معضلة وجود الشر في العالم

إنضم
26 مايو 2017
المشاركات
36
مستوى التفاعل
4
النقاط
8
أشكر لك إجابتك أخي الفاضل , و في الحقيقة هو كما قلت , القراءة وحدها لم تعد تفي باحتياجاتي , أريد كإنسان أن أحس بوجود الله في حياتي إحساساً حقيقياً , و لذلك سأفتح موضوعاً مستقلاً بهذا الخصوص .

أكرر شكري لشخصكم الكريم .
 

My Rock

خدام الكل
مدير المنتدى
إنضم
16 مارس 2005
المشاركات
27,311
مستوى التفاعل
3,159
النقاط
113
الإقامة
منقوش على كفيه
أخي العزيز محب النور

أحب فقط ان اسجل حظوري ومتابعتي للحوار، ورغبتي في التواصل معك في مواضيعك القادمة.
لي ملاحظة بسيطة بشأن العلاقة مع الله.. ان تكون لنا رغبة علاقة بشخص ما يتطلب منا معرفة هذا الشخص وتقضية الكثير من الوقت في حضرته..
سأصلي من أجلك. الرب معك.
 

خادم البتول

عضو نشيط
عضو نشيط
إنضم
13 أبريل 2012
المشاركات
1,062
مستوى التفاعل
1,031
النقاط
113
الإقامة
عابـــر سبيــــل
...................
أريد كإنسان أن أحس بوجود الله في حياتي إحساساً حقيقياً
...................


رغبتك أن "تحس بوجود الله في حياتك إحساسا حقيقيا" هي في الحقيقة رغبة الله نفسه في الإعلان عن ذاته فيك ومن خلالك! هذه ليست رغبتك أنت الشخصية وإنما رغبة الله ذاته! :)

ولكن ماذا حدث عندما ظهرت هذه الرغبة في وعيك؟ لقد أخذتها لحسابك الخاص واعتقدت أنها رغبتك الشخصية. لذلك تقول "أريد كإنسان"! هذه تحديدا هي المشكلة. هذا "الإنسان" الذي "يريد"! هذا الإنسان ـ بكل أفكاره ورغباته وحيرته وحتى بحثه عن الله ـ هذا الإنسان هو نفسه ما يحجب الحضور الإلهي الذي يتجلى بالفعل داخلك، والذي لولاه ما ظهرت هذه الرغبة ابتداء لديك! بل لولا هذا الحضور الإلهي ما ظهر داخلك أي نزوع نحو الحقيقة أو نحو الخير أو نحو الحب أو نحو الجمال، لأن هذا النزوع هو نفسه إشراق الله فيك وفيض أنواره في قلبك! :)

لذلك قال أحد الحكماء قديما: يمكن أن تجد الله، بشرط ألا تبحث عنه!


إنها مفارقة بالطبع، ولكن لدينا أمثلة عديدة لشرحها: امرأة تضع مثلا في عنقها قلادة (سلسلة) صغيرة ثم نسيت أنها ترتديها والآن تبحث عنها، بالطبع دون جدوى. لكن القلادة عزيزة غالية، والمرأة أيضا عنيدة، وهكذا بعد أن بحثت في كل مكان في غرفتها وبيتها ذهبت تبحث أيضا في بيوت جيرانها وصديقاتها لعلها تجد قلادتها هناك. ولكن للأسف: كله جهد ضائع! حتى لو بحثت في كل ركن وزاوية بالعالم لن تجد هذه المسكينة أبدا قلادتها!

ما هي حقا مشكلة هذه المرأة؟ لماذا كل هذه المعاناة في البحث ولماذا ـ رغم كل هذا التعب ـ لا تجد أبدا قلادتها الثمينة؟ السبب هو أنها في الحقيقة لم "تفقد" أبدا هذه القلادة! إنها في عنقها بالفعل. المشكلة بالتالي هي أنها فقط تعتقد أو تتوهم أنها فقدتها! وهكذا أصبح الأمر معكوسا: كلما أصرت هذه المرأة وأمعنت في البحث: كلما استحال بالعكس العقور على ما تريد! كلما أمعنت في البحث كلما ابتعدت عن اكتشاف الحقيقة وكلما سيطر "وهم الفقدان" على عقلها وأفكارها!


