الصليب كما قصده الرب، شرط التبعية حسب الإنجيل - الجزء الثاني

aymonded

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
6 أكتوبر 2009
المشاركات
16,056
مستوى التفاعل
5,360
النقاط
0
[FONT=&quot](2) شرط التبعية حسب الإنجيل

[FONT=&quot]إن أراد أحد أن يأتي وراء المسيح الرب، عليه ان يأتي بكامل حريته واختياره الشخصي، كما أن عليه أن يصغي لكلامه الذي قاله، لأنه حدد الطريقة الوحيدة للمسيرة السليمة في تبعيته، لأنه لا يصح أن نخترع طريقة أُخرى نسير بها وراءه مهما ما كان شكلها رائع ومعناها الروحي عميق، ولا نضع شروطاً حسب تأملاتنا الخاصة، أو نتساءل لماذا هذا التحديد، بل ينبغي أن نستمع إليه لأنه حدد لنا المسيرة قائلاً: [إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ].


[FONT=&quot]لذلك الذي يُريد أن يتبع مسيح الحياة فعلياً، عليه أن ينكر نفسه أولاً ليستطيع أن يحمل صليبه ويتبع المسيح الرب إلى الجلجثة لكي يُصلب فيموت معه، ومن ثمَّ يتذوق قيامته لتصير خبرة حقيقية في حياته الشخصية، فيبلغ معه لحضن الآب، لأنه بدون إنكار النفس لن يستطيع أحد أن يحمل صليبه بقبول ورضا، وبدون حمل الصليب يستحيل – في المطلق – الموت مع المسيح، وبدون موت معهُ لا قيامة لأحد، وبدون القيامة يتعذر علينا أن نسكن حيث المسيح الرب جالس وكائن: "في حضن الآب"، وبالتالي ستكون حياتنا المسيحية مجرد أفكار ونظريات غير قابله للتطبيق العملي، حبيسة العقل وكتب اللاهوت وأفكار اللاهوتيين وأبحاث من يدَّعوا انهم مستنيرين، أو الظاهر أنهم مُعلمي التقوى والفضيلة، لأنهم يَحْزِمُونَ أَحْمَالاً ثَقِيلَةً عَسِرَةَ الْحَمْلِ وَيَضَعُونَهَا عَلَى أَكْتَافِ النَّاسِ وَهُمْ لاَ يُرِيدُونَ أَنْ يُحَرِّكُوهَا بِإِصْبِعِهِمْ (متى 23: 4)، لأن الخدمة الروحية أو اللاهوتية نفسها (حسب مشيئة الله وإعلان تدبيره) تستحيل – بشكل مُطلق – بدون انكار النفس وحمل الصليب وتذوق خبرة الموت مع المسيح الرب:

[FONT=&quot]+ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَخْدِمُنِي فَلْيَتْبَعْنِي، وَحَيْثُ أَكُونُ أَنَا هُنَاكَ أَيْضاً يَكُونُ خَادِمِي. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَخْدِمُنِي يُكْرِمُهُ الآبُ (يوحنا 12: 26)[/FONT]
[FONT=&quot]فطريق الحق للحياة مع المسيح وتبعيته بإخلاص، يبدأ بإنكار النفس ونسيان كل لذاتها ورغباتها وكل ما تشتهيه في هذا العالم الحاضر الشرير، وذلك بكونها أحبت المسيح الرب الذي دعاها بالمجد والفضيلة لتكون قدساً خاصاً به، لتدخل في شركة الطبيعة الإلهية هاربة من الفساد الذي في العلم بالشهوة: [FONT=&quot]كَمَا أَنَّ قُدْرَتَهُ الإِلَهِيَّةَ قَدْ وَهَبَتْ لَنَا كُلَّ مَا هُوَ لِلْحَيَاةِ وَالتَّقْوَى، بِمَعْرِفَةِ الَّذِي دَعَانَا بِالْمَجْدِ وَالْفَضِيلَةِ، اللَّذَيْنِ بِهِمَا قَدْ وَهَبَ لَنَا الْمَوَاعِيدَ الْعُظْمَى وَالثَّمِينَةَ لِكَيْ تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلَهِيَّةِ، هَارِبِينَ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بِالشَّهْوَةِ. (2بطرس 1: 3 – 4)[/FONT][/FONT]

