمت في اليهودية، كما أنه هو الوحيد الذي يذكر خدمة المسيح في أورشليم (اليهودية) على مدى ثلاثة أعياد للفصح وأعياد أخرى إضافية. وذلك معروف لأن لقديس يوحنا بن زبدي هو أول تلميذ التصق به منذ أول لحظة لخدمة المسيح إذ كان أولاً تلميذاً للمعمدان ثم انتقل إلى تلمذة المسيح.
«وفي الغد أيضاًا كان يوحنا (المعمدان) واقفاً هو واثنان من تلاميذه». لاحظ أن القديس يوحنا لا يلقي الكلام جزافاً، فهو يذكر بالذات اثنين من تلاميذه دون أن يذكر اسميهما. فأولاً يذكر اثنين لأنه يقدم للقارىء شهادة، وكل شهادة لا تصح إذا لم تكن على يد اثنين «وأيضاً في ناموسكم مكتوب أن شهادة رجلين حق» (يو17:8). أما ثانيأ، فلا يذكر اسميهما لأنه هو واحد منهما ولا يريد أبداً أن يذكر اسمه. أما اسم الثاني فيذكره فيما بعد في الأية 40 «كان أندراوس أخو سمعان بطرس واحداً من الإثنين اللذين سمعا يوحنا وتبعاه (المسيح)».
‏أما كيف عرفنا أن الأول هو القديس يوحنا بن زبدي فلأنه يقص لنا حادثة انتقلا من تلمذة المعمدان إلى المسيح بدقة لا يمكن أن تكون منقولة من آخر بل هي رواية شاهد عيان.
‏ولا ينبغي للقارىء أن يرتبك إذا قرأ في الأناجيل الأخرى طريقة أخرى لدعوة التلاميذ؛ أنهما في الحقيقة أنهما دعوتان: الأولى وهي التي اهتم بها القديس يوحنا جداً هي «دعوة للتلمذة» والرفقة مع المسيح، أما الدعوة الثانية فواضح أنها قاطعة ويرافقها أن كل واحد ترك كل شيء حتى بيته وأولاده وتبع المسيح فهي دعوة الرسولية, ومعروف أنه كان للمسيح تلاميذ كثيرون, وكثير منهم من اليهودية ولكن كان له اثنا عشر رسرلاً فقط ، اختارهم من بين تلاميذه، ولكن واحداً منهم سقط .
«فنظر إلى يسوع ماشياً فقال هوذا محل الله فسمعه التلميذان يتكلم فتبعا يسوع»
‏التكرار هنا ذو معنى آخر، فذكر«هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم» في السابقة (29) كان نطقاً استعلانياً يخص المسيح نفسه والعالم؛ أما هنا «هوذا حمل الله» (36) تفيد التعليم والشهادة لتلميذيه الخصوصيين اللذين كانا معه، فهو كان يكلمهم عن المسيح، وفجأة نظر المسيح ماشيأ فأشار نحوه وكان حديثه «فسمعه التلميذان يتكلم» هو نفس الحديث الذي يكرره دائماً: أنا أعمد بالماء ولكن هذا يعمد بالروح القدس، هذا هو العريس وأنا لست إلا صديقاً للعريس، هذا يبغي أن يزيد وأني أنا أنقص. أي كان حديثاً يتعلق بصميم خدمته وهي إعداد الطريق للرب وارشاد تلاميذه لمن هو أقوى منه، أما هنا فهو يكشف ضمناً عن خلاصهما وفدائهما المُدخر لهما في هذا الحمل الإلهي!!
‏ولا يفوتنا هنا أن نلقي ضوءاً على عظمة هذا الإنسان المدعو من الله الذي اسمه يوحنا (المعمدان)، إذ ليس من الهين أبداً أن يقول معلم لتلاميذه أن معلماً آخر هو أعظم مني، أو إن هم تركوه ليلتحقوا بمن هو أعظم منه فإنه يبقى فرحاً: «فرحي الآن قد كمل»!!! ولكن كان المعمدان حقاً أعظم من نبي، وكان المسيح حقاً أعظم من المعمدان!!!
‏وهذا واضح من الآية المقتضبة جداً التي قالها القديس يوحنا: «فسمعه التلميذان يتكلم فتبعا يسوع»، وكأنه يقول: فأطاع التلميذان نصيحة معلمهم وارشاده وللحال تبعا يسوع. وفي هذا القول البسيط تتصور أكبر حركة في التاريخ اليهودي والمسيحي معاً وهى حركة انبثاق الكنيسة الجديدة من جسم الكنيسة العتيقة, كنيسة البرية المتغربة في قفار الأرض.
‏هذه الحركة الإلهية التدبير والتنفيذ نجح المعمدان في تمريرها من بين يديه كعملاق يحتضن الخيمة العتيقة, خيمة داود، بعمدها الساقطة وسقفها الذي أكله الزمن، ويسلمها لمن يطويها ويغلقها جديدة من جسده، وعُمدها تمس الأرض وسجوفها السماء بعينها.
2- شهادة التلاميذ: المسيح يبدأ عمله باختيار تلاميذه وهم يشهدون له.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
38- فَالْتَفَتَ يَسُوعُ وَنَظَرَهُمَا يَتْبَعَانِ فَقَالَ لَهُمَا: «مَاذَا تَطْلُبَانِ؟» فَقَالاَ: «رَبِّي أَيْنَ تَمْكُثُ؟».

