ناار الروح القدس..

!! MR.BeBo !!

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
7 يوليو 2011
المشاركات
3,135
مستوى التفاعل
923
النقاط
113
+ «(يقول يوحنا المعمدان) أنا أُعمِّدكم بماء للتوبة، ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوى مني، الذي لستُ أهلاً أن أحمل حذاءه، هو سيُعمِّدكم بالروح القدس ونار» (مت 3: 11).
+ «(يقول الرب يسوع) جئتُ لأُلقي ناراً على الأرض، فماذا أريد لو اضطرمت؟» (لو 12: 49)


+ «ولما حضر يوم الخمسين، كان الجميع معاً بنفسٍ واحدة... وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار، واستقرَّت على كل واحد منهم...» (أع 2: 3،1).

في مواقف كثيرة عَبْرَ التاريخ المقدس، تُمثِّل النار ظهورات واستعلانات إلهية على الأرض، لتُعبِّر عن قداسة الله المطلقة وطبيعته التي لا تحتمل الشر، والقادرة أن تُنير وتُلهِب وتُطهِّر وتقدِّس.

فأول ذِكْر للنار هو لهيب السيف المتقلِّب الذي في يد الكاروبيم لحراسة طريق شجرة الحياة بعد سقوط آدم وحواء وطردهم من الفردوس (تك 3: 24).

ثم يأتي ذِكْر النار بعد ذلك عندما ظهر الرب لأبرام في الرؤيا وقال له: «لا تخف يا أبرام. أنا تُرس لك. أجرك كثير جداً». ووعده الرب أن يُعطيه نسلاً يخرج من أحشائه ليرث الأرض التي تغرَّب فيها طاعةً لأمر الرب. فآمن أبرام بالرب فحَسِبَه له برّاً، والتمس علامة عهد من الرب لميراث هذه الأرض، فأمره الرب أن يُقدِّم ذبائح من عِجْلة وعنزة وكبش ويمامة وحمامة، «ثم غابت الشمس فصارت العتمة. وإذا تنُّور دخان ومصباح نار يجوز بين القِطَع» (تك 15: 17).

ثم ظهر ملاك الرب لموسى بلهيب نار من وسط عُلَّيقة وهو في جبل حوريب بينما كان يرعى غنم حميه. فنظر موسى وإذا العُلَّيقة تتوقَّد بالنار ولا تحترق!! فلما دنا موسى لينظر هذا المنظر العجيب، ناداه الرب من وسط العلَّيقة وأرسله إلى مصر ليُخلِّص بني إسرائيل من عبودية فرعون (خر3: 3،2). وكانت النار المشتعلة في العلَّيقة رمزاً للتجسُّد الإلهي.

وعند خروج بني إسرائيل من مصر «كان الرب يسير أمامهم، نهاراً في عمود سحاب ليُهديهم في الطريق، وليلاً في عمود نارٍ ليُضيء لهم، لكي يمشوا نهاراً وليلاً. لم يبرح عمود السحاب نهاراً وعمود النار ليلاً من أمام الشعب» (خر 13: 22،21). وكان ذلك رمزاً لمرافقة الرب لنا وسُكناه فينا بشخصه وبروحه في العهد الجديد: «ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر» (مت 28: 20)، «وأما متى جاء ذاك روح الحق، فهو يُرشدكم إلى جميع الحق» (يو 16: 13).

وفي برية سيناء تراءى الرب لجميع شعب إسرائيل، ورآه كل الشعب عندما حلَّ على الجبل: «وكان جبل سيناء كله يُدخِّن من أجل أن الرب نزل عليه بالنار، وصعد دخانه كدخان الأتون وارتجف كل الجبل جداً. فكان صوت البوق يزداد اشتداداً جداً، وموسى يتكلَّم، والله يُجيبه بصوت» (خر 19: 20). «ولما رأى الشعب ارتعدوا ووقفوا من بعيد. وقالوا لموسى تكلَّم أنت معنا فنسمع، ولا يتكلَّم معنا الله لئلا نموت. فقال موسى للشعب: لا تخافوا، لأن الله إنما جاء لكي يمتحنكم، ولكي تكون مخافته أمام وجوهكم حتى لا تُخطئوا. فوقف الشعب من بعيد، وأما موسى فاقترب إلى الضباب حيث كان الله» (خر 20: 18-21). «وكان منظر مجد الرب كنارٍ آكلة على رأس الجبل أمام عيون بني إسرائيل» (خر 24: 17).