[FONT=&quot]فالرب قبل أن يُنادي بحمل الصليب مهد إليه بإنكار النفس، لأنه يستحيل علينا أن نعيش كما يحق لإنجيل المسيح الرب بدون هذا الإنكار، بل أيضاً حتى التوبة نفسها تصير مستحيلة، لأننا لا نرغب في أن ننكر أنفسنا ونرفض تنعمها باللذات، بل نضع الحجج والبراهين لتثبيت شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة، وبالتالي فأننا لن نرضى بالصليب لأننا لا نُريد أن ننكر أنفسنا بكوننا صرنا لآخر، أي لشخصه العظيم القدوس، أي كرسنا قلبنا لهُ فصرنا لا نعرف أنفسنا بعد بحسب الجسد بل نعرفه هو إلهاً حياً وحضوراً مُحيياً، ومن أجله نُحسب كغنم للذبح: «إِنَّنَا مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ كُلَّ النَّهَارِ. قَدْ حُسِبْنَا مِثْلَ غَنَمٍ لِلذَّبْحِ» (رومية 8: 36)، وهذا هو سرّ الثبات في التوبة وضبط المسيرة الروحية والسلوك بالطهارة والثبات في حياة القداسة. [/FONT]
[FONT=&quot]ومن هُنا يلزمنا أن نتعرف على الصليب لا بكونه مأساة، بل كنعمة خلاص، وبذلك نرحب به وهو يأتي إلينا بفرح تبعية مسيح القيامة والحياة، لأننا ننظر لرئيس الإيمان ومكمله يسوع السائر بثبات نحو الصليب ليُرضي الآب: والذي أرسلني هو معي، ولم يتركني الآب وحدي لأني في كل حين أفعل ما يُرضيه (يوحنا 8: 29)، فالمسيح الرب سار نحو الصليب – بخطوات ثابتة واثقة – حسب التدبير والمشيئة بدون أن يتملص أو يهرب أو يتذمرّ، بل كان مُصرّ إصراراً على تتميم مشيئة الآب بطاعة حتى النهاية، حتى الموت موت الصليب.[/FONT]
[FONT=&quot]فالصليب لم يكن شيء طارئ أو عارض في طريق المسيح الرب، بل كان ضرورة حتمية واجبة حسب التدبير [الآنَ نَفْسِي قَدِ اضْطَرَبَتْ. وَمَاذَا أَقُولُ؟ (أو هل ممكن أن أقول هذا) أَيُّهَا الآبُ نَجِّنِي مِنْ هَذِهِ السَّاعَةِ. (لا) وَلَكِنْ لأَجْلِ هَذَا أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ السَّاعَةِ (يوحنا 12: 27)]، وكذلك صار لنا أيضاً أساساً جوهرياً لحياتنا المسيحية حسب قول الرب نفسه عن تبعيته الحقيقية، لأنها ليست نظرية ولا حياة تنعم بالجسد، بل سيراً أميناً مع المسيح الرب تحت المزلة والآلام والرفض والتعيير من الجميع حتى الموت موت الصليب.[/FONT]

[FONT=&quot]والصليب على هذا المستوى ليس نوع من أنواع الألم الطبيعي المُلازم للحياة الفانية كجزء لا يتجزأ منها، ولا هو قضية رفض من جهة مبدأ نتمسك به او عقيدة نعتنقها وكانت سبب رفض الناس لنا لأننا لا نتوافق مع أفكارهم، لأن الصليب أن لم نعي واقعيته المسيحية فلن يصير سوى مجرد مصيبة من ضمن مصائب الحياة اليومية، أو تجربة من تجارب الحياة وضيقتها التي يراها جميع الناس بلا استثناء بسبب عامل الموت والفساد الذي سار في البشرية مثل النار في الهشيم، أو نراه على أساس انه مرض جسدي يعترينا ونُصبِّر أنفسنا لأننا رأينا ان هناك عجز في الشفاء، لأن أحياناً البعض يفتش عن صليب لنفسه ويحاول أن يركض وراء الألم والرفض، أو يحاول يصبر نفسه على آلام مرضه أو الضيقات المحيطة به في وسط العالم سواء مادية أو معنوية، فيخترع صليباً لنفسه لا يجعله يتأصل في المسيح الرب ويسير في طريقه، فيصير أسير ذاته فيتوجع أكثر، وربما يدخل في دوامة نفسية تدمره داخلياً، ويحيا في نزاع مرير قد يسقطه في حالة من اليأس التام حتى يفقد كل رجاء وأمل في الحياة، وهذا يعتبر مرض نفسي خطير، لأننا لا نستحضر الألم او نخترعه لأنفسنا، ولا حتى نخترع حجج لنُصبر أنفسنا على الضيقات ونُلبس كل شيء ثوب الصليب حتى نرتاح نفسياً، وعلينا أن نحذر ونفهم لأن الصليب بالنسبة للمسيحي الحقيقي ليس نوع من أنواع الحزن المُظلم أو اليأس المُدمر للنفس، أو رفض الحياة وعدم الرغبة في أن نعيش متمنيين الموت لأننا مكسورين ومحطمين.[/FONT]