‏الأية باليونانية تبدأ بـ «لكن», وبهذا يصير تصوير هذه الحركة بادق وأجل مما هي في صورتها العربية. فهي تعني أن المسيح كان ماراً في طريقه وأن التلميذين قررا السير وراءه، فسارا يسرقان الخطى تهيباً ووقاراً, «ولكن» الرب أدرك مقصدهما فأراد أن يفتح أمامهما الباب، إما للحوار أو الدخول، فالتفت إلى الخلف, وهنا توقفت أرجلهما أو أبطأتا اضطراراً، لما نظر إليهما وهما هكذا يسترقان الخطى بحذر وهيبة خلفه, فابتسم ولا شك, قائلاً بترحاب: «عاوزين أيه» ماذا تريدان؟ لم يقل من تريدان، لأنه يعلم مقصدها، ولكنه قصد بسؤاله هذا أن يسهل عليهما الإفصاح عن عزمهما.
‏وبهذا النطق: «ماذا تطلبان؟» ثم «تعاليا وانظرا» سجل القديس يوحنا أول كلمات نطقها الرب في إنجيله
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
39- فَقَالَ لَهُمَا: «تَعَالَيَا وَانْظُرَا». فَأَتَيَا وَنَظَرَا أَيْنَ كَانَ يَمْكُثُ وَمَكَثَا عِنْدَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ. وَكَانَ نَحْوَ السَّاعَةِ الْعَاشِرَةِ.​

«تعالوا وانظروا أعمال الله, إنه رهيب في أعماله نحو بني الإنسان(مز6:66 الترجمة السبعينية)
ولو أننا وضعنا السؤال مع الجواب: « أين تمكث, تعاليا وانظرا»، لنشأ لدينا معيار عملي للإيمان. فالسؤال موجه من التلميذ الباحث عن الله (أين أنت؟)، والجواب هو دعوة من الله للدخول في الرؤيا (تعال وانظر!)
‏ولا يخفى عن القارىء أنه بالرغم من أن هذا المعيار للإيمان يبدو غريباً على الأسماع نوعاً ما في هذه الأ يام، ولكنه هو هو المعيار الأبدي منذ البدء والوحيد الذي يعيش عليه أولاد الله في كل العصور حتى اليوم.
‏الكنيسة لا تزال، بفم يوحنا الرسول وفم جيع التلاميذ الأتقياء الذين طلبوه فوجدوه، ورأوه فعرفوه، تنادي: تعالوا وانظروا. بل المسيح بنفسه لا يقول تعالوا وانظروا فحسب، بل وأيضاً: «جسوني وانظروا»، من يأكلني يحيا بي. واسألوا توما بل اسألوا أصبعه ماذا رأيت وماذا عاينت؟ توما وفع أصبعه على أعمال الله الرهيبة فصرخ: ربي والهي.
‏الكنيسة زاخرة بأعمال الله الرهيبة. المسيح استودعها كل أعماله المجيدة: «كل مجد ابنة الملك من الداخل، مزينة بأنوام كثرة»، «أعمال مجيدة قد قيلت عنك يا مدينة الله».
‏وأن تكون «مع المسيح» مثلما اشتهى تلميذا المعمدان أندراوس ويوحنا بل «ومكثا عنده»، فهذه هي شهوة أتقياء الله ، ونقول, وهذا عجب أيضاً, أنها بالمقابل رغبة المسيح الملحة جداً!!
* «أيها الأب أريد أن هؤلاء الذين أعطيتي (ومكثوا معه هنا) يكونوذ معي حيث أكون أنا أيضاً لينظرا مجدي الذي أعطيتني لأنك أحببتي قبل إنشاء العالم.» (يو24:17)
‏وجواب المسيح: «تعاليا وانظرا»!! هو أن مقصدهما الحقيقي وشهوة قلبهما الصادقة لا يمكن أن تتم لهما إلا «معه» حيث يمكن أن «يرياه» فيعرفاه, فيصير لهما «كل ما يريدان», كل شهوة قلبيهما وأكثر.
‏وكلمة «تعاليا» تأتي بالفعل المضارع الأمر الذي يفيد المجيء إلى المسيح ليس بصفة عرضية ولكن بصفة مستمرة. ونتيجة ذلك هي «ستنظران» التي تفيد فعلاً رؤيوياً حقيقياً بمعنى: حينما تأتون إلي فإنكم ترونني على حقيقتي ويتم لكم كل شيء.
‏أما لماذا كان المسيح سخيأ معهما بهذا المعنى؟ فلأنهما قدما مُسبقاً «فعل إيمان» بأن «تبعاه».
‏ولا بد يا عزيزي القارىء أن فعل الإيمان إذا كان هكذا صادقاً ومتحركاً، أن يتبعه فعل رؤيا.
«فأتيا ونظرا أين يمكث ومكثا عنده ذلك اليوم وكان نحو الساعة العاشرة».
‏كان هذا يوماً من أيام ابن الإنسان لم ينسه القديس يوحنا طول حياته، ولن تنساه الكنيسة ما عاشت، فهذا هو أول يوم لها في بيت يسوع الذي عرفته الكنيسة في سرها «باليوطا» ورقمه لها يوحنا الحبيب حتى تفهم السر لتحتفظ به لأولادها الذين يحفظون السر!
‏وقصة الإنجيل يا إخوة عجيبة وهي مملوءة أسراراً، سراً في مقابل سر، أو سراً فوق سر! فيوم الكنيسة الأول في حياة الرب قضاه التلاميذ في بيت يسوع كما قيل الأن، وقد كان أن رد المسيح للكنيسة الزيارة في آخر يوم له بأن زار التلاميذ في بيتهم وهم مجتمعون: «ولما كانت عشية ذلك اليوم وهو أول الاسبوع وكانت الأبواب مغلقة حيث كان التلاميذ مجتمعين لسبب الخوف من اليهود، جاء يسوع ووقف في الوسط وقال لهم سلام لكم» (يو19:20‏). في يومها الأول كانت الكنيسة في القماط خارجة من اغتسال الماء، وفي يومها الأخير مع الرب قبلت الروح القدس لما نفخه فى التلاميذ فأخذت ملء قامتها.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
40- كَانَ أَنْدَرَاوُسُ أَخُو سِمْعَانَ بُطْرُسَ وَاحِداً مِنَ الاِثْنَيْنِ اللَّذَيْنِ سَمِعَا يُوحَنَّا وَتَبِعَاهُ.
41- هَذَا وَجَدَ أَوَّلاً أَخَاهُ سِمْعَانَ فَقَالَ لَهُ: «قَدْ وَجَدْنَا مَسِيَّا» (الَّذِي تَفْسِيرُهُ: الْمَسِيحُ).
42- فَجَاءَ بِهِ إِلَى يَسُوعَ. فَنَظَرَ إِلَيْهِ يَسُوعُ وَقَالَ: «أَنْتَ سِمْعَانُ بْنُ يُونَا. أَنْتَ تُدْعَى صَفَا» الَّذِي تَفْسِيرُهُ: بُطْرُسُ.