هكذا بالضبط حالنا مع الله: الإنسان يبحث عنه في كل مكان، في كل كتاب، في كل دين وفلسفة ومعبد وكنيسة. ولكن كما رأينا: كلما أمعن الإنسان في البحث عن الله كلما ابتعد بالعكس عن "حقيقة" حضوره وكلما سيطر عليه بالأحرى "وهم" غيابه! أصبح "البحث" نفسه بالتالي ـ وهنا للمفارقة ـ هو بالعكس ما يبعدنا عنه، لأن البحث ـ مجرد البحث ـ يعني ضمنا أن الله غائب أو مفقود! ولكن ـ وكما رأينا مع القلادة ـ المشكلة ليست أبدا أن الله حقا غائب أو مفقود أو حتى بعيد. المشكلة هي فقط أننا "تعتقد" ذلك، أن ذلك ما "تتوهمه" عقولنا!


الآن نعود إلى تلك المرأة لنسأل: ماذا عليها أن تفعل كي "تجد" حقا قلادتها؟ عليها ببساطة أن تتوقف عن البحث تماما! عليها أن تهدأ وأن تسكن، ومن ثم يسكن عقلها، وفقط عندئذ سوف "تتذكر" الحقيقة، أو تكون على الأقل أقرب إلى سماع "الحدس"، هذا الهمس الصادر من قلبها والذي سوف يخبرها عاجلا أو آجلا: "ربما لم تفقدي حقا هذه القلادة؟ ربما تكون بالفعل في عنقك كل هذا الوقت؟"

هكذا تتحسس المرأة عنقها فتجد بالفعل قلادتها أخيرا وعندئذ تطير بالطبع فرحا. لقد عثرت أخيرا على قلادتها الغالية! غير أن هذا أيضا توصيف خاطئ لما حدث: هذه المرأة لم "تعثر" أبدا على أي شيء، لأنها لم "تفقد" ابتداء أي شيء! سبب الفرح الحقيقي بالتالي ليس "عثورها" على ما كان "مفقودا" وإنما بالأحرى خلاصها وتحررها من "وهم الفقدان" ذاته!



بالمثل: الطريق إلى الله لا ينكشف أبدا إلا بالعكس: حين نتوقف تماما عن البحث والتساؤل وحتى التفكير! حين يسكن العقل ويهدأ كليا فنستطيع من ثم أن نسمع أخيرا حدس القلب وهمس الروح الذي سوف يخبرنا أخيرا بالحقيقة!

وما الحقيقة؟

الحقيقة هي أن الله هنا بالفعل، هنا والآن، حاضر مشرق متجلٍ فيك كما في كل إنسان بل في كل شيء من حولك! ليس هناك حقا "طريق" نحو الله، لأن "الطريق" يوحي بالمسافة والبعد بينما سبحانه هنا بالفعل، الآن في هذه اللحظة، أقرب إليك حتى من ذاتك! الله في السماء، نعم، لكن السماء نفسها في قلبك! "ها ملكوت الله داخلكم" يقول المعلم! ها نبع المحبة بحر الجمال هيكل الأنوار عرش العظمة والمجد والجلال كله داخلكم! ها حضرة القدوس ذاته بكل بهائها وشموسها وأفراحها داخلكم!

الله أقرب إليك من كل ما تتصور حتى أنه إرادتك حين تريده وفكرك حين تفكر فيه! رغبتك فيه، رغبتك نفسها ـ كما قلنا في البدء ـ هي بالأحرى رغبته فيك، وإرادتك أن يحضر في حياتك هي في الحقيقة إرادته هو سبحانه أن يتجلى وأن يعلن عن ذاته في حياتك! فماذا أقرب إليك حقا من إرادتك وفكرك؟ هل في كل الوجود ما هو أقرب منه؟ هل في حياتك كلها ـ الآن بالفعل ـ ما هو أكثر منه حضورا وظهورا وإشراقا؟


هكذا إذاً يمكن أن نجد الله، بشرط ألا نبحث عنه! وهكذا حين نجد الله أخيرا سنعرف عندئذ أنه لم يغب قط عنا! أنه لم يفارقنا لحظة واحدة، ولا طرفة عين! مهمتك بالتالي في هذا العالم ـ ومهمتنا جميعا ـ ليست "استحضار" الله حقا إلى حياتنا أو إلى قلوبنا ولكنها فقط تحررنا وخلاصنا نحن أولا من وهم غيابه! :)

 
أعلى