[FONT=&quot]فالصليب الذي يتحدث عنه الرب هو القبول الكامل الواعي لمشيئة الله وتتميمها للنهاية بالموت لبلوغ القيامة، فالموضوع ليس قناعة العقل قسراً أو التواء الحقائق بسبب ضعفنا النفسي فنصور الضيق أو المحنة العادية التي نمر بها على أنها صليب علينا أن نقبله، لكن الصليب – في واقعه – هو معرفة مشيئة الله بدقة والسير فيها بوعي وإدراك عالي بحكمة وتدبير حسن بكل رضا وطاعة وسلام، لذلك ينبغي علينا أن نُميز ما بين الصليب الذي حسب مشيئة الله، وبين آلام الزمان الحاضر الطبيعية والتي ليست حسب مشيئة الله ولا تدبيره، مثل المرض الطبيعي وغيرها من مشاكل الحياة، لأنها بطبيعتها دخيلة بسبب الفساد وعامل الموت، وهذه تختلف جوهرياً عن قبول أوجاع صليب عار المسيح الرب لأن أساسه طاعة الإيمان الحي العامل بالمحبة، لأن القبول قبول أبناء الله المحبين لشخصه، العارفين مشيئته، وشهوتهم أن يتمموها للنهاية كما فعل الرب نفسه بطاعة مشيئة الآب: الكأس التي أعطاني الآب ألا أشربها (يوحنا 18: 11)، وسرّ الطاعة هنا هو قوة الحب الحقيقي الكامل: اِجْعَلْنِي كَخَاتِمٍ عَلَى قَلْبِكَ كَخَاتِمٍ عَلَى سَاعِدِكَ، لأَنَّ الْمَحَبَّةَ قَوِيَّةٌ كَالْمَوْتِ، الْغَيْرَةُ قَاسِيَةٌ كَالْهَاوِيَةِ، لَهِيبُهَا لَهِيبُ نَارِ لَظَى الرَّبِّ. مِيَاهٌ كَثِيرَةٌ لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْفِئَ الْمَحَبَّةَ وَالسُّيُولُ لاَ تَغْمُرُهَا. إِنْ أَعْطَى الإِنْسَانُ كُلَّ ثَرْوَةِ بَيْتِهِ بَدَلَ الْمَحَبَّةِ تُحْتَقَرُ احْتِقَاراً. [FONT=&quot](نشيد 8: 6 – 7)[/FONT][/FONT]
[FONT=&quot]إذاً ما هو الصليب الذي يقصده الرب على وجه التحديد!؟[/FONT]
[FONT=&quot]طبعاً هناك درجات في الصليب مختلفة أن لم نعيها فلن نسير باستقامة في طريق الرب، ولذلك علينا أن نشرح بالتفصيل حسب إعلان الإنجيل قصد الرب كما هو دون زيادة أو نقصان، لنستطيع أن نعي طريقنا المسيحي الأصيل لنسير فيه بكمال وعينا ونحيا مسيحيين بالصدق والحق.[/FONT]
[/FONT]
[/FONT]
[/FONT]
 

aymonded

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
6 أكتوبر 2009
المشاركات
16,056
مستوى التفاعل
5,360
النقاط
0
في الجزء الثالث سنتحدث عن
(3) الصليب كما قصده الرب
أولاً: (الدرجة الأولى والأساسية)
 

انت مهم

عضو نشيط
عضو نشيط
إنضم
22 يناير 2015
المشاركات
766
مستوى التفاعل
151
النقاط
0
تامل جميل ربنا يباركك اخي الفاضل ايمن
 

aymonded

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
6 أكتوبر 2009
المشاركات
16,056
مستوى التفاعل
5,360
النقاط
0
تامل جميل ربنا يباركك اخي الفاضل ايمن

ويهبك سلام وفرح وراحة لا تزول
ولنصلي بعضنا لأجل بعض؛ النعمة معك

 
أعلى