لقد أثمرت زيارة أندراوس للمسي، فلقد تيقن أنه المسيا. وللحال (أول شيء عمله بعد الزيارة) بحث عن أخيه سمعان وأخبره بالخبر المفرح: «قد وجدنا المسيا». ولا ننسى أن أندراوس تتلمذ أولأ على المعمدان النبي الناسك المُرسل من الله لإظهار المسيا والشهادة له، فهو قادر أن يقنع أخاه أنه حقا قد وجد المسيا.
ويلاحظ أنه يجمع بين نفسه وواحد أخر «قد وجدنا»، هنا يذكرالقديس يوحنا نفسه دون أن يذكر اسمه!! ويعطينا العالم هنجستنبرج شرحاً آخر لكلمة: «هذا وجد أولاً أخاه سمعان»، إذ يرى أن كلمة «أولاً» جاءت لتفيد أن التلميذين أندراوس والآخر (يوحنا) ذهبا ليبحثا كل واحد عن أخيه ليحضره: أندراوس يبحث عن سمعان أخيه, ويوحنا يبحث عن يعقوب أخيه، ولكن أندراوس وجد أولاً أخاه, وهذا الشرح مقبول وقد أخذ به بعض علماء التفسير ويقوم هذا التقسير على أساس أن القديس يوحنا يرفض دائمأ أن يذكر اسمه أو اسم أخيه يعقوب.
‏«انت تدعى صفا _ بطرس»:
‏ليس كل التلاميذ أخذوا أسماء جديدة، والله منذ إبراهيم يعطي من يحملهم مسؤليات جسام أسماء جديدة. ويلاحظ أن أن هذه المسئوليات ذات طابع أخروي وتتعلق بالتجديد المزمع أن يكون: فإبراهيم أخذ لأن فيه تتبارك كل الأمم. يعقوب دعي إسرائيل أي الناظر الله وقد وصفه الله «ابني ابكر» كرمز للآتي الذي هو وحده الناظر الله والابن الوحيد. موسى لم يأخذ ولم يُسمح له أن يدخل أرض الميعاد لأنه ارتبط بالناموس، والناموس زمني وعتق وشاخ وأعطى مكانه للنعمة والحق.
سمعان بطرس أخذ، لأن «على هذه الصخرة أبني كنيستي». يوحنا مع أخيه يعقوب أخذا «بوانرجس» لأن يوحنا دوى صوته بعد البرق (الميسح) دوياً يتساوى عح حجم النور بصورة ليس لها نظير ولا يزال يدوي.
‏والملاحظ أن في انجيل القديس يوحنا أُعطى الاسم الجديد «سمعان» بعد أن فحصه الرب بنظرة عميقة، حيث لا يذكر في الأناجيل الأخرى إلا باسمه الكامل سمعان المدعو بطرس أو سمعان بطرس دون ذكر كيف ولماذا أُعطي هذا الاسم. ومرة أخرى نقول ان هذا بسبب عدم تعرض الأناجيل الأخرى لخدمة المسيح الاولى في اليهودية.
‏كذلك من الأمور المفرحة لفكر الباحث أن يجد أن هذه الأسماء التي ظهرت معاً في الآصحاح الأول لإنجيل القديس يوحنا كبداية لحركة التلمذه: القديس أندراوس وبطرس ويوحنا ويعقوب، نجد هذه الأسماء أيضأ معاً وهي نفسها كانت بداية حركة الدعوة للرسولية، بحيث اذا لم ينتبه القارىء إلى ما تم في انجيل القديس يوحنا بالنسبة لدعوة هذه الأسماء للتلمذة، ويقرأ ملابسات دعوة المسيح لهذه الأسماء لتتبعه لخدمة الرسولية, يرتبك ويحس بأنها تخرج عن الواقق المألوف، اذ لما دعاهم المسيح كما هو مدون في إنجيل القديس متى استجابوا فوراً وتركوا الشباك والصيد والعائلة بجملتها وانضموا الى المسيح فجأة وبلا تحفظ.
‏ولكن الأمر له تمهيد وتعليم وتدريب سابق: «واذ كان يسوع ماشياً عند بحر الجليل أبصر أخوين سمعان الذي »يُقال له بطرس وأندراوس أخاه يلقيان شبكة في البحر فإئهما كانا صيادين. فقال لهما هلما ورائي فأجعلكما صيادي الناس. فللوقت تركا الشباك وتبعاه!! ثم اجتاز من هناك فرأى أخوين آخرين يعقوب بن زبدي ويوحنا أخاه في السفينة مع زبدي أبيهما يصلحان شباكهما فدعاهما، فللوقت تركا السفينة وأباهما وتبعاه» (مت18:4-22)
‏هذه التلقائية السريعة من جهة هؤلاء الأربعة وتركهم كل شيء واتباعهم الرب نهائيأ, يصعب جداً بل يتعذر فهمها أو قبولها كما هي، ولكن بعد أن قدم لنا القديس يوحنا حركة التلمذة الاولى على مستوى التعارف أولاً ثم الصداقة والالفة الشديدة وتغيير بعض الأسماء والتلمذة، أصبحت دعوة هؤلاء للرسولية بوضعها الحاسم كما جاءت في إنجيل القديس متى مفهومة بل وجديرة بالإعجاب؛ فالقرار كانوا في الحقيقة قد اتحذوه مع أنفسهم لإتباع الرب تماماً ولم يكن ينقصهم إلا لحظة الدعوة التي استقبلوها بحماس حاسم.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
43- فِي الْغَدِ أَرَادَ يَسُوعُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْجَلِيلِ فَوَجَدَ فِيلُبُّسَ فَقَالَ لَهُ: «اتْبَعْنِي».
44- وَكَانَ فِيلُبُّسُ مِنْ بَيْتِ صَيْدَا مِنْ مَدِينَةِ أَنْدَرَاوُسَ وَبُطْرُسَ.​

