الترتيبان كلاهما يهودي، كلاهما وضعه اليهود، ذلك أن الترتيب ليس إلهيا أو مُوحى به وإنما يتبع "تصنيف" أو "تقسيم" الكتاب الذي استخدمه اليهود في مراحل تاريخهم المختلفة. لدينا بالتالي التصنيف الثنائي والثلاثي وحتى الرباعي لهذا الكتاب. كل الفرق بالتالي هو أن ترتيب العهد القديم عند اليهود (ويُعرف بـ"التناخ") يتبع التصنيف الثلاثي، بينما ترتيبه عند المسيحيين يتبع التصنيف الرباعي.
التصنيف الثنائي: التوراه ـ الأنبياء (وأحيانا الناموس والأنبياء، أو موسى والأنبياء). هذا هو التصنيف أو التقسيم الأقدم تاريخيا، وفيه تشير "التوراه" أو الناموس إلى أسفار موسى الخمسة، الأسفار الأولى من تكوين إلى تثنية، بينما تشير "الأنبياء" إلى جميــع الكتب الأخرى الباقية. هذا أيضا هو التصنيف الأكثر شيوعا في زمن السيد المسيح على الأرض ولهذا نجد الإشارة إليه تكررت كثيرا بالعهد الجديد. على سبيل المثال في متى يقول السيد في آية شهيرة: «لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل». أيضا: «... بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والأنبياء». كذلك عند لوقا: «... قال له إبراهيم: عندهم موسى والأنبياء، ليسمعوا منهم». كذلك عند يوحنا: «... وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء، يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة»، وهكذا. فالمقصود في كل هذه الأمثلة هو الكتاب كاملا، التناخ أو العهد القديم كاملا. "الأنبياء" هنا لا تعني فقط "قسم الأنبياء" كما سيظهر في التصنيفات اللاحقة.
التصنيف الثلاثي: التوراه ـ الأنبياء ـ الكتابات (وأحيانا التوراه والأنبياء والمزامير، و"المزامير" هنا كناية عن جميع الكتابات وليس فقط سفر المزامير). هذا هو التصنيف الذي استقر عليه اليهود وهو الأكثر شيوعا بينهم. هذا بالتالي هو الذي فرض هذا الترتيب المذكور بالسؤال، حيث ينتقل قسم "الكتابات" كله إلى ما بعد "الأنبياء". يُلاحظ أن أصل كلمة "تناخ" نفسها هو الحروف الأولى حسب هذا التقسيم (توراه ورمزها "ت"، نيبيئيم ورمزها "ن"، ثم كيتوبيم ورمزها "ك" أو "خ"). أخيرا وعلى عكس التصنيف الثنائي لم يذكر العهد الجديد هذا التصنيف الثلاثي ـ فيما أعتقد ـ إلا مرة واحدة فقط (لوقا: «هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد معكم: أنه لا بد أن يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والأنبياء والمزامير»)، مما يدل على أن هذا التصنيف كان موجودا منذ ذلك الوقت أيضا وإن لم يكن شائعا.
التصنيف الرباعي: التوراه ـ التاريخ ـ الشعر ـ الأنبياء. هذا أخيرا هو التصنيف الأحدث، ظهر بالترجمة "السبعينية" الشهيرة التي قام بها شيوخ اليهود بالقرن الثالث قبل الميلاد، وهذا هو ما فرض ترتيبا جديدا لأسفار الكتاب هو الترتيب الذي تبناه المسيحيون فيما بعد واستقروا عليه. لذلك نجد في الكتاب المقدس الذي بين أيدينا اليوم أن الأسفار الشعرية مثلا (أيوب، المزامير، الأمثال، الجامعة، نشيد الأناشيد) كلها تأتي هكذا وراء بعضها في قسم واحد. كل ما قبل أيوب بالتالي هو "قسم التاريخ"، بينما كل ما بعد النشيد هو "قسم الأنبياء".
الخلاصة: التناخ اليهودي هو نفسه العهد القديم المسيحي ولا فرق بينهما على الإطلاق من حيث المحتوى أو المضمون. الاختلاف الوحيد بينهما هو فقط ترتيب الأسفار، حيث يتبع ترتيب التناخ التقسيم الثلاثي للكتاب، بينما يتبع ترتيب العهد القديم التقسيم الرباعي.