وفي أيام إيليا النبي، عندما رأى الشعب قد مال بعيداً عن عبادة الله وعبدوا البعل، دعا جميع الشعب وكهنة البعل وقال لهم: «إن كان الرب هو الله فاتبعوه، وإن كان البعل فاتبعوه. فلم يُجِبه الشعب بكلمة. ثم قال إيليا للشعب: أنا بقيتُ نبيّاً للرب وحدي، وأنبياء البعل أربع مائة وخمسون رجلاً. فليُعطونا ثورين: فيختاروا لأنفسهم ثوراً واحداً، ويقطعوه ويضعوه على الحطب، ولكن لا يضعوا ناراً؛ وأنا أُقرِّب الثور الآخر وأجعله على الحطب، ولكن لا أضع ناراً. ثم تدعون باسم آلهتكم، وأنا أدعو باسم الرب، والإله الذي يُجيب بنارٍ فهو الله» (1مل 18: 21-24). وهكذا فعلوا، وصرخ أنبياء البعل إلى آلهتهم حتى الظُّهر، ولم يكن صوتٌ ولا مُجيب. ثم صرخ إيليا إلى الرب «فسقطت نار الرب وأكلت المُحرقة والحطب والحجارة والتراب، ولحست المياه التي في القناة» (1مل 18: 38).

جميع هذه كانت ظهورات إلهية تُعلن عن حضرة ذاك الذي قيل عنه إنه: «يمسّ الجبال فتُدخِّن» (مز 104: 32)، وإنه «يسكن في وقائد أبدية» (إش 33: 14)، «لأن إلهنا نارٌ آكلة» (عب 12: 29).

أما في يوم الخمسين فقد ظهر الروح القدس، روح الحق المنبثق من الآب، على شكل ألسنة نارية منقسمة على رأس كل واحد من تلاميذ الرب المجتمعين بروحٍ واحدة ونفسٍ واحدة في انتظار وعد الرب لهم بأن يُلبسوا قوة من الأعالي (لو 24: 49).

+ فماذا قال الآباء عن نار الروح القدس هذه؟

+ يقول القديس يوحنا ذهبي الفم:

[كما تحرق النار الأشواك، هكذا يمحو الروح القدس الخطايا](1).

+ ويُصوِّر لنا القديس كيرلس الإسكندري هذا الحلول بمثال الحديد المشتعل بالنار، فيقول:

[إن البشرية التي قَبِلَت إليها كلمة الله غير الفاسد المُحيي، قد تحرَّرت من الفساد واستنارت بأشعة معرفة الله الحقيقية، كما يُشارِك الحديد المشتعل في قوة النار](2).

+ ويُعبِّر القديس باسيليوس الكبير عن عمل الروح القدس في تقديس النفوس بقوله:

[كما أننا لا نستطيع أن نفصل النار عن فعل التدفئة، ولا النور عن فعل الإضاءة؛ هكذا لا نستطيع أن نفصل عن الروح القدس فعل التقديس وتجديد الحياة والإصلاح والتقويم](3).

+ والقديس باسيليوس وهو يشرح رؤيا العلَّيقة المشتعلة، يقول:

[إن النار ظهرت (لموسى النبي) بلمعانها فقط، واحتجزت إلى حين قوتها الحارقة، كيما تُعلِّمنا أنه في يوم المجازاة ستتقسَّم الخواص الطبيعية للنار، وسيكون النور ليتنعَّم فيه الأبرار؛ أما الإحراق الرهيب فسيكون لِمَن يستحقون العقاب](4).

+ لقد ظهر الروح القدس على شكل ألسنة نار كيما يُلقِّنا نموذج المحبة التي يبلغ تشبيهها إلى سرِّ الأقنوم الثالث؛ هكذا يقول القديس أوغسطينوس في إحدى عظاته الفصحية للمعتمدين الجُدُد:

[إن الروح القدس أَظهَر نفسه في شكل ألسنة نار، لأنه يوصي بالمحبة التي تجعلنا حارين فيما لله، وتجعلنا نحتقر العالم. إنه يحرق فينا شوائب الإنسان العتيق، ويُطهِّر قلبنا مثل الذهب. هذا هو سرُّ المسحة المقدسة التي تهبنا نار الروح القدس بعد المعمودية بالماء](5).