‏من هذه الأية وفي زمانها، انتقل المسيح من خدمة اليهودية التي انحصرت في اختيار بعض تلاميذ له، وربما في بعض أعمال أخرى، إلى خدمة الجليل التي بدأ بها الإنجيليون الثلاثة أناجيلهم .
‏ يبدو أن ملاقاة فيلبس تمت أيضاً على الضفة الشرقية من الأردن، قبل أن يرتحل المسيح منها متجهاً نحو الشمال. ويلاحظ أن القديس يوحنا يذكر، بعد ذكر الملاقاة مباشرة، أن فيلبس من بيت صيدا من مدينة أندراوس وبطرس، وكأنه يربط بين الملاقاة والدعوة السريعة المقتضبة وبين أندراوس وبطرس. بمعنى أن فيلبس كان رفيقاً للآخترين، وكان يعلم كل شيء عن المسيح، وربما كان قد تم التعارف معه, بل ويرجح العالم وستكوت أن فيلبس كان تلميذاً للمعمدان أيضاً.
‏ويلاحظ أنه في اللغة اليونانية تجيء كلمة «من» بيت صيدا بحرف ( )، والتي تفيد بلد الإقامة والمعيشة، ثم «من» بحرف ( ) وتفيد مدينة أندراوس وبطرس أي «من كفرناحوم» (مر21:1 و29) وهي مدينة الميلاد.
‏ويقول التقليد أن فيلبس هو الشخص الذي لما دعاه المسيح اعتذر طالباغً أن يدفن أباه أولاً، فكانت إجابة المسيح: «اتبعني، ودع الموتى يدفنو موتاهم» (مت22:8)
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
45- فِيلُبُّسُ وَجَدَ نَثَنَائِيلَ وَقَالَ لَهُ: «وَجَدْنَا الَّذِي كَتَبَ عَنْهُ مُوسَى فِي النَّامُوسِ وَالأَنْبِيَاءُ: يَسُوعَ ابْنَ يُوسُفَ الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ».

يبدو أن كل من أتته الدعوة واستقبلها بفرح الروح، تحولت فيه إلى بشارة وكرازة.
«ونثناثيل» امم عبري يعني الله أعطى أو «عطية الله» = عطالله. والمقابل اليوناني لها هو الاسم «ثيئوذور» بنفس المعنى = تادرس. وقد عرفه القديس يوحنا في (2:21) أنه من «قانا الجليل» . ومن تسلسل الأيات والإصحاحات حيث وردت «قانا الجليل» مباشرة بعد هذا الكلام في أصحاح 1:2، يُظهر أن فيلبس وجد نثنائيل في قانا نفسها.
‏أما من هو نثائيل فلم نسمع عنه في الآناجيل الثلاثة مع أنه أصبح رسولاً. بعض العلماء مثل «زاهن» ووستكوت رأوا أن التصاق اسم فيلبس مع نثنائيل في البداية تحول إلى التصاق فيلبس مع برثلماوس في تعداد الرسل، بالإضافة إلى أن الستة التلاميذ الذين التصقوا بالرب في البداية وأخرهم نثنئيل، ذكروا بعد ذلك معاً واخرهم برثلماوس بدل نثنائيل: «وجعل لسمعان امم بطرس، ويعقوب بن زبدي ويوحنا أخا يعقوب وجعل لهما اسم بوانرجس أي ابني الرعد، وأندراوس، وفيلبس، وبرثلماوس...» (مر16:3-19)
‏ومن قول فيلبس «وجدنا» بالجمع، يتضح أنه كان ضمن التلاميذ الأوائل الذين تعرفوا على الرب من كلام المعمدان عنه.
«الذي كتب عنه موسى» (تث15:18‏).
‏كانت الأسفار المقدسة بين أيديهم يفحصونها ليل نهار مع المترقبين خلاص إسرائيل؛ وطالما توقفوا معاً عند إشارات ومضت أمام قلوبهم بالروح عن المسيا الذي يترقبون ظهوره، إذ كان يلهب قلوبهم: «أنا أحب الذين يحبونني والذين يبكرون إلىّ يجدوني» (أم17:8)؛ «لأنكم لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقونني لأنه هو كتب عني.» يو46:5)
«يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة».
‏لقد أبقى القديس يوحنا معرفة فيلبس في حيزها البشري بالنسبة للمسيح كما كانت على لسان فيلبس. ولكن واضح غاية الوضوح أنه تعريف أفضى إلى تعريف آخر في قلب فيلبس لم يسعفه الفكر أن يظهره آنئذ فاستبدل الكلام بالرؤيا «تعال وانظر».
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
46- فَقَالَ لَهُ نَثَنَائِيلُ: «أَمِنَ النَّاصِرَةِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ صَالِحٌ؟» قَالَ لَهُ فِيلُبُّسُ: «تَعَالَ وَانْظُرْ»

‏كان الذين يترقبون ظهور المسيا، يربطون بين عظمة المسيا وعظمة المدينة التي سيظهر فيها وقدسيتها وأشهر الآنبياء الذين ظهروا فيها، ولكن نثنائيل صُدم لما سمع اسم الناصرة، خاصة وأن اسم الناصرة بالعبرية مأخوذ من اسم فرع الشجرة الغير طبيعي الذي يخرج من أسفل الجزع (أصل) الشجرة ويسمى بالعربي «نسر»، وهو قريب النطق من العبري «نتسير» المأخوذ منه كلمة الناصرة.
«ويخرج قضيب من جذع (خطأ والصح جذر) يسى، و ينبت غصن (نتسير/ نسر) من أصوله ‏، ويحل عليه روح الرب...» (إش1:11)
‏فاسم الناصرة خامل في الطبيعة كما هو خامل في الآسفار تماماً. فنثنائيل يتكلم عن وعي ودراية. ولكن ألم يأخذ المسيا شكل العبد «محتقر ومخذول» (إش53:3)؟ وهو على كل دُعى «ناصرياً»، ولكنه وُلد في بيت لحم اليهودية.
‏أما الذين يقولون إن «الجليل» أيضاً هو خامل الذكر ولم يخرج منه نبي «أجابوا وقالوا له: ألعلك أنت أيضاً من الجليل فتش وانظر إنه لم يقم نبي من الجليل» (يو52:7)؛ فهذا غير صحيح وعن غير دراية يتكلمون. فكل من يونان النبي وعزيا النبي وناحوم النبي وربما إيليا النبي أيضاً وأليشع النبي وعاموس النبي كانوا جليليين وكانوا أجلاء. والجليل كانت أرضها مقدسة وسماؤها مفتوحة! أما رد فيلبس العملي فهو: «تعال وانظر»، حسب خبرته الشخصية وما سمعه من كل الذين راوه أنه ليس من رأى كمن سمع, فرؤية المسيح إن كانت عن جد وإخلاص فهي تكفي لكي يترك الإنسان كل شيء ويتبعه.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
47- وَرَأَى يَسُوعُ نَثَنَائِيلَ مُقْبِلاً إِلَيْهِ فَقَالَ عَنْهُ: «هُوَذَا إِسْرَائِيلِيٌّ حَقّاً لاَ غِشَّ فِيهِ».

‏ومن هو اسرائيلى غير الحق؟ والذي كان فيه الغش؟ لأن يعقوب الذي تغير اسمه فيما بعد إلى إسرائيل أخذ بركة البكورية بالغش إذ غش أخاه وغش أباه. فقد لبس جلد معزى ليبدو ملمسه خشناً لإسحق أبيه الذي كان قد فقد بصره, ليظهر كأنه عيسو الابن البكر الذي كان أثسعر، وذلك لكي يصلي عليه أبوه ويعطيه البركة الأخيرة، وكأنه ابنه البكر، وهو ليس كذلك. وفعلاً سرق البركة وعاش بها وجازت عليه بالفعل لأن هكذا دعاء الوالدين الأخير يكون نافذاً.
«فدخل إلى أبيه وقال يا أبي، فقال هأنذا من أنت يا ابني؟ فقال يعقوب لأبيه: أنا عيسو بكرك... فتقدم يعقوب إلى اسحق أبيه فجسه، وقال: الصوت صوت يعقوب ولكن اليدين يدا عيسو (جلد المعزى)... فباركه، وقال: هل أنت هو ابني عيسو؟ فقال: أنا هو.» (تك18:27-24‏) ولكن هذه الحركة لم ترض الرب، وغير اسمه فيما بعد الى إسرائيل, ولكن ظلت هذه الوصمة لاصقة به كل أيام حياته وأولاده من بعده!
‏والآن نحن بصدد إسرائيل العهد الجديد أشخاصاً وشعباً, أي إسرائيل الحقيقي. فكان لما ظهر نثنائيل أمام المسيح أن رأى فيه شخصية ملتهبة صادقة تطلب البركة عن حق وليس عن غش. فبعين المسيح الفاحصة رأه «إسرائيلي حقا» بمعنى أنه يطلب وجه الله عن حق في بحثه عن شخص المسيا, ورأه أن لا غش فيه بمعنى أنه رأى استقامة نفسه وقلبه كأفضل ما كان عليه إسرائيل لما رأى حلمه والسلم المنصوبة على الأرض ورأسها يمس السماء وملائكة الله صاعدة ونازلة عليها (تك10:28-15).
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
48- قَالَ لَهُ نَثَنَائِيلُ: «مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُنِي؟» أَجَابَ يَسُوعُ: «قَبْلَ أَنْ دَعَاكَ فِيلُبُّسُ وَأَنْتَ تَحْتَ التِّينَةِ رَأَيْتُكَ».

‏لقد أُخذ نثنائيل بترحاب المسيح واهتزت أعماقه لما أعطاه علامة كشفت له سرأ من أسرار, لا يعرفه أحد غيره، فأدرك سلطان المسيح على «معرفة ما في الإنسان». وهكذا ليس فقط أثبت المسيح أنه يعرفه بل وأنه رأه فأحس نثنائيل أن ليس شيء ما خفياً عن عينيه، لهذا فإن كان فيلبس يقول له عن يسوع الناصرة أنه المسيا بحسب الناموس والأنبياء فهوقد تيقن بنفسه أنه ابن الله كما قال عنه المعمدان.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
49- فَقَالَ نَثَنَائِيلُ: «يَا مُعَلِّمُ أَنْتَ ابْنُ اللَّهِ! أَنْتَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ!».

‏كان إعلان المعمدان الذي هتف به ونادى أن هذا هو ابن الله قد ملأ أسماع الناس وأخذ صداه تردده قلوب الأتقياء الذين يترقبون الخلاص بفارغ الصبر. فلما بدرت من المسيح بادرة صغيرة ألمح فيها لنثنائيل عن شخصه حتى انهمر عليه إحساس الخلاص كالسيل.
‏فهوذا ابن الله حسب وعد الدهور على لسان المعمدان، وهوذا المُلك يُرد لإسرائيل في ابن الله هذا القادر المقتدر. إنها ومضة إلهامية كشفت له الأطراف المترامية لمُلك المسيا الموعود ولكن بغير وضوح.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
50- أَجَابَ يَسُوعُ: «هَلْ آمَنْتَ لأَنِّي قُلْتُ لَكَ إِنِّي رَأَيْتُكَ تَحْتَ التِّينَةِ؟ سَوْفَ تَرَى أَعْظَمَ مِنْ هَذَا!».

‏الرؤية التي يقصدها المسيح هنا هي رؤية أمور تختص بالمسيح يدرك منها حقيقة المسيح أكثر أو أعظم مما رأى الآن. لأن دائمأ أبدأ الأمور الأعظم في الإنجيل هي أمور الله, والمقارنة هنا دقيقة وسرية، فهي مقارنة بين مستوى ما رأى المسيح من نثنائيل وهو مختفي تحت التينة, لأن الكلمة اليونانية «تحت»» تشير إلى نوع من الخفية, وما سيراه نثنائيل من المسيح وهو مختفي تحت الجسد!! فالثانية أعظم بلا قياس وهذا ستبرهنه الآية القادمة, ووعد المسيح هذا لنثنائيل هو مرتب على ملاحظة المسيح الاولى لنثنائيل أنه إسرائيلي حقاً لا غش فيه من جهة سعيه للتعرف على الله سعياً يسنده الحق والصدق معاً، كما هو مرتب على سرعة إيمان نثنائيل الملفتة للنظر, وهذا قد أصبح قانوناً في ‏أمور البحث عن الله والسعي المخلص الخالص في معرفته.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
51- وَقَالَ لَهُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ تَرَوْنَ السَّمَاءَ مَفْتُوحَةً وَملاَئِكَةَ اللَّهِ يَصْعَدُونَ وَيَنْزِلُونَ عَلَى ابْنِ الإِنْسَانِ»

«الحق الحق أقول لكم»: ‏هذا الإصطلاح بصورته المزدوجة لا يرد إلا في العهد الجديد ولا يرد إلا في إنجيل يوحنا الذي لا ترد فيه مفردة كما هي في باقي الأناجيل.
«من الآن»:
شبه الجملة الزمانية هذه لا نجدها في الأصل اليوناني ولا في التراجم الأخرى. ويقول عنها العالم الكتابي واللغوي «وستكوت» أن أفضل المراجع ذات القيمة العالية لا تأخذ بها؛ لأن ‏وجودها يخل بالمعنى ويغير مفهومه اللاهوتي.
فإذا أخذنا بها يكون المعنى: أن منذ بدء الخدمة فقط يبدأ ابن الإنسان ليكون الصلة بين الساء والأرض. ولكن الاصح لاهوتيا أن لا نأخذ بها بحسب أكثرية المخطوطات الأصلية التي لا ترد فيها.
ويكون المعنى أن بتجسد الابن، أي لما الكلمة صار جسداً، صارت العلاقة بين السماء والأرض واردة دائماً في شخص ابن الإنسان. لأن من المقطوع به لاهوتياً أن الابن المتجسد، بسبب كون «الجسد» متحداً اتحاداً كلياً وكاملاً باللاهوت، صار هو الواسطة لدخول الإنسان إلى اللع أى قدس الأقداس. «فإذ لنا أيها الإخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع طريقاً (سلماً) كرسه لنا حديثاً حياً بالحجاب أي جسده...» (عب19:10‏). لذلك أيضاً قال: «أنا هو الطريق.» (يو6:14)
‏وواضح أن القديس يوحنا يسجل هنا مبدأ لاهوتياً عاماً. كذلك لا يقدمه بصيغة المفرد حسب مجرى الحديث مع نثنائيل بل يطلقه عاماً للجميع «الحق الحق أقول لكم» بهذه الصيغة التوكيدية التي تأتي دائمأ قبل كل مبدأ استعلاني.
«السماء مفتوحة»:
السماء المفتوحة راها يعقوب إسرائيل هكذا: «ما هذا إلا بيت الله (على الآرض) وهذا باب ‏السماء (فوق).» (تك17:28)
‏لم ير السماء مفتوحة إلا إسطفانوس الشماس الشهيد، ورأى فعلاً ابن الإنسان جالساً عن يمين الله، ومن بعده راها بولس الرسول ورأى وجه يسوع يطل منها بأكثر من الشمس لمعاناً. أما القديس يوحنا فدخل في الرؤيا وعاش فيها يجوس ويسجل مناظرها.
ولكن القصد من قول المسيح هنا أننا نرى السماء مفتوحة، هو افتتاح مغاليق رحمة الله على الإنسان واستعلان رضى الأب السماوي بسبب تجسد الابن. فالسماء انفتحت بواسطة التجسد لحساب الإنسان.
وقد عبر المسيح عن ذلك بأجلى وضوح أنه هو «الباب»، وما الباب إلا باب السماء .
‏أما منظر الملائكة يصعدون وينزلون على ابن الانسان، فهو أنه وان كان قد حدث هذا بصورة ضئيلة جداً سواء عند ميلاده أو عماده أو أثناء الصوم، إلا أنه لم يرها أحد: «وصارت الملائكة تخدمه» (مر13:1‏)؛ كما نجد ذكر الملائكة في القيامة وهي تخدم وتحرس القبر(لو12:20)؛ كما نسمع عنها في القداس الإلهي، في أثنائه وبعد انتهائه: «يا ملاك هذه الصعيدة...» (القداس الإلهي)؛ كما ذكر المسيح نفسه إمكانية إحضاره جيشاً من الملائكة لو أراد: «أتظن أني لا أستطيع الأن أن أطلب إلى أبي ليقدم لى أكثر من اثني عشر جيشاً من الملائكة.» (مت53:26‏)
‏ولكن المقصود من منظر الملائكة هو الأمجاد والنعم التي رافقت التجسد والتي من أهمها انفتاح بصيرة كل الذين شاهدوا المسيح وشهدوا له ممجداً, والذين خدموا تجسده بانفتاح بصائرهم وأرواحهم, ووعظوا وشرحوا أمجاد تجسده, كما يقول القديس أغسطينوس. ولكن تظل الملائكة عندنا هي هي كما رآها المسيح تمامأ تنزل وتطلع مستندة على كلمته، محتلة بعطايا ومشورات الآب والمسيح لخدمة العتيدين أن يرثوا الخلاص (عب14:2).
‏أما القصد النهائي من هذا القول بخصوص انفتاح السماء والملائكة تصعد وتنزل على ابن الانسان حيث لم يُذكر السلم, فإن قول المسيح هذا هو عودة بقلوب وأذهان التلاميذ ومن يأتي بعدهم إلى رؤية يعقوب إسرائيل كرأس لشعب الله قديماً، باعتبار أنه وهو رأس الكنيسة شعب الله الجديد جاء ليحقق وعد الله فيها، وقد حققها: «ويتبارك فيك وفي نسلك جميع قبائل الأرض.» (تك12:28-15)
‏ولم يذكر المسيح السلم الذي رأه يعقوب، وذلك عن قصد لأنه هو السلم, هذا المنصوب على الأرض ورأسه يمس السماء!!«ابن الإنسان» وبالعبرية «بار أنوش» «وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء» (يو13:3)، الذي أوصل الأرض بالسماء، وربط السمائيين بالأرضيين، وافتتح بجسده طريقاً صاعداً إلى الآقداس العليا دشنه بدمه يوم الجلجثة، به نصعد وكأننا صرنا بأجنحة، وعليه تنحدر إلينا الملائكة وأرواح الأبرار المكملة في المجد, وعلى أكتافها نعم وبركات مختومة بدم الحمل ورضى الله.
‏وهكذا تحقق حلم يعقوب, وكل ما كان رؤى عند الأنبياء، صار حقائق نحياها كل يوم.

أنتهى الأصحاح الأول, وإلى لقاء فى الإصحاح الثانى إن شاءت عناية الله
 
التعديل الأخير:

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
الأصحاح الثاني
معجزة تحويل الماء إلى خمر فى عرس قانا الجليل

وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَانَ عُرْسٌ فِي قَانَا الْجَلِيلِ وَكَانَتْ أُمُّ يَسُوعَ هُنَاكَ. وَدُعِيَ أَيْضاً يَسُوعُ وَتلاَمِيذُهُ إِلَى الْعُرْسِ. وَلَمَّا فَرَغَتِ الْخَمْرُ قَالَتْ أُمُّ يَسُوعَ لَهُ: «لَيْسَ لَهُمْ خَمْرٌ». قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «مَا لِي وَلَكِ يَا امْرَأَةُ! لَمْ تَأْتِ سَاعَتِي بَعْدُ». قَالَتْ أُمُّهُ لِلْخُدَّامِ: «مَهْمَا قَالَ لَكُمْ فَافْعَلُوهُ». وَكَانَتْ سِتَّةُ أَجْرَانٍ مِنْ حِجَارَةٍ مَوْضُوعَةً هُنَاكَ حَسَبَ تَطْهِيرِ الْيَهُودِ يَسَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِطْرَيْنِ أَوْ ثلاَثَةً. قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «امْلَأُوا الأَجْرَانَ مَاءً». فَمَلَأُوهَا إِلَى فَوْقُ. ثُمَّ قَالَ لَهُمُ: «اسْتَقُوا الآنَ وَقَدِّمُوا إِلَى رَئِيسِ الْمُتَّكَإِ». فَقَدَّمُوا. فَلَمَّا ذَاقَ رَئِيسُ الْمُتَّكَإِ الْمَاءَ الْمُتَحَوِّلَ خَمْراً وَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ هِيَ - لَكِنَّ الْخُدَّامَ الَّذِينَ كَانُوا قَدِ اسْتَقَوُا الْمَاءَ عَلِمُوا - دَعَا رَئِيسُ الْمُتَّكَإِ الْعَرِيسَ. وَقَالَ لَهُ: «كُلُّ إِنْسَانٍ إِنَّمَا يَضَعُ الْخَمْرَ الْجَيِّدَةَ أَوَّلاً وَمَتَى سَكِرُوا فَحِينَئِذٍ الدُّونَ. أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ أَبْقَيْتَ الْخَمْرَ الْجَيِّدَةَ إِلَى الآنَ». هَذِهِ بِدَايَةُ الآيَاتِ فَعَلَهَا يَسُوعُ فِي قَانَا الْجَلِيلِ وَأَظْهَرَ مَجْدَهُ فَآمَنَ بِهِ تلاَمِيذُهُ. وَبَعْدَ هَذَا انْحَدَرَ إِلَى كَفْرِنَاحُومَ هُوَ وَأُمُّهُ وَإِخْوَتُهُ وَتلاَمِيذُهُ وَأَقَامُوا هُنَاكَ أَيَّاماً لَيْسَتْ كَثِيرَةً. وَكَانَ فِصْحُ الْيَهُودِ قَرِيباً فَصَعِدَ يَسُوعُ إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَوَجَدَ فِي الْهَيْكَلِ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ بَقَراً وَغَنَماً وَحَمَاماً وَالصَّيَارِفَ جُلُوساً. فَصَنَعَ سَوْطاً مِنْ حِبَالٍ وَطَرَدَ الْجَمِيعَ مِنَ الْهَيْكَلِ اَلْغَنَمَ وَالْبَقَرَ وَكَبَّ دَرَاهِمَ الصَّيَارِفِ وَقَلَّبَ مَوَائِدَهُمْ. وَقَالَ لِبَاعَةِ الْحَمَامِ: «ارْفَعُوا هَذِهِ مِنْ هَهُنَا. لاَ تَجْعَلُوا بَيْتَ أَبِي بَيْتَ تِجَارَةٍ». فَتَذَكَّرَ تلاَمِيذُهُ أَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «غَيْرَةُ بَيْتِكَ أَكَلَتْنِي». فَسَأَلَهُ الْيَهُودُ: «أَيَّةَ آيَةٍ تُرِينَا حَتَّى تَفْعَلَ هَذَا؟». أَجَابَ يَسُوعُ: «انْقُضُوا هَذَا الْهَيْكَلَ وَفِي ثلاَثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ». فَقَالَ الْيَهُودُ: «فِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً بُنِيَ هَذَا الْهَيْكَلُ أَفَأَنْتَ فِي ثلاَثَةِ أَيَّامٍ تُقِيمُهُ؟». وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ يَقُولُ عَنْ هَيْكَلِ جَسَدِهِ. فَلَمَّا قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ تَذَكَّرَ تلاَمِيذُهُ أَنَّهُ قَالَ هَذَا فَآمَنُوا بِالْكِتَابِ وَالْكلاَمِ الَّذِي قَالَهُ يَسُوعُ. وَلَمَّا كَانَ فِي أُورُشَلِيمَ فِي عِيدِ الْفِصْحِ آمَنَ كَثِيرُونَ بِاسْمِهِ إِذْ رَأَوُا الآيَاتِ الَّتِي صَنَعَ. لَكِنَّ يَسُوعَ لَمْ يَأْتَمِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ لأَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ الْجَمِيعَ.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
الأصحاح الثاني
معجزة تحويل الماء إلى خمر فى عرس قانا الجليل

وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَانَ عُرْسٌ فِي قَانَا الْجَلِيلِ وَكَانَتْ أُمُّ يَسُوعَ هُنَاكَ. وَدُعِيَ أَيْضاً يَسُوعُ وَتلاَمِيذُهُ إِلَى الْعُرْسِ. وَلَمَّا فَرَغَتِ الْخَمْرُ قَالَتْ أُمُّ يَسُوعَ لَهُ: «لَيْسَ لَهُمْ خَمْرٌ». قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «مَا لِي وَلَكِ يَا امْرَأَةُ! لَمْ تَأْتِ سَاعَتِي بَعْدُ». قَالَتْ أُمُّهُ لِلْخُدَّامِ: «مَهْمَا قَالَ لَكُمْ فَافْعَلُوهُ». وَكَانَتْ سِتَّةُ أَجْرَانٍ مِنْ حِجَارَةٍ مَوْضُوعَةً هُنَاكَ حَسَبَ تَطْهِيرِ الْيَهُودِ يَسَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِطْرَيْنِ أَوْ ثلاَثَةً. قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «امْلَأُوا الأَجْرَانَ مَاءً». فَمَلَأُوهَا إِلَى فَوْقُ. ثُمَّ قَالَ لَهُمُ: «اسْتَقُوا الآنَ وَقَدِّمُوا إِلَى رَئِيسِ الْمُتَّكَإِ». فَقَدَّمُوا. فَلَمَّا ذَاقَ رَئِيسُ الْمُتَّكَإِ الْمَاءَ الْمُتَحَوِّلَ خَمْراً وَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ هِيَ - لَكِنَّ الْخُدَّامَ الَّذِينَ كَانُوا قَدِ اسْتَقَوُا الْمَاءَ عَلِمُوا - دَعَا رَئِيسُ الْمُتَّكَإِ الْعَرِيسَ. وَقَالَ لَهُ: «كُلُّ إِنْسَانٍ إِنَّمَا يَضَعُ الْخَمْرَ الْجَيِّدَةَ أَوَّلاً وَمَتَى سَكِرُوا فَحِينَئِذٍ الدُّونَ. أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ أَبْقَيْتَ الْخَمْرَ الْجَيِّدَةَ إِلَى الآنَ». هَذِهِ بِدَايَةُ الآيَاتِ فَعَلَهَا يَسُوعُ فِي قَانَا الْجَلِيلِ وَأَظْهَرَ مَجْدَهُ فَآمَنَ بِهِ تلاَمِيذُهُ. وَبَعْدَ هَذَا انْحَدَرَ إِلَى كَفْرِنَاحُومَ هُوَ وَأُمُّهُ وَإِخْوَتُهُ وَتلاَمِيذُهُ وَأَقَامُوا هُنَاكَ أَيَّاماً لَيْسَتْ كَثِيرَةً. وَكَانَ فِصْحُ الْيَهُودِ قَرِيباً فَصَعِدَ يَسُوعُ إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَوَجَدَ فِي الْهَيْكَلِ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ بَقَراً وَغَنَماً وَحَمَاماً وَالصَّيَارِفَ جُلُوساً. فَصَنَعَ سَوْطاً مِنْ حِبَالٍ وَطَرَدَ الْجَمِيعَ مِنَ الْهَيْكَلِ اَلْغَنَمَ وَالْبَقَرَ وَكَبَّ دَرَاهِمَ الصَّيَارِفِ وَقَلَّبَ مَوَائِدَهُمْ. وَقَالَ لِبَاعَةِ الْحَمَامِ: «ارْفَعُوا هَذِهِ مِنْ هَهُنَا. لاَ تَجْعَلُوا بَيْتَ أَبِي بَيْتَ تِجَارَةٍ». فَتَذَكَّرَ تلاَمِيذُهُ أَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «غَيْرَةُ بَيْتِكَ أَكَلَتْنِي». فَسَأَلَهُ الْيَهُودُ: «أَيَّةَ آيَةٍ تُرِينَا حَتَّى تَفْعَلَ هَذَا؟». أَجَابَ يَسُوعُ: «انْقُضُوا هَذَا الْهَيْكَلَ وَفِي ثلاَثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ». فَقَالَ الْيَهُودُ: «فِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً بُنِيَ هَذَا الْهَيْكَلُ أَفَأَنْتَ فِي ثلاَثَةِ أَيَّامٍ تُقِيمُهُ؟». وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ يَقُولُ عَنْ هَيْكَلِ جَسَدِهِ. فَلَمَّا قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ تَذَكَّرَ تلاَمِيذُهُ أَنَّهُ قَالَ هَذَا فَآمَنُوا بِالْكِتَابِ وَالْكلاَمِ الَّذِي قَالَهُ يَسُوعُ. وَلَمَّا كَانَ فِي أُورُشَلِيمَ فِي عِيدِ الْفِصْحِ آمَنَ كَثِيرُونَ بِاسْمِهِ إِذْ رَأَوُا الآيَاتِ الَّتِي صَنَعَ. لَكِنَّ يَسُوعَ لَمْ يَأْتَمِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ لأَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ الْجَمِيعَ.
 
أعلى