+ ويذكر القديس أوغسطينوس في موضع آخر أنَّ:

[النار الإلهية تحل ليس فقط في النفس، بل في الجسد أيضاً، وتحرق منه كل ما هو بشري حتى يُبتلَع الموت إلى نصرة](6).

+ وبتعبير جميل يُصوِّر القديس أوغسطينوس للمعتمدين الجُدُد كيف صاروا خبزاً واحداً، فيقول:


[إن صوم الأربعين المقدسة، والصلوات، ورغبة الانضمام إلى الكنيسة، قد طحنوكم معاً كحبوب الحنطة تحت الرَّحَى. ثم إن ماء المعمودية قد بلَّل جُبلتكم هذه، فعُجنتم معاً وشُكِّلتم خبزاً، ولكن ليس من خبز بدون نار. لقد جاءت النار مع مسحة التكريس التي هي سر التثبيت بالروح القدس.

فالروح القدس الذي ظهر على شكل ألسنة نارية في يوم البنتيقسطي، هو الذي يُلهمنا المحبة، ويجعلنا نحترق من أجل الله، ونحتقر العالم. فالنار تأتي بعد الماء، وأنتم قد صرتم خبزاً الذي هو جسد المسيح، وهذا يُمثِّل الوحدة بينكم بصورةٍ ما](7).

+ وفي حوار دار بين القديس يوسف الكبير وتلميذه لوط، يقول القديس يوسف لتلميذه:

[إنك لا يمكن أن تصير راهباً إن لم تصبح ملتهباً كلِّيةً بالنار].

- فقال له تلميذه:

[يا أبي، إني على قدر استطاعتي أُكمل خدمتي الصغيرة، وأصوامي المتواضعة، والصلاة والتأمُّل، وأحفظ السكون، وبقدر الإمكان أحفظ أفكاري نقية. إذن، فماذا يبقى عليَّ أيضاً لأفعله؟]

- أما الشيخ فنهض وبسط يديه نحو السماء، وصارت أصابعه كعشرة مصابيح نار، وقال له:

[إن أردتَ، تستطيع أن تصبح بجملتك مثل النار](8).

+ أما القديس أنطونيوس الكبير فيُوصينا في رسائله:

[وكونوا عالمين بقلوبكم بالذي يطلب من الله لأجلكم النار التي ألقاها الرب يسوع على الأرض (مت 6: 19) يُلقيها في قلوبكم، لتستطيعوا أن تتدرَّبوا في عزائمكم وحواسكم، وتميِّزوا بين الخير والشر، وبين أهل اليمين والشمال، والأمور الثابتة وغير الثابتة](9).

+ ويقول أيضاً القديس أنطونيوس الكبير:

[هذا وأُريدكم أيضاً أن تعرفوا ما أقوله لكم وأشهد به. بالحقيقة، يا أولادي الأحبَّاء، أنَّ كل مَن لم يُبغض ما يختص بالطبيعة الهيولانية (أي المادية) الأرضية مع كل أعمالها بكل قلبه، ويبسط عقله نحو العلاء لآب الكل؛ لا يستطيع أن يخلُص. أما مَن يعمل هكذا كما قلتُ، فإن ربنا يتراءف على أتعابه، ويُنعِم له بالنار غير المرئية وغير الهيولانية (أي غير المادية) لتحرق كل الأوجاع التي فيه وتُطهِّر عقله. عند ذلك يسكن فيه الروح الذي لربنا يسوع المسيح، ويكون معه، ليستطيع أن يسجد للآب كما يجب...](10).

+ أما القديس أنبا مقار الكبير فيقول في عظاته:

[فمن حيث كان الرسل في نفوسهم أنواراً!! أعطوا النور لكل المؤمنين، فأناروا قلوب الناس بنور الروح السماوي، ذلك الذي هم أنفسهم كانوا مستنيرين به](11).

[إن النفس تحتاج إلى المصباح الإلهي، وهو الروح القدس، الذي يُنير بيت النفس المُظلم](12).
 
